هو الإمامُ العلَّامةُ المُفتي المجتَهِد, عَلَمُ العراق أبو بكر أحمدُ بنُ عليٍّ الرازي الجَصَّاصُ، الفقيهُ الحنفي، إمامُ أصحاب الرأي في وقته، صاحب التصانيف، وتلميذُ أبي الحسن الكرخي. ولد سنة 305 في مدينة الريِّ التي يُنسَبُ لها بالرازي, وقد مكث بها حتى سِنِّ العشرينَ، حيث رحل إلى بغداد واستوطَنَها. وقد حاز الإمامُ مكانةً عِلميَّةً سامِقةً بين علماءِ الأمة عمومًا, وعُلَماءِ الحنفيَّة خُصوصًا. كان مع براعتِه في العِلمِ مَشهورًا بالزهد والورع، لَمَّا ورد بغداد في شبيبتِه درس الفقهَ على أبي الحسَنِ الكَرخيِّ ولم يزَلْ حتى انتهت إليه الرياسةُ الحنفية ببغداد، وعنه أخذ فقهاؤُها, ورحل إليه المتفَقِّهة، وخوطِبَ في أن يلي قضاءَ القُضاةِ فامتنع، وأعيد عليه الخطابُ فلم يفعل، وله تصانيفُ كثيرة مشهورة؛ منها "أحكام القرآن" و "شرح الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح المناسك" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح مختصر الفقه" للطحاوي، وغيرها، وتصانيفه تدُلُّ عل حفظه للحديثِ وبَصَرِه به. قال الذهبي: " وكان يميلُ إلى الاعتزالِ، وفي تصانيفِه ما يدُلُّ على ذلك في مسألةِ الرؤية وغيرِها ". توفِّيَ عن خمسٍ وستين سنة، وصلَّى عليه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي.
اجتمعت الفرنجُ وملوكُها وقمامصتها وجنودها وساروا إلى نواحي دمشق فنزلوا بمرج الصفر عند قرية يقال لها سقحبا بالقرب من دمشق، فعظم الأمرُ على المسلمين واشتدَّ خوفُهم، وكاتَبَ طغتكين أتابك دمشق أمراءَ التركمان من ديار بكر وغيرها وجمعهم، وكان هو قد سار عن دمشق إلى جهة الفرنج، واستخلف بها ابنَه تاج الملوك بوري فكان بها، كلما جاءت طائفة أحسن ضيافتَهم وسَيَّرهم إلى أبيه، فلما اجتمعوا سار بهم طغتكين إلى الفرنج فالتقوا أواخر ذي الحجة واقتتلوا، واشتد القتالُ، فسقط طغتكين على فرسه، فظن أصحابُه أنه قتل، فانهزموا وركب طغتكين فرسَه ولحقهم وتبعهم الفرنجُ وبقي التركمان لم يقدِروا أن يلحقوا بالمسلمين في الهزيمة، فتخلفوا، فلما رأوا فرسان الفرنج قد تبعوا المنهزمين وأن معسكرهم وراجِلَهم ليس له منعٌ ولا حامٍ، حملوا على الرجَّالة فقتلوهم، ولم يسلم منهم إلا الشريد، ونهبوا معسكرَ الفرنج وخيامَهم وأموالَهم وجميع ما معهم، وفي جملته كنيسة وفيها من الذهب والجواهر ما لا يُحصى كثرةً، فنهبوا ذلك جميعه وعادوا إلى دمشق سالِمين لم يعدم منهم أحد. ولما رجع الفرنج من أثر المنهزمين ورأوا رجالتَهم قتلى وأموالهم منهوبة تمُّوا منهزمين لا يلوي الأخُ على أخيه، وكان هذا من الغريب أن طائفتين تنهزمان كلُّ واحدةٍ منهما من صاحبتِها.
سيَّرَ الملكُ العادل أبو بكر بن أيوب، صاحِبُ دمشق ومصر، عسكرًا مع وَلَدِه الملك الأشرف موسى إلى ماردين، فحصروها، وشَحَنوا على أعمالها، وانضاف إليه عسكَرُ المَوصِل وسنجار وغيرهما، ونزلوا بخرزم تحت ماردين، ونزل عسكَرٌ من قلعة البارعية، وهي لصاحب ماردين، يقطعون الميرةَ عن عسكر العادل، فسار إليهم طائفةٌ من عسكر العادل، فاقتتلوا، فانهزم عسكَرُ البارعية، وثار التركمانُ وقطعوا الطريقَ في تلك الناحية، وأكثروا الفساد، فتعذَّرَ سُلوكُ الطريق إلى الجماعةِ مِن أرباب السلاح، فسار طائفةٌ مِن عسكر العادل إلى رأسِ عين لإصلاح الطرق، وكفِّ عادية الفساد، وأقام ولَدُ العادل، ولم يحصُلْ له غرض، فدخل المَلِكُ الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف، صاحِبُ حلب، في الصلح بينهم، وأرسل إلى عَمِّه العادل في ذلك، فأجاب إليه على قاعدةِ أن يحمِلَ أهل ماردين مائة وخمسين ألف دينار، فجاء صرفُ الدينار أحد عشر قيراطًا من أميري، ويُخطَب له ببلاده، ويُضرَبُ اسمه على السكة، ويكون عسكَرُه في خدمته أيَّ وَقتٍ طلبه، وأخذ الظاهِرُ عشرين ألف دينار من النقد المذكور، وقرية القرادي من أعمال شيختان، فرحل ولد العادل عن ماردين.
هو السُّلطانُ المَلِك الأفضل عباسُ ابن الملك المجاهد علي ابن الملك المؤيد داود ابن الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول التركماني الأصل، اليمني صاحب اليمن وابنُ صاحِبِها، ولي الأفضَلُ السلطنة بعد موت أبيه المجاهد في شهر جمادى الأولى سنة 764، ولما ولي اليمَنَ خرج في أيامِه ابنُ ميكائيل فوقع له معه وقائِعُ، حتى أباده الأفضَلُ وزالت دولةُ ابن ميكائيل في أيامه، وكان الأفضَلُ شجاعًا مهابًا كريمًا، وله إلمامٌ بالعلوم والفضائل، ومشاركةٌ جيدة في عِدَّة علوم وتصانيف منها: كتاب العطايا السَّنِية في ذكر أعيان اليمنية، وكتاب نزهة العيون في تاريخ طوائف القرون، ومختصر تاريخ ابن خَلِّكان، وكتاب بغية ذوي الهمم في أنساب العرب والعجم، وكتاب آخر في الألغاز الفقهية، وغير ذلك، وكان بنى مدرسةً عظيمة بتعز، وله أيضًا بمكة مدرسة معروفة به بالصفا، وقيل: إن هذه التصانيف المذكورة إنما هي لقاضي تعز رضي الدين أبي بكر بن محمد بن يوسف الجرائي الصبري الناشري، عَمِلَها على لسان الأفضَلِ. توفي في شعبان، وتسَلْطَنَ بعده ولَدُه السلطان الملك الأشرفُ إسماعيل.
كان العثمانيون وقائِدُهم خير الدين بربروسا وحسن الطوشي قد انشغلوا بمحاربة الأسبان في الجزائر والمغرب فترةً طويلةً من الوقت، جَعَلت فرسان القديس يوحنا (وهم بقايا الإسبتارية الصليبيين المطرودين من فلسطين ثم من قبرص ورودس سنة 928) يسيطرون على طرابلس سنة 942 بعد خروجهم من رودس بأمر البابا, واستمرَّ الحالُ حتى وفاة خير الدين بربروسا، وتمَّ تعيينُ طرغود أو «طرغوت، أو طرغول» باشا في منصب قبطان الأساطيل العثمانية. وبعد الاستغاثات التي وجَّهها سكَّان ليبيا إلى السلطان العثماني باعتباره خليفةً للمسلمين، وَضَع سنان باشا وطرغوت باشا خطةً مُحكَمةً لتحرير طرابلس من فرسان القديس يوحنا، وذلك بالهجوم البري من ناحية الشرق يقودُه والي مصر سنان باشا،وهجوم بحري يقوم به طرغود باشا بالأساطيل العثمانية من ناحية الشمال، ففرضا عليها حصارًا دام أسبوعًا واحدًا، وبحركة الكمَّاشة المحكمة استطاع العثمانيون بدعمٍ من المجاهدين الليبيين تحريرَ طرابلس في 12 شعبان سنة 958هـ، الموافق 15 أغسطس 1551م. دخلت ليبيا منذ 1551م عهدًا جديدًا، اتفق المؤرخون على تسميته بالعهد العثماني الأول، والذي انتهى سنة 1711م، عندما استقلَّ أحمد باشا القره مانلي بزمام ولاية ليبيا.
هو مصطفى كامل بن علي محمد، زعيمٌ سياسيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ وأحد روَّاد التحرير في مِصرَ، وُلِدَ سنة 1291ه في قرية كتامة التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية، وكان أبوه علي محمد مِن ضبَّاطِ الجيش المصري، وقد رُزِقَ بابنه مصطفى وهو في الستينَ مِن عمره، ويعتبر مصطفى مؤسِّسَ الحزب الوطني المصري الذي تألَّف برنامجُه السياسي من عِدَّة موادَّ؛ أهمها: المطالبةُ باستقلال مصر ضِمنَ دولة الخلافةِ العثمانية، وإيجادُ دستورٍ يكفُلُ الرقابة البرلمانية على الحكومةِ وأعمالها، ونشرُ التعليم، وبثُّ الشعور الوطني. وأنشأ جريدةَ اللواء، وكان مِن المنادين بإعادة إنشاءِ الجامعة الإسلامية، كما أنَّه كان من أكبر المناهضينَ للاستعمارِ، وعُرِفَ بدورِه الكبيرِ في مجالات النهضةِ، مثل: نشر التعليم، وإنشاء الجامعة الوطنية، وكان حزبُه ينادي برابطةٍ أوثَقَ بالدولة العثمانية، وأدَّت مجهوداتُ مصطفى كامل في فَضحِ جرائم الاحتلالِ والتنديدِ بها في المحافِلِ الدولية، خاصَّةً بعد مذبحةِ دنشواي التي أدَّت إلى سقوط اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصرَ. توفِّيَ في مصر عن عمر يناهز 34 عامًا. رغم أنَّه عاش ثمانيَ سنوات فقط في القرن العشرين فإنَّ بصماته امتَدَّت حتى منتصف القرنِ.
عندما بدأ الاحتلالُ الإيطالي لليبيا وتخلَّت عنهم الدولة العثمانية، بقي المجاهدون وحدهم في ميدان القتال، فالتقَوا في عدة معارك مع الطليان، وكان الليبيون قد دحروا القواتِ الإيطاليةَ حتى حاولوا الهجومَ على الإنجليز بمصرَ، لكنهم فشلوا، وتنازل أحمد شريف عن زعامة الحركة السنوسية لابن عمه محمد إدريس، الذي هزم الطليان في عدة معارك، واضطروا إلى إبرام اتفاقيةٍ معه اعترفوا له فيها بنفوذه على المناطق، وتعهَّدوا بإبقاء المحاكم الشرعية والعناية بالقرآنِ، وعدم التعرض للزوايا السنوسية، والسماح بالمبادلات التجارية، ثم عُقِد مؤتمر في مدينة غريان ضمَّ ممثِّلين عن جميع أبناء البلاد عدا البربر، واتفقوا على توحيد الجهاد، فخاف الطليان من نتائج هذا المؤتمر، فاضطروا للاعتراف بمحمد إدريس السنوسي أميرًا على المناطق الداخلية؛ حرصًا منهم على كسب الوقت للاستعداد وحشد القوات، فعقد الليبيون مؤتمرًا آخر في العام التالي في سِرْت حضره ممثِّلون عن السنوسيين وعن طرابلس، وتمت البيعة فيه لمحمد إدريس السنوسي، وعاد القتال ولم يستطع المجاهدون مقاومةَ الحشود الجرَّارة، فاحتل الطليان طرابلس وقضوا على جمهورية ليبيا الأولى عام 1342هـ / 1923م أما برقة فكانت قيادتها تحت عمر المختار الذي أحرز كثيرًا من الانتصاراتِ في الجبل الأخضر الذي احتله الطليان أخيرًا.
بعد أن أخفق مؤتمر لوزان، وعاد رئيسُ الوفد التركي عصمت إينونو واختلف هو ومصطفى كمال مع رئيسِ الوزارة وبجانبه الجمعية الوطنية، فاستقال رئيس الوزارة، وبدأت الدسائِسُ، فحَلَّ مصطفى كمال الجمعيةَ الوطنية، وكثرت الفوضى وقرَّر مصطفى كمال إعلان الجمهورية، واجتمعت الجمعيةُ الوطنية، ودُعِيَ مصطفى كمال لتشكيل الوزارة فوافق، على ألا يُناقَشَ في تصرُّفاته، وشكَّل الوزارة، وأعلن الجمهورية بعد اجتماع المجلس النيابي في أنقرة بتاريخ 20 ربيع الأول 1342هـ / 30 تشرين الأول 1923م، فقَرَّر إلغاء السلطنة والخلافة، وإعلان الجمهورية التركية، وانتُخِبَ مصطفى كمال رئيسًا لها، فعَمَّت الفوضى وغادر أنقرة عددٌ مِن الزعماء، واتجهوا إلى استانبول عند الخليفة، وقامت الاحتجاجات، ولكِنْ بدأت الاغتيالاتُ ودعا المجلِسَ الوطني لعقد جلسةٍ، وقدَّم مرسومًا بإلغاء الخلافةِ، وطرَد الخليفةَ، وأعلن فَصْلَ الدين عن الدولة، وأمر عبد المجيد بالسَّفرِ إلى سويسرا، ثم أصدر مرسومًا بإلغاء الوظائف الدينية، وامتلاك الدولة للأوقاف، وأرسل وزيرَ الخارجية عصمت إينونو إلى لوزان، وأعيد المؤتمر واعترفت إنجلترا باستقلالِ تركيا، وانسحبت من المضائق واستانبول، وطُوِيَت صفحةُ الخلافة الإسلامية العثمانية التي حكمت العالم الإسلامي عدة قرون.
بعد إعلان انفصال باكستان عن الهند لم تكن كشمير قد حُسِم وضعُها في التقسيم بين البلدين، على الرغم من أن طبيعتها وسكَّانها وموقعها الجغرافي هي أقرب إلى باكستان من الهند، ولكن الهند بمكرٍ وخداع عرضت على باكستان أنَّ حَلَّ قضية كشمير مرهون باستفتاء السكان، ووافقت باكستان على هذا العرض، وقد أكَّد على هذا رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، لكن الهند أرادت أن تجعل من كشمير منطقةَ نزاع مع باكستان تتحرَّش بها متى ما أرادت؛ ولذلك لما أعلن حاكم كشمير الهندوسي (هري سنغ) اتفاقيةَ ضَمِّ كشمير إلى الهند- وهذا خلاف ما تم الاتفاق بين باكستان والهند عليه- أرسلت حكومة دلهي قوةً لحماية ولاية جمو الكشميرية من أي اعتداء، وأعلن وجوب خروج المسلمين إلى باكستان التي تطالِبُ بهم؛ فاجتمع المسلمون في أماكن محددة، وأُحضِرت السيارات لنقلهم، فلما وصلت بهم السيارات خارج القرى والمدن تعرضت لهم القوات الهندوسية، فأخذت الفتيات الشابات وقتلت الباقي، واستمر القتلُ والوحشية بأبشع صورة مدةً طويلة، فقُتِلَ ما يزيد عن نصف مليون كشميري، وهُجِّر نصف مليون مسلم ممن تمكن من الفرار إلى باكستان وغالبهم من الرجال دون النساء والأطفال الذين تعرضوا للقتل على يد الهندوس، أو ماتوا في الطريق إلى باكستان.
وُلِدَ محمد علي كِلاي في 17 يناير 1942م في مدينةِ لويفيل بولايةِ كنتاكي، مِن عائلةٍ أمريكيَّةٍ سوداءَ مِن الطبَقةِ المتوسِّطةِ، واعتنَقَ الإسلامَ في عامِ 1964م، وكان اسمُه قبلَ إسلامِه (كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور) فغيَّرَه إلى مُحمَّد علي، واختار الانتماءَ في بادئِ أمرِه إلى جماعةِ أمَّةِ الإسلامِ، ولم يستمرَّ انضمامُه إليهم طويلًا؛ إذ كان يختلِفُ مع الكثيرِ مِن أفكارِهم، فاعتنَقَ الإسلامَ السُّنِّيَّ، ثم أنشأ أعمالَه الخيريَّةَ والدَّعَويَّة مُحاولًا تصحيحَ الصُّورة الخاطئة التي رسَخَت في أذهانِ الغَربِ عن الإسلامِ والمُسلمين، ورفض أنْ يَخدمَ في جيشِ الولاياتِ المُتَّحِدة في حربِه على فيتنام عامَ 1966م، وعَدَّ نفسَه مُعارِضًا للحَربِ، معلِّلًا بأنَّ هذه الحربَ ضِدُّ تعاليم القرآنِ. فاز كلاي ببطولةِ العالَم للوزنِ الثقيلِ ثلاثَ مرَّاتٍ على مدى عشرينَ عامًا، وأصيبَ في عامِ 1984 بداءِ باركنسون (الشلل الرَّعاشي). وفي عامِ 1999 تُوِّجَ بلقب "رياضيِّ القَرنِ". وفي عامِ 2005 مُنِحَ وسامَ الحرِّيَّة الرئاسيَّ -وهو أرفَعُ وسامٍ مَدَنيٍّ في الولاياتِ المُتَّحِدة الأمريكية- وقد تُوفِّيَ مُحمَّد علي -رحِمَه الله- في مستشفى فينيكس بولايةِ أريزونا عن عمرٍ ناهَزَ 74 عامًا. ودُفِنَ في مَسقطِ رأسِه؛ في مدينةِ لويفيل بولايةِ كنتاكي الأمريكيَّةِ.
