الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 71 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 652 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1254
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامة، فقيهُ العصر، شيخُ الحنابلة، مجدُ الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحراني الحنبلي، جد الشيخ تقي الدين بن تيميَّة المشهور بشيخِ الإسلام، ولِدَ في حدود سنة 590 وتفَقَّه في صغره على عَمِّه الخطيب فخر الدين، ففقه وبرع، واشتغل وصنف التصانيف، وانتهت إليه الإمامةُ في الفقه، وكان يجيدُ القراءاتِ، وصنَّف فيها أرجوزةً, وقد حَجَّ في سنة إحدى وخمسين على درب العراق، وانبهر علماءُ بغداد لذكائه وفضائله. قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس: كان الشيخُ جمال الدين بن مالك يقول: أُلينَ للشَّيخِ المجد الفقهُ كما أُلينَ لداود الحديد, ثم قال الشيخُ: وكانت في جَدِّنا حدة, وعَجَبٌ في سرد المتون، وحِفظُ مذاهب الناس، وإيرادُها بلا كُلفة. حدثني الإمام عبد الله بن تيمية: أن جدَّه ربِّيَ يتيمًا، ثم سافر مع ابن عمه إلى العراق ليخدُمَه وينفِقَ عليه، وله ثلاث عشرة سنة، فكان يبيت عنده ويسمَعُه يكرر على مسائل الخلافِ فيحفَظُ المسألة, فقال الفخر إسماعيل بن عساكر يومًا: أيش حفظ الننين – الصبي- فبدر المجد، وقال: حفظتُ يا سيدي الدرس. وسرده، فبُهِتَ الفخر، وقال: هذا يجيءُ منه شيء, ثم عرض على الفخر مصنفه (جنة الناظر)، وكتب له عليه في سنة 606 وعظَّمَه، فهو شيخُه في علم النظر، وأبو البقاء شيخُه في النحو والفرائض، وأبو بكر بن غنيمة صاحب ابن المني شيخه في الفقه، وابن سلطان شيخه في القراءات، وقد أقام ببغداد ستة أعوام مكبًّا على الاشتغال، ورجع ثم ارتحل إلى بغدادَ قبل 620، فتزيَّدَ من العلم، وصَنَّف التصانيفَ، مع الدِّينِ والتقوى، وحُسنِ الاتباع، وجلالةِ العِلمِ. سمعَ المجدُ أبو البركات الكثيرَ ورحل إلى البلاد، ودرَّس وأفتى وانتفَعَ به الطلبة، له تفسيرٌ للقرآن وهو صاحب الكتاب المشهور المنتقى في أحاديث الأحكام، توفِّيَ يوم الفطر بحرَّان.

العام الهجري : 702 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1302
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ شَيخُ الإسلام تقيُّ الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المصري المنفلوطي، المالكيُّ الشافعي، أحَدُ الأعلام وقاضي القضاة, المعروفُ بابن دقيق العيد. وُلِدَ يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة 625 بساحل مدينة ينبع من أرض الحجاز، تفقَّهَ على والده بقوص, وكان والِدُه مالكيَّ المذهب، ثم تفقَّه على الشيخ عزِّ الدِّين بن عبد السلام الشافعي، فحقَّق المذهبَين، وأفتى فيهما، سَمِعَ الكثير ورحل في طلب الحديثِ وخرج وصَنَّفَ فيه إسنادًا ومتنًا مُصَنَّفات عديدة، فريدةً مفيدة، وانتهت إليه رياسةُ العلم في زمانه، وفاقَ أقرانه ورحل إليه الطَّلَبةُ ودرَّسَ في أماكن كثيرة، ولي قضاءَ الديار المصرية، وكان وقورًا قليل الكلام غزيرَ الفوائِدِ كثيرَ العُلومِ، فيه ديانةٌ ونزاهة، وله شعرٌ رائق، كما كان بارعًا في الفقه والأصول، له مصنَّفاتٌ عديدة، منها: الإلمام في أحاديث الأحكام، وله إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، وله شرح الأربعين النووية، وغيرها، وله خُطَبٌ بليغة مشهورة، أنشأها لَمَّا كان خطيبًا بقوص. قال الذهبي في معجمه: "هو قاضي القضاة بالدِّيارِ المصرية، وشيخُها وعالِمُها، الإمامُ العلَّامة، الحافِظُ القدوة الوَرِع، شيخُ العصر. كان علَّامةً في المذهبين، عارفًا بالحديثِ وفنونه، سارت بمصنَّفاته الرُّكبان. ولي القضاءَ ثمانيَ سنين", وبسط السبكيُّ ترجمته في الطبقاتِ الكبرى قال: "لم ندرِكْ أحدًا من مشايخنا يختَلِفُ في أنَّ ابنَ دقيق العيد هو العالمُ المبعوثُ على رأس السَّبعمائة". وقال عنه ابنُ كثير في طبقاته: "أحدُ عُلماء وقته، بل أجلُّهم وأكثَرُهم عِلمًا ودِينًا، وورَعًا وتقشُّفًا، ومداومةً على العلم في ليلِه ونهاره، مع كِبَرِ السِّنِّ والشُّغلِ بالحكم. وله التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة. برع في علومٍ كثيرة لا سيما في علم الحديث، فاق فيه على أقرانِه وبرز على أهل زمانِه، رحلت إليه الطلبة من الآفاق، ووقع على عِلمِه ووَرَعِه وزُهدِه الاتِّفاق". توفي يوم الجمعة حادي عشر شهر صفر، وصُلِّيَ عليه يوم الجمعة بسوق الخيل، وحضر جنازته نائب السلطنة والأمراء، ودفن بالقرافة الصغرى.

العام الهجري : 721 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1321
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني المتشيِّع، ولِدَ سنة 635 بدمشق، وطلب الحديثَ وتأدَّبَ وسَمِعَ وهو شابٌّ من إسماعيل بن العراقي والرشيد بن مسلمة، ومكي بن علان في آخرين، وتلا بالسبع، ومن مسموعاته مُسنَدُ أنس للحنيني على إسماعيل عن السلفي، ومن فوائد أبي النرسي بالسند عنه روى عنه البرزالي والذهبي وآخرون، من آخرهم أبو بكر بن المحب، وبالإجازة برهانُ الدين التنوخي. رُبِّي يتيمًا فأُقعِدَ في صناعة السكاكين عند شيخ رافضيٍّ فأفسد عقيدتَه, ثم أخذ عن جماعةٍ مِن الإمامية وله نظمٌ وفضائِلُ وردٌّ على العفيف التلمساني في الاتحاد، وأَمَّ بِقَريةِ جسرينَ مُدَّةً، وأقام بالمدينةِ النبويَّة عند أميرها منصور ابن جماز مدةً طويلةً، ولم يُحفَظْ له سبٌّ في الصحابةِ، بل له نظم في فضائِلِهم إلَّا أنه كان يناظر على القَدَرِ ويُنكِرُ الجَبْرَ وعنده تعبُّدٌ وسَعةُ عِلمٍ. قال الذهبي: "كان حلوَ المجالسة ذكيًّا عالِمًا فيه اعتزالٌ، وينطوي على دينٍ وإسلام وتعبُّدٍ، سَمِعْنا منه وكان صديقًا لأبي، وكان ينكر الجبرَ ويناظرُ على القَدَر" قال الصفدي: "وترَفَّضَ به أناسٌ من أهل القرى؛ لذا قال تقيُّ الدينِ ابنُ تيميَّة: "هو ممَّن يتسَنَّنُ به الشيعيُّ، ويتشَيَّعُ به السُّنيُّ!" وكان يجتَمِعُ به شيخُ الإسلام كثيرًا، وقيل إنَّه رجع في آخِرِ عُمُرِه ونسخ صحيحَ البخاري، وجد بعد موته بمدة في سنه 750 بخطٍّ يشبه خَطَّه كتابٌ يسمَّى الطرائف في معرفة الطوائف يتضمَّنُ الطعن على دين الإسلام وأورد فيه أحاديثَ مُشكِلة وتكلَّم على متونِها بكلامِ عارفٍ بما يقولُ إلَّا أنَّ وضعَ الكتابِ يدُلُّ على زندقةٍ فيه، وقال في آخره: وكتبه مصنِّفُه عبد الحميد بن داود المصري، وهذا الاسمُ لا وجود له، وشَهِدَ جماعة من أهل دمشق أنَّه خطُّه فأخذه تقي الدين السبكي عنده وقطَّعَه في اللَّيلِ وغَسَلَه بالماء، ونَسَب إليه عمادُ الدين ابن كثير الأبياتَ التي أوَّلُها: يا معشر الإسلام ذمي دينكم... الأبيات. مات شمس الدين في صفر في هذه السنة. وابنُه حسن نشأ في الرفضِ، فثبت عليه ذلك عند القاضي شرف الدين المالكي بدمشق وثبت عليه أنَّه يكَفِّرُ الشيخين وقَذَف ابنَتَيهما ونَسَب جبريل إلى الغلط في الرِّسالة، فحكم بزندقته وبِضَرب عُنُقِه فضُرِبَت سنة 744.

العام الهجري : 1344 العام الميلادي : 1925
تفاصيل الحدث:

لَمَّا رأى المَلِكُ نمطَ التعليم المنتَشِر في الحجاز أُعجِبَ به، فأُنشِئَت في مكة إدارةُ المعارف العامة، وربَطَها بالنائب العام، ويديرُ أعمالَها مديرٌ عام، وكان من أبرز المشاكِلِ التي واجهت إدارةَ المعارف خلوُّ المدارس الابتدائية من المعلِّمين (المتعلِّمين) فأنشأت الإدارةُ في مكَّةَ المعهدَ العلميَّ السعوديَّ لإعداد معلِّمي المرحلة الابتدائية، بالإضافةِ إلى إرسال أوَّلِ بَعثةٍ مِن الطلاب إلى الخارج عام 1346هـ، وفي عام 1354هـ أُنشِئَت مدرسة تحضير البعثات، ووضِعَ لها منهجٌ خاصٌّ أُخِذَ مِن مصر، مدَّةُ الدراسة فيها 4 سنوات للقسم العام، و5 سنوات للقسم الخاص، بحيث يضمَنُ حامِلُ شهادة المدرسة التحضيرية للبعثات القبولَ في المعاهِدِ العالية وكليات الجامعة في مصر وغيرها، وأمَّا المطاوعة أو المرشِدون في الهجر والقبائل فهم غالبًا يُختارون من متعلِّمي الهجر والمدن القريبة من القبائل، وأوَّلُ ما عليهم تعلُّمُ القرآن، وأركان الإسلام، والعبادات، ومبادئ القراءة والكتابة، ولا يقتَصِرُ عملُ المطوع والمرشِد على التعليم، بل هو واعِظُ القبيلة وخطيبُ المسجد والإمامُ في الصلوات، وقد يكون المرجِعَ الديني في كل شيءٍ، وله رأيٌ مسموعٌ في شؤون القبيلة العامة والخاصة. كما أنَّ للتعليم الأهلي دورَه في نهضة البلاد الحديثة في ذلك العهدِ، بحيث إنَّ مُعظَمَ القائمين بالأعمال في الدوائر الحكومية من خرِّيجي المدارس الأهلية التي أُنشِئَت في الحجاز قبل عهد الملك عبد العزيز وفي عهده. كما أنشأ الملكُ عبد العزيز مدرسةَ الأمراء في قَصرِه لتعليم الأمراء من أبنائِه وأحفادِه وأبناء إخوانِه، ومن يليهم من الأُسَر السعودية، وأنشأ مثلها مدرسةَ للأيتام تابعة لإدارة القصر الملكي في بناية خاصة، ولَمَّا عاد الملِكُ من زيارته لمصر أراد أهلُ الرياض إقامةَ حفلة استقبال له، فأمرهم أن يصرفوا الأموالَ التي جمعوها على ما فيه مصلحةٌ للبلدِ، فاتفقوا على إنشاء مدرسةٍ في حي البطحاء في الرياض، سُمِّيَت المدرسة التذكارية، وأنشأ الأمير فيصل في الطائف المدرسةَ النموذجية لأولاد الأمراء وغيرهم، ثمَّ نُقِلَت إلى جُدَّة وسُمِّيَت مدارسَ الثغر النموذجية، أمَّا في نجد وشرق البلاد فلم تظهَرِ المدارس النظامية الحديثة فيها إلا بعد عام 1350هـ، وكان فتحُ المدارس في بعض المدن يتدرَّجُ نمو التعليم فيها ببطءٍ؛ لقلة المعلِّمين المتعلمين أولًا، ولِضَعفِ رغبة الأهالي في الإقبال على هذا النظام التعليميِّ الحديث، لكنْ ما إن دخلت سنة 1369هـ/ 1950م حتى كان عددُ مدارس نجد 84 مدرسة يَدرُسُ فيها أكثر من 8 آلاف طالب. وكان أعلى رقم لميزانية المعارِف في آخر ميزانية وُضِعَت في عهد الملك عبد العزيز سنة 1373هـ 20 مليون ريال سعودي يعادل 4.5 مليون دولار. كان التعليمُ في جميع المراحل مجانيًّا: تدريسًا وكتبًا ودفاترَ وأقلامًا، فضلًا عن أن الدولة كانت تنفق على نحو 30 % من التلاميذ على المأوى والطعام والملبس قياسًا على طلبة البعثات في الخارجِ، ويكثُرُ هذا النوع على الخصوص في المُدُن والقرى القريبة من البادية، حيث يؤتى بالطلابِ من خيامِ قبائِلِهم ومِن رعيِ إبلِهم، وربما دفعت الدولةُ لآبائهم مكافأةً عن عمل البنين في الرَّعيِ أو الزراعة، وكانت تُصرَفُ مثل هذه التعويضات لآباء بعض المبتَعَثين إلى الخارج، وقد تُصرَفُ مكافأة لبعض الطلاب الذين يظهر للحكومة أنَّ مقدرتهم المالية لا تساعِدُهم على الاستمرار في الدراسة، وقد تولى إدارةَ المعارف قبل أن تصبِحَ وزارةً: صالح شطا، ومحمد كامل قصاب، وماجد الكردي، وحافظ وهبة، ومحمد أمين فودة، وطاهر الدباغ، وآخِرُهم محمد بن عبد العزيز بن مانع.

العام الهجري : 561 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1166
تفاصيل الحدث:

هو الزاهِدُ، صاحِبُ الكرامات والمقامات، شيخُ الحنابلة أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد الهاشمي القرشي العلوي الجيلي الحنبلي. ولد بجيلان سنة 470 وقيل 471. دخل بغداد سنة ثمان وثمانين، وله ثماني عشرة سنة، فقرأ الفقهَ على: أبي الوفاء بن عقيل، وأبي الخطاب، وأبي سعد المخرمي، وأبي الحسين بن الفراء، حتى أحكم الأصولَ، والفروع، والخلاف, وسمع الحديث، ومدرسته ورباطه مشهوران ببغداد. بنى أبو سعد المخرمي مدرسة لطيفة بباب الأزج، ففوض إلى عبد القادر التدريسَ فيها, فتكلَّم على الناس بلسان الوعظ وظهر له صيتٌ, فضاقت مدرسته بالناس، فكان يجلس عند سور بغداد مستندًا إلى الرباط ويتوب عنده في المجلس خلقٌ كثير, وكان له سمتٌ حسنٌ، وصَمتٌ غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان فيه تزهدٌ كثير وله أحوال صالحة، ولأتباعه وأصحابه فيه مقالات، ويذكرون عنه أقوالًا وأفعالًا ومكاشَفات أكثَرُها مغالاة، وقد كان صالحًا وَرِعًا، وقد صنَّف كتاب الغنية، وفتوح الغيب، وفيهما أشياءُ حسنة، وذكر فيهما أحاديث ضعيفة وموضوعة، وبالجملة كان من سادات المشايخ، قال ابن النجار في ترجمة عبد القادر: "قرأ الأدبَ على أبي زكريا التبريزي، واشتغل بالوعظ إلى أن برز فيه, ثم لازم الخَلوة، والرياضة، والسياحة، والمجاهدة، والسهر، والمقام في الخراب والصحراء. وصحب الشيخ حماد الدباس، وأخذ عنه علم الطريق، ثمَّ إن الله تعالى أظهره للخلق، وأوقع له القبول العظيم، فعَقد مجلس الوعظ سنة 521 وأظهر الله الحكمة على لسانه, ثم جلس في مدرسة شيخه أبي سعد للتدريس والفتوى سنة 528، صنف في الأصول والفروع، وله كلام على لسان أهل الطريقة". قال: عبد الرزاق ولد عبد القادر يقول: "كتب إلي عبد الله بن أبي الحسن الجبَّائي قال: كنت أسمع كتاب «الحلية» على ابن ناصر، فرَقَّ قلبي، وقلت في نفسي: اشتهيت أن أنقَطِعَ عن الخلق وأشتغل بالعبادة. ومضيت فصليتُ خلف الشيخ عبد القادر، فلما صلى جلسنا، فنظر إلي وقال: إذا أردت الانقطاع، فلا تنقطع حتى تتفقَّه، وتجالِسَ الشيوخ، وتتأدب، ولا تنقطِعْ وأنت فريخ ما ريَّشت؛ فإن أشكلَ عليك شيء من أمر دينك تخرجُ من زاويتك وتسأل الناس عن أمر دينك! ما يَحسُن صاحب الزاوية أن يخرُجَ من زاويته ويسأل الناس عن أمر دينه! ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشَّمعة يُستضاء بنوره". وقال عبد الرزاق: وُلِدَ لوالدي تسع وأربعون ولدًا، سبعة وعشرون ذكرًا، والباقي إناث". توفي وله تسعون سنة ودفن بالمدرسة التي كانت له.

