تمَّ إنشاءُ حزبِ (جبهةِ الإصلاحِ الإسلاميِّ) وذلك بعد أن مَنَحت السُّلطاتُ التُّونُسية ترخيصًا قانونيًّا بتأسيسِه؛ وذَكَر أحدُ قيادِيِّي ومؤسِّسي الحزبِ أن من مبادئِ الحزب أنَّه قائِمٌ على منهَجِ أهلِ السنَّة والجَماعَة بفَهمِ سلف الأمَّة؛ وذلك على المُستوَى العَقَدي. وأما سياسيًّا: فهو حزبٌ يؤمِنُ بآليَّاتِ العملِ الديمقراطيِّ والدَّولةِ المَدَنِيَّة وخِياراتِ الشَّعب الانتخابية.
سعى الرئيسُ الأمريكيُّ بيل كلينتون في الأيام الأخيرة من ولايتِه إلى تقديم مشروعِ سلامٍ، فدعا الطرفَينِ الفِلَسْطيني والإسرائيلي لإجراءِ مُباحثاتٍ في واشنطنَ، وتضمَّنَ مشروعُه ما يلي:
- دولةٌ فِلَسْطينيَّةٌ على 94- 96% من الضفة، و100% من القطاع، وأنْ تُعطيَ إسرائيلُ من 1-3% من أراضيها المحتلَّة عامَ 48 إلى الطرف الفِلَسْطيني.
- 80% من المستوطِنينَ اليهود يُقيمونَ في مجمَّعاتٍ استيطانيةٍ.
- المناطقُ الآهِلةُ بالعرب فِلَسْطينيةٌ، والآهِلةُ باليهودِ إسرائيليةٌ، إلى غير ذلك ممَّا يتعلَّق باللاجئين، والأمن،
وهي مُقتَرَحاتٌ إسرائيليةٌ في ثوب أمريكي، وانتهت بالفشلِ.
كان السُّلطانُ عبد الحميد الثاني قد أعلن الدستورَ سنة 1876م لكنه بعد سنتين عَلَّق الدستور وعطَّل البرلمانَ العثماني لَمَّا رأى أنَّ أكثَرَ الموالين للدستور من المفتونيين بأوربا وسياستِها وعلى صلةٍ بالساسة الأوربيين، ويعادون القانونَ الإسلاميَّ، ويطلقون على أنفُسِهم اسمَ الدستوريين، فانطلقوا يعملون على نشرِ أفكارِهم وبدؤوا بتأسيسِ الجَمعيَّاتِ السرِّية التي كان من أشهَرِها وأولها جمعية الاتحاد والترقي، التي تأسَّست في باريس هذا العام، وجمعية الحرية، في سلانيك في 1323هـ ثم اندمجتا معًا ولم يقتَصِرِ الأمرُ على المدنيين، بل إنَّ العسكريين أيضًا كانوا ينضَمُّون لهذه الجمعيَّات، وكانت أقدم الجمعيَّات هي الجمعيَّاتِ الشعبيَّة العثمانية التي تأسَّست منذ عام 1282هـ، وكانت علنيَّة غيرَ سرية، أمَّا التنظيماتُ العسكرية فكان تنظيمُ نيازي بك، ورائف بك، وحسين بك، وصلاح الدين بك، وكانت الحكومةُ مهتمَّةً في ذلك الوقت بالحَدِّ من خطَرِ مخطَّطاتِ اليهود سواءٌ كانوا من الدونمة، أو من الماسونية، أو من الخارج، الذين يدعمون هذه الجمعيَّات السريَّة، وكانت المعارَضةُ في الداخل من الأحرارِ العثمانيين الذين يريدون السيرَ على المنهجِ الأوربي لا المنهجِ الإسلاميِّ مفتونين بالحضارة الأوربية، ويظنون أنَّ طريقَها يكون بالتخلِّي عن الإسلامِ، ومن طرفٍ آخَرَ كانت المعارَضاتُ من القوميين غيرِ الأتراك الذين بدؤوا بالظهورِ وتكوين الجمعيات أيضًا الخاصة بهم، التي نشأت كرَدِّ فعل على القوميين الأتراك الذين بدؤوا ينشُرون ويعملون على جَعلِ الدولة العثمانية دولةً تركيةً بحتةً لا دَخْلَ للعرب فيها، مثل: جمعية تركيا الفتاة، وجمعية الوطن والحرية، التي كان منها مصطفى كمال أتاتورك، ثمَّ بدأت الثوراتُ تُظهِرُ الرغبةَ في خلعِ السلطانِ عبد الحميد.
هو الحافِظُ محمَّدُ بنُ عيسى بن سورة بنِ موسى بن الضحَّاك السلمي التِّرمذي، الضريرُ، قيل: ولِدَ أعمى، والصحيحُ أنه كُفَّ بَصرُه في كِبَرِه، بعد رحلتِه وكتابتِه العِلمَ. وهو أحدُ أئمَّة الحديث في زمانه، وله المصَنَّفات المشهورة؛ منها: الجامِعُ المعروف بالسُّنَن، والشَّمائل، وأسماءُ الصحابة، وغير ذلك، تتلمذَ على البخاريِّ، رحل إلى خُراسان والعراق والحجاز، ورُويَ عنه أنَّه قال: "صنَّفتُ هذا المُسندَ الصَّحيحَ، وعرضتُه على علماءِ الحجاز فَرَضُوا به، وعرَضتُه على عُلماءِ العِراقِ فَرَضُوا به، وعرضتُه على علماء خُراسان فَرَضُوا به، ومن كان في بيتِه هذا الكتابُ، فكأنَّما في بيتِه نبيٌّ يَنطِقُ، وفي رواية يتكَلَّم"، أصيبَ بالعمى في آخِرِ حياتِه، وتوفِّي في ترمذَ، مكانِ ولادتِه.
هو الشريف محمد بن عبد المعين بن عون بن محسن بن عبد الله بن حسين بن عبد الله بن حسن ابن أبي نمي، ولِدَ بمكة سنة 1204ه،ـ ونشأ بها، ولما استولى محمد علي باشا على مكَّةَ ذهب به إلى مصر وجلس بها عنده مدَّةَ سنواتٍ، ولَمَّا قُتِل الشريف يحيى بن سرور الشريف شمبر بمكة في شعبان سنة 1243هـ تولى عبد المطلب بن غالب إمارةَ مكة وهي إمارته الأولى وبقي أميرًا حتى قَدِمَ محمد بن عبد المعين بن عون من مصر في جمادي الآخر سنة 1243هـ وتولَّى إمارة مكة حتى سنة 1253
حيث أعيد إلى مصر، ثم صدر الأمر السلطاني على محمد على باشا
بمصر بإعادةِ محمد بن عبد المعين بن عون أميرًا لمكَّة، فأعيد إليها 1256هـ وبقي أميرًا لمكة حتى سنة 1267 حيث ورد الأمرُ السلطاني بترحيلِه وجميع أبنائه إلى تركيا، وتولية الشريف عبد المطلب بن غالب، وهي المرة الثانية لولاية الشريف عبد المطلب، ثم عاد محمد بن عبد المعين ابن عون من تركيا وتولى إمارة مكة سنة 1271هـ وبقي بها أميرًا حتى توفِّيَ في ثالث شعبان من هذه السنة، وخلَّف ستة أبناء، هم: عبد الله، وعلي، وحسين، وعون، وسلطان. وتولى بعده إمارة مكة ابنُه الأكبر عبد الله.
لما كان شهر ربيع الأول من هذه السنة، شغَّب العبيد على السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل بن مولاي علي الشريف العلوي, وهمُّوا بخلعه والإيقاع به، فنذرت بذلك أمه الحرة خناثى بنت بكار، ففرت من مكناسة إلى فاس الجديد، ومن الغد تبِعَها ابنها السلطان المولى عبد الله، ونزل برأس الماء فخرج إليه الودايا وأهل فاس وأجَلُّوا مَقدَمَه واهتزُّوا له، فاستعطفهم السلطان وقال لهم: أنتم جيشي وعدتي، ويميني وشمالي، وأريد منكم أن تكونوا معي على كلمة واحدة، وعاهدهم وعاهدوه ورجعوا، وفي أثناء ذلك بلغه أن أحمد بن علي الريفي قد كاتب عبيد مشرع الرملة وكاتبوه واتفق معهم على خلع السلطان مولاي عبد الله وبيعة أخيه مولاي زين العابدين، وكان يومئذ عنده بطنجة وأنهم وافقوه، فوجم لها السلطان مولاي عبد الله، ثم استعجل أمر المولى زين العابدين ففرَّ مولاي عبد الله إلى بلاد البربر.
كان أَمرُ الدَّعوة العَبَّاسِيَّة قد اسْتَفحَل خِلالَ السَّنوات الماضِيَة وقَوِيَ أَمرُها جِدًّا في خُراسان وما حولها، حتَّى بَدأَت البُعوثُ تَسيرُ إلى العِراق فخَرَج مَرْوان بن محمَّد بِجَيشٍ إليهم مِن حَرَّان حتَّى بلَغ الزَّاب وحَفَر خَندقًا وكان في عِشرين ومائة ألف، وسار أبو عَوْن وهو القادِمُ إلى العِراق للدَّعوة العَبَّاسِيَّة إلى الزَّاب، فوَجَّه أبو سَلمَة إلى أبي عَوْن عُيينَة بن موسى، والمِنْهالِ بن فَتَّان، وإسحاق بن طَلحَة، كُلُّ واحدٍ في ثلاثةِ آلاف، فعَبَر عُيينَة بن موسى في خَمسةِ آلاف، فانْتَهى إلى عَسكرِ مَرْوان، فقاتَلَهم حتَّى أَمْسَوا، ورَجَع إلى عبدِ الله بن عَلِيٍّ وأَصبحَ مَرْوان فعَقَد الجِسرَ وعَبَر عليه، فنَهاهُ وُزراؤهُ عن ذلك، فلم يَقبَل وسَيَّرَ ابنَه عبدَ الله، فنَزَل أَسفلَ مِن عَسكرِ عبدِ الله بن عَلِيٍّ، فبَعَث عبدُ الله بن عَلِيٍّ المُخارِقَ في أَربعةِ آلاف نحو عبدِ الله بن مَرْوان، فسَرَّح إليه ابنُ مَرْوان الوَليدَ بن مُعاوِيَة بن مَرْوان بن الحَكَم، فالْتَقَيا، فانْهزَم أصحابُ المُخارِق وثَبت هو فأُسِرَ هو وجَماعَة وسَيَّرَهم إلى مَرْوان مع رُؤوسِ القَتلى، وأَرسَل مَرْوان إلى عبدِ الله يَسأَله المُوادَعَة فلم يَقبَل ثمَّ حَصَل قِتالٌ بينهم كانت فيه هَزيمةُ مَرْوان ومَن معه وَفَرَّ مَرْوان إلى حَرَّان.
هو أبو عبد الله محمَّد بن يزيد بن ماجه، صاحِبُ كتابِ السُّنَن المشهورِ، وهي دالَّةٌ على عَمَلِه وعِلمِه وتبحُّرِه واطلاعِه واتِّباعِه للسُّنَّة في الأصول والفروع، حُكِيَ عن أبي زُرعةَ الرازي أنه انتقَدَ منها بضعة عشر حديثًا، كان عالِمًا بهذا الشأن، صاحِبَ تصانيف، منها (التاريخ والسُّنَن)، ارتحل إلى العراقَينِ- الكوفة والبصرة- ومصر والشام، مات وعمره أربعٌ وستون سنة، وصلَّى عليه أخوه أبو بكر، تولى دفنه مع أخيه الآخَرِ أبي عبد الله وابنه عبد الله بن محمد بن يزيد رحمه الله.
هو الشيخُ القاضي محمد بن مقرن بن سند بن علي بن عبد الله بن فطاي بن سابق بن حسن الودعاني الدوسري، وهو من أعلامِ الحنابلة في القرن الثالث عشر الهجري، قال عنه ابن بشر: "كان -رحمه الله- فطِنًا متيقظًا له عقلٌ راجِحٌ ورأيٌ صائبٌ ووجهٌ سامحٌ صابحٌ، إذا قال رأيتَ قولَه مُسكتًا عن الجواب، وإذا أشار بالرأي يلوحُ من رأيه الصواب" استعمله الإمام سعود بن عبد العزيز قاضيًا في بلدان المحمل، وأرسله قاضيًا في عُمان، فنفع الله به وأصلح الله عمان على يده، ثم أرسله إلى عبد الوهاب أبو نقطة في ناحية عسير، ولما كانت ولايةُ تركي بن عبد الله أثبته على عمله في القضاء لأهل المحمل، ولَمَّا وصل خورشيد باشا الرياضَ وطاعت له نجدٌ أرسل إليه فلما قَدِمَ عليه أكرمه وألزمه القضاءَ عنده، ثمَّ إنَّه تعلَّل بأعذار فأذِنَ له فرجع إلى وطنه. وفي ولاية عبد الله بن ثنيان لا يسلُكُ جهةً إلا هو معه، وفي عهد الإمام فيصل أرسله قاضيًا للأحساء في وقت الموسم، فأصابته حمى فلم يزل محمومًا سقيمَ البدن حتى توفِّيَ.
أراد عبدُ الملك بن مَرْوان أن يَخْلَع أخاه عبدَ العزيز مِن وِلايَة العَهْد ويُبايِع لابنِه الوَليد بن عبدِ الملك، فنَهاهُ عن ذلك قَبِيصَةُ بن ذُؤَيْب وقال: لا تَفعَل؛ فإنَّك تَبْعَث على نَفْسِك صَوتَ عَارٍ، ولَعَلَّ الموتَ يأتيه فتَسْتَريح منه. فَكَفَّ عنه ونَفْسُه تُنازِعُه إلى خَلْعِه. فدَخَل عليه رَوْحُ بن زِنْباع، وكان أَجَلَّ النَّاس عند عبدِ الملك، فقال: يا أميرَ المؤمنين، لو خَلعتَه ما انْتَطَح فيه عَنْزان، وأنا أوَّلُ مَن يُجيبُك إلى ذلك. قال: نُصْبِح إن شاء الله. ونام رَوْحٌ عند عبدِ الملك، فدَخَل عليهما قَبيصةُ بن ذُؤَيب وهُما نائِمان، وكان عبدُ الملك قد تَقَدَّم إلى حُجَّابِه أن لا يَحْجِبوا قَبيصةَ عنه، وكان إليه الخاتَم والسِّكَّة، تَأتيهِ الأخبارُ والكُتُبُ قبلَ عبدِ الملك، فلمَّا دَخَل سَلَّم عليه، قال: آجَرَك الله في أَخيك عبدِ العزيز. قال: وهل تُوفِّي؟ قال: نعم. فاسْتَرْجَع عبدُ الملك، ثمَّ أقْبَل على رَوْح، فقال: كَفانا الله ما كُنَّا نُريد، وكان ذلك مُخالِفًا لك يا قَبيصة. فقال قَبيصةُ: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ الرَّأْي كُلَّه في الأَناةِ، فقال عبدُ الملك: ورُبَّما كان في العَجَلة خَيْرٌ كَثيرٌ، رَأيتَ أَمْرَ عَمرِو بن سَعيد، ألم تكُن العَجَلَةُ فيه خيرًا مِن الأَناةِ؟ وكانت وَفاةُ عبدِ العزيز في جُمادَى الأُولى في مِصْرَ، فضَمَّ عبدُ الملك عَمَلَه إلى ابنه عبدِ الله بن عبدِ الملك ووَلَّاه مِصْرَ. فلمَّا مات عبدُ العزيز قال أهلُ الشَّام: رُدَّ على أَميرِ المؤمنين أَمْرُهُ. فلمَّا أَتَى خَبَرُ مَوْتِه إلى عبدِ الملك أَمَر النَّاسَ بالبَيْعَة لابْنَيْهِ الوَليد وسُليمان، فبايَعوا، وكَتَبَ بالبَيْعَة لهما إلى البُلْدان.
تمكَّن الإمام فيصل بن تركي من الهروبِ مِن سِجنِه في مصر متدلِّيًا بحبل، ونزل معه ابنه عبد الله، وأخوه جلوي بن تركي، وابن أخته عبد الله بن إبراهيم، وكان ذلك ليلًا، ثم غادروا مصر حتى وصلوا جبل شمر، فاستقبلهم عبدُ الله بن علي بن رشيد -والي جبل شمر مِن قِبَل فيصل- فأكرمهم ووعدهم بالمساعدةِ بالمال والرِّجالِ، والقتال معهم.
حضر القضاةُ والعُلَماءُ وفيهم الشيخُ تقيُّ الدين ابن تيمية في يوم الاثنين ثامِنَ رجب عند نائب السلطنةِ بالقَصرِ، وقُرئت عقيدةُ الشيخ تقي الدين ابن تيمية الواسطيَّة، وحصل بحثٌ في أماكِنَ منها، وأُخِّرَت مواضِعُ إلى المجلس الثاني، فاجتمعوا يومَ الجمعة بعد الصلاة في الثاني عشر من هذا الشهر, وحضر الشيخُ صفي الدين الهندي، وتكلَّمَ مع الشيخِ تقيِّ الدين كلامًا كثيرًا، ولكِنَّ ساقِيَتَه لاطمت بحرًا، ثم اصطلحوا على أن يكون الشيخُ كمال الدين بن الزملكاني هو الذي يحاقِقُه من غيرِ مُسامحة، فتناظرا في ذلك، وشكر النَّاسُ من فضائل الشيخِ كمال الدين بن الزملكاني وجَودةِ ذِهنِه وحُسنِ بحثِه حيث قاومَ ابن تيميَّة في البحث، وتكَلَّم معه، ثم انفصل الحالُ على قبول العقيدة، وعاد الشيخُ إلى منزله مُعَظَّمًا مُكَرَّمًا، وكان الحامِلُ على هذه الاجتماعات كتابًا ورد من السلطان في ذلك، كان الباعِثُ على إرسالِه قاضي المالكيَّة ابن مخلوف، والشَّيخ نصر المنبجي شيخ الجاشنكير وغيرهما من أعدائه، وذلك أنَّ الشيخ تقي الدين ابن تيمية كان يتكَلَّم في المنبجي وينسِبُه إلى اعتقادِ ابن عربي، وكان للشيخِ تقي الدين من الفُقَهاءِ جماعة يحسُدونَه لتقَدُّمِه عند الدولة، وانفرادِه بالأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر، وطاعةِ الناس له ومحبَّتِهم له، وكثرةِ أتباعِه، وقيامه في الحق، وعِلمِه وعَمَلِه، ثم وقع بدمشقَ خَبطٌ كثير وتشويشٌ بسبب غيبةِ نائب السلطنة، وطَلَب القاضي جماعةً من أصحاب الشيخ وعَزَّرَ بَعضَهم ثمَّ اتفق أن الشيخ جمال الدين المِزِّي الحافظ قرأ فصلًا بالردِّ على الجهميَّة من كتابِ أفعال العباد للبخاريِّ تحت قبة النسر بعد قراءة ميعاد البخاري بسبب الاستسقاء، فغضب بعضُ الفقهاء الحاضرين وشكاه إلى القاضي الشافعي ابن صصرى، وكان عدوًّا للشيخ تقي الدين ابن تيمية, فسَجَن المزِّي، فبلغ الشيخَ تقي الدين فتألَّم لذلك وذهب إلى السجنِ فأخرجه منه بنَفسِه، وراح إلى القصرِ فوجد القاضيَ ابن صصرى هنالك، فتقاولا بسبب الشيخِ جمالِ الدين المزِّي، فحلف ابن صصرى لا بد أن يعيدَه إلى السجن وإلَّا عزل نفسَه فأمر النائِبُ بإعادتِه تطييبًا لقلب القاضي فحَبَسه عنده في القوصيَّة أيامًا ثم أطلقه، ولما قدم نائبُ السلطنة ذكر له الشيخُ تقي الدين ابن تيمية ما جرى في حقِّه وحَقِّ أصحابه في غيبته، فتألم النائِبُ لذلك ونادى في البلدِ ألَّا يتكلم أحدٌ في العقائِدِ، ومن عاد إلى تلك حَلَّ مالُه ودَمُه ورُتِّبَت داره وحانوته، فسكنت الأمور، ثم عُقِدَ المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصرِ واجتمع جماعةٌ على الرضا بالعقيدة الواسطية, وفي هذا اليوم عزلَ ابنُ صصرى نفسَه عن الحكم بسبب كلامٍ سمعه من بعض الحاضرينَ في المجلس، وهو من الشيخِ كمال الدين بن الزملكاني، ثم جاء كتابُ السلطان في السادس والعشرين من شعبان فيه إعادةُ ابن صصرى إلى القضاء، وذلك بإشارةِ المنبجي، وفي الكتابِ: إنا كنا سمعنا بعقدِ مَجلِسٍ للشيخ تقي الدين ابن تيمية، وقد بلَغَنا ما عُقِدَ له من المجالس، وأنه على مذهب السَّلَفِ، وإنما أردنا بذلك براءةَ ساحتِه مِمَّا نسب إليه، ثم جاء كتابٌ آخر في خامس رمضان يوم الاثنين وفيه الكشفُ عن ما كان وقع للشيخِ تقي الدين ابن تيمية في أيَّام جاغان، والقاضي إمام الدين القزويني، وأن يُحمَلَ هو والقاضي ابن صصرى إلى مصر، فتوجَّها على البريد نحو مصر، وخرج مع الشيخِ خَلقٌ من أصحابه وبَكَوا وخافوا عليه من أعدائه، وأشار عليه نائبُ السلطنة ابن الأفرم بترك الذَّهابِ إلى مصر، وقال له: أنا أكاتِبُ السلطان في ذلك وأصلِحُ القضايا، فامتنع الشيخُ من ذلك، وذكَرَ له أن في توجُّهِه لمصر مصلحةً كبيرة، ومصالحَ كثيرة، فلما كان يومُ السبت دخل الشيخُ تقيُّ الدين غزَّةَ فعَمِلَ في جامعها مجلسًا عظيمًا، ثم دخلا معا إلى القاهرة والقلوبُ معه وبه متعلِّقة، فدخلا مصر يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان، وقيل إنَّهما دخلاها يوم الخميس، فلما كان يومُ الجمعة بعد الصلاة عقد للشيخ مجلس بالقلعة اجتمع فيه القضاةُ وأكابر الدولة وأراد أن يتكَلَّم على عادته فلم يتمكَّن من البحث والكلامِ، وانتدب له الشَّمسُ ابن عدنان خصمًا احتسابًا، وادَّعى عليه عند ابن مخلوف المالكي أنَّه يقول: إنَّ الله فوق العَرشِ حَقيقةٌ، وأنَّ الله يتكَلَّمُ بحَرفٍ وصَوتٍ، فسأله القاضي جوابَه فأخذ الشيخُ في حمد اللهِ والثناء عليه، فقيل له: أجِبْ، ما جئنا بك لتخطب! فقال: ومن الحاكِمُ فيَّ؟! فقيل له: القاضي المالكي، فقال له الشَّيخُ: كيف تحكمُ فيَّ وأنت خصمي، فغضب غضبًا شديدًا وانزعج وأقيمَ مَرسمٌ عليه وحُبِسَ في برج أيامًا، ثم نقِلَ منه ليلة العيد إلى الحبس المعروفِ بالجُبِّ، هو وأخوه شرف الدين عبد الله، وزين الدين عبد الرحمن، وأما ابن صصرى فإنه جُدِّدَ له توقيعٌ بالقضاء بإشارة المنبجي شيخ الجاشنكير حاكم مصر، وعاد إلى دمشقَ يوم الجمعة سادس ذي القعدة والقلوبُ له ماقتة، والنفوسُ منه نافرة، وقرئ تقليدُه بالجامع، وبعده قرئ كتابٌ فيه الحطُّ على الشيخ تقي الدين ابن تيميَّة ومخالفته في العقيدة، وأن ينادى بذلك في البلاد الشاميَّة، وألزِمَ أهلُ مذهبه بمخالفتِه، وكذلك وقع بمصر، قام عليه جاشنكير وشيخُه نصر المنبجي، وساعدهم جماعةٌ كثيرةٌ من الفقهاء والصوفيَّة وجرت فِتَنٌ كثيرة منتشرة، نعوذُ بالله من الفتن، وحصل للحنابلةِ بالديار المصرية إهانةٌ عظيمة كثيرة، وذلك أنَّ قاضِيَهم كان قليلَ العِلمِ مُزجَى البضاعةِ، وهو شرف الدين الحراني، فلذلك نال أصحابُهم ما نالهم، وصارت حالُهم حالًا مؤلمة.
بدأ فيليب الثاني يستعدُّ لاحتلال جزيرة باديس، وشجَّعه على ذلك النصرُ الذي حقَّقه في وهران، فوجَّه لذلك أسطولًا في هذه السَّنة, فقاومه المجاهدون مقاومةً عنيفةً، واضطرَّ الأسطول إلى التراجع, والجديرُ بالذكر أنَّ جزيرة باديس كانت أقربَ نقطة مغربية إلى جبل طارق، وأنَّها كانت بالنسبة للمجاهدين ميناءً هامًّا؛ إذ يمكِنُهم من خلالها العبور للأندلس، كما يمكِنُهم التسلل لداخل الأراضي الإسبانية؛ لتقديم المساعدة للمسلمين هناك، والذين أطلقوا على أنفُسِهم الغرباء، وهذا ما دفع الإسبانيين إلى الهجوم عليها من خلال محاولتهم السابقة، كما كانت جزيرة باديس بالإضافة إلى ذلك مثارَ رعب وخوفٍ لدى السلطان السعدي الغالب بالله؛ إذ خاف السلطان أن يخرجَ الأسطول العثماني من تلك الجزيرة إلى المغرب، فاتَّفق مع الإسبان أن يخلِّيَ لهم الأدالة من حجرة باديس ويبيع لهم البلاد ويُخلِّيها من المسلمين، وينقطع أسطولُ العثمانيين في تلك الناحية، مقابِلَ الدفاع عن شواطئ المغرب إذا هاجمها الأسطول العثماني الذي علِمَ بتلك المؤامرة، فانسحب ورجع إلى الجزائر، كما عزل بويحيى رايس من منصبه في باديس في أواخر هذا العام, وانصرف العثمانيون عن الحرب في غرب البحر المتوسط؛ إذ توجَّه نشاط الأسطول الحربي إلى جزيرة مالطة في الشرق.
هو العلَّامة فخر الدين, إمام الدنيا في عصره، أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي القرشي التيمي البكري، الطبرستاني الأصل, الرازي المعروف بالفخرِ الرازي، ويقال له خطيبُ الريِّ، الفقيهُ الشافعي، المفسِّر المتكَلِّم, صاحب التصانيف المشهورة في الفقه والأصولين وغيرهما، أحد فقهاء الشافعية المشاهير بالتصانيف الكبار والصغار، له نحو من مائتي مصنَّف. ولد سنة 543, وقيل سنة أربعة وأربعين. حادَّ الذهن، كثير البراعة، قويَّ النظر في صناعة الطب، عارفًا بالأدب، له شعر بالفارسي والعربي، وكان ضخمَ البدن ربْعَ القامة، كبير اللحية، في صوته فخامة. اشتغل على والده الإمام ضياء الدين عمر، وبعد وفاة والده قصد الكمال السمناني، واشتغل عليه مدة، ثم عاد إلى الري، ثم قصد خوارزم وقد تمهر في العلوم، فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى المذهب والعقيدة، فأُخرِجَ من البلد، فقصد ما وراء النهر، فجرى له أيضًا ما جرى بخوارزم، فعاد إلى الريِّ، وكان بها طبيب حاذق له ثروة ونعمة، وله بنتان، ولفخر الدين ابنان، فمَرِضَ الطبيب فزوج بنتيه بابني الفخر، ولما مات الطبيب حصل الفخر على جميع أموالِه". وقد كان معظَّمًا عند ملوك خوارزم وغيرهم، وبنيت له مدارس كثيرة في بلدان شتى، وكان يحضر في مجلس وعظه الملوك والوزراء والعلماء، والأمراء، والفقراء والعامة، وله في الوعظِ مرتبةٌ عالية يعظ باللسانين الفارسي والعربي، وكان يلحقه الوجدُ حالَ وعظه، ويحضُرُ مجلِسَه أرباب المقالات والمذاهب ويسألونه. ورجع بسببِه خلق كثير من الكرَّاميَّة وغيرهم إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقَّب في هراة بشيخ الإسلام. وقد وقع بينه وبين الكرَّاميَّة وقائع في أوقات متفرقة، وكان يبغضهم ويبغضونه، ويبالغون في الحطِّ عليه، ويبالغ هو أيضًا في ذمهم، وكان مع غزارة علمِه في فن الكلام يقول: من لزم مذهبَ العجائِز كان هو الفائز، وقد قيل في وصيته عند موته أنَّه رجع عن مذهب الكلامِ فيها إلى طريقةِ السَّلَف وتسليم ما ورد على وجهِ المراد اللائقِ بجلالِ الله سبحانه، وقد كان يصحب السلطانَ ويحب الدنيا ويتَّسِعُ فيها اتساعًا عظيمًا، حتى قيل: ملك من الذهب العين ثمانين ألف دينار، وغير ذلك من الأمتعة والمراكب والأثاث والملابس، وكان له خمسون مملوكًا من الترك، وحشم وتجمل زائد، وعلى مجلسه هيبة شديدة. وليس ذلك من صفة العلماء؛ ولهذا وأمثاله كثرت الشناعات عليه، كما قامت عليه شناعات عظيمةٌ بسبب كلمات كان يقولها. قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي، وأبو شامة: "اعتنى الفخرُ الرازي بكتب ابن سيناء وشَرحِها. وكان يعظ وينال من الكرَّامية، وينالون منه سبًّا وتكفيرا، وقيل: إنهم وضعوا عليه من سقاه السمَّ فمات، وكانوا يرمونه بالكبائر. ولا كلامَ في فضله، وإنما الشناعاتُ قائمة عليه بأشياء؛ منها: أنه قال: قال محمد التازي، وقال محمد الرازي، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه، والتازي: هو العربي- وقيل كان يقول محمد البادي يعني العربي يريد به النبيَّ صلى الله عليه وسلم نسبة إلى البادية. ومنها أنه كان يقرر مسائل الخصوم وشبههم بأتمِّ عبارة، فإذا جاء بالأجوبة، قنع بالإشارة. ولعله قصد الإيجاز، ولكن أين الحقيقة من المجاز", ومن مصنفاته: وتفسيره الكبير في اثنتي عشرة مجلدة كبار سماه " "فتوح الغيب" أو "مفاتيح الغيب". وفسر الفاتحة في مجلد مستقل. وشرح نصف "الوجيز" للغزالي. وله كتاب " المطالب العالية " في ثلاثة مجلدات، ولم يتمه، وهو من آخر تصانيفه، وله كتاب "عيون الحكمة " فلسفة، وكتاب في الرمل، وكتاب في الهندسة، وكتاب " الاختبارات العلائية " فيه تنجيم، وكتاب " الاختبارات السماوية " تنجيم، وكتاب " الملل والنحل "، وكتاب في النبض، وكتاب " الطب الكبير "، وكتاب " التشريح " لم يتمه، وصنف ترجمة الشافعي في مجلد مفيد، وفيه غرائب لا يوافَق عليها، ويُنسَب إليه أشياء عجيبة، وغيرها من المصنفات وهي كثيرة. قال ابن خلكان: "وكل كتبه ممتعة، وانتشرت تصانيفُه في البلاد ورُزِقَ فيها سعادة عظيمة؛ فإن الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتبَ المتقدمين، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبِه، وأتى فيها بما لم يُسبَق إليه". قال الموفق أحمد بن أبي أصيبعة في " تاريخه:"انتشرت في الآفاق مصنفات فخر الدين وتلامذته، وكان إذا ركب مشى حوله نحو ثلاثمائة تلميذ من الفقهاء، وغيرهم، وكان خوارزم شاه يأتي إليه، وكان شديدَ الحرص جدًّا في العلوم الشرعية والحكمية، وكان طلاب العلم يقصدونَه من البلاد على اختلاف مطالبِهم في العلوم وتفنُّنِهم، فكان كلٌّ منهم يجد عنده النهاية القصوى فيما يرومه منه. قرأ الحكمة على المجد الجيلي بمراغة، وكان المجد من كبار الفضلاء وله تصانيف. قلت (الذهبي): يعني بالحكمة: الفلسفة". ومن تلامذته مصنف " الحاصل " تاج الدين محمد بن الحسين الأرموي، وشمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي، والقاضي شمس الدين الخويي، ومحيي الدين قاضي مرند, ولَمَّا أثرى الفخر الرازي، لازم الأسفارَ والتجارة، وعاملَ شهاب الدين الغوري في جملةٍ من المال، ومضى إليه لاستيفاء حقِّه، فبالغ في إكرامه، ونال منه مالًا طائلًا، ثم اتصل بالسلطان محمد بن تكش المعروف بخوارزم شاه، وحظي عنده، ونال أسنى المراتبِ، ولم يبلغ أحد منزلتَه عنده, وكان الفخر الرازي خطيبَ الري، وكان أكثَرُ مُقامه بها، وتوجه إلى خوارزم ومرض بها، وامتد مرضه أشهرًا، وتوفي يوم عيد الفطر بهراة بدار السلطنة. وكان علاء الملك العلوي وزير خوارزم شاه قد تزوج بابنته, ومن كلام فخر الدين قال: " فاعلموا أنني كنت رجلًا محبًّا للعلم، فكنت أكتبُ في كل شيء شيئًا؛ لأقف على كميته وكيفيته، سواء كان حقًّا أو باطلًا، ولقد اختبرت الطرقَ الكلامية، والمناهج الفلسفيةَ، فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتُها في القرآنِ؛ لأنَّه يسعى في تسليم العظمة والجلالة لله، ويمنَعُ عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات؛ فلهذا أقول: كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته، وبراءتِه عن الشركاء في القِدَم، والأزلية، والتدبير، والفعالية، فذلك هو الذي أقولُ به، وألقى الله به. وأما ما انتهى الأمر فيه إلى الدقة والغموض، وكل ما ورد في القرآن والصحاح، المتعين للمعنى الواحد، فهو كما هو، والذي لم يكن كذلك أقول: يا إله العالمين، إني أرى الخلق مطبقين على أنَّك أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، فلك ما مدَّ به قلمي، أو خطر ببالي فأستشهد وأقول: إن علمتَ مني أني أردتُ به تحقيق باطل، أو إبطالَ حَقٍّ، فافعل بي ما أنا أهلُه، وإن علمتَ مني أني ما سعيتُ إلا في تقرير اعتقدت أنه الحق، وتصورتُ أنه الصدق، فلتكن رحمتُك مع قصدي لا مع حاصلي، فذاك جهدُ المُقِلِّ، فأغثني وارحمني، واستر زلتي وامح حوبتي، وأقول: ديني متابعةُ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابي القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما، وأمَّا الكتب التي صنفتها، واستكثرت فيها من إيراد السؤالات، فليذكرني من نظر فيها بصالحِ دعائه، على سبيل التفَضُّل والإنعام، وإلَّا فليحذف القولَ السيئَ، فإني ما أردت إلا تكثير البحثِ، وشحذ الخاطر، والاعتماد في الكل على الله".
بعد أن أنهى الله فتنةَ بابك الخرمي، وقضى عليه وعلى جيشِه الأفشينُ ومن معه، وقبض على بابك وحَبَسه وراسَلَ المعتَصِمَ فأمره بتسييرهم إليه, فدخل الأفشينُ وبِصُحبتِه بابك على المعتَصِم سامرَّا، ومعه أيضًا أخو بابك في تجمُّلٍ عظيم، وقد أمر المعتَصِمُ ابنَه هارونَ الواثِقَ أن يتلقَّى الأفشين، وأمَرَ بابك أن يركَبَ على فيلٍ ليُشهَرَ أمرُه ويعرفوه، وعليه قباءُ ديباج وقَلَنْسُوة سمور مدورة، وقد هيؤوا الفيل وخَضَبوا أطرافَه ولَبَّسوه من الحرير والأمتعة التي تليق به شيئًا كثيرا، ولَمَّا أُحضِرَ بين يدي المعتَصِم أمر بقطعِ يَدَيه ورجليه وجَزِّ رأسِه وشَقِّ بَطنِه، ثم أمرَ بحَملِ رأسِه إلى خراسانِ وصَلبِ جُثَّته على خشبةٍ بسامِرَّا، وكان بابك قد شَرِبَ الخمرَ ليلةَ قَتلِه. لَمَّا قتَلَ المعتَصِمُ بابك الخرميَّ توَّجَ الأفشينَ وقلَّدَه وِشاحَينِ مِن جوهرٍ، وأطلق له عشرينَ ألفَ ألف درهمٍ، وكتب له بولايةِ السِّندِ، وأمَرَ الشعراءَ أن يدخُلوا عليه فيمدحوه على ما فعلَ مِن الخيرِ إلى المسلمين، وعلى تخريبِه بلادَ بابك التي يقال لها البذُّ، وتَرْكِه إيَّاها قِيعانًا وخَرابًا.