هو مجد الدين أبو السعادات المبارك بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري كانت ولادته بجزيرة ابن عمر سنة 544 ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل سنة خمس وستين, ثم عاد إلى الجزيرة، ثم الموصل، وتنقل في الولايات بها واتصل بخدمة الأمير مجاهد الدين قايماز بن عبد الله الخادم الزيني، فكتب له, ثمَّ اتصل بخدمة عز الدين مسعود بن مودود صاحب الموصل، وتولى ديوان رسائله وكتب له إلى أن توفي، ثم اتصل بولده نور الدين أرسلان شاه فحَظِيَ عنده، وتوفَّرت حرمتُه لديه، وكتب له مدة, ثم عرض له مرض كفَّ يديه ورجليه فمنعه من الكتابة مطلقًا، وأقام في داره يغشاه الأكابرُ والعلماء، وأنشأ رباطًا بقرية من قرى الموصل ووقفَ أملاكَه عليه وعلى داره التي كان يسكنها بالموصل، وقيل: إنه صنف كتبه كلَّها في مدة العطلة، وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الاختيار والكتابة. كان ابن الأثير عالِمًا في عدة علوم مبرزًا فيها، منها: الفقه، والأصولان، والنحو، والحديث، واللغة، وله تصانيف مشهورة في التفسير والحديث، والنحو، والحساب، وغريب الحديث، وله رسائل مدوَّنة، وهو صاحب جامع الأصول في الحديث، وله كتاب غريب الحديث والأثر، وغيرها من المصنفات، وهو غير صاحب الكامل في التاريخ، فهذا أخوه. قال أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل في حقه: أشهر العلماء ذِكرًا، وأكبر النبلاء قدرًا، وأحد الأفاضل المشار إليهم، وفرْد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم، أخذ النحوَ عن شيخه أبي محمد سعيد بن المبارك الدهان، وسمع الحديث متأخرًا، ولم تتقدَّم روايته. وله المصنَّفات البديعة والرسائل الوسيعة " توفي في آخر ذي الحجة.
هو محمد بن علي بن محمد بن عربي أبو عبد الله الطائي الأندلسي، ولد في مرسية بالأندلس سنة 560 ثم انتقل إلى إشبيلية، ودرس القرآن والفقه والحديث، ومال إلى المذهب الظاهري، ثم رحل إلى الحجاز وأقام بمكة مدة سنتين، ثم رحل مع الحجاج الأتراك إلى قونية، ثم قصد بغداد، ثم استقر في دمشق، وله مصنفاتٌ كثيرة جدًّا، أشهرها كتابه المسمى بـ "الفتوحات المكية وفصوص الحكم" وفيها أشياء كثيرة ظاهرها كفر صريح، وله كتاب "العبادلة وديوان شعر"، وله مصنفات أخر كثيرة جدًّا، كان يقول بوحدة الوجود على مذهب الحلاج الملحد، وهو أن اللاهوت أي الله قد حل وامتزج بالناسوت أي الناس، كما تمزج الخمر بالماء فلا يتميز واحد عن الآخر، وله كلمات ظاهرها الكفر الصريح، والصوفية ما زال دأبهم تأويل هذه العبارات بكل وجه بتعسف وإسفاف. رد عليه كثير من العلماء وبينوا انحرافه وزندقتَه، ونقلوا عنه أفعالًا تدل على تركه للشريعة كترك الصلاة، وزعمه أنه يصلِّيها حاضرًا في مكة وهو ساكن في دمشق، وغير ذلك مما تطفحُ به كتبه وشِعرُه من الكفر الصريح، توفي في دمشق ودفن في سفح قاسيون في دمشق بمسجد معروف باسمه، وفيه قبره وهو يزار ويرتكب عنده من الشركيات ما الله به عليم. قال أبو شامة: "له تصانيفُ كثيرة وعليه التصنيف سهل، وله شعر حسن وكلام طويل على طريق التصوف، وكانت له جنازة حسنة، ودُفِن بمقبرة القاضي محيي الدين بن الزكي بقاسيون، وكانت جنازته في الثاني والعشرين من ربيع الآخر"، وقال ابن السبط: "كان يقول إنه يحفظ الاسم الأعظم ويقول إنه يعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب ".
هو الغازي أرطغرل بك بن سليمان شاه القايوي التركماني كان مع والده سليمانَ شاه عندما انتقلَ من موطنهم الأصلي باتجاه الغربِ على أثر الاجتياحِ التتري إلى أن غَرِقَ والده سليمان في الفراتِ فرجع أخويه سنقور تكين وكون طوغدي إلى الشرق, ومكث أرطغرل في ذلك الموضِعِ يجاهِدُ الكُفَّار، ثم أرسل ابنَه صارو بالي إلى علاء الدين السلجوقي يستأذِنُه في الدخول إلى بلادِه، ويطلب منه موضعًا ينزِلُ فيه فأذِنَ له وعَيَّنَ له جبالَ طومالج وأرمنك وما بينهما، فأقبل أرطغرل مع أربعمائة خركاه- خيمة- من قومِه فتوطَّنوا في قرة جه طاغ، وكان أرطغرل شجاعًا فشَمَّرَ ساعد الجِدِّ في خدمة السلطانِ علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن طغرل السلجوقي، ولَمَّا قصد علاءُ الدين غزوَ الكُفَّارِ أقبل أرطغرل إليه نجدةً له، فازداد عند السلطان مكانةً وقربًا, فأقطعه جزءًا كبيرًا من الأرضِ مقابِلَ الروم مكافأةً له مِن جهةٍ، ومن جهة أخرى يكون ردءًا له من الروم، فاستقَرَّت هذه الأسَرُ التركمانيَّةُ في تلك الناحية قريبًا من بحر مرمرة التابع للبحر الأسود قريبًا من مدينة بورصة، فلما نازل السلطانُ علاء الدين سنة 685 قلعةَ كوتاهيه وقد كانت للكُفَّار، فلما قرب مِن أخذِ القلعة بلغه أنَّ التَّتارَ يَطرُقُ بعضَ بلاده، فنهض إلى طرَفِ العدو وفوَّضَ أمرَ القلعة إلى أرطغرل بك وتركه بها مع بعضِ العسكَرِ. ولم يزل حتى فتحها عَنوةً وغَنِمَ شيئًا كثيرًا، ولم يزَلْ بعد ذلك يجاهد، وفُتِحَت على يديه بلادٌ كثيرة من بلاد الكُفَّارِ حتى توفِّيَ في شهور هذه السنة، فلمَّا سمع علاء الدين بوفاتِه تأسَّفَ عليه, وكتب لعثمانَ بنِ أرطغرل بالسَّلطنةِ، وأرسل إليه خِلعةً وسَيفًا ونقارةً، وخَصَّه بالغزوِ على الكُفَّار.
هو أبو عبدِ الله محمَّدُ بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الطنجي اللواتي المغربي من أسرة بطوطة، وُلِدَ بطنجة سنة 703 اشتُهِرَ برحلته التي دامت ثمانية وعشرين سنة على ثلاثة رحلات: الأولى بدأها من طنجة سنة 725 طاف فيها المغرب إلى مصر، ثم مكة ثم العراق وإيران والمشرق، ثم بلاد الأناضول، ثم إلى الحجاز ثم مكة ثم إلى اليمن وبلاد الخليج العربي، ثم مصر والشام، ثم القسطنطينية، ثم مكة ثم عاد إلى المغرب، كُلُّ ذلك يكتب ويُدَوِّن ما يراه ويَصِفُه، والرحلة الثانية: كانت إلى الأندلس وغرناطة، والثالثة: كانت إلى إفريقيا سنة 754، ودَوَّن رحلته في كتاب بعنوان: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار؛ قال ابن حجر: "رحل إلى المشرق في رجب سنة 25 فجال البلاد وتوغَّل في عراق العجم، ثم دخل الهند والسند والصين، ورجع على اليمن فحج سنة 26 ولقي من الملوك والمشايخ خلقًا كثيرًا وجاور، ثم رجع إلى الهند فولاه مَلِكُها القضاءَ، ثم خلص فرجع إلى المغرب فحكى بها أحوالَه وما اتفق له وما استفاد من أهلها، قال شيخنا أبو البركات ابن البلفيقي: حدثنا بغرائب مما رآه؛ فمن ذلك أنه زعم أنه دخل القسطنطينية فرأى في كنيستها اثني عشر ألف أسقف ثم انتقل إلى العدوة ودخل بلاد السودان ثم استدعاه صاحب فاس السلطان أبو عنان المريني وأمره بتدوين رحلته، وقرأت بخط ابن مرزوق وكان البلفيقي رماه بالكذب، فبرأه ابن مرزوق، وقال: إنه بقي إلى سنة سبعين ومات وهو متولي القضاء ببعض البلاد، قال ابن مرزوق: ولا أعلم أحدًا جال البلاد كرحلته، وكان مع ذلك جوادًا مُحسِنًا" كان ابن بطوطة يُملي ما يراه على السلطانِ أبي عنان، وكان له كاتب يكتب ذلك. توفي ابن بطوطة في فاس عن 76 عامًا.
هو السلطانُ أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن مخلوف بن زيدان، الملقَّب بالقائم بأمر الله، عميد الأسرة السعدية وسلطان المغرب. كان قد نشأ على عفافٍ وصلاحٍ وحجٍّ للبيت الحرام، وقيل: كان مجابَ الدعوةِ، من قرَّاءِ القرآن، ومن أهلِ العلمِ والدين، ولم يكن من بيت الرياسةِ، وكان له اطِّلاعٌ على تواريخ قُطره وعوائدِ جيله وأخلاقهم وطبائعهم، ورأى ما وصل إليه مُلكُ بني وطاس بالمغرب من الانحطاط والضعف، وتيقَّن أنَّه لا يصعب عليه تناولُه، فأعمل في ذلك فِكرَه وصار يحضُّ الناسَ على القيام بأمور دينهم والامتعاض لها، حتى ولي الأمرَ عندما بايعَتْه قبائل المغرب على حربِ البرتغال، وقدَّمت كلُّ قبيلة له عشرةَ رجال من أبنائها, فلما قضى الله ببيعته واجتماع الناس عليه، واطمأنت به في البلاد السوسية الدار وطاب له بها المقام والقرار؛ ندب الناس إلى بيعةِ أكبر ولديه، وهو الأمير أبو العباس أحمد المعروف بالأعرج، فبايعوه, ثم وفد على القائمِ بأمر الله أشياخُ حاحة والشياظمة لِما بلغهم من حسن سيرته ونصرة لوائه، فشَكَوا إليه أمر البرتغال ببلادهم, وشِدَّة شوكته واستطالته عليهم، وطلبوا منه أن ينتقل إليهم هو وولده ولي العهد، فأجابهم إلى ذلك ونهض معهم هو وابنه أبو العباس إلى الموضع المعروف بآفغال من بلاد حاحة، وترك ولده الأصغر أبا عبد الله محمد الشيخ بالسوس يرتِّب الأمور ويمهِّد المملكة ويباكر العدو بالقتال ويراوحه، واستمر الأمير أبو عبد الله القائم بمكانه من آفغال ببلاد حاحة مسموعَ الكلمة متبوعَ العقب إلى أن توفي بها وهو يجاهد النصارى الإسبان والبرتغال، ودفن بها ثم نقل إلى مراكش.
العلَّامةُ الحافِظُ وجيهُ الدِّين أبو محمد عبد الرحمن بن علي الدَّيبع الشيباني العبدري الزَّبيدي الشافعي. قال في آخِرِ كتابه «بغية المستفيد بأخبار زبيد»: "كان مولدي بمدينة زَبيد المحروسةِ في يوم الخميس الرابِعَ مِن المحَرَّم الحرام سنةَ سِتٍّ وستين وثمانمائة في منزل والدي منها، وغاب والدي عن مدينةِ زبيدٍ في آخرِ السنة التي وُلِدتُ فيها ولم تَرَه عيني قطُّ، ونشأتُ في حجر جدِّي لأمِّي العلَّامة الصَّالح العارف بالله تعالى: شرف الدِّين أبي المعروف إسماعيل بن محمد بن مبارز الشافعي، وانتفعتُ بدعائه لي، وهو الذي ربَّاني- جزاه الله عنِّي بالإحسان، وقابله بالرَّحمة والرِّضوان". وكان ثقةً صالحًا حافظًا للأخبار والآثار، متواضِعًا، انتهت إليه رئاسةُ الرحلةِ في علم الحديث، وقَصَده الطلبةُ من نواحي الأرض, ومن مصنَّفاتِه «تيسير الوصول إلى جامع الأصول» في مجلدين, و«حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار»، و«تمييز الطَّيِّب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث»، و«مصباح المشكاة»، و«شرح دعاء ابن أبي حربة»، و«غاية المطلوب وأعظم المنَّة فيما يغفِرُ الله به الذنوبَ ويوجِبُ به الجنَّة»، و«بغية المستفيد في أخبار مدينة زَبيد»، و«قرَّة العيون في أخبار اليمن الميمون»، إلى غير ذلك. ومِن شِعرِه قولُه في «صحيح» البخاري ومسلم:تنازع قومٌ في البخاري ومُسلِم لديَّ وقالوا: أيَّ ذينِ يقدَّم فقلتُ: لقد فاق البخاريُّ صَنعةً كما فاق في حُسنِ الصِّياغة مُسلِم . ولم يزَلْ على الإفادة وملازمةِ بيته ومسجدِه لتدريسِ الحديثِ والعبادة، إلى أن توفِّيَ ضُحى يوم الجمعة السادسَ والعشرين من رجب.
