هو عُمَر بن عبدِ العزيز بن مَرْوان بن الحَكَم بن العاص بن أُمَيَّة بن عبدِ شَمس القُرشِي الأُمَوي، أَميرُ المؤمنين، أُمُّهُ أُمُّ عاصِم لَيْلَى بِنتُ عاصِم بن عُمَر بن الخَطَّاب، ويُقال له: أَشَجُّ بَنِي مَرْوان. وكان يُقال: الأَشَجُّ والنَّاقِصُ أَعْدَلا بَنِي مَرْوان. فهذا هو الأَشَجُّ، بُويِعَ له بالخِلافَة بعدَ ابنِ عَمِّه سُليمان بن عبدِ الملك عن عَهْدٍ منه له بذلك. ويُقال: كان مَولِدُه في سَنَة إحدى وسِتِّين. دَخَل عُمَرُ بن عبدِ العزيز إلى إصْطَبْل أَبيهِ وهو غُلامٌ، فضَرَبَهُ فَرَسٌ فشَجَّهُ، فجَعَل أَبوهُ يَمسَح عنه الدَّمَ، ويقول: إن كُنْتَ أَشَجَّ بَنِي أُمَيَّة إنَّك إذًا لَسَعيد. أوَّل ما اسْتُبِينَ مِن عُمَر بن عبدِ العَزيز حِرْصُه على العِلْمِ ورَغْبَتُه في الأَدَبِ -أنَّ أباه وَلِيَ مِصرَ وهو حَديثُ السِّنِّ، يُشَكُّ في بُلوغِه، فأَرادَ إخْراجَه معه، فقال: يا أَبَه، أَوَ غَيْر ذلك لَعلَّه يكون أَنفَع لي ولك؟ تُرَحِّلُنِي إلى المَدينَة فأَقْعُد إلى فُقَهاء أَهلِها وأَتَأَدَّب بآدابِهم. فوَجَّهَه إلى المَدينَة، فقَعَد مع مَشايِخ قُريش، وتَجَنَّبَ شَبابَهم، وما زال ذلك دَأْبُه حتَّى اشْتَهَر ذِكْرُه، فلمَّا مات أَبوهُ أَخَذه عَمُّهُ أَميرُ المؤمنين عبدُ الملك بن مَرْوان فخَلطَه بِوَلدِه، وقَدَّمَه على كَثيرٍ منهم، وزَوَّجَه بابْنَتِه فاطِمَة. وَلَّاه الوَليدُ وِلايةَ المَدينَة، ثمَّ جَعلَه على الحِجاز مِن 86 – 93هـ، ثمَّ بُويِعَ بالخِلافَة بعدَ سُليمان بِوَصِيَّةٍ منه له, انْتَشَر في عَهدِه العَدلُ والمُساواةُ، ورَدُّ المَظالِم التي كان أَسلافُه مِن بَنِي أُمَيَّة قد ارْتَكَبوها، وعَزْلُ جَميعِ الوُلاة الظَّالِمين ومُعاقَبتُهم، كما أعاد العَمَل بالشُّورَى، كما اهْتَمَّ بالعُلومِ الشَّرعِيَّة، وأَمَر بِتَدوين الحَديثِ النَّبَوِيِّ. اسْتَمَرَّت خِلافَتُه سَنتينِ وخَمسة أَشهُر وأربعة أَيَّام سار فيها بسيرة الخلفاء الراشدين, تُوفِّي عُمَرُ عن تِسعٍ وثَلاثين، وقِيلَ أَربعين سَنَة، وكان سَبَبُ وَفاتِه أنَّه سُقِيَ السُّمَّ، وذلك أنَّ بَنِي أُمَيَّة قد تَبَرَّموا وضاقوا ذَرْعًا مِن سِياسَة عُمَر التي قامَت على العَدْل، وحَرَمَتْهُم مِن مَلَذَّاتِهم وتَمَتُّعِهم بِمِيزات لا يَنالها غَيرُهم، ورَدّ المَظالِم التي كانت في أَيديهِم، وحالَ بينهم وبين ما يَشتَهون، فكاد له بَعضُ بَنِي أُمَيَّة بِوَضْعِ السُّمِّ في شَرابِه، فوَضَع مَوْلًى له سُمًّا في شَرابِه، وأُعْطِيَ على ذلك أَلفَ دِينارٍ، فأُخْبِرَ أنَّه مَسموم، فقال: لقد عَلِمتُ يومَ سُقِيتُ السُّمَّ. ثمَّ اسْتَدعَى مَولاهُ الذي سَقاهُ، فقال له وَيْحَك، ما حَمَلَك على ما صَنعتَ؟ فقال: ألفُ دِينارٍ أُعْطِيتُها. فقال: هاتِها. فأَحْضَرها فوَضَعها في بَيتِ المالِ، ثمَّ قال له: اذْهَب حيث لا يَراك أَحَدٌ فَتَهْلَك.
