ثارت البَرْبَرُ بالمَغرِب فخَرَج مَيسَرة المدغري وقام على عُمَرَ بن عبدِ الله المُرادي بِطَنجَة فقَتَله وثارت البَرابِرُ مع أَميرِهم مَيسَرة الحَقير، ثمَّ خَلَّف مَيسَرةُ على طَنجَة عبدَ الأعلى بن حُدَيج، وزَحَف إلى إسماعيل بن عُبيدِ الله بن الحَبْحاب إلى السُّوس فقَتلَه، ثمَّ كانت وَقائعُ كَثيرةٌ بين أَهلِ المَغرِب الأقصى وأَهلِ أفريقيا، وكان المَغرِبُ حِينئذٍ قَومًا ظَهرَت فيهم دَعوةُ الخَوارِج، ولهم عَددٌ كَثيرٌ وشَوْكَة كَبيرَة، وهُم بِرْغَواطة وكان السَّببُ في ثَورةِ البَرْبَر وقِيامِ مَيسرَة إنها أَنكرَت على عامِل ابنِ الحَبْحاب سُوءَ سِيرَتِه، وكان الخُلَفاء بالمَشرِق يَستَحِبُّون طَرائفَ المَغرِب ويَبعَثون فيها إلى عامِل أفريقيا فيَبعَثون لهم البَرْبَر السنيات، فلمَّا أَفضى الأَمرُ إلى ابنِ الحَبْحاب مَنَّاهُم بالكَثيرِ وتَكلَّف لهم أو كَلَّفوه أَكثرَ ممَّا كان، فاضْطَرَّ إلى التَّعَسُّف وسُوءِ السِّيرَة، فحِينئذٍ عَدَت البَرابِرُ على عامِلِهم فقَتَلوه وثاروا بأَجمَعِهم على ابنِ الحَبْحاب.
تمرَّدَ عِمرانُ بن مجالد الربيعيُّ، وقُريشُ بن التونسي بتونُسَ على إبراهيمَ بنِ الأغلب أميرِ إفريقيَّةَ، واجتمع فيها خلقٌ كثير، وحُصِرَ إبراهيمُ بن الأغلب بالقصرِ وجمعٌ ممَّن أطاعه، وخالفَ عليه أيضًا أهلُ القيروان، فكانت بينهم وقعةٌ وحَربٌ قُتِلَ فيها جماعةٌ مِن رجالِ ابن الأغلب. وقَدِمَ عِمرانُ بنُ مجالد فيمن معه، فدخل القيروانَ عاشر رجب، وقَدِمَ قُريش من تونس عليه، فكانت بينهم وبين ابن الأغلبِ وَقعةٌ في رجب، فانهزم أصحابُ ابن الأغلب، ثم التَقَوا في العشرين منه فانهزموا ثانيةً أيضًا، ثم التقوا ثالثةً فيه أيضًا فكان الظَّفَرُ لابن الأغلب، وأرسل عِمرانُ بن مجالد إلى أسدِ بن الفرات الفقيهِ ليخرُجَ معهم، فامتنع، فعاد الرسولُ يقول له: تخرجُ معنا وإلَّا أرسلتُ إليك من يجُرُّ برِجلِك، فقال أسدٌ للرسول: قل له: واللهِ إن خَرجتُ لأقولنَّ للنَّاسِ إنَّ القاتلَ والمقتولَ في النَّارِ، فتَرَكه.
كان على مصرَ عُمَير بن الوليد الباذغيسي التميمي أميرُ مصر، ولِيَ مِصرَ باستخلافِ أبي إسحاق محمد المعتَصِم له؛ لأن الخليفةَ المأمون كان ولَّى مصرَ لأخيه المعتصم بعد عزلِ عبد الله بن طاهر، وولى المعتَصِمُ عُميرَ بن الوليد على الصَّلاة، وسكَن العَسكرِ، وجعل على شُرطتِه ابنَه محمدًا؛ وعندما تمَّ أمرُه خرج عليه القيسيَّة واليمانية الذين كانوا خَرَجوا قبل تاريخه وعليهم عبد السَّلامِ وابن الجليس، فتهيأ عُمَيرُ بن الوليد وجمعَ العساكِرَ والجند، وخرج لقتالهم، وخرج معه أيضًا فيمن خرج الأميرُ عيسى بن يزيد الجلودي المعزول به عن إمرة مصرَ، واستخلف عميرٌ ابنَه مُحمدًا على صلاة مصر، وسافر بجيوشِه حتى التقى مع أهل الحوف القيسية واليمانية؛ فكانت بينهم وقعةٌ هائلة وقتالٌ ومعاركُ، وثبت كلٌّ من الفريقين حتى قُتِلَ عميرٌ في المعركة. فسار المعتَصِمُ إلى مصر، وقاتَلَهما فقتَلَهما وافتتح مصر، فاستقامت أمورُها واستعمل عليها عمَّالَه.
هو الإمامُ العَلَمُ, سَيِّدُ الحفَّاظ, أبو بكر عبدُالله بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خُوَاستَى العبسي مولاهم, الكوفي. ولد بالكوفةِ عام 159هـ. أحدُ أعلام الحديثِ، صاحِبُ المصَنَّف المعروف. أخو الحافظ عثمانَ بنِ أبي شيبة، والقاسمِ بن أبي شيبة الضَّعيف. فالحافظ إبراهيمُ بن أبي بكر هو ولَدُه, والحافِظُ أبو جعفر محمد بن عثمان هو ابنُ أخيه, فهُم من بيتِ علم, وأبو بكر: أجَلُّهم. قال أبو عُبيدٍ: انتهى عِلمُ الحديثِ إلى أربعةٍ: أحمدَ بنِ حنبل، وأبي بكرِ بنِ أبي شيبة، ويحيى بنِ مَعين، وعليِّ بنِ المَديني؛ فأحمدُ أفقَهُهم فيه، وأبو بكرٍ أسرَدُهم، ويحيى أجمَعُ له، وابنُ المَديني أعلَمُهم به. قَدِمَ ابنُ أبي شيبة بغداد وحَدَّثَ بها، وله كتاب التفسيرِ، والأحكام، والمُسنَد المصَنَّف.
أرسل الفِرنجُ إلى مَلِك القُسطنطينيَّة يَستَصرِخونَ به ويَعرِفونَه ما فعَلَه زنكي فيهم، ويَحثُّونَه على لحاقِ البِلادِ قبل أن تُملَك، ولا يَنفَعُه حينئذٍ المجيءُ، فتجَهَّزَ وسار مُجِدًّا فابتدأ ورَكِبَ البَحرَ وسار إلى مدينةِ أنطاكيا، وهي له على ساحِلِ البحر، فأرسى فيها، وأقام ينتَظِرُ وُصولَ المراكِبِ التي فيها أثقالُه وسِلاحُه، فلمَّا وَصَلت سار عنها إلى مدينةِ نيقية وحصَرَها، فصالحه أهلُها على مالٍ يُؤدُّونَه إليه، وقيل: بل ملَكَها وسار عنها إلى مدينةِ أدنة ومدينة المصيصة، وهما بيدِ ابنِ ليون الأرمني، صاحِبِ قلاع ِالدُّروبِ، فحَصَرهما ومَلَكَهما، ورحلَ إلى عين زربة فمَلَكها عَنوةً، ومَلَك تل حمدون، وحمَلَ أهلَه إلى جزيرةِ قبرص، وعبَرَ ميناء الإسكندرونة ثمَّ خرج إلى الشامِ فحصَرَ مدينة أنطاكية، وضَيَّقَ على أهلها، وبها صاحِبُها الفرنجيُّ ريمند، فتردَّدَت الرسُلُ بينهما، فتصالحَا ورحَلَ عنها إلى بغراص، ودخل منها بلدَ ابن ليون الأرمني، فبذل له ابنُ ليون أموالًا كثيرةً ودخل في طاعتِه.
أمر الخليفة المستنجد بالله بإهلاك بني أسد أهل الحلة المزيدية الشيعة؛ لِما ظهَرَ مِن فسادهم، ولما كان في نفس الخليفة منهم من مساعدتهم السلطان محمدًا لَمَّا حصر بغداد، فأمر يزدن بن قماج بقتالهم وإجلائهم عن البلاد، وكانوا منبسطين في البطائح، فلا يُقدر عليهم، فتوجه يزدن إليهم، وجمع عساكر كثيرة من راجل وفارس، وأرسل إلى ابن معروف مُقدم المنتفق، وهو بأرض البصرة، فجاء في خلق كثير فحصرهم وسَدَّ عليهم الماء، وصابرهم مدة، فأرسل الخليفة إلى يزدن يَعتِبُ عليه ويُعَجِّزُه وينسبه إلى موافقتهم في التشيع، وكان يزدن يتشيع، فجدَّ هو وابن معروف في قتالهم والتضييق عليهم، وسد مسالكهم في الماء، فاستسلموا حينئذ، فقُتل منهم أربعة آلاف قتيل، ونادى فيمن بقي: من وُجِدَ بعد هذا في المزيدية فقد حلَّ دمه، فتفرقوا في البلاد، ولم يبقَ منهم في العراق من يُعرَف، وسُلِّمت بطائحُهم وبلادُهم إلى ابن معروف.
هي الست الجليلة المصونُ خاتون ست الشام بنت أيوب بن شادي، واقفةُ المدرستين البرَّانية والجُوَّانية, وهي أختُ الملوك وعمَّةُ أولادهم، وأمُّ الملوك، كان لها من الملوك المحارم خمسة وثلاثون ملكًا، منهم أشقاؤها: الملك الناصر صلاح الدين، والملك العادل، والمعظم توران شاه بن أيوب صاحب اليمن، وكانت قد تزوجت ابن عمِّها ناصرَ الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي صاحب حمص بعد عمر بن لاجين والد ابنها حسام، وكان ابنها حسام الدين من أكابر العلماء عند خاله صلاح الدين، وكانت ست الشام من أكثر النساء صدقة وإحسانًا إلى الفقراء والمحاويج، وكانت تعمل في كل سنة في دارها بألوف من الذهب أشربةً وأدوية وعقاقير وغير ذلك وتفَرِّقه على الناس، وكانت وفاتُها يوم الجمعة آخر النهار السادس عشر من ذي القعدة من هذه السنة، في دارها التي جعلتها مدرسةً، عن المارستان وهي الشامية الجوانية، ونُقِلت منها إلى تربتها بالشامية البرانية، وكانت جنازتها حافلة.
في رمضانَ من هذه السنة كانت وقعةُ ابن رشيد رئيس الجبل على أهل عُنيزة، وذلك أنَّ عبد الله بن سليم بن زامل أميرَ عنيزة أخذ إبلًا لابن رشيد، فطلب منه الأداء، فأبى عليه وحَذَّره وأنذَرَه، فجهَّز ابنُ رشيد إليهم أخاه عبيد في 250 مطية وخمسين من الخيل، فأغار على غَنَم عنيزة قريبًا من البلد، ففزع أهلُ عنيزة، وكان ابن رشيد قد جعل لهم كمينًا، فلما نشب القتالُ خرج عليهم الكمين فولَّوا منهزمين، واستولى عبيد وقومه على أكثَرِ الفَزع، فقتلوا في المعركة كثيرًا من رجالهم، منهم الأمير عبد الله بن سليم وإخوته وبنو عمه، قتَلَهم صبرًا، وأمسك منهم رجالًا وربطهم وأنفَذَهم إلى أخيه عبد الله في الجبل، فركب إليه عبد العزيز بن الشيخ العالم عبد الله أبا بطين، فألفى عليه في الجبل فأطلق له رجالًا وكساهم.
انتهت الدولة السعوديُة الثانية عام 1308هـ واستطاع محمدُ ابنُ رشيد السيطرةَ على كل المناطق التي كانت تحت حُكمِ آل سعود في نجدٍ وما حولها، وبقِيَ الأمرُ على ذلك إلى عام 1319هـ، وكان كُلَّ هذه الفترة عبدُالرحمن بن فيصل مع أسرتِه في الكويت، ثمَّ إن أمير حائل عبد العزيز بن متعب استعَدَّ لقتال الشيخ مبارك أميرِ الكويت، فاقترح عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل على الشيخِ مبارك أن يسيرَ بقوَّةٍ إلى الرياضِ فيأخُذَها من آلِ رشيدٍ، فتَضعُف قوَّتُهم عن محاربةِ الشيخ مبارك، فلاقى ذلك قبولًا عنده، فلمَّا اتجَه الشيخُ مبارك بقواتِه إلى جهة القصيم واشتَبَك مع ابن رشيد في معركةٍ حامية بالقُربِ مِن مكانٍ يُسمَّى بالصريف على مقربةٍ مِن الطرفية في القصيم، كان عبد العزيز قد سار بقوةٍ إلى الرياض ـ وحاصَرَها ولم يستَطِعْ دُخولَها، فاضطر للانسحابِ منها، ثمَّ عاد إلى الكويت بعد أن بلَغَه هزيمة الشيخ مبارك أمامَ ابن رشيد في معركةِ الصريفِ.
دخل أحمدُ العجيفي طرسوسَ، وغزا مع بازمان الصائفةَ، فبلغوا شكند، فأصابت بازمان شظيةٌ من حجرِ مَنجَنيقٍ في أضلاعه، فارتحَلَ عن شكند بعد أن أشرَفَ على أخذها, فتوفِّيَ في الطريق، وحُمِلَ إلى طرسوس فدُفِنَ بها. وكان بازمان قد أطاع خِمارَوَيه بن أحمد بن طولون، فلما توفِّيَ خَلَفَه ابنُ عجيف، وكتب إلى خمارَوَيه يُخبِرُه بمَوتِه، فأقَرَّه على ولاية طرسوس، وأمَدَّه بالخيل والسِّلاحِ والذخائر وغيرِها، ثم عزله خمارَوَيه، واستعمَلَ عليها ابنَ عَمِّه محمَّدَ بن موسى بن طولون.
قَدِمَ كتاب نائب حلب بأن الشهابي أحمد بن رمضان -وهو من الأمراء التركمان الأوحقية- أخذ مدينة طرسوس عَنوةً في ثالث عشر المحرم، بعد أن حاصرها سبعة أشهر، وأنه سلمها إلى ابنه إبراهيم، بعدما نهبها وسبى أهلها، وقد كانت طرسوس من نحو اثنتي عشرة سنة يخطب بها تارة لتيمورلنك، وتارة لمحمد باك بن قرمان، فيقال: السلطان الأعظم سلطان السلاطين، فأعاد ابن رمضان الخطبة فيها باسم السلطان الملك المؤيد شيخ المحمودي.
هو الشاه طهماسب بن إسماعيل الصفوي. تولَّى السلطة على الصفويين بعد أبيه، وهو الابن الأكبر لإسماعيل شاه، ثم ثار عليه أخوه إخلاص ميرزا مدَّعيًا حقه في العرش، فتمكن من أسْرِه وقتْلِه، ثم توفِّيَ طهماسب في هذه السنة مسمومًا بعد أن دام في الملك أربعة وخمسين عامًا، فخلفه ابنُه إسماعيل الثاني الذي كان محبوسًا منذ عام 965 بسبب استقلاله العسكري؛ مما أثار شكوك أبيه وخوفه من الثوران عليه وإطاحته من المُلك، فلما مات أبوه أُخرِجَ من السجن واعتلى عرشَ إيران.
قَدِم الإمامُ الحافظ المتقِن قاضي قضاة الإسلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب مِن مِصرَ على الإمام تركي بن عبد الله بعد أن بَقِيَ في مصر 9 سنوات منذ أن نفاه إليها إبراهيم باشا عام 1233، وكان معه ابنه عبد اللطيف صغيرًا, ففرح الإمامُ تركي به وأكرمه، واغتبط به المسلمون الخاصُّ والعامُّ، وبذل الشيخُ مِن نفسه للطالبين، فانتفع بعِلمِه كثيرٌ مِن المستفيدين.
بعد أن استقرَّ حُكمُ الملك عبد العزيز في الرياض والخرج والدلم وما حولها، اتجه نحو شمال الرياض وقصَدَ بلاد الوشم وسدير والمجمعة التي كانت خاضعةً لحكم ابن رشيد، فدارت اشتباكات بين حاميات ابن رشيد وسرايا الملك عبد العزيز، نتج عنهما ضمُّ الإقليمين إلى حكم الملك عبدالعزيز ما عدا بلدة المجمعة التي ظلت محافِظةً على ولائها لابن رشيد، ولم تخضع إلا بعد مقتَلِه في روضةِ مهنا سنة 1324هـ ودخول القصيم تحت حكمِ الملك عبد العزيز.
بعد أن أعلنت بريطانيا تنصيبَ فيصل بن الحسين في العراقِ، وعبد الله بن الحسين في شرق الأردن، زادت مخاوفُ الملك عبدالعزيز من تحالفهما مع ابن رشيد؛ فقرَّر المسارعةَ لضَمِّ حائل، فعاد لغزوها بقواتٍ كبيرة من ضِمنِها قواتُ الإخوان (إخوان من أطاع الله) بزعامة فيصل الدويش، وبعد شهرين من الحصار استسلمت المدينةُ للملك عبدالعزيز، وأسَرَ معه محمد بن طلال إلى الرياض، وتزوج الملك عبدالعزيز من ابنةِ محمد بن طلال.