مَلَكَ سبكتكين مدينةَ غزنة وأعمالَها، وكان ابتداءُ أمرِه أنَّه كان مِن غِلمانِ أبي إسحاقَ بنِ البتكين، صاحِبِ جيش غزنة للسامانية، وكان مقَدَّمًا عنده، وعليه مدارُ أمرِه، وقدِمَ إلى بُخارى، أيَّامَ الأمير منصور بن نوح، مع أبي إسحاق، فعَرَفَه أربابُ تلك الدولة بالعقلِ والعفَّة، وجودةِ الرأي والصَّرامة، وعاد معه إلى غزنة، فلم يلبثْ أبو إسحاق أن توفِّيَ، ولم يخَلِّفْ من أهلِه وأقاربه من يصلُحُ للتقَدُّم، فاجتمع عسكَرُه ونظروا فيمن يلي أمْرَهم، ويجمَعُ كَلِمتَهم، فاختلفوا ثمَّ اتَّفَقوا على سبكتكين؛ لِما عَرَفوه من عقلِه ودينِه ومروءتِه، وكمالِ خِلالِ الخير فيه، فقَدَّموه عليهم، ووَلَّوه أمرَهم، وأطاعوه فوَلِيَهم، وأحسَنَ السِّيرةَ فيهم، وساس أمورَهم سياسةً حَسَنةً، وجعل نفسَه كأحدِهم في الحالِ والمال، وكان يدَّخِرُ من إقطاعِه ما يعمَلُ منه طعامًا لهم في كلِّ أُسبوعٍ مَرَّتين.
كانت وقعةٌ بين العساكر المصرية والفرنج، قيل في سببِها: إن المصريين لما بلغهم ما تمَّ على أهل القدس جمع الأفضل أميرُ الجيوش بن بدر الجمالي العساكِرَ وحَشَد، وسار إلى عسقلان، وأرسل إلى الفرنج ينكِرُ عليهم ما فعلوا، ويتهدَّدهم، فأعادوا الرسولَ بالجواب ورحلوا على إثرِه، وطلعوا على المصريين عَقيبَ وصول الرسول، ولم يكُنْ عند المصريين خبَرٌ من وصولهم، ولا من حركتِهم، ولم يكونوا على أُهْبةِ القتال، فنادَوا إلى ركوب خيولهم، ولَبِسوا أسلحتَهم، وأعجلهم الفرنجُ فهزموهم، وقتلوا منهم من قُتِل، وغنموا ما في المعسكر من مالٍ وسلاح وغير ذلك، وانهزم الأفضلُ، فدخل عسقلان، ومضى جماعةٌ من المنهزمين فاستتروا بشجرِ الجميز، فأحرق الفرنجُ بعضَ الشجر، حتى هلك من فيه، وقتلوا من خرج منه، وعاد الأفضلُ في خواصِّه إلى مصر، ونازل الفرنج عسقلان، وضايقوها، فبذل لهم أهلُها قطيعة اثني عشر ألف دينار، وقيل: عشرين ألف دينار، ثم عادوا إلى القدس.
وَقعَ في استراباذ -جرجان حاليا، شمال إيران- فِتنةٌ عَظيمةٌ بين العَلَوِيِّين ومَن يَتبَعُهم مِن الشِّيعَةِ وبين الشافعيَّةِ ومَن معهم، وكان سَببُها أن الإمامَ محمدًا الهَرويَّ وَصلَ إلى استراباذ، فعَقَدَ مَجلِسَ الوَعظِ، وكان قاضِيَها أبو نصرٍ سعدُ بن محمدِ بن إسماعيلَ النعيميُّ شافعيُّ المَذهَبِ أيضًا فثار العَلَوِيِّون ومَن يَتبَعُهم مِن الشِّيعَةِ بالشافعيَّةِ ومَن يَتبَعُهم باستراباذ، ووَقَعَت بين الطائِفَتينِ فِتنةٌ عَظيمةٌ انتَصرَ فيها العَلَوِيُّون، فقُتِلَ من الشافعيَّةِ جَماعةٌ، وضُرِبَ القاضي ونُهِبَت دارُه ودُورُ مَن معه، وجَرَى عليهم من الأُمورِ الشَّنيعةِ ما لا حَدَّ عليه، فسَمِعَ شاه مازندران الخَبرَ فاستَعظَمَهُ، وأَنكَرَ على العَلَوِيِّين فِعْلَهم، وبالَغَ في الإنكارِ مع أنه شَديدُ التَّشَيُّعِ، وقَطَعَ عنهم جِراياتٍ كانت لهم، ووَضَعَ الجِباياتِ والمُصادَراتِ على العامَّةِ، فتَفَرَّقَ كَثيرٌ منهم وعادَ القاضي إلى مَنصِبِه وسَكَنَت الفِتنةُ.
وصلَ الفِرنجُ طرابلس في أول صفر في مائة وثلاثين مركبًا، ما بين شيني وقرقورة وغراب وطريدة، وشختور، عليها متمَلِّك قبرص، ومتمَلِّك رودس، والاسبتار، وكان نائِبُ طرابلس وأكثر عسكرها غائبين عنها، فاغتَنَمَت الفرنج الفرصةَ وخرجوا من مراكبهم إلى الساحل، فخرج لهم من طرابلس بقيَّةُ عَسكَرِها بجماعة من المسلمين، فترامَوا بالنبال ثم اقتتلوا أشدَّ قتال، وتقهقر المسلمون، ودخل المدينةَ طائفةٌ من الفرنج، فنَهَبوا بعض الأسواق، ثم إن المسلمين تلاحقوا، وحصل بينهم وبين الفرنج وقائع عديدة استُشهِدَ فيها من المسلمينَ نحوُ أربعين نفرًا، وقُتِل من الفرنج نحو الألف، وألقى الله تعالى الرُّعبَ في قلوب الفرنج فرجعوا خائبين، فمرُّوا بمدينة إياس في مائة قطعة، فسار إليهم الأميرُ منكلي بغا نائب حلب، وقد فَرَّ أهل إياس منها، فدخلها الفرنج، فلما قدم نائب حلب جلَوا عنها.
عندما شنَّ الفرنسيون حملة صليبية كبيرة هدفها احتلال الجزائر في هذه السنة اضطر الداي بابا حسن إلى التفاوض معهم على أن يدفع لهم جزية كبيرة ويطلق جميع الأسرى الفرنسيين في الجزائر، لكن هذا الرضوخ من الداي لم يعجب طائفة رياس البحر وزعيمهم حسين ميزو مورتو الذين عبروا عن سخطهم بقتل الداي بابا حسن وتعيين حسين ميزو مورتو دايا مكانه، وبعد توليه الحكم أرسل خطابًا شديد اللهجة إلى قائد الحملة الفرنسية دوكين ينذره ويأمره بالخروج من الجزائر إلا أن دوكين كان مغترًّا بقوته، فرفض الاستماع لتهديد الداي الجديد الذي ما كان منه إلا أن أحضر القنصل الفرنسي المتهم بالتجسس على الجزائر وأدخله في فوهة أحد المدافع وقذفه على الفرنسيين فتطايرت أشلاؤه في عرض البحر، ولم يكتفِ بذلك بل أتبعه بعشرين أسيرًا فرنسيًّا آخر من أعوانه، وأمام هذا التحدي الكبير لم يجد دوكين بدًّا من الانسحاب من الجزائر.
بعد أن تتالت الهزائم على الدولة العثمانية بفترة الصدر الأعظم مصطفى باشا، تم عزله وتولية مصطفى بن محمد كوبريلي مكانه، فكان كأبيه وأخيه من قبل، فسمح للنصارى في إستانبول ببناء ما تهدم من كنائسهم، وأحسن إليهم وعاقب بأشد العقاب كل من عرض لهم في إقامة شعائر دينهم، حتى استمال جميع نصارى الدولة، وكانت نتيجة معاملة النصارى الأرثوذكس بالعدل أن ثار أهالي مورة الأورام على البنادقة الكاثوليك، وطردوا جيشها من بلادهم بسبب اضطهادهم وإجبارهم على المذهب الكاثوليكي، ودخلوا في حماية الدولة العثمانية مختارين طائعين؛ لعدم تعرضها لديانتهم مطلقًا، ثم اتجه مصطفى كوبريلي نحو النمسا، فاستعاد بعض المواقع التي أُخذت مثل بلغراد، كما أخضع القائد القرمي سليم كراي ثوارَ الصرب، وفي الوقت نفسه أعاد تيكلي المجري إقليم ترانسلفانيا إلى الدولة العثمانية، وبهذا استعاد العثمانيون شيئًا من هيبتهم.
