الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 707 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 4 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 625
تفاصيل الحدث:

كانت سَريَّةُ أبي سَلَمةَ عبدِ الله بنِ عبدِ الأسَدِ، وهو ابنُ عمَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَرَّةَ بنتِ عبد المطلب، وأخوه من الرَّضاعةِ، أرضَعَتهما ثُوَيبةُ. وقَطَنٌ: هو جبلٌ، وقيل: ماءٌ مِن مياهِ بني أسَدٍ. وسَبَبُها: أن رجلًا مِن طيِّئٍ اسمُه الوليدُ بن زُهَيرِ بن طَريفٍ قَدِم المدينةَ زائرًا ابنةَ أخيه زَينَبَ، وكانت تَحتَ طُلَيبِ بنِ عُمَيرِ بن وَهبٍ، فأُخبِرَ أنَّ طُليحةَ وسَلَمةَ ابنَي خوَيلِدٍ تَرَكَهما قد سارا في قَومِهِما ومَن أطاعَهما لحَربِ رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنَهاهم قَيسُ بن الحارِثِ فعَصَوه؛ فلمَّا بَلَغ ذلك رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعا أبا سَلَمةَ رضي اللَّه تعالى عنه وقال: "اخرُج في هذه السَّريَّةِ فقدِ استَعمَلتُكَ عليها". وعَقَد له لِواءً وقال: "سِر حتَّى تَرِدَ أرضَ بَني أسَدِ بنِ خُزَيمةَ، فأغِرْ عليهم قبلَ أن يَتلاقَى عليك جُموعُهم". وأوصاه بتقوى اللَّه تعالى وبمَن معه من المسلمين خيرًا.
فخَرَج معه في تلك السَّريَّةِ خمسون ومئةُ رجلٍ، ومعه الرَّجلُ الطَّائيُّ دَليلًا، فأسرَعَ السَّيرَ وعَدَل بهم عن سَيفِ الطَّريقِ، وسار بهم ليلًا ونهارًا، فسَبَقوا الأخبارَ وانتَهَوا إلى ذي قَطَنٍ -ماءٍ من مياهِ بني أسَدٍ وهو الذي كان عليه جَمعُهم-، فأغاروا على سَرحٍ لهم، وأسَروا ثلاثةً من الرُّعاةِ وأفلَتَ سائِرُهم، فجاؤوا جَمْعَهم فأخبَروهم الخَبَرَ وحَذَّروهم جَمْعَ أبي سَلَمةَ، وكثَّروه عندهم، فتَفرَّق الجمعُ في كُلِّ وَجهٍ، ووَرَدَ أبو سَلَمةَ الماءَ، فوَجَد الجَمْعَ قد تَفرَّق. فعَسكَرَ وفرَّق أصحابَه في طَلَبِ النَّعَمِ والشَّاءِ؛ فجَعَلهم ثلاثَ فِرَقٍ: فِرقةٌ أقامت معه، وفِرقَتان أغارَتا في ناحيَتينِ شتَّى، وأوعَزَ إليهما ألا يُمعِنوا في الطلب، وألَّا يَبيتوا إلَّا عنده إن سَلِموا، وأمَرَهم ألَّا يَفتَرِقوا، واستَعمَل على كلِّ فِرقةٍ عامِلًا منهم فآبوا إليه جَميعًا سالِمين قد أصابوا إبِلًا وشاءً، ولم يَلْقَوا أحدًا، فانحَدَر أبو سَلَمةَ بذلك كُلِّه راجعًا إلى المدينةِ ورَجَع معه الطَّائيُّ.
فلمَّا ساروا ليلةً قسَّمَ أبو سَلَمةَ الغنائِمَ، وأخرَجَ صَفيَّ رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عبدًا وأخرَجَ الخُمُسَ وأعطَى الطائيَّ الدليلَ رِضاهُ من المَغنَمِ، ثم قَسَّم ما بَقي بين أصحابِه فأصاب كلُّ إنسانٍ سبعةَ أبعِرةٍ، وقَدِم بذلك إلى المدينةِ ولم يَلْقَ كَيدًا.

العام الهجري : 656 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:

هو الوزيرُ, المُدْبر، المُبير, وزيرُ العراق، أبو طالب مؤيد الدين محمد بن أحمد بن علي بن أبي طالب بن محمد العلقمي البغدادي،  وزير المستعصم بالله. كان عنده فضيلةٌ في الإنشاء والأدب، لكنه كان رافضيًّا شيعيًّا جَلْدًا خَبيثًا داهيةً- لَعَنه اللهُ- استوزره الخليفةُ المستعصِمُ بالله سنة 642 وكان مشؤومًا على نفسِه، وعلى أهل بغداد، ورديء الطويَّة على الإسلام وأهله،  ولم يُعصَم المستعصم في وزارته، فإنه لم يكن وزيرَ صِدقٍ ولا مرضيَّ الطريقة؛ فإنه هو الذي أعان على المسلمينَ في قضية هولاكو وجنوده في سقوط بغداد، وارتكاب مذبحة فيها- قبَّحه الله. وقد حصل له من التعظيم والوجاهة في أيام المستعصم ما لم يحصُلْ لِغَيرِه من الوزراء. ثم إنَّ ابنَ العلقمي عَمِلَ على ألَّا يُخطَب بالجوامِعِ، ولا تُصَلى الجماعة، وأن يبني مدرسةً على مذهب الشيعة، فلم يحصل له أمَلُه، وفُتِحَت الجوامع، وأُقِيمَت الجماعات. وقد رد كيدَه في نحرِه، وأذَلَّه بعد العزة القعساء، وصار ذليلًا عند التَّتارِ بعد ما كان وزيرًا للخُلَفاء! واكتسب إثمَ من قُتِلَ ببغداد من الرجال والنساء والأطفال، فالحُكمُ لله العليِّ الكبيرِ رَبِّ الأرض والسماء، وأراد الوزيرُ ابن العلقمي- قَبَّحه الله ولَعَنَه- أن يعَطِّلَ المساجد والمدارس والرُّبُطَ ببغداد، ويستَمِرَّ بالمَشاهد ومحالِّ الرفض، وأن يبني للرَّافضة مدرسةً هائلة ينشرون عِلمَهم بها وعليها، فلم يُقدِرْه الله تعالى على ذلك، بل أزال نعمتَه عنه وقَصَفَ عمره بعد شهورٍ يسيرةٍ مِن سقوط بغداد على أيدي المغولِ، فلم يمهِلْه اللهُ ولا أهمَلَه، بل أخذه أخذَ عزيزٍ مُقتَدِرٍ، في مستهلِّ جمادى الآخرةِ عن ثلاث وستين سنة، فمات جَهدًا وغَمًّا وحزنًا وندمًا، حيث كان يظنُّ أنَّ التَّتارَ ستُكرِمُه أكثَرَ مما كان مُكرَّمًا في بني العباس، فأخزاه الله فنَزَل من رتبةِ الوزارة إلى رتبةِ الخَدَمِ، وقد رأته يومًا امرأةٌ وهو يقادُ به وهو راكبٌ على بِرذَون، وكان قبل ذلك يسيرُ في موكبٍ وأبَّهةٍ، فقالت له: أهكذا كان يعامِلُك بنو العبَّاسِ؟!! فكانت هذه الكَلِمةُ سَببًا في زيادة كَمَدِه وغَمِّه، فوقعت كلمتُها في قلبه وانقطع في دارِه إلى أن مات كمدًا وغبينةً وضيقًا، وقِلَّة وذِلَّة، فلم يلبث بعدها يسيرًا حتى هلك- عامله اللهُ بما يستحِقُّ- ودفن في قبور الروافض، وقد سَمِعَ بأذنيه، ورأى بعينيه من الإهانةِ مِن التتارِ والمسلمينَ ما لا يُحَدُّ ولا يوصف. وكانت دولتُه أربع عشرة سنة.