بعد خروج عبد الله بن فيصل من الرياض وسيطرة أخيه سعود على الحكم فيها، توجه عبد الله لعدد من الجهات طلبًا للمساعدة ضِدَّ أخيه سعود، فاتصل بآل سليم في القصيم، وابن رشيد في حائل، ولَمَّا لم يجد منهم العون أرسل إلى العراق عبد العزيز أبا بُطين ومعه ثلاث رسائل، الأولى لمدحت باشا والي بغداد، والثانية إلى خليل بك والي البصرة، والثالثة إلى السيد محمد الرفاعي نقيب الأشراف، يطلب من الحكومة العثمانية المساعدةَ ضِدَّ أخيه سعود، فاستغل مدحت هذا العرضَ فشجَّع السلطان عبد العزيز بن محمود الثاني على المبادرة بدخول الأحساء قبل أن تدخُلَ تحت النفوذ البريطاني بطلب من سعود بن فيصل، فأذن له السلطان بذلك، فجهز حملة من 5000 جندي بقيادة نافذ باشا واستعان بناصر السعدون رئيس المنتفق وعبد الله بن صباح حاكم الكويت وبني خالد، وأشرَفَ مدحت باشا بنفسه على الحملة للاطمئنان على نجاحِها. أبحرت الحملةُ من البصرة في ربيع الأول من هذا العام بحُجَّة انتزاع الأحساء من سعود بن فيصل وتسليمها لأخيه عبد الله، فوصلت القطيف واحتلَّتها دون مقاومة تذكَرُ، ثم تقدمت إلى الأحساء واحتلتها الحملة في 18 رجب، وأطلق عليها ولاية نجد طمعًا في مد العثمانيين حكمَهم إلى الرياض. بعد أن استتب الوضع للعثمانيين في الأحساء أعلن نافذ باشا أن سياسة الدولة ترمي إلى احتلال الرياض من سعود وأنَّه سيعمل على إعادة عبد الله بن فيصل إلى الحكم برتبةِ (قائم مقام)، وأن الدولة ستعَيِّن القضاة والولاة على المقاطعات، وحَدَّدت الضرائب التي ستُأخذ من الرعايا بالزكاة الشرعية، كما أجرت تنظيماتٍ في القوة العسكرية، فوضعت في الأحساء 5000 جندي نظامي، وأعلن مدحت باشا نهايةَ حكم آل سعود على الأحساء وحنث بوعده لعبد الله بن فيصل!!
أرسل الملك الغاشم هولاكو خان إلى المَلِك الناصر صاحِبِ دمشق يستدعيه إليه، فأرسل إليه ولَدَه العزيز وهو صغيرٌ ومعه هدايا كثيرةٌ وتُحَف، فلم يحتَفِلْ به هولاكو خان بل غضب على أبيه إذ لم يُقبِلْ إليه، وأخذ ابنُه، وقال: أنا أسير إلى بلاده بنفسي، فانزعج الناصِرُ لذلك، وبعث بحريمِه وأهله إلى الكرك ليحَصِّنَهم بها وخاف أهلُ دمشق خوفًا شديدًا، ولا سيما لما بلغهم أن التتار قد قطعوا الفرات، فسافر كثيرٌ منهم إلى مصر في زمن الشتاء، فمات ناسٌ كثير منهم ونُهبوا، ثم رجع العزيزُ بن الملك الناصر من عند هولاكو، وعلى يده كتابُه ونصه: الذي يعلمُ به الملك الناصر صاحب حلب أنا نحن قد فتحنا بغدادَ بسيف الله تعالى، وقتَلْنا فُرسانَها وهَدَمْنا بُنيانَها وأسَرْنا سكانها، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}، واستحضرنا خليفتَها وسألناه عن كلماتٍ فكذب، فواقعه الندمُ واستوجب منا العَدَم، وكان قد جمع ذخائرَ نفيسة، وكانت نفسُه خسيسة فجمع المال ولم يعبأ بالرِّجال، وكان قد نمى ذكرُه وعظُمَ قدره، ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال، إذا وقفت على كتابي هذا، فسارع برجالِك وأموالِك وفرسانك إلى طاعةِ سلطان الأرض شاهنشاه روي زمين، تأمن شرَّه وتنل خيرَه، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} ولا تعوِّقْ رُسُلَنا عندك كما عوَّقْت رسلَنا من قبل، فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بأموالِهم وحريمهم إلى كروان سراي فإن كانوا في الجبالِ نسفناها، وإن كانوا في الأرضِ خسفناها، فانزعج الناصِرُ, وبعث عندما بلغه توجه هولاكو نحو الشام بالصاحِبِ كمال الدين عمر بن العديم إلى مصر، يستنجِدُ بعَسكَرِها.
تولى الشيخُ صباح الثاني الحُكمَ بعد وفاة والِدِه الشيخ جابر بن عبد الله الصباح، وكانت فترةُ حُكمِه قصيرةً، وفي فترة حكمه احتفظ بالسلطةِ السياسيةِ وتركَ السلطةَ القضائيَّةَ إلى القاضي؛ حيث كان يتولاها وحدَه وبدون تدخُّلٍ منه، وقد اتَّسَعت التجارةُ في عهدِه وكثُرَت أموال الكويت، وأراد أن يضع رسومًا جمركيَّةً على البضائِعِ الخارجةِ من الكويت لكِنَّ التجَّارَ قالوا له: " لا تجعَلْ على أموالنا ما لم يجعَلْه أبوك ولا جَدُّك مِن قَبلُ" وقالوا له: إن أموالَهم ستكون وقفًا على ما تحتاجه الكويت، فوافقَهم على ذلك. وقد لفتَ نظر الكولونيل "بلي" حين زار الكويت ثانيةً في عام 1865 باطِّلاعه على ما يجري خارجَ الكويت من أمورٍ لها صلة بالأحداثِ في أوروبا والعالم، وكان ذلك من خلال صحيفةٍ عربية كانت تصدُرُ في باريس وترسَلُ إليه حافلةً بالأخبار الأجنبية والمحلية. وفي عهده هاجم عبدُ الله بن سعود قبيلةَ العجمان، فلجؤوا إلى الكويت، فأرسل عبد الله بن سعود رسولًا يطلُبُ منه أن يطرُدَ العجمان، لكِنَّ الرسولَ أساء التعبير فقال له: إنَّ معزبَك (وتعني سيدك) يأمُرُك بإخراج العجمان، فغضب الشيخُ صباح وأمر باستنفار أهلِ الكويت لقتالِ عبد الله بن سعود، فوصل الخبرُ إلى عبد الله، فأظهر أسَفَه وبادر إلى الاعتذارِ عن سوءِ تصَرُّفِ رَسولِه.
هو الشَّيخُ عبد الله بن رشيق المغربي، كاتِبُ مُصَنَّفات العلَّامة ابن تيمية، كان أبصَرَ بخَطِّ الشيخ منه، إذا عَزَب شيءٌ منه على الشيخِ استخرجه عبدُ الله هذا، وكان سريعَ الكتابةِ لا بأس به، دَيِّنًا عابدًا كثيرَ التلاوة حَسَن الصلاة، له عيالٌ وعليه ديونٌ.
الشَّيخُ عبدُ الله بنُ عبد الرحمنِ بنِ عبد الرزَّاق بن قاسِمٍ آل غُدَيَّان من بني تميم، وُلِد عامَ (1345هـ) في مدينة الزلفي، وتلقَّى مبادِئَ القراءة والكتابة في صِغَرِه على عبدِ الله بنِ عبد العزيز السحيمي وعبدِ الله بن عبد الرحمنِ الغيثِ وفالحٍ الروميِّ وتلقَّى مبادِئَ الفقهِ والتوحيدِ والنحوِ والفرائضِ على حمدان بنِ أحمد الباتلِ، ثم سافَرَ إلى الرياض عامَ (1363هـ) فدَخَل المدرسَةَ السعودية الابتدائية، مدرسةَ الأيتام سابقًا عامَ (1366هـ) تقريبًا وتخرج فيها عام (1368هـ). وعُيِّن مدرِّسًا في المدرسة العزيزيَّةِ، وفي عام (1371هـ) دَخَل المعهدَ العلميَّ، وكان أثناءَ هذه المدةِ يتلقَّى العِلمَ على الشيخِ محمدِ بنِ إبراهيم آل الشيخ، كما يتلقَّى علمَ الفقهِ على الشيخ سعود بن رشود قاضي الرياض، والشيخِ إبراهيم بن سُليمان في علمِ التوحيد، والشَّيخ عبد اللطيف بن إبراهيم في علمِ النَّحو والفرائضِ، ثم واصَلَ دراستَه إلى أن تخرَّج في كليَّة الشريعة عامَ (1376هـ). ثم عُيِّن رئيسًا لمحكمة الخُبر ثم نُقل للتدريسِ بالمعهد العلميِّ عامَ (1378هـ)، وفي عام (1380هـ) عُيِّن مدرِّسًا في كلية الشريعةِ، وفي عام (1386هـ) نُقِل كعُضوٍ للإفتاء في دار الإفتاء، وفي عام (1391هـ) عُيِّن عُضوًا للَّجنة الدائمة للبُحوث العلمية والإفتاء؛ بالإضافة إلى عُضويَّة هيئة كبار العلماء، وكان يُعاني من مرضٍ عُضالٍ قبل وفاتِه بأربعةِ أشهُرٍ؛ حيث دخل المستشفى وتمَّ إجراءُ عمليةٍ جراحية لإزالةِ ورمٍ ولكن لم تنجَحِ العمليةُ وتُوفِّي رحمه الله.
تُوفِّي محمد علي العمري، المرجِعُ الأعلى لأتباعِ المذهبِ الشيعيِّ بالمدينة النبوية، عن عمرٍ يناهِزُ المئةَ عام، في مستشفى المدينة الوطني، وذَكَر ابنُه كاظم العمري أنَّ والِده تُوفِّي بعد صراعٍ مع المرض، وهو من مواليد عام (1327هـ)، ودرس في الحَوزَات العلمية في النجف عامَ (1349هـ) ثم عاد إلى المدينة بعد عامٍ بسببِ وفاةِ والدِه، ورَجَع بعد ذلك إلى العراق ومَكَث فيها (20) عامًا، ثمَّ عاد بعد ذلك إلى المدينةِ وتزعَّم الطائفةَ الشِّيعيَّةَ هناك حتى وفاتِه.
هو أمير الجيوش أبو القاسم شاهنشاه الملك الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي. كان والده بدر أرمنيًّا، اشتراه جمال الدولة بن عمار، وتربى عنده وتقدم بسببه، كان بدر نائبًا بعكا، فسار في البحر في ترميم دولة المستنصر العبيدي، فاستولى على الإقليم، وأباد عدة أمراء، ودانت له الممالك إلى أن مات، فقام بعده ابنه الأفضل، وعَظُم شأنه، وأهلك نزارًا ولد المستنصر صاحب دعوة الباطنية