وُلِد أنور خوجا في بلدةِ "أرجيرو كاسترو" سنة (1326هـ = 1908م)، ونشأ في وسطِ عائلةٍ مُسلمةٍ، اشتغلت بالتِّجارةِ، وعُرفت بالثَّراءِ، وتلقَّى دراستَهُ الأولى في مدرسةٍ فَرَنسيَّةٍ في "كوريتسا"، وهناك انخرط في صُفوفِ الحِزبِ الشُّيوعي الفَرَنسيِّ، وبعد أن أنْهى دراستَهُ سافَرَ إلى "بلجيكا"؛ حيث عَمِلَ سكرتيرًا للسفارة الألبانية، ثم عاد إلى بلادِهِ سنة (1355هـ = 1936م)، واشتغَلَ بالتَّدريس. ولمَّا تعرَّضت بلادُهُ للغَزوِ الإيطاليِّ سنة (1358هـ = 1939م) انقطَعَ عن التدريسِ، وانخرَطَ في صُفوفِ المقاومينَ للاحتِلالِ الإيطاليِّ بعدَ فِرار أحمد زوغو ملك ألبانيا تاركًا بلادَهُ فريسةً للاحتلال الإيطاليِّ، اشتعلتْ حَرَكةُ المقاومةِ ضدَّ الغُزاة، وكان أنور خوجا واحدًا من قادةِ المُقاومةِ، وحُكِمَ عليه بالقتل غيابيًّا في سنة (1360هـ = 1941م)، ثم شارَكَ في تأسيسِ جَبهةِ التحرير القوميَّةِ التي تزعَّمت حركةَ مُقاومةِ الطليان والألمان، وكان الشُّيوعيُّونَ يتزعَّمون هذه الجَبْهة، ثم تولَّى قيادة المقاومةِ، ورئاسةَ اللَّجْنةِ الألبانيَّةِ المُناهِضةِ للفاشيَّةِ في (جُمادى الآخرة 1363هـ = مايو 1944م)، وفي أثناء هذه الفترة شارَكَ في تأسيسِ الحِزبِ الشُّيوعي الألباني وتولَّى أمانتَهُ؛ فلمَّا انتهتِ الحربُ العالميةُ الثانيةُ، وخرج الألمان من ألبانيا؛ تولَّى "أنور خوجا" رئاسةَ الحكومة الألبانية في (1365هـ = 1945م).ثم أُعلنت ألبانيا جمهوريةً شعبيَّةً، وأُلغيت الملكيَّةُ رسميًّا، وما إن أمسك بمقاليدِ الأُمور حتى بادَرَ إلى قطعِ العَلاقاتِ مع كُلٍّ من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.كان أنور خوجا من المُعجَبينَ بـ"ستالين" دكتاتورِ الاتِّحادِ السُّوفيتي، فوقف إلى جانبه حين نشَبَ خِلافٌ سنة (1367هـ = 1948) بينه وبين "تيتو" الرئيسِ اليُّوغسلافي، على الرَّغمِ من مُساندة الحِزبِ الشُّيوعي اليوغسلافي للشُّيوعيِّينَ الألبانِ أثناءَ الاحتلالِ الإيطالي لبلادِهِم، غيرَ أنَّ هذا التأييدَ الذي أبْداه أنور خوجا للسياسة السُّوفيتيَّةِ توقَّف بعد وفاةِ ستالين سنة (1373هـ = 1953م)، وانتهاج خُلَفائه سياسةً مُغايرةً؛ فتحوَّل التأييدُ إلى عداءٍ مُستحكمٍ، انتهى بقَطعِ العَلاقاتِ بين البلدَينِ في سنة (1381هـ = 1961م)، وكان من الأسبابِ التي أدَّت إلى هذه النتيجةِ وقوفُ "خوجا" إلى جانب الصِّينِ في صِراعها الأيديولوجيِّ المذهبيِّ ضدَّ الاتِّحادِ السُّوفيتي، ثم أعقب ذلك انسحابُ ألبانيا من حِلفِ "وارسو" سنة (1388هـ = 1968م)، والتوقُّف عن المُشاركةِ في "الكوميكون"، وهو المجلسُ المُشتَرَكُ لِمُساعدة دولةِ الكُتلة الشرقيَّةِ. أدَّت هذه السياسةُ التي اتَّبعها أنور خوجا إلى انعزالِ ألبانيا عن أوروبا، والعالم الخارجي، ولم يعُدْ لها من حليفٍ سوى الصين، لكنَّ الصينَ نفسَها انتهجت بعدَ وفاةِ "ماو تسي تونج" سياسةً مَرِنةً ومُهادِنةً للولايات المُتَّحِدة الأمريكية؛ الأمرَ الذي جعل أنور خوجا يُعيد النَّظَر والتفكيرَ ويقلبُ الرأي، فأعاد العَلاقاتِ الدُّبلوماسيَّةَ مع يوغوسلافيا واليونان؛ للتغلُّب على شيءٍ من العُزلة التي فرَضَها على بلاده، وفي الوقتِ نفسِهِ ساءت عَلاقاتُهُ مع الصينِ، وانتهى بها الحالُ إلى قَطعِ مُساعداتِها له. أحكم أنور خوجا قبضتَهُ على البلاد، وأمسَكَ مقاليدَ الأمور بيدٍ من حديدٍ، وتخلَّصَ من جميعِ مُنافسيهِ في الحِزب الشُّيوعي، وامتدَّت يدُهُ إلى المعارضين؛ فأسكَتَ أصواتَهم، ولم يعُدْ هناك مَن يُواجهُهُ، أو يقفُ في وجهِهِ ويُعارِض سياستَهُ. ظلَّ أنور خوجا يحكُمُ ألبانيا إحدى وأربعين سنةً، حتى تُوَفِّيَ في (20 من رجب سنة 1405هـ = 11 من إبريل 1985م) عن عُمرٍ يُناهِزُ السَّابعةَ والسَّبعينَ، وخَلَفَهُ "رامز عليا".
