هو الإمامُ العلامة كمال الدين محمد ابن الشيخ همام الدين عبد الواحد ابن القاضي حميد الدين عبد الحميد ابن القاضي سعد الدين مسعود الحنفي السيرامي الأصل المصري المولد والدار والوفاة، المشهور بابن الهمام، ولد سنة 790 بالإسكندرية ومات أبوه وكان قاضي الإسكندرية وهو ابن عشر أو نحوها، فنشأ في كفالة جدته لأمه، وكانت مغربية خيِّرة تحفظ كثيرًا من القرآن وقدم بصحبتها القاهرة فأكمل بها القرآن عند الشهاب الهيثمي وتلاه تجويدًا على الزراتيتي، وبالإسكندرية على الزين عبد الرحمن الفكيري، وكان شيخه يصفه بالذكاء المفرط والعقل التام والسكون، وحَفِظَ مختصر القدوري والمنار والمفصَّل للزمخشري وألفية النحو، ثم عاد بصحبتها أيضًا إلى الإسكندرية فأخذ بها النحو عن قاضيها الجمال يوسف الحميدي الحنفي، وقرأ في الهداية على الزين السكندري، وفي المنطق على العز عبد السلام البغدادي والبساطي، وعنه أخذ أصول الدين وقرأ عليه شرح هداية الحكمة لملا زادة, ولم يبرح عن الاشتغال بالمعقول والمنقول حتى فاق في زمن يسير أقرانه, وأشير إليه بالفضل التام والفطرة المستقيمة، بحيث قال البرهان الأبناسي أحد رفقائه حين رام بعضهم المشي في الاستيحاش بينهما: "لو طلبت حجج الدين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره. ثم قال: وشيخنا البساطي وإن كان أعلم، فالكمال أحفظ منه وأطلق لسانًا، هذا مع وجود الأكابر إذ ذاك، بل أعلى من هذا أن البساطي لما رام المناظرة مع العلاء البخاري بسبب ابن الفارض ونحوه قيل له: من يحكم بينكما إذا تناظرتما، فقال: ابن الهمام لأنه يصلح أن يكون حَكَم العلماء" وقال يحيى بن العطار: "لم يزل يُضرَب به المثل في الجمال المفرد مع الصيانة وفي حسن النغمة مع الديانة، وفي الفصاحة واستقامة البحث مع الأدب" واستمر يترقى في درج الكمال حتى صار عالِمًا مفننًا علَّامة متقنًا، درَّس وأفتى وأفاد، وعكف الناس عليه، واشتهر أمره وعظُم ذِكرُه، قال شمس الدين السخاوي: "فقد كان إمامًا علامة عارفًا بأصول الديانات والتفسير والفقه وأصوله، والفرائض والحساب، والتصوف والنحو والصرف والمعاني والبيان، والبديع والمنطق والجدل والأدب والموسيقى، وجُل علم النقل والعقل، متفاوت المرتبة في ذلك, ومع قلة علمه في الحديث فهو عالم أهل الأرض ومحقِّق أولي العصر حُجة أعجوبة ذا حجج باهرة واختيارات كثيرة وترجيحات قوية, وقد تخرج به جماعة صاروا رؤساء في حياته، فمن الحنفية التقي الشمس والزين قاسم وسيف الدين، ومن الشافعية ابن خضر والمناوي. ومن المالكية عبادة وطاهر والقرافي, ومن الحنابلة الجمال بن هشام. وهو أنظَرُ من رأيناه من أهل الفنون ومن أجمعهم للعلوم وأحسنهم كلامًا في الأشياء الدقيقة وأجلدِهم على ذلك مع الغاية في الإتقان والرجوع إلى الحق في المباحث ولو على لسان آحاد الطلبة، كل ذلك مع ملاحة الترسل وحسن اللقاء والسمت والبِشر والبزَّة ونور الشيبة وكثرة الفكاهة والتودد والإنصاف وتعظيم العلماء، والإجلال لتقي الدين ابن تيمية وعدم الخوض فيما يخالف ذلك، وعلو الهمة وطيب الحديث ورقة الصوت وطراوة النغمة جدًّا, وسلامة الصدر وسرعة الانفعال والتغير والمحبة في الصالحين وكثرة الاعتقاد فيهم والتعهد لهم والانجماع عن التردد لبني الدنيا حتى الظاهر جقمق مع مزيد اختصاصه به، ولكنه كان يراسله هو ومن دونه فيما يسأل فيه" وقد حجَّ غير مرة وجاور بالحرمين مدة، وشرب ماء زمزم- كما قاله في شرحه للهداية- للاستقامة والوفاة على حقيقة الإسلام معها. ونشر في الحرمين علمًا جمًّا, وعاد في رمضان سنة ستين وهو متوعِّك فسُرَّ المسلمون بقدومِه وعكف عليه من شاء الله من طلبته وغيرهم أيامًا من الأسبوع إلى أن مات في يوم الجمعة سابع رمضان، ودفِنَ من يومه، وصُلِّيَ عليه عصرًا بمصلى المؤمني، وكانت جنازته مشهودة، شهده السلطانُ فمَن دونه، قدِمَ للصلاة عليه قاضي مذهبه ابن الديري، ودُفِنَ بالقرافة في تربة ابن عطاء الله، ولم يخلف بعده في مجموعه مثله. وله مصنفات أشهرها فتح القدير في الفقه الحنفي، وله التحرير في أصول فقه الأحناف، وغيرها من المصنفات.
تجمع فرنج قبرص وعكا وطرابلس وأنطاكية، وانضم إليهم عسكرُ ابن ملك الأرمن؛ لقصد بلاد المسلمين، فخافهم المسلمون، وكان أول ما بدؤوا به بلاد الإسماعيلية، فنازلوا قلعةَ الخوابي وجدُّوا في حصارها، وكانوا حانقين على الإسماعيلية؛ بسبب قتلهم ابن البرنس صاحب أنطاكية؛ شابٍّ في الثامنة عشرة من العمر، وثبوا عليه العام الماضي فقتلوه، فخرج الملك الظاهر بعسكَرِه ليدافِعَ عن القلعة، فترحَّلت الفرنجُ ثم ساروا عنها إلى أنطاكية.
هي بدرةُ بنتُ الإمامِ فخرِ الدين محمد بن أبي القاسم بن تيميَّة، أم البدر، زوجةُ العلَّامة المفتي مجدِ الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله ابن أبي القاسم ابن تيميَّة، جَدَّةُ شيخ الإسلامِ أبي العباس بن تيميَّة. توفيت قبل زوجها بليلة، وقد روت بالإجازةِ عن بعضِ أصحاب أبي علي الحدَّاد. سمع منها: الدمياطي بإجازتها من أبي المكارم اللبَّان
ثار على إبراهيم بن زكريا بن يحيى الثاني أمير الحفصيين في تونس رجل يدعى أحمد بن مرزوق يعرف بابن أبي عمارة الذي قوي أمره، حتى تنازل إبراهيم لابنه أبي فارس أمير مدينة بجاية من قبل أبيه فلقب نفسه بالمعتمد وسار إلى قتال ابن أبي عمارة غير أنه هزم وقُتِلَ، فما كان من أبيه إلا أن هرب باتجاه تلمسان فأدركه بعض أتباع ابن أبي عمارة فحُمِلَ إلى بجاية وقُتِلَ فيها عام 683هـ.
بعد انتقالِ الشريف حسين إلى العَقَبة -جنوب الأردن- عَمِلَ على دعمِ ابنه علي في مواجهتِه للملك عبدالعزيز بإرسال الأموالِ والرجالِ، فغَضِبَ الملك عبدالعزيز وطلب من الإنجليز إخراجَ الحسين من العقبة، وإلا سيهاجمه هناك، فقررت بريطانيا نقْلَه إلى قبرص، فلما رفض الانتقالَ أقنعه ابنُه عبد الله بمغادرة العَقَبة وعدم إثارة المشكلاتِ مع بريطانيا، ومكث في قبرص 7 سنوات، ثم عاد منها بعد مرضه إلى عَمَّان سنة 1931م حيث توفِّيَ فيها في نفس السنة.
بعد مَقتلِ الملك عبد الله تُوِّجَ ابنُه الأكبر طلال بن عبد الله خلفًا لوالِدِه، ولكن خلال عام أجبره البرلمان الأردني على التنحِّي عن المُلكِ بدعوى أنَّه مصاب بمرض عقليٍّ أو نفسي، فأُعلن ابنُه الأمير حسين ملكًا على الأردن، وذلك في 11 أغسطس 1952 وكان عمره آنذاك 17 سنة، ولم يكنْ يبلغ السن القانونية، فشُكِّلَ مجلِسٌ للوصاية على العرشِ، وتم تتويجُه ملِكًا في 2 مايو عام 1953.
