هو السلطان أبو عبد الله محمد بن محمد شيخ الوطاسي المعروف بالبرتغالي، صاحب المغرب، وقع في الأسر عند البرتغاليين مدةً من الزمن وهو صغير السن؛ ولذلك لقِّب بالبرتغالي, تولى السلطنة بعد والده محمد شيخ، وقد انشغل بجهاد البرتغاليين, وبعد وفاته تولى أخوه أبو الحسن علي بن محمد الثاني الملقب أبو حسون، فقام أبو العباس أحمد بن أبي عبد الله محمد بخلع عمه أبي حسون.
في سادس عشر جمادى الآخرة قدم الأمير صلاح الدين محمد الحاجب بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخاص إلى الإسكندرية في تحصيل المال، فجلس بالخمس، وبين يديه أعيان أهلها، فجاءه الخبر بأن الفرنج الذين وصلوا ببضائع المتجر، وهم في ثمان عشاريات من مراكب بحر الملح، قد عزموا على أن يهجموا عليه، وأن يأخذوه هو ومن معه، فقام عَجِلًا من غير تأنٍّ يريد الفرار، وتسارع الناس أيضًا يفرون، فهجم الفرنج من باب البحر، فدافعهم من هناك من العتالين، حتى أغلقوا باب البحر، وقتلوا رجلًا من الفرنج، فقتل الفرنج نحو عشرين من المسلمين، وانتشروا على الساحل، وأسروا نحو سبعين مسلمًا، وأخذوا ما ظفروا به، ولحقوا بمراكبهم، وأتوا في الليل يريدون السورَ، فتراموا ليلتَهم كلها مع المسلمين إلى الفجر، فأخذ كثير من المسلمين في الرحيل من الإسكندرية، وأخرجوا عيالهم، وقام الصياح على فقد من قُتِل وأُسِر، وباتوا ليلة الجمعة مع الفرنج في الترامي من أعلى السور، فقَدِمت طائفة من المغاربة في مركب ومعهم زيت وغيره من تجاراتهم، فمال الفرنج عليهم وقاتلوهم قتالًا شديدًا حتى أخذوهم عَنوة، وأخرجوهم إلى البر، وقطَّعوهم قطعًا، وأهل الإسكندرية يرونهم فلا يغيثونَهم، فقدم الخبر بذلك في ليلة السبت عشرينه، فاضطرب الناس بالقاهرة، وخرج ناظر الخاص نجدة لولده، ومضى معه عدة من الأمراء، وخرج الشيخ أبو هريرة بن النقاش في عدة من المطوعة، يوم الأحد الحادي والعشرين، وقدموا الإسكندرية، فوجدوا الفرنج قد أقلعوا، وساروا بالأسرى، وما أخذوه من البر ومن مركب المغاربة، في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين، فعادوا في آخر الشهر إلى القاهرة.
هو الأَميرُ الكَبيرُ، ناصِرُ الدَّولةِ، حُسينُ بنُ الأَميرِ ناصِرِ الدَّولةِ وسَيفِها حَسنِ بنِ الحُسينِ ابنِ صاحِبِ المَوصِل ناصِرِ الدَّولةِ، أبي مُحمدٍ الحَسنِ بنِ عبدِ الله بن حمدان، التَّغلبيُّ. كان أَبوهُ حَسنٌ قد عَمِلَ نِيابةَ دِمشقَ لصاحِبِ مصر المُستَنصِر، ونَشأَ ناصرُ الدَّولةِ، فكان أَحَدَ الأَبطالِ، شَهْمًا شُجاعًا، مِقدامًا مَهِيبًا، وافِرَ الحِشمَةِ، تَمَكَّنَ بمِصرَ، وتَقدَّم على أُمَرائِها، وجَرَت له حُروبٌ وخُطوبٌ وعَجائِبُ، وأَظهرَ بمصر السُّنَّةَ، وكان عازِمًا على إِقامَةِ الدَّعوةِ لِبَنِي العبَّاسِ، فإنَّه تَهَيَّأَت له الأَسبابُ، وقَهَرَ المُستَنصِرَ بالله العُبيديَّ، قال الذهبيُّ: "كان عَمَّالًا على إِقامَةِ الدَّولةِ لِبَنِي العبَّاسِ، وقَهْرِ العُبيديَّة، وتَهَيَّأَت له الأَسبابُ، وتَرَكَ المُستَنصِر على بَرْدِ الدِّيارِ، وأَبادَ الكِبارَ، إلى أن وَثَبَ عليه أَتراكٌ، فقَتَلوهُ" وكان قد وَلِيَ إِمْرَةَ دِمشقَ أيضًا، وكان قد رَاسلَ ناصِرُ الدَّولةِ السُّلطانَ ألب أرسلان لِيَنجِدَهُ بعَسكرٍ للقَضاءِ على العُبيديِّين فأَجابَه. فلمَّا خَشِيَ الأُمراءُ على أَنفُسِهم منه انتَدَبوا لاغتِيالِه وللفَتْكِ به إلدكزَ التُّركيَّ في جَماعةٍ من الأُمراءِ، فقَتَلوهُ وقَتَلوا أَخويهِ تاجَ المعالي وفَخْرَ العَربِ، وانتهى ذِكْرُ بني حمدان في مصر.