عندما وصل سعودٌ بجيوشِه إلى مشارف الشام وقراها واكتسح ما أمامه من القرى والعربان، وقبل ذلك غزا كربلاء وهدد العراق وهزم جميعَ الجيوش التي أرسلها ولاةُ الشام والعراق لمحاربته، حتى اضطرت الدولةُ العثمانية أن تطلُبَ من سعود المهادنةَ والمسابلة وتَبذُل له مقابِلَ ذلك كلَّ سنة ثلاثين ألف مثقال ذهبي، وأوفدت الدولة لهذ الغرض رجلًا يسمَّى عبد العزيز القديمي وأوفدت بعده رجلًا آخر يسمى عبد العزيز بيك، فرجع كما رجع الأول بعدم القبول وبرسالة طويلة من سعود، ومما ورد فيها: "وأما المهادنة والمسابلة على غير الإسلامِ، فهذا أمر محال بحولِ الله وقوَّتِه، وأنت تفهم أن هذا أمرٌ طلبتموه منا مرَّةً بعد مرة، أرسلتم لنا عبد العزيز القديمي ثم أرسلتم لنا عبد العزيز بيك، وطلبتم منا المهادنة والمسابلة، وبذلتم الجزيةَ على أنفُسِكم كلَّ سنة ثلاثين ألف مثقالٍ ذهبًا، فلم نقبل ذلك منكم ولم نُجِبْكم بالمهادنة، فإن قبلتم الإسلامَ فخيرتها لكم وهو مطلبنا، وإن توليتم فنقول كما قال الله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137] فلما أصبحت الدولةُ العثمانيةُ عاجزةً عن مهادنة الإمام سعود بن عبد العزيز بن سعود فضلًا عن محاربته، طلب عندئذ السلطان العثماني من والي مصر محمد علي باشا القيامَ بمحاربة الإمام سعود وإخراجِه من الحجاز، فتردَّد محمد علي أولًا ثم أخيرًا لبَّى طلب السلطان وسيَّرَ ابنَه طوسون سنة 1226هـ ثم خرج هو بنفسِه إلى أن سقطت الدولة السعودية سنة 1233هـ على يد إبراهيم باشا، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
بعد فوزِ الاتحاديِّين بأغلبيةٍ كبيرةٍ وإعلان الدستور أرادوا أن يُتِمُّوا خطَطَهم الراميةَ إلى خلع الخليفة، فبدؤوا يثيرونَ الفوضى والقلاقِلَ في الدولة بطُرُق غير مباشرة، وادَّعى رجال الاتحاد أنَّ الدستورَ معرَّضٌ للإلغاء والحريةَ مهدَّدةٌ؛ لذا فقد تقَدَّم الجيشُ المرابط في سلانيك بإمرةِ محمود شوكت لحماية الدستورِ والمجلس النيابي، عِلماً أنه كان فيه عناصِرُ أجنبية ترتدي الزيَّ العسكري، ووصل الجيشُ إلى العاصمة، فألقى الحصارَ عليها، ثمَّ سار إلى مقر إسماعيل حقي رئيس الجيش النظامي فقتَلوه ومَن معه، ثم ساروا إلى قصر يلدز مقَرِّ السلطان، فقاموا فيه بمذبحة بلا سببٍ ونهبوا القصرَ، ثم شكَّل المجلِسُ النيابيُّ مجلِسًا أطلقوا عليه اسمَ المجلس الملكي، فاجتمع مع مجلسِ الحركة وقَرَّروا خَلْعَ السلطان عبد الحميد باستصدار فتوى من شيخِ الإسلام، واستدعى المجلِسُ الصدر الأعظم توفيق باشا لتكليفِه بإبلاغ القرار إلى الخليفة فرفَضَ، فكلف المجلسُ وفدًا من الفريق البحري عارف حكمت، وآرام الأرمني، وعمانوئيل قره صو اليهودي، وأسعد طوبطاني، وذهب الوفد إلى الخليفة، وقرأ الفتوى، فتقَبَّل السلطان ذلك مع إنكارِه إحضارَهم عمانوئيل اليهودي معهم، خاصَّةً أن عمانوئيل هذا سبق أن زار السلطانَ مع هرتزل في وفدٍ يهوديٍّ يستأذنونه في الهجرةِ إلى فلسطين، فرفض طلبهم وإغراءَهم له، وأمر بطردِهم، فتوعَّد عمانوئيل السلطانَ بأنَّ هذا الرفض سيكَلِّفُه كثيرًا. نُقِلَ السلطانُ إلى سلانيك مع أسرته ومرافقيه، وبقي تحت حراسةِ الاتحاديين حتى حرب البلقان، ثم نُقِلَ إلى قصر بكلربكي في استانبول، وبقي فيه إلى أن توفي عام 1336هـ وكانت مُدَّةُ خلافته أكثر من ثلاث وثلاثين سنة، وتسلَّم الحكمَ صوريًّا أخوه محمد رشاد.
هو محمد بن عبد الكريم الخطابي (بالأمازيغية موحند نعبد لكريم لخطابي) الذي اشتُهِر بين الريفيين بـ (عبد الكريم الخطابي)، وهو قائدُ الثورة المغربية في منطقة الريف شماليَّ المغرب. وُلِدَ سنة 1299هـ / 1882م في أجدير قرب الحسيمة، من ريف المغرب. وُلِدَ في بيت علمٍ وجهادٍ، من قبيلة "ورياغل" إحدى كبريات القبائل البربرية في جبال الريف. حَفِظ القرآن وبَعَثه والِدُه إلى القرويين بفاس، فتعَلَّم وعاد إلى الريفِ، وأقام في مدينة مليلة فوَلِيَ قضاءَها. وامتد احتلالُ الإسبان من مليلة وتطوان إلى (شفشاون)، فأظهر عبد الكريم والد محمد معارضتَه لهم، وكان من أعيان القوم، فانتقم الإسبانُ منه بعزل ابنه محمد من القضاء واعتقاله في سجن كبالرزا سنة 1920م، وأراد محمدٌ الفرار من المعتقل فسَقَط وكُسِرَت ساقه، فأُطلِق من سِجنِه، فجمع محمد الخطابي أنصارًا من ورياغل (قبيلته) وقد آلت إليه زعامتُها بعد أبيه، وقاتل الإسبانَ، فظَفِرَ في معركة (أنوال) من جبال الريف في يوليو 1921 / 1339 ه، وتتابعت معاركه معهم؛ فاستردَّ شفشاون -مدينة في شمال المغرب- 1925م وحاول استردادَ تطوان، وقُدِّر عددُ جيشه بمئة ألف. أنشأ جمهورية الريف، وخاف الفرنسيون امتداد الثورة إلى داخل المغرب، فتحالفوا مع الإسبان ضِدَّه. فأطبقت عليه الدولتان، فاستسلم مُضطرًّا إلى الفرنسيين في 25 مايو 1926م / 12 ذي القعدة 1344هـ بعد أن وعدوا بإطلاق سراحه، ولكنَّهم لم يَفُوا به. فنفوه إلى جزيرة (رينيون) في بحر الهند شرقيَّ إفريقية؛ حيث مكث 20 عامًا, فلما أردوا نَقْلَه إلى فرنسا سنة 1947 م، 1366 هـ وبلَغوا السويس تمكَّن الخطابي أن يهرب من الباخرة واستقَرَّ في القاهرة إلى أن توفِّيَ رحمه الله بها بسكتة قلبية.