الإسماعيلية أصحاب ابن الصباح وقلعة ألموت، وكذلك أتابكه أفتكين متولي الثغر، وكان الأفضل بطلًا شجاعًا، وافر الهيبة، عظيم الرتبة، فلما هلك المستعلي نَصَب في الإمامة ابنه الآمر، وحجر عليه وقمعه، وكان الآمر طياشًا فاسقًا، فعمل على قتل الأفضل، فرتب عدةً وثبوا عليه، فأثخنوه، ونزل إليه الآمر، وتوجَّع له، فلما قُضِي الأفضل استأصل الآمر أمواله، وبقي الآمر في داره أربعين صباحًا والكَتَبة تضبط تلك الأموال والذخائر، وحبس أولاد الأفضل، وكانت ولايته بعد أبيه ثماني وعشرين سنة، منها: آخر أيام المستنصر، وجميع أيام المستعلي، إلى هذه السنة من أيام الآمر، وكانت الأمراء تكرهه لكونه سنيًّا، فكان يؤذيهم، وكان فيه عدل، والإسماعيلية يكرهونه لأسباب؛ منها: تضييقه على إمامهم، وتركه ما يجب عندهم سلوكه معهم، ومنها ترك معارضة أهل السنة في اعتقادهم، والنهي عن معارضتهم، وإذنه للناس في إظهار معتقدات أهل السنة والمناظرة عليها، فكثر الغرباء ببلاد مصر، وكان حَسَن السيرة، عادلًا. قال أبو يعلى بن القلانسي: "كان الأفضل حسن الاعتقاد، سُنِّيًّا، حميد السيرة، كريم الأخلاق، لم يأت الزمان بمثله". قال ابن خلكان: "ترك الأفضل من الذهب العين ستمائة ألف ألف دينار مكررة، ومن الدراهم مائتين وخمسين أردبًا، وسبعين ثوب ديباج أطلس، وثلاثين راحلة أحقاق ذهب عراقي، ودواة ذهب فيها جوهرة باثني عشر ألف دينار، ومائة مسمار ذهب زنة كل مسمار مائة مثقال، في عشرة مجالس كان يجلِسُ فيها، على كل مسمار منديل مشدود بذهب، كل منديل على لون من الألوان من ملابسه، وخمسمائة صندوق كسوة للبس بدنه، قال: وخلف من الرقيق والخيل والبغال والمراكب والمسك والطيب والحلي ما لا يعلم قدره إلا الله عز وجل، وخلف من البقر والجواميس والغنم ما يستحيي الإنسانُ من ذكره، وبلغ ضمان ألبانها في سنة وفاته ثلاثين ألف دينار، وترك صندوقين كبيرين مملوءين إبر ذهب برسم النساء والجواري" قُتِل الأفضل في رمضان سنة 515، وله ثمان وخمسون سنة, ولما قتل ولي الوزارة بعد الأفضل أبو عبد الله بن البطائحي، ولقب المأمون، وتحكم في الدولة، وظهر الظلم والبدعة أيام البطائحي, وبقي كذلك حاكمًا في البلاد إلى سنة 519، فصُلِب.
هو حاكِمُ مصر الظافِرُ أبو مَنصورٍ إسماعيلُ بن الحافظِ لدِينِ الله عبدِ المجيدِ بن محمدِ بن المُستَنصِر مَعَدِّ بن الظاهرِ عليِّ بن الحاكمِ الفاطميُّ العُبيديُّ، المصريُّ، الإسماعيليُّ. وَلِيَ الأَمرَ بعدَ أَبيهِ خَمسةَ أَعوامٍ. وكان شابًّا جَميلًا وَسيمًا لَعَّابًا عاكِفًا على الأَغاني والسَّراري، استَوْزَرَ الأَفضلَ سليمَ بن مصالٍ فَسَاسَ الإِقليمَ. وانقَطعَت في أَيامِه الدَّعوةُ له ولآبائِهِ العُبيدِيِّين من سائرِ الشامِ والمَغربِ والحَرمَينِ, وبَقِيَ لهم إِقليمُ مصر, وقد خَرجَ على وَزيرِه ابنِ مصالٍ. العادلُ بن السَّلَّارِ، وحارَبَه وظَفَرَ به، واستَأصَلَهُ، واستَبَدَّ بالأَمرِ, وكان ابنُ السَّلَّارِ مِن أَجَلِّ الأُمراءِ الأَكرادِ سُنِّيًّا حَسَنَ المُعتَقَدِ شافِعيًّا. وفي أَيامِ الظافرِ قَدِمَ من إفريقية عبَّاسُ بن يحيى بن تَميمِ بن المُعِزِّ بن باديس مع أُمِّهِ صَبِيًّا. فتَزَوَّجَ العادلُ بها قبلَ أن يَتوَلَّى الوِزارةَ، ثم تَزَوَّجَ عبَّاسٌ، ووُلِدَ له نَصرٌ، فأَحَبَّهُ العادلُ، فاتَّفَقَ عبَّاسٌ وأُسامةُ بن مُنقِذ على قَتلِ العادلِ، وأن يَأخُذ عبَّاسٌ مَنصِبَهُ. فذَبحَ نَصرٌ العادلَ على فِراشِه في المُحرَّم سَنةَ 548هـ، وتَمَلَّكَ عبَّاسٌ وتَمَكَّنَ. عاشَ الظافِرَ اثنتين وعِشرينَ سَنةً, وكانت مُدَّةُ حُكمِه أَربعَ سِنينَ وسَبعةَ أَشهُر وأَربعةَ عشرَ يومًا، وكان سَببُ قَتلِه أن نصرَ بن عبَّاسٍ كان مَلِيحًا، فمالَ إليه الظافرُ وأَحَبَّه، وجَعلَه من نُدَمائِه وأَحبابِه الذين لا يَقدِر على فِراقِهم ساعةً واحدةً، فاتَّهَمَهُ مُؤيِّدُ الدولةِ أُسامةُ بن مُنقِذ بأنه يُفْحِشُ به وذَكرَ ذلك لأَبيهِ عبَّاسٍ فانزَعجَ لذلك وعَظُمَ عليه، فذَكرَ الحالَ لوَلَدِه نَصرٍ، فاتَّفَقا على قَتلِه، فحَضَرَ نَصرٌ عند الظافرِ وقال له: أَشتَهِي أن تَجيءَ إلى داري لدَعوةٍ صَنعتُها، ولا تُكثِر من الجَمعِ؛ فمَشَى معه في نَفَرٍ يَسيرٍ مِن الخَدَمِ لَيلًا، فلمَّا دَخلَ الدارَ قَتَلَه وقَتَلَ مَن معه، وأَفلَتَ خادمٌ صَغيرٌ اختَبأَ فلم يَرَوهُ، ودَفَنَ القَتلَى في دارِه، ثم هَربَ الخادمُ الصغيرُ الذي شاهَدَ قَتْلَه، من دارِ عبَّاسٍ عند غَفْلَتِهم عنه، وأَخبرَ أَهلَ القَصرِ بقَتْلِ نَصرِ بن عبَّاسِ للظافرِ، ثم رَكِبَ عبَّاسٌ من الغَدِ وأَتَى القَصرَ, وقال: أين مولانا؟ فطَلَبوهُ فلم يَجدِوه, فخَرجَ جِبريلُ ويوسفُ أَخَوَا الظافرِ، فقال لهم عبَّاسٌ: أين مولانا؟ قالا: سَلْ ابنَك، فغَضِبَ. وقال: أنتُما قَتَلْتُماهُ، وضَرَبَ رِقابَهُما في الحالِ ليُبعِدَ التُّهمةَ عنه, ثم أَجلسَ الفائزُ بنَصرِ الله أبا القاسمِ عيسى بنَ الظافرِ إسماعيلَ ثاني يَومٍ قُتِلَ أَبوهُ، وله من العُمرِ خمسُ سِنين. حَمَلَهُ عبَّاسٌ على كَتفِه وأَجلَسهُ على سَريرِ المُلْكِ وبايَعَ له الناسُ، وأَخَذَ عبَّاسٌ من القَصرِ من الأَموالِ والجَواهِر والأَعلاقِ النَّفيسَةِ ما أَرادَ، ولم يَترُك فيه إلا ما لا خَيرَ فيه.