هو أبو عبدِ الرَّحمن عبدُ الله بن عُمَر بن الخَطَّاب العَدَويُّ القُرشيُّ المَكِّيُّ ثمَّ المَدنيُّ، صَحابيٌّ جَليلٌ، وابنُ ثاني خُلفاءِ المُسلمين عُمَر بن الخَطَّاب، وعالِمٌ مِن عُلماءِ الصَّحابةِ، لُقِّبَ بِشَيخِ الصَّحابةِ رضي الله عنه، أَسْلَمَ قَديمًا مع أَبيهِ ولم يَبلُغ الحُلُمَ، وهاجَرا وعُمُرُهُ عشرُ سِنين، وقد اسْتُصْغِر يومَ أُحُدٍ، فلمَّا كان يومُ الخَندقِ أَجازَهُ وهو ابنُ خمسَ عشرةَ سَنة فشَهِدَها وما بعدها، وهو شَقيقُ حَفصةَ بنتِ عُمَر أُمِّ المؤمنين، أُمُّهُما زينبُ بنتُ مَظْعون أُختُ عُثمان بن مَظْعون، وكان عبدُ الله بن عُمَر رِبْعَةً مِن الرِّجال، آدَمَ له جُمَّةٌ تَضرِب إلى مَنْكِبَيْهِ، جَسِيمًا, وهو أَحدُ المُكْثِرين في الرِّوايَةِ عن الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، عُرِضَتْ عليه الخِلافَةُ بعدَ مَوتِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة فأبى ذلك حتَّى لا يُقْتَلَ بِسَبَبِه أَحدٌ تَوَجَّهَ للمَدينةِ بعدَ الحَرَّةِ وبَقِيَ فيها إلى مَقْدَمِ الحَجَّاج. كان عبدُ الله بن عُمَر حَريصًا كُلَّ الحِرْصِ على أن يَفْعَلَ ما كان الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم يَفعلُه، فيُصَلِّي في ذاتِ المكانِ، ويَدعو قائمًا كالرَّسولِ الكريمِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان صاحِبَ عِبادَةٍ منذ صِغَرِهِ، وكان ينامُ في المَسجِد. قال عنه صلَّى الله عليه وسلَّم: (نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ الله، لو كان يُصَلِّي مِن اللَّيلِ). فصار لا ينامُ مِن اللَّيلِ إلَّا قليلًا إلى أن مات، وكان إذا صلَّى مِن اللَّيلِ، قال لِمَولاهُ نافع: أَسْحَرْنا؟ -يعني: هل دَخَلْنا في وَقتِ السَّحَرِ- فيقول: لا. ثمَّ يُصلِّي، فيقولُ: أَسْحَرْنا؟ حتَّى يقولُ: نعم. فيُوتِرُ، هكذا يُصلِّي سائِرَ اللَّيلِ، وكان يُغْفِي إغْفاءةَ الطَّائرِ، ينامُ نَوْمَةً يَسيرةً. تُوفِّي بمكَّة وهو ابنُ أربعٍ وثمانين سَنَة، وكان ابنُ عُمَر يُسابِق الحَجَّاجَ في الحَجِّ إلى الأماكنِ التي يَعلَم أنَّ رسولَ الله يَسْلُكُها، فَعَزَّ ذلك على الحَجَّاجِ، وكان ابنُ عُمَر قد أَوْصى أن يُدْفَنَ في اللَّيلِ، فلم يُقدَرْ على ذلك مِن أجلِ الحَجَّاج, ودُفِنَ بذي طُوى في مَقْبَرةِ المُهاجِرين، وصلَّى عليه الحَجَّاجُ نَفسُه، فرضِي الله عن ابنِ عُمَر وأَرضاهُ وجَزاهُ عن الإسلامِ والمسلمين خيرًا.
أَمَر قُتيبَة بن مُسلِم أخاه عبدَ الرحمن بالسَّيْرِ إلى الصُّغْد (سَمَرْقَنْد) وكانوا قد نَكَثوا العَهْد, ثمَّ لَحِقَ قُتيبةُ بِأَخيهِ فبَلَغَها بعدَه بثلاثٍ أو أَربَع، وقَدِمَ معه أَهلُ خَوارِزْم وبُخارَى فقاتَلَه أَهلُ الصُّغْد شَهْرًا مِن وَجْهٍ واحِد وهُم مَحْصورون، وخاف أَهلُ الصُّغْد طُولَ الحِصار فكَتَبوا إلى مَلِك الشَّاش وخاقان وأَخْشاد فَرْغانَة لِيُعينوهم، فلمَّا عَلِمَ بذلك قُتيبةُ أَرسَل إليهم سِتِّمائة يُوافونَهُم في الطَّريق فقَتَلوهُم ومَنعوهُم مِن نُصْرَتِهم ولمَّا رَأَى الصُّغْد ذلك انْكَسَروا، ونَصَبَ قُتيبةُ عليهم المَجانِيقَ فَرَماهُم وثَلِمَ ثُلْمَةً، فلمَّا أَصبَح قُتيبةُ أَمَر النَّاسَ بالجِدِّ في القِتالِ، فقاتَلوهُم واشْتَدَّ القِتالُ، وأَمَرهُم قُتيبةُ أن يَبْلُغوا ثُلْمَةَ المَدينَة، فجَعَلوا التِّرَسَةَ على وُجوهِهم وحَمَلوا فبَلَغوها ووَقَفوا عليها، ورَماهُم الصُّغْد بالنِّشابِ فلم يَبْرَحوا، فأَرسَل الصُّغْد إلى قُتيبةَ فقالوا له: انْصَرِف عَنَّا اليومَ حتَّى نُصالِحَك غَدًا. فقال قُتيبةُ: لا نُصالِحُهم إلَّا ورِجالُنا على الثُّلْمَة. وقِيلَ: بل قال قُتيبةُ: جَزَعَ العَبيدُ، انْصَرِفوا على ظَفَرِكُم. فانْصَرَفوا فصالَحَهم مِن الغَدِ على ألفي ألف ومائتي ألف مِثْقال في كُلِّ عامٍ، وأن يُعْطوه تلك السَّنَة ثلاثينَ ألف فارِس، وأن يُخْلُوا المَدينَة لِقُتيبةَ فلا يكون لهم فيها مُقاتِل، فيَبْنِي فيها مَسجِدًا ويَدخُل ويُصَلِّي ويَخْطُب ويَتَغَدَّى ويَخْرُج، فلمَّا تَمَّ الصُّلْحُ وأَخْلوا المَدينةَ وبَنوا المَسجِدَ دَخَلَها قُتيبةُ في أَربعَة آلاف انْتَخَبَهم، فدَخَل المَسجِد فصَلَّى فيه وخَطَب وأَكَل طَعامًا، ثمَّ أَرسَل إلى الصُّغْد: مَن أَراد مِنكم أن يَأخُذ مَتاعَه فَلْيَأْخُذ فإنِّي لَسْتُ خارِجًا منها، ولَستُ آخُذ منكم إلَّا ما صالَحْتُكم عليه، غيرَ أنَّ الجُنْدَ يُقيمون فيها. وقِيلَ: إنَّه شَرَطَ عليهم في الصُّلْحِ مائة ألف فارِس، وبُيوت النِّيران، وحِلْيَة الأَصْنام، فقَبَضَ ذلك، وأُتِيَ بالأصنامِ فكانت كالقَصْرِ العَظيمِ وأَخَذَ ما عليها وأَمَر بها فأُحْرِقَت. فجاءه غَوْزَك فقال: إنَّ شُكْرَكَ عَلَيَّ واجِبٌ، لا تَتَعَرَّض لهذه الأَصنامِ فإنَّ منها أَصنامًا مَن أَحْرَقَها هَلَكَ. فقال قُتيبةُ: أنا أَحْرِقُها بِيَدِي، فدَعَا بالنَّارِ فكَبَّر ثمَّ أَشْعَلَها فاحْتَرَقَت، فوجدوا مِن بَقايا مَسامِير الذَّهَب خَمسين ألف مِثْقال.
خَرجَت خارِجَة مِن الحَرورِيَّة بالعِراق، يَتَزَعَّمُهم شَوْذَب واسْمُه بِسْطام مِن بَنِي يَشْكُر في ثمانين فارِسًا أَكثرُهم مِن رَبيعَة، فبَعَث أَميرُ المؤمنين عُمَرُ بن عبدِ العزيز إلى عبدِ الحَميدِ نائِب الكوفَة يَأمُرهُ بأن يَدعوهم إلى الحَقِّ، ويَتَلَطَّف بِهم، ولا يُقاتِلهم حتَّى يُفسِدوا في الأَرضِ، فلمَّا فَعَلوا ذلك بَعَث إليهم جَيْشًا فكَسَرهُم الحَرورِيَّةُ، فبَعَث عُمَرُ إليه يَلومُه على جَيْشِه، وقد أَرسَل عُمَرُ إلى بِسْطام يَقولُ له: ما أَخْرَجَك عَلَيَّ؟ فإن كُنتَ خَرجتَ غَضَبًا لله فأنا أَحَقُّ بذلك مِنك، ولستَ أَوْلى بذلك مِنِّي، وهَلُمَّ أُناظِرُك; فإن رَأيتَ حَقًّا اتَّبَعْتَه، وإن أَبْدَيْتَ حَقًّا نَظَرْنا فيه. فبَعَث طائِفَةً مِن أَصحابِه إليه، فاخْتارَ منهم عُمَرُ رَجُلين فسَأَلهُما: ماذا تَنْقِمون؟ فقالا: جَعْلَكَ يَزيد بن عبدِ الملك مِن بَعدِك. فقال: إنِّي لم أَجْعَله أَبَدًا، وإنَّما جَعلَه غَيْري. قالا: فكيف تَرْضَى به أَمينًا للأُمَّةِ مِن بَعدِك؟ فقال: أَنْظِرْني ثَلاثَة. فيُقال: إنَّ بَنِي أُمَيَّة دَسَّتْ إليه سُمًّا فقَتَلوه; خَشْيَةَ أن يَخرُج الأَمرُ مِن أَيديهِم. فلمَّا مات عُمَرُ أراد عَبدُ الحَميد بن عبدِ الرحمن أن يَحْظَى عند يَزيد بن عبدِ الملك، فكَتَب إلى محمَّدِ بن جَريرٍ يَأمُرُه بمُحارَبَة شَوْذَب وأَصحابِه، فبَرَزَ له شَوْذَب فاقْتَتَلوا، وأُصِيبَ مِن الخَوارِج نَفَرٌ، وأَكثَروا في أَهلِ الكوفَة القَتْل، فوَلُّوا مُنْهَزِمين والخَوارِجُ في أَكتافِهم حتَّى بَلَغوا أَخْصاص الكوفَة، فأَقَرَّ يَزيدُ عبدَ الحَميد على الكوفَة، ووَجَّهَ مِن قِبَلِهِ تَميمَ بن الحُباب في أَلْفَيْنِ فقَتَلوه وهَزَموا أَصحابَه، فوَجَّهَ إليهم نَجْدَةَ بن الحَكَم الأَزْدِي في جَمْعٍ، فقَتَلوه وهَزَموا أَصحابَه، فبَعَث آخَر في أَلْفَيْنِ فقَتَلوه، فأَنْفَذَ يَزيدُ أَخاهُ مَسلمةَ بن عبدِ الملك، فنَزَل الكوفَة، ودَعا سَعيدَ بن عَمرٍو الحَرَشِي، فعَقَدَ له على عَشرَة آلافٍ ووَجَّهَهُ، فقال لأَصحابِه: مَن كان يُريدُ الله عَزَّ وجَلَّ فقد جاءَتْهُ الشَّهادَة، ومَن كان إنَّما خَرَج للدُّنيا فقد ذَهبَت الدُّنيا منه. فكَسَروا أَغْمادَ سُيوفِهِم وحَمَلوا على الخَوارِج حتَّى طَحَنوهُم وقَتَلوا شَوْذَبًا.
كان المُعتَدُّ بالله أبو بكر هِشامُ بنُ مُحمَّدِ بنِ عبدِ المَلِك بن عبد الرحمن النَّاصر الأمويُّ أميرَ قُرطُبةَ، لكنَّه لم يَقُمْ بها إلا يسيرًا حتى قامت عليه طائفةٌ مِن الجُندِ فخُلِعَ، وجَرَت أمورٌ مِن جُملتِها إخراجُ المُعتَدِّ بالله مِن قَصرِه هو وحشَمُه والنِّساءُ حاسراتٍ عن أوجُهِهنَّ حافيةً أقدامُهنَّ إلى أن أُدخِلوا الجامِعَ الأعظَمَ على هيئةِ السَّبايا، فأقاموا هنالك أيامًا يُتعَطَّفُ عليهم بالطَّعامِ والشَّرابِ إلى أن أُخرِجوا عن قُرطُبةَ، ولَحِقَ هِشامٌ ومَن معه بالثُّغورِ بعد اعتقاله بقُرطُبةَ، فلم يزَلْ يجولُ في الثغور إلى أن لَحِقَ بابن هود المتغَلِّب على مدينة لاردة وسرقسطة وأفراغة وطرطوشة وما والى تلك الجهاتِ، فأقام عنده هشامٌ إلى أن مات في سنة 427 ولا عَقِبَ له، فهِشامٌ هذا آخِرُ مُلوكِ بني أميَّة بالأندلُسِ، وبخَلْعِه انقطَعَت الدَّعوةُ لبني أميَّةَ وذِكرُهم على المنابِرِ بجَميعِ أقطارِ الأندلس، ولَمَّا انقَطَعَت دعوةُ بني أمية استولى على تدبيرِ مُلكِ قُرطُبةَ أبو الحزم جهورُ بنُ مُحمَّدِ بنِ جهور وهو قديمُ الرِّياسةِ شَريفُ البيتِ، كان آباؤه وزراءَ الدَّولةِ الحَكَميَّة والعامريَّة، فلمَّا خلا له الجوُّ وأصفَرَ الفِناءُ وأقفَرَ النادي من الرُّؤساءِ وأمكَنَتْه الفرصةُ؛ وثَبَ عليها فتولى أمْرَها واضطلَعَ بحِمايتِها، ولم ينتَقِلْ إلى رتبةِ الإمارةِ ظاهرًا بل دَبَّرَها تدبيرًا لم يُسبَقْ إليه؛ وذلك أنَّه جعَلَ نَفسَه مُمسِكًا للمَوضِعِ إلى أن يجيءَ مَن يتَّفِقُ النَّاسُ على إمارتِه فيُسَلِّم إليه ذلك، ورتَّبَ البوَّابينَ والحَشَم على تلك القُصورِ على ما كانت عليه أيامَ الدَّولةِ، ولم يتحَوَّلْ عن دارِه إليها، وجعَلَ ما يرتَفِعُ مِن الأموالِ السُّلطانيَّةِ بأيدي رجالٍ رَتَّبَهم لذلك، وهو المُشرِفُ عليهم، وصَيَّرَ أهلَ الأسواقِ جُندًا له وجَعَلَ أرزاقَهم رُؤوسَ أموالٍ تكونُ بأيديهم مُحصاةً عليهم، يأخذونَ رِبحَها، ورُؤوسُ الأموالِ باقيةٌ مَحفوظةٌ يُؤخَذونَ بها ويُراعَونَ في كُلِّ وَقتٍ كيف حِفظُهم لها، وفَرَّقَ السِّلاحَ عليهم واستمَرَّ أمْرُه على ذلك إلى أن مات في غُرَّةِ صَفَر سَنةَ 435، ثم ولِيَ ما كان يتولَّى مِن أمر قُرطُبةَ بَعدَه ابنُه أبو الوليدِ مُحَمَّدُ بنُ جهور فجرى في السياسةِ وحُسنِ التدبيرِ على سَنَنِ أبيه غيرَ مُخِلٍّ بشيءٍ مِن ذلك إلى أن مات أبو الوليدِ في شوَّال من سنة 443.
هو الأمير عبد الله بن علي بن رشيد، من الجعافرة (آل جعفر) من الربيعية، من عبدة، من شمر: أول حكام آل رشيدٍ في جبل شمر، ومؤسِّسُ حُكمِهم فيها. ولِدَ بحائل سنة 1202ه. كان جدُّه رشيد من سكان حائل ومات في أواخر القرن الثاني عشر للهجرة, وعُرِفَ أبناءُ رشيد وأحفاده بآل رشيد. وكانت لهم في شماليَّ جزيرة العرب إمارةٌ واسعة ظهر فيها أمراءُ وفرسان عُرِفوا في تاريخ نجد الحديث. خلَّف رشيد عليًّا. وعلي خلَّفَ عبد الله وعبيدًا، حاول عبد الله بن علي بن رشيد -وهو من أغنياء أسرة جعفر العريقة وأعيانها- سنة 1235ه أن يستوليَ على العرش في حائل وينتزِعَه من آل علي بمعاونة أقاربِه الكثيرين ذَوِي النفوذ، فنَشبت الحرب بينهم وبين آل علي ودارت الدائرةُ على عبد الله فنُفِيَ، ولكِنَّ عبد الله عاد بعد عشر سنوات إلى جبل شمر فعَيَّنَه فيصل بن تركي أميرًا على جبل شمر؛ اعترافًا بفضله في استرداد حكم الرياض، ومساعدته له في قتل مشاري بن عبد الرحمن الذي تآمرَ على قتل والدِه تركي بن عبد الله، وقتل عبدَ مشاري حمزة بن إبراهيم الذي باشر قتل تركي بن عبد الله، وبعد أن تمكَّنَ عبد الله بن رشيد في حائل طردَ بيت آل علي من جبل شمر, ثم بنى عبد الله القصر الكبير، وقد توثَّقَت العلاقةُ بين فيصل بن تركي وبين ابن رشيد بالمصاهرة بين الأسرتين، فقد تزوَّج عبد الله بن فيصل بن تركي من نورة آل عبد اللهِ الرشيد، ثم من ابنة عمها طريفة بنت عبيد ابن رشيد، ولما توفي عنها، تزوَّجها شقيقه محمد بن فيصل بن تركي, وكذلك تزوَّج عبد الله ابن رشيد بالجوهرة أخت فيصل بن تركي، وتزوَّج ابنه طلال من الجوهرة بنت فيصل. توفي عبد الله بن رشيد في حائل بعد عودته من غزوة غزا فيها عنزة، وخلَفَه في حكم الجبل ابنُه طلال, وكان ابن رشيد خلَّفَ من الأبناء متعبًا الأول-وتوفي صغيرًا- ومحمدًا، وطلالًا، ومتعبًا.