هو سَعيدُ بن جُبَير بن هِشام الأَسَدِيُّ الوالِبِيُّ مَوْلاهُم الكوفيُّ، أبو محمَّد، كان وِعاءًا مِن أَوْعِيَة العِلْم, قال خُصَيف: كان أَعْلَمَهم بالقُرآن مُجاهِد، وأَعْلَمَهم بالحَجِّ عَطاء، وأَعْلَمَهم بالحَلال والحَرام طاووس، وأَعْلَمَهم بالطَّلاق سَعيد بن المُسَيِّب، وأَجْمَعَهم لِهذه العُلوم سَعيد بن جُبير. لقد مات سَعيد بن جُبَير وما على ظَهْر الأرضِ رَجُل إلَّا يَحتاجُ إلى عِلْمِ سَعيد, وكان ابنُ جُبَير يقول بعدَ أن تَخَفَّى عن الحَجَّاج: (وَدِدْتُ لو أنَّ النَّاس أَخَذوا ما عِندي مِن العِلْم فإنَّه ممَّا يُهِمُّني). كان سَبَبَ قَتْلِ الحَجَّاج لابنِ جُبَير خُروجُه مع عبدِ الرَّحمن بن محمَّد بن الأشعث، وكان الحَجَّاج قد جَعَله على عَطاء الجُنْد حين وَجَّه ابنَ الأشعث إلى مَلِك التُّرْك رتبيل لِقِتالِه، فلمَّا خَلَعَ ابنُ الأَشعث الحَجَّاجَ كان سَعيدُ بن جُبَير فيمَن خَلَعَ، فلمَّا هُزِمَ ابنُ الأشعث ودَخَل بِلادَ رتبيل هَرَب سَعيد بن جُبَير إلى أَصْبَهان، فكَتَب الحَجَّاجُ إلى عامِلِهِ بِأَخْذِ سَعيد بن جُبَير، فخَرَج العامِل مِن ذلك بأن أَرسَل إلى سَعيد يُعَرِّفُه ذلك ويَأمُره بمُفارَقَتِه، فسارَ عنه فأَتَى أَذْرَبِيجان فطالَ عليه القِيامُ فاغْتَمَّ بها، وقد تَخَفَّى ابنُ جُبَير عن الحَجَّاج اثنا عَشَر سَنَةً، كان يَحُجُّ ويَعْتَمِر في كُلِّ سَنَةٍ فَتْرَةَ تَخفِّيه إلى أن خرج في مكَّة, فكان بها إلى أن وَلِيَها خالدُ بن عبد الله القَسري، فأشار مَن أشار على سَعيد بالهَرَب منها، فقال سَعيدٌ: والله لقد اسْتَحْيَيْتُ مِن الله، مم أَفِرُّ، ولا مَفَرَّ مِن قَدَرِهِ. فأَرسلَه خالدٌ القَسري إلى الحَجَّاج، ثمَّ إنَّ الحَجَّاج قَتَلَه، وقِصَّتُه مَشهورَة، ولم يَبْقَ الحَجَّاج بعدَ قَتلِه كَثيرًا، وكان يقول بعدَ ذلك: مالي ولابنِ جُبَير. فرَحِمَ الله سَعيدَ بن جُبَير.