بعد أن قضى الملك عبد العزيز على حركة الإخوان (إخوان من أطاع الله) وتسَلَّم زعماءَهم عَقَد معاهدةَ صداقة وحُسْن جوار مع الملك فيصل بن الحسين ملك العراق؛ حيث التقى الاثنان مع المندوب السامي البريطاني في العراق همفرز، ودام اللقاءُ ثلاثة أيام، واتفقا على معاهدة صداقة وحُسْن جوار، ووُقِّعَت بعد أسابيع، وتبادَلَ المَلِكان الاعترافَ بدولتيهما ونسيان ماضي الصراع الهاشمي السعودي في الحجاز، وتم تبادل المندوبين الدبلوماسيين.
هو السلطانُ الملك الأشرف سيف الدين أبي النصر برسباي الدقماقي الظاهري، سلطان الديار المصرية، جركسي الأصل، اشتراه الأمير دقماق المحمدي الظاهري نائب ملطية، وأقام عنده مدة، ثم قدَّمه إلى الملك الظاهر برقوق, وهو السلطان الثاني والثلاثون من ملوك دولة الترك المماليك، والثامن من الجراكسة بالديار المصرية، وقد تولى السلطنة بمصر سنة 825 وفتح مدينة قبرص وأنشأ بمصر مدرسة وجامعًا بسرياقوس, كان سلطانًا جليلًا سياسيًّا مدبِّرًا، عاقلًا شهمًا متجمِّلًا في مماليكه وخيوله، وكانت صفتُه أشقر طوالًا نحيفًا رشيقًا منوَّر الشيبة بهيَّ الشكل، غير سبَّاب ولا فحَّاش في لفظه، حَسنَ الخُلقِ، ليِّنَ الجانب، حريصًا على إقامة ناموس الملك، يميل إلى الخير، يحب سماع تلاوة القرآن العزيز، حتى إنه رتب عدة أجواق تُقرأُ عنده في ليالي المواكب بالقصر السلطاني دوامًا. وكان يكرم أرباب الصلاح ويُجِلُّ مقامهم، وكان يكثر من الصوم صيفًا وشتاء؛ فإنه كان يصوم في الغالب يوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر، يديم على ذلك. وكان يصوم أيضًا أول يوم في الشهر وآخر يوم فيه، مع المواظبة على صيام يومي الاثنين والخميس في الجمعة، حتى إنه كان يتوجه في أيام صومه إلى الصيد ويجلس على السماط وهو صائم، ويُطعِمُ الأمراء والخاصكية بيده، ثم يَغسِلُ يديه بعد رفع السِّماط كأنه واكل القوم. وكان عبدًا صالحًا ديِّنًا خيِّرًا لا يتعاطى المُسكِرات، ولا يحب من يفعل ذلك من مماليكه وحواشيه. وكان يحب الاستكثار من المماليك، حتى إنه زادت عدة مماليكه المشتروات على ألفي مملوك، لولا ما أفناهم طاعون سنة ثلاث وثلاثين، ثم طاعون سنة إحدى وأربعين هذا، فمات فيهما من مماليكه خلائق. وكان يميل إلى جنس الجراكسة على غيرهم في الباطن، يَظهَرُ ذلك منه في بعض الأحيان، وكان لا يحبُّ أن يشهر عنه ذلك؛ لئلا تنفر الخواطر منه؛ فإن ذلك مما يُعاب به على الملوك، وكانت مماليكه أشبه الناس بمماليك الملك الظاهر برقوق في كثرتهم، وأيضًا في تحصيل فنون الفروسية، ولو لم يكن من مماليكه إلا الأمير إينال الأبوبكري. لَمَّا تولى الأشرف برسباي نيابةَ حلب لم يقطع يدَ أحد بحلب، ولا قَتَل أحدًا، وحماها وبلادها بالحال, وفي يوم الثلاثاء رابعه عَهِدَ السلطان الأشرف برسباي إلى ولده المقام الجمالي يوسف، ثم جلس الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داود، وقضاة القضاة الأربعة على مراتبهم، والأمير الكبير جقمق العلائي أتابك العساكر، ومن تأخَّر من أمراء الألوف، والمباشرون، ما عدا كاتب السر فإنه شديد المرض، ثم قام القاضي زين الدين عبد الباسط وفتح باب الكلام في عهد السلطان من بعد وفاته لابنه المقام الجمالي بالسلطنة، وقد حضر أيضًا مع أبيه، فاستحسن الخليفة ذلك وأشار به، فتقدَّم القاضي شرف الدين الأشقر بالعهد إلى بين يدي السلطان، فأشهد السلطان على نفسه بأنه عهد إلى ولده الملك العزيز جمال الدين أبي المحاسن يوسف من بعد وفاته بالسلطة، فأمضى الخليفة العهد، وشهد بذلك القضاة، ثم ظل المرض يتزايد بالسلطان إلى أن خارت قواه وأصبح يهذي أحيانًا حتى لما كان شهر ذي الحجة مات عصر يوم السبت ثالث عشر، وفي الحال حضر الخليفة والقضاة الأربعة والأمير الكبير جقمق العلائي وسائر أمراء الدولة، وسلطَنوا المقام الجمالي يوسف، ولقبوه بالملك العزيز يوسف جمال الدين أبي المحاسن وعمره يومئذ أربع عشرة سنة وسبعة أشهر، ثم أخذ الأمراء في تجهيز السلطان، فجُهِّز وغُسِّل وكُفِّن بحضرة الأمير إينال الأحمدي الفقيه الظاهري برقوق أحد أمراء العشرات بوصية السلطان له، وهو الذي أخرج عليه كلفة تجهيزه وخرجته من مال، كان الأشرف دفعه إليه في حياته، وأوصاه أن يحضر غسله وتكفينه ودفنه، ولما انتهى أمْرُ تجهيز الملك الأشرف حُمِل من الدور السلطانية إلى أن صُلِّي عليه بباب القلعة من قلعة الجبل، وتقدم للصلاة عليه قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر، ثم حُمِل من المصلى على أعناق الخاصكية والأمراء الأصاغر، إلى أن دفن بتربته التي أنشأها بالصحراء خارج القاهرة، وكانت جنازته مشهودة بخلاف جنائز الملوك، ولم يقع في يوم موته اضطراب ولا حركة ولا فتنة، ونزل إلى قبره قُبَيل المغرب، وكانت مدة سلطنته بمصر سبع عشرة سنة تَنقُص أربعة وتسعين يومًا.
أظهرَ المأمونُ بِدعتَه الثانيةَ الشَّنيعةَ، ولم يأت هذا الإظهارُ دون سوابِقَ، بل إنَّ المأمونَ عُرِفَ عنه تقريبُه لأئمَّة المعتَزِلة وتودُّده إليهم وإكرامُه لهم، فتأثر بهم وبمذهبِهم، حتى قال بقَولِهم، ولم يقف الأمرُ عند هذا الحَدِّ، بل ألبوه على عُلَماءِ السنَّة الذين يخالفونَهم في الرأي، وكان من أشدِّ الأمور التي ظهر الخلافُ فيها هي مسألةُ خلقِ القرآنِ، فأهلُ السنَّة والجماعة يقولون: إنَّه كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، بل هو صِفةٌ مِن صفاتِه عَزَّ وجَلَّ، وصفاتُه غيرُ مخلوقةٍ، وأمَّا هؤلاء المعتزلةُ ومَن وافقَهم من الجهميَّة وغيرِهم فيقولون بل إنَّ كلامَه مخلوقٌ، فأظهَرَ هذه البدعةَ المأمونُ، وامتحَنَ العُلَماءَ عليها بعد ذلك وعذَّبَ فيها من عذَّبَ، وقَتَلَ فيها من قَتَل، واللهُ المُستعان.
أَسَر تاج الملوك بوري بن طغتكين، صاحب دمشق، الأميرَ دبيس بن صدقة، صاحب الحلة، وسلَّمه إلى أتابك زنكي بن آقسنقر، وسببُ ذلك أن دبيس لما فارق البصرة جاءه قاصد من الشام من صرخد يستدعيه إليها؛ لأن صاحبها كان خصيًّا، فتوفي هذه السنة، وخَلَّف جارية سُرِّية له، فاستولت على القلعة وما فيها، وعَلِمَت أنَّها لا يتم لها ذلك إلا بأن تتصل برجل له قوة ونجدة، فوُصِف لها دبيس بن صدقة وكثرة عشيرته، وذُكِرَ لها حاله، وما هو عليه بالعراق، فأرسلت تدعوه إلى صرخد لتتزوج به، وتُسلِّمَ القلعة وما فيها من مال وغيره إليه. فأخذ الأدلَّاءَ معه، وسار من أرض العراق إلى الشام، فضَلَّ به الأدلاء بنواحي دمشق، فنزل بناسٍ من كلب كانوا شرقي الغوطة، فأخذوه وحملوه إلى تاج الملوك، صاحب دمشق، فحبسه عنده، وسمع أتابك عماد الدين زنكي الخبر، وكان دبيس يقع فيه وينال منه، فأرسل إلى تاج الملوك يطلب منه دبيسًا ليسلِّمَه إليه، ويُطلِقَ وَلَده، ومن معه من الأمراء المأسورين، وإن امتنع من تسليمه سار إلى دمشق وحصرها وخرَّبها ونهب بلدها، فأجاب تاج الملوك إلى ذلك، وأرسل عماد الدين زنكي سونجَ بن تاج الملوك، والأمراء الذين معه، وأرسل تاج الملوك دبيسًا، فأيقن دبيس بالهلاك، ففعل زنكي معه خلافَ ما ظن، وأحسن إليه، وحمل له الأقواتَ والسلاح والدواب وسائر أمتعة الخزائن، وقدَّمه حتى على نفسه، وفعل معه ما يفعل أكابر الملوك، ولما سمع المسترشد بالله بقبضه بدمشق أرسل سديد الدولة بن الأنباري، وأبا بكر بن بشر الجزري، من جزيرة ابن عمر، إلى تاج الملوك يطلب منه أن يسلم دبيسًا إليه؛ لِما كان متحققًا به من عداوة الخليفة، فسمع سديد الدولة ابن الأنباري بتسليمه إلى عماد الدين، وهو في الطريق، فسار إلى دمشق ولم يرجِع، وذم أتابك زنكي بدمشق، واستخَفَّ به، وبلغ الخبر عماد الدين، فأرسل إلى طريقه من يأخذه إذا عاد، فلما رجع من دمشق قبضوا عليه، وعلى ابن بشر، وحملوهما إليه، فأما ابن بشر فأهانه وجرى في حقه مكروه، وأما ابن الأنباري فسجنه، ثم إن المسترشد بالله شفع فيه فأُطلق، ولم يزل دبيس مع زنكي حتى انحدر معه إلى العراق.
تأكدت الوحشةُ بين الكامل وبين أخويه المعظَّم والأشرف، وخاف الكامِلُ من انتماء أخيه المعظم إلى السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه، فبعث الكامِلُ الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه إلى ملك الفرنج، يريدُ منه أن يَقدَم إلى عكا، ووعده أن يعطيه بعض ما بيد المسلمين من بلاد الساحل، ليشغلَ سِرَّ أخيه المعظم، فتجهَّز إمبراطور الألمان فردريك الثاني لقصد الساحل، وبلغ ذلك المعظَّم، فكتب إلى السلطان جلال الدين يسألُه النجدة على أخيه الكامل، ووعده أن يخطُبَ له، ويضرب السكَّة باسمه، فسيَّرَ إليه جلال الدين خِلعةً لبسها، وشَقَّ بها دمشق، وقطع الخطبة للملك الكامل، فبلغ ذلك الكامل، فخرج من القاهرة بعساكره، ونزل بلبيس في شهر رمضان فبعث إليه المعظم: إني نذرتُ لله تعالى أنَّ كُلَّ مرحلة ترحلها لقصدي أتصدَّقُ بألف دينار، فإنَّ جميع عسكرك معي، وكتُبُهم عندي، وأنا آخُذُك بعسكرِك، وكتب المعظَّم مكاتبةً بهذا في السر، ومعها مكاتبةٌ في الظاهِرِ فيها: بأني مملوكُك، وما خرجتُ عن محبَّتِك وطاعتك، وحاشاك أن تخرجَ وتقابلني، وأنا أوَّلُ من أنجَدَك وحضر إلى خدمتِك من جميع ملوك الشام والشرق، فأظهر الكامِلُ هذا بين الأمراء، ورجع من العباسة إلى قلعة الجبلِ، وقبض على عدَّة من الأمراء ومماليك أبيه، لمكاتبتِهم المعظَّم، واعتقلهم وأخذ سائر موجودِهم، وأنفق في العسكر ليسيرَ إلى دمشق.
خرج فرنج عكا وخيَّموا بظاهرها، وركبوا وأعجبَتْهم أنفسُهم بمن قدم إليهم من فرنج الغرب، وتوجَّهت طائفة منهم إلى عسكر جينين وعسكر صفد، فخرج السلطانُ من دمشق على أنه يتصَيَّد في مرج برغوث وبعث من أحضر إليه العُدَد ومن أخرج العساكرَ كُلَّها من الشام، فتكاملوا عنده بكرةَ يوم الثلاثاء الحادي عشر ربيع الأول بمرج برغوث، وساق بهم إلى جسرِ يعقوب فوصل آخرَ النهار، وسار بهم في الليل فأصبحَ في أول المرج، وكان السلطانُ قد سيَّرَ إلى عساكر عين جالوت وعساكر صفد بالإغارة في الثاني عشر، فإذا خرج إليهم الفرنج انهزموا منهم، فاعتمدوا ذلك، ودخل السلطان الكمين، فعندما خرج جماعة من الفرنج لقتال عسكر صفد تقدم إليهم الأمير إيغان، ثم بعده الأمير جمال الدين الحاجبي، ومعهما أمراءُ الشام، ثم ساق الأمير أيتمش السعدي، والأميرُ كندغدي أمير مجلس، ومعهما مقدَّمو الحلقة، فقاتل الأمراءُ الشاميون أحسَنَ قتال، وتَبِعَ السلطان مقَدَّمي الحلقة، فما أدركهم إلا والعدوُّ قد انكسر، وصارت الخيَّالة بخيلها مطَّرحةً في المرج، وأسر السلطان كثيرا من أكابرهم، ولم يعدم من المسلمين سوى الأمير فخر الدين ألطونبا الفائزي، فسارت البشائرُ إلى البلاد، وعاد السلطانُ إلى صفد والرؤوس بين يديه، وتوجَّه منها إلى دمشق فدخَلَها في السادس عشر، والأسرى ورؤوس القتلى بين يديه.
غزا الرُّومَ إبراهيم ينال أخو طغرل بك لأمه وأحد قادة السلاجقة، فظَفِرَ بهم وغَنِمَ، وكان سببُ ذلك أنَّ خلقًا كثيرًا من الغزِّ بما وراء النهر قَدِموا عليه، فقال لهم: بلادي تضيقُ عن مُقامِكم والقيامِ بما تحتاجون إليه، والرأيُ أن تَمضُوا إلى غَزوِ الروم، وتُجاهِدوا في سبيل الله، وتغنَموا، وأنا سائِرٌ على أثَرِكم، ومساعِدٌ لكم على أمْرِكم. ففعلوا، وساروا بين يديه، وتَبِعَهم، فوصلوا إلى ملازكرد، وأرزن الروم، وقاليقلا، وبلغوا طرابزون وتلك النواحيَ كلَّها، ولَقِيَهم عسكَرُ عَظيمِ الروم والأبخاز يبلغونَ خمسين ألفًا، فاقتتلوا، واشتد القتالُ بينهم، وكانت بينهم عِدَّةُ وقائِعَ، تارةً يظفَرُ هؤلاء، وتارة هؤلاء، وكان آخِرَ الأمر الظَّفَرُ للمسلمين، فأكثروا القتلَ في الروم وهزموهم، وأسَروا جماعةً كثيرةً مِن بطارقتهم، وممَّن أُسِرَ قاريط ملِكُ الأبخاز، فبذل في نفسِه ثلاثَمِئَة ألف دينار، وهدايا بمِئَة ألفٍ، فلم يجبه ينال إلى ذلك، ولم يَجُس تلك البلادَ وينهَبْها إلى أن انهزموا وبَقِيَ بينه وبين القُسْطَنطينية خمسةَ عشر يومًا، واستولى المسلمونَ على تلك النواحي فنهبوها، وغَنِموا ما فيها، وسَبَوا أكثَرَ مِن مِئَة ألف رأس، وأخذوا من الدوابِّ والبغالِ والغنائم والأموال ما لا يقَعُ عليه الإحصاءُ، وقيل: إن الغنائِمَ حُمِلَت على عشرة آلاف عجلة، وإنَّ في جملة الغنيمةِ تِسعةَ عشر ألف درع، وكان قد دخل بلدَ الروم جمعٌ مِن الغز يَقدُمُهم نسيب طغرلبك، فلم يؤثِّرْ كَبيرَ أثَرٍ، وقُتِلَ من أصحابه جماعة، وعاد، ودخل بعده إبراهيم ينال، فانتصر عليهم.
في ثامِنَ عشر رجب قَدِمَت طائفة كبيرة من جيش المصريِّين فيهم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والأميرُ حسام الدين لاجين المعروف بالاستادار المنصوري، والأميرُ سيف الدين كراي المنصوري، ثم قدمت بعدهم طائفةٌ أخرى فيهم بدر الدين أمير سلاح وأيبك الخزندار فقَوِيَت القلوبُ واطمأنَّ كثير من الناس، وكان الناسُ في حفل عظيم من بلاد حلب وحماة وحمص وتلك النواحي، وتقهقر الجيشُ الحلبي والحموي إلى حمص، ثم خافوا أن يدهَمَهم التتر فجاؤوا فنزلوا المرجَ يوم الأحد خامس شعبان، ووصل التتارُ إلى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك الأراضي فسادًا، وقَلِقَ الناس قلقًا عَظيمًا، وخافوا خوفًا شديدًا، واختبطَ البَلَدُ لتأخُّرِ قدوم السلطان ببقيَّة الجيش، وقال النَّاسُ: لا طاقة لجيشِ الشام مع هؤلاء المصريين بلقاءِ التتار لكثرَتِهم، وإنما سبيلُهم أن يتأخَّروا عنهم مرحلةً مرحلة، وتحَدَّث الناسُ بالأراجيف فاجتمع الأمراءُ في يوم الأحد خامس شعبان بالميدان وتحالَفوا على لقاء العدو، وشَجَّعوا أنفُسَهم، ونودِيَ بالبلد أنْ لا يرحل أحدٌ منه، فسكن النَّاسُ وجلس القضاةُ بالجامِعِ وحَلَّفوا جماعة من الفقهاء والعامَّة على القتال، وتوجَّهَ الشيخ تقي الدين ابن تيميَّة إلى العسكَرِ الواصِلِ من حماة فاجتمع بهم في القطيعةِ فأعلَمَهم بما تحالف عليه الأمراءُ والنَّاسُ من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك وحَلَفوا معهم، وكان الشيخ تقي الدين ابن تيمية يَحلِفُ للأمراءِ والنَّاسِ إنَّكم في هذه الكَرَّة منصورون، فيقولُ له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقولُ: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا، وكان يتأوَّلُ في ذلك أشياءَ مِن كتاب اللهِ منها قَولُه تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج: 60] ولَمَّا كان يوم الرابع والعشرين من شعبان خرجت العساكِرُ الشاميَّة فخَيَّمَت على الجسورة من ناحية الكسوة، ومعهم القضاةُ، فصار الناسُ فيهم فريقين: فريقٌ يقولونَ إنَّما ساروا ليختاروا موضِعًا للقتالِ؛ فإنَّ المرج فيه مياهٌ كثيرة فلا يستطيعون معها القتال، وقال فريق: إنما ساروا لتلك الجهة لِيَهرَبوا وليلحقوا بالسلطان، فلما كانت ليلةُ الخميس ساروا إلى ناحية الكسوة فقَوِيَت ظنون الناسُ في هَرَبِهم، وقد وصلت التتارُ إلى قارة، وبلغ الأمراءَ قُدومُ السلطانِ فتَوَجَّهوا إليه من مَرجِ راهط، فلَقُوه على عقبة الشحورا في يومِ السبت ثانيَ عَشَر رمضان، ثمَّ وَرَدَ عند لقائِهم به الخبَرُ بوصول التتار في خمسينَ ألفًا مع قطلوشاه نائب غازان، فلبس العسكَرُ بأجمعه السلاح، واتَّفَقوا على قتال التتار بشقحب تحت جبل غباغب (وهي من الطرف الشمالي لمرج الصفر)، فلما تمَّ الترتيبُ زَحَفت كراديس التتار كقِطَع الليل، وكان ذلك وقتَ الظهر من يوم السبتِ ثاني رمضان, وأقبل قطلوشاه بمن معه من الطوامين، وحملوا على الميمنة فثَبَتَت لهم الميمنة وقاتلوهم أشدَّ قِتالٍ، ثم قُتِلَ مِن الميمنة الكثيرُ فأدركَتْهم الأمراءُ مِن القَلبِ ومِن المَيسَرة واستمَرُّوا في القتال إلى أن كَشَفوا التتارَ عن المسلمينَ واستمَرَّ القتالُ بين التتار والمسلمينَ إلى أن وقفَ كل من الطائفتينِ عن القتال، ومال قطلوشاه بمن معه إلى جبَلٍ قريب منه، وصَعِدَ عليه وفي نفسه أنَّه انتصر، وأن بولاي في أثر المنهزمينَ مِن المسلمين، فلمَّا صَعِدَ الجبَلَ رأى السَّهلَ والوَعرَ كُلَّه عساكِرَ، والميسرةَ السُّلطانيةَ ثابتةً وأعلامها تخفُق، فبُهِتَ قطلوشاه وتحيَّرَ واستمَرَّ بمَوضِعِه حتى كَمُلَ معه جمعُه وأتاه مَن كان خلف المنهزمينَ مِن الميمنةِ السُّلطانيَّة ومعهم عِدَّةٌ من المسلمينَ قد أسروهم، فعند ذلك جمَعَ قطلوشاه أصحابَه وشاوَرَهم فيما يفعَلُ، وإذا بكوسات- قطعتان من نحاس تشبهان الترسَ الصغير يدقُّ بأحدها على الآخِرِ بإيقاعٍ مخصوص- السُّلطانِ والبوقات قد زَحَفَت وأزعجت الأرضَ وأرجفت القلوبَ بحِسِّها، فلم يثبت بولاي وخرج من تجاهِ قطلوشاه في نحوِ العشرين ألفًا من التتار، ونزل مِن الجَبَل بعد المغرب ومَرَّ هاربًا، وبات السلطانُ وسائِرُ عساكره على ظهور الخيل والطبولُ تُضرَبُ، وتلاحقَ بهم من كان انهَزَمَ شيئًا بعد شيءٍ، وهم يَقصِدونَ ضَربَ الطبول السلطانيَّة والكوسات؛ وأحاط عسكَرُ السُّلطانِ بالجبَلِ الذي بات عليه التتارُ وشرع قطلوشاه في ترتيبِ مَن معه، ونزلوا مشاةً وفرسانًا وقاتلوا العساكِرَ، فبرزت المماليكُ السلطانية بمقَدَّميها إلى قطلوشاه وجوبان، وعمِلوا في قتالهم عملًا عظيمًا، فصاروا تارةً يرمونهم بالسِّهامِ وتارة يواجهونَهم بالرماح، واشتغل الأمراء أيضًا بقتال من في جهتِهم، وصاروا يتناوبون في القتال أميرًا بعد أمير، وألحَّت المماليك السلطانيَّةُ في القتال وأظهروا في ذلك اليوم من الشجاعةِ والفروسية ما لا يوصَفُ، حتى إن بعضَهم قُتِلَ تحته الثلاثةُ من الخيل، وما زال الأمراءُ على ذلك حتى انتصف نهارُ الأحد، صعد قطلوشاه الجبل وقد قُتِلَ من عسكره نحو ثمانين رجلًا، وجُرح الكثير واشتَدَّ عَطَشُهم، واتفق أنَّ بعضَ من كان أسَرَه التتار هرب ونزل إلى السلطان، وعَرَّفه أنَّ التتارَ قد أجمعوا على النزولِ في السَّحَرِ لمصادمة العساكرِ السُّلطانية، وأنَّهم في شدة من العَطَشِ، فاقتضى الرأيُ أن يُفرِجَ لهم عند نزولِهم ويركَبَ الجيشُ أقفيتَهم، فلما باتوا على ذلك وأصبحوا نهارَ الاثنين، ركب التتارُ في الرابعة من النَّهارِ ونزلوا من الجبل فلم يتعَرَّض لهم أحدٌ وساروا إلى النهر فاقتَحَموه، فعند ذلك رَكِبَهم بلاءُ الله من المسلمين وأيَّدَهم الله تعالى بنَصرِه حتى حَصَدوا رؤوسَ التتار عن أبدانِهم ووضعوا فيهم السَّيفَ ومَرُّوا في أثرهم قتلًا وأسرًا إلى وقت العصر، وعادوا إلى السُّلطانِ وعَرَّفوه بهذا النصر العظيم، واستمَرَّت الأمراء وبَقِيت العساكرُ في طلب التتار إلى القريتينِ، وقد كَلَّت خيولُ التتار وضَعُفَت نفوسُهم وألقَوا أسلحَتَهم واستسلموا للقَتلِ، والعساكِرُ تقتلُهم بغير مدافعةٍ، حتى إن أراذِلَ العامَّة والغِلمان قتلوا منهم خلقًا كثيرًا وغَنِموا عندئذ غنائِمَ، وقتل الواحِدُ من العسكر العشرينَ من التتار فما فوقها، ثم أدركت عُربانُ البلاد التتارَ وأخذوا في كيدهم، فيجيء منهم الاثنانُ والثلاثة إلى العِدَّة الكثيرة من التتار، كأنهم يهدونَهم إلى طريقٍ قريبةٍ مفازة، فيوصلونهم إلى البَرِّيَّة ويتركونهم بها فيموتون عطشًا، ومنهم من دار بهم وأوصلوهم إلى غوطة دمشق، فخرجت إليهم عامَّةُ دِمشقَ فقَتَلوا منهم خلقًا كثيرًا، وفي يوم الاثنين رابع الشهر رجع الناس من الكسوة إلى دمشق فبَشَّروا النَّاسَ بالنصرِ.
بعَث رُسْتُم جيشًا لِقِتالِ أبي عُبيدِ بن مَسعودٍ الثَّقفيِّ فالْتَقَى الطَّرفانِ في النَّمارِقِ بين الحِيرَةِ والقَادِسِيَّةِ، وكان على خَيلِ المسلمين المُثَنَّى بن حارِثةَ، فهزَم الفُرْسَ وهَربوا وساروا إلى كَسْكَر فلَحِقَهم أبو عُبيدٍ ثمَّ هزَمهم ثانيةً وفَرَّ الفُرْسُ إلى المدائنِ. وجمَع المسلمون الغَنائمَ مِن كَسْكَر، فرَأَوْا مِن الأَطعِمَة شيئًا عظيمًا، فاقْتَسموهُ وجعلوا يُطعِمونه الفلَّاحين، وبَعثوا بخُمُسِه إلى عُمرَ وكتبوا إليه: إنَّ الله أَطعمَنا مَطاعِم كانت الأكاسِرةُ يَحمونها، وأحببنا أن تَرَوْها، ولِتَذكروا إنعامَ الله وإفْضالَه.
