هو الفقيه الكبير، قاضي العراق، أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رهم - وهو بدري من السابقين المهاجرين- بن عبد العزى القرشي، ثم العامري. كان أبو بكر من علماء قريش، ولاه المنصور القضاء، وكان خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن صاحب النفس الزكية، وكان على صدقات أسد وطيء، فقدم على محمد بأربعة وعشرين ألف دينار، فلما قتل محمد، أُسر ابن أبي سبرة وسجن، ثم استعمل المنصور جعفر بن سليمان على المدينة، وقال له: إن بيننا وبين ابن أبي سبرة رحما، وقد أساء وأحسن، فأطلقه وأحسن جواره. وكان الإحسان أن عبد الله بن الربيع الحارثي قدم المدينة ومعه العسكر، فعاثوا بالمدينة، وأفسدوا. فوثب على الحارثي سودان المدينة والرعاع، فقتلوا جنده، وطردوهم، ونهبوا متاع الحارثي، ثم كسر السودان السجن، وأخرجوا ابن أبي سبرة حتى أجلسوه على المنبر، وأرادوا كسر قيده، فقال: ليس على هذا فوت، دعوني حتى أتكلم. فتكلم في أسفل المنبر، وحذرهم الفتنة، وذكرهم ما كانوا فيه، ووصف عفو المنصور عنهم، وأمرهم بالطاعة. فأقبل الناس على كلامه، وتجمع القرشيون، فخرجوا إلى عبد الله بن الربيع، فضمنوا له ما ذهب له ولجنده، ثم رجع ابن أبي سبرة إلى الحبس، حتى قدم جعفر بن سليمان، فأطلقه وأكرمه، ثم صار إلى المنصور، فولاه القضاء. قال ابن عدي: عامة ما يرويه أبو بكر غير محفوظ، وهو في جملة من يضع الحديث. قال ابن سعد: ولي القضاء لموسى الهادي، وهو ولي عهد، ثم ولي قضاء مكة لزياد بن عبيد الله. توفي ابن ابي سبرة ببغداد, وقد عاش ستين سنة، فلما مات، استقضي بعده القاضي أبو يوسف.
هو شيخُ الإسلام الحافظ العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى بن معطي العبدوسي المالكي، مفتي فاس وعالِمُها ومحَدِّثُها. قال فيه السيوطي: "كان عالِمًا بارعًا صالحًا مشهورًا" وقال الشيخ أحمد زروق الفاسي: "كان أبو محمد العبدوسي عالِمًا صالحًا مفتيًا، حُملتُ إليه وأنا رضيع ولم أزل أتردَّدُ إليه في ذلك السن؛ لكون جدتي تقرأُ عليه مع أختيه فاطمة وأم هانئ، وكانتا فقيهتين صالحتين، وكان قطبًا في السخاءِ، إمامًا في نصح الأمة، أمات كثيرًا من البِدَع بالمغرب، وأقام الحدود والحقوق وتولَّى آخِرَ أمره خطابةَ جامع القرويين، ثم توفى سنة تسع وأربعين، وكان أكثر علمه فقهَ الحديث، سمعت شيخنا القوري يقول: إنهم حسبوا الخارج من يده والداخل فيها فوجدوا الخارج أكثر، وحدَّثنا أنه حَفِظَ مختصر مسلم للقرطبي في كل خميس خمسة أحاديث، وشهرةُ أخلاقه وسخائه أبينُ من أن تُذكَر، كان لا يدَّخِر شيئًا حتى لم يوجَدْ يوم مات إلا بدنان وإحرامان ودراعتان إحداهما للأمير يحيى بن زيان، فقال: هكذا يكون الفقيهُ وإلا فلا. وكان يشترط العزلَ في النكاحِ، فرارًا من الولدِ؛ لفساد الزمانِ، قالوا: وكان لا تفارِقُ كُمَّه الشمائلُ عاملًا بها، وحَدَّثَت زوجته أنه كان يعمل الخوصَ خُفيةً ويعطيه لمن لا يعرفُ أنَّها له يبيعُها، ثم يتقَوَّتُ بها في رمضان، ومناقبُه كثيرة جمع فيها بعض أصحابنا تأليفًا ذكر فيه كثيرًا, وكان العبدوسي أقوى من جَدِّه موسى في العمل، وإنَّ جَدَّه أقوى منه في العلم, وكان شيخ الجماعة الفقهاء والصوفية، وتخرَّج به جماعةٌ، كالفقيه المحقق ابن آملال، والفقيه القوري، وأبي محمد الورياجلي، وغيرهم" قال شمس الدين السخاوي: كان أبو محمد هذا واسِعَ الباع في الحفظ، وليَ الفُتيا بالمغرب الأقصى، وإمامة جامع القرويين بفاس، ومات فجأة وهو في صلاةٍ"
اجتمَع المسلمون في القادِسيَّة ثلاثون ألفًا بقِيادةِ سعدِ بن أبي وقَّاص بعدَ أن أَمَّرَهُ عُمَر بن الخطَّاب بَدَلَ خالدِ بن الوَليد، مكَث سعدٌ في القادِسيَّة شهرًا يَبُثُّ السَّرايا في كلِّ الجِهاتِ، ويأتي بالغَنائِم، فأَمَّر يزدجردُ رُسْتُمَ على جيشٍ كثيفٍ مِن مائةٍ وعشرين ألفًا، ومِثلِها مِن المَدَدَ، فبعَث سعدٌ إليه مَن يَدعوه للإسلامِ وحاوَل الفُرْسُ أن يغروا المسلمين، فطلبوا إرسالَ أكثرِ مِن رجلٍ فأتاهُم رِبْعِيٌّ، ثمَّ حُذيفةُ بن مِحْصَنٍ، وأخيرًا أتاهُم المُغِيرةُ ولم تنفع في شيءٍ، فبدأ القِتالُ بعدَ الظَّهيرةِ وبَقِيَت المعركةُ ثلاثةَ أيَّام، وفي اليومِ الرَّابع اشْتدَّ أَثَرُ الفِيَلَةِ على المسلمين، ثمَّ في هذا اليومِ هَبَّتْ رِيحٌ شديدةٌ على الفُرْسِ أزالت خِيامَهم فهربوا وقُتِلَ رُستمُ قائدُهم، وتَمَّتْ الهزيمةُ على الفُرْسِ، وقُتِلَ منهم ما لا يُحْصى، ثمَّ ارتحلَ سعدٌ ونزَل غَربيَّ دِجْلة، على نهرِ شير، قُبالةَ مَدائنِ كِسرى، ودِيوانِه المشهورِ، ولمَّا شاهَد المسلمون إيوانَ كِسرى كَبَّروا وقالوا: هذا أبيضُ كِسرى، هذا ما وَعَدَ الله ورسولُه. واسْتُشْهِدَ مِن المسلمين ألفٌ وخمسمائةٍ، وقُتِلَ مِن الفُرْسِ عشرون ألفًا، وغَنِمَ المسلمون الكثيرَ، وقِيلَ: إنَّها كانت في سَنَةِ خمسةَ عشرَ.
لَمَّا هزَمَ هَرثمةُ بنُ أعين أبا السرايا ومن كان معه من وُلاة الخلافة، وهو محمد بن محمد، وشَى بعضُ الناس إلى المأمون أنَّ هرثمة راسلَ أبا السرايا وهو الذي أمره بالظُّهور، فاستدعاه المأمونُ إلى مروٍ فأمر به فضُرِبَ بين يديه ووُطِئَ بطنُه، ثمَّ رفع إلى الحبس ثم قُتِلَ بعد ذلك بأيام، وانطوى خبَرُه بالكلية. ولَمَّا وصل بغدادَ خبَرُ قتلِه عَبَثَت العامَّة والحربيَّة بالحسن بن سهل نائب العراق، وقالوا: لا نرضى به ولا بعمَّاله ببلادنا، وأقاموا إسحاقَ بن موسى المهدي نائبًا، واجتمع أهلُ الجانبين على ذلك، والتفَّتْ على الحسَنِ بن سهل جماعةٌ من الأمراء والأجناد، وأرسل من وافق العامَّةَ على ذلك من الأمراء يحرِّضُهم على القتال، وجرت الحروبُ بينهم ثلاثةَ أيام في شعبان من هذه السنة، ثم اتفق الحالُ على أن يعطيهم شيئًا من أرزاقهم يُنفِقونها في شهرِ رمضان، فما زال يَمطُلُهم إلى ذي القعدة حتى يُدرِك الزرع، فخرج في ذي القَعدة زيدُ بن موسى الذي يقال له زيدُ النَّار، معه أخو أبي السرايا، وقد كان خروجُه هذه المرة بناحية الأنبار، فبعث إليه عليُّ بنُ هشام نائبُ بغداد عن الحسَنِ بن سهل- والحسَنُ بالمدائن إذ ذاك- فأُخِذَ وأُتِيَ به إلى عليِّ بنِ هشام، وأطفأ اللهُ ثائِرتَه.
كان سببُها أنَّ الأتراكَ وثَبوا بالوزيرِ عيسى بن فرخان شاه، فضربوه، وأخذوا دابَّته، واجتمَعَت المغاربةُ مع محمد بن راشد، ونصر بن سعد، وغلبوا الأتراكَ على الجوسق، وأخرجوهم منه، وقالوا لهم: كلَّ يومٍ تقتلونَ خليفةً، وتخلعونَ آخر, وتقتلونَ وزيرًا وتُثبِتونَ آخرَ، وصار الجوسق وبيتُ المال في أيدي المغاربة، وأخذوا الدوابَّ التي كان تَرَكها الأتراكُ، فاجتمع الأتراكُ وأرسلوا إلى من بالكرخ والدُّور منهم، فاجتمعوا وتلاقَوا هم والمغاربة، وأعان الغوغاءُ والشاكريَّة المغاربةَ، فضَعُف الأتراكُ وانقادوا، فأصلحَ جعفرُ بن عبد الواحد بينهم، على ألَّا يُحدِثوا شيئًا، ويكون في كلِّ موضعٍ يكونُ فيه رجلٌ من الفريقين يكونُ فيه رجلٌ من الفريقِ الآخر، فمكثوا مدةً مديدةً، ثم اجتمَعَ الأتراك وقالوا: نطلبُ هذين الرأسينِ- يعنون محمد بن راشد ونصر بن سعيد- فإن ظَفِرنا بهما فلا يَنطِق أحدٌ. فبلغَهما خبرُ اجتماع الأتراك عليهما، فخرجا إلى منزل محمد بن عزون؛ ليكونا عنده حتى يسكُنَ الأتراكُ، ثم يرجعا إلى جمعِهما، فغمز ابن عزون بهما إلى الأتراك، فأخذوهما فقَتلوهما فبلغ ذلك المعتَزَّ، فأراد قتل ابن عزون، فكُلِّمَ فيه فنفاه إلى بغداد.
هو الصوفيُّ الاتحادي عثمان الدكاكي الدمشقي, خالطَ الصوفية ودعاةَ وَحدةِ الوجودِ، فتأثَّرَ بهم حتى ادَّعى الألوهيَّةَ وانتَقَص من الأنبياء, فعُقِدَ له مجلسٌ في دار العدل بدار السعادة في يوم الثلاثاء آخر شَهرِ شوال واجتَمَع القضاة والأعيانُ على العادة وأُحضِرَ يومئذ عثمان الدكاكي، وادُّعِيَ عليه بعظائمَ من القول لم يؤثَرْ مِثلُها عن الحلَّاجِ ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني، وقامت عليه البيِّنةُ بدعوى الإلهية- لعنه الله- وأشياءَ أُخَر من التنقيص بالأنبياء ومخالطته أرباب الرَّيبِ من الباجريقية وغيرهم من الاتحادية- عليهم لعائن الله- ووقع منه في مجلسٍ من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي، وتضَمَّنَ ذلك تكفيرُه من المالكية أيضًا، فادعى أنَّ له دوافِعَ وقوادِحَ في بعض الشهود، فرُدَّ إلى السجنِ مُقَيَّدًا مغلولًا مقبوحًا، ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أُحضِرَ عثمان الدكاكي إلى دار السعادة وأُقيمَ بين يدي الأمراء والقُضاة وسُئِلَ عن القوادح في الشهودِ فعَجَز فلم يقدِرْ، وعجز عن ذلك فتوَجَّهَ عليه الحُكم، فسئل القاضي المالكي الحُكمَ عليه، فحَمِدَ الله وأثنى عليه وصلَّى على رسولِه، ثمَّ حكم بإراقة دَمِه وإن تاب، فأُخِذَ الدكاكيُّ فضُرِبَت رَقَبتُه بدمشق بسوقِ الخيل، ونودي عليه: هذا جزاءُ مَن يكون على مَذهَبِ الاتحاديَّة، وكان يومًا مشهودًا بدار السعادة، حضَرَ خلقٌ من الأعيان والمشايخِ.
تولَّى نور مُحمَّد تراقي الشُّيوعيُّ رئاسةَ الدَّوْلة بعد انقلابِهِ على مُحمَّد داود؛ من أجْلِ أن يُطبِّقَ النِّظام الماركسيَّ في البلاد، فعقدتْ روسيا معه مُعاهدةَ صداقةٍ ثُنائيَّة في 5 ديسمبر؛ لدَعمِهِ اقتصاديًّا وعسكريًّا، ولكن سادتِ البلادَ مَوْجةُ غضبٍ من الأوضاعِ السياسيَّةِ الجديدةِ والغريبةِ على الشعب, فقد سعى تراقي إلى تطبيقِ الماركسيَّةِ على كُلِّ الأصعدة دون اعتبار للتقاليد والأعْراف التي نشَأَ عليها الشَّعْب، فجَرَّ تراقي البلادَ إلى مشارف حَرْبٍ أهليَّةٍ، ولم تُنقِذْهُ معاهدةُ 5 ديسمبر، فوقَعَ خِلافٌ بين الرئيس نور مُحمَّد تراقي وبين رئيس وُزرائِهِ حفيظ الله أمين حول الحُكم، وعندما سافَرَ نور مُحمَّد لحُضور مُؤتمَر عدم الانحياز في هافانا عاصِمة كوبا مرَّ بموسكو، فطُلِبَ منه هناك قَتْلُ حفيظ الله أمين، ثم اجتَمَعَ السَّفير الرُّوسيُّ مع الرئيس نور مُحمَّد وأرسلا وراء حفيظ الله ليقتلوه، لكنَّ حفيظ الله نجا من مُحاولة اغتيالٍ، وفي 22 شوال 1399هـ / 14 أيلول 1979م اعتُقِل نور مُحمَّد تراقي؛ حيث تم اغتيالُهُ على يَدِ رفيقِ دَربِهِ حفيظ الله أمين الذي تولَّى رئاسةَ الجمهورية إضافةً إلى رئاسةِ الوُزراء، ثم بعد شَهرٍ أُعلِنَ عن وَفاةِ الرئيس نور مُحمَّد تراقي.
هو جابِرُ بنُ حيان بن عبد الله الأزدي أبو الكيمياء، فيلسوفٌ كيميائيٌّ، ولد عام 101هـ كان يُعرَف بالصوفي. من أهل الكوفة، وأصلُه من خراسان، له تصانيف كثيرة، قيل: عددها 232 كتابًا، وقيل: بلغت خمسَمائة. ضاع أكثَرُها، وتُرجِمَ بعضُ ما بقي منها إلى اللاتينية، منها أسرار الكيمياء، وعلم الهيئة، وأصول الكيمياء، وقد اشتملت كتبُه على بيان مركَّبات كيماويَّة كانت مجهولةً قبله. وهو أوَّلُ من وصف أعمالَ التقطيرِ والتبلْوُر والتذويب والتحويل، وصَفَه ابن خلدون في مقدِّمتِه بقوله: "إمامُ المدوِّنين جابر بن حيان، حتى إنَّهم يخصُّونها به فيُسَمُّونها علمَ جابرٍ" ويعَدُّ جابرٌ من أعلام العباقرةِ وأوَّلَ رائدٍ للكيمياء، وكان يشارُ إليه بالأستاذ جابر بن حيان. وقال عنه الفيلسوفُ الإنكليزي فرانسيس بيكون: "إنَّ جابر بن حيان هو أوَّلُ من علَّم عِلمَ الكيمياءِ للعالَم؛ فهو أبو الكيمياء"، كما قال عنه العالمُ الكيميائي الفرنسي مارسيلان بيرتيلو: "إنَّ لجابرِ بنِ حيَّان في الكيمياء ما لأُرسطو في المنطِق" توفي بطوس، وقيل: كانت وفاته سنة 200هـ
انتشر القرامطةُ بسَوادِ الكوفة، فوجَّه المعتَضِدُ شِبلًا غلامَ أحمد بن محمد الطائي، وظفِرَ بهم، وأخذ رئيسًا لهم يُعرَف بأبي الفوارس، فسيَّرَه إلى المعتضد، فأحضره بين يديه، وقال له: أخبرني، هل تزعمون أنَّ رُوحَ الله تعالى ورُوحَ أنبيائه تحُلُّ في أجسادِكم فتعصِمُكم من الزلل وتوفِّقُكم لصالح العمل؟ فقال له: يا هذا، إن حَلَّت رُوحُ الله فينا فما يضُرُّك؟ وإن حلَّت روحُ إبليسَ فما ينفَعُك؟ فلا تسألْ عمَّا لا يعنيك وسَلْ عمَّا يخُصُّك، فقال: ما تقولُ فيما يخصُّني؟ قال: أقولُ: إنَّ رسولَ اللهِ- صلَّى الله عليه وسلم- مات وأبوكم العبَّاسُ حَيٌّ، فهل طالبَ بالخلافةِ أم هل بايَعَه أحدٌ من الصحابةِ على ذلك؟ ثم مات أبو بكرٍ فاستخلف عُمَرَ، وهو يرى موضِعَ العبَّاسِ، ولم يوصِ إليه، ثم مات عمَرُ وجَعَلَها شورى في ستَّةِ أنفُس، ولم يوصِ إليه، ولا أدخَلَه فيهم، فبماذا تستحِقُّونَ أنتم الخلافة؟ وقد اتَّفَق الصحابةُ على دفع جَدِّك عنها. فأمر به المعتَضِدُ فعُذِّبَ، وخُلِعَت عظامه، ثم قُطِعَت يداه ورجلاه، ثم قُتِل.
هو العلَّامة أبو الحُسَين أحمدُ بنُ محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان الحنفيُّ الفقيهُ البغدادي المشهورُ بالقُدوري. ولِدَ ببغداد سنة 362. قال أبو بكر الخطيب: "لم يحدِّثْ إلَّا شيئًا يسيرًا، وكان صَدوقًا، انتهت إليه بالعراقِ رياسةُ أصحابِ أبي حنيفة، وعَظُم عندهم قَدرُه وارتفع جاهُه، وكان حسَنَ العبارةِ في النَّظَرِ، جريءَ اللسان، مُديمًا للتلاوة"، وهو مُصَنِّف مُختَصَر القُدوري في فقه الحنفيَّة، ويُعتَبَر من أشهَرِ المُختَصَرات في الفقهِ الحَنَفي، وشَرَح مُختَصَر الكَرخيِّ في عدَّة مجلدات، وأملى التجريدَ في الخلافيَّات سنة خمس وأربعمِئَة، وأبان فيه عن حِفظِه لِما عند الدارقطني من أحاديثِ الأحكام وعِلَلِها، وصَنَّف كتابَ التَّقريب الأوَّل في الفقهِ في خلافِ أبي حنيفة وأصحابِه في مجلد، والتَّقريب الثاني في عِدَّة مجلدات. قال ابنُ كثير عنه: "كان إمامًا بارعًا عالِمًا، وثَبتًا مناظِرًا، وهو الذي تولَّى مناظرةَ الشَّيخِ أبي حامدٍ الإسفرايينيِّ مِن الحنفيَّة" كانت وفاتُه ببغداد في الخامِسِ مِن رجب وله ستونَ سنة, ودُفِنَ إلى جانب الفقيه أبي بكرٍ الخوارزميِّ الحنَفيِّ.