العام الهجري : 667 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1269
تفاصيل الحدث:

وصَلَ السلطانُ بيبرس إلى المدينة النبويَّةِ في خامس عشر من ذي القعدة، فلم يقابِلْه جماز ولا مالك أميرا المدينة وفَرَّا منه، ورحل منها في سابع عشر، وأحرم فدخل مكَّةَ في خامس ذي الحجة، وأعطى خواصَّه جملةً من المال ليفَرِّقوها سرًّا، وفرق كساويَ على أهل الحرمينِ وصار كواحدٍ مِن الناس، لا يحجُبُه أحَدٌ ولا يحرُسُه إلا الله، وهو منفَرِدٌ يصلي ويطوف ويسعى، وغَسَلَ البيتَ، وصار في وسط الخلائق، وكلُّ من رمى إليه إحرامَه غَسَلَه وناولَه إيَّاه، وجلس على باب البيت، وأخذ بأيدي النَّاسِ ليُطلِعَهم إلى البيت، فتعلَّق بعض العامَّة بإحرامه ليَطلَعَ فقَطَعه، وكاد يرمي السُّلطانَ إلى الأرض، وهو مستبشر بجميعِ ذلك، وعَلَّق كسوة البيت بيده وخواصِّه، وتردد إلى مَن بالحرمين من الصالحين، هذا وقاضي القضاة صدر الدين سليمان بن عبد الحق الحنفي مرافِقُه طول الطريق، يستفتيه ويتفهَّمُ منه أمر دينه، ولم يغفُل السلطان مع ذلك تدبيرَ الممالك، وكتاب الإنشاء تكتُبُ عنه في المهمات، وكتب إلى صاحِبِ اليمن كتابًا ينكر عليه أمورًا، ويقول فيه: سطرتُها من مكة المشرَّفة، وقد أخذت طريقها في سبع عشرة خطوة يعني بالخطوة المغزلة، ويقول له: الملك هو الذي يجاهِدُ في الله حَقَّ جهاده، ويبذلُ نَفسَه في الذبِّ عن حوزةِ الدين، فإن كنتَ ملكًا فأخرج التتارَ، وأحسَن السلطانُ إلى أميري مكة، وهما الأمير نجم الدين أبي نمي والأمير إدريس بن قتادة، وإلى أمير ينبُع وأمير خليص وأكابر الحجاز، وكتب منشورين لأميري مكَّة، فطلبا منه نائبًا تقوى به أنفسُهما، فرتَّبَ الأمير شمس الدين مروان نائب أمير جاندار بمكة، يرجع أمرُهما إليه ويكون الحَلُّ والعقد على يديه، وزاد أميري مكة مالًا وغِلالًا في كلِّ سنة بسبَبِ تسبيل البيتِ للنَّاسِ، وزاد أمراءَ الحجاز إلَّا جمازًا ومالكًا أميري المدينة، فإنهما انتزحا من بين يديه، وقضى السلطانُ مَناسِكَ الحج وسار من مكَّةَ في الثالث عشر، فوصل إلى المدينة في العشرينَ منه، فبات بها وسار من الغدِ، فجَدَّ في السير ومعه عدةٌ يسيرة حتى وصل إلى الكرك بُكرةَ يوم الخميس آخره، ولم يعلم أحدٌ بوصوله إلا عند قبر جعفر الطيَّار بمؤتة، فالتَقَوه هناك، ودخل السلطانُ مدينة الكرك وهو لابس عباءةً، وقد ركب راحلةً، فبات بها ورحل من الغد.

العام الهجري : 824 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1421
تفاصيل الحدث:

هو السلطان الملك المؤيد أبو النصر سيف الدين شيخ بن عبد الله المحمودي الظاهري، وهو السلطان الثامن والعشرين من ملوك الترك المماليك بالديار المصرية، والرابع من الشراكسة وأولادهم، أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، اشتراه من أستاذه الخواجا محمود شاه البرزي في سنة 782، وبرقوق يوم ذاك أتابك العساكر بالديار المصرية قبل سلطنته، وكان عمر شيخ يوم اشتراه الملك الظاهر نحو اثنتي عشرة سنة تخمينًا، وجعله برقوق من جملة مماليكه، ثم أعتقه بعد سلطنته. تولى المؤيد شيخ السلطنة سنة 815 بعد خروجه هو والأمير ونوروز على السلطان الناصر فرج ابن السلطان برقوق فتغلَّبا عليه فخلعوه ثم قتلوه، وتولى الخليفة المستعين بالله السلطنة ثم خلعه الأمير شيخ وأخذ البيعة لنفسه, وتلقَّب بالسلطان الملك المؤيد شيخ, ثم ثار عليه صاحبه نوروز ونائبه على دمشق سنة 816 فتغلب عليه المؤيد وقَتَله, وفي شوال من السنة الماضية أخذ المؤيد البيعةَ لابنه أحمد وهو لا يزال رضيعًا, وفي مستهل المحرم من هذه السنة لازم السلطان المؤيد الفراش، وقد أفرط به الإسهالُ الدموي مع تنوُّع الأسقام وتزايُد الآلام، بحيث إنه لم يبق مرض من الأمراض حتى اعتراه، غير أنه صحيح العقل والفهم طَلِقَ اللسان، وقد اشتد الأمر بالسلطان من الآلام والإرجاف تتواتر بموته، والناس في هرج إلى أن توفي قبيل الظهر من يوم الاثنين تاسع المحرم فارتجَّ الناس لموته ساعة ثم سكنوا، وطلع الأمراء القلعة وطلبوا الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة والأعيان لإقامة الأمير أحمد بن السلطان المؤيد في السلطنة، وكان أبوه قد عهد له بذلك، فخلع عليه فتسلطَنَ ثم أخذوا في تجهيز السلطان الملك المؤيد وتغسيله وتكفينه، وصلِّيَ عليه خارج باب القلعة، وحُمِل إلى الجامع المؤيدي فدُفِن بالقبة قبيل العصر، ولم يشهد دفنه كثير من الأمراء والمماليك لتأخُّرهم بالقلعة، ومات وقد أناف على الخمسين، وكانت مدة ملكه ثماني سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام، أما السلطان الجديد أحمد بن المؤيد شيخ وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام، فأُركب على فرس من باب الستارة، فبكى وساروا به وهو يبكي إلى القصر، حيث الأمراء والقضاة والخليفة، فقبَّلوا له الأرضَ، ولقَّبوه بالملك المظفر أبي السعادات، وقام الأمير ططر بأعباء الدولة، وخلع عليه لالا -مربي- السلطان وكافله!!