العام الهجري : 633 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1235
تفاصيل الحدث:

هو أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن فرج بن خلف بن قومس بن أحمد بن دحية بن خليفة الكلبي الحافظ، شيخ الديار المصرية في الحديث، ولد سنة 546. كان يذكر أنه من ولد دحية الكلبي، وأنه سبطُ أبي البسام الحسيني الفاطمي. كان بصيرًا بالحديث معتنيًا بتقييده، مكبًّا على سماعه، حسنَ الحَطِّ معروفًا بالضبط، له حظٌّ وافر من اللغة، ومشاركة في العربية وغيرها. وهو أول من باشر مشيخة دار الحديث الكامليَّة بها، وقد كان يتزيد في كلامه، فترك الناس الرواية عنه وكذَّبوه، وقد كان الكامِلُ مقبلًا عليه، فلما انكشف له حاله أخذ منه دار الحديث وأهانه، توفي بالقاهرة ودفن بقرافة مصر، قال ابن خلكان: وكان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متقنًا لعلم الحديث وما يتعلَّقُ به، عارفًا بالنحو واللغة وأيَّام العرب وأشعارها، اشتغل ببلادِ المغرِب، ثمَّ رحل إلى الشام ثم إلى العراق، واجتاز بإربل سنة 604، فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي، فعمل له كتاب " التنوير في مولد السراج المنير " وقرأه عليه بنفسه، فأجازه بألف دينار، ولي قضاء دانية مرتين، ثم صُرِف عن ذلك لسيرة نُعِتَت عليه، فرحل منها. روى عنه الدبيثي فقال: "كان له معرفة حسنة بالنحو واللغة، وأنسة بالحديث، فقيهًا على مذهب مالك، وكان يقول: إنه حفظ " صحيح مسلم " جميعه، وأنه قرأه على بعض شيوخ المغرب من حفظه، ويدعي أشياء كثيرة. قلت (الذهبي): كان صاحب فنون، وله يد طولي في اللغة، ومعرفة جيدة بالحديث على ضعف فيه. قرأت بخط الضياء الحافظ قال: لقيت الكلبيَّ بأصبهان، ولم أسمع منه شيئًا، ولم يعجبني حالُه، وكان كثير الوقيعة في الأئمة، وأخبرني إبراهيم السنهوري بأصبهان أنه دخل المغرب، وأن مشايخ المغرب كتبوا له جرحه وتضعيفَه. وقد رأيتُ منه أنا غير شيء ممَّا يدل على ذلك" قال ابن نقطة: "كان موصوفًا بالمعرفة والفضل، ولم أره إلَّا أنه كان يدعي أشياء لا حقيقة لها. ذكر لي أبو القاسم بن عبد السلام - ثقة - قال: نزل عندنا ابنُ دحية، فكان يقول: أحفظ " صحيح مسلم "، و" الترمذي "، قال: فأخذت خمسة أحاديث من " الترمذي "، وخمسة من " المسند " وخمسة من الموضوعات فجعلتها في جزء، ثم عرضتُ عليه حديثًا مِن " الترمذي "، فقال: ليس بصحيح، وآخر فقال: لا أعرفه. ولم يعرف منها شيئًا. قلت (الذهبي): ما أحسن الصدق، لقد أفسد هذا المرءُ نَفسَه". قال ابن كثير: وقد تكلَّمَ الناس فيه بأنواع من الكلام، ونسبه بعضهم إلى وضعِ حديثٍ في قَصرِ صلاة المغرب، ولابن دحية مصنفات منها: المطرب في أشعار أهل المغرب، ونهاية السول في خصائص الرسول، والنبراس في خلفاء بني العباس، وغيرها.

العام الهجري : 774 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1373
تفاصيل الحدث:

هو المُحَدِّث الإمامُ الفقيهُ الحافِظُ الأوحَدُ البارعُ: عماد الدين أبو الفداء إسماعيلُ بن الخطيب شهاب الدين أبي حفص عمر بن كثير القرشي البصروي ثم الدمشقي الشافعي، صاحِبُ التفسيرِ والتاريخِ، صِهْرُ الشيخِ أبي الحجَّاج المِزِّي، مَولِدُه بقريةٍ شرقيَّ بُصرى من أعمال دمشق في سنة 701 كان أبوه خطيبًا بها، ثم انتقل إلى دمشق في سنة 706. تفقه ابن كثير بالشيخ برهان الدين الفزاري وغيره، وصاهر الحافِظَ المزِّيَّ فأكثَرَ عنه، وأفتى ودرَّس، وناظر وبرع في الفقه والتفسير والنحو، وأمعَنَ النظر في الرجال والعِلَل، وولي مشيخةَ أم الصالح والتنكزية بعد الذهبي، ذكره الذهبيُّ في المعجم المختص فقال: "هو فقيهٌ مُتقِنٌ، ومُحَدِّث مُحَقِّق، ومفَسِّر نقَّاد، وله تصانيفُ مُفيدة يدري الفِقهَ ويَفهَمُ العربيَّة والأصول، ويحفَظُ جملةً صالحة من المتونِ والتفسيرِ والرِّجال وأحوالهم، سَمِعَ مني، وله حِفظٌ ومَعرِفة " كان قدوةَ العُلَماء والحُفَّاظ، وعُمدةَ أهلِ المعاني والألفاظ، وسَمِعَ وجَمَع، وصنف ودرَّس، وحدَّث وألَّف، وكان له اطلاعٌ عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ، واشتهَرَ بالضبط والتحرير، وقد تتلمذ على شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة، وكان على عقيدتِه؛ قال ابنُ حجر: "وقع بينَ ابنِ كثير وبين إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قَيِّم الجوزية مُنازعةٌ في تدريس النَّاسِ، فقال له ابنُ كثيرٍ: أنت تكرهُني لأنَّني أشعريٌّ! فقال له: لو كان من رأسِك إلى قَدَمِك شعرٌ ما صَدَّقَك النَّاسُ في قَولِك أنَّك أشعريٌّ، وشَيخُك ابنُ تيميَّة!!" انتهى إليه علمُ التاريخ والحديث والتفسير، وله مُصنَّفات عديدة مفيدة، ومن مصنفاته: تفسير القرآن الكريم، وكتاب طبقات الفقهاء، ومناقب الإمام الشافعي رضي الله عنه، والتاريخ المسمى بالبداية والنهاية، وخرج أحاديث مختصر ابن الحاجب، وكتب على البخاري ولم يكمله، وله التكميل في الجرح والتعديل، ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل، جمع فيه بين تهذيبِ الكمالِ للمِزِّي، وميزانِ الاعتدال لشيخهِ الذهبي، مع زياداتٍ وتحرير عليهما في الجرح والتعديل. قال ابن حجر: " ولازم المزِّي وقرأ عليه تهذيب الكمال، وصاهره على ابنتِه، وأخذ عن ابن تيميَّةَ، ففُتِنَ بحُبِّه وامتُحِنَ لِسَبَبِه، وكان كثير الاستحضارِ، حَسَن المُفاكَهة، سارت تصانيفُه في البلاد في حياتِه، وانتفع بها الناسُ بعد وفاته ". توفي في يوم الخميس سادس عشرين شعبان، وكانت جنازته حافلة مشهودة، ودُفِنَ بوصية منه في تربة شيخِ الاسلام ابنِ تيميَّة بمقبرة للصوفيَّة، خارج باب النصر من دمشق. وهو غير عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن بردس البعلبكي الحنبلي المتوفى سنة 786.

العام الهجري : 911 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1505
تفاصيل الحدث:

هو الشيخ الإمام الكبير العلَّامة جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي الخضيري القاهري الشافعي، صاحب التصانيف والمؤلفات الحافلة الجامعة التي تزيد على خمسمائة مصنف، وقد تداولها الناس واشتهرت, وعم النفعُ بها، وُلد في مستهل رجب سنة 849 في مصر بأسيوط وإليها نسبته، وأمُّه أَمَةٌ تركية، وكان أبوه قاضي أسيوط، ثم نشأ في القاهرة يتيمًا بعد وفاة والده، فاشتغل بالعلم فحفظ القرآن والعمدة والمنهاج الفرعي وبعض الأصلي وألفية النحو, ثم رحل إلى كثير من البلاد، فبرع في عدة فنون وشارك في كل العلوم تقريبًا، فله في كل فن مؤلفات مقبولة قد سارت في الأقطار مسير النهار، حتى اعتبر من أكثر العلماء تأليفًا، وأجاز له أكابر علماء عصره مَن سايَرَ وفاق الأقرانَ واشتهر ذكره وبعُد صيتُه, وقد وقع خلاف بينه وبين معاصره الإمام السخاوي رحمهما الله. قال الإمام الشوكاني عن السيوطي: "لكنه لم يسلَمْ من حاسدٍ لفضله، وجاحد لمناقبِه؛ فإن السخاوي في الضوء اللامع- وهو من أقرانه- ترجم له ترجمة مُظلِمة غالبها ثلبٌ فظيع وسبٌّ شنيع، وانتقاصٌ وغمط لمناقبه تصريحًا وتلويحًا، ولا جرم؛ فذلك دأبه في جميع الفضلاء من أقرانه، وقد تنافس هو وصاحب الترجمة منافسة أوجبت تأليف صاحب الترجمة لرسالة سمَّاها: الكاوي لدماغ السخاوي، فليعرف المطَّلع على ترجمة هذا الفاضل في الضوء اللامع أنها صدرت من خصمٍ له غير مقبول عليه" والحق أن السيوطي صاحب فنون وإمام في كثير منها، وهو أحفظ للمتون من السخاوي وأبصر باستنباط الأحكام الشرعية، وله الباع الطويل في اللغة العربية والتفسير بالمأثور وجمع المتون، والاطلاع على كثير من المؤلفات التي لم يطلع عليها علماء عصره، وقد وقع في بعض مؤلفاته الحديثية بعض التسامح والتناقض, أما السخاوي فهو في علم الحديث وعلوم الإسناد وما يتعلق بالرجال والعلل والتاريخ إمام لا يشاركه فيها أحد, ويعتبر صاحب فن واحد؛ ولذا يرجَّح قولُه في الحديث وعلومه على السيوطي، ومؤلفاته في ذلك مرجع المحققين، وهو وارث شيخه ابن حجر. ومن تصانيف السيوطي: الجامعين في الحديث، والدر المنثور في التفسير بالمأثور، وحسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، وتاريخ الخلفاء، واللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، والجامع الصغير وزيادته في الحديث، وأسباب النقول، وشرح على مسلم، وعلى الموطأ، وعلى النسائي، وألفية في المصطلح، وفي اللغة ألفية في النحو، والأشباه والنظائر، وفي علوم القرآن أسباب النزول، والإتقان في علوم القرآن، وغيرها كثير يصعب حصره. توفي السيوطي بعد أذان الفجر يوم الجمعة التاسع عشر جمادى الأولى.

العام الهجري : 1389 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1969
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ العلَّامة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب التميمي مفتي الديار السعودية. وُلِدَ يوم عاشوراء من عام 1311هـ، ونشأ نشأةً عِلميَّةً في بيتِ عِلمٍ ودين، فحَفِظَ القرآنَ مبكرًا، ثم بدأ الطلَبَ على العلماء قبل أن يبلُغَ السادسة عشرة، ثم أصيب بمرَضٍ في عينيه وهو في هذه السن ولازمه حتى فَقَد بصَرَه وهو في سن السابعة عشرة، وكان يَعرِفُ القراءة والكتابة قبل فَقدِه لبصرِه. كان متوسِّطَ الطول، مليءَ الجِسم، متوسِّط اللون، ليس بالأبيض ولا بالأسمر، خفيفَ شعرِ العارِضَين جدًّا، يوجَدُ شَعرٌ قليل على ذَقَنِه، إذا مشى يمشي بوقارٍ وسكينة، وكان كثيرَ الصَّمت، وإذا تكلَّم لا يتكلَّم إلَّا بما يفيد، وكان ذكيًّا، و كان صاحِبَ غَيرة شديدة على دين الله، مع حزمٍ وشِدَّة يرهب لها الجميع، وكان رغمَ شِدَّتِه وحزمه وهيبةِ الناسِ له صاحِبَ دُعابةٍ خُصوصًا مع خاصَّته، ومن مشايخِه الذين تعَلَّم عليهم عَمُّه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخُ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع. ومن أعمالِه أنَّه تولى القضاءَ في الغطغط، وكان إمامًا وخطيبًا للجامع الكبير بالرياض، ولما افتُتِحَت رئاسةُ المعاهد والكليات كان هو الرئيسَ، ولما تأسَّسَت رئاسةُ القضاء عُمِّد رسميًّا برئاسةِ القضاء، ولما افتُتِحَت رئاسةُ البنات كان هو المشرفَ العامَّ عليها، وكان هو مفتي البلاد، ولما افتُتِحَت رابطةُ العالم الإسلامي كان هو رئيسَ المجلس التأسيسي لها، وكان أمينُ الرابطة وقتها محمد سرور الصبان، ولما افتُتِحَت الجامعة الإسلامية في المدينة كان هو المؤسِّسَ لها، وعَيَّن نائبًا له الشيخ عبد العزيز بن باز, وفي سنة 1373 هـ أنشأ المكتبةَ السعودية العامة في الرياض، وجمع فيها حوالي 15.000 كتابٍ مطبوعٍ، و 117 مخطوطًا، وأملى من تأليفِه كُتُبًا، منها: ((الجواب المستقيم))، و ((تحكيم القوانين))، ومجموعة من أحاديث الأحكام، والفتاوى في عدة مجلَّدات، وكان الملكُ عبد العزيز قد أمر بجَمعِها وطباعتها. ومن تلاميذه: الشيخ عبد الله بن حُمَيد، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ سليمان بن عبيد، والشيخ صالح بن غصون، والشيخ عبد الله بن جبرين. وقد أصيب الشيخُ بمرضٍ، فصدر أمرٌ ملَكيٌّ بنقله إلى لندن لمواصلة العلاج، فلما وصل لندن أجرَوا له الفحوصاتِ اللازمةَ فرأوا أنَّ المرضَ بلغَ غايةً لا ينفَعُ معها علاجٌ، ثم دخل في غيبوبة وهو هناك، فأُتيَ به إلى الرياضِ على طائرة خاصة، وبَقِيَ في غيبوبة حتى وافته المنيَّةُ -رحمه الله- صباحَ يوم الأربعاء 24 رمضان، وصلِّيَ عليه بعد صلاة الظهر من نفس اليوم، وأمَّ النَّاسَ عليه الشيخُ ابن باز، وامتلأ المسجِدُ وجميعُ الطُّرُقات المؤدية إليه، حتى إن كثيرًا من النَّاسِ لم يُدركوا الصلاةَ عليه، ودُفِن في مقبرة العود.

العام الهجري : 1420 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1999
تفاصيل الحدث:

أبو عبدِ الرحمنِ محمدٌ ناصرُ الدِّينِ بنُ نوح نجاتي بن آدم الألبانيُّ علَّامةُ الشامِ، وُلد عامَ 1332هـ / 1914م في أشقودرة عاصمة ألبانيا آنذاكَ، نشأ في أسرة فقيرة، وكان والده مُتخرِّجًا من المعهد الشرعي في الآستانة، ثم هاجر والدُه مع أسرته إلى دِمَشقَ عندما بدأ الحاكم أحمد زوغو يَزيغُ عن الحق، ويأمُرُ بنزع الحجاب، ويَسيرُ على خُطى الطاغية أتاتورك، فدرس الشيخ محمد ناصر في دِمَشقَ المرحلة الابتدائية، ثم لم يُكمِلْ في المدارس النظامية، بل بدأ بالتعلُّم الديني على المشايخ، فتلقَّى القرآن من والدِه وتعلَّم الصرفَ، واللغةَ، والفقهَ الحنفيَّ، ثم توجَّه لدراسة علم الحديث والتحقيق حتى برَعَ فيه، هذا غير دروسِه التي كان يُلقيها في دِمَشقَ وحلَبَ، وباقي المحافظات السورية قبلَ خروجِه منها، ولمَّا بدأت المشاكل الأمنيَّة في سوريا خرج الشيخُ من سوريا، وكان قد درَّس في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سنةَ 1381هـ، لمدة ثلاث سنوات، أفاد فيها كثيرًا من الطلاب، وقد أثْنى عليه الكثيرُ من العلماء، فقال عنه الشيخُ ابنُ عُثيمين: إنه محدِّثُ العصر، وقد كان يُعَدُّ هو داعيةَ الشام إلى الدعوة الصحيحة، فقد أفاد منه الكثيرُ من الطلاب في دِمَشقَ قبل خروجِه، وفي الأُردُنِّ حيث استقرَّ فيها أخيرًا، وأشرطتُه التي سُجِّلت له تدُلُّ على فضله وعلمه، وأمَّا كتبُه فهي خيرُ شاهدٍ على علمِه، وسَعةِ اطِّلاعه، وعُلوِّ كَعبِه في فن الحديثِ، وعِلمِ الجَرحِ والتعديلِ، والتصحيحِ والتضعيفِ، بل يُعَدُّ هو رائدَ هذا العصر في علم الحديثِ، فمن كُتبه: ((السلسة الصحيحة))، و((السلسلة الضعيفة))، وكتاب ((إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل))، وتحقيقُه لكُتب السُّنَن الأربعة، ولصحيح ابن حِبَّان، وللترغيب والترهيب، ولمشكاة المصابيح، ولصحيح الجامع، وللسُّنة لابن أبي عاصم، وغيرها من التحقيقات، أما مؤلَّفاتُه فمنها كتاب: ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كأنَّك تراه))، و((آداب الزفاف))،  و((تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد))، و((أحكام الجنائز))، و((حجة النبي صلى الله عليه وسلم))، و((التوسل))، و((حجاب المرأة المسلمة))، و((قيام رمضان))، وقد أثْرَت كُتبه المكتبةَ الإسلامية، وأمَّا وَفاتُه فكانت يومَ السبت في الثاني والعشرين من شهر جُمادى الآخرة سنةَ 1420هـ، عن عمر يُناهزُ الثامنةَ والثمانينَ، وذلك في عمَّانَ عاصمة الأُردُنِّ، وكان قد أوْصى بألَّا يؤخَّر دَفنُه أبدًا، فغُسِّلَ من فَوْره، كما أوْصى ألَّا يُحمَلَ على سيارة، فحُمل على الأكتاف إلى المقبرة، حيث صُلِّيَ عليه بعد صلاة العشاء من نفس اليوم، ودُفِنَ في مقبرة قديمة قُربَ حي هملان في عمَّانَ، رحمه اللهُ تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

العام الهجري : 571 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1176
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ، الحافِظُ الكبيرُ المجَوِّد، مُحَدِّثُ الشام، ثِقةُ الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن عساكر، الدمشقي الشافعي صاحب (تاريخ دمشق). من أعيانِ الفُقَهاء الشافعيَّة، ومُحَدِّث الشام في وقته. غَلَب عليه الحديثُ فاشتَهَر به وبالَغَ في طلبه إلى أن جمعَ منه ما لم يتَّفِق لغَيرِه، حتى صار أحدَ أكابر حُفَّاظ الحديث ومن عُنِيَ به سَماعًا وجمعًا وتصنيفًا، واطِّلاعًا وحفظًا لأسانيده ومتونِه، وإتقانًا لأساليبه وفنونه، صاحِبُ الكتاب المشهور (تاريخ دمشق) الذي حاز فيه قَصَب السَّبْق، ومن نظَرَ فيه وتأمَّله، رأى ما وصَفَه فيه وأصَّلَه، وحَكَم بأنَّه فريدُ دَهرِه في التواريخ، هذا مع ما له في علوم الحديث من الكُتُب المفيدة، وما هو مشتَمِلٌ عليه من العبادة والطرائق الحميدة, وله مصنفاتٌ كثيرة منها الكبار والصغار، والأجزاءُ والأسفار، وقد أكثَرَ في طلب الحديث من التَّرحال والأسفار، وجاز المدن والأقاليم والأمصار، وجمع من الكتبِ ما لم يجمَعْه أحدٌ مِن الحُفَّاظ نسخًا واستنساخًا، ومقابلة وتصحيحَ الألفاظ. قال الذهبي: "نقلتُ ترجمته من خَطِّ ولده المحدِّث أبي محمد القاسم بن علي، فقال: وُلِدَ أبي في المحرم سنة 499، وعَدَدُ شيوخِه الذي في معجمه ألف وثلاثمائة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخًا أنشدوه، وعن مائتين وتسعين شيخًا بالإجازة، الكل في معجمه، وبضع وثمانون امرأة لهن مُعجَم صغير سَمِعْناه. وحدَّث ببغداد، والحجاز، وأصبهان، ونيسابور, وصنف الكثير, وكان فَهِمًا، حافِظًا، متقِنًا ذكيًّا، بصيرًا بهذا الشأن، لا يُلحَقُ شَأنُه، ولا يُشَقُّ غُباره، ولا كان له نظيرٌ في زمانه. وكان له إجازاتٌ عالية، ورُوي عنه أشياءُ من تصانيفه بالإجازة في حياته، واشتهر اسمُه في الأرض، وتفقَّه في حداثته على جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وغيره، وانتفع بصحبة جده لأمه القاضي أبي المفضل عيسى بن علي القرشي في النحو، ولازم الدرسَ والتفقُّه بالنظامية ببغداد، وصنف وجمع فأحسن, فمن ذلك تاريخ دمشق في ثمانمائة جزء. قلت (الذهبي): "الجزء عشرون ورقة، فيكون ستة عشر ألف ورقة", وجمع (الموافقات) في اثنين وسبعين جزءًا، و(عوالي مالك)، والذيل عليه خمسين جزءًا، و(غرائب مالك) عشرة أجزاء، و(المعجم) في اثني عشر جزءًا, و(مناقب الشبان) خمسة عشر جزءًا، و(فضائل أصحاب الحديث) أحد عشر جزءًا، (فضل الجمعة) مجلد، و(تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري) مجلد، و (المسلسلات) مجلد، و (السباعيات) سبعة أجزاء، (من وافقت كنيته كنيةَ زوجته) أربعة أجزاء، و (في إنشاء دار السنة) ثلاثة أجزاء، (في يوم المزيد) ثلاثة أجزاء، (الزهادة في الشهادة) مجلد، (طرق قبض العلم)، (حديث الأطيط)، (حديث الهبوط وصحته)، (عوالي الأوزاعي وحاله) جزءان, (الخماسيات) جزء، (السداسيات) جزء، (أسماء الأماكن التي سمع فيها)، (الخضاب)، (إعزاز الهجرة عند إعواز النصرة)، (المقالة الفاضحة)، (فضل كتابة القرآن)، (من لا يكون مؤتمنًا لا يكون مؤذِّنًا)، (فضل الكرم على أهل الحرم)، (في حفر الخندق)، (قول عثمان: ما تغنيت)، (أسماء صحابة المسند)، (أحاديث رأس مال شعبة)، (أخبار سعيد بن عبد العزيز)، (مسلسل العيد)، (الأبنة)، (فضائل العشرة) جزءان، (من نزل المزة)، (في الربوة والنيرب)، (في كفر سوسية)، (رواية أهل صنعاء)، (أهل الحمريين)، (فذايا)، (بيت قوفا)، (البلاط)، (قبر سعد)، (جسرين)، (كفر بطنا)، (حرستا)، (دوما مع مسرابا)، (بيت سوا)، (جركان)، (جديا وطرميس)، (زملكا)، (جوبر)، (بيت لهيا)، (برزة)، (منين)، (يعقوبا)، (أحاديث بعلبك)، (فضل عسقلان)، (القدس)، (المدينة)، (مكة)، كتاب (الجهاد)، (مسند أبي حنيفة ومكحول)، (العزل)، (الأربعون الطوال)،  (الأربعون البلدية) جزء، (الأربعون في الجهاد)، (الأربعون الأبدال)، (فضل عاشوراء) ثلاثة أجزاء، (طرق قبض العلم) جزء، كتاب (الزلازل)، (المصاب بالولد) جزءان، (شيوخ النبل)، (عوالي شعبة) اثنا عشر جزءًا، (عوالي سفيان) أربعة أجزاء، (معجم القرى والأمصار) جزء، وغير ذلك, وسرد له عدة تواليف. قال: وأملى أبي أربعمائة مجلس وثمانية. قال: وكان مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة، كان يجري ذكره عند ابن شيخه، وهو الخطيب أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي، فيقول: ما نعلم من يستحِقُّ هذا اللقب اليوم يعني: (الحافظ) ويكون حقيقًا به سواه. وقال القاسم: لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنه لا يساجِلَ الحافظ ابن عساكر في شأنه أحد، فلو خالط الناسَ ومازجهم كما أصنع، إذًا لاجتمع عليه الموافِقُ والمخالف, وقال لي أبو العلاء يومًا: أي شيء فتح له، وكيف ترى الناس له؟  قلت (الذهبي): "هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتصنيف والتسميع، حتى في نُزَهِه وخلواته"  ثم قال أبو العلاء: ما كان يسمَّى ابن عساكر ببغداد إلَّا شعلةَ نار؛ من توقُّدِه وذكائه وحُسنِ إدراكه. قال أبو المواهب: لم أرَ مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الجماعة في الخمس في الصف الأول إلَّا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عُرِضَت عليه، وقِلَّة التفاته إلى الأمراء، وأخْذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخُذُه في الله لومة لائم. قال لي: لَمَّا عزمت على التحديث، واللهُ المطَّلِعُ أنَّه ما حملني على ذلك حُبُّ الرئاسة والتقدم، بل قلت: متى أروي كُلَّ ما قد سمعته، وأيُّ فائدة في كوني أخَلِّفُه بعدي صحائف؟ فاستخرتُ الله، واستأذنت أعيانَ شيوخي ورؤساء البلد، وطُفت عليهم، فكُلٌّ قال: ومن أحقُّ بهذا منك؟ فشرعت في ذلك سنة ثلاث وثلاثين" كانت وفاة ابن عساكر في الحادي عشر من رجب، وله من العمر ثنتان وسبعون سنة، وحضر السلطان صلاح الدين الأيوبي جنازتَه ودُفِنَ بمقابر باب الصغير، وكان الذي صلى عليه الشيخُ قطب الدين النيسابوري.

العام الهجري : 158 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 775
تفاصيل الحدث:

هو العلَّامة الفقيهُ المجتهدُ الربَّاني الحنفي، أبو الهذيل زُفَر بن الهذيل بن قيس بن سلم وُلد سنة 110 في العراق. وكانت أسرة زُفر على جانبٍ مِن سَعة الرزق وبُحبوحة العيش، وهو ما ساعَده على الانصراف إلى طلب العلمِ دون أن يشغَلَ نفسَه بأعباءِ الحياة، فحَفِظَ القرآنَ صغيرًا واستقام به لسانُه، وتفتَّحَت مواهِبُه واستعَدَّت لطلب العلم، ومالت نفسُه ورَغِبَت في تلقِّي الحديثِ النبوي، فتردَّدَ على حلقاتِه واتصل بشيوخِه الأبرار، وفي مقدِّمتِهم محدِّث الكوفة سليمان بن مهران المعروف بالأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وسعيد بن أبي عَروبة، وإسماعيل بن أبي خالد، ومحمد بن إسحاق، وأيوب السختياني في أصبهان. ثم ذهب إلى أصبهان مع والده، في خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان أبوه قد تولَّى أمرَ أصبهان، وفي الفترة التي أقامها زُفَرُ في أصبهان أخذ عن عُلَمائها ومحدِّثيها المشهورين، حتى أصبحَ حافظًا مُتقنًا، وثِقةً مأمونًا. ولَمَّا رسخت قدمه في السُّنَّة أقبل عليه طلابُ العِلمِ يتعلَّمون على يديه، ويروونَ عنه أحاديثَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومن أشهَرِ هؤلاء: أبو نُعَيم الأصبهاني، وحسان بن إبراهيم، وأكثم بن محمد، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجرَّاح، وخالد بن الحارث. وكان زُفَرُ محدِّثًا بصيرًا وخبيرًا بفنون الحديثِ، وناقدًا دقيقًا، ويصف أبو نُعَيم ذلك بقوله: "كنتُ أعرِضُ الحديثَ على زُفَر، فيقول هذا ناسِخٌ وهذا منسوخ، وهذا يؤخَذُ به وهذا يُرفَض". وبلغ من سَعةِ عِلمِه وتمكُّنه من فنون الحديث وقدرتِه على التمييز بين درجاتِ الحديث من حيثُ الصِّحةُ والضَّعفُ أنه كان يقول للحافظ أبي نعيم: "هاتِ أحاديثَك، أُغَرْبِلْها لك غَربلةً"، ولَمَّا عاد إلى الكوفة وكانت تموجُ بحلقاتِ العلماء، استأنف اتصالَه بكبار الأئمة، وانتظم في حلقاتِهم، ونهَل من عِلمِهم، حتى اتَّصل بأبي حنيفة النعمان، وكان قد انتهت إليه رئاسةُ الفِقه في العراقِ، واتَّسَعت شهرتُه، فلازمه ملازمةً لصيقةً، حتى غلب عليه الفقهُ وعُرِفَ به، فقيل: "كان صاحِبَ حديثٍ، ثم غلَبَ عليه الفِقهُ". ويذكرُ أبو جعفر الطحاوي أنَّ سبب انتقال زُفَر إلى حلقةِ أبي حنيفةَ مسألةٌ فقهيَّةٌ أعيَتْه وأعيَتْ أصحابَه من المحدِّثين، وعجزوا عن حَلِّها، فلما أتى بها إلى أبي حنيفة أجابه إجابةً شافيةً، فكان ذلك أحدَ الأسبابِ التي دفعت بزُفَرَ إلى الاشتغالِ بالفقه والإقبال عليه، فالتزم أبا حنيفةَ أكثر من عشرين سنة، ووجد فيه الفَهمَ العميقَ والفِكرَ السَّديد، ومالت نفسُه إليه. ولَمَّا توفِّي أبو حنيفة النعمان خلَفَه في حلقتِه زُفَرُ بن الهذيل بإجماعِ تلامذةِ الإمام دونَ مُعارضةٍ، وقد رفض منصِبَ القضاء حين عُرِضَ عليه، وظل منقطعًا إلى العِلمِ، وقد توفِّيَ وهو في الثامنة والأربعين. قال الذهبي: ذكَره يحيى بن مَعين، فقال: ثقةٌ مأمون

العام الهجري : 583 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1187
تفاصيل الحدث:

لَمَّا أتت صلاحُ الدين البِشارةَ بهزيمة الإسبتارية والدواية، وقَتْل مَن قُتِل منهم، وأسْر مَن أُسِرَ في صفوريَّة، عاد عن الكرك إلى العسكَرِ الذي مع وَلَدِه الملك الأفضل، فنزل بالأقحوانةِ بقرب طبرية، وتقَدَّم صلاح الدين حتى قارب الفرنجَ، فلم يَرَ الفرنج من يمنَعُهم من القتال، ونزل جريدةً إلى طبرية وقاتلَهم، ونقَّبَ بعض أبراجها، وأخذَ المدينة عَنوةً في ليلة، ولجأ من بها إلى القلعةِ التي لها، فامتنعوا بها، وفيها صاحبتُها، فنهَبَ المدينةَ وأحرَقَها، فقَوِيَ عَزمُ الروم على التقَدُّم إلى المسلمين وقتالِهم، فرحلوا من مُعسكَرِهم الذي لَزِموه، وقَرُبوا من عساكِرِ الإسلام، فلما سمع صلاح الدين بذلك عاد عن طبريَّةَ إلى عسكره، وكان قريبًا منه، وإنما كان قَصدُه بمحاصرةِ طبريَّةَ أن يفارِقَ الفرنج مكانَهم للتمكُّنِ مِن قتالهم، وكان المسلمونَ قد نزلوا على الماء، والزَّمانُ قَيظٌ شديدُ الحر، فوجد الفرنجُ العَطشَ، ولم يتمكنوا من الوصولِ إلى ذلك الماء من المسلمين، وكانوا قد أفنَوا ما هناك من ماءِ الصهاريج ولم يتمكَّنوا من الرجوع خوفًا مِن المسلمين، فبَقُوا على حالهم إلى الغد، وهو يوم السبت، وقد أخذ العطشُ منهم، وأصبح صلاحُ الدين والمسلمونَ يوم السبت لخمسٍ بَقِينَ مِن ربيع الآخر، فرَكِبوا وتقَدَّموا إلى الفرنج، فركب الفرنجُ، ودنا بعضُهم من بعضٍ إلَّا أن الفرنجَ قد اشتَدَّ بهم العَطَشُ وانخَذَلوا، فاقتتلوا، واشتَدَّ القتال، وصبر الفريقان، ورمى المسلمونَ مِن النشاب ما كان كالجراد المنتَشِر، فقَتَلوا من خيول الفرنج كثيرًا. والفرنج قد جمعوا نفوسَهم براجِلِهم وهم يقاتلون سائرينَ نحو طبرية، لعَلَّهم يردون الماء. فلما عَلِمَ صلاح الدين مَقصِدَهم صَدَّهم عن مرادِهم، وكان بعضُ المتطَوِّعة من المسلمين قد ألقى في تلك الأرض نارًا، وكان الحشيش كثيرًا فاحترق، وكانت الريحُ على الفِرنجِ، فحَمَلت حَرَّ النار والدُّخان إليهم، فاجتمع عليهم العَطَشُ وحَرُّ الزمانِ وحَرُّ النار، والدُّخانُ، وحَرُّ القتال، فلما انهزم القُمُّص-كبير القساوسة- سُقِطَ في أيديهم وكادوا يستسلِمونَ، ثمَّ عَلِموا أنَّهم لا ينجِّيهم من الموتِ إلَّا الإقدام عليه، فحملوا حملاتٍ مُتداركة كادوا يزيلونَ بها المسلمينَ، على كثرتِهم، عن مواقِفِهم، لولا لُطفُ الله بهم، إلَّا أن الفرنجَ لا يَحمِلونَ حملةً فيَرجِعونَ إلَّا وقد قُتِلَ منهم، فوهنوا لذلك وهنًا عظيمًا، فأحاط بهم المسلمون إحاطةَ الدائرة بقُطرِها، فارتفع من بَقِيَ مِن الفرنج إلى تلٍّ بناحية حطين، وأرادوا أن ينصِبوا خيامَهم، ويجمُّوا نفوسَهم به، فاشتد القتالُ عليهم من سائر الجهات، ومنعوهم عمَّا أرادوا، ولم يتمَكَّنوا من نصب خيمةٍ غيرَ خيمةِ مَلِكِهم، وأخذ المسلمونَ صَليبَهم الأعظمَ الذي يسمُّونَه صليبَ الصلبوت، ويذكرون أنَّ فيه قطعة من الخَشَبة التي صُلِبَ عليها المسيحُ عليه السَّلامُ- بزَعمِهم- فكان أخذُه عندهم من أعظَمِ المصائب عليهم، وأيقنوا بعده بالقَتلِ والهلاك، هذا والقَتلُ والأسرُ يَعمَلانِ في فرسانهم ورجالتِهم، فبَقِيَ الملك على التلِّ في مقدار مائة وخمسين فارسًا من الفُرسان المشهورين والشُّجعان المذكورين، وكان سبَبُ سقوط الفرنج لَمَّا حملوا تلك الحملات ازدادوا عطشًا، وقد كانوا يرجون الخلاص في بعض تلك الحَمَلاتِ مِمَّا هم فيه، فلما لم يجِدوا إلى الخلاصِ طريقًا، نزلوا عن دوابِّهم وجلسوا على الأرض، فصَعِدَ المسلمون إليهم، فألقوا خيمةَ الملك، وأسرُوهم عن بَكرةِ أبيهم، وفيهم الملِكُ وأخوه والبرنس أرناط، صاحِبُ الكرك، ولم يكن للفرنجِ أشَدُّ منه عداوةً للمسلمين، وأسَروا أيضًا صاحِبَ جبيل، وابن هنفري، ومقدم الداوية، وكان من أعظم الفرنجِ شأنًا، وأسروا أيضًا جماعةً مِن الداوية، وجماعةً من الإسبتارية، وكثُرَ القتل والأسر فيهم، فكان من يرى القتلى لا يظُنُّ أنهم أَسَروا واحدًا، ومَن يرى الأسرى لا يظُنُّ أنهم قتلوا أحدًا! فلما فرغ المسلمونَ منهم نزل صلاح الدين في خيمتِه، وأحضر مَلِكَ الفرنجِ عنده، وبرنس أرناط صاحِبَ الكرك، وأجلس المَلِك إلى جانبه وقد أهلَكَه العَطَشُ، فسقاه ماءً مثلوجًا، فشَرِبَ، وأعطى فَضْلَه برنس صاحب الكرك، فشَرِبَ، فقال صلاح الدين: إنَّ هذا الملعون لم يشرَبِ الماءَ بإذني فينالَ أماني؛ ثمَّ كلَّم البرنس، وقَرَّعه بذنوبه، وعَدَّد عليه غَدَراتِه، وقام إليه بنفسه فضَرَبَ رَقَبتَه، وقال: كنتُ نَذَرتُ دفعتَينِ أن أقتُلَه إن ظَفِرتُ به: إحداهما لَمَّا أراد المسيرَ إلى مكة والمدينة، والثانية لَمَّا أخذ القافلةَ غدرًا، فلما قتَلَه وسُحِبَ وأُخرِجَ، ارتعدت فرائص الملك، فسَكَّن جأشَه وأمَّنَه.

العام الهجري : 73 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 692
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنين عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَير بنِ العوَّام بن خُوَيلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَي بن كلِاب بن مُرَّة: أبو بكر، وأبو خُبَيب القرشيُّ الأَسديُّ المكيُّ، ثم المدنيُّ, أحد الأعلام، كان عبدُ الله أول مولودٍ للمهاجرين بالمدينةِ, وُلِدَ سنة اثنتين، وقيل: السنة الأولى من الهجرة, ولَمَّا بلغ سبع سنين جاء ليبايِعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فتبسَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين رآه مُقبِلًا، ثم بايَعَه. له رواية أحاديثَ، وهو من صِغار الصَّحابة، وإن كان كبيرًا في العِلمِ والشَّرفِ والجهادِ والعبادةِ، وقد روى عن أبيه وجَدِّه لأمه الصِّدِّيق، وأمِّه أسماءَ، وخالتِه عائشةَ، وعن عُمَر وعُثمان، وغيرِهم، وحدث عنه: أخوه عُروةُ الفقيهُ، وابناه: عامرٌ وعَبَّاد، وابنُ أخيه: محمد بن عروة، وكان فارسَ قُريشٍ في زمانه، وله مواقِفُ مشهودة. أدرك ابنُ الزبير من حياةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانيةَ أعوام وأربعة أشهر, وكان ملازمًا لبيت رسول الله؛ لكونِه من آله، فكان يتردَّدُ إلى بيت خالته عائشةَ, وفي يوم اليرموك أركب الزبيرُ وَلَده عبد الله فرسًا وهو ابن عشر سنين، ووكل به رجلًا، شَهِدَ يوم الجمَلِ مع خالته، كما شهد فتح المغرب، وغزوَ القُسطنطينية. كان معاوية رضي الله عنه في عهدِه إذا لقي ابنَ الزبير يقول: مرحبًا بابنِ عَمَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنِ حواريِّ رسولِ الله، لما توفي يزيدُ بويعُ ابنُ الزبير بالخِلافةِ سنة 64هـ، فحكم الحِجازَ واليمن ومصر والعراق وخراسان، وبعضَ الشام، ولم يستوسق له الأمر، ومن ثم لم يَعُدَّه بعض العلماء في أمراء المؤمنين، وعَدَّ دولتَه زمَنَ فُرقة، فإنَّ مروان غلب على الشامِ ثم مصر، وقام بعد مَصرَعِه ابنُه عبد الملك بن مروان، وحاربَ ابنَ الزُّبير، فلم يزَلْ يحاربه حتى ظَفِر به, فأخذ العراقَ، ثم أرسل الحجَّاجَ إلى مكة وأخذها مِن ابن الزبير بعد أن خذله من كان معه خِذلانًا شديدًا، وجعلوا يتسلَّلون إلى الحَجَّاج، وجعل الحجَّاج يَصيح: أيها الناسُ, علامَ تقتُلون أنفُسَكم? من خرج إلينا فهو آمِنٌ, لكم عهدُ الله وميثاقُه، ورَبِّ هذه البِنيةِ لا أغدِرُ بكم، ولا حاجةَ في دمائكم. قتله الحجَّاجُ ثم صَلَبه، وكان آدم نحيفًا, ليس بالطويلِ, بين عينيه أثرُ السجود, فغسَّلَتْه والدته أسماءُ بنت أبي بكر بعد ما تقَطَّعت أوصاله، فحنَّطَتْه وكفَّنَتْه، وصَلَّت عليه، وجعلت فيه شيئًا حين رأته يتفسَّخُ إذا مسَّتْه, ثم حملته فدفنته بالمدينة في دار صفيةَ أم المؤمنين. قال عروة بن الزبير: لم يكن أحدٌ أحَبَّ إلى عائشة بعد رسول الله من أبي بكرٍ، وبعدَه ابنُ الزبير، وإذا ذُكِرَ ابن الزبير عند ابن عباس، قال: (قارئٌ لكتاب الله, عفيفٌ في الإسلام, أبوه الزُّبَير، وأمُّه أسماء، وجَدُّه أبو بكر، وعَمَّته خديجةُ، وخالته عائشةُ، وجدَّتُه صفية)، وكان عمرُو بن دينار يقول: (ما رأيت مُصليًّا قطُّ أحسَنَ صلاةً من عبد الله بن الزبير، وكان يسمى حمامةَ المسجِدِ).

العام الهجري : 714 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1314
تفاصيل الحدث:

في نصف المحرَّمِ اتَّفَق أنَّه كان للنصارى مجتَمَعٌ بالكنيسة المعَلَّقة بمصر، واستعاروا من قناديلِ الجامِعِ العتيق جملةً، فقام في إنكارِ ذلك الشيخ نور الدين علي بن عبد الوارث البكري (وهو من أعداء شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة الذين كانوا قد سَعَوا في أذاه، مع أنَّ شيخَ الإسلام شَفَع فيه أيضًا لما طُلب من جهته)، وجمَعَ مِن البكريَّة وغيرِهم خلائِقَ، وتوجَّه إلى المعلقة وهَجَم على النصارى وهم في مجتَمَعِهم وقناديلُهم وشموعُهم تُزهِرُ، فأخرقَ بهم وأطفأ الشموعَ وأنزل القناديلَ، وعاد البكريُّ إلى الجامع، وقصد القومةَ، وجمع البكريُّ الناسَ معه على ذلك، وقصد الإخراقَ بالخطيب، فاختفى منه وتوجَّه إلى الفخر ناظِرِ الجيش وعَرَّفه بما وقع، وأنَّ كريمَ الدين أكرم هو الذي أشار بعاريَّة القناديلِ، فلم يَسَعْه إلَّا موافقَتُه، فلمَّا كان الغَدُ عرَّفَ الفَخرُ السلطانَ بما كان، وعَلِمَ البكري أنَّ ذلك قد كان بإشارة كريم الدين، فسار بجَمعِه إلى القلعة واجتمع بالنائِبِ وأكابر الأمراء، وشَنَّع في القول وبالغَ في الإنكار، وطلب الاجتماعَ بالسلطان، فأحضر السُّلطانُ القضاة والفُقهاءَ وطلب البكريَّ، فذكر البكريُّ من الآيات والأحاديث التي تتضَمَّنُ معاداة النَّصارى، وأخذ يحُطُّ عليهم، ثم أشار إلى السلطانِ بكلامٍ فيه جفاءٌ وغِلظةٌ حتى غَضِبَ منه عند قولِه: أفضَلُ المعروفِ كَلِمةُ حَقٍّ عند سلطان جائر، وأنت وَلَّيت القبطَ المسالمةَ، وحَكَّمْتَهم في دولتك وفي المسلمين، وأضعْتَ أموال المسلمين في العمائِرِ والإطلاقاتِ التي لا تجوز، إلى غير ذلك، فقال السلطانُ له: ويلك! أنا جائِرٌ؟ فقال: نعم! أنت سَلَّطتَ الأقباط على المسلمين، وقَوَّيت دينَهم، فلم يتملَّكِ السلطانُ نفسَه عند ذلك، وأخذ السَّيفَ وهَمَّ بضربه، فأمسك الأميرُ طغاى يده، فالتَفَت السلطان إلى قاضي القضاة زين الدين بن مخلوف، وقال: هكذا يا قاضي يتجَرَّأُ عليَّ؟ أيش يجبُ أفعل به؟ قل لي!، وصاح به، فقال له ابن مخلوف: ما قال شيئًا يُنكَرُ عليه فيه، ولا يجِبُ عليه شيء، فإنه نقل حديثًا صحيحًا، فصرخ السلطانُ فيه وقال: قمْ عني!، فقام مِن فَورِه وخرج، فقال صدر الدين بن المرحل- وكان حاضرًا- لقاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعي: يا مولانا! هذا الرجل تجرَّأ على السلطانِ، وقد قال الله تعالى آمرًا لموسى وهارون حين بعَثَهما إلى فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} فقال ابن جماعة للسلطان: قد تجرَّأَ ولم تبقَ إلَّا مَراحِمُ مولانا السُّلطان، فانزعج السلطانُ انزعاجًا عظيمًا، ونهض عن الكرسي، وقَصَد ضربَ البكريِّ بالسَّيف، فتقدَّم إليه طغاي وأرغون في بقية الأمراء، وما زالوا به حتى أمسك عنه، وأمر بقَطعِ لسانه، فأخرج البكريُّ إلى الرحبة، وطُرِحَ إلى الأرض، والأميرُ طغاي يشير إليه أن يستغيثَ، فصرخ البكريُّ وقال: أنا في جيرةِ رسول الله، وكررها مرارًا حتى رقَّ له الأمراء، فأشار إليهم طغاي بالشَّفاعة فيه، فنهضوا بأجمَعِهم وما زالوا بالسلطانِ حتى رسم بإطلاقِه وخروجِه مِن مصر، وأنكر الأميرُ أيدمر الخطيري كونَ البكري قوى نفسَه أولًا في مخاطبة السلطان، ثمَّ إنَّه ذل بعد ذلك، ونسب إلى أنَّه لم يكن قيامُه خالصًا لله.