لما توفِّي أبو حمير سبأ بن أحمد بن المظفر بن علي الصليحي سنة 495، وهو آخر الملوك الصليحيين الباطنية، أرسل المأمون البطائحي الرافضي وزير الفاطميين بمصر علي بن إبراهيم بن نجيب الدولة، فوصل إلى جبال اليمن سنة 513، وقام بأمر الدعوة والمملكة التي كانت بيد سبأ، وبقيَ ابن نجيب الدولة حتى أرسل الآمر الفاطمي وقبض عليه بعد سنة 520، فانتقل الملك والدعوة باليمن إلى آل الزريع بن العباس بن المكرم. وآل الزريع هم أهلُ عدن، وهم شيعةٌ إسماعيلية من همذان بن جشم، وهؤلاء بنو المكرم يعرفون بآل الذيب، وكانت عدن لزريع بن العباس بن المكرم، ولعمه مسعود بن المكرم، فقتلا على زبيد مع الملك المفضل، فولي بعدهما ولداهما، وهما أبو السعود بن زريع، وأبو الغارات ابن مسعود، وبقيا حتى ماتا، وولي بعدهما محمد بن أبي الغارات، ثم ولي بعده ابنه علي بن محمد بن أبي الغارات مقام علي بالدملوة، فمات بالسُّل، وملك بعده أخوه المعظم محمد بن سبأ، ثم ملك بعده ابنه عمران بن محمد بن سبأ، وكانت وفاة محمد بن سبأ سنه 548، ووفاة عمران بن محمد بن سبأ في شعبان سنة 560، وخلف عمران ولدين طفلين هما محمد وأبو السعود ابنا عمران. سنة 557 ظهر ابن مهدي واستولى على زبيد وأعمالها، ثم قويت شوكة ولده مهدي، وأغار على الجند وبواديها، وقَتَل من قتل في تلك النواحي، ثم أخذ جبال اليمن وقَتَل فيها قتلًا ذريعًا، وفي سنة 562 استولى على مخلاف الجند، وزالت على يد المهدي دولةُ آل زريع من المخلاف، ثم زال بقيةُ ملك آل زريع في اليمن على يد الأيوبيين.
هو فلاح بن مانع بن حثلين العجمي أميرُ قبيلة العجمان، قام في السنة الماضية ومعه بعض العُجمان وعربان من سبيع بالغارة على حاجِّ الأحساء والقطيف والبحرين وسيف البحر، فطلبه الإمام فيصل بن تركي ففَرَّ إلى ديرة بن خالد، فأجلى الإمام فيصل العجمانَ من ديرة بني خالد، ففَرَّ ابن حثلين إلى محمد بن هاد بن قرملة بعد أن انسلخ منه العجمان وتبرؤوا منه، ثم إنَّ فلاح بن حثلين قام يدير الرأيَ في الحيلة للرجوعِ إلى ديرة بني خالد، ووقع في نفسِه أنَّه لا يَقدِرُ على ذلك إلَّا بمصافاة الدويش وأتباعه، فرحل من مكانِه وقصَدَهم في ديرة بني خالد، ومعه قطعةٌ قليلة من العجمان، فنزل على منديل بن غنيمان رئيسِ من الملاعبة من مطير، وطلبه أن يجيره ويجمع بينه وبين الدويش، فأبى ابن غنيمان وقال: لا نقدِرُ على ذلك، ونحن بيدِ الإمام فيصل، ولا يجسرُ يجيرُ عليه أحد، وأرسل منديل إلى الحميدي الدويش وأخبره بالأمر، فركب من ساعته بعَدَدِه وعُدَّتِه وألفى عند ابن غنيمان ورحل معه بابن حثلين ومن تَبِعَه وأدخلهم مع عُربانه، وأرسل إلى فيصل يخبره، وركب وافدًا عليه ومعه رؤساء قومِه فلما دخلوا على الإمام ذكَرَ لهم ما فعل ابن حثلين بالمسلمين، وقال: لا بدَّ من إمساكه وأخْذِه من عندكم وأخذ الثأر منه للمسلمين، وألزمه بذلك فلم يجِدْ بدًّا من طاعته، فأمر الإمامُ على رجال من خدَّامه يركبون معهم ويأخذون ابن حثلين من عند الدويش، وقصدوا به الأحساءَ وأدخلوه قصرَ الكوت عند أحمد السديري، فقطعوا رأسَه، وعندما قُتِلَ فلاح بن حثلين خلفه أخوه العجمان الشيخ حزام بن حثلين عمُّ راكان بن فلاح حوالي خمسة عشرة عامًا في زعامة قبيلة العجمان، ثم تنازل عن زعامته لابن أخيه الشيخ راكان بن فلاح بن حثلين، عام 1276هـ.
البريمي واحةٌ في جنوب شرقي المملكة العربية السعودية على الحدودِ مع عمان والإمارات، وهي تابعة للأحساءِ، وعندما طلب الملكُ عبد العزيز من مهندسي شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) التنقيبَ فيها عن النفط منَعَت بريطانيا المنقِّبين عن مواصلة العمل باسمِ بَعضِ محميَّاتِها في الخليج؛ بدعوى أنَّها من الأراضي غير المتَّفَقِ على تبعيتها، ووافق الملك عبد العزيز حسمًا للنزاع مع الإنجليز على سحب المنقبِّين وتأجيل العمل إلى أن يتِمَّ الاتفاق على الحدود، وبينما الملِكُ ينتظر صدى تسامحِه إذا به يعلَمُ أنَّ عُمَّالًا تابعين لشركة نفط بريطانية يقومون بالحَفرِ والتنقيب في نفس الأرضي التي قالوا بالأمسِ إنها غيرُ متفق على تبعيتها، واحتجَّت حكومة الملك عبد العزيز وعُقِدَ مؤتمران لهذا الغرض بين الطرفين أحدُهما في لندن، والآخر في الدمام، وفي المؤتمر الثاني طلب الوفد البريطاني تأجيلَ اجتماعاته شهرًا، ووافق الوفد السعودي غير أن هذا الشهر لم ينتهِ، فأرسل الملك عبد العزيز أميرًا من أهل الرياض هو تركي بن عطيشان للنظرِ في شؤون البريمي، فنزلت على مقربةٍ مِن مقَرِّه قوةٌ بريطانية مسلَّحة سدَّت في وجهه سُبُلَ التموين والاتصال بالخارج، وبدأت الطائرات تحوم فوق موقع إقامة ابن عطيشان، فأبرق الملِكُ إلى سفارته في لندن في 29 / 12 /1371هـ برقيةً شخصية توصِلُها إلى وزير الخارجية البريطانية يستنكِرُ فِعلَ الحكومة البريطانية في البريمي مع مندوبه ابن عطيشان، ويهَدِّدُ برفع شكوى إلى مجلس الأمن، فأكد وزير الخارجية البريطاني على أهمية استمرار الصداقة ورغبتِهم الصادقة في حلِّ النزاع وسَحْب القوات البريطانية من البريمي في الوقت الذي ينسحب ابن عطيشان منها, ورفض الملِكُ سَحْبَ ابن عطيشان؛ وذلك لأن البريمي أرضٌ سعودية، وتوفي الملك عبد العزيز والوضعُ قائِمٌ على حاله: ابن عطيشان محصور والشركات البريطانية تعمَلُ منفردةً في التنقيب عن النفطِ.
في سنة 297 استعمل عُبيدُ الله المهديُّ عليَّ بنَ عُمَرَ على صقلِّية، فلمَّا وَلِيَها كان شيخًا ليِّنًا، فلم يرضَ أهلُ صقلِّيَّة بسيرته، فعزلوه عنهم، وولَّوا على أنفسهم أحمدَ بنَ قرهب، ودعا أحمدُ بن قرهب النَّاسَ إلى طاعة المقتَدِر، فأجابوه إلى ذلك، فخَطب له بصقلِّيَّة، وقَطع خُطبةَ المهديِّ، وأخرج ابنُ قرهب جيشًا في البحرِ إلى ساحل أفريقيَّة، فلَقُوا هناك أسطولَ المهديِّ ومُقَدَّمه الحَسَن بن أبي خنزير، فأحرقوا الأسطولَ، وقَتَلوا الحسن، وحملوا رأسَه إلى ابن قرهب، وسار الأسطولُ الصقلِّيُّ إلى مدينة سفاقس، فخرَّبوها، وساروا إلى طرابلس، فوجدوا فيها القائِمَ بنَ المهديِّ، فعادوا، ووصَلَت الخِلَع السُّود والألوية إلى ابن قرهب من المقتَدِر، ثمَّ أخرج مراكِبَ فيها جيشٌ إلى قلوريةَ، فغَنِمَ جيشُه، وخَرَّبوا وعادوا، وسيَّرَ أيضًا أسطولًا إلى إفريقيَّة، فخرج عليه أسطولُ المهديِّ، فظَفِروا بالذي لابن قرهب وأخذوه، ولم يستَقِمْ بعد ذلك لابن قرهب حالٌ، وأدبَرَ أمرُه، وطَمِعَ فيه الناس، وكانوا يخافونَه، وخاف منه أهلُ جرجنت –مدينة في صقلية-، وعَصَوا أمره، وكاتبوا المهديَّ، فلمَّا رأى ذلك أهلُ البلاد كاتبوا المهديَّ أيضًا، وكرهوا الفتنةَ، وثاروا بابن قرهب، وأخذوه أسيرًا سنة 300 وحبسوه، وأرسلوه إلى المهديِّ مع جماعة من خاصَّتِه، فأمر بقَتلِهم على قبرِ ابن أبي خنزير، فقُتِلوا، واستعمل على صقلِّية أبا سعيد موسى بن أحمد، وسيَّرَ معه جماعةً كثيرة من شيوخِ كتامة.
