وَجَّهَ محمَّدُ بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس الدُّعاة في الآفاق، وكان سَبَب ذلك أنَّ أبا هاشِم عبدَ الله بن محمَّد بن الحَنَفِيَّة سار للشَّام إلى سُليمان بن عبدِ الملك، فلمَّا أَكرَمَه وقَضَى حَوائِجَه، ورَأَى مِن عِلْمِه وفَصاحَتِه ما حَسَدهُ عليه وخافه، فلمَّا أَحَسَّ أبو هاشِم بالشَّرِّ قَصَدَ الحُمَيْمَة مِن أَرضِ الشَّراةِ بالأردن، وبها محمَّدُ بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس، فنَزَل عليه وأَعْلَمَه أنَّ هذا الأَمْرَ صائِرٌ إلى وَلَدِه، وعَرَّفَه ما يَعمَل، وكان محمَّدُ بن عَلِيٍّ رَجُلًا طَموحًا، فحَمَل فِكْرَةَ إِزالَة مُلْكِ بني أُمَيَّة، وبَدَأ يَعمَل على تَنفيذِها. كان أبو هاشِم عبدُ الله بن محمَّد بن الحَنَفِيَّة قد أَعلَم شِيعَتَه مِن أَهلِ خُراسان والعِراق عند تَرَدُّدِهِم إليه أنَّ الأمرَ صائِرٌ إلى وَلَدِ محمَّد بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس، وأَمَرَهم بِقَصْدِه بَعدَهُ. فلمَّا مات أبو هاشِم قَصَدوا محمَّدًا وبايَعوهُ، وعادوا فدَعوا النَّاسَ إليه، فأَجابوهُم, وكان الذين سَيَّرَهُم إلى الآفاق جَماعةً، وأَمَرَهُم بالدُّعاء إليه وإلى أَهلِ بَيتِه، فلَقوا مَن لَقوا، ثمَّ انْصَرفوا بكُتُبِ مَن اسْتَجاب لهم إلى محمَّد بن عَلِيٍّ، فدَفَعوها إلى مَيْسَرة، فبَعَثَ بها مَيسَرةُ إلى محمَّدِ بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس، فاخْتار أبو محمَّد الصَّادِق لِمحمَّدِ بن عَلِيٍّ اثْنَي عَشَر رَجُلًا نُقَباء، واخْتَار سَبعين رَجُلًا، وكَتَب إليهم محمَّدُ بن عَلِيٍّ كِتابًا ليكون لهم مِثالًا وسِيرَةً يَسِيرون بها.
خاضت الكويت معركةَ خكيكرة مع البحرين بقيادة عبد الله بن أحمد آل خليفة وجابر بن عبد الله الصباح ضِدَّ حاكم ساحل الدمام رحمة بن جابر الجلهمي، الذي دعمه الإمامُ سعود بن عبد العزيز بن محمد حاكمُ نجد، وانتهت المعركة بانتصار البحرين والكويت, وكان من أسباب المعركة أنَّ الإمامَ سعودًا كتب إلى رحمة بن جابر الجلهمي في قطر يأمرُه فيها بالاستعداد لغزو البحرين، وكان محاربًا لآل خليفة حكام البحرين، فأرسل إليه الإمام سعود جيشًا من أهل نجد والأحساء، فاجتمعت عنده 60 سفينة ما بين كبيرة وصغيرة، فلما علم بذلك عبد الله بن أحمد آل خليفة حاكم البحرين أرسل إلى حاكم الكويت الشيخ جابر بن عبد الله الصباح يستنصره، فأتاه بحرًا بالسفن فبلغت سفنهم جميعًا 200 سفينة، والتقوا عند خوير حسان بالقرب من القطيفِ، وربطوا السفن واقتتلوا فقُتِل من أهل البحرين والكويت 1000 رجل، منهم دعيج بن صباح الصباح، وراشد بن عبد الله بن أحمد آل خليفة، وقُتِل من أتباع رحمة بن جابر الجلهمي 300 رجل، وانهزم رحمة بن جابر الجلهمي.
هو السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ بن أبي زكريا يحيى بن زيان الوطاسي، المعروف بمحمد الشيخ الوطاسي سلطان المغرب, وبنو وطاس فرقة من بني مرين غير أنهم ليسوا من بني عبد الحق، وكان بنو الوزير من بني وطاس يتطلَّعون إلى الرياسة ويسعَون في الخروج على بني عبد الحق، وقد تكرر ذلك منهم ثم أذعنوا إلى الطاعة، وراضوا أنفسهم على الخدمة فاستعملهم بنو عبد الحق في وجوه الولايات والأعمال واستظهروا بهم على أمور دولتهم فحسن أثرُهم لديها وتعدد الوزراء منهم, فلمَّا ولي والد محمد الشيخ أبي زكريا يحيى بن زيان الوزارة للسلطان عبد الحق، ثم تولى بعده ابنه يحيى فقتله السلطان عبد الحق لما رأى منافسته له في الحكم، فر أخوه أبو عبد الله محمد الشيخ إلى الصحراء وبقي متنقلًا في البلاد. كان أبو عبد الله شجاعًا مِقدامًا, فجمع حوله وهو في الصحراء الأتباع ودخل بهم أصيلا وتمكَّن من حكمها, فلما أحس من نفسه القدرة في الاستيلاء على كرسي فاس جمع جنده وزحف بهم على فاس، فتمكن من دخولها وتنحية الشريف الإدريسي وأخذ البيعة لنفسِه, ثم تفرغ لتدويخ القبائلِ التي بأحواز فاس وغيرها فدخلوا في طاعته واغتبطوا به, وكان له دور عظيم في جهاد الفرنج في المغرب وسواحلها، وبعد وفاة محمد الشيخ تولى بعده ابنه محمد المعروف بالبرتغالي. وهذا السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ الوطاسي يختلف عن السلطان أبي عبد الله محمد الشيخ المهدي السعدي المتوفي سنة 964 (1557م) ومؤسس الدولة السعدية بالمغرب، وهو الذي قضى على دولة الوطاسي.
زاد شَغبُ الأتراكِ بهَمذانَ على صاحِبِهم شَمسِ الدَّولةِ بنِ فَخرِ الدَّولة، وكان قد تقَدَّمَ ذلك منهم غيرَ مَرَّة، وهو يحلُمُ عنهم بل يَعجِزُ، فقَوِيَ طمَعُهم، فزادوا في التوثُّبِ والشغبِ، وأرادوا إخراجَ القُوَّادِ القوهيَّة الأكرادِ مِن عنده، فلم يُجِبْهم إلى ذلك، فعَزَموا على الإيقاعِ بهم بغيرِ أمْرِه، فاعتَزَل الأكرادُ مع وزيرِه تاجِ الملك أبي نصر بنِ بهرامَ إلى قلعةِ برجين، فسار الأتراكُ إليهم فحَصَروهم، ولم يلتَفِتوا إلى شمسِ الدَّولة، فكتب الوزيرُ إلى أبي جعفرِ بنِ كاكويه، صاحبِ أصبهان، يستنجِدُه، وعَيَّنَ له ليلةً يكونُ قُدومُ العساكِرِ إليه فيها بغتةً، ليخرُجَ هو أيضًا تلك الليلةَ لِيَكبِسوا الأتراك. فعل أبو جعفرٍ ذلك، وسيَّرَ ألفَي فارس، وضَبَطوا الطرقَ لِئَلَّا يسبِقَهم الخبَرُ، وكبسوا الأتراك سَحَرًا على غفلةٍ، ونزل الوزيرُ والقوهيَّةُ من القلعةِ، فوضعوا فيهم السَّيفَ، فأكثَروا القَتلَ، وأخَذوا المالَ، ومَن سلِمَ مِن الأتراكِ نجا فقيرًا، وفعَلَ شَمسُ الدَّولة بمَن عندَه في همذان كذلك، وأخرَجَهم، فمضى ثلاثُمِئَة منهم إلى كرمان، وخدموا أبا الفوارِسِ بنَ بهاء الدَّولة صاحِبَها.