العام الهجري : 825 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1422
تفاصيل الحدث:

ما زال برسباي قائمًا بتدبير أمر الدولة، ثم أحَبَّ أن يُطلَق عليه اسمُ السلطان لما خلا له الجو؛ فإنه كان ينافسه جنبك  الصوفي، وقد استطاع طرباي التخلص منه، ثم استطاع برسباي بمكيدة كذلك التخلص من طرباي وسجنه، ولما تم أمر الأمير برسباي فيما أراد من القبض على الأمير طرباي والاستبداد بالأمر، أخرج الأمير سودون الحموي منفيًّا إلى ثغر دمياط، ثم أخذ في إبرام أمره ليترقى إلى أعلى المراتب، فلم يلقَ في طريقه من يمنعه من ذلك، وساعده في ذلك موت الأمير حسن بن سودون الفقيه خال الملك الصالح محمد بن ططر في يوم الجمعة الثالث عشر صفر، فإنه كان أحد مقدمي الألوف وخال السلطان الملك الصالح، وكان جميع حواشي الملك الظاهر ططر يميلون إليه، فكُفِيَ الأمير برسباي همَّه أيضًا بموته، فلما رأى برسباي أنَّه ما ثَمَّ عنده مانع يمنعه من بلوغ غرضه بالديار المصرية، خَشِيَ عاقبة الأمير تنبك ميق نائب الشام، وقال: لا بدَّ من حضوره ومشورته فيما نريد فِعلَه، فندب لإحضاره الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير إبراهيم ابن الأمير منجك اليوسفي، فحضر ثم خلا به الأمير برسباي وتكلم معه واستشاره فيمن يكون سلطانًا؛ لأن الديار المصرية لا بد لها من سلطان تجتمع الناس على طاعته، ثم قال له: وإن كان ولا بد فيكون أنت، فإنك أغاتنا وكبيرنا وأقدَمنا هجرةً، فاستعاذ الأمير تنبك من ذلك وقام في الحال، وقَبَّل الأرض بين يديه، وقال: ليس لها غيرك، فشكر له الأمير برسباي على ذلك، ثم اتفق جميع الأمراء على سلطنته، وخلع الملك الصالح محمد بن ططر من السلطنة، فوقع ذلك يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر، فكانت مدة حكم الملك الصالح أربعة أشهر وثلاثة أيام, وتم الخلع بموافقة نائب الشام على ذلك، واستُدعِيَ الخليفة والقضاة، وقد جُمع الأمراء وأرباب الدولة، فبايعه الخليفة في هذا اليوم الأربعاء، ولُقِّبَ بالملك الأشرف أبي العز، ونودي بذلك في القاهرة ومصر، وهو السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباي الدقماقي الظاهري، وأصل الملك الأشرف هذا شركسي الجنس، وجُلِب من البلاد فاشتراه الأمير دقماق المحمدي الظاهري نائب ملطية، وأقام عنده مدة، ثم قدمه إلى الملك الظاهر برقوق في عدة مماليك أخر، ثم أعتقه السلطان الظاهر برقوق.

العام الهجري : 1212 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1798
تفاصيل الحدث:

سار الشَّريفُ غالب بن مساعد شريفُ مكَّةَ بالعساكِرِ العظيمة من الباديةِ والحاضرة وأهلِ مِصرَ والمغاربة؛ سار في عددٍ عظيمٍ وعُدَّة وكمية هائلة من المدافِعِ والآلاتِ وتوجَّه إلى بلد رنية ونازل أهلَها وحاصَرَها، ودمَّرَ فيها نخيلًا وزروعًا ووقع بينه وبين أهلِها قِتالٌ شديدٌ قُتِل فيه من عسكرِ الشريف غالبٍ عدَّةُ قتلى، وأقام محاصِرَها عشرين يومًا، ثم ارتحل منها إلى بيشة، ونازل أهلَها وحصل بينهم قتالٌ، وكان له في البلد بطانةٌ فمالوا معه فظَفِرَ بها ودخلوا في طاعتِه وأقام عليها أيامًا، وكان قبل حصارِه بلد رنية وبيشة أغار على قبائِلِ قحطان وأخذ عليهم إبلًا كثيرة وأمتعةً، وقتل عِدَّةَ قتلى منهم. يقول الشوكاني عن قتال الشريف غالب لدولة نجد: "كثيرًا ما يجمع الشريف غالب الجيوشَ ثم يغزو أرضَ نجد فيصِلُ أطرافَها فيَبلُغُنا أنه يقوم لحَربِه طائفةٌ يسيرةٌ من أطراف البلاد فيهزمونه ويعود إلى مكةَ، وآخِرُ ما وقع منه ذلك سنة 1212 فإنه جمع جيشًا كثيرًا وغزا نجدًا وأوقع ببعض البلاد الراجعةِ إلى سُلطانِ نجد المذكور، فلم يشعُرْ إلا وقد دهَمَه جيشٌ لا طاقةَ له به، أرسله صاحِبُ نجدٍ، فهزمه واستولى على غالب جيشِه قتلًا وأسرًا، بل جاءت الأخبارُ بأنَّه لم يسلَمْ مِن جيش الشريفِ إلَّا طائفةٌ يسيرة، وقُتِل جماعة من أشراف مكةَ في المعركة، وتمَّت الهزيمة إلى مكة، ولو ترك الشريفُ ذلك واشتغل بغيرِه، لكان أولى له؛ فإنَّ من حارب مَن لا يقوى لحَربِه جَرَّ إليه البلوى، فإنَّ صاحِبَ نجد تبلُغُ عنه قوةٌ عظيمة لا يقوم لمثلها الشريف؛ فقد سَمِعنا أنه قد استولى على بلاد الحَسا والقطيفِ وبلاد الدواسر وغالب بلاد الحجاز، ومن دخل تحت حوزتِه أقام الصَّلاةَ والزكاةَ والصيامَ وسائِرَ شعائر الإسلامِ، ودخل في طاعتِه مِن عرب الشام الساكنين ما بين الحجازِ وصعدة غالبُهم، إمَّا رغبةً وإمَّا رهبةً، وصاروا مقيمين لفرائِضِ الدين بعد أن كانوا لا يعرفونَ مِن الإسلام شيئًا ولا يقومون بشيءٍ مِن واجباتِه إلَّا مجرَّد التكلُّم بلفظ الشهادتين على ما في لفظِهم بها من عِوَجٍ، وبالجملة فكانوا جاهليةً جَهلاءَ كما تواترت بذلك الأخبارُ إلينا، ثم صاروا الآن يصلُّون الصلواتِ لأوقاتِها ويأتون بسائِرِ الأركانِ الإسلاميَّةِ على أبلَغِ صِفاتِها"

العام الهجري : 1336 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1917
تفاصيل الحدث:

وعدُ بلفور أو تصريحُ بلفور، هو وعدٌ لليهود يمنَحُهم حقَّ إقامة وطن قومي في فلسطين، وهو وعدٌ مشؤوم بالنسبة للمسلمين يناقِضُ ما أبرمه الإنجليزُ مع الشريف حسين في مراسلات "حسين، مكماهون" والوعودَ بإقامة خلافةٍ عربية إسلامية في البلاد العربية مقابِلَ إعلان العرب الثورةَ على الدولة العثمانية!! ولقد أثار اشتراكُ الإمبراطورية العثمانية في الحربِ ضِدَّ الحلفاء الأطماعَ الصهيونية، وكان على رأس زعمائهم في إنجلترا حاييم وايزمان الذي كتب إلى زعماء الصهيونية في أمريكا طالبًا دعم الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون الذي وصل للرئاسة بفضلِ تمويل اليهودِ فهو تابعٌ لهم، وأما في بريطانيا فكان اليهودُ قد أطاحوا بحكومةِ رئيس الوزراء هربرت هنري سكويت المعروفِ بعدائه لليهود، وموَّلوا حكومةً ائتلافية فيها ديفيد لويد جورج المحامي عن الحركة الصهيونية ووينستون تشرشل الماسوني والمؤازر للصهيونية، ثم أعلنت بريطانيا إرسالَ وزير خارجيتها بلفور إلى الولايات المتحدة للاتصالِ بممثلي المصارف الأمريكية (غالبهم إن لم يكن كلهم من اليهود) وإبلاغهم رسميًّا بأنَّ الحكومة البريطانية ستتبنى رسميًّا مشاريعهم المتعلِّقة بالصهيونية مقابِلَ تعهُّدهم بإدخال أمريكا إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية، ثم دخلت أمريكا الحربَ، وكانت أول كتائبها وصلت إلى فرنسا في حزيران 1917م وتكفَّلت بريطانيا بإعادة تأسيس فلسطين كوطنٍ قومي لليهود، وكأن أرض فلسطين ملكُ آبائهم! وكان وعد بلفور صدر في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) وهو عبارةٌ عن خطاب من آرثر جيمس بلفور وزيرِ خارجية بريطانيا إلى المصرفيِّ اليهودي اللورد ليونيل وولتر دي روتشلد، وجاء فيه: "أن حكومة جلالة الملك تنظرُ بعين العطفِ إلى تأسيس وطنٍ قوميٍّ للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدَها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًّا أنه لن يؤتى بعمَلٍ من شأنه أن يجحَفَ بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتَّعُ بها الطوائف غير اليهودية الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتَّعُ به اليهود في البلدان الأخرى" وقد تمسَّكت الحكومات البريطانية المتعاقبة بهذا التصريح الذي أصبح عن طريق الانتداب إلزامًا دوليًّا، وكان من غايات بريطانيا لهذا هو حماية مصالحها في السويس، فكان هذا أولَ الغدر الظاهِرِ، وليس أوَّله بالكلية، وأبدى العربُ والقوميون الذين كانوا مخدوعين بالوعود الإنجليزية استياءَهم، ولكن لاتَ حينَ مناصٍ!!!

العام الهجري : 1338 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1920
تفاصيل الحدث:

عُصبةُ الأمم منظَّمةٌ دولية تمَّ تأسيسُها بعد الحرب العظمى (العالمية الأولى) والهدف من إنشائها -كما يزعمون- هو التقليل من عملية التسلح العالميَّة، وفكُّ النزاعات قبل أن تتطور لتصبِحَ نزاعًا مسلَّحًا، كما حدث في الحرب العالمية الأولى. وأثبتت المؤسَّسةُ فشلها في مواجهة القوى الفاشية في العالم، وفشَلَها في منع وقوع الحرب العالمية الثانية؛ مما تطلَّب أن يُستبدَلَ بها هيئةُ الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. نشأت فكرةُ عصبة الأمم أساسًا على يد وزير الخارجية البريطاني "إدوارد جراي" وتبنَّاها بشكل كبير الرئيس الأمريكي "وودرو وِيلْسون" الذي أراد أن يرى معاهدة فرساي تتضمَّن نصًّا يدعو لإنشاء هذه المؤسسة الأممية، وقد تم بالفعل إدراجُ نص التأسيس في 25 يناير 1919 من الجزء الأول من المعاهدة. وكان "إنشاء منظمة عامة للأمم ذات مواثيق توفِّر ضماناتٍ متبادلة للاستقلال السياسي واحترام وحدة تراب الأمم الكبيرة والصغيرة على حدٍّ سواء"، وهي إحدى النقاط الأربعة عشرة للسلام لوودرو ويلسون. عقدت عصبة الأمم أولَ اجتماعاتها في 10 يناير 1920 وغيَّرت من معاهدة فرساي لتصبح النهايةَ الرسمية للحرب العالمية الأولى. وبالرغم من تأييد الرئيس ويلسون لفكرة عصبة الأمم إلا أن الولايات المتحدة، بقيادة الكونجرس الجمهوري، رفضت التصديقَ على ميثاق العصبة أو الانضمام لها؛ فقد رأت الولايات المتحدة أنَّ في النظام التأسيسي لعصبة الأمم محاولةً من الدول الأوروبية الاستعمارية الكبرى للاستئثارِ بغنائم الحرب العالمية الأولى. وتجدرُ الإشارة إلى أنَّ العُصبةَ كانت قد تمكَّنت من حلِّ النزاعات الثانوية العالمية في عشرينيات القرن العشرين، ولكنَّها وقفت عاجزةً عن كوارث ثلاثينيات القرن أو الحرب العالمية الثانية؛ مما استدعى تفكيك المؤسسة من تلقاء نفسها عشيَّةَ الحرب العالمية الثانية في 18 إبريل 1946م والاستعاضة عنها لاحقًا بمنظمة الأمم المتحدة. وكان للعصبة مجلس يتكوَّنُ من 4 مقاعد دائمة لبريطانيا، إيطاليا، فرنسا، واليابان، بالإضافة إلى مقاعد أخرى غير دائمة، وكانت الاجتماعات تُمثَّل بمندوبين عن دول العصبة. وتمثَّل الإشكال في التصويت على القرارات بشكل جماعي، الأمر الذي لم يكن واردًا على أرض الواقع، ناهيك عن عدم اكتمال النصاب من قِبَل الدول الأعضاء بعدم التمثيل الدائمِ في جنيف مقَرِّ العصبة، بالإضافة إلى انشغال العصبة في أمور دولية أخرى، كالمحكمة الدولية.

العام الهجري : 1408 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1988
تفاصيل الحدث:

دخلتِ العراق في حربٍ مع إيران، ولكن لم تكن هي الجبهة الوحيدة التي يُقاتل عليها العراقيُّون في ذلك الوقت، فقد كانت مُشكلة الأكراد ما تزال قائمةً، ولما كانت العراق لا تستطيع أن تُقاتل على جبهتينِ معًا، لجأت إلى المباحثات مع جلال الطالباني رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردي، ووقفِ القتال، فتمَّ التفاهم معه في ربيع الأول 1404هـ / ديسمبر 1983م على إطلاقِ تسعة وأربعين سجينًا سياسيًّا، وعودةِ ثمانية آلافِ عائلةٍ كُرديَّةٍ إلى مناطقها في كُردستان، بعد أن كانوا أُجبروا على الإقامة بجنوب العراق، وشمول مِنطَقة الحكم الذاتي للأكراد على مِنطَقة كركوك الغنية بالنفط، وإعطاءِ نِسبةٍ ثابتةٍ للأكراد من النفط تتراوح بين عِشرينَ إلى ثلاثينَ بالمائة، ثم بعد فترة تغيَّر موقفُ الرئيس العراقي صدام حسين تجاه الاتحاد الوطني الكُردي، والحزب الشُّيوعي الكُردي بعد الدَّعم الدولي للعراق، فعاد لاستئناف الحِوار بشكلٍ جَدَليٍّ، وحاولتِ العراق التفاهُمَ مع تركيا للقضاء على المقاومة الكُردية، وبالتالي رفَضَ حزبُ الاتحاد الوطني الكردي العرضَ العراقيَّ بالعفو عن السياسيين، فانهارتِ المفاوضات حول الحكم الذاتي، وعاد القتال معهم ثانية بعد أن توقَّف لأكثَرَ من عام، ثم لما أخذ التهديد الإيراني يقلُّ عام 1407هـ ركَّزت العراق اهتمامها على الشمال، حيث سيطر الأكراد على عشرة آلاف كيلو مترًا مربعًا، فاتخذت الحكومةُ سياسة الأرض المحروقة، فدكَّت أكثر من ثمانمائة قريةٍ كُرديةٍ على طول الحزام الأمني مع إيران، وأجبرت أعدادًا كبيرةً على المغادرة والانتقال للجنوب، واستمرَّ هذا حتى منتصف عام 1408هـ، ثم في بداية النصف الثاني منه نجح الأكرادُ في شنِّ غاراتٍ على الأراضي التي تُسيطر عليها الحكومة، فقامت العراقُ بهجمةٍ انتقاميةٍ ضد بلدة حلبجة، وقتلت أربعة آلاف كُرديٍّ، وقد اندمجتِ التنظيماتُ الكُرديَّة مع بعضها في سبيل الوقوف المُشتَرَك في وجه الحكومة العراقية، وهم سِتَّة أحزابٍ، ثم في أواخر السَّنة بعد أن بدأت أمورُ الحرب مع إيران تنتهي خصَّص ما يقرُب من سبعين ألف جنديٍّ؛ لإنهاء المسألة الكُرديَّة، واستُعملت الأسلحة الممنوعة دوليًّا، فهرب أكثر من مائة ألف كُرديٍّ إلى إيران وتركيا، ثم في الخامس من صفر 1409هـ / 16 أيلول 1988م صدر عفوٌ عامٌّ، ودعت الحكومة العراقية الأكرادَ للعودة إلى الوطن خلال ثلاثين يومًا، ووعدت بإطلاق المعتقلين، وفعلًا رجع للبلاد ما يقرُب من ستين ألف كرديٍّ، تمَّ توزيعُهم على المناطق العراقية.

العام الهجري : 432 العام الميلادي : 1040
تفاصيل الحدث:

سار مسعودٌ يريدُ بلادَ الهندِ لِيشْتُوا بها، فلمَّا سار أخَذَ معه أخاه محمَّدًا مسمولَ العينينِ، واستصحَبَ الخزائِنَ، وكان عازمًا على الاستنجادِ بالهندِ على قتال السلجوقيَّة ثِقةً بعهودهم. فلمَّا عَبَرَ سيحون- وهو نهرٌ كبيرٌ نحو دِجلة- وعبَرَ بعض الخزائِنِ، اجتمع أنوشتكين البلخي وجمعٌ من الغلمانِ الداريَّةِ ونهبوا ما تخلَّفَ من الخزانةِ، وأقاموا أخاه محمَّدًا 13 ربيع الآخر، وسَلَّموا عليه بالإمارةِ، فامتنع من قَبولِ ذلك، فتهَدَّدوه وأكرهوه، فأجاب وبَقِيَ مسعودٌ فيمن معه من العسكَرِ وحَفِظَ نَفسَه، فالتقى الجمعانِ مُنتصَفَ ربيعٍ الآخر، فاقتتلوا، وعَظُمَ الخطبُ على الطائفتينِ، ثم انهزمَ عسكَرُ مسعود، وتحصَّن هو في رباطِ ماريكلة، فحصره أخوه، فامتنع عليه، فقالت له أمُّه: إنَّ مكانَك لا يَعصِمُك، ولَأنْ تخرُجَ إليهم بعهدٍ خَيرٌ من أن يأخذوك قهرًا. فخرج إليهم، فقَبَضوا عليه، فقال له أخوه محمد: واللهِ لا قابلْتُك على فِعلِك بي-  كان مسعودٌ قد سمَلَ عينيه ونزع منه الحُكمَ-، ولا عامَلتُك إلَّا بالجميلِ، فانظُرْ أين تريدُ أن تقيمَ حتى أحمِلَك إليه ومعك أولادُك وحرَمُك. فاختار قلعة كيكي، فأنفذه إليها محفوظًا، وأمر بإكرامِه وصيانتِه، ثمَّ إن محمدًا فوَّضَ أمرَ دولتِه إلى ولَدِه أحمد، وكان فيه خبطٌ وهَوجٌ، فاتَّفق هو وابنُ عمه يوسف بن سبكتكين وابنُ علي خويشاوند على قَتلِ مسعود ليصفُوَ المُلكُ له ولوالِدِه، فقتلوه، فلمَّا عَلِمَ محمَّد بذلك ساءه، وشَقَّ عليه وأنكره، وقيل إنَّ محمَّدًا أغراه ولَدُه أحمد بقَتلِ عَمِّه مسعود، فأمر بذلك، وأرسل إليه مَن قتَلَه وألقاه في بئرٍ وسَدَّ رأسَها، وقيل: بل أُلقِيَ في بئرٍ حيًّا وسُدَّ رأسُها فمات، فلمَّا مات كتب محمَّدٌ إلى ابن أخيه مودود، وهو بخراسان، يقول: إنَّ والدك قُتِلَ قِصاصًا، قتله أولادُ أحمد ينالتكين بلا رضًا مني، وطَمِعَ جندُ محمد فيه، وزالت عنهم هيبتُه، فمَدُّوا أيديَهم إلى أموالِ الرَّعايا فنهبوها، فخَرِبَت البلاد، فلمَّا قُتِلَ الملكُ مسعود وصل الخبَرُ إلى ابنه مودود، وهو بخراسان، فعاد مجِدًّا في عساكِرِه إلى غزنةَ، فتصافَّ هو وعَمُّه محمد في ثالث شعبان، فانهزم محمَّدٌ وعسكَرِه وقُبِضَ عليه وعلى ولدِه أحمد، وأنوشتكين الخصِيِّ البلخي، وابنِ علي خويشاوند، فقَتَلَهم، وقتَلَ أولادَ عَمِّه جميعَهم إلَّا عبد الرحيم, وبنى موضِعَ الوقعةِ قريةً ورِباطًا، وسمَّاها فتح آباذ، وعاد إلى غُزنةَ فدخلها في ثالث وعشرين شعبان، وكان داودُ أخو طغرلبك قد ملك مدينةَ بلخ، واستباحها، فلمَّا تجدَّدَ هذا الظَّفَرُ لمودود ثار أهلُ هراة بمن عندهم من الغزِّ السلجوقيَّة، فأخرجوهم وحَفِظوها لمودود، واستقَرَّ الأمرُ لمودود بغزنةَ، ولم يبقَ له همٌّ إلا أمرُ أخيه مجدود؛ فإنَّ أباه قد سيَّرَه إلى الهند سنةَ ستٍّ وعشرين وأربعمِئَة، فخاف أن يخالِفَ عليه، فأتاه خبَرُه أنَّه قصَدَ لهاوور، وملتان، فملكهما، وأخذ الأموالَ، وجمع بها العساكِرَ، وأظهر الخلافَ على أخيه، فندب إليه مودودٌ جيشًا ليمنعوه ويقاتِلوه، وعَرَض مجدودٌ عَسكَرَه للمَسيرِ، وحضر عيدُ الأضحى، فبَقِيَ بعده ثلاثة أيام، وأصبح ميتًا بلهاوور لا يُدرى كيف كان مَوتُه، وأطاعت البلادُ بأسرِها مودودًا، ورَسَت قدمُه، وثَبَت مُلكُه، ولَمَّا سَمِعَت الغز السلجوقيَّةُ ذلك خافوه، واستشعروا منه، وراسله مَلِكُ التُّركِ بما وراء النَّهرِ بالانقيادِ والمتابعة.