هو أبو العبَّاس أحمد بن أبي الحسن علي بن أبي العباس أحمد المعروف بالرفاعي، شيخُ الطائفةِ الأحمديَّة الرفاعية البطائحية الصوفيَّة المشهورة، كان أصلُه من العرب فسكن في البطائِحِ بقرية يقال لها: أم عبيدة، وانضم إليه خلقٌ عظيم من الفقراء، وأحسنوا الاعتقادَ فيه وتَبِعوه, حتى عُرِفوا بالطائفة الرفاعيَّة والبطائحية ويقال: إنَّه حَفِظَ التنبيه في الفقه على مذهب الشافعيِّ، قال الذهبي في العِبَر: وقد كَثُرَ الزغل في بعض أصحابه وتجدَّدَت لهم أحوال شيطانيَّة... وهذا ما لم يَعرِفْه الشيخُ ولا صُلَحاءُ أصحابِه، وذكر ابن خَلِّكان: "أنَّه قال: وليس للشيخ أحمد عَقِبٌ، وإنما النسل لأخيه وذريَّته يتوارثون المشيخة بتلك البلاد". مَرِضَ في آخر حياته حتى توفي يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى. والطريقة الرفاعية من الطرُقِ الصوفيَّة المنتشرة في كثيرٍ مِن البلاد، وقد غَلَوا في الرفاعيِّ حتى استغاثوا به من دونِ الله، وزعموا أنَّ لهم أحوالًا وكرامات،كالدخول في النيران، والركوب على السِّباع، واللعب بالحيات، وما إلى ذلك مما يُدَجِّلونَ به على العوامِّ مِمَّا لم يُنزِلْ به الله سلطانًا.
هو الشيخُ الإمام العلامة الحافظُ الحجَّة الرُّحَلة الفقيه المقرئ المسنِد المؤرخ الخطيبُ: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن الزين أحمد بن الجمال محمد بن الصفي محمد بن المجد حسين بن التاج علي القسطلاني الأصل، القتيبي المصري الشافعي، ويعرف بالقسطلاني علَّامة الحديث, وأمُّه حليمة ابنة الشيخ أبي بكر بن أحمد بن حميدة النحاس. ولِدَ في الثاني والعشري ذي القعدة سنة 851 بمصر ونشأ بها فحفظ القرآن والشاطبيتين, والقراءات السبع ثم العشر، وكذا أخذ القراءات عن الشمس بن الحمصاني إمام جامع ابن طولون, وقرأ صحيحَ البخاري بتمامه في خمسة مجالسَ على الشاوي، وكذا قرأ عليه ثُلاثيات مسند أحمد، وحجَّ غير مرة وجاور سنة أربع وثمانين ثم سنة أربع وتسعين وسنتين قبلها على التوالي. وجلس للوعظ بالجامع العمري سنة ثلاث وسبعين وكذا بالشريفية بالصبانيين، بل وبمكة, ولم يكن له نظيرٌ في الوعظ، وكان يجتمع عنده الجمُّ الغفير مع عدم ميلِه في ذلك، وولي مشيخة مقام أحمد بن أبي العباس الحرَّاز بالقرافة الصغرى، وأقرأ الطلبة وجلس بمصر شاهدًا رفيقًا لبعض الفضلاء, وبعده اعتزل وتفرَّغ للكتابة, فكتب بخطِّه لنفسه ولغيره أشياء، بل جمع في القراءات العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية في التجويد، ومن مؤلفاته: إرشاد الساري على صحيح البخاري، انتهى منه سنة 916, وتحفة السامع والقاري بختم صحيح البخاري, ونفائس الأنفاس في الصحبة واللباس, والروض الزاهر في مناقب الشيخ عبد القادر, وعمل تأليفًا في مناقبه سماه: نزهة الأبرار في مناقب الشيخ أبي العباس الحرَّار, وتحفة السامع والقارئ بختم صحيح البخاري. وهو كثير الأسقام قانعٌ متعفِّف جيد القراءة للقرآن والحديث والخطابة، شجيُّ الصوت بها، مشارك في الفضائل، متواضع متودِّد لطيف العشرة سريعُ الحركة. قال محي الدين عبد القادر العَيدَروس: "وارتفع شأنُه