كان بَدءُ الدَّعوَة مِن قِبَل محمَّد بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس، ووَصَلت الدَّعوة إلى خُراسان، ثمَّ لمَّا تُوفِّي محمَّد بن عَلِيٍّ في عام 124 هـ سار بالأَمرِ مِن بَعدِه ابنُه إبراهيمُ وساعَد في قُوَّةِ الأَمرِ ظُهورُ أبي مُسلِم الخُراساني الذي كان يَخدِمُ في سِجْنِ يُوسُف بن عُمَر أَحدَ المَسجونين بِتُهمَةِ الدَّعوَة العَبَّاسِيَّة وكان بُكيرُ بن ماهان أَحَدَ الدُّعاة الكِبار للدَّعوَةِ العَبَّاسِيَّة في خُراسان قد اشْتَراهُ أبا مُسلِم وأَرسلَه إلى إبراهيم بن محمَّد فأَعطاهُ لأبي موسى السَّرَّاج لِيُؤَدِّبَه فسَمِعَ منه وحَفِظ، وقِيلَ غير ذلك في نَسَبِ أبي مُسلِم، وقِيلَ: إنَّ إبراهيم طَلَب منه تَغيير اسْمِه حتَّى تَتَمكَّن الدَّعوة العَبَّاسِيَّة فالله أعلم.
هو الشيخُ الإمامُ المحقِّقُ محمد يونس بنُ شَبير أحمد بن شير علي الجونفوري السَّهارنفوريُّ، شيخُ الحديثِ، وُلد في قريةِ كُورَيْني قُربَ جونفور بالهندِ، 15 رجب سنةَ 1355، وتوفِّيت أمُّه وهو ابنُ خَمْسٍ، فربَّتْه جَدَّتُه لأمِّه، وكانت من الصالحاتِ، فتربَّى في بيئةٍ مُتديِّنةٍ، ثم التحَقَ بالكتاتيبِ وأخَذَ فيها القراءةَ والكتابةَ والمبادئَ، وبعدها انتقَلَ إلى مدرسةِ ضياءِ العلومِ بماني كلان قُربَ قريتِه، واستزادَ من العلومِ فيها، وأكثَر استفادتَه فيها من الشيخَينِ: ضياءِ الحقِّ الفيض آبادي، وعبدِ الحليمِ الجونفوري، ثم التحق بجامعةِ مظاهرِ العلومِ في سَهارَنْفورَ في شوالٍ سنةَ 1373، وتخرَّجَ فيها بعد ثلاثِ سِنينَ، وتضلَّعَ من العلمِ، خاصةً من الحديثِ الشريفِ. ولازمَ عددًا من الأكابرِ، منهم شيخُ الحديثِ محمد زكريا الكانْدَهْلويّ، أخذَ عنه قراءةً وسَماعًا جميعَ البخاريِّ، وبعضَ مقدِّمةِ مُسلِمٍ، ونِصفَ سُنَنِ أبي داودَ. ومنهم الشيخُ محمد أسعد الله الرامْفوري، والشيخُ منظور أحمد السهارنفوري، والشيخُ أمير أحمد بن عبد الغني الكاندهلوي، والشيخُ فخرُ الدينِ أحمد المراد أبادي، وسمِعَ أوائلَ السِّتَّةِ على العلَّامةِ محمد حسن بن حامد الكنكوهي، واستجازَ في الكِبَرِ من المشايخِ عبدِ الفتاحِ أبي غُدَّةَ، وعبدِ اللهِ الناخبي، وأحمد علي السورتي، وعبدِ الرحمنِ الكتانيِّ، وغيرِهم. ظهَرَ نُبوغُ الشيخِ وتَميُّزُه مُبكِّرًا، ولا سِيَّما في الحديثِ وتَحقيقِ مَسائلِه، وكان بعضُ كبارِ شُيوخِه يَرجِعُ إليه ويَسألُه ويَعتمِدُ عليه، ومنهم شيخُه محمد زكريا. عُيِّنَ مُدرسًا في جامعةِ مظاهرِ العلومِ بسهارنفور في شهرِ شوَّالٍ سنةَ 1381هـ، لِيُدرِّسَ صحيحَ مُسلمٍ، وسُنَنَ أبي داودَ، والنَّسائيِّ، وابنِ ماجَهْ، والموطَّأَ بروايتَيهِ، وعددًا من كُتُبِ الفقهِ وأُصولِه. وفي شوَّالٍ سنةَ 1388هـ استخلفه شيخُه مُحمَّد زكريَّا الكاندهلوي في مَنصِبِه، فأصبحَ شيخَ الحديثِ في جامعةِ مَظاهرِ العلومِ، واستمرَّ بِمَنصِبِه هذا حوالَي 48 سنةً. عانى الشيخُ من الأمراضِ غالِبَ عُمرِه، واشتدَّ به الأمرُ أواخِرَ حياتِه، إلى أنِ انتقَلَ إلى رحمةِ اللهِ عن عمرٍ يناهزُ 83 عامًا، قضى أكثرَ من نِصفِه في تدريسِ كُتُبِ الحديثِ والسنةِ النبويةِ، وصُلِّي عليه عصرًا في سهارنفور، وشهِدَ جَنازتَه خلقٌ غفيرٌ من مناطقِ الهندِ.