العام الهجري : 1163 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1750
تفاصيل الحدث:

هو عثمانُ بن حمد بن عبد الله بن محمد بن حمد بن عبد الله بن محمد بن حمد بن حسن بن طوق بن سيف آل معمر، من العناقر، من بني سعد من بني تميم: أمير العيينة. تولى إمارتها خلفًا لأخيه محمد, وهو جدُّ سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد ثالث حكام الدولة السعودية الأولى. كان ابن معمر آوى الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العيينة ووعد بنصره بعد خروجه من حريملاء، لكنه طرد  الشيخَ من العيينة بعد أن تلقَّى ابن معمر  تهديدًا من قائد الأحساء بشأن الشيخ يأمره أن يقتله، وقال: إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا وكذا، فإما أن تقتله، وإما أن نقطع عنك خراجَك الذي عندنا. فقال للشيخ: إن هذا الأمير كتب إلينا وإنه لا يحسُنُ منا أن نقتلك، وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته، فإذا رأيتَ أن تخرج عنا فعلتَ، فنصحه الشيخ ورغَّبه في نصرة لا إله إلا الله، وأن من تمسك بهذا الدين ونصره وصدق في ذلك، نصره الله وأيَّده وولاه على بلاد أعدائه، فإن صبرتَ واستقمتَ وقبِلتَ هذا الخير، فأبشر فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره، وسوف يولِّيك الله بلاده وعشيرته, فقال: أيها الشيخ إنا لا نستطيعُ محاربته، ولا صبْرَ لنا على مخالفته. فخرج الشيخ عنده وتحوَّل من العيينة إلى الدرعية، ثم لَمَّا قَوِيَ شأن الدعوة وقَوِيت بسببها إمارة الدرعية، اضطر ابن معمر أن يدخل تحتَ لواء حكام الدرعية، وقد ظهرت منه أمور تدلُّ على عدم صدقه، ونفاقِه، حتى إنه تآمر مع دهام بن دواس على المكر بالشيخ محمد بن عبد الوهاب, ولما كثرت شكايةُ أهل العيينة من تآمرِه على الدعوة اتفقوا مع الشيخ المجدد على التخلُّص منه، يقول ابن غنام: "لما تزايد شرُّ عثمان بن معمر على أهل التوحيد وظهر بغضُه لهم وموالاته لأهل الباطل، وتبيَّن الشيخ صدق ما كان يُروى عنه، وجاءه أهل البلاد كافة وشكوا إليه خشيتهم من غدره بالمسلمين، قال الشيخ حينئذ لمن وفد عليه من أهل العيينة: أريدُ منكم البيعةَ على دين الله ورسولِه، وعلى موالاة من والاه ومعاداة من حاربه وعاداه، ولو أنه أميركم عثمان, فأعطَوه على ذلك الأيمان وأجمعوا على البيعة, فملئ قلب عثمان من ذلك رعبًا, وزاد ما فيه من الحقد, وزيَّن له الشيطان أن يفتك بالمسلمين, ويُجليَهم إلى أقصى البلدان، فأرسل إلى ابن سويط وإبراهيم بن سلمان رئيس ثرمداء... يدعوهما إلى المجيء عنده لينفذ ما عزم عليه من الإيقاع بالمسلمين, فلما تحقق أهلُ الإسلام ذلك تعاهد على قتله نفرٌ، منهم حمد بن راشد, وإبراهيم بن زيد, فلما انفضَّت صلاة الجمعة قتلوه في مصلَّاه بالمسجد, فلما عَلِمَ بذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب عَجِل بالمسير إلى العيينة خشية اختلاف الناس وتنازُعِهم، فقدم عليهم في اليوم الثالث بعد مقتلِه، فهدأت النفوس فتجاذبوا عنان الرأي والمشورة فيمن يتولى الرئاسة والإمارة بعده، وأراد أهل التوحيد ألَّا يولى عليهم أحدٌ من آل معمر، فأبى الشيخ ووضَّح لهم طريقَ الصواب بالحجَّة ولمقنعة، وأمَّر عليهم مشاري بن معمر"      

العام الهجري : 1354 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1935
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بَهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني؛ البغدادي الأصل، الحسيني النَّسَب (على خلاف في صحة نسبه لآل البيت)، وهو أحَدُ رجال الإصلاح الديني في العصر الحديث. كان متعَدِّدَ الجوانب والمواهب، فكان مفكِّرًا إسلاميًّا غيورًا على دينه، وصحفيًّا نابهًا، وكاتبًا بليغًا في كثير من الصحف، ومفسرًا نابغًا، ومحدثًا مُتقِنًا في طليعة محدثي العصر، وأديبًا لغويًّا، وخطيبًا مفوَّهًا تهتَزُّ له أعواد المنابر، وسياسيًّا يشغل نفسَه بهموم أمته وقضاياه، ومربيًا ومعلِّمًا يروم الإصلاحَ ويبغي التقدم لأمته. أنشأ مجلة "المنار" ذات الأثر العميق في الفكر الإسلامي. ولِدَ في قرية القلمون بلبنان في 27 جمادى الأولى 1282هـ. كان الشيخ رشيد رضا من أكبر تلامذة محمد عبده، وقد تأثر به كثيرًا، واعتُبر واحدًا من روَّاد الإصلاح الإسلامي في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وقد تأثَّر بمنهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأقبل على كتبِ شيخِ الإسلام ابن تيمية فنَهل منها وتأثر بمنهجِه، وأصبح مرجِعَ الفتيا في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية الجديدة. لما أُعلِنَ الدستور العثماني سنة 1326ه زار بلادَ الشام، واعترضه في دمشق، وهو يخطب على منبر الجامع الأموي، أحَدُ أعداء الإصلاحِ، فكانت فتنةٌ عاد على إثرها إلى مصر. وأنشأ مدرسة (الدعوة والإرشاد) ثم قصَدَ سورية في أيام الملك فيصل بن الحسين، وانتُخِبَ رئيسًا للمؤتمر السوري فيها. وغادرها على إثر دخول الفرنسيين إليها سنة 1920م، فأقام في وطنه الثاني مصر مدةً. ثم رحل إلى الهند والحجاز وأوربا. وعاد فاستقر بمصرَ إلى أن توفي فيها. أصدر مجلة المنار في 22 شوال 1315هـ، وحرَصَ الشيخ رشيد على تأكيدِ أنَّ هدَفَه من المنار هو الإصلاح الديني والاجتماعي للأمة، وبيان أنَّ الإسلامَ يتَّفِق والعقل والعلم ومصالح البشر، وإبطال الشبهات الواردة على الإسلام، وتفنيد ما يُعزَى إليه من الخرافات؛ ممَّا جعلها تنتشر انتشارًا واسعًا في العالم الإسلامي، وأصبحت مجلته هي المجلةَ الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي، كتب رشيد مئات المقالات والدراسات، وخَصَّ العلماء والحكام بتوجيهاته، ومن مؤلفاته: "تفسير المنار" الذي استكمل فيه ما بدأه شيخه محمد عبده، والذي توقف عند الآية (125) من سورة النساء، وواصل رشيد رضا تفسيره حتى بلغ سورة يوسف، وحالت وفاتُه دون إتمام تفسيره، وله أيضًا: الوحيُ المحمدي ونداء للجنس اللطيف، وتاريخ الأستاذ الإمام، والخلافة، والسنة والشيعة، وحقيقة الربا، ومناسك الحج. توفي -رحمه الله- وهو عائِدٌ من توديع الأمير سعود بن عبد العزيز بالسويس، ورفض المبيتَ في السويس للراحة، وأصَرَّ على الرجوع، وكان طول الطريق يقرأ القرآنَ كعادته، ثم أصابه دوارٌ من ارتجاج السيارة، وطلب من رفيقيه أن يستريحَ داخل السيارة، ثم لم يلبث أن توفِّيَ، وكان ذلك في يوم الخميس الموافق 23من جمادى الأولى، وكانت آخِرُ عبارة قالها في تفسيره: "فنسأله تعالى أن يجعَلَ لنا خيرَ حَظٍّ منه بالموتِ على الإسلامِ".

العام الهجري : 1377 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1958
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ أبو المكارم محيي الدين أحمد بن خير الدين الهندي المشهور بلقب "أبو الكلام آزاد", من أسرة أفغانية هاجرت إلى الهند زمنَ الإمبراطور بابر مؤسِّس الدولة المغولية، ولِدَ بكلكتا عام 1306هـ / 1888م وبها استتَمَّ دراستَه الأولية. وقصد الأزهرَ في الرابعة عشرة من عمره، فدرس على علمائِه ودرَّس في خارجه، ثم عاد إلى وطن أبيه (الهند) فسكن كلكتا، وقد أخذ كنيةَ أبي الكلام لكونِه خطيبًا بارعًا، أما كلمة آزاد فتعني في اللغة الأردية "الحـَّر"، تربَّى تربية صوفية، وأتقن الإنجليزية والفارسية وتنقَّل بين كلكتا وبومباي، كما زار القاهرة وتركيا وفرنسا، وقد تأثَّر برشيد رضا، وكان من أعضاء حزب المؤتمر الهندي الذي أقرَّ برنامج المهاتما غاندي القائل بالمقاومة السلبية. ثم كان مستشارًا للبانديت نهرو. قام بتأسيس جماعةٍ دينية في كلكتا سماها "حزب الله"، ثم أسَّس مدرسة سماها "دار الرشاد"، وقام بإصدار مجلة "الهلال" في 1912، وبلغت كمية توزيعها 25 ألف نسخة أسبوعيًّا، وهو عددٌ ضَخمٌ جِدًّا في تلك الفترة. وهاجم الاستعمارَ البريطاني فاعتقله الإنجليزُ (المستعمرين للهند في ذلك الوقت) وقاموا بمنعِ إصدار المجلة في 1915. وسرعان ما أصدر أبو الكلام في نفسِ العام مجلةً أخرى هي مجلة البلاغ، لكِنَّها مُنعت أيضًا. ثم تمَّ إبعاده عن كلكتا ومُنِعَ من دخول ولايات البنجاب ودلهي وبومباي؛ فقد حصل له القَبولُ العظيم في بلاد الهند لمهارته في أساليب الكلام، فقصد البنغال، وقد تكرر اعتقال البريطانيين له. ولم يصرِفْه ذلك عن هدفه في مقاومة الإنجليز، واستقَرَّ بمدينة "رانشي" التي كتب فيها تفسيره للقرآن الكريم، وترجم معانيه إلى اللغة الأردية. وقد تعرَّض بعد ذلك للسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف حتى العام 1920. وتولَّى رئاسة حزب المؤتمر بدلهي 1923 و 1939م، تحول أبو الكلام من مصلح ديني وداعية إسلامي إلى زعيم وطني وقائد سياسي، وقد صرف فكرَه ونشاطَه -بعدما رأى تفكُّك الوحدة بين الشعوب الإسلامية- من المجال الإسلامي إلى المجال الوطني. وفي سنة 1356هـ ألَّفَ حزب المؤتمر الوطني الوزارةَ في عدة ولايات هندية، وكان أبو الكلام من كبارِ المشرفين والموجِّهين في هذا التأليف، له الكلمة النافذة والرأي الوجيه في اختيار الوزراء، واستقالت هذه الوزارةُ سنة 1358هـ، وقد قَوِيَت حركة العصبة الإسلامية في هذه المدة ومطالبتها بانفصال باكستان، وثار المسلمون في جميع البلاد الهندية في تأييد هذه الفكرة، وتعَرَّض أبو الكلام وزملاؤه الذين كانوا يعارضون هذه الفكرة، ويدعون إلى فكرة الهند غير المنقسِمة للسَّخَط العام من المسلمين، واكتسحت فكرةُ الانفصال الكثرة من المسلمين، وبقي أبو الكلام على مبدئه وفكرته، وأصرَّت العصبة الإسلامية تحت قيادة رئيسها محمد علي جناح على المطالبةِ بالتقسيم، فحصل الانقسام، كان أبو الكلام مع عِلمِه بالعربية يكتُبُ تآليفه ومجلاته ومقالاته بالأردية، وقد تُرجِمَ بعضها إلى العربية، وكان قد صَنَّف في السجن كتابه (التذكرة) بالأردية، سجَّل فيه فلسفته الثورية، وعقيدته السياسية. بعد تولي أبي الكلام وزارة المعارف في الحكومية المركزية انطوى على نفسه بعيدًا عن المجامع الشعبية، حتى وافته المنية رحمه الله في دلهي، وصلى عليه جمع كبير من المسلمين.

العام الهجري : 72 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 692
تفاصيل الحدث:

سَيَّرَ عبدُ الملك بن مَرْوان الحَجَّاج بن يوسُف الثَّقفيَّ إلى عبدِ الله بن الزُّبير رضي الله عنه، وبعَث معه له أمانًا إنْ هو أطاعَ، فبَقِيَ الحَجَّاج مُدَّةً في الطَّائفِ يَبعَثُ البُعوثَ تُقاتِل ابنَ الزُّبير وتَظْفَرُ عليه. فكتَب الحَجَّاجُ إلى عبدِ الملك يُخبِرُه: بأنَّ ابنَ الزُّبير قد كَلَّ وتَفَرَّق عنه أَصحابُه, ويَسْتَأذِنُه بمُحاصَرةِ الحَرَمِ ثمَّ دُخولِ مكَّة، فأَمَدَّهُ عبدُ الملك بطارِقِ الذي كان يُحاصِر المدينةَ، ولمَّا حَصَرَ الحَجَّاجُ ابنَ الزُّبير نَصَبَ المَنْجَنيقَ على أبي قُبَيْسٍ ورَمَى به الكَعبةَ، وكان عبدُ الملك يُنْكِر ذلك أيَّامَ يَزيدَ بن مُعاوِيَة، ثمَّ أَمَرَ به، وحَجَّ ابنُ عُمَرَ رضِي الله عنهما تلك السَّنةَ فأَرسَل إلى الحَجَّاجِ: أنِ اتَّقِ الله، واكْفُفْ هذه الحِجارةَ عن النَّاسِ؛ فإنَّك في شَهْرٍ حَرامٍ وبَلَدٍ حَرامٍ، وقد قَدِمَت وُفودُ الله مِن أَقطارِ الأرضِ لِيُؤَدُّوا فَريضةَ الله ويَزْدادوا خيرًا، وإنَّ المَنْجنيق قد منعهم عن الطَّوافِ، فاكْفُفْ عن الرَّمْيِ حتَّى يَقْضوا ما يجب عليهم بمكَّة. فبَطَّلَ الرَّمْيَ حتَّى عاد النَّاسُ مِن عَرَفات وطافوا وسَعَوْا، ولم يَمْنَعْ ابنُ الزُّبير الحاجَّ مِن الطَّوافِ والسَّعْيِ، فلمَّا فرَغوا مِن طَوافِ الزَّيارةِ نادَى مُنادِي الحَجَّاجِ: انْصَرِفوا إلى بِلادِكم، فإنَّا نَعودُ بالحِجارَةِ على ابنِ الزُّبيرِ المُلْحِدِ. فأصاب النَّاسَ بعد ذلك مَجاعةٌ شديدةٌ بسَببِ الحِصارِ، فلمَّا كان قُبَيْلَ مَقْتَلِه تَفَرَّقَ النَّاسُ عنه، وخَرجوا إلى الحَجَّاجِ بالأمانِ، خرَج مِن عنده نحو عشرةِ آلاف، وكان ممَّن فارَقَه ابْناهُ حَمزةُ وخُبيبٌ، وأَخَذا لِأَنْفُسِهما أَمانًا، فقال عبدُ الله لابْنِه الزُّبيرِ: خُذْ لِنَفسِك أمانًا كما فعل أَخَواك، فَوَالله إنِّي لأُحِبُّ بَقاءَكُم. فقال: ما كنتُ لِأَرْغَبَ بِنَفسِي عنك. فصَبَر معه فقُتِلَ وقاتَلهم قِتالًا شديدًا، فتَعاوَرُوا عليه فقَتَلوهُ يومَ الثُلاثاءِ مِن جُمادَى الآخِرة وله ثلاثٌ وسبعون سَنةً، وتَوَلَّى قَتْلَهُ رجلٌ مِن مُرادٍ، وحمَل رَأسَهُ إلى الحَجَّاج، وبعَث الحَجَّاجُ بِرَأسِه، ورَأسِ عبدِ الله بن صَفوان، ورَأسِ عُمارةَ بن عَمرِو بن حَزْمٍ إلى المدينةِ، ثمَّ ذهَب بها إلى عبدِ الملك بن مَرْوان، وأخَذ جُثَّتَهُ فصَلَبَها على الثَّنِيَّةِ اليُمْنَى بالحُجُونِ، ثمَّ بعدَ أن أَنْزَلَهُ الحَجَّاجُ عن الخَشبةِ بعَث به إلى أُمِّه، فغَسَّلَتْهُ، فلمَّا أَصابَهُ الماءَ تَقَطَّعَ، فغَسَّلَتْهُ عُضْوًا عُضْوًا فاسْتَمْسَك، وصلَّى عليه أخوه عُروةُ، فَدَفَنَتْهُ.

العام الهجري : 250 العام الميلادي : 864
تفاصيل الحدث:

كان ظهور أبي الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنَّه أصابته فاقةٌ شديدةٌ فدخل سامرَّا فسأل وصيفًا أن يجري عليه رزقًا فأغلظ له القولَ، فرجع إلى أرض الكوفة فاجتمع عليه خلقٌ من الأعراب، وخرج إليه خلقٌ من أهل الكوفة، فنزل على الفلوجة، وقد كثُرَ الجمع معه، فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر نائبُ العراق إلى عامِلِه يأمُرُه بقتالِه، وظهر أمرُه بالكوفة واستحكم بها، والتفَّ عليه خلقٌ من الزيدية وغيرِهم، ثم خرج من الكوفة إلى سوادِها ثم كرَّ راجِعًا إليها، فتلقاه عبد الرحمن بن الخطاب الملقَّب وجه الفلس، فقاتله قتالًا شديدًا، فانهزم وجه الفلس، ودخل يحيى بن عمر الكوفةَ ودعا إلى الرضى من آل محمد، وقوي أمرُه جدًّا، وصار إليه جماعةٌ كثيرة من أهل الكوفة، وتولَّاه أهل بغداد من العامَّة وغيرِهم ممَّن يُنسَبُ إلى التشيُّع، وأحبوه أكثَرَ من كل من خرج قبله من أهل البيتِ، وشرع في تحصيلِ السلاحِ وإعداد آلاتِ الحرب وجَمْعِ الرجال، وقد هرب الحسينُ بن إسماعيل نائبُ الكوفة منها إلى ظاهِرِها، واجتمع إليه أمدادٌ كثيرة من جهة الخليفة مع محمد بنِ عبد الله بن طاهر، واستراحوا وجمَعوا خيولَهم، فلما كان اليومُ الثاني عشر من رجب، أشار من أشار على يحيى بن عمر ممَّن لا رأي له، أن يركَبَ ويناجز الحُسين بن إسماعيل ويكبِسَ جيشه، فركب في جيشٍ كثير من خلقٍ من الفرسان والمشاة أيضًا من عامَّة أهل الكوفة بغير أسلحةٍ، فساروا إليهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا في ظلمة آخر الليل، فما طلع الفجرُ إلَّا وقد انكشف أصحابُ يحيى بن عمر، وقد تقنطَرَ به فرسه، ثم طُعِنَ في ظهرِه فخَرَّ، فأخذوه وحزُّوا رأسَه وحملوه إلى الأمير الحسين بن إسماعيل فبعَثَه إلى ابن طاهر، فأرسله إلى الخليفة من الغدِ مع رجل يقال له عمر بن الخطاب، أخي عبد الرحمن بن الخطاب، فنُصِبَ بسامرَّا ساعة من النهار ثم بُعِثَ به إلى بغداد فنُصِبَ عند الجسر، ولم يمكِنْ نصبُه من كثرة العامَّة فجُعِلَ في خزائن السلاح، وكان الخليفة قد وجَّه أميرًا إلى الحسين بن إسماعيل نائب الكوفة، فلما قُتِلَ يحيى بن عمر دخلوا الكوفة فأراد ذلك الأميرُ أن يضع في أهلِها السيفَ، فمنعه الحسين وأمَّنَ الأسودَ والأبيض، وأطفأ اللهُ هذه الفتنة.