كان سببُها أنَّ المشركين حين قُتِلَ مَن قُتِلَ مِن أَشرافِهِم يوْمَ بَدْرٍ، وسَلمَت العِيرُ بما فيها مِنَ التِّجارةِ التي كانت مع أبي سُفيانَ، فلمَّا رجع فَلُّهُم إلى مكَّةَ قال أبناءُ مَن قُتِلَ، ورُؤساءُ مَن بَقِيَ لأبي سُفيانَ: ارْصُدْ هذه الأموالَ لِقتالِ محمَّدٍ، فأَنفَقوها في ذلك، وجمعوا الجُموعَ والأَحابيشَ وأَقبلوا في قَريبٍ مِن ثلاثةِ آلافٍ، حتَّى نزلوا قريبًا مِن أُحُدٍ تِلْقاءَ المدينةِ، فصلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ الجُمعةِ، فلمَّا فَرَغَ منها صلَّى على رجلٍ مِن بني النَّجَّارِ، يُقالُ له: مالكُ بنُ عَمرٍو، واسْتَشار النَّاسَ: أَيخرُجُ إليهِم، أمْ يَمكُثُ بالمدينةِ؟ فأشار عبدُ الله بنُ أُبَيٍّ بالمقامِ بالمدينةِ، فإن أقاموا أقاموا بِشَرِّ مَحْبسٍ وإن دخلوها قاتلَهُم الرِّجالُ في وُجوهِهم، ورَماهم النِّساءُ والصِّبيانُ بالحِجارةِ مِن فوقِهم، وإن رجعوا رجعوا خائِبين. وأشار آخرون مِنَ الصَّحابةِ ممَّن لم يَشهدْ بدرًا بالخُروجِ إليهم، فدخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلَبِسَ لَأْمَتَهُ وخرج عليهم... فسار في ألفٍ مِن أصحابِهِ، فلمَّا كان بالشَّوطِ رجع عبدُ الله بنُ أُبَيٍّ في ثُلُثِ الجيشِ مُغْضَبًا؛ لِكَونِه لم يُرجَعْ إلى قولِه، وقال هو وأصحابُه: لو نعلمُ اليومَ قِتالًا لاتَّبَعناكُم، ولكِنَّا لا نَراكُم تُقاتلون اليومَ. واستَمرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سائرًا حتَّى نزل الشِّعْبَ مِن أُحُدٍ في عَدْوَةِ الوادي. وجعل ظَهرَهُ وعَسكرَهُ إلى أُحُدٍ، وتَهيَّأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للقِتالِ وهو في سبعمائةٍ مِن أصحابِهِ، وأمَّرَ على الرُّماةِ عبدَ الله بنَ جُبَيْرٍ أخا بني عَمرِو بنِ عَوفٍ، والرُّماةُ يَومئذٍ خمسون رجلًا. فقال: انْضَحْ الخَيْلَ عَنَّا بِالنَّبْلِ، لا يَأتونا مِن خَلفِنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثْبُتْ مكانَك لا نُؤْتَيَنَّ مِن قِبَلِكَ، وظاهَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين دِرعَينِ، وأَعطى اللِّواءَ مُصعبَ بنَ عُميرٍ أخا بني عبدِ الدَّارِ، وأجاز رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعضَ الغِلْمانَ يَومئذٍ وأَرجأَ آخرين، وتَعبَّأتْ قُريشٌ وهُم ثلاثةُ آلافٍ، ومعهم مائتا فَرَسٍ قد جَنَبُوها، فجعلوا على مَيْمَنةِ الخَيْلِ خالدَ بنَ الوليدِ، وعلى المَيسَرةِ عِكْرِمةَ بنَ أبي جَهْلٍ، ودفعوا إلى بني عبدِ الدَّارِ اللِّواءَ... ثمَّ كان بين الفَريقين ما كان، وكانت بَوادرُ النَّصرِ تَلوحُ لِصالحِ المسلمين، فلمَّا رَأى المسلمون تَقَهْقُرَ المشركين أَهملَ الرُّماةُ وَصِيَّةَ نَبِيِّهِم لهم ونزلوا يَحصُدون الغَنائمَ، فانْتهَز خالدُ بنُ الوليدِ الفُرصةَ فالْتَفَّ خَلفَهم وأَعملَ الحربَ فيهم، ممَّا أَدَّى لِقَلْبِ الموازينِ وانْجَلَتِ المعركةُ عن مَقْتَلِ سبعين رجلًا مِن المسلمين مِنهم حمزةُ بنُ عبدِ المُطَّلبِ، ومُصعبُ بنُ عُميرٍ، وعبدُ الله بنُ حَرامٍ والدُ جابرٍ، وعبدُ الله بنُ جُبيرٍ أَميرُ الرُّماةِ....