حضر القضاةُ والعُلَماءُ وفيهم الشيخُ تقيُّ الدين ابن تيمية في يوم الاثنين ثامِنَ رجب عند نائب السلطنةِ بالقَصرِ، وقُرئت عقيدةُ الشيخ تقي الدين ابن تيمية الواسطيَّة، وحصل بحثٌ في أماكِنَ منها، وأُخِّرَت مواضِعُ إلى المجلس الثاني، فاجتمعوا يومَ الجمعة بعد الصلاة في الثاني عشر من هذا الشهر, وحضر الشيخُ صفي الدين الهندي، وتكلَّمَ مع الشيخِ تقيِّ الدين كلامًا كثيرًا، ولكِنَّ ساقِيَتَه لاطمت بحرًا، ثم اصطلحوا على أن يكون الشيخُ كمال الدين بن الزملكاني هو الذي يحاقِقُه من غيرِ مُسامحة، فتناظرا في ذلك، وشكر النَّاسُ من فضائل الشيخِ كمال الدين بن الزملكاني وجَودةِ ذِهنِه وحُسنِ بحثِه حيث قاومَ ابن تيميَّة في البحث، وتكَلَّم معه، ثم انفصل الحالُ على قبول العقيدة، وعاد الشيخُ إلى منزله مُعَظَّمًا مُكَرَّمًا، وكان الحامِلُ على هذه الاجتماعات كتابًا ورد من السلطان في ذلك، كان الباعِثُ على إرسالِه قاضي المالكيَّة ابن مخلوف، والشَّيخ نصر المنبجي شيخ الجاشنكير وغيرهما من أعدائه، وذلك أنَّ الشيخ تقي الدين ابن تيمية كان يتكَلَّم في المنبجي وينسِبُه إلى اعتقادِ ابن عربي، وكان للشيخِ تقي الدين من الفُقَهاءِ جماعة يحسُدونَه لتقَدُّمِه عند الدولة، وانفرادِه بالأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر، وطاعةِ الناس له ومحبَّتِهم له، وكثرةِ أتباعِه، وقيامه في الحق، وعِلمِه وعَمَلِه، ثم وقع بدمشقَ خَبطٌ كثير وتشويشٌ بسبب غيبةِ نائب السلطنة، وطَلَب القاضي جماعةً من أصحاب الشيخ وعَزَّرَ بَعضَهم ثمَّ اتفق أن الشيخ جمال الدين المِزِّي الحافظ قرأ فصلًا بالردِّ على الجهميَّة من كتابِ أفعال العباد للبخاريِّ تحت قبة النسر بعد قراءة ميعاد البخاري بسبب الاستسقاء، فغضب بعضُ الفقهاء الحاضرين وشكاه إلى القاضي الشافعي ابن صصرى، وكان عدوًّا للشيخ تقي الدين ابن تيمية, فسَجَن المزِّي، فبلغ الشيخَ تقي الدين فتألَّم لذلك وذهب إلى السجنِ فأخرجه منه بنَفسِه، وراح إلى القصرِ فوجد القاضيَ ابن صصرى هنالك، فتقاولا بسبب الشيخِ جمالِ الدين المزِّي، فحلف ابن صصرى لا بد أن يعيدَه إلى السجن وإلَّا عزل نفسَه فأمر النائِبُ بإعادتِه تطييبًا لقلب القاضي فحَبَسه عنده في القوصيَّة أيامًا ثم أطلقه، ولما قدم نائبُ السلطنة ذكر له الشيخُ تقي الدين ابن تيمية ما جرى في حقِّه وحَقِّ أصحابه في غيبته، فتألم النائِبُ لذلك ونادى في البلدِ ألَّا يتكلم أحدٌ في العقائِدِ، ومن عاد إلى تلك حَلَّ مالُه ودَمُه ورُتِّبَت داره وحانوته، فسكنت الأمور، ثم عُقِدَ المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصرِ واجتمع جماعةٌ على الرضا بالعقيدة الواسطية, وفي هذا اليوم عزلَ ابنُ صصرى نفسَه عن الحكم بسبب كلامٍ سمعه من بعض الحاضرينَ في المجلس، وهو من الشيخِ كمال الدين بن الزملكاني، ثم جاء كتابُ السلطان في السادس والعشرين من شعبان فيه إعادةُ ابن صصرى إلى القضاء، وذلك بإشارةِ المنبجي، وفي الكتابِ: إنا كنا سمعنا بعقدِ مَجلِسٍ للشيخ تقي الدين ابن تيمية، وقد بلَغَنا ما عُقِدَ له من المجالس، وأنه على مذهب السَّلَفِ، وإنما أردنا بذلك براءةَ ساحتِه مِمَّا نسب إليه، ثم جاء كتابٌ آخر في خامس رمضان يوم الاثنين وفيه الكشفُ عن ما كان وقع للشيخِ تقي الدين ابن تيمية في أيَّام جاغان، والقاضي إمام الدين القزويني، وأن يُحمَلَ هو والقاضي ابن صصرى إلى مصر، فتوجَّها على البريد نحو مصر، وخرج مع الشيخِ خَلقٌ من أصحابه وبَكَوا وخافوا عليه من أعدائه، وأشار عليه نائبُ السلطنة ابن الأفرم بترك الذَّهابِ إلى مصر، وقال له: أنا أكاتِبُ السلطان في ذلك وأصلِحُ القضايا، فامتنع الشيخُ من ذلك، وذكَرَ له أن في توجُّهِه لمصر مصلحةً كبيرة، ومصالحَ كثيرة، فلما كان يومُ السبت دخل الشيخُ تقيُّ الدين غزَّةَ فعَمِلَ في جامعها مجلسًا عظيمًا، ثم دخلا معا إلى القاهرة والقلوبُ معه وبه متعلِّقة، فدخلا مصر يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان، وقيل إنَّهما دخلاها يوم الخميس، فلما كان يومُ الجمعة بعد الصلاة عقد للشيخ مجلس بالقلعة اجتمع فيه القضاةُ وأكابر الدولة وأراد أن يتكَلَّم على عادته فلم يتمكَّن من البحث والكلامِ، وانتدب له الشَّمسُ ابن عدنان خصمًا احتسابًا، وادَّعى عليه عند ابن مخلوف المالكي أنَّه يقول: إنَّ الله فوق العَرشِ حَقيقةٌ، وأنَّ الله يتكَلَّمُ بحَرفٍ وصَوتٍ، فسأله القاضي جوابَه فأخذ الشيخُ في حمد اللهِ والثناء عليه، فقيل له: أجِبْ، ما جئنا بك لتخطب! فقال: ومن الحاكِمُ فيَّ؟! فقيل له: القاضي المالكي، فقال له الشَّيخُ: كيف تحكمُ فيَّ وأنت خصمي، فغضب غضبًا شديدًا وانزعج وأقيمَ مَرسمٌ عليه وحُبِسَ في برج أيامًا، ثم نقِلَ منه ليلة العيد إلى الحبس المعروفِ بالجُبِّ، هو وأخوه شرف الدين عبد الله، وزين الدين عبد الرحمن، وأما ابن صصرى فإنه جُدِّدَ له توقيعٌ بالقضاء بإشارة المنبجي شيخ الجاشنكير حاكم مصر، وعاد إلى دمشقَ يوم الجمعة سادس ذي القعدة والقلوبُ له ماقتة، والنفوسُ منه نافرة، وقرئ تقليدُه بالجامع، وبعده قرئ كتابٌ فيه الحطُّ على الشيخ تقي الدين ابن تيميَّة ومخالفته في العقيدة، وأن ينادى بذلك في البلاد الشاميَّة، وألزِمَ أهلُ مذهبه بمخالفتِه، وكذلك وقع بمصر، قام عليه جاشنكير وشيخُه نصر المنبجي، وساعدهم جماعةٌ كثيرةٌ من الفقهاء والصوفيَّة وجرت فِتَنٌ كثيرة منتشرة، نعوذُ بالله من الفتن، وحصل للحنابلةِ بالديار المصرية إهانةٌ عظيمة كثيرة، وذلك أنَّ قاضِيَهم كان قليلَ العِلمِ مُزجَى البضاعةِ، وهو شرف الدين الحراني، فلذلك نال أصحابُهم ما نالهم، وصارت حالُهم حالًا مؤلمة.
في سادس ذي الحجة توجَّه الأميرُ عَلَم الدين سنجر المسروري المعروف بالخياط متولي القاهرة، والأميرُ عز الدين الكوراني، إلى غزوِ بلاد النوبة، وجرَّدَ السلطانُ قلاوون معهما طائفةً مِن أجناد الولايات بالوجهِ القبلي والقراغلامية، وكتب إلى الأمير عز الدين أيدمر السيفي السلاح دار متولِّي قوص أن يسيرَ معهما بعُدَّته ومن عنده من المماليك السلطانية المركزين بالأعمال القوصيَّة، وأجناد مركز قوص، وعُربان الإقليم: وهم أولاد أبي بكر وأولاد عمر، وأولاد شيبان وأولاد الكنز وبني هلال، وغيرهم، فسار الخياط في البَرِّ الغربي بنصف العسكرِ، وسار أيدمر بالنصفِ الثاني من البر الشرقي، وهو الجانبُ الذي فيه مدينُة دنقلة، فلما وصل العسكرُ أطرافَ بلاد النوبة أخلى ملك النوبةِ سمامون البلادَ، وكان صاحِبَ مكرٍ ودهاء، وعنده بأس، وأرسل سمامون إلى نائبه بجزائر ميكائيل وعمل الدو واسمه جريس، ويُعرف صاحب هذه الولاية عند النوبة بصاحب الجبل، يأمره بإخلاء البلادِ التي تحت يده أمامَ الجيش الزاحف، فكانوا يرحلونَ والعسكَرُ وراءهم منزلةً بمنزلة، حتى وصلوا إلى مَلِك النوبة بدنقلة، فخرجَ سمامون وقاتلَ الأمير عز الدين أيدمر قتالًا شديدًا، فانهزم ملكُ النوبة وقُتِلَ كثيرٌ ممن معه، واستشهد عدَّةٌ من المسلمين، فتبع العسكَرُ مَلِكَ النوبةِ مَسيرةَ خَمسةَ عَشَر يومًا من رواءِ دنقلة إلى أن أدركوا جريس وأسروه، وأسَرُوا أيضًا ابنَ خالة الملك، وكان من عظمائِهم، فرتَّبَ الأميرُ عِزُّ الدين في مملكة النوبةِ ابنَ أختِ الملك، وجعل جريس نائبًا عنه، وجرَّد معهما عسكرًا، وقرَّرَ عليهما قطعةً يَحمِلانها في كلِّ سَنةٍ، ورجع بغنائم كثيرة ما بين رقيق وخيول وجمال وأبقار وأكسية.
أبو الوليد سعد صايل هو عسكريٌّ فِلَسطيني، وُلِدَ في قرية كفر قليل (محافظة نابلس)، وتلقَّى دِراسته الابتدائيةَ والثانوية في مَدينة نابلس، والتحقَ بالكُلِّية العسكرية الأُرْدنية سَنة 1951م، وتخصَّص في الهندسة العسكريةِ، ثم أُرسِلَ في دوراتٍ عسكريةٍ إلى بريطانيا سنة 1954م (هندسة تَصميم الجُسور وتصنيفها)، وبريطانيا سنة 1958م، والولايات المتحِدة سنة 1960م (هندسة عَسْكرية متقدِّمة)، وعاد إلى الولايات المتحدة سَنة 1966م، فدرَسَ في كُلِّية القادة والأركانِ. تدرَّج أبو الوليد في عددٍ مِن المناصب العسكريةِ في الجيش الأُرْدني، إلى أن أُسنِدَت إليه قِيادة لواء الحسين بن علي وكان برُتبةِ عقيدٍ. انتسَب صايل إلى حركةِ التحرير الوطني الفِلَسطيني (فتح)، وفي أحداثِ أيلول سنة 1970م بين القواتِ الأُرْدنية وقُوات الثورةِ الفلسطينية، التحَقَ بالقواتِ الفلسطينية، فأُسنِدَت إليه مناصبُ عسكرية هامَّة، وقد عُيِّن مديرًا لهيئة العملياتِ المركزية لِقُوات الثورة الفلسطينية، وعُضوًا في القيادةِ العامة لِقُوات العاصفةِ، وعضوًا في قِيادة جهاز الأرض المحتلَّة، بعْدَ أنْ رُقِّيَ إلى رُتبة عميد، كما اختِيرَ عضوًا في المجلسِ الوطني الفلسطينيِّ، وانتُخِبَ في اللجنة المركزيةِ لحرَكة فتْحٍ في مُؤتمرِها الذي عُقِدَ في دمشقَ سنة 1980م. شارك أبو الوليد في إدارةِ دَفةِ العمليات العسكريةِ لِقُوات الثورة الفلسطينية في تصدِّيها للقوات الإسرائيلية في لُبنان، ولُقِّبَ بمارشال بَيروت. اغتِيلَ سعد صايل بتاريخ 29/9/1982 في عمليةٍ تعرَّض لها بعد انتهائِه من جَولة على قُوات الثورة الفلسطينية في سَهل البقاع بلُبنان، وقد رُقِّيَ إلى رُتبة لواءٍ، ودُفِنَ في مقبرة الشُّهداء في مُخيَّم اليرموك بدمشقَ. وتَخليدًا لِذِكرى أبي الوليد أَطلَقَت السُّلطة الوطنية الفلسطينية اسمَه على العديدِ من المعالِمِ الوطنية في غَزَّة والضفةِ الغربية؛ مِثلُ الأكاديميةِ الأمنيةِ في أريحا، ومواقعَ للقُوات الأمنيةِ في غَزة، ومدرسةٍ في مَدينة نابلس، وعِدة أماكنَ أُخرى.