هو جنكيزخان السلطان الأعظم عند التتار والدُ ملوكهم، واسمه تموجين وقيل (تمرجين أو تمرجي) ولد في غرة محرم سنة 550 في منغوليا على الضفة اليمنى لنهر الأونون في مقاطعة دولون بولداق وهذه المقاطعة توجد اليوم في الأراضي الروسية. وكان أبوه بسوكاي رئيسًا لقبيلة قيات المغولية فسمَّاه باسم قائد صرعه؛ لأنَّه كان معجبًا به لفرط شجاعته, وقيل: "إنَّ أمَّه كانت تزعمُ أنها حملته من شعاع الشمس؛ فلهذا لا يُعرَفُ له أب، ولهذا قد يكون مجهولَ النسب". لما مات بسوكاي سنة 563 حل محلَّه تمرجين وكان عمره ثلاثة عشر عامًا إلَّا أن رجال قبيلته استصغروا سنَّه ورفضوا طاعته, حينما بلغ السابعةَ عشرة من عمره استطاع بقوَّة شخصيته وحِدَّة ذكائه أن يعيدَ رجال قبيلته إلى طاعته وأن يُخضِعَ المناوئين له حتى تمَّت له السيطرة, وأصبح تمرجين بعد انتصاره أقوى شخصية مغولية، فنودي به خاقانًا، وعُرف باسم "جنكيز خان" أي: إمبراطور العالم. وهو صاحب "التورا" و"اليسق أو الياسق"، وضعه ليتحاكم إليه التتار ومن معهم من أمراء الترك, والتورا باللغة التركية هو المذهب، واليسق هو الترتيب، وأصل كلمة اليسق: سي يسا، وهو لفظ مركب من أعجمي وتركي، ومعناه: التراتيب الثلاث؛ لأن " سي " بالعجمي في العدد ثلاثة، و" يسا " بالتركي: الترتيب؛ وعلى هذا مشت التتار منذ أن وضعه لهم جنكيز خان، وانتشر الياسق في سائر الممالك حتى ممالك مصر والشام، وصاروا يقولون: " سي يسا " فثقلت عليهم فقالوا: " سياسة " على تحاريف العرب في اللغات الأعجمية لهم السياسا التي يتحاكمون إليها، ويحكمون بها، وأكثرها مخالف لشرائع الله تعالى وكتبه، وهو شيء اقترحه من عند نفسه، وتَبِعوه في ذلك, وقد عظُمَ أمر جنكيزخان وبعُدَ صِيتُه وخضعت له قبائلُ الترك ببلاد طمغاج كلها، حتى صار يركَبُ في نحو ثمانمائة ألف مقاتل، وأكثَرُ القبائل قبيلته التي هو منها يقال لهم قيان، ثم أقرب القبائلِ إليه بعدهم قبيلتان كبيرتا العدد، وهما أزان وقنقوران، وكان يصطاد من السنة ثلاثة أشهر، والباقي للحرب والحكم، فلما هلك جعلوه في تابوت من حديد وربطوه بسلاسل وعلقوه بين جبلين, وأما كتابُه الياسا فإنه يكتب في مجلدين بخط غليظ، ويُحمَل على بعير عندهم، وقد ذكَرَ بعضُهم أنه كان يصعد جبلًا ثم ينزل. ثم يصعدُ ثم ينزل مرارًا حتى يعيى ويقع مغشيًّا عليه، ويأمر من عنده أن يكتبَ ما يلقى على لسانه حينئذٍ، فإن كان هذا هكذا فالظاهر أن الشيطانَ كان ينطق على لسانِه بما فيها، واستمر أولاد جنكيزخان في ممالكه التي قسمها عليهم في حياته، ولم يختلف منهم واحد على واحد، ومشوا على ما أوصاهم به، وعلى طريقته " التورا " و" اليسق " ولما احتُضر أوصى أولاده بالاتفاق وعدم الافتراق، وضرب لهم في ذلك الأمثال، وأحضر بين يديه نشابًا وأخذ سهمًا أعطاه لواحد منهم فكسره، ثم أحضر حزمة ودفعها إليهم مجموعة فلم يطيقوا كسرَها، فقال: هذا مثَلُكم إذا اجتمعتم واتَّفقتم، وذلك مثلُكم إذا انفردتُم واختلفتُم، قال: وكان له عِدَّةُ أولاد ذكور وإناث، منهم أربعة هم عظماء أولاده، أكبرهم يوسي وهريول وباتو وبركة وتركجار، وكان كل منهم له وظيفة عنده. قال ابن كثير: " وقد رأيت مجلدًا ببغداد جمعه الوزير علاء الدين الجويني في ترجمة جنكيز خان، ذكر فيه سيرته، وما كان يشتَمِلُ عليه من العقل السياسي والكرم والشجاعة والتدبير الجيد للملك والرعايا، والحروب, وذكر فيه نتفًا من الياسا من ذلك: أنه من زنا قتل، محصنًا كان أو غير محصن، وكذلك من لاط قُتل، ومن تعمد الكذب قُتل، ومَن سحر قُتل، ومن تجسَّس قُتل، ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدَهما قُتل، ومن بال في الماء الواقف قُتل، ومن انغمس فيه قُتل، ومن أطعم أسيرًا أو سقاه أو كساه بغير إذن أهلِه قُتل.... "