تُوفيَ الداعيةُ الإسلاميُّ الشهيرُ أحمد ديدات، بعد أنْ قَضى سنواتٍ عديدةً على فراش المرضِ، في مدينة (ديربان)، وكان قد قدَّم خِدْماتٍ جليلةً للإسلام في مجال الدعوة إلى الله، واشتَهَر بمناظراتِه للنصارى، ومحاضراتِه حولَ تناقُض الإنجيل (الموجود حاليًّا بين أيدي النصارى)، ممَّا أدَّى إلى إسلام عدد كبيرٍ على يدَيْه، وأُصيب الشيخ ديدات بمرض عُضالٍ منذُ عام 1996م، أجبره على لزوم الفراش، وقد أحدث دويًّا هائلًا في الغرب بمناظراتِه الشهيرةِ التي ذاعت منذُ منتصف الثمانينيَّات مع القِسِّ جيمي سوكرت عامَ 1981م، وما زال صداها يتردَّدُ حتى اليوم، ممَّا دفع الكنيسةَ ومراكزَ الدراسات التابعة لها، والعديدَ من الجامعات في الغرب لتخصيص قسم خاصٍّ من مكتباتها لمناظرات ديدات، وكتبه، وإخضاعها للبحث والدراسة، ورغم إصابة الداعية الكبير بشلل تامٍّ في كلِّ جسدِه -عدا دماغه- ولزومه الفراش منذُ عام 1996م، فإنَّ ديدات واصَلَ دعوتَه من خلال الرسائل، والتي تتدفَّق عليه يوميًّا من جميع أنحاء العالمِ، ويصِلُ في المتوسط إلى 500 رسالةٍ يوميةٍ، سواءٌ بالهاتف، أو الفاكس، أو عبرَ الإنترنت، والبريد، وأسَّس الشيخُ المركزَ العالميَّ للدعوة الإسلامية في ديربان، ووزَّع من خلاله أكثرَ من 20 مليونِ نُسخةٍ من كتبه، وأشرطتِه السمعية مجانًا، وقد دخل في الإسلام المئات من أبناء بلده جنوب أفريقيا، بينهم عددٌ كبيرٌ من المُنَصِّرين بفضلِ اللهِ تعالى، ثم بفضلِ مجهوداته في مجال الدعوة، ومن أهمِّ كُتبِه: ((الاختيار بين الإسلام والمسيحية))، وكتاب ((هل الكتاب المقدَّس كلام الله؟))، و((القرآن معجزة المعجزات))، و((ماذا يقول الكتاب المقدَّس عن محمد؟))، و((مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء)).
تُوفِّي الشيخُ صالح بن عبد العزيز بن صالحٍ الراجحي، بسكتةٍ قلبيَّةٍ، في مستشفى الحبيبِ بمدينة الرِّياض عن عمرٍ ناهَزَ (88) عامًا، وصُلِّي عليه في جامِعِ الراجحي، وُلِد الشيخُ صالحٌ عامَ (1344هـ) في محافظة البكيرية بالقَصيم، وانتَقَل مع والِدِه إلى الرِّياض لطلبِ العلمِ والرِّزق، وكانت الرياضُ آنَذاك عامرةً بالحركةِ العِلميَّة والتُّجارية. وفي الرِّياض دَرَس على يدِ سَماحةِ الشيخِ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مُفتي المملكةِ آنذاك، والشَّيخِ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ؛ حيث كان يقرَأُ عليهما في منزلِهما، وكان مَحبوبًا بين مشايِخه وأقرانِه، وممَّن زامَلَهم الشيخُ عبد الله السديس، والشيخُ عبد الله الوابل. وقد بَدَأ أوَّلَ أعمالِهِ كتاجِرِ خردةٍ، ثم انتَقَل إلى الرياضِ وأصبَحَ مبدِّلًا للعُملةِ فيها، وعُرِف عن الشيخ الراجحيِّ ذَهابُه للمسجِدِ قبلَ رُبُعِ ساعةٍ من وَقتِ الصَّلاةِ منذ صِغَرِ سِنِّه وحتى أَقعَدَه المرض، وكان مع مُلازَمَتِه للعُلماءِ يُزاوِلُ التِّجارةَ منذ أن كان عمرُه (13) سنةً، وقد وَجَد نفسَه فيها حتى وَفَّقه الله عامَ (1366هـ) بافتِتاحِ أوَّلِ دُكَّان يُزاوِل فيه مهنةَ الصِّرافة التي نَمَت وتطوَّرت حتى أصبَحَت صَرحًا من صُروحِ الاقتِصادِ، وأصبح مَصرِفُ الراجحي أوَّلَ مصرِفٍ إسلاميٍّ في المملكة أسَّسَه مع إخوانِه. وتوسَّعَت أعمالَ الشيخ صالحٍ حتى لم يتركْ مجالًا من المجالاتِ التجاريَّة والعَقارية والزراعيَّة إلا وضَرَب فيه بسَهمٍ. وللرجلِ كثيرٌ من الأبناءِ والبناتِ، وفي آخِرِ سِنِي عمرِه عانَى من الهَرَم ورَقَد في مشفًى صغيرٍ في قصرِه في الرياض، ويُديرُ أموالَه مجلسُ وصايةٍ عيَّنَتْه المحكمةُ، ويُعرَف الرجلُ بأعمالِ الخير وكثرةِ عِمارتِه للمساجدِ وحِلَق القُرآنِ والوَقفِ الخيريِّ الكبيرِ الذي رَصَده لأعمال البِرِّ رحمه الله.
هو الإمامُ العلَّامةُ، الحافِظُ الكبيرُ المجَوِّد، مُحَدِّثُ الشام، ثِقةُ الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن عساكر، الدمشقي الشافعي صاحب (تاريخ دمشق). من أعيانِ الفُقَهاء الشافعيَّة، ومُحَدِّث الشام في وقته. غَلَب عليه الحديثُ فاشتَهَر به وبالَغَ في طلبه إلى أن جمعَ منه ما لم يتَّفِق لغَيرِه، حتى صار أحدَ أكابر حُفَّاظ الحديث ومن عُنِيَ به سَماعًا وجمعًا وتصنيفًا، واطِّلاعًا وحفظًا لأسانيده ومتونِه، وإتقانًا لأساليبه وفنونه، صاحِبُ الكتاب المشهور (تاريخ دمشق) الذي حاز فيه قَصَب السَّبْق، ومن نظَرَ فيه وتأمَّله، رأى ما وصَفَه فيه وأصَّلَه، وحَكَم بأنَّه فريدُ دَهرِه في التواريخ، هذا مع ما له في علوم الحديث من الكُتُب المفيدة، وما هو مشتَمِلٌ عليه من العبادة والطرائق الحميدة, وله مصنفاتٌ كثيرة منها الكبار والصغار، والأجزاءُ والأسفار، وقد أكثَرَ في طلب الحديث من التَّرحال والأسفار، وجاز المدن والأقاليم والأمصار، وجمع من الكتبِ ما لم يجمَعْه أحدٌ مِن الحُفَّاظ نسخًا واستنساخًا، ومقابلة وتصحيحَ الألفاظ. قال الذهبي: "نقلتُ ترجمته من خَطِّ ولده المحدِّث أبي محمد القاسم بن علي، فقال: وُلِدَ أبي في المحرم سنة 499، وعَدَدُ شيوخِه الذي في معجمه ألف وثلاثمائة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخًا أنشدوه، وعن مائتين وتسعين شيخًا بالإجازة، الكل في معجمه، وبضع وثمانون امرأة لهن مُعجَم صغير سَمِعْناه. وحدَّث ببغداد، والحجاز، وأصبهان، ونيسابور, وصنف الكثير, وكان فَهِمًا، حافِظًا، متقِنًا ذكيًّا، بصيرًا بهذا الشأن، لا يُلحَقُ شَأنُه، ولا يُشَقُّ غُباره، ولا كان له نظيرٌ في زمانه. وكان له إجازاتٌ عالية، ورُوي عنه أشياءُ من تصانيفه بالإجازة في حياته، واشتهر اسمُه في الأرض، وتفقَّه في حداثته على جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وغيره، وانتفع بصحبة جده لأمه القاضي أبي المفضل عيسى بن علي القرشي في النحو، ولازم الدرسَ والتفقُّه بالنظامية ببغداد، وصنف وجمع فأحسن, فمن ذلك تاريخ دمشق في ثمانمائة جزء. قلت (الذهبي): "الجزء عشرون ورقة، فيكون ستة عشر ألف ورقة", وجمع (الموافقات) في اثنين وسبعين جزءًا، و(عوالي مالك)، والذيل عليه خمسين جزءًا، و(غرائب مالك) عشرة أجزاء، و(المعجم) في اثني عشر جزءًا, و(مناقب الشبان) خمسة عشر جزءًا، و(فضائل أصحاب الحديث) أحد عشر جزءًا، (فضل الجمعة) مجلد، و(تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري) مجلد، و (المسلسلات) مجلد، و (السباعيات) سبعة أجزاء، (من وافقت كنيته كنيةَ زوجته) أربعة أجزاء، و (في إنشاء دار السنة) ثلاثة أجزاء، (في يوم المزيد) ثلاثة أجزاء، (الزهادة في الشهادة) مجلد، (طرق قبض العلم)، (حديث الأطيط)، (حديث الهبوط وصحته)، (عوالي الأوزاعي وحاله) جزءان, (الخماسيات) جزء، (السداسيات) جزء، (أسماء الأماكن التي سمع فيها)، (الخضاب)، (إعزاز الهجرة عند إعواز النصرة)، (المقالة الفاضحة)، (فضل كتابة القرآن)، (من لا يكون مؤتمنًا لا يكون مؤذِّنًا)، (فضل الكرم على أهل الحرم)، (في حفر الخندق)، (قول عثمان: ما تغنيت)، (أسماء صحابة المسند)، (أحاديث رأس مال شعبة)، (أخبار سعيد بن عبد العزيز)، (مسلسل العيد)، (الأبنة)، (فضائل العشرة) جزءان، (من نزل المزة)، (في الربوة والنيرب)، (في كفر سوسية)، (رواية أهل صنعاء)، (أهل الحمريين)، (فذايا)، (بيت قوفا)، (البلاط)، (قبر سعد)، (جسرين)، (كفر بطنا)، (حرستا)، (دوما مع مسرابا)، (بيت سوا)، (جركان)، (جديا وطرميس)، (زملكا)، (جوبر)، (بيت لهيا)، (برزة)، (منين)، (يعقوبا)، (أحاديث بعلبك)، (فضل عسقلان)، (القدس)، (المدينة)، (مكة)، كتاب (الجهاد)، (مسند أبي حنيفة ومكحول)، (العزل)، (الأربعون الطوال)، (الأربعون البلدية) جزء، (الأربعون في الجهاد)، (الأربعون الأبدال)، (فضل عاشوراء) ثلاثة أجزاء، (طرق قبض العلم) جزء، كتاب (الزلازل)، (المصاب بالولد) جزءان، (شيوخ النبل)، (عوالي شعبة) اثنا عشر جزءًا، (عوالي سفيان) أربعة أجزاء، (معجم القرى والأمصار) جزء، وغير ذلك, وسرد له عدة تواليف. قال: وأملى أبي أربعمائة مجلس وثمانية. قال: وكان مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة، كان يجري ذكره عند ابن شيخه، وهو الخطيب أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي، فيقول: ما نعلم من يستحِقُّ هذا اللقب اليوم يعني: (الحافظ) ويكون حقيقًا به سواه. وقال القاسم: لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنه لا يساجِلَ الحافظ ابن عساكر في شأنه أحد، فلو خالط الناسَ ومازجهم كما أصنع، إذًا لاجتمع عليه الموافِقُ والمخالف, وقال لي أبو العلاء يومًا: أي شيء فتح له، وكيف ترى الناس له؟ قلت (الذهبي): "هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتصنيف والتسميع، حتى في نُزَهِه وخلواته" ثم قال أبو العلاء: ما كان يسمَّى ابن عساكر ببغداد إلَّا شعلةَ نار؛ من توقُّدِه وذكائه وحُسنِ إدراكه. قال أبو المواهب: لم أرَ مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الجماعة في الخمس في الصف الأول إلَّا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عُرِضَت عليه، وقِلَّة التفاته إلى الأمراء، وأخْذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخُذُه في الله لومة لائم. قال لي: لَمَّا عزمت على التحديث، واللهُ المطَّلِعُ أنَّه ما حملني على ذلك حُبُّ الرئاسة والتقدم، بل قلت: متى أروي كُلَّ ما قد سمعته، وأيُّ فائدة في كوني أخَلِّفُه بعدي صحائف؟ فاستخرتُ الله، واستأذنت أعيانَ شيوخي ورؤساء البلد، وطُفت عليهم، فكُلٌّ قال: ومن أحقُّ بهذا منك؟ فشرعت في ذلك سنة ثلاث وثلاثين" كانت وفاة ابن عساكر في الحادي عشر من رجب، وله من العمر ثنتان وسبعون سنة، وحضر السلطان صلاح الدين الأيوبي جنازتَه ودُفِنَ بمقابر باب الصغير، وكان الذي صلى عليه الشيخُ قطب الدين النيسابوري.
هو القاضي ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون التونسي الإشبيلي الحضرمي القاهري المالكي. وُلِدَ في تونس سنة 732. اشتغل في بلاده وسمع من الوادي آشي وابن عبد السلام وغيرهما، وأخذ القراءات عن محمد بن سعد بن براد، واعتنى بالأدب وأمور الكتابة والخط، حتى مهر في جميع ذلك. وولي كتابة العلامة عن صاحب تونس. ثم غادرها فارًّا من الطاعون متوجهًا إلى فاس في سنة ثلاث وخمسين، فعلا شأنه فيها حتى كِيدَ له فسُجِن فيها حتى أطلقه الوزير الحسن الفودوي، كان دخل في الأحوال السياسية ثم عافها بعد موت صديقه لسان الدين الخطيب، فاعتزل في قلعة بالجزائر في وهران، وألَّف فيها مقدمته المشهورة، ثم تنقل ابن خلدون بين تونس وغرناطة عند بني الأحمر وتلمسان وفاس، إلى أن استقر في مصر سنة أربع وثمانين. قال ابن حجر العسقلاني: "قدم الديار المصرية سنة 784 في ذي القعدة، وحجَّ ثمَّ رجع فلازم ألطنبغا الجوباني، فاعتنى به إلى أن قرَّره الملك الظاهر برقوق في قضاء المالكية بالديار المصرية، فباشرها مباشرةً صعبة، وقَلَب للناسِ ظَهرَ المجن، وصار يعزِّر بالصفع ويسِّميه الزج. فإذا غضب على إنسان، قال: زجوه، فيُصفَع حتى تحمَرَّ رقبته. قرأتُ بخط البشبيشي: كان فصيحًا مفوهًا جميل الصورة، وخصوصًا إذا كان معزولًا عن القضاء. أما إذا ولي فلا يُعاشَر، بل ينبغي ألَّا يُرى. وقد ذكره لسان الدين ابن الخطيب في تاريخ غرناطة ولم يصِفْه بعلم، وإنما ذكر له تصانيف في الأدب، وشيئًا من نظمه، ولم يكن بالماهر فيه. وكان يبالغ في كتمانه، مع أنه كان جيدًا لنقد الشعر من غير تقدم فيه، ولكن محاضرته إليها المنتهى، ولما دخل الديار المصرية تلقاه أهلها وأكرموه، وأكثروا ملازمته والتردد إليه، فلما ولي المنصب تنكَّر لهم، وفتك في كثير من أعيان الموقعين والشهود. وقيل: إن أهل المغرب لما بلغهم أنه ولي القضاء عجبوا من ذلك، ونسبوا المصريين إلى قلة المعرفة، ولما دخل القضاة للسلام عليه، لم يقم لأحدٍ منهم، واعتذر لمن عاتبه على ذلك. وباشر ابن خلدون بطريقة لم يألفها أهل مصر، حتى حصل بينه وبين الركراكي تنافس، فعُقِد له مجلس، فأظهر ابن خلدون فتوى زعم أنها خط الركراكي، وهي تتضمن الحط على السلطان الظاهر برقوق. فتنصَّل الركراكي من ذلك، وتوسَّل بمن اطَّلع على الورقة فوُجِدت مُدلَّسة. فلما تحقق برقوق ذلك عزل ابن خلدون، وأعاد القاضي جمال الدين. وذلك في جمادى الأولى سنة سبع وثمانين. فكانت ولايته الأولى دون سنتين. واستمر معزولًا ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، وحجَّ في سنة تسع وثمانين. ولازمه كثير من الناس في هذه العطلة وحَسُن خلقه فيها، ومازح الناس وباسطهم، وتردد إلى الأكابر وتواضع معهم. ومع ذلك لم يغيِّرْ زيه المغربي ولم يلبَس زي قضاة هذه البلاد. وكان يحب المخالفةَ في كل شيء. ولما مات ناصر الدين ابن التنسي، طلبه الملك الظاهر برقوق، ففوض إليه القضاء في خامس عشر شهر رمضان سنة إحدى وثمانمائة. فباشر على عادته من العسف والجنف. لكنه استكثر من النواب والشهود والعقاد، على عكس ما كان في الأول، فكثرت الشناعةُ عليه، إلى أن صرف ببعض نوابه، وهو نور الدين ابن الجلال صرفًا قبيحًا، وذلك في ثاني عشر المحرم سنة ثلاث وثمانمائة. وطلب ابن خلدون إلى الحاجب الكبير فأقامه للخصوم وأساء عليه بالقول. وادَّعوا عليه بأمور كثيرة أكثرها لا حقيقة له, وحصل له من الإهانة ما لا مزيد عليه وعُزل، فتحيَّل لما حاصر تيمورلنك دمشق إلى أن حضر مجلسه، وعرَّفه بنفسه فأكرمه وقرَّبه، وكان غرضه استفساره عن أخبار بلاد المغرب، فتمكَّن منه إلى أن أذن له في السفر وزوَّده وأكرمه. فلما وصل القاهرة أعيد إلى منصب القضاء، فباشره عشرة أشهر. ثم صرف بجمال الدين البساطي إلى آخر السنة. وأعيد ابن خلدون وسار على عادته، إلا أنه تبسَّط بالسكن على البحر، وأكثر من سماع المطربات، ومعاشرة الأحداث، فكثرت الشناعة عليه. قرأت بخط جمال الدين البشبيشي في كتابه (القضاة) قال: وكان -ابن خلدون- مع ذلك أكثر من الازدراء بالناس، حتى شهد عنده الأستادار الكبير بشهادة فلم تُقبَل شهادته، مع أنه كان من المتعصبين له. ولم يشتهر عنه في منصبه إلا الصيانة، إلى أن صُرِف في سابع شهر ربيع الأول سنة ست وثمانمائة. ثم أعيد في شعبان سنة سبع، فباشر في هذه المرة الأخيرة بلين مفرِطٍ وعجزٍ وخَورٍ. ولم يلبث أن عُزِل في أواخر ذي القعدة. وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي في وصف تاريخ ابن خلدون: (مقدمته لم يُعمَل مثالها، وإنه لعزيز أن ينال مجتهد منالها؛ إذ هي زبدة المعارف والعلوم، وبهجة العقول السليمة والفهوم، تُوقِف على كُنهِ الأشياء، وتعرف حقيقة الحوادث والأنباء، وتعبِّرُ عن حال الوجود، وتنبئُ عن أصل كل موجود، بلفظ أبهى من الدر النظيم، وألطف من الماء مر به النسيم). انتهى كلامه. وما وصفها به فيما يتعلق بالبلاغة والتلاعب بالكلام على الطريقة الجاحظية مُسلَمٌ له فيه، وأما ما أطراه به زيادة على ذلك فليس الأمر كما قال، إلَّا في بعض دون بعض، إلا أن البلاغة تُزين بزخرفها، حتى تري حسنًا ما ليس بالحسن. وقد كان شيخنا الحافظ أبو الحسن بن أبي بكر يبالغ في الغض منه. فلما سألته عن سبب ذلك، ذكر لي أنه بلغه أنه ذكر الحسين بن علي رضي الله عنهما في تاريخه، فقال: قُتل بسيف جدِّه. ولما نطق شيخنا بهذه اللفظة، أردفها بلعن ابن خلدون وسَبِّه، وهو يبكي. قلت (ابن حجر): ولم توجد هذه الكلمة في التاريخ الموجود الآن. وكأنه كان ذكرها في النسخة التي رجع عنها. والعجَبُ أن صاحبنا المقريزي كان يُفرِطُ في تعظيم ابن خلدون؛ لكونه كان يجزم بصحة نسب بني عبيد الذين كانوا خلفاء بمصر، وشهروا بالفاطميين إلى علي، ويخالف غيره في ذلك، ويدفع ما نُقِل عن الأئمة في الطعن في نسبهم ويقول: إنما كتبوا ذلك المحضر مراعاة للخليفة العباسي". ثم استعفى وانقطع للتدريس والتأليف وله مصنفات غير مقدمته المشهورة، ومنها: كتاب العِبَر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، وشرح البردة والحساب، ورسالة في المنطق، توفي في القاهرة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر رمضان فجأة عن 76 عامًا ودُفِن بمقابر الصوفية.
هو محمد علي جناح أول حكام باكستان المستقِلَّة في 8 ذي القعدة (11 أيلول 1948م)، لقَّبه مواطنوه بلقب "قائد أعظم" وهو مؤسس دولة باكستان. ولد في 27 ديسمبر سنة 1876، وكان أبوه تاجرًا متوسط الثراء، وعضوًا في أسرة من الخوجات تعيش في كراتشي. وتلقى محمد تعليمَه الأول في بومباي، ثم في مدرسة الإسلام السندية، وفي المدرسة العليا لجماعة المبعوثين المبشرين في كراتشي. ولَمَّا حصل على إجازة القبول في الجامعة بُعِث إلى إنجلترا سنة 1892 حيث نال شهادة القانون سنة 1896 من كلية لنكولن. وعاش في لندن في الأيام الأخيرة للأحرارِ على مذهب غلادستون، وأظهر في هذه الأثناء اهتمامًا شديدًا بالحياة العامة، وفي هذه المرحلة أيضًا اتخذ سمة الإنجليز في الظاهر -وقد جرى حتى السنة الأخيرة من حياته على لُبس اللباس الإنجليزي الخالص، وكان يُلقي جميع أحاديثه الهامة بالإنجليزية حتى الكلمة التي ألقاها في الإذاعة بمناسبة قبول خطة التقسيم، ثم ترجمها آخرون إلى الأوردية -حتى أصبح "مستر جناح" الذي عاد إلى الهند سنة 1896م، وبدأ في السنة التالية يمارس مهنة المحاماة في بومباي. ولم يلبث بعد عدة سنوات عجاف أن أصبح من أئمة رجال المحاماة في بومباي. وكانت استجابة الجماهير لجديته واستقامته، وليس لحرارة كلماته. وكانت أوَّلُ مشاركة لجناح في السياسة الهندية هي عضويتَه للمؤتمر الوطني الهندي، وقد حضر دورة انعقاد سنة 1906 بوصفه كاتِبَ سر خاص لنوروجي الذي كان في حينها رئيسًا للمؤتمر الوطني. وبعد ذلك بثلاث سنوات -أي في يناير سنة 1910- اتخذ مقعده عضوًا في أول مجلس تشريعي ليمثِّلَ مُسلِمي بومباي، وكان أول عضو غير رسمي يحقِّقُ سَنَّ قانون تشريعي، وكان في هذه الحالة قانونًا يصَحِّحُ وضع الأوقاف الإسلامية. وفي سنة 1913 انضم جناح إلى الرابطة الإسلامية، وهو باق شخصية مؤثرة في المؤتمر الإسلامي, وفي سنة 1919 استقال من المجلس التشريعي؛ احتجاجًا على توسيع سلطة الشرطة في القمع. وكان جناح قد تزوَّج للمرة الأولى وهو بَعدُ طفل قَبلَ رحيله إلى إنجلترا سنة 1892، ولكن زوجته توفيت وهو في خارج البلاد، وكان زواجُه الثاني من ابنة سَريٍّ من سراة اليارسيين سنة 1918. ولم يكن زواجًا موفَّقًا، فانفصل الطرفان فكانت أخته فاطمة ترعى شؤونه المنزلية معظم حياته. ولعب جناح دورًا في الحياة الهندية العامة ما بين سنتي 1920 و 1931. وقد انتُخِبَ في جمعية مركزية، وكان مندوبًا في المؤتمرين الأولين للمائدة المستديرة (سنة 1930 - 1931). وفي هذه المرحلة بدأ يعمل في المجلس الخاص للمحامين، وأقام دارًا في لندن، وأصبح لا يزور الهندَ إلا زيارات متقطعة. وكانت عودتُه الأخيرة سنة 1935 بعد تنفيذ الأحكام الدستورية الجديدة، وقد نظَّم وقاد حركة باكستان، وأصبح أول حاكم عام للدولة الجديدة. فإن الرابطة في انتخابات سنة 1946 قد كسبت جميع مقاعد المسلمين تقريبًا، ولم يستطع أحد إنكار موقف جناح من حيث هو المتحَدِّث باسم الأغلبية الساحقة. وقد اشترك جناح اشتراكًا فعَّالًا في المفاوضات التي أدت إلى قيام مشروع التقسيم، وكان لا يكُفُّ عن الإلحاح بأن المسلمين يجِبُ أن يُسمَحَ لهم بأن يختاروا لأنفُسِهم دولة مستقلة. وفي يونيه سنة 1947 تحقق غرضه وقامت دولة باكستان في منتصف ليلة 14 - 15 أغسطس سنة 1947. وتولى هو منصِبَ الحاكِم العام لها ورئيس الجمعية التأسيسية. وقد وجه جناح جهوده الأولى نحو إنهاء سَفكِ الدم والحقد الجماعي. وما وافى هذا الوقت حتى كان جناح قد بلغ السبعين من عمره، وكانت صحَّتُه تبدو عليها أمارات الانهيار. ومع ذلك فقد رأسَ إقامة الجهاز الحكومي وكان مسيطرًا سيطرة فعالة على تدبير الأمور. وفي خلال سنة 1948 ازدادت صحتُه وَهْنًا على وَهنٍ، وأدركته المنية في 11 سبتمبر. وكان جناح رجلا غيَّرَ مجرى التاريخ، صحيحٌ أنه كان ثمة شعور قومي إسلامي قبله، لكنه أسبغ عليه الثقة بالنفس، وكان جناح رجلًا نزيهًا لا يحيد، وربما كان من العسير على المرء أن يحِبَّه غيرَ أنه يحمل المرءَ على الإعجاب به. كان وطنيًّا مُسلِمًا، وإن لم يكن في أعماقه رجلَ دين. وعنده أنَّ التراث الإسلامي حضارة وثقافة وكيان قومي. ثم هو قد أسس دولة ثابتة الأركان، قيل إنه كان إسماعيليًّا، وفي قول آخر أنَّه كان شيعيًّا، وبغَضِّ النظر عن انتمائه الطائفي فإنه لم يظهر أي أثر للطائفية في عَمَلِه في باكستان، بل قيل إنه أوصى أحد علماء السنة أن يصلِّيَ عليه بعد موته، وبعد وفاة جناح تم تعيينُ الخواجا نظام الدين الذي كان رئيسًا لحكومة البنغال قبل استقلال باكستان.
هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامةُ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الحنبلي المعروفُ بابن قَيِّم الجوزيَّة، فهو إمامُ الجوزيَّة، وابنُ قَيِّمِها، ولِدَ بدمشق في سابع صفر سنة 691, وسَمِعَ الحديث واشتغل بالعلم، وبَرَع في العلوم المتعَدِّدة، لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولَمَّا عاد الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في سنة 712 لازَمَه إلى أن مات الشيخُ، فأخذ عنه علمًا جَمًّا لازمه قرابة 16 عامًا وتأثَّر به, وسُجِنَ في قلعة دمشق في أيام سجنِ ابن تيمية، وخرج بعد أن توفِّيَ شيخه عام 728 ولم يخَلِّفِ الشيخُ العلَّامة تقي الدين ابن تيميَّة مِثلَه، ومع ما سَلَف له من الاشتغال، صار فريدًا في بابِه في فنونٍ كثيرة، مع كثرةِ الطَّلَب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال، وكان حَسَن القراءة والخُلُق، كثيرَ التودد لا يحسُد أحدًا ولا يؤذيه، ولا يستعيبُه ولا يحقِدُ على أحد؛ قال ابن رجب: "كان ذا عبادةٍ وتهَجُّد وطولِ صلاةٍ إلى الغاية القصوى، وتألُّه ولَهَج بالذكر، وشَغف بالمحبة والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهِدْ مِثلَه في ذلك، ولا رأيتُ أوسَعَ منه علمًا، ولا أعرَفَ بمعاني القرآن والسنَّة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصومَ، ولكن لم أرَ في معناه مِثلَه، وقد امتُحِنَ وأوذيَ مَرَّات، وحُبِسَ مع الشيخ تقي الدين في المرَّة الأخيرة بالقلعة، منفرِدًا عنه، ولم يُفرَجْ عنه إلَّا بعد موت الشيخ, وكان في مُدَّة حبسه مشتغلًا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ففُتِحَ عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانِبٌ عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسَلَّط بسبب ذلك على الكلام في علومِ أهل المعارف، والدُّخولِ في غوامِضِهم، وتصانيفه ممتلئةٌ بذلك، وحَجَّ مرات كثيرة، وجاور بمكَّةَ، وكان أهلُ مكة يذكرون عنه من شِدَّة العبادة، وكثرة الطواف أمرًا يُتعَجَّب منه. ولازمت مجالِسَه قبل موته أزيدَ مِن سنة، وسَمِعتُ عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة، وأشياء من تصانيفه، وغيرها " وقال ابنُ كثير: " كنتُ مِن أصحَبِ النَّاسِ له وأحَبِّهم إليه، ولا أعرف في هذا العالَمِ في زماننا أكثَرَ عبادةً منه، وكانت له طريقةٌ في الصلاة يطيلها جِدًّا ويمُدُّ ركوعَها وسجودَها، ويلومه كثيرٌ من أصحابه في بعضِ الأحيانِ، فلا يرجِعُ ولا ينزِعُ عن ذلك- رحمه الله" وقال ابن حجر العسقلاني: " كان إذا صلَّى الصبح جلس مكانَه يذكُرُ الله حتى يتعالى النَّهارُ، ويقول: هذه غَدوتي لو لم أقعُدْها سَقَطَت قُوايَ، وكان يقولُ: بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين، وكان يقول: لا بد للسَّالك من همَّة تُسيِّرُه وترَقِّيه، وعلمٍ يُبَصِّرُه ويهديه. وكان مُغرًى بجمع الكتب فحصَّل منها ما لا يُحصَرُ حتى كان أولادُه يبيعون منها بعد موتِه دهرًا طويلًا سوى ما اصطَفَوه منها لأنفُسِهم" وله من التصانيف الكبار والصغار شيءٌ كثير، وهي أكثَرُ مِن أن تُحصَرَ هنا، ولكن من أشهرها: زاد المعاد في هَدْي خير العباد، وإعلام الموقعين عن ربِّ العالمين، ومدارج السالكين، وبدائع الفوائد، وطريق السعادتين، وشرح منازل السائرين، والقضاء والقدر، وجلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، ومصايد الشيطان، ومفتاح دار السعادة، والروح، وحادي الأرواح، ورفع اليدين، والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وتصانيف أخرى كثيرة؛ قال ابن حجر: "وكلُّ تصانيفه مرغوبٌ فيها بين الطوائف، وهو طويلُ النَّفَسِ فيها يتعانى الإيضاحَ جُهدَه، فيُسهِبُ جدًّا، ومعظمها من كلام شيخِه يتصَرَّفُ في ذلك، وله في ذلك مَلَكَة قويَّة، ولا يزال يدندِنُ حولَ مُفرداتِه ويَنصُرُها ويحتَجُّ لها" ومن نَظْمِه قصيدة تبلغ ستة آلاف بيت سمَّاها الكافية في الانتصار للفرقة الناجية. ومن تلاميذه ابنه برهان الدين إبراهيم، والإمام ابن رجب الحنبلي، والحافظ ابن كثير، والحافظ ابن عبد الهادي، والإمام الذهبي، والفيروزآبادي صاحب القاموس. توفِّيَ رحمه الله في دمشق ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقتَ أذان العشاء وصُلِّيَ عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامِعِ الأموي، ودفن عند والدته بمقابر الباب الصغير، وقد كانت جنازته حافلةً، شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة، وتزاحم الناسُ على حمل نعشه، وكَمُل له من العمر ستون سنةً.