كان الآزاذِبَةُ مَرْزُبان الحِيرَةِ أي حكام الحيرة, فلمَّا أَخرَب خالدٌ أَمْغِيشِيا عَلِم الآزاذبةُ أنَّه غيرُ مَتروكٍ، فأخذ في أَمْرهِ وتَهيَّأ لحربِ خالدٍ، لمَّا تَوجَّه خالدٌ إلى الحِيرَةِ وحمَل الرِّحالَ والأثقالَ في السُّفُنِ أَرسلَ الآزاذبةُ ابنَهُ لِيقطَعَ الماءَ عن السُّفُنِ, فتعَجَّلَ خالدٌ في خَيلٍ نحو ابنِ الأزاذبةِ فلَقِيَهُ على فُراتِ بادِقْلَى، فقتَلهُ وقتَل أصحابَهُ، وسار نحو الحِيرَةِ، فهرَب منه الآزاذبةُ، وكان قد بَلغَهُ مَوتُ أَرْدَشِير وقتلُ ابنِه، فهرَب بغيرِ قِتالٍ، فتَحصَّنَ أهلُ الحِيرَةِ فحصَرهُم في قُصورِهم. دخل خالدٌ الحِيرَةَ، وأَمَر بكلِّ قَصْرٍ رجلًا مِن قُوَّادِه يُحاصِر أهلَهُ ويُقاتِلهم، فعَهِدَ خالدٌ إلى أُمرائِهِ أن يَبدءوا بِدَعوَتِه إحدى ثلاثٍ، فإن قَبِلوا قَبِلوا منهم، وإن أَبَوْا أن يُؤَجِّلوهم يومًا، وقال: لا تُمَكِّنوا عَدُوَّكُم مِن آذانِكُم فيَتربَّصوا بِكُم الدَّوائرَ، ولكن ناجِزوهُم ولا تُرَدِّدوا المسلمين عن قِتالِ عَدُوِّهِم. فلمَّا دَعَوْهُم أَبَوْا إلَّا المُنابذَةِ, فنَشَبَ القِتالُ وأَكثرَ المسلمون القتلَ فيهم، فنادى القِسِّيسون والرُّهْبانُ: يا أهلَ القُصورِ، ما يقتلنا غيرُكم. فنادى أهلُ القُصورِ: يا مَعشرَ العربِ، قد قَبِلْنا واحدةً مِن ثلاثٍ، فادعوا بنا وكُفُّوا عَنَّا حتَّى تُبلِّغونا خالدًا. فخرَج قائدٌ مِن كلِّ قصرٍ، فأُرسلوا إلى خالدٍ، مع كلِّ رجلٍ منهم ثِقَةٌ، لِيُصالح عليه أهلَ الحِصْن، فخلا خالدٌ بأهلِ كلِّ قصرٍ منهم دون الآخرين، وقد حاوَر خالدُ بن الوَليد أحدَ رُؤسائِهم وهو عَمرُو بن عبدِ المَسيحِ ابنُ بُقَيْلَةَ، وكان مع خادمِه كِيسٌ فيه سُمٌّ، فأخَذهُ خالدٌ ونَثَرَهُ في يَدِهِ وقال: لِمَ تَستَصْحِب هذا؟ قال: خشيتُ أن تكونوا على غيرِ ما رأيتُ، فكان الموتُ أحبَّ إليَّ مِن مَكروهٍ أُدْخِلُه على قَومي.
كان سببُ ذلك أنَّ الوزيرَ عليَّ بنَ مقلةَ كان قد هرب حين قُبِضَ على مؤنسٍ ومَن معه لإرادتِهم قتلَ القاهرِ بالله، وكان قد قَبَضَ عليهم وقتَلَهم إلَّا ابن مقلة فإنه هرب، فاختفى في داره، وكان يراسِلُ الجُندَ ويكاتبهم ويغريهم بالقاهرِ، ويخوِّفُهم سطوتَه وإقدامَه، وسرعةَ بطشِه، ويخبِرُهم بأنَّ القاهِرَ بالله قد أعدَّ لأكابرِ الأمراءِ أماكِنَ في دار الخلافة يسجنُهم فيها، ومهالك يُلقيهم فيها، كما فعل بفلان وفلان، فهيَّجَهم ذلك على القبضِ على القاهر بالله، فاجتمعوا وأجمَعوا رأيهم على مناجَزتِه في هذه الساعة، فرَكِبوا مع الأميرِ المعروف بسيما، وقصَدوا دارَ الخلافة فأحاطوا بها، ثم هَجَموا عليه من سائرِ أبوابِها وهو مخمورٌ، فاختفى في سطحِ حَمَّام، فظهروا عليه فقبضوا عليه وحبَسوه في مكان طريفِ اليشكري، وذلك يومَ السبت لثلاثٍ خَلَونَ مِن جمادى الأولى، ثم أمروا بإحضارِه، فلما حضر سَمَلوا عينيه حتى سالتا على خديه، وارتُكِبَ معه أمرٌ عظيم لم يُسمَعْ مِثلُه في الإسلامِ، ثم أرسلوه، وكان تارةً يُحبَسُ وتارة يُخلَّى سبيلُه، وقد تأخَّرَ مَوتُه إلى سنة 333, وتمَّت خلافة الراضي بالله أبي العبَّاسِ محمد بن المُقتَدر بالله. لَمَّا خَلَعَت الجندُ القاهِرَ أحضروا أبا العبَّاسِ محمَّدَ بنَ المقتدر بالله فبايعوه بالخلافة ولَقَّبوه الراضي بالله، وقد أشار أبو بكر الصولي بأن يُلَقَّبَ بالمَرضيِّ بالله فلم يقبلوا، وذلك يوم الأربعاء لستٍّ خَلَون من جمادى الأولى منها، وجاؤوا بالقاهرِ وهو أعمى قد سُمِلَت عيناه، فأوقِفَ بين يديه فسَلَّمَ عليه بالخلافةِ وسَلَّمَها إليه، فقام الراضي بأعبائِها، وأمر بإحضارِ أبي علي بن مقلة فولَّاه الوزارة، وجعل عليَّ بنَ عيسى ناظرًا معه، وأطلق كلَّ من كان في حبسِ القاهر بالله.
عندما وصل سعودٌ بجيوشِه إلى مشارف الشام وقراها واكتسح ما أمامه من القرى والعربان، وقبل ذلك غزا كربلاء وهدد العراق وهزم جميعَ الجيوش التي أرسلها ولاةُ الشام والعراق لمحاربته، حتى اضطرت الدولةُ العثمانية أن تطلُبَ من سعود المهادنةَ والمسابلة وتَبذُل له مقابِلَ ذلك كلَّ سنة ثلاثين ألف مثقال ذهبي، وأوفدت الدولة لهذ الغرض رجلًا يسمَّى عبد العزيز القديمي وأوفدت بعده رجلًا آخر يسمى عبد العزيز بيك، فرجع كما رجع الأول بعدم القبول وبرسالة طويلة من سعود، ومما ورد فيها: "وأما المهادنة والمسابلة على غير الإسلامِ، فهذا أمر محال بحولِ الله وقوَّتِه، وأنت تفهم أن هذا أمرٌ طلبتموه منا مرَّةً بعد مرة، أرسلتم لنا عبد العزيز القديمي ثم أرسلتم لنا عبد العزيز بيك، وطلبتم منا المهادنة والمسابلة، وبذلتم الجزيةَ على أنفُسِكم كلَّ سنة ثلاثين ألف مثقالٍ ذهبًا، فلم نقبل ذلك منكم ولم نُجِبْكم بالمهادنة، فإن قبلتم الإسلامَ فخيرتها لكم وهو مطلبنا، وإن توليتم فنقول كما قال الله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137] فلما أصبحت الدولةُ العثمانيةُ عاجزةً عن مهادنة الإمام سعود بن عبد العزيز بن سعود فضلًا عن محاربته، طلب عندئذ السلطان العثماني من والي مصر محمد علي باشا القيامَ بمحاربة الإمام سعود وإخراجِه من الحجاز، فتردَّد محمد علي أولًا ثم أخيرًا لبَّى طلب السلطان وسيَّرَ ابنَه طوسون سنة 1226هـ ثم خرج هو بنفسِه إلى أن سقطت الدولة السعودية سنة 1233هـ على يد إبراهيم باشا، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
كان أمير فاس أبو فارس عبد العزيز قد عيَّن الأمير محمد بن أبي تاشفين الزياني أميرًا على تلمسان بعد أن تملَّكها من المرينيين، ثم إنَّ محمدًا الزياني رأى أن يعلِنَ استقلاله فيها، فأعلن خروجه عن طاعة السلطان الحفصي أبي فارس، الذي سار من وقته فحاصر تلمسان، فهرب منها الأمير محمد الزياني، ولكن لم يلبث أن قُبِضَ عليه واعتُقِلَ، فحمله أبو فارس معه إلى فاس وسجنه هناك حتى توفي في سجنه من السنة التالية.
اجتمع أهلُ سدير والوشم ومعهم آل ظفير، واتجهوا إلى رغبة، وكان أهلها قد اهتَدَوا إلى التوحيد, فحصرتهم تلك الجموعُ في البلد أيامًا، فجنح بعض أهلها إلى الضَّلالِ فأدخلوا تلك الأجناد فنَهَبوا جميع الأموال، ولكِنَّ الله حقن دماء المسلمين, ثم اتجهت تلك الجموع ومعهم جلوية ضرمى إلى ضرمى- الذين دخل أهلها في طاعة الدرعية- فحصَروا أهلها أيامًا ونصبوا السلالم على أسوارها، وصعد منهم السور نحو ثلاثين رجلًا قُتلوا جميعًا, ثم رجعوا بعد ذلك خائبين.
لمَّا فتَح أبو عُبيدةَ الجابِيَةَ مِن أعمالِ دِمشقَ وقِنَّسرينَ وحاصَر أهلَ مَسجدِ إيليا -أي بيت المَقدِس- فأَبَوْا أن يَفتَحوا له، وسَألوه أن يُرْسِلَ إلى صاحِبِه عُمَرَ لِيَقْدُمَ فيكون هو الذي يَتوَلَّى مُصالحَتَهُم، فكتَب بذلك إلى عُمَرَ فاسْتخلفَ علِيَّ بن أبي طالبٍ على المدينةِ, ثمَّ قَدِمَ للشَّامِ, وكتَب إلى أُمراءِ الأجنادِ أن يُوافُوه بالجابِيَةِ ليومٍ سَمَّاهُ لهم في المُجَرَّدَةِ، ويَستخلِفوا على أعمالِهم، وكان أوَّلَ مَن لَقِيَهُ فيها أبو عُبيدةَ, فلمَّا دخَل الجابِيَةَ قال له رجلٌ مِن اليَهودِ: يا أميرَ المؤمنين، إنَّك لا تَرجِع إلى بِلادِك حتَّى يفتحَ الله عليك إيلياء. فبينما عُمَر مُعسكرٌ بالجابِيَةِ فزَع النَّاسُ إلى السِّلاحِ، فقال: ما شَأنُكم؟ فقالوا: ألا ترى إلى الخيلِ والسُّيوفِ؟ فنظَر فإذا جَمْعٌ يلمعون بالسُّيوفِ. فقال عُمَرُ: مُسْتَأْمِنَةً فلا تُراعُوا، فأَمِّنُوهُم. وإذا أهلُ إيلياء، فصالَحهُم على الجِزيةِ, وعلى أن لا يَهْدِمَ كَنائِسَها، ولا يُجْلِيَ رُهْبانَها، ففَتَحوها له، وبَنَى بها مَسجِدًا، وأقام أيَّامًا ثمَّ رجَع إلى المدينةِ.
وصَلَت الأخبارُ في المحَرَّم من بلاد الجزيرة وبلاد الشرق سنجار والموصل وماردين وتلك النواحي بغلاء عظيمٍ وفناء شديدٍ وقِلَّة الأمطار، والخوف من التتار، وعدمِ الأقواتِ وغلاءِ الأسعار، وقِلَّة النفقات، وزوال النِّعَم، وحلولِ النِّقَم، بحيث إنهم أكلوا ما وجدوه من الجماداتِ والحيواناتِ والميتاتِ، وباعوا حتى أولادَهم وأهاليهم، فبِيعَ الولد بخمسينَ دِرهمًا وأقل من ذلك، حتى إنَّ كثيرًا كانوا لا يشترون من أولادِ المسلمين، وكانت المرأةُ تُصَرِّحُ بأنها نصرانيَّة لِيُشتَرى منها ولَدُها لتنتَفِعَ بثَمَنِه ويحصُل له من يُطعِمُه فيَعيش، وتأمَن عليه من الهلاكِ، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ووقعت أحوالٌ صعبة يطول ذِكرُها، وتنبو الأسماعُ عن وصفها، وقد ترَحَّلت منهم فرقة قريب الأربعمائة إلى ناحية مراغة فسقط عليهم ثلجٌ أهلَكَهم عن آخِرِهم، وصَحِبَت طائفةٌ منهم فِرقةً من التتار، فلما انتَهَوا إلى عقبة صعدها التتارُ ثم منعوهم أن يصعدوها لئلا يتكَلَّفوا بهم فماتوا عن آخِرِهم، فلا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله العزيزِ الحكيمِ.
هو أبو إبراهيمَ إسماعيلُ بنُ أحمدَ الساماني أميرُ خراسان وما وراء النَّهرِ، شَهِدَ عَهدُه ظهورَ السَّامانيين كقوَّةٍ في المنطقة. وهو ابنُ أحمدَ بنِ أسد، ويرجع نسَبُه إلى سامان خدا الذي أسَّس سلالةَ السَّامانيين والذي ترك المجوسيَّة واعتنقَ الإسلامَ، ويُعتبَرُ إسماعيل أبًا روحيًّا للقوميَّة الطاجيكية، كان عاقلًا عادلًا، حسَنَ السِّيرةِ في رعيَّتِه، حليمًا كريمًا، يلقب بعد موته بالماضي، وهو الذي كان يُحسِنُ إلى إمامِ أهلِ الحديث في عصرِه محمَّد بن نصر المروزي ويعَظِّمُه ويُكرِمُه ويَحتَرِمُه ويقوم له في مجلسِ مُلكِه، فلما مات تولَّى بعده ولدُه أحمدُ بنُ إسماعيل بن أحمد الساماني, وأرسلَ إليه المكتفي باللهِ عهْدَه بالولاية وعقَدَ لواءَه بيَدِه.
وُلِدَ الأميرُ خليفة بن سلمان آل خليفة عام ١٣٥٤هـ الموافق 1935م. وابتُعِثَ للدراسةِ في بريطانيا على فتراتٍ مُتقَطِّعةٍ حتى عام 1959. تدرَّج في المناصِبِ وُصولًا إلى رئيس الوزراء في عَهدِ أخيه الأكبر الشَّيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (عاهل البحرين ١٣٨١هـ - ١٤٢٠هـ - الموافق 1961م- 1999م)، وهو المنصِبُ الذي ظلَّ يحتَفِظُ به في عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حتى وافَتْه المنيَّةُ. وكان عَمَّ مَلِكِ البحرين حَمَد بن عيسى آل خليفة، والشَّقيقَ الأصغرَ للأمير السابق عيسى بن سلمان آل خليفة. تُوفي -رحمه الله- في مستشفى مايو كلينك في الولاياتِ المتَّحِدةِ، عن عمرٍ ناهز 84 عامًا.