اتَّسَعت أعمالُ إدارة المعارف بعد وفاة الملك عبد العزيز فجُعِلت وزارةً كسائر وزارات الدولة، وتولاها الأميرُ فهد بن عبد العزيز، وفي عهده أُنشِئَت جامعة الرياض، ثم تولى الوَزارةَ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، ثم تولاها أخوه حسن بن عبد الله آل الشيخ الذي توسَّع نطاقُ جامِعة الرياض في عَهدِه، فشَمِلَت كليَّات العلوم والصيدلة والآداب والتجارة والزراعة، ثم الهندسة، وأُنشِئَت جامعة الملك عبد العزيز الأهلية في جُدة، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
لَمَّا استقرَّ عبد الله بن فيصل في الحكم في الرياض بعد ثورة أهل الرياض على أخيه سعود، بدأ سعود يحشد أعوانه من مناطق الجنوب الخرج والدلم والأفلاج ووادي الدواسر، وقرَّرَ محاربة أخيه عبد الله الذي أرسل جيشًا بقيادة أخيه محمد للاستيلاء على الخرج مركزِ تحرُّك سعود، لكنَّ قوات سعود تمكَّنَت من هزيمة قوات محمد، وأسرت عمَّ سعود عبد الله بن تركي الذي كان يرافِقُ الحملة، وسجنه حتى توفِّيَ في سجنه، ثم لاحقت قوات سعود فلولَ جيش محمد فحطمَتْها في وقعة الجزعة، وعلى إثر هذه الهزيمة سقطت الرياضُ بيد سعود، وفَرَّ منها عبد الله بن فيصل إلى الكويت وأقام في الصبيحية عند قبائل قحطان المؤيِّدة له، وتقاطرت الوفودُ على الرياض مرة ثانية لتقديم فروض الولاءِ والطاعة لسعود.
في رمضانَ من هذه السنة كانت وقعةُ ابن رشيد رئيس الجبل على أهل عُنيزة، وذلك أنَّ عبد الله بن سليم بن زامل أميرَ عنيزة أخذ إبلًا لابن رشيد، فطلب منه الأداء، فأبى عليه وحَذَّره وأنذَرَه، فجهَّز ابنُ رشيد إليهم أخاه عبيد في 250 مطية وخمسين من الخيل، فأغار على غَنَم عنيزة قريبًا من البلد، ففزع أهلُ عنيزة، وكان ابن رشيد قد جعل لهم كمينًا، فلما نشب القتالُ خرج عليهم الكمين فولَّوا منهزمين، واستولى عبيد وقومه على أكثَرِ الفَزع، فقتلوا في المعركة كثيرًا من رجالهم، منهم الأمير عبد الله بن سليم وإخوته وبنو عمه، قتَلَهم صبرًا، وأمسك منهم رجالًا وربطهم وأنفَذَهم إلى أخيه عبد الله في الجبل، فركب إليه عبد العزيز بن الشيخ العالم عبد الله أبا بطين، فألفى عليه في الجبل فأطلق له رجالًا وكساهم.
