شَهِدت سواحِلُ الخليج العربي عملياتِ مسحٍ بريطانيةً لِموانئ اللؤلؤ في جزر البحرين والتعرف على المنطقة، وازداد في الوقت نفسِه نشاطُ القواسم البحري- أتباع دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب- في تتَبُّع السفن البريطانية في المحيط الهندي، حتى وصلوا لمسافة لا تبعُدُ عن بومباي نفسها سوى ستين ميلًا، وكان من جراء ذلك المخطط إرسالُ الحملة البريطانية التي أبحَرت من بومباي بقيادة الجنرال كير نحو رأس الخيمة، وهناك أبدى القواسم فرسانُ البحر الشجعانُ أروعَ صور البسالة والبطولة في الدفاع عن المنطقة، ولكِنَّ البريطانيين الذين استمَرُّوا في ضرب معاقل القواسم بالمدافع لمدى ستة أيام من سفنِهم، أدى إلى تدمير القواسم وحرق سفنِهم بالكامل، فكان هذا من تمام السيطرة البريطانية على الخليجِ العربي.
خرج عليُّ بنُ إسحاق المعروفُ بابن غانية، وهو من أعيان الملثَّمين- المرابطين- الذين كانوا ملوك المغرب، وهو حينئذٍ صاحبُ جزيرة ميورقة، إلى بجاية فمَلَكَها، وسبب ذلك أنه لَمَّا سمع بوفاة يوسف بن عبد المؤمن عَمرَ أسطولَه، فكان عشرين قطعةً وسار في جموعه فأرسى في ساحل بجاية، وخرجت خيلُه ورجالُه من الشواني فكانوا نحو مائتي فارس من الملثَّمين وأربعة آلاف راجل، فدخل مدينةَ بجاية بغير قتالٍ؛ لأنه اتفق أنَّ واليَها سار عنها قبل ذلك بأيامٍ إلى مراكش ولم يترُكْ فيها جيشًا ولا ممانِعًا؛ لعدم عدو يحفَظُها منه، فجاء الملثَّم ولم يكن في حسابِهم أنه يُحَدِّثُ نفسَه بذلك، فأرسى بها ووافقه جماعةٌ من بقايا الدولة بني حماد وصاروا معه فكَثُرَ جَمعُه بهم وقَوِيَت نفسه، فسَمِعَ خبره والي بجاية فعاد من طريقِه ومعه من الموحِّدين ثلاثمائة فارس، فجمع من العربِ والقبائل الذين في تلك الجهاتِ نحو ألف فارس، فسَمِعَ بهم الملثم وبقربهم منه، فخرج إليهم وقد صار معه قَدرُ ألف فارس، وتواقفوا ساعة فانضاف جميعُ الجموع التي كانت مع والي بجايةَ إلى الملثم، فانهزم حينئذٍ والي بجاية ومَن معه من الموحِّدين وساروا إلى مراكش، وعاد الملثَّم إلى بجاية فجمع جيشَه وخرج إلى أعمالِ بجايةَ فأطاعه جميعُهم إلا قسنطينة الهوى فحصرها إلى أن جاء جيشٌ من الموحدين من مراكِشَ في صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة في البر والبحر، وكان بها يحيى وعبد الله أخو علي بن إسحاق الملثم، فخرجا منها هاربَينِ ولحقا بأخيهما فرحل عن قسنطينة وسار إلى إفريقيَّةَ.
كانت سَلْطنة عُمانَ من بيْن أوائل الدُّول التي نالَت استقلالَها في المنطقةِ. بعدَ أنْ أنهى السُّلطان قابوس دِراساتِه العسكريةَ في لَنْدن وقِيامِه بجولةٍ حولَ العالم، تمَّ استدعاؤه إلى الوطَنِ، ووُضِعَ قابوس في عُزْلة في قصْر صلالةَ؛ بسَبب تَعارُض أفكارِه التقدُّميةِ العالمية مع مُيول والِدِه في الإبقاءِ على محافظةِ وانعزاليةِ عُمان. وبدَعْمٍ مِن البريطانيين والصَّفوة السياسية في عُمان استولَى السُّلطان قابوس (البالغ مِن العُمر 30 عامًا) على الحكْمِ إثرَ انقلابٍ نفَّذه ضِدَّ أبيه سعيدِ بن تَيمور، ثم نَفى والدَه إلى لَندن؛ حيث مات هناك عام 1972م، وما إنْ تَسلَّم السُّلطانُ قابوس السُّلطةَ في يوليو 1970م حتى حصَل على اعترافٍ عالميٍّ كامل يَمنَحُه الاستقلالَ التامَّ عن بِريطانيا. وتمَّ تَغييرُ اسمِ الدَّولة من "سَلْطنة مسْقطَ وعُمان" إلى "سَلْطنة عُمان"، وبالإضافةِ إلى دَور قابوس كسُلْطانٍ يَشغَلُ قابوس مناصبَ رئيسِ الوزراء، ووزيرِ الخارجية، ووزيرِ الماليَّة، ووزيرِ الدِّفاع. جاء آل بوسعيد إلى حُكْمِ عُمان عام 1154هـ / 1741م، وما زالوا يَحكُمون إلى الآن، ويعودُ تاريخُ بوسعيد إلى أحمدَ بنِ سعيد الذي عُيِّن مُستشارًا لسيف بنِ سُلطان، آخِر مَن حكَمَ عُمان مِن اليعاربةِ، فلمَّا رأى اضطرابَ الأمورِ في البلادِ، وضَعْفَ الحاكمِ سيفِ بن سُلطان، وتفتُّتَ البلاد في عهْدِه؛ عمِلَ على تَوحيد الصُّفوف، وقضى على القواتِ الفارسيةِ الموجودةِ بالبلاد، وعلى إثْر ذلك بُويِعَ إمامًا للبلادِ، وتوالى الأئمةُ مِن آل بوسعيد حتى آل الأمْرُ للسُّلطان قابوس بنِ سعيد.
بدأت سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر من جانب، وممثِّلي كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن واليمن من جانب آخرَ، وهي المشاورات التي أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسين بخصوص موضوع الوحدة العربية: الاتجاه الأول يدعو إلى ما يمكِنُ وصفه بالوَحدة الإقليمية الفرعية وقوامها سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب. والاتجاه الثاني يدعو إلى نوعٍ أعَمَّ وأشمل من الوحدة يظلِّلُ عموم الدول العربية المستقلة، وإن تضمَّنَ هذا الاتجاه بدوره رأيين فرعيين: أحدهما يدعو لوحدة فيدرالية أو كونفدرالية بين الدول المعنية، والآخر يطالب بصيغةٍ وسط تحقِّقُ التعاون والتنسيق في سائر المجالات وتحافِظُ في الوقت نفسه على استقلال الدول وسيادتها. وعندما اجتمعت لجنةٌ تحضيرية من ممثلين عن كلٍّ مِن سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن (بصفة مراقب) في الفترة 25/9 إلى 7/10/ 1944م رجحت الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمَسُّ استقلالها وسيادتها. كما استقرت على تسمية الرابطة المجسِّدة لهذه الوحدة بـ "جامعة الدول العربية" وآثرَتْه على مسمى "التحالف" و"الاتحاد". وعلى ضوء ذلك تم التوصلُ إلى بروتوكول الإسكندرية الذى صار أوَّلَ وثيقة تخصُّ الجامعة، والذي نص على المبادئ الآتية: - قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلةِ التي تقبَلُ الانضمام إليها، ويكون لها مجلِسٌ تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة. مهمةُ مجلس الجامعة هي: مراعاة تنفيذ ما تبرِمُه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقياتٍ، وعَقدُ اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها، والتنسيق بين خططها السياسية تحقيقًا للتعاون فيما بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكِنة، والنظر بصفةٍ عامة في شؤون البلاد العربية. قرارات المجلِس مُلزِمة لِمن يقبلُها فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلافٌ بين دولتين من أعضاء الجامعة، ويلجأ الطرفان إلى المجلسِ لفَضِّ النزاع بينهما. ففي هذه الأحوال تكون قراراتُ المجلس مُلزِمة ونافذة. لا يجوزُ الالتجاء إلى القوة لفَضِّ المنازعات بين دولتين من دول الجامعة، كما لا يجوزُ اتِّباع سياسة خارجية تضرُّ بسياسة جامعة الدول العربية، أو أية دولة من دولها. يجوزُ لكل دولة من الدول الأعضاء بالجامعة أن تعقِدَ مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقاتٍ خاصةً لا تتعارَضُ مع نصوص هذه الأحكام وروحها. وأخيرًا الاعترافُ بسيادة واستقلال الدول المنظمة إلى الجماعة بحدودها القائمة فعلًا. كما اشتمل البروتوكول على قرار خاص بضرورة احترام استقلال لبنان وسيادته، وعلى قرارٍ آخَرَ باعتبار فلسطين ركنًا هامًّا من أركان البلاد العربية، وحقوق العرب فيها لا يمكن المساسُ بها من غير إضرارٍ بالسلم والاستقلال في العالم العربي، ويجِبُ على الدول العربية تأييدُ قضية عرب فلسطين بالعمل على تحقيقِ أمانيهم المشروعة، وصون حقوقهم العادلة!! وأخيرًا نص في البروتوكول على أن (تُشكَّل فورًا لجنةٌ فرعية سياسية من أعضاء اللجنة التحضيرية المذكورة للقيام بإعداد مشروع لنظام مجلس الجامعة، ولبحث المسائل السياسية التي يمكن إبرامُ اتفاقيات فيها بين الدول العربية) ووقع على هذا البروتوكول رؤساءُ الوفود المشاركة في اللجنة التحضيرية، وذلك في 7/10/1944 باستثناء السعودية واليمن اللتين وقعتاه في 3/1/1945 و5/2/1945 على التوالي بعد أن تمَّ رفعُه إلى كلٍّ من الملك عبد العزيز آل سعود، والإمام يحيى حميد. ولقد مثَّلَ هذا البروتوكول الوثيقةَ الرئيسية التي وُضِع على أساسها ميثاقُ جامعة الدول العربية، وشارك في إعداده -أي الميثاق- كلٌّ من اللجنة السياسية الفرعية التي أوصى بروتوكول الإسكندرية بتشكيلِها، ومندوبي الدول العربية الموقِّعين على بروتوكول الإسكندرية، مضافًا إليهم مندوب عام كلٍّ من السعودية واليمن، وحضر مندوب الأحزاب الفلسطينية كمراقب. وبعد اكتمال مشروع الميثاق كنتاج لستة عشر اجتماعًا عقدتها الأطراف المذكورة بمقَرِّ وزارة الخارجية المصرية في الفترة بين 17/2 و3/3/1945 أُقِرَّ الميثاق بقصر الزعفران بالقاهرة في 19/3/1945 بعد إدخال بعض التنقيحات عليه. وفى 22/3/1945 تم التوقيعُ على ميثاق جامعة الدول العربية من قِبَل مندوبي الدول العربية عدا السعودية واليمن اللتين وقَّعتا على الميثاق في وقت لاحق. وحضر جلسة التوقيع ممثِّلُ الأحزاب الفلسطينية، وأصبح يوم 22 مارس من كل عامٍ هو يومَ الاحتفال بالعيد السنوي لجامعة الدول العربية.
هو المُعِزُّ لدين الله أبو تميمٍ مُعدُّ بن المنصور بالله إسماعيل بن القائم بأمر الله أبي القاسم محمد بن المهدي أبي محمد عبيد الله، العُبَيديُّ المهدويُّ صاحِبُ المغرب. بُنِيَت له القاهرة, وكان وليَّ عَهدِ أبيه. ولي سنة 341، وسار في نواحي إفريقيَّةَ يمَهِّدُ مُلكَه، فذَلَّل الخارجين عليه، واستعمل مماليكَه على المدُنِ، واستخدم الجُندَ، وأنفق الأموالَ، وجهَّز مملوكَه جوهرًا القائِدَ في الجيوشِ. فسار فافتتح سجلماسة، وسار إلى أن وصل البحرَ الأعظمَ، فلمَّا مات كافور بَعَث المعِزُّ جَيشَه لِمِصر بقيادةِ جَوهر, فأخذها له ثمَّ انتقل لها المعِزُّ ودخلها سنة 362. قال الذهبي: " كان المعِزُّ عاقِلًا لبيبًا حازمًا، ذا أدبٍ وعِلمٍ ومعرفةٍ وجَلالةٍ وكَرَمٍ، يرجِعُ في الجملةِ إلى عَدلٍ وإنصافٍ، ولولا بِدعتُه ورَفضُه، لكان من خيارِ المُلوكِ ". كان موتُه سابع عشر من شهر ربيع الآخر، وكان سبب موته الحُمَّى؛ لشدَّة ما وجد من كلامٍ على مُلكِه ومملكتِه، واتَّصَل مرضُه حتى مات، وكانت ولايتُه ثلاثًا وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام، منها مُقامُه بمصر سنتان وتسعة أشهر، والباقي بإفريقيَّة، وهو أوَّلُ حُكَّام العُبَيديِّين مَلَك مصر، وخرج إليها، وكان مُغرمًا بالنجوم، ويعمل بأقوالِ المنجِّمينَ، قال له منجِّمُه: إنَّ عليه قطعًا في وقتِ كذا، وأشار عليه بعمَلِ سردابٍ يختفي فيه إلى أن يجوزَ ذلك الوقت، ففعل ما أمَرَه وأحضر قوَّادَه، فقال لهم: إنَّ بيني وبين الله عهدًا أنا ماضٍ إليه، وقد استخلفتُ عليكم ابني نزارًا، يعني العزيز، فاسَمَعوا له وأطيعوا، ونزَل السردابَ، فغاب سنةً ثم ظهر، وبقِيَ مدَّةً، ومرِضَ وتوفِّيَ، فستَرَ ابنُه العزيز موتَه إلى عيد النَّحرِ مِن السنة، فصلى بالنَّاسِ وخَطَبَهم، ودعا لنفسِه، وعزَّى بأبيه، ولَمَّا استقَرَّ العزيزُ في الملك أطاعه العسكرُ، فاجتمعوا عليه، وكان هو يدبِّرُ الأمورَ منذ مات أبوه إلى أن أظهَرَه، ثم سيَّرَ إلى الغرب دنانيرَ عليها اسمُه، فُرِّقَت في النَّاسِ.
كان فيض الله أفندي معلم السلطان قبل جلوسه على كرسي السلطنة، وكان السلطان ولَّاه مسند المشيخة الإسلامية وصار يستشيره في كل الأمور، فأغاظ ذلك الصدر الأعظم حسين باشا كوبريلي لتدخُّل شيخ الإسلام في الأحوال السياسية التي ليست من متعلقات وظيفته أصلًا، وكان القبودان ميزه مورتو حسين باشا مدة حياته يجتهد في التأليف بينه وبين الصدر ويزيل النفور من قلوبهما، إلا أنه بعد وفاة القبودان استبدَّ الشيخ فيض الله أفندي في آرائه وأظهر العظمة، فلم يتحمل الصدر ذلك وقدم استعفاءه من الصدارة سنة 1114هـ, ثم أقام حسين باشا كوبريلي في ضيعة له منفردًا حتى مات بعد سبعة عشر يومًا ونُقلت جثته إلى إستانبول، ودفن في مدرسته المشهورة. وبعد أن استقال الصدر حسين باشا كوبريلي وجه السلطان الصدارة إلى دال طبان مصطفى باشا الذي التزم السير على الخطة التي يرسمها له شيخ الإسلام أفندي، ولما كان هذا الصدر يميل للحرب والقتال في الوقت الذي كانت فيه الدولة في أشد الاحتياج للمسالمة والراحة بعد الحروب الطويلة لتلتفت لإصلاح أحوالها الداخلية اختلت بذلك أحوال السياسة، وارتبكت العلاقات الخارجية حتى خيف على روابط السلم أن تنقطع, فلما تحقق للسلطان وبقية الوزراء أن الصدر دال طبان بخطته هذه سيوقع الدولة فيما تخافه من الحروب, وبعد أن وقع اضطراب وشغب بين صفوف الجنود، تم عزل الصدر دال طبان مصطفى باشا ثم قُتل، وعُين للصدارة رامي محمد باشا، وكان عالِمًا بالأمور الإدارية والأحوال السياسية، وقد تمكن بمساعدة محاميه شيخ الإسلام من تحسين الأحوال وإصلاحها، إلا أن شيخ الإسلام كان يميل إلى التغلب والتحكم في كافة الأمور، والصدر يريد مراعاة حقوق مقام الصدارة العظمى، أخذ يفكر في منع تسلط الشيخ الذي لما أحس بذلك أشعل نار الفتنة حتى استفحل أمر الهياج بين الجنود، وكان السلطان في ذلك الوقت بأدرنة -مدينة في إقليم تراقيا شمال غرب تركيا- لتولعه بالقنص كأبيه، ثم انتهت الفتنة بقتل شيخ الإسلام فيض الله أفندي.
كان المنصورُ الفاطميُّ- صاحِبُ إفريقيَّةَ- قد استعمَلَ على صقليَّة سنة 336 الحسَنَ بنَ علي بن أبي الحسين الكلبي، فدخلها واستقَرَّ بها، وغزا الرومَ الذين بها عدَّةَ غَزَوات، فاستمَدُّوا مَلِكَ قسطنطينيَّة فسيَّرَ إليهم جيشًا كثيرًا، فنزلوا أذرنت، فأرسل الحسَنَ بنَ علي إلى المنصور يعَرِّفه الحال، فسيَّرَ إليه جيشًا كثيفًا مع خادِمِه فرح، فجمع الحسَنُ جُندَه مع الواصلين وسار إلى ريو، وبثَّ السَّرايا في أرض قلورية، وحاصر الحسَنُ جراجةَ أشَدَّ حِصارٍ، فأشرف أهلُها على الهلاكِ مِن شِدَّةِ العَطَشِ، ولم يبقَ إلَّا أخذُها، فأتاه الخبَرُ أنَّ عسكرَ الرومِ واصِلٌ إليه، فهادن أهلَ جراجة على مالٍ يؤدُّونَه، وسار إلى الرومِ، فلمَّا سَمِعوا بقُربِه منهم انهزموا بغيرِ قِتالٍ، وتركوا أذرنت، ونزل الحسَنُ على قلعة قسانة، وبثَّ سراياه تَنهَبُ، فصالحه أهلُ قسانة على مالٍ، ولم يزَلْ كذلك إلى شَهرِ ذي الحجة، وكان المصافُّ بين المسلمين وعسكَرَ قسطنطينية ومن معه من الرومِ الذين بصقلية، ليلةَ الأضحى، واقتتلوا، واشتدَّ القتال، فانهزم الروم ورَكِبَهم المسلمون يقتلونَ ويأسِرونَ إلى اللَّيلِ، وغَنِمُوا جميعَ أثقالهم وسلاحِهم، ودوابِّهم، وسيَّرَ الرؤوسَ إلى مدائن صقلية، وإفريقية، وحصر الحسَنُ جراجة، فصالحوه على مالٍ يَحمِلونه، ورجع عنهم، وسيَّرَ سَرِيَّة إلى مدينة بطرقوقة، ففتحوها وغَنِموا ما فيها، ولم يزَل الحسن بجزيرةِ صقليَّة إلى سنة إحدى وأربعين، فمات المنصورُ، فسار عنها إلى إفريقيَّة، واتصل بالمعزِّ بن المنصور، واستخلف على صقليَّة ابنَه أبا الحُسين أحمد.
هو المَلِكُ القاهر عزُّ الدين مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، صاحِبُ الموصل، توفِّيَ ليلة الاثنين لثلاثٍ بقِينَ من شهر ربيع الأول، وكانت ولايتُه سبع سنين وتسعة أشهر، وكان سبب موته أنَّه أخذته حمى، ثم فارقته الغد، وبقي يومينِ موعوكًا، ثم عاودته الحُمَّى مع قيءٍ كثير، وكربٍ شديد، وقلق متتابعٍ، ثم برد بدَنُه، وعَرقَ، وبَقِيَ كذلك إلى وسط الليل، ثم توفِّيَ، وقيل مات مسمومًا، وكان لما حضرته الوفاة أوصى بالملك لولدِه الأكبر نور الدين أرسلان شاه، وعُمُره حينئذ نحو عشر سنين، وجعل الوصيَّ عليه والمدبِّر لدولته بدر الدين لؤلؤًا، وهو الذي كان يتولى دولة القاهر ودولة أبيه نور الدين قبله، فلما قضى نحبَه قام بدر الدين بأمر نور الدين، وأجلسه في مملكةِ أبيه، وأرسل إلى الخليفةِ يطلب له التقليدَ والتشريف، وأرسل إلى الملوك، وأصحاب الأطراف المجاورين لهم، يطلبُ منهم تجديد العهد لنور الدين على القاعدةِ التي كانت بينهم وبين أبيه، فلم يصبِحْ إلَّا وقد فرغ من كل ما يحتاج إليه، وجلس للعزاء، وحَلَف الجند والرعايا، وضبط المملكة، وبعد أيامٍ وصل التقليد من الخليفة لنور الدين بالولاية، ولبدر الدين بالنظرِ في أمر دولته، والتشريفات لهما أيضًا، وأتتهما رسلُ الملوك بالتعزية، وبذل ما طلب منهم من العهود، واستقَرَّت القواعد لهما. ثم تغلب بدر الدين لؤلؤ على الموصِلِ، وملكها 40 سنة، وكان من قبلُ نائبًا بها ثم استَقَلَّ بالسلطنة وتلَقَّب بالملك الرَّحيم.
كانَ الطاهريُّون مشايخَ مَحلِّيينَ مِن منطقةِ رَداعَ حيث كانت لهمُ الرياسةُ فيها، وتابِعينَ لِبَني رَسولٍ، وقد توَطَّدتِ العَلاقةُ بينَ بَني طاهرٍ ودولةِ بَني رَسولٍ في أواخِرِ الدولةِ الرَّسوليةِ بمُصاهرةٍ تمت عامَ 836هـ بينَ المَلكِ الظاهرِ الرَّسوليِّ وابنةِ كَبيرِ آلِ طاهرٍ، الشَّيخِ طاهرِ بنِ معوضةَ، ثم صارَ آلُ طاهرٍ وُلاةً لآلِ رَسولٍ في جِهاتِهم، بل وامتَدَّ حُكمُهم إلى عَدَنٍ في فَتراتٍ لاحِقةٍ. وعندَما أيقنَ آلُ طاهرٍ مِن أنَّ أمرَ الرَّسوليِّينَ إلى زَوالٍ لا مَحالةَ، أعَدَّ الشيخُ علِيُّ بنُ طاهِرِ بنِ معوضةَ، الملقَّبُ بالمُجاهدِ مع أخيه المُلقَّبِ بالظافرِ، حَملةً لِحَربِ المَلكِ الرَّسوليِّ المَسعودِ في عَدَنٍ، ولكِنَّه عادَ مِن حَملتِه خائِبًا ولم يَتمَكَّنْ مِنَ القَضاءِ على خَصمِه المَسعودِ، ثم أعَدَّ نَفسَه إعدادًا أفضَلَ، فكَرَّرَ حَملَتَه على عَدَنٍ في عامِ 858هـ وتمكَّنَ هذه المرَّةَ مِن طَردِ المَسعودِ، ثم في شَهرِ رَجَبٍ مِنَ العامِ نَفسِه تمكَّنوا مِن دُخولِ عَدَنٍ وأسْرِ المؤيَّدِ هناك، آخرِ مُلوكِ دولةِ بَني رَسولٍ، وابتدأتِ الدولةُ الطاهريةُ بحُكم الأخوَيْنِ المُجاهدِ والظافرِ مِن آلِ طاهرٍ سنةَ 855هـ يَحكمان معًا، فبَسَطا سيطرتَهما على مناطقِ اليَمنِ، وأصبحا في حالةِ صِراعٍ مع الأئمةِ الزَّيديِّينَ، وفي حَربِ السيطرةِ على صَنعاءَ قُتِلَ المَلكُ الظافرُ، فتراجَعَ أخوه عنِ احتلالِها وترَكَها تحتَ سَيطرةِ الزَّيديِّينَ، بعدَ المَلكِ المُجاهدِ تولَّى ابنُ أخيه عبدُ الوهَّابِ بنُ داودَ الطاهريُّ، ولُقِّب بالمَنصورِ، وفي عهدِه انتقلت عاصمةُ الطاهريِّينَ مِن جُبَنَ إلى عَدَنٍ ثم تَعِزَّ، تولَّى بعدَه ابنُه عامرُ بنُ عبدِ الوهَّابِ، ولُقِّب بالظافرِ، وواجَه تمَرُّداتٍ وأخمَدَها، واستولى على ذِمارَ ثم دَخَل صَنعاءَ، حاول الإمامُ شَرَفُ الدِّينِ مُواجهةَ تَوسُّعِ الطاهريِّينَ، واتَّصلَ بالمماليكِ الشركسيةِ لِيُعينوه، وكانَ القائدُ المملوكيُّ حُسينٌ الكُرديُّ قد طلب مِنَ الطاهريِّينَ أنْ يُمدُّوه بقوةٍ في مُحاربةِ البُرتُغاليِّينَ، ولكنهم رَفضوا، فنزلَ إلى السَّواحلِ اليَمنيةِ وحارَبَهم، وكانت آخِرَ المَعارِكِ بَينَهم قُربَ صَنعاءَ، ولَقيَ المَلكُ الظافرُ عامِرُ بنُ عبدِ الوهَّابِ حَتفَه، وذلك عامَ 923هـ، وانتَهتْ بمَوتِه الدولةُ الطاهريةُ بعدَ 65 عامًا مِن قيامِها، ولم يَبقَ منها إلا جَيبُ عَدَنَ الذي تمكَّنَ الأميرُ عامرُ بنُ داودَ الطاهريُّ مِنَ الاحتِفاظِ به حتى قَضى عليه الأتراكُ.
وجَّه زيادةُ اللهِ بنُ الأغلب، صاحِبُ إفريقية، جيشًا لمحاربةِ فضل بن أبي العنبر بجزيرة شريك، وكان مخالفًا لزيادةِ الله، فاستمَدَّ فَضلٌ بعبد السلامِ بن المفرج الربعي، وكان أيضًا مخالفًا مِن عَهدِ فِتنةِ منصور الترمذي، فسار إليه، فالتَقَوا مع عسكر زيادة الله، وجرى بين الطائفتينِ قِتالٌ شديدٌ عند مدينة اليهود بالجزيرة، فقُتِلَ عبد السلام، وحُمِلَ رأسُه إلى زيادة الله، وسار فضلُ بن أبي العنبر إلى مدينة تونس، فدخلها وامتنَعَ بها، فسَيَّرَ زيادةُ الله إليه جيشًا، فحصروا فضلًا بها وضَيَّقوا عليه حتى فتَحُوها منه، وقُتِلَ وقت دخولِ العَسكرِ كثيرٌ مِن أهلِها، وهرب كثيرٌ مِن أهل تونس لَمَّا مُلِكَت، ثم آمَنَهم زيادة الله، فعادوا إليها.
هو أبو مُضَر زيادةُ اللهِ الثَّالث بنُ عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن سالم بن عقال بن خفاجة، هو زيادةُ اللهِ الأصغَرُ، وهو الأميرُ الحاديَ عشَرَ والأخير من أمراء الأغالبة بإفريقية، تولَّى الإمارةَ بعد أن قَتَلَ والِدَه وقَرابَتَه؛ ليخلو له الحُكمُ. كان غارِقًا في اللَّهوِ والمجونِ في وقتٍ كانت إمارتُهم تتعَرَّضُ لاجتياحِ الدَّعوةِ العُبَيديَّة على يدِ داعيتهم أبي عبد الله الشيعي، وقد خاض الشيعيُّ مع الأغالبة عِدَّةَ مَعارِكَ انتصروا فيها على جيوشِ الأغالبة. حتى هرب أبو مُضَرَ خَوفًا منهم على نَفسِه إلى المشرِقِ، فقدم دمشق سنة 302 مجتازًا إلى بغدادَ طالبًا عون الخليفة العباسيِّ له ليستردَّ حُكمَه في القيروان، لكنه توفي بالرملة، ودُفِنَ بها.
كان أبو الحَسَنِ بنُ المعَلِّم وزيرُ بَهاءِ الدولة البُويهيِّ, قد استولى على الأمورِ كُلِّها، وخَدَمَه النَّاسُ كُلُّهم، حتى الوزراء، فمنع أهلَ الكرْخِ وبابَ الطاقِ مِن النَّوْحِ يومَ عاشوراء، ومِن تعليق المُسُوحِ، الذي كان يُعمَلُ به من نحوِ ثلاثينَ سَنَة، وكان المقرِّبُ مَن قرَّبه، والمُبْعَدُ مَن بعَّده، فثَقُلَ على الأُمَراء أمرُه، ولم يُراعِهم هو، فأجابهم السُّلطانُ، فشَغَّبَ الجندُ في هذا الوقت، وشَكَوا منه، وطلبوا منه تسليمَه إليهم، فراجَعَهم بهاءُ الدولة، ووعَدَهم كَفَّ يَدِه عنهم، فلم يَقبَلوا منه، فقَبَض عليه وعلى جميعِ أصحابِه، فظَنَّ أنَّ الجُندَ يَرجِعون، فلم يرجِعوا، فسَلَّمَه إليهم، فسقوه السُّمَّ مَرَّتين، فلم يَعمَلْ فيه شيئًا، فخَنَقوه ودَفَنوه، وكان هذا الوزيرُ قد أبطل ما كان يفعَلُه الرَّافِضةُ يوم عاشوراء ومَنَعَهم من القيامِ بتلك البِدَع.
في المدَّة ما بين782 إلى 786, استولى تيمورلنك على خراسان وجرجان ومازندران وسجستان وأفغانستان، وفارس وأذربيجان وكردستان، ثمَّ في هذا العام دَبَّ الخلاف بين تيمورلنك وبين توقتاميش؛ إذ هاجم الأخيرُ ضواحيَ سمرقند ولم يكُنْ تيمورلنك فيها، فلما عاد تيمورلنك إلى قاعدة حكمه في سمرقند رجع توقتاميش إلى بلاده، ولم يمضِ طويلُ وقت حتى عاد توقتاميش للإغارةِ مَرَّةً أخرى على سمرقند؛ ممَّا شجع خوارزم على إعلان العصيان على تيمورلنك وتراجع توقتاميش بنيَّة استدراج تيمورلنك إلى سيبريا؛ لينقَضَّ عليه هناك، فسار تيمورلنك نحوَ الجرجانية إحدى مدن خوارزم، وفعل بأهلها الأفاعيل ليُرهِبَ به الأعداء، ثم إن تيمورلنك وتوقتاميش التقَيَا على نهر أورال وانتصر تيمورلنك في هذه المعركة، وتابع تيمورلنك مسيرَه ففتح مدينة سراي عاصمة مغول الشمال أو القبيلة الذهبية.
هو القائد البحار التركي عروج باشا بن يعقوب بن يوسف، وهو أخو خير الدين بربروسا باشا, ويرجع أصلُ الأخوين المجاهدينِ إلى الأتراك المسلمين الذين استقرُّوا في جزيرة مدللي إحدى جزر الأرخبيل, وأمهم سيدة مسلمة أندلسية كان لها الأثر على أولادها في تحويل نشاطهم شطرَ بلاد الأندلس التي كانت تئن في ذلك الوقت من بطش الإسبان والبرتغال, وكان لعروج وخير الدين أخوان مجاهدان أيضًا هما إسحاق ومحمد إلياس. قُتل عروج باشا عن عمر يناهز الثمانية والأربعين عامًا على يد الإسبان وهو يدافع عن تلمسان؛ حيث قتلوه وفصلوا رأسه عن جسده وأرسلوه إلى إسبانيا. وعروج باشا أحد كبار القادة البحريين الأتراك الذين كان لهم الدور الأكبر في الحفاظ على الوجود الإسلامي في شمال إفريقيا ومقاومة الهجمات الصليبية على تلك السواحل.