سار صلاحُ الدين إلى خلاط وجعَلَ طريقَه على ميافارقين مَطمَع ملكها، حيث كان صاحِبُه قطب الدين، صاحِبُ ماردين، قد توفِّي ومَلَك بعده ابنُه، وهو طفل، وكان حُكمُها إلى شاه أرمن، وعسكَره فيها، فلمَّا توفِّيَ طَمِعَ في أخْذِها، فلمَّا نازلها رآها مشحونةً بالرجال، وبها زوجةُ قطب الدين المتوفى، ومعها بناتٌ لها منه، وهي أختُ نور الدين محمد، صاحِبِ الحصن، فأقام صلاحُ الدين عليها يحصُرُها من أول جمادى الأولى، واشتد القتالُ عليه ونُصِبَت المجانيق والعرادات، فلم يصِلْ صلاح الدين إلى ما يريد منها، فلما رأى ذلك عدل عن القوة والحَربِ إلى إعمال الحيلة، فراسل امرأةَ قطب الدين المقيمة بالبلدِ يقول لها: إنَّ أسدَ الدين يرنقش قد مال إلينا في تسليمِ البلد ونحن نرعى حقَّ أخيك نور الدين فيك بعد وفاتِه، ونريد أن يكونَ لك في هذا الأمرِ نَصيبٌ، وأنا أزوِّجُ بناتِك بأولادي وتكونُ ميافارقين وغيرها لك وبحُكمِك؛ ووضَعَ مَن أرسل إلى أسد يُعَرِّفُه أن الخاتون قد مالت للمُقاربة والانقياد إلى السلطان، وأنَّ مَن بخلاط قد كاتبوه ليُسَلِّموا إليه، فخُذْ لِنَفسِك، واتَّفَق أنَّ رسولًا وصَلَه مِن خلاط، يبذلون له الطاعةَ، وقالوا له من الاستدعاءِ إليهم ما كانوا يقولونَه، فأمر صلاح الدين الرسولَ، فدخل إلى ميافارقين، وقال لأسدٍ: أنت عمَّن تقاتِلُ، وأنا قد جئتُ في تسليم خلاط إلى صلاحِ الدين، فسُقِطَ في يَدِه، وضَعُفَت نفسه، وأرسل يقتَرِحُ أقطاعًا ومالًا، فأُجيبَ إلى ذلك، وسَلَّمَ البلد آخر جمادى الأولى، وعَقَدَ النكاح لبعضِ أولاده على بعضِ بنات الخاتون، وأقَرَّ بيدها قلعةَ الهتاخ لتكونَ فيها هي وبناتُها.
هو السلطان غياث الدين محمود بن السلطان الكبير غياث الدين محمد بن سام الغوري, صاحب غزنة والغور وفيروزكوه, وهو مِن كبار ملوك الإسلام، اتَّفق أن خوارزم شاه علاء الدين هزم الخطا مرات، ثم وقع في أسرِهم مع بعض أمرائه، فبقي خوارزم شاه يخدُم ذلك الأمير كأنَّه مملوكه، ثم قال الأميرُ للذي أسرهما: نفِّذْ غلمانك إلى أهلي ليفتَكُّوني بمال. فقال: فابعث معهم غلامَك هذا ليدُلَّهم، فبعثه ونجا علاء الدين بهذه الحيلة، وقَدِمَ، فإذا أخوه علي شاه نائبه على خراسان قد هم بالسلطنة، ففزع منه، فهرب خوارزم شاه إلى غياث الدين محمود، فبالغ في إكرامه. لما سلَّم خوارزم شاه هراة إلى خاله "أمير ملك" سنة 605، وسار إلى خوارزم، أمره أن يقصد غياث الدين محمود بن غياث، وأن يقبِضَ عليه وعلى أخيه علي شاه بن خوارزم شاه، ويأخذ فيروزكوه من غياث الدين، فسار أميرُ ملك إلى فيروزكوه، وبلغ ذلك إلى محمود، فأرسل يبذُلُ الطاعة ويطلُب الأمان، فأعطاه ذلك، فنزل إليه محمود، فقبض عليه أمير ملك، وعلى علي شاه أخي خوارزم شاه، فسألاه أن يحمِلَهما إلى خوارزم شاه ليرى فيهما رأيَه، فأرسل إلى خوارزم شاه يعرفه الخبَرَ، فأمره بقتلِهما، فقُتلا في يوم واحد معا بغيًا وعدوانًا، واستقامت خراسان كلها لخوارزم شاه، وغياث الدين محمود هو آخر ملوك الغورية، وقد كانت دولتُهم من أحسن الدول سيرةً، وأعدَلِها وأكثَرِها جهادًا.