كان والِدُ عبدِ الرحمنِ النَّاصر- محمَّدُ بنُ عبدِ الله- قد قتله أخوه المُطَرِّفُ فِي صدر دولةِ أبيهما. وخلَّفَ محمَّدٌ ابنَه عبدَ الرحمنِ، وهو ابنُ عشرين يومًا. ولَمَّا توفِّيَ الأميرُ عبدُ اللَّهِ جَدُّ عبدِ الرحمنِ سنة ثلاثمئة، وليَ عبدُ الرحمنِ الأمرَ بعده. وكان ذلك مِن غرائبِ الأمورِ؛ لأنَّه كَانَ شابًّا مع وجودِ أكابِرَ مِن أعمامِه وأعمامِ أبيه، وتقدَّم هُوَ- وهو ابن اثنتين وعشرين سنة- فوَلِيَ الإمارةَ، والبلادُ كُلُّها في حالةِ اضطراب؛ قد امتَنَعَت على الدولةِ حصونُ بكورة رَيَّة وحصن ببشتر، فحاربها الناصر، حتّى استَرَدَّها، وكان طُليطُلة قد خالف أهلَ الدولة، فقاتلهم حتَّى عادُوا إلى الطاعة، ولم يزَلْ يقاتل المخالفين حتَّى أذعنوا له، وأطاعوه نيِّفًا وعشرين سنة، فاستقامت البلادُ، وأَمِنَت دولته، واستقام لَهُ الأمرُ، وقد حكم خمسين سنة من 300عام إلى 350.
هو الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني العدوي وهو شيخ السلطان الظاهر بيبرس، كان حظيًّا عنده مُكرَّمًا لديه، له عنده المكانة الرفيعة، كان السلطان ينزل بنَفسِه إلى زاويته التي بناها له في الحُسَينية، في كل أسبوع مرة أو مرتين، وبنى له عندها جامعًا يخطب فيه للجمعة، وكان يعطيه مالًا كثيرًا، ويطلق له ما أراد، ووقف على زاويته شيئًا كثيرًا جِدًّا، وكان معظَّمًا عند الخاص والعام بسبب حبِّ السلطان وتعظيمه له، وكان يمازِحُه إذا جلس عنده، وكان فيه دينٌ وصلاح. كان صاحب حالٍ ونفس قوية، وكان يتكهَّن كحالِ الكهان، وله مكاشفات يخبر بها الظاهِرُ؛ ولهذا كان السلطانُ يقَرِّبُه، أخبر الظاهر بسلطنَتِه قبل وقوعِها، فلهذا كان يعظِّمُه ويزوره ويُطلِعُه على غوامِضِ أسراره ويستصحِبُه في أسفاره، سأله وهو محاصِرٌ أرسوف: متى تؤخَذُ؟ فعين له اليومَ، فوافق ذلك، وكذلك صفد وقيسارية, ولما عاد إلى الكرك سنة خمس وستين استشاره في قَصدِها، فأشار عليه ألَّا يقصدها ويتوجه إلى مصر، فخالفه وتوجَّه فوقع عند بركة زيزا وانكَسَرَت فَخِذُه, وقال في بعلبك والظاهِرُ على حصن الأكراد: يأخذُه السلطان بعد أربعين يومًا، فوافق ذلك. وقد دخل الشيخ خضر مرة كنيسة القمامة بالمقدس فذَبَحَ قِسِّيسَها بيده، ووهب ما فيها لأصحابِه، وكذلك فعَلَ بالكنيسة التي بالإسكندرية وهي من أعظم كنائِسِهم، نهبها وحوَّلها مسجدًا ومدرسة أنفق عليها أموالًا كثيرةً مِن بيت المال، وسَّماها المدرسة الخضراء، وكذلك فعل بكنيسة اليهود بدمشق، دخلها ونهب ما فيها من الآلات والأمتعة، ومد فيها سماطًا، واتخذها مسجدًا مُدَّةً، ثم سعوا إليه في رَدِّها إليهم وإبقائها عليهم، ثم اتفق في هذه السنة أنه وقعت منه أشياءُ أُنكِرَت عليه وحُوقِقَ عليها عند السلطان الظاهر، فظهر له منه ما أوجب سجنه، كاللُّواط والزِّنا وغيره، وقيل مخالطته لبنات الأمراءِ حتى أصبَحْنَ لا يستَتِرْنَ منه فافتتَنَ بهن ووقع منه القبائِحُ، فأمر السلطان بإعدامِه، فقال له إن بيني وبينك أيامًا قلائل، فسجنه من عام 671هـ إلى هذا العام، فأمر بقَتلِه، وكانت وفاته في هذه السنة، ودُفِنَ بزاويته سامحه الله، وقد كان السلطانُ يحبُّه محبة عظيمة حتى إنه سمى بعض أولاده خضرًا موافقة لاسمه، وإليه تُنسَبُ القبة التي على الجبل غربي الربوة التي يقال لها قبة الشيخ خضر.