هو عبدُ اللهِ بنُ محمَّدِ بنِ عبد الرحمن بن الحاكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية الداخِل، صاحِبُ الأندلس، وليَ الأمرَ بعد أخيه المُنذِر بن محمد في صفر سنة 275، وطالت أيامُه، وبقي في المُلكِ خمسًا وعشرين سنةً وأحد عشر شهرًا، وكان من الأمراءِ العادلين الذين يَعِزُّ وجودُ مثلهم. كان صالحًا تقيًّا، كثيرَ العبادةِ والتلاوة، رافعًا لِعَلمِ الجِهادِ، مُلتَزِمًا للصَّلواتِ في الجامعِ، وله غَزواتٌ مَشهورةٌ، منها غزوةُ "بلي" التي يُضرَبُ بها المثل. وذلك أنَّ ابنَ حفصونَ حاصرَ حِصنَ بلي في ثلاثين ألفًا. فخرج الأميرُ عبد الله من قُرطُبةَ في أربعة عشر ألف مقاتل، فهَزَم ابنَ حَفصونَ، وتبعه قتلًا وأسرًا، حتى قيل: إنَّه لم ينجُ مِن الثّلاثين ألفًا إلَّا النَّادُّ, وكان عبد الله أديبًا عالِمًا. مات وكان عمُرُه اثنتين وأربعين سنة، وخلَّف أحدَ عشَرَ ولدًا ذكرًا، أحدُهم محمَّد المقتول, وهو والدُ عبد الرحمن الناصر، قتله أخوه المطرف فِي صدرِ دولة أبيهما، ولَمَّا توفِّيَ عبدالله تولى بعده ابنُ ابنِه عبد الرحمن بن محمَّد لمدة خمسينَ سنةً.
عقد السَّفَّاح عبدُ الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لأخيه أبي جعفرٍ عبدِ الله بن محمَّد بالخلافة مِن بعدِه، وجعله وليَّ عهد المسلمين، ومِن بعد أبي جعفرٍ ولد أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي، وجعل العهدَ في ثوبٍ وخَتَمه بخاتمه وخواتيمِ أهل بيته، ودفعه إلى عيسى بن موسى. فلما توفي السفَّاح كان أبو جعفر بمكَّة، فأخذ البيعةَ لأبي جعفرٍ عيسى بن موسى، وكتب إليه يُعلِمُه وفاة َالسفَّاح والبيعةَ له بعد أن دامت خلافةُ السفَّاح أربع سنين.
هو محمد عبد الله حسن نور صومالي، قاد الجهاد ضِدَّ الاحتلال الإنجليزي والإيطالي والأثيوبي في مطلع القرنِ العشرينَ، وُلِدَ سنة 1856م، سماه الإنجليز «الملا المجنون» عندما واجه الاستعمارين البريطاني والإيطالي، واستطاع أن يقاوم المستعمرين لمدة عشرين عامًا، كبَّدهم أثناءها الخسائِرَ الفادحة، وانتزع حقَّ السيادة على مناطِقَ عديدة، خاض محمد بن عبد الله 270 موقعة في الجهاد ضدَّ البريطانيين انتصر في معظمها. في العام 1920م تعرض محمد بن عبد الله لقصف من الطيران البريطاني استهدف مواقِعَهم في مدينة جالكاسيو غرب الصومال، فاستطاع أن يصِلَ إلى أثيوبيا ثم توفِّيَ فيها.
أظهر الإسماعيليَّةُ- ومقَدَّمُهم جلالُ الدين الإسماعيليُّ، تولى بعد أبيه, وقيل: إنه كان غير راضٍ عن ممارساتِ أبيه أعلى محمد وسياستِه العدوانيَّة- الانتِقالَ عن فعل المحرَّمات واستحلالِها، وأمَرَ بإقامة الصلواتِ وشرائِعِ الإسلامِ ببلادهم من خراسان والشام، وأرسل مقدُّمُهم رسلًا إلى الخليفة، وغيره من ملوك الإسلام، يخبِرُهم بذلك، وأرسل والدتَه إلى الحجِّ، فأُكرِمَت ببغدادَ إكرامًا عظيمًا، وكذلك بطريقِ مكَّةَ.