هو القائد البحري العثماني الشهير ميزو مورتا حسين باشا حاكم جزائري عثماني، كان أحد قادة رياس البحر الكبار عندما تفاوض الداي بابا حسن- حاكم جزائري- مع الفرنسيين على أن يدفع لهم جزية كبيرة وإطلاق جميع الأسرى الفرنسيين في الجزائر لم يُعجِب طائفة رياس البحر، فقتلوا الداي بابا حسن, وعينوا حسين ميزو مورتو دايا مكانه، وبعد توليه الحكم أرسل خطابًا شديد اللهجة إلى قائد الحملة الفرنسية دوكين ينذره إلا أن دوكين كان مغترًّا بقوته فرفض الاستماع لتهديد الداي الجديد لكنه بعد ذلك خضع له وانسحب من الجزائر, ويعدُّ هذا الرجل من أهم قادة البحر الذين أنجبتهم الدولة العثمانية، وحقق انتصارات كبيرة في 8 معارك بحرية، وقد أدخل إصلاحات أساسية في القوات البحرية التركية. وقيل إن ميزو مورتا حسين توفي غرقًا أثناء نومه في سفينة القيادة.
حاول الإمام فيصل أن يتفادى الصدامَ مع القوة المصرية الموجَّهة إليه؛ إذ لا قِبَلَ له بها. فأرسل الهدايا مع مبعوثٍ منه إلى قائدَيها خالد بن سعود وإسماعيل بك، إظهارًا لحُسن نيته. ولما عاد المبعوث أطلع الإمامَ على نيات محمد علي باشا في مهاجمةِ البلاد. وواصلت الحملةُ تقَدُّمَها من المدينة النبوية إلى الحناكية، وكان الإمامُ فيصل لما بلغه مسيرُ العساكر المصرية بقيادة إسماعيل بك وخالد بن سعود، استشار رؤساءَ رعيَّتِه الذين عنده، في المسير إليهم أو عدَمِه، فأشار عليه عبد الله بن علي رئيسُ جبل شمر بالنفيرِ والمسير وأن يقصِدَ القصيم ويقيمَ فيه وينزِلَ قبل أن يقدمَ العساكِرُ، فيجيبونه ويتابعونه، فيكون نزوله عندهم فيه ثباتٌ لهم ورِدَّةٌ عن عَدُوِّه، فاستنفر الإمامُ فيصل قواته في الأحساء، وجنوب نجد وسدير، وتقَدَّم من الرياض إلى القصيم؛ لملاقاة القوات المصرية والدفاع عن المنطقة.
طالت الحربُ مع أهل عنيزة بعد قَتْلِ أميرهم عبد العزيز المحمد أبو العليان وأثناء حصارِ عُنيزة حاول الأميرُ طلال بن رشيد أن يعقِدَ صلحًا بين عبد الله وأهل عنيزة، فأرسل سرًّا إلى الأمير عبد الله اليحيى السليم وزامل العبد الله أنَّ الإمام لا يكره الصلحَ ووَقْفَ القتالِ إذا كان طلبُ الصلح منكم، فأنابوه عنهم وقالو له إنَّك مفوَّضٌ مِن قِبَلِنا، فعرض على عبد الله رغبةَ أهل عنيزة في الصلحِ، فقال: عبد الله إذا قَبِلوا بشروطنا قَبِلْنا منهم الطاعةَ، فحضر عنده زامل العبد الله وأغلظ له في القَولِ لكَثرةِ نقضِهم العهدَ، ثم فرض عليهم أموالًا وسلاحًا كثيرًا، فتوسط لهم الأمير طلال فأسقط عبد الله جزءًا منها، فقبل زامل فأحضر أهل عنيزة المالَ والسلاح وتمت البيعةُ، وضَمِنَ الأمير طلال الوفاءَ بالعهدِ.
تعرَّض السلطانُ العثماني عبد الحميد الثاني لمحاولةِ اغتيالٍ فاشلةٍ دَبَّرها الأرمن بإيعازٍ وتشجيعٍ مِن الحركة الصهيونية اليهودية العالَمية، وعُرِفَ هذا الحادِثُ في التاريخ العثماني باسم "حادث القنبلة". كلَّف يهود سويسرا إدوارد جورج اليهوديَّ الفرنسيَّ الجنسية بالتعاونِ مع أعضاء جمعية الطاشناق الماسونية الأرمنية لإدخالِ عَرَبة إلى استانبول، فوصلت إلى استانبول قِطعةً قطعةً، وتمَّ تركيبُها لتكون قنبلةَ جحيمٍ تنفَجِرُ في الوقتِ الذى يخرجُ فيه السلطان عبد الحميد من مسجِدِ محمد الفاتح بعد صلاةِ الجمعة، فانفَجَرت، ولم يتِمَّ لهم ما أرادوا، وجرَّاء هذا التفجيرِ لقيَ عشرون شَخصًا مَصرعُهم، وقُبِضَ على المنَفِّذين الأرمن بالبابِ العالي، فتدخَّل السفير الأرمن لحمايتهم بحُجَّة الامتيازات الأجنبية، وتمَّ له ما أراد. ولم يكُنْ حادِثُ القنبلة المحاوَلةَ الوحيدة للأرمن لاغتيالِ السلطان عبد الحميد.
الأرطاوية موقع على طريق القوافل من الكويت إلى القصيم بالقرب من الزلفي، فيه مجموعة من الآبار، وأول من سكنها كان عددٌ من أهالي مدينة حرمة يقَدَّر عددهم بثلاثين رجلًا، وكانوا قد ارتحلوا في هذا العام من حرمة إلى الأرطاوية؛ بسبب نزاع دبَّ بينهم وبين أهلها حول تشدُّدهم الديني. فلما لم يطِبْ لهم المقام في حرمة اختاروا موضِعَ الأرطاوية حيث الآبار والموارد وجودة المرعى، ثم نزلها إحدى عشائر العريمات وشيخها قويعد بن الصريمة، وهي قسم من قبيلة حرب، بعد أن باعوا خيلها وجمالها وما عندها من العروض والأموال في سوق الكويت وغيره، وهبطت الأرطاوية فبَنَت فيها الدور وشرعت تُعنى بأمرين: الزراعة والعلم، وقد أهمل أفرادُها كلَّ شيء سواهما. ثم بعد معركة جراب أعطيت الأرطاوية لفيصل الدويش وجماعته من مطير الذي يعتبر المؤسِّس الحقيقي والزعيم لهجرة الأرطاوية، ثم بعد ذلك نشأت هجرة الغطغط وبعده تتابع نشوءُ الهجر.
انقسم المعسكر الأوربي إلى قسمين؛ الأول: ضَمَّ دولَ المحور: ألمانيا، والنمسا، وبلغاريا، وانضمت لهم الدولةُ العثمانية بسبب تعاملها مع ألمانيا في المجال العسكري؛ حيث كانوا هم مدرِّبي الجيوش العثمانية، والقسم الثاني: دول الحلفاء، ضم: إنجلترا، وفرنسا، وروسيا، وإيطاليا، ورومانيا، واليونان، واليابان، و كانت تسمَّى بالحرب العظمى، وبعد قيام الحرب العالمية الثانية عُرِفَت بالحرب العالمية الأولى، بينما الأمريكان يسمونها بالحرب الأوروبية. استطاع الإنجليز بمراسلات مكماهون ممثل بريطانيا مع الشريف حسين أن يضمُّوا العرب لمعسكرهم، أعلنت الدولة العثمانية في بداية الحرب العالمية الأولى يوم 3 أغسطس 1914 حيادَها، وهو ما صرَّح به الصدرُ الأعظم للسفير البريطاني، رغم وجود بَعثة عسكرية بريطانية في استانبول لإعادة تنظيم القوات المسلحة للدولة على مستوى مشابِه للنَّسَق الألماني.
ما كادت الحربُ العالمية تُعلَن حتى أنزلت الجيوش البريطانية قواتِها في المحمرة -مدينة عربية في خوزستان جنوب غرب إيران- بحجة حماية امتيازات البترول في إيران، ثم نزلت في البصرة ومشت بسرعة إلى القرنة، ثم العمارة، وحسبت أن الطريق إلى بغداد بات مفتوحًا، ولكِنَّ الهجوم المعاكس الألماني التركي هزم الإنجليزَ في البداية في الكوت بعد حصار ستة أشهر، فاستنجدوا بنجداتٍ أتت من الهند ليواصِلوا الزحف إلى بغداد ودخلوها باستقبالِ اليهود والنصارى لهم بالترحيبِ والفرَحِ واضعين أنفُسَهم تحت تصرُّفِهم، وانسحب الأتراك من شمال العراق، ولم يكن احتلالُ الإنجليز للعراق إلا جزءًا من اتفاقية سايكس بيكو، مع أن الجنرال مود أعلن أنه جاء لتحرير العرب، وكان نبأُ الثورة العربية قد هدأ من نفوس العراقيين. وبقيت الحرب سجالًا بين الطرفين حتى توقيع هدنة رودس؛ لوقف الحرب عام 1337هـ / 1918م.
انتقل المَلِكُ علي بن الحسين إلى جُدَّة قبل دخول قوات الإخوان (إخوان من أطاع الله) مكة، واتخذها عاصمة لمملكته، ولَمَّا استقر الملك عبدالعزيز في مكة حاول أن ينهيَ قضية جُدَّة مع علي بن الحسين بالسِّلمِ، لكِنَّه رفض، ففرض السلطانُ الحصارَ عليه في الوقت الذي كان قادة الإخوان (إخوان من أطاع الله) يطالبون وبشدةٍ اقتحام جدة مع تقديم الضمانات بالمحافظة على سلامة الرعايا الأجانب وقناصِلِهم، لكِنَّه رُفِض طلبُهم، واستمر الحصار سنةً إلى أن قبِلَ علي بن الحسين الاستسلامَ بوساطة بريطانية، وتم التوقيعُ على شروط الاستسلام والذي يتضمَّنُ تسليمَ علي بن الحسين جدَّة للسلطان عبد العزيز، والاعتراف به سلطانًا على نجد ومكة مقابِلَ أن يخرج منها مع أسرته وأمواله ورجالِه وحاشيته سالِمين، وضمان سلامة الرعية، وإصدار عفوٍ عام لهم، ويمثِّلُ هذا الاستسلام نهايةَ حكم الهاشميين في الحجاز.
هَبَّت مدينة هرر المسلمة في الحبشة في عهد هيلا سيلاسي تطالبُ بحقوقها العادلة، فجَهَّزت لها الحكومةُ الغاشمةُ ثلاثةَ ألويةٍ مِن الجيشِ اقتحمت المدينةَ وعَمَلَت فيها السَّلبَ والنهب، فصودرت المتاجِرُ والمزارع والمدارس، واعتُقِلَ الآلافُ فامتلأت السجونُ، وأقيمت محاكمُ التطهير، وأُخِذَت أوقاف المساجد وأُبعِدَ الزعماء، وتعرَّض الناسُ لأشد أنواع العذاب. وكان التعذيبُ وحشيًّا لم يقتَصِرْ على إطفاء السجائر في الأجساد، بل تعريضهم للشمس اللافحة في حالةٍ مِن الجوع والظمأ الشديدين، وقد وُضِعَت براميل الماء والطعام على مقربة منهم دون أن يُسمَحَ لهم بالأكل أو الشرب منها، وهُتِكَت الأعراض على مرأًى من الأزواج والآباء، ودُقَّ خصي الرجال بأعقاب البنادق، ثم قذفوا بين أسلاك شائكة تمزِّقُ أجسادهم، والجنود يتلذَّذون بذلك المنظر الوحشي.. واستمرت هذه الأعمال الوحشية سبعةَ أشهر كاملة!