جهَّز دهام بن دواس أميرُ الرياض جيشًا وهاجم الدرعية، ولما اندفعت نحوه قواتُها تظاهر بالتقهقر فظَنَّ جيش الدرعية أنَّ جيش دهام قد انهزم، إلا أن جيش الرياض كان قد نصب كمينًا لجيش الدرعية، فكانت الهزيمة لجيش الدرعية، وقُتِلَ فيها الأميران فيصل وسعود ابنا الإمام محمد بن سعود، وكل هذه الحروب كانت في هذه السَّنةِ، وذكر ابن بشر أنَّها كانت سنة 1160.
بدأت هذه السنة والوباءُ يتزايد في الشام والموتى بالمئات، وبدأ يتزايد شيئًا فشيئًا، ثم في شهر رجب تناقص الوباء ببلاد الشام، بعدما عم كورة دمشق وفلسطين والساحل، وبلغت عدة من مات بصالحية دمشق زيادة على خمسة عشر ألف إنسان، وأُحصي من ورد ديوان دمشق من الموتى فكانوا نحو الثمانين ألفًا، وكان يموت من غزة في كل يوم مائة إنسان وأزيد، وكان معظم من مات الصغار والخدم والنساء، فخلت الدور منهم إلا قليلًا، وفي رجب وقع الوباء ببلاد الخليل عليه السلام، ثم وقع بدمياط.
أعلنت جبهةُ الصمود والتصدِّي التي تتكوَّن من سوريا والعراق وليبيا واليمنِ الجنوبيِّ والجزائر ومُنظمةِ التحرير الفلسطينية في قمَّتِها الثالثة في دمشقَ رفضَها لاتفاقية كامب ديفيد؛ معاهدة السلام المنفردةِ من قِبَل مصر مع إسرائيلَ التي وقَّعها الساداتُ مع إسرائيل في 17/ 9/ 1978م. دون مراعاةِ مصر للإجماع العربي والمتبِّني في حينِه اللاءات الثلاثة: (لا صُلح، لا اعتراف، لا تفاوض) مع العدو الصهيونيِّ قبل أن يعودَ الحقُّ لأصحابه، والتي اعتمدت في قمَّة الخرطوم في أغسطس 1967م بعد نكسةِ حزيران 67، وقد عرفت تلك القمة "بقمة اللاءات الثلاثة".
انعقَدَ مؤتمَرُ مدريدَ في 30 أكتوبر برعايةٍ أمريكيةٍ سُوفيتيةٍ، وبحضورٍ أوربيٍّ شَكليٍّ، وشارَكت أكثرُ البلاد العربية، وتمكَّن الكِيان الصِّهْيَوني من فَرض شروطه على التمثيل الفِلَسْطيني، فتمَّ استبعاد المشارَكة الرسمية لمنظمة التحرير الفِلَسْطينية، وسار المؤتمر في مسارَيْنِ:
- ثنائيٍّ، يضم الأطراف العربية التي لها نزاعٌ مباشرٌ معَ إسرائيلَ، وهي: سوريا، والأردُنُّ، ولُبنانُ، وفِلَسطينُ.
- ومتعددِ الأطرافِ؛ لإيجاد رعاية دوليةٍ لمشروعِ التسوية، وقد تعثَّر هذا المسارُ.
أما المسار الثنائيُّ فقد تمخَّضت عنه اتفاقاتُ سلامٍ فِلَسْطينيةٍ إسرائيليةٍ (1993م)، وأردنيةٍ إسرائيليةٍ (1994م).