بلغ مُعِزَّ الدولةِ أبا الحُسَينِ بن بُوَيه إصعادُ توزون إلى الموصِل، فسار هو إلى واسِط؛ لِميعادٍ مِن البريديين، وكانوا قد وعدوه أن يُمدُّوه بعسكرٍ في الماء، فأخَلفوه، وعاد توزون من الموصِل إلى بغداد، وانحدر منها إلى لقاءِ مُعِزِّ الدولة، والتَقَوا سابع عشر ذي القعدة بقباب حميد، وطالت الحربُ بينهما بضعةَ عشر يومًا، إلَّا أن أصحاب توزون يتأخَّرون، والديلم يتقَدَّمون، إلى أن عبرَ توزون نهرَ ديالي، ووقف عليه، ومنع الديلمَ مِن العبور، وكان مع توزون مقابلةٌ في الماء في دجلة، فكانوا يودُّون أن الديلم يستولونَ على أطرافِهم، فرأى ابنُ بويه أن يصعَدَ على ديالي ليَبعُدَ عن دجلة وقتالِ من بها، ويتمَكَّن من الماء، فعَلِمَ توزون بذلك، فسيَّرَ بعض أصحابه، وعبَرُوا ديالي وكَمَنوا، فلما سار مُعِزُّ الدولة مصعدًا وسار سوادُه في أثَرِه خرج الكمين عليه، فحالوا بينهما، ووقعوا في العسكرِ وهو على غيرِ تَعبِيةٍ، وسمع توزون الصِّياحَ، فتعجَّلَ وعبَرَ أكثَرُ أصحابه سباحةً، فوقعوا في عسكرِ ابنِ بويه يَقتلون ويَأسِرونَ حتى ملُّوا، وانهزم ابنُ بُويه ووزيره الصيمري إلى السوس رابعَ ذي الحِجة، ولحق به من سَلِمَ مِن عسكره، وكان قد أسَرَ منهم أربعةَ عشَرَ قائدًا، منهم ابن الداعي العلوي، واستأمن كثيرٌ من الديلم إلى توزون؛ ثم إنَّ توزون عاوده ما كان يأخُذُه من الصَّرَع، فشُغِلَ بنَفسِه عن معزِّ الدولة وعاد إلى بغداد.
سار ابنُ تومرت بعد أن أخرجه أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين من مراكش، إلى أغمات, ثم لحق بالجبل، فسار فيه، حتى التحق بالسوس وتسامع به أهل تلك النواحي، فوفدوا عليه، وحضر أعيانُهم بين يديه، وجعل يَعِظُهم، ويذكِّرُهم بأيام الله، ويذكر لهم شرائع الإسلام، وما غيِّر منها، وما حدث من الظلم والفساد، وأنه لا يجب طاعة دولة من هذه الدول؛ لاتباعهم الباطل، بل الواجب قتالهم، ومَنْعُهم عما هم فيه، وسمَّى أتباعَه الموحدين، فانتهى خبره إلى أمير المسلمين ابن تاشفين، فجهز جيشًا من أصحابه وسيَّرهم إليه، فنزلوا من الجبل، ولقُوا جيش أمير المسلمين، فهزموهم، وأخذوا أسلابهم، وأقبلت إليه أفواج القبائل، من الحلل التي حوله شرقًا وغربًا، وبايعوه، وأطاعته قبيلة هنتانة، وهي من أقوى القبائل، فأقبل عليهم، واطمأن إليهم، وأتاه رسل أهل تينمليل بطاعتهم، وطلبوه إليهم، فتوجه إلى جبل تينمليل واستوطنه، وألَّف لهم كتابًا في التوحيد، وكتابًا في العقيدة، ونهج لهم طريق الأدب بعضهم مع بعض، والاقتصار على القصير من الثياب، القليل الثمن، وهو يحرضهم على قتال عدوهم، وإخراج الأشرار من بين أظهرهم، ثم إن أمير المسلمين أرسل إليهم جيشًا قويًّا، فحصروهم في الجبل، وضيقوا عليهم، ومنعوا عنهم الميرة، فقلَّت عند أصحاب ابن تورمت -الذي تلقَّب بالمهدي- الأقواتُ، فاجتمع أهل تينمليل، وأرادوا إصلاح الحال مع أمير المسلمين، فبلغ الخبر بذلك المهدي بن تومرت، ولم يزل أمر ابن تومرت يعلو إلى أن قُتِلَ سنة 524.
جمالُ الدين أبو منصور حسن بن يوسف بن مُطَهَّر الحلي العراقي الشيعي المعتزلي، شيخُ الروافض بتلك النواحي وفقيهُهم، وله التصانيفُ الكثيرة، يقال تزيدُ على مائة وعشرين مجلدًا، وعِدَّتُها خمسةٌ وخمسون مصنَّفًا، في الفقه والنحو والأصول والفلسفة والرفض، وغير ذلك من كبارٍ وصغار، وله كتابُ منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة، خبط فيه في المعقول والمنقول، ولم يدرِ كيف يتوجه، إذ خرج عن الاستقامةِ، وقد انتدب في الرَّدِّ عليه الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابنُ تيمية في كتابه منهاج السنَّة، أتى فيها بما يُبهِرُ العقول من الأشياء المليحة الحسنة، وكان شيخُ الإسلام يسمِّيه ابن المُنَجَّس, وله كتابُ تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، وله قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، وتهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول، وإرشاد الأذهان إلى أحكام القرآن، وتحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، وله خلاصة الأقوال في الرجال، وكشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، وغيرها من الكتب في علم الكلام والعقائد، وُلِدَ ابن المطَهَّر الذي لم تُطهَّر خلائقُه ولم يتطَهَّر من دَنَسِ الرفض ليلة الجمعة سابع عشرين رمضان سنة 648، وتوفي ليلة الجمعة عشرين محرم من هذه السنة، وكان اشتغالُه ببغداد وغيرها من البلاد، واشتغل على نصير الطوسي، وعلى غيره، ولَمَّا تَرَفَّض الملك خربندا حَظِيَ عنده ابن المطَهَّر وساد جدًّا وأقطعه بلادًا كثيرة.
بعد معركة المليداء سنة 1308 أخذ الإمامُ عبد الرحمن ما أمكَنَه أخذُه من ممتلكاتِه في الرياض، وخرج بأسرتِه منها، واتَّجَه إلى المناطق الواقعة بين واحة يبرين والأحساء، لبُعدِها عن متناولِ ابن رشيد، ولوجودِ قبائل متعاطِفة معه، ومناوِئة لخَصمِه ابن رشيد، مِثلُ العجمان وآل مرة، ولكِنَّ صعوبة حياة الصحراء على نِساءِ أُسرتِه وأطفاله أجبَرَت الإمامَ عبد الرحمن على إرسالِ ابنه عبد العزيز إلى الشيخ عيسى بن خليفة حاكِمِ البحرين طالبًا منه أن يقبَلَ إقامةَ أسرته لديه، ورحَّبَ الشيخُ عيسى بالطلب، فذهب أطفالُ الإمام ونساؤه إلى البحرين، ليلقَوا كرم الضيافة هناك. حاول عبدُ الرحمن أن يستعيدَ الرياض, فجمع أنصارَه من أعراب البادية، وصَحِبَه إبراهيم بن مهنا أبا الخيل، أميرُ بُرَيدة مع عددٍ مِن أهلِها, وهاجم الإمامُ عبد الرحمن مع أتباعِه بلدةَ الدلم واستولوا عليها وطَرَدوا من كان فيها من أتباعِ محمد بن رشيد. ثم توجَّه إلى الرياض، ودخلها سنة 1309ه،ـ ومن الرياضِ سار الإمام عبد الرحمن إلى المحمل، ونزل في حريملاء شمالَ الرياضِ والتقى بابن رشيد في معركةٍ فاصلة انهزم فيها عبد الرحمن وقُتِلَ عدد من رجالِه وأنصاره، ودخل ابنُ رشيد الرياض، وبعد هذه المعركةِ تبَدَّدت آمال عبد الرحمن بن فيصل، وعاد إلى مخيَّمِه في البادية، وكانت وقعةُ حريملاء آخِرَ معارك أئمَّةِ الدولة السعودية الثانية، وبها انتهت دولةُ آل سعود في مرحلتِها الثانيةِ.