بعد ذلك فأُعطيَ السعدَ في قَلَمِه وكَلِمِه، وصنَّف التصانيف المقبولة التي سارت بها الركبانُ في حياته، ومن أجَلِّها شرحُه على صحيح البخاري مزجًا في عشرة أسفار كبار، لعله أحسَنُ شروحِه وأجمعُها وألخصُها، ومنها المواهب اللدُنِّية بالمنح المحمدية، وهو كتاب جليل المقدار عظيم الوقع كثير النفع، ليس له نظير في بابه، ويحكى أن الحافظ السيوطي كان يغُضُّ منه ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمدُّ منها ولا ينسبُ النقل إليها، وأنَّه ادَّعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا فألزمه ببيان مدَّعاه، فعدد عليه مواضِعَ قال إنه نقَلَ فيها عن البيهقي، وقال إن للبيهقي عدةَ مؤلفات فليذكرْ لنا ما ذكر في أي مؤلفَّاته ليُعلَمَ أنَه نقل عن البيهقي، ولكنه رأى في مؤلفاتي ذلك النقلَ عن البيهقي فنقله برُمَّته، وكان الواجب عليه أن يقول نقل السيوطي عن البيهقي، وحكى الشيخ جار الله بن فهد رحمه الله: أنَّ الشيخ رحمه الله تعالى قصد إزالةَ ما في خاطر الجلال السيوطي فمشى من القاهرة إلى الروضة، وكان السيوطي معتزلًا عن الناس بالروضة فوصل القسطلاني إلى باب السيوطي ودق الباب فقال له: من أنت؟ فقال: أنا القسطلاني جئتُ إليك حافيًا مكشوف الرأس ليطيبَ خاطرُك عليَّ، فقال له: قد طاب خاطري عليك، ولم يفتح له الباب ولم يقابله! وبالجملة فإنه كان إمامًا حافظًا متقنًا جليل القدر حسن التقرير والتحرير، لطيف الإشارة بليغ العبارة، حسن الجمع والتأليف، لطيف الترتيب والتصنيف، كان زينة أهل عصره، ونقاوة ذوي دهره، ولا يقدح فيه تحامُلُ معاصريه عليه، فلا زالت الأكابر على هذا في كل عصرٍ- رحمهم الله" أصيب القسطلاني بالفالج، ثم توفي ليلة الجمعة السابع محرم بالقاهرة ودفن بالمدرسة العينية جوار منزله، ووافق يومُ دفنه الثامن محرم دخولَ السلطان سليم الأول العثماني عَنْوةً إلى مصر وتملُّكه بها.
هو القاضي محمَّد بن خلَف بن حيَّان بن صدقة بن زياد البغدادي أبو بكرٍ الضَّبِّيُّ، المعروفُ بوَكيعٍ، وكان عالِمًا بأخبار النَّاسِ وغيرها، وله تصانيفُ حَسَنةٌ. قال الدارقطني: "كان نبيلًا فصيحًا فاضِلًا، من أهل القرآنِ والفِقهِ والنحو، له تصانيفُ كثيرة" مات وكان يتقلَّدُ قضاءَ كور الأهوازِ كُلِّها.
أنفَذَ الحاكِمُ العُبيديُّ الفاطميُّ إلى دارِ جَعفرِ بنِ مُحمَّدٍ الصادِقِ بالمدينةِ، فأخذ منها مُصحفًا وآلاتٍ كانت بها، وكان مع المُصحَفِ خَشَبٌ مُطَوَّقٌ بحديد وخيزران، وحَربةٌ وسريرٌ، حَمَلَ ذلك كُلَّه جماعةٌ مِن العَلَويِّينَ إلى الدِّيار المصرية، فأطلق لهم الحاكِمُ أنعامًا كثيرةً ونَفَقاتٍ زائدةً، وردَّ السَّريرَ وأخذ الباقيَ، وقال: أنا أحَقُّ به.
أَرسلَ المُستَنصِرُ بالله الفاطِميُّ صاحبُ مصر، إلى صاحبِ مَكَّةَ ابنِ أبي هاشمٍ رِسالةً وهَدِيَّةً جَليلةً، وطَلبَ منه أن يُعيدَ له الخُطبةَ بمَكَّةَ، وقال: إن أَيْمانَك وعُهودَك كانت للقائمِ، وللسُّلطانِ ألب أرسلان، وقد ماتَا، فخَطَبَ به بمَكَّةَ وقَطعَ خُطبةَ المُقتَدِي، وكانت مُدَّةُ الخُطبَةِ العبَّاسيَّة بمَكَّةَ أربعَ سنين وخَمسةَ أَشهُر.