وُلِد المُلا أختر محمد منصور شاه محمد في قريةِ بندي تيمور (مُقاطعةِ ميواند) بولايةِ قندهارَ جنوبَ أفغانستانَ لعائلةٍ مِن البشتون. كان عُضوًا بارزًا في قيادةِ حركةِ طالبان، وعُيِّنَ عامَ 2001م وزيرًا للطيرانِ المَدَني والنقلِ في حركةِ "طالبان". وأُعيدَ إلى أفغانستان في عامِ 2006م بعدَ اعتقالِه في باكستانَ. وكان حاكمَ طالبان في قندهار حتى مايو 2007م، وشَغِلَ رئاسةَ الشُّؤونِ العسكريَّةِ في طالبان حتى عامِ 2010م. ونصَّبَه المُلا محمد عمر نائبًا له في عامِ 2010م، وشَغلَ مَنصِبَ نائبِ زعيمِ طالبان حتى يوليو 2015م، وقامَ بقيادةِ طالبان بالنيابةِ بشكلٍ فعليٍّ لمدةِ خَمسِ سنَواتٍ، وبعد إعلانِ وفاةِ المُلَّا عمر، اجتمَعَ أعضاءُ شورى أهلِ الحَلِّ والعَقدِ في طالبان والمشايخُ والعُلماءُ الأفغانُ، وبايعوا المُلَّا منصور أميرًا جديدًا لطالبان. واغتِيلَ -رحِمَه اللهُ- في هجومٍ لطائرةٍ أمريكيَّةٍ بدون طيَّارٍ، في المنطقةِ الحدوديَّةِ بين إيرانَ وباكستانَ بالقُربِ مِن الحدودِ الأفغانيَّةِ.
هو عَمرُو بن العاصِ بن وائلِ بن هاشِم بن سُعَيْدِ –بالتصغير- بن سهمِ بن عَمرِو بن هُصَيْص بن كعبِ بن لُؤَيٍّ القُرشيُّ السَّهميُّ، أميرُ مِصْرَ، يُكَنَّى أبا عبدِ الله، وأبا محمَّد، أَسلَم قبلَ الفتحِ في صَفَر سنة ثمانٍ، وقِيلَ: بين الحُديبيَة وخيبر، ولمَّا أَسلَم كان النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُقَرِّبُه ويُدْنِيهِ لِمَعرفتِه وشَجاعتِه. ووَلَّاهُ غَزوةَ ذاتِ السَّلاسِل، وأَمَدَّهُ بأبي بكرٍ وعُمَر وأبي عُبيدةَ بن الجَرَّاح، ثمَّ اسْتَعمَله على عمَّان، فمات صلَّى الله عليه وسلَّم وعَمرٌو هو أميرُها، ثمَّ كان مِن أُمراءِ الأجنادِ في الجِهادِ بالشَّام في زمن عُمَر، وهو الذي افتتَح قِنَّسْرين، وصالَح أهلُ حَلَب ومَنْبِج وأَنْطاكِيَة، ووَلَّاهُ عُمَرُ فِلَسْطين، ووُلِيَّ عَمرٌو إمِرَةَ مِصْرَ في زمن عُمَر بن الخطَّاب، وهو الذي افتَتَحها وأبقاهُ عُثمانُ قليلًا ثمَّ عزَلهُ ووَلَّى عبدَ الله بن أبي سَرْحٍ، ثمَّ لم يَزَلْ عَمرٌو بغيرِ إمْرَةٍ إلى أن كانت الفِتنَة بين عَلِيٍّ ومُعاوِيَة، فلَحِقَ بمُعاوِيَة فكان معه يُدَبِّرُ أمْرَهُ في الحربِ إلى أن جَرى أَمْرُ الحَكَمَيْنِ، ثمَّ سار في جيشٍ جَهَّزَهُ مُعاوِيَةُ إلى مِصْرَ فوَلِيَها لمُعاوِيَة مِن صَفَر سنة ثمانٍ وثلاثين إلى أن مات سنة ثلاثٍ وأربعين على الصَّحيح. تُوفِّي وهو ابنُ تِسعين سنة. وفي صحيحِ مُسلمٍ مِن رِواية عبدِ الرَّحمن بن شِماسَةَ قال: فلمَّا حَضَرَت عَمرَو بن العاصِ الوَفاةُ بَكى، فقال له عبدُ الله بن عَمرٍو ابنُه: ما يُبكيكَ؟ فذَكر الحديثَ بطُولِه في قِصَّةِ إسلامِه، وأنَّه كان شديدَ الحياءِ مِن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يَرفَعُ طَرْفَه إليه. وذكَرها ابنُ عبدِ الحَكَم في فُتوحِ مِصْر، وزاد فيها أشياء مِن رِواية ابنِ لَهِيعَةَ.
أقام عبدُ الملك بن مَرْوان بدِمشقَ بعدَ رُجوعِه مِن قِنَّسْرين ما شاء الله أن يُقيمَ، ثمَّ سار يُريدُ قَرْقِيسِيا وبها زُفَرُ بن الحارثِ الكِلابيُّ، وكان عَمرُو بن سعيدٍ مع عبدِ الملك، فلمَّا بلَغ بُطْنانَ حَبيبٍ رجَع عَمرٌو ليلًا ومعه حُميدُ بن حُرَيثٍ الكَلبيُّ، وزُهيرُ بن الأَبْرَدِ الكَلبيُّ، فأَتى دِمشقَ وعليها عبدُ الرَّحمن بن أُمِّ الحكمِ الثَّقفيُّ قد اسْتَخلَفَهُ عبدُ الملكِ، فلمَّا بَلغهُ رُجوعُ عَمرِو بن سعيدٍ هرَب عنها، ودَخلَها عَمرٌو فغَلَب عليها وعلى خَزائِنِه، وهَدَم دارَ ابنِ أُمِّ الحكمِ، واجتمع النَّاسُ إليه فخَطَبهم ونَهاهُم ووَعَدهُم، فأصبح عبدُ الملكِ وقد فَقَدَ عَمرًا، فسَألَ عنه فأُخْبِرَ خَبرُه، فرجَع إلى دِمشقَ فقاتَلهُ أيَّامًا، وكان عَمرٌو إذا أُخْرِج حُميدُ بن حُرَيثٍ على الخيلِ أَخرَج إليه عبدُ الملك سُفيانَ بن الأَبْرَدِ الكَلبيَّ، وإذا أُخْرِج عَمرٌو زُهيرُ بن الأبردِ أَخرَج إليه عبدُ الملك حسَّانَ بن مالكِ بن بَحْدَل. ثمَّ إنَّ عبدَ الملك وعَمرًا اصْطَلحا وكَتَبا بينهما كِتابًا وآمَنَهُ عبدُ الملك، فخرَج عَمرٌو في الخيلِ إلى عبدِ الملك فأَقبَل حتَّى أَوْطَأ فَرَسَهُ أَطْنابَ عبدِ الملكِ فانْقَطَعت وسَقَط السُّرادِق، ثمَّ دخَل على عبدِ الملك فاجْتَمَعا، ودخَل عبدُ الملك دِمشقَ يومَ الخميسِ، فلمَّا كان بعدَ دُخولِ عبدِ الملك بأربعةِ أيَّام أَرسَل إلى عَمرٍو: أنِ ائْتِنِي. فلمَّا كان العِشاءُ لَبِسَ عَمرٌو دِرْعًا ولَبِسَ عليها القُباءَ وتَقَلَّدَ سَيْفَهُ، ودخل عَمرٌو فرَحَّبَ به عبدُ الملك فأَجْلَسَهُ معه على السَّريرِ وجعَل يُحادِثُه طَويلًا، ثمَّ أَوْثَقَهُ وأَمَر بِقَتلِه، ثمَّ تَوَلَّى قَتْلَهُ بِنَفسِه فذَبَحهُ.
هو الحكَمُ بنُ هشامٍ ابنُ الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحَكَم الأُموي، المرواني، أبو العاصِ، أميرُ الأندلس، وابنُ أميرِها، وحفيدُ أميرها. ويلقَّب: بالمرتضَى، ويعرف: بالربضي؛ لِما فعلَ بأهلِ الربض. بويعَ بالمُلك عند موت أبيه- في صفر سنة ثمانين ومائة- وكان من جبابرةِ الملوك وفُسَّاقهم ومتَمَرِّديهم، وكان فارسًا شجاعًا فاتِكًا، ذا دهاءٍ وحَزمٍ، وعُتُوٍّ وظُلمٍ، تملَّكَ سبعًا وعشرين سنة. وكان في أوَّلِ أمْرِه على سيرةٍ حميدةٍ، تلا فيها أباه، ثم تغيَّرَ وتجاهر بالمعاصي. كان يأخذُ أولادَ النَّاسِ المِلاح، فيُخصيهم ويُمسِكُهم لنَفسِه. وله شِعرٌ جَيِّد. وكان يقرِّبُ الفُقَهاء وأهلَ العلمِ. وكَثُرت العلماء بالأندلُسِ في دولته، حتى قيل: إنَّه كان بقُرطبة أربعةُ آلاف متقَلِّس- أي: مُتزَيِّينَ بزيِّ العلماء- فلما أراد اللهُ فناءهم، عَزَّ عليهم انتهاكُ الحكَمِ بن هشام للحُرُمات، وأْتَمَروا ليخلَعوه، ثم جيَّشوا لقتاله، وجرت بالأندلسِ فِتنةٌ عظيمةٌ على الإسلام وأهله- فلا قوَّةَ إلا باللهِ- على يدِ الحَكَمِ بن هشام، قُتل فيها عشراتُ الآلافِ مِن العُلَماء والعامَّة خاصةً في وقعة الربض بقُرطبة، ثم توفِّيَ الحَكَمُ بن هشام. وهو أوَّلُ من جَنَّد بالأندلُسِ الأجنادَ المُرتَزِقة، وجمع الأسلحةَ والعُدَد، واستكثَرَ من الحشَمِ والحواشي، وارتبَطَ الخيولَ على بابه، وشابَهَ الجبابرةَ في أحوالِه، واتَّخذ المماليكَ، وجعَلَهم في المرتَزِقة، فبلغت عِدَّتُهم خمسةَ آلاف مملوك، وكانوا يُسَمَّون الخُرسَ؛ لعُجمةِ ألسنتِهم، وكانوا يوميًّا على باب قَصرِه. وكان يطَّلِعُ على الأمور بنفسه، ما قَرُب منها وبَعُد، وكان له نفَرٌ مِن ثقاتِ أصحابِه يُطالِعونَه بأحوالِ النَّاس، فيرُدُّ عنهم المظالِمَ، ويُنصِفُ المظلومَ، وهو الذي وطَّأَ لعَقِبه المُلْكَ بالأندلس، وولِيَ بعده ابنُه عبدالرحمن بن الحكَم.
كان حمُّود بن محمد أبو مسمار صاحب أبو عريش قد بايع الإمامَ سعودًا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة، ثم ظهر منه ما يريبُ من مخالفة المسلمين ومعاداتِهم، وحدثت عداوةٌ بينه وبين عبد الوهاب أبو نقطة ومنابذة, فكتب الإمامُ سعود إلى حمود بن محمد أبو مسمار يأمرُه أن يحارب أهلَ صنعاء ويسَيِّرَ إليهم جنوده، فلم يفعَلْ، فأمر سعود أهلَ النواحي الحجازية واليمنية ومن يليهم بالمسيرِ لقتاله, وبعث من الدرعيةِ فرسانًا انتقاهم مع نائِبِه غصاب العتيبي، وجعله ناظرًا على أمراءِ النواحي، ونهاه عن المخالفةِ لعبد الوهاب أبي نقطة؛ لأنَّه أمير الجميع، فسار عبد الوهاب بجميع رعاياه من عسير وألمع وغيرهم من أهل الطور وتهامة، وسار علي بن عبد الرحمن المضايفي من الطائف وقراه وبوادي الحجاز وغيرهم أهل بيشة وشهران وعبيدة وقحطان، فاجتمع ما ينيفُ على خمسين ألف مقاتل يقودُهم أبو نقطة, ثم حشد أبو مسمار بمن معه من أهل اليمن ونجران وقبائل يام وحاشد وبكيل وغيرهم من همدان, وداهم أبو مسمار جمعَ عسير الذي فيهم عبد الوهاب أبو نقطة وهم على غير أهبةِ قتال وحصل قتالٌ شديد، وقُتِل عبد الوهاب وعِدَّةٌ من رجال قومِه في هذه الواقعة, ثم كرَّت الجموع على قوم أبي مسمار فهزموهم هزيمة شنيعة، واستمروا في ساقتهم يقتُلون ويغنمون، واستولوا على بعضِ خيامهم ومحطَّتِهم، واستمر أبو مسمار في الهزيمة إلى حصنه أبو عريش، وأخذ المسلمون ظاهر بلاد صبيا ونواحيها، وغنموا أموالًا كثيرة, واستولوا على حصنها صُلحًا، وجعل فيه غصاب عسكرًا مُرابطين، وبعثوا السرايا في تهامة، فقتلوا ودمَّروا وغنموا، وانفضت تلك الوقعة عن قتلى كثيرة من الفريقين, وكان للمسلمين سفنٌ في البحر، فأخذوا غنائم كثيرة من بندر جازان.
هو أمير المؤمنين في الحديث قاضي القضاة، شيخُ الإسلام، حافظ العصر، رحلة الطالبين، مفتي الفِرَق، شهاب الدين أبو الفضل أحمد ابن الشيخ نور الدين علي بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر، المصريُّ المولدِ والمنشأِ والدار والوفاة، العسقلانيُّ الأصلِ، الشافعيُّ، قاضي قضاة الديار المصرية وعالِمُها وحافظها وشاعرها، ولد في 23 شعبان بالقاهرة سنة 773. مات والده وهو حَدَث السن، فكفَلَه بعض أوصياء والده إلى أن كبرَ وحفظ القرآن الكريم، واشتغل بالمتجر، وتولَّع بالنظم، وقال الشعر الكثير المليح إلى الغاية, ثم حَبَّب الله إليه طلبَ الحديث فأقبل عليه وسَمِعَ الكثير بمصر وغيرها، ورحل وانتقى، وحصَّل وسَمِع بالقاهرة من شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، والحافظين ابن الملقِّن والعراقي، وأخذ عنهم الفقه، ورحل إلى اليمن بعد أن جاور بمكة، وأقبل على الاشتغال والتصنيف، وبرع في الفقه والعربية، وصار حافظَ الإسلام، علَّامة في معرفة الرجال واستحضارهم، والعالي والنازل مع معرفةٍ تامة بعلل الأحاديث وغيرِها. وصار هو المعوَّلَ عليه في هذا الشأن في سائر أقطار الأرض، وقدوةَ الأمة، علَّامة العلماء، حجَّة الأعلام، مُحيي السنة، انتفع به الطلبة وحضر دروسَه جماعة من علماء عصره وقضاة قضاتِه، وقرأ عليه غالبُ فقهاء مصر، وأملى بخانقاه بيبرس نحوًا من عشرين سنة, ولَمَّا عُزِل عن منصب القضاة بالشيخ شمس الدين محمد القاياتي انتقل إلى دار الحديث الكاملية ببين القصرين، واستمَرَّ على ذلك، وناب في الحكم في ابتداء أمرِه عن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني مدة طويلة، ثم عن الشيخ ولي الدين العراقي، ثم تنزَّه عن ذلك وتولى مشيخة خانقاه بيبرس الجاشنكير في دولة الملك المؤيد شيخ، وصار إذ ذاك من أعيان العلماء، وتصدر للإقراء والتدريس إلى أن ولَّاه الملك الأشرف برسباي قضاءَ القضاة الشافعية بالديار المصرية عوضًا عن قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني بعد عزلِه، وذلك في السابع والعشرين محرم سنة 827، فاستمَرَّ في المنصب ثم عُزِلَ عن القضاء وأعيد إليه، ثم عُزِلَ وأعيد أكثر من مