انتصر الجيشُ العثماني أيام عثمان الثاني الذي أعلن الجهادَ ضِدَّ بولونيا-بولندا- فأرسل جيشًا من الانكشارية بقيادة الوزير غازي إسكندر باشا، وتمكَّن العثمانيون من إبادة الجيش البولوني الذي كان يبلغ قوامُه ستين ألف جندي، ولم ينجُ من المعركة إلا أربعُمائة جندي بولوني فقط! وكان سبب المعركة هو تدخُّل بولونيا في شؤون إمارة البغدان من المجر. لكنْ حدَثَ الصُّلحُ بعد ذلك بناءً على رغبة بولونيا، وطلب الانكشارية الذين تَعِبوا من مواصلة القتال.
بعد أن تولى بلطجي محمد باشا الصدارة العظمى أعلن الحرب ضد روسيا وقاد الجيوش، فتمكن من حصار القيصر ومعه خليلته كاترينا الأولى، ومعه قرابة 200 ألف جندي، ولكن كاترينا التي قامت بإغراء الصدر الأعظم بالمال استطاعت أن تفكَّ الحصار، فنجا القيصرُ ومن معه من الإبادة أو الأسر، ووقعت معاهدة (فلكزن) في جمادى الآخرة من هذا العام بين الطرفين, تعهد فيها القيصر بعدم التدخل في شؤون القوزاق والتخلي عن ميناء آزوف.
استطاع شُجاع الملك في هذا العام أن يستوليَ على كابل ويخلعَ أخاه محمودًا ويسجنَه وأن يُعلِنَ عن نفسِه مَلِكًا في بيشاور، ولكِنْ لم يلبَثْ أن استطاع أخوه فتح خان أن يهزِمَه ففَرَّ شجاع إلى بلادِ الهند عام 1224هـ أمَّا أخوهم دوست محمد فبدأ يقوَى نفوذُه حتى استولى على كابل، ولَقَّبَ نفسَه أميرَ كابل، فاستنجد شجاعٌ بالإنكليز الذين وطَّدوا نفوذَهم بالهند فأرسلوا جيشًا دخل كابل ونصَبوا شجاعَ الملك حاكِمًا عليها.
بعد مَقتلِ الملك عبد الله تُوِّجَ ابنُه الأكبر طلال بن عبد الله خلفًا لوالِدِه، ولكن خلال عام أجبره البرلمان الأردني على التنحِّي عن المُلكِ بدعوى أنَّه مصاب بمرض عقليٍّ أو نفسي، فأُعلن ابنُه الأمير حسين ملكًا على الأردن، وذلك في 11 أغسطس 1952 وكان عمره آنذاك 17 سنة، ولم يكنْ يبلغ السن القانونية، فشُكِّلَ مجلِسٌ للوصاية على العرشِ، وتم تتويجُه ملِكًا في 2 مايو عام 1953.
اقتَحَمت قوَّاتُ الاحتلالِ الإسرائيليِّ المسجِدَ الأقصى، وتسلَّقَ عددٌ من جنودِ الاحتلالِ أسطُحَ المباني المحيطةِ بالمسجِدِ الأقصى، وأخلَوْا ساحةَ المسجِدِ، وأغلقوا مُعظَمَ الأبوابِ المؤدِّيةِ إليه.
وكان وراءَ هذا الاقتحامِ عدَّةُ مُنظَّماتٍ دينيَّةٍ يهوديَّةٍ متطرِّفةٍ أعلنت أنَّها ستقيمُ شعائِرَ دينيَّةً في باحةِ المسجِدِ الأقصى بمناسَبةِ عيدِ الفصحِ اليهوديِّ. ولكِنْ تصدَّى لهم الفِلَسطينيُّونَ، وتحوَّلت هذه التجمُّعاتُ إلى حربٍ استمرَّت 11 يومًا بين الفِلَسطينيِّينَ وجنودِ الاحتلالِ.
كان البابا بيوس الثاني ترأس اجتماع التحالف الذي عُقد في مدينة ريجنس بورغ في نيسان سنة 858 (1454م) بعد فتح محمد الفاتح القسطنطينية، وعاهدته على حرب العثمانيين ثلاثون دولة في أوربا وآسيا، ففي آسيا تحالفت دولة كرجستان جورجيا، ودولة الخرفان البيض آق قويونلو التركمانية المخالِفة للعثمانيين، والمسيطرة على إيران بزعامة حسن الطويل التتري أوزون حسن، ولكن محمد الفاتح لم يهتز لذلك التحالف، بل صمم على المواجهة، وعدم الخضوع للابتزاز، فبدأت الحرب الكبرى في سنة 867 (3 أبريل 1463م)، فهجم الفرنجة من الغرب مع بقية الأوربيين والبابوية، فتصدى للهجوم الأوربي الصدر الأعظم محمود باشا، ومات البابا في طريقه إلى الحرب سنة 867 (1464م) وخاض السلطان معارك عديدة ضد البندقية، وقاد الفاتح غزوة في صيف سنة 874 (1470م) اجتاح فيها قلاع ومواقع البندقية في بحر إيجة، وفتح جزيرة آغريبوز في بحر إيجة، وحرر الصدر الأعظم كديك أحمد باشا سواحل البحر الأبيض المتوسط التي كانت البندقية تسيطر عليها لمدة ستين ومائتين عامًا، وذلك بعد حصار استمر سبعة عشرة يومًا، وولَّد سقوط هذه الجزيرة أحزانًا كبيرة في أوربا لا تقل عن سقوط القسطنطينية؛ نظرًا لأن سيطرة العثمانيين عليها أتاحت لهم سيطرة كبيرة على سواحل البحر المتوسط؛ لذلك أعدَّت البندقية 14 مؤامرة لاغتيال السلطان حتى تموز سنة 883 (1479م) لكنها لم تنجح.
عبَرَت جحافِلُ القوات الروسية ﺍلأﺭاضي العثمانية باتِّفاقٍ ومباركةٍ مِن فرنسا وبريطانيا، انضَمَّ إلى الروس قواتٌ رومانية وصربية وبلغارية، وعَبَروا نهر الدانوب، واستولوا علي بعض المدُنِ التابعة للعثمانيين، والمعابر المؤدية إلى البلقان، فقام السلطان عبد الحميد الثاني بتعيين عثمان باشا قائدًا للجيشِ العثماني لصَدِّ الغزو الروسي الذي حاول الاستيلاءَ على مدينة بلافنا، التي تقع في بلغاريا، وهي من أهم المعابر في البلقان، ولكنَّ القائد العثماني عثمان باشا أظهر مع قوَّاتِه بسالةً مُنقَطِعةَ النظير في الدفاع عن مدينة بلافنا، رغم أن جيشه الصغير لا يتعدى 50 ألف مقاتلٍ، فتحرَّك سريعًا ووصل المدينةَ قبل الروس الذين يُقَدَّرُ عددُهم بمئات الألوف، وفرض الحصارَ على ثلاثة خطوط، ومع ذلك فإن العثمانيين المحاصرين بقيادة عثمان باشا صَمَدوا صمودَ الأبطال ولم يكتفوا بالصمودِ, بل أعدُّوا خطة للهجومِ على خطوط العدو المحاصِرِ لهم، طالبين بذلك إما النصر وفكَّ الحصار، أو الشهادةَ، فقاد عثمان باشا قواتِه التي انحدرت على الأعداء وهم يُهلِّلون ويكَبِّرون, فقُتِلَ أعدادٌ منهم، ومع ذلك تمكنوا من تكبيدِ الأعداء خسائِرَ في الأرواح وغَنِموا عددًا من المدافعِ، وأصيب عثمان باشا ببعض الجِراحِ، فسَرَت إشاعةٌ قويَّةٌ بين جنده بقتلِه، ففَتَّ ذلك في عضدهم، وحاولوا الرجوعَ إلى مدينة, لكِنَّ الروس أصبحوا بداخلها, فاستسلموا للقواتِ الروسية. وقد سَلَّم عثمان باشا نفسه وهو جريحٌ إلى الروس الذين كانوا معجَبين به وبشجاعتِه.
ترأَّس محمد داود أفغانستان بانقلابٍ في 1393 هـ/ 1973م ضدَّ الشاه محمد ظاهر (وهو ابنُ عمِّ الشاه) وكانت ميولُ محمد داود للروس الذين أرادوا منه أن يخنقَ الدعوات الإسلامية في البلاد، ومن ثَم تستطيع الشيوعيةُ أن تنتشرَ فيها، وهذا ما حصل فعلًا في البدايةِ، ولكن لما رأى أن كفَّةَ الشيوعيِّين بدأت ترجحُ وأحسَّ من نفسه بالتبعية لها أرادَ أن يرجعَ عمَّا هو عليه، فبدأ بالتودُّد للدول الإسلامية، كالسعوديةِ وباكستانَ وليبيا، وألقى أيضًا القبضَ على كثير من الزعماءِ الشيوعيين، ومنهم محمد تراقي، وحفيظ الله أمين، وبابرك كارمل، ولكن هذا لم يُعجبِ الشيوعيِّين، وقبل أن يتابع ضرباتِه حدثَ الانقلابُ في 22 جمادى الأولى 1398هـ / 29 نيسان بقيادة "محمد غلاب زي" أحد قادةِ جناح خلق (حزب شيوعي) والعميدِ الشيوعيِّ عبد القادر، ضد الرئيس محمد داود وأُلقيَ القبض عليه وسلَّموا السلطة إلى زعيم حزب خلق: نور محمد تراقي، واحتفظ لنفسه برئاسة الحكومة، وجعل بابرك كارمل نائبه، وفي اليوم الأول من الانقلاب قُتِل أكثر من 15 ألفَ نفس، وقُتِل الرئيس محمد داود وأبناؤه وباقي أفراد أسرته، هذا بالإضافة لقتلِه المئات من القادة الإسلاميِّين وعشرات الألوف من العامة غير الذين أودعهم غياهبَ السجون مع التفنُّن بألون العذابِ المرير، وعُرِفت هذه الحركة بثورة ساور، أي: ثَوْرة نيسان.
الثَّورةُ التُّونُسية، هي ثورةٌ شعبيَّةٌ، انطَلَقت بوفاةِ الشابِّ محمد البوعزيزي الذي أضرَمَ النَّارَ في جسدِه تعبيرًا عن غضبِه على بَطالَتِه؛ ومُصادرَةِ الشرطةِ للعربةِ التي يبيع عليها. فخرج آلافُ التُّونُسيين الرافضين للأوضاع المتردِّيَة؛ بسبب البَطالَةِ؛ وعدمِ وُجودِ عدالةٍ اجتماعية؛ وتفاقُمِ الفَسادِ داخِلَ النظام الحاكِمِ. ونَتَج عن هذه التَّظاهُرات سقوطُ قتلَى وجرحَى؛ كما أجبَرَت الرَّئيسَ زين العابدين بن علي على إقالةِ عددٍ من الوُزَراء كوزير الداخلية، مع تقديم وُعودٍ لمُعالجةِ مشاكلِ البلاد، وقرَّر عدمَ الترشُّح لانتخاباتِ الرئاسةِ عامَ (2014م)، وتمَّ بعد خطابِه فتْحُ المواقعِ المحجوبة في تونُس، بالإضافة إلى تخفيضِ أسعارِ بعضِ المنتَجات الغذائية تخفيضًا يسيرًا. لكنَّ الاحتجاجاتِ ازدادَت حدةً وتوسُّعَا، حتى وصلت إلى المباني الحُكومية، ممَّا أجبرَ الرئيسَ التونسيَّ على التنحِّي عن السُّلطة ومغادرة البلاد بشكلٍ مفاجئٍ إلى السعودية يومَ الجمعة (14 يناير) من هذا العام، وأعلن الوزيرُ الأولُ محمد الغنوشي في اليوم نفسِه عن تولِّيه رئاسةَ الجمهوريةِ بصِفَةٍ مؤقَّتة، مع إعلان حالة الطوارئ وحَظرِ التجوُّل. لكنَّ المجلسَ الدستوريَّ قرَّر بعد ذلك بيومٍ اللجوءَ للفصلِ (57) من الدستور، وإعلانِ شُغورِ منصِبِ الرئيسِ، وبناءً على ذلك أَعلَن في يوم السبت (15 يناير) من هذا العام عن تولِّي رئيسَ مجلسِ النُّوَّاب فؤاد المبزع مَنصِبَ رئيسِ الجمهورية بشكلٍ مؤقَّتٍ إلى حينِ إجراءِ انتخاباتٍ رئاسيةٍ مبكرةٍ.
عمِلَ الشاهُ ما سماه الثورة البيضاء والتي هدفُها إخضاعُ رجال الدينِ وأخْذ جزءٍ من ممتلكاتهم أيضًا، وكان الخمينيُّ قد سُجِن بسبب ردِّه على الشاه يوم رفَضَ تعدُّد الزوجات، ثم نُفيَ إلى تركيا، ثم إلى العراق، وعاش في النجف، ثم أُجبر على السفر من العراقِ، ورفضت الكويتُ استقباله فسافر إلى فرنسا، ومع ذلك كانت خُطبه وكلماتُه وحماسه يُنقَل إلى إيران فتحدُث بسببها أعمالُ شغب ومظاهرات، وحدثت عدَّة أعمال عنفٍ في عددٍ من المدن ووقعت الصِّدامات مع الشرطةِ، وكان يسقطُ الكثير من القتلى أثناءَ هذه الصداماتِ، وكلُّ هذه الأمور كانت مقدِّمةً للثورة، ثم أعلن الخمينيُّ من مكان إقامتِه في باريس في 9 ذي القعدة 1398هـ / 10 تشرين الأول 1978م أن الحكومةَ الإيرانيَّةَ قد دعته ليكفَّ عن نشاطه السياسيِّ، مما ألهب المظاهرات في اليوم التالي حتى اقترح حاكمُ طهران العسكري على الشاهِ تدميرَ مدينة قم كلِّها، وأما الخمينيُّ فاجتمعَ في باريس مع قادة المعارضةِ في سبيل التنسيقِ للحركةِ، وفي اليوم التالي لعاشوراء يوم حداد الرافضةِ تدفَّق مليونا متظاهرٍ يلبسون لباسَ الحداد، وهم يهتفون: الله أكبر، وكان الجيشُ على استعداد لأي عملٍ من المتظاهرين، ثم دعا الخمينيُّ الشعبَ إلى الجهادِ، واشتعلت نار الثورةِ وتحوَّلت من مظاهراتٍ إلى ثورة معارضةٍ تطالب بإسقاطِ النظامِ، وبدأ الشاه يسترضي الشعبَ حتى خرج في التلفازِ وقال: إنه سيعمَلُ ما يأمر به الشعبُ، وفي 7 صفر / 7 كانون الثاني 1979م صرَّح حسن منتظري بعد عودته من لقاءِ الخمينيِّ رفضه أية حكومة طالما بقِيَ الشاه، ولن تقبل سوى سقوطِ الشاهِ لإقامة جمهوريةٍ إسلاميةٍ، وذلك أن الشاهَ قد أعلن أنه يريد السفرَ خارجَ البلاد وترْك مجلس وصاية نيابةَ عنه، فغادرَ الشاه إيران في 7 صفر 1399هـ / 7 يناير إلى القاهرةِ، وأعلن الخمينيُّ أنه سيعودُ للبلاد وأنه لا يريد أن يكونَ رئيسًا عليها، ثم وصل الخمينيُّ إلى طهران في 4 ربيع الأول / شباط، وكان في استقبالِه في المطارِ ستَّةُ ملايين شخصٍ، وأحاطت هذه الجموعُ بالرجل ذي 80 عامًا، فاستقلَّ طائرة هليكوبتر ليُكمِلَ رحلته فوق رؤوس البشرِ الذين احتشدوا لاستقبالِه، ومع قدومه ذابتِ الدولةُ وسلطتُها وحكومتُها أمام شخصيتِه، وانضمَّت بعض وحدات الجيش إلى المتظاهرين، وأُعلِنَ أنَّ رحيلَ الشاه نهاية المطافِ؛ فالأهمُّ هو إنهاء التسلُّط الأجنبيِّ، ونقَلَ التلفاز وقائع وصولِه، وأعلن الخمينيُّ عدم شرعية الحكومةِ شهبور بختيار، وعين مهدي بازركان رئيسًا للوزراء، وأعلنت حكومة بختيار رئيس وزراء الشاه منع التجوُّل، لكنَّ الخمينيَّ ردَّ عليه بإعلان العصيان المدني، وكتب ورقةً نُقلت صورتُها على شاشة التلفازِ الذي استولى عليه أنصارُه، فيها: "تحدَّوا حظرَ التجول" فتدفَّق الشعب إلى الشارع، وتصاعدتْ حدَّة المواجهات، واستولى المتظاهرون على كميات كبيرةٍ من أسلحةِ الجيش، فجاء القائد الأعلى للقواتِ المسلَّحة الجنرال قرباغي إلى الخمينيِّ وأعلن استسلامَه وحيادَ الجيش في المواجهات التي تحدُث في المدن بين مؤيِّدي النظامين، وعادت القواتُ العسكريةُ إلى مواقِعها، وأعلن الخمينيُّ قيامَ الجمهورية الإسلاميَّة الإيرانية، وفرَّ شهبور بختيار إلى فرنسا؛ حيث اغتالَه هناك الحرسُ الثوريُّ الإيراني في 6 أغسطس عام 1991م. استمرَّت الثورة سنة كاملةً ذهب ضحيَّتها 76.311 قتيلًا وعشرات الآلافِ من الجرحى، ورفعت الثورةُ الإسلامية في إيرانَ الشعاراتِ التي يمكن أن يسيرَ الشعبُ وراءها ويقبلها؛ وذلك لكسبِ التأييد، فطرحت العملَ بالإسلام دون إعلان الانتسابِ الشيعيِّ المرفوض في العالم الإسلاميِّ، كما أعلنوا معاداةَ الدول الصليبيَّة وخاصَّة أمريكا، وأعلنوا التأييدَ للقضية الفلسطينيةِ وأنها ستعملُ على تخليص أرضِ الشام ممن دنَّسها، وصرَّح الخمينيُّ أنه سيقطع علاقاتِه مع إسرائيلَ، ثم بدا للعالم الإسلامي النوايا عندما أظهر الخميني والقادة معه العقيدةَ الرافضية فخَفَّ التأييد العالمي الإسلامي بل انعدم في أكثرها.
كان خان خانان الصيني ملك الخطا قد فوَّض ولاية سمرقند وبخارى إلى الخان جغري خان بن حين تكين، واستعمله عليها، وهو مِن بيت الملك، قديم الأبوة، فبقي فيها مدبِّرًا لأمورها، فلما كان الآن أرسل إليه ملك الخطا بإجلاء الأتراك القارغلية من أعمال بخارى وسمرقند إلى كاشغر، وأن يتركوا حمل السلاح ويشتغلوا بالزراعة وغيرها من الأعمال، فتقدم جغري خان إليهم بذلك، فامتنعوا، فألزمهم وألحَّ عليهم بالانتقال، فاجتمعوا وصارت كلمتُهم واحدة، فكثُروا وساروا إلى بخارى، فأرسل الفقيهُ محمد بن عمر بن برهان الدين عبد العزيز بن مازة، رئيس بخارى، إلى جغري خان يعلمه ذلك ويحثه على الوصول إليهم بعساكره قبل أن يَعظُم شَرُّهم، وينهبوا البلاد، وأرسل إليهم ابن مازة يقول لهم: إن الكُفَّار بالأمس لما طَرَقوا هذه البلاد امتنعوا عن النهب والقتل، وأنتم مسلمون غزاة، يَقبُح منكم مدُّ الأيدي إلى الأموال والدماء، وأنا أبذلُ لكم من الأموال ما تَرضَون به لتكفوا عن النَّهبِ والغارة؛ فترددت الرسلُ بينهم في تقرير القاعدة، وابن مازة يطاوِلُ بهم ويمادي الأيام إلى أن وصل جغري خان، فلم يشعُر الأتراك القارغلية إلا وقد دهمَهم جغري خان في جيوشه وجموعه بَغتةً ووضع السيف فيهم، فانهزموا وتفَرَّقوا، وكثر القتلُ فيهم والنهب، واختفى طائفةٌ منهم في الغياض والآجام، ثم ظفر بهم أصحابُ جغري خان فقَطَعوا دابرهم، ودفعوا عن بخارى وضواحيها ضَرَرَهم، وخَلَت تلك الأرضُ منهم.
هو السُّلطانُ الملك الأفضل علي بن يوسف بن أيوب بن شاذي. ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين، ولد يوم عيد الفطر سنة 565 بالقاهرة، وقيل: سنة ست وستين. وسمع من عبد الله بن بري النحوي، وأبي الطاهر إسماعيل بن عوف الزهري، وأجاز له جماعة. وله شِعر حسن، وترسُّل، وخط مليح. وكان أسنَّ إخوانه، وإليه كانت ولاية عهد أبيه. ولما مات أبوه، كان معه بدمشق، فاستقل بسلطنتها، واستقل أخوه الملك العزيز بمصر، وأخوهما الظاهر بحلب. ثم جرت للأفضل والعزيز فتن وحروب، ثم اتفق العزيز وعمه الملك العادل على الأفضل، وقصدا دمشق، وحاصراه، وأخذاها منه، فالتجأ إلى صرخد، وأقام بها قليلًا، فمات العزيز بمصر، وقام ولده المنصور محمد وهو صبي، فطلبوا له الملك الأفضل ليكون أتابكه، فقدم مصر، ومشى في ركاب الصبي. ثم إن العادل عَمِلَ على الأفضل، وقَدِمَ مصر وأخذها، ودفع إلى الأفضل ثلاثة مدائن بالشرق، فسار إليها، فلم يحصل له سوى سميساط، فأقام بها ولم يزَلْ بها إلى أن توفي بها، وكان خيرًا، وما أحسن ما قال القاضي الفاضل: "أمَّا هذا البيت، فإن الآباء منه اتَّفقوا فمَلَكوا، والأبناء منه اختلفوا فهلكوا". قال الذهبي: "كان فيه تشيُّع". وقد قال ابن الأثير " إنَّه ما ملك الأفضل شيئًا من البلاد إلا وأخذه عمُّه منه، بل ذكر أنه رأى عمودًا من الرخام الفاخر في بيت المقدس فقيل له إنه كان للأفضل، ثم أخذه منه عمه العادل"، ولما مات الأفضل اختلف أولاده وعمهم قطب الدين موسى، ولم يقوَ أحد منهم على الباقين ليستبدَّ بالأمر.
هو العلامة الفقيه المحدث القاضي الشاعر الأديب قاضي القضاة محبُّ الدّين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمود بن غازي ابن أيوب بن الشِّحنة محمود، والشِّحنة جدُّه الأعلى محمود، الشهير بابن الشِّحنة التُّركي الأصل الحلبي الحنفي، وأسرة آل الشحنة المشهورين بحلب من قبيلة ثقيف، وظهر منهم علماء أجلاء. ولد أبو الوليد سنة 749، وحفظ القرآن العظيم وعدة متون، وتفقَّه وبرع في الفقه، والأصول، والنحو، والأدب، وأفتى ودرّس، وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب، ثم دمشق، إلى أن قبض عليه الظَّاهر برقوق، وقدم به إلى القاهرة، ثم أُفرِجَ عنه ورجع إلى حلب، فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج سنة 813 لقيامه مع جماعةٍ على الناصر، ثم أفرج عنه فقدمَ القاهرة، ثم عاد إلى دمشق بصحبة الملك الناصر سنة أربع عشرة، فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ولَّاه قضاء الحنفية بالقاهرة، فلم يتمَّ؛ لأنه لما أزيلت دولة الناصر أعيد ابن العديم لقضاء الدِّيار المصرية، واستقرَّ ابن الشِّحنة في قضاء حلب ودرس بدمشق. قال ابن حجر: "كان كثير الدعوى والاستحضار، عالي الهمَّة، وعمل تاريخًا لطيفًا فيه أوهام عديدة، وله نظم فائق وخط رائق" له ألفية رجز تشتمل على عشرة علوم، وألفية اختصر فيها منظومة النَّسَفي وضم إليها مذهب أحمد. وله تآليف أخرى في الفقه، والأصول، والتفسير. توفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر. ومحب الدين هو والد أبي الفضل
بعد الحرب مع روسيا التقى مندوبو الدولةِ العُثمانيَّة ومندوبو روسيا في بلدة قرب استانبول على بحر مرمرة تُسمَّى سان ستفانو، وذلك بعد محادثات تقَدَّمَ فيها الروس قليلًا عن خطِّ وقف إطلاق النار الذي اتُّفِق عليه، ونُقِلَ أيضًا مركزُ المحادثات من أدرنة إلى هذه القريةِ، وقدَّمَ المندوبُ الروسي شروطًا مسبقةً وطلب التوقيعَ عليها مباشرةً، وإلا تتقَدَّم الجيوش الروسية وتحتل استانبول، ولم يكن للعثمانيين من خيارٍ سوى التوقيع، وتنص المعاهدةِ على: تعيينِ حُدودٍ جديدة للجبل الأسودِ لإنهاء النزاع، وتحصُلُ هذه على الاستقلالِ، وإذا حَدَثت خلافاتٌ جديدةٌ تحلُّها روسيا والنمسا، تستقِلُّ إمارة الصرب وتُضافُ لها أراضٍ جديدةٌ، وتحدَّدُ الحدود حسبَ الخريطةِ المرفقة، وبمساعدة الروس تأخذ بلغاريا استقلالًا إداريًّا وتدفع مبلغًا محدَّدًا إلى الدولة العثمانية، ويكون موظفو الدولة والجندُ من النصارى فقط، وتُعَيَّن الحدود بمعرفة العثمانيين والروس، ويُنتَخَب الأمير من قِبَل السكان، ويُخلِّي العثمانيون جنودَهم نهائيًّا من بلغاريا، ويحِقُّ للعثمانيِّين نقلُ جنودهم إلى ولايات أخرى ضِمنَ الأراضي البلغارية، تحصل دولةُ رومانيا على استقلالها التام، يتعهَّدُ الباب العالي بحماية الأرمن النصارى من الأكرادِ والشركس، يقومُ الباب العالي بإصلاح أوضاع النصارى في جزيرة كريت، تدفعُ الدولة العثمانية غرامةً مالية حربية قدرها 245.217.391 ليرة ذهبية، ويمكِنُ لروسيا أن تتسلم أراضيَ مقابل المبلغ، تبقى المضائِقُ البوسفور والدردنيل مفتوحةً للسفن الروسية في زمن السِّلمِ وزَمَن الحرب، يمكِنُ للمسلمين الذين يعيشون في الأراضي التي اقتُطِعَت من الدولة العثمانية أن يبيعوا أملاكَهم ويهاجروا إلى حيث يريدون من أجزاءِ الدولةِ العُثمانية.
هو الشيخُ محمد فؤاد بن عبد الباقي، باحثٌ ومؤلِّفٌ متخَصِّصٌ في الحديث النبوي، وعالمٌ بتنسيق الأحاديث النبوية ووَضْع الفهارس لها ولآيات القرآن الكريم، وهو مترجِمٌ باللغتين الفرنسية والإنجليزية لكتُبِ المستشرقين في معاجمِ الحديث والقرآن. ولِدَ في إحدى قرى القليوبية في جمادى الأولى 1299هـ / مارس 1882م، ونشأ في القاهرة، وفي سنة 1317 هـ / 1899م عَمِل بمركز تلا التابع لمحافظة المنوفية مدرسًا للُّغة العربية في مدرسة جمعية المساعي المشكورة، وبعد فترة عَمِلَ ناظرًا لإحدى المدارس في قرى الوجه البحري، وظلَّ في هذه الوظيفة سنتين ونصفًا. ولما أعلن البنكُ الزراعي عن وظيفة مترجِم تقدَّم لها وعُيِّن بالبنك في 3 ذي القعدة 1323هـ / 30 ديسمبر 1905م، وقد هيأ له استقرارُه في هذه الوظيفة أن ينصَرِفَ إلى القراءة ومُطالعة أمَّهات كتب الأدب في العربية والفرنسية، وأن يرتبطَ بصداقات مع أعلام عَصرِه. وكان ممن ارتبط بهم بصداقةٍ وتَلمَذة الشيخُ محمد رشيد رضا, فلازمه إلى وفاتِه، ونهل من علمه، وفتح له آفاقًا واسعةً في علوم السنة، فانطلق يخدمُ السنةَ النبوية، سواءٌ فيما يتَّصِلُ بتحقيق أمهاتها، أو التأليف فيها، أو تخريج أحاديثها، ومن أعظَمِ جهودِ عبد الباقي التي خَدَم بها سنة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم ترجمتُه لكتاب ((مفتاح كنوز السنة)) لفنسك أستاذ اللُّغات الشرقية بجامعة لندن، ومن مؤلفاته أيضًا في خدمة السنة: ((اللؤلؤ والمرجان فيما اتَّفَق عليه الشيخان)). توفي رحمه الله بالقاهرة عن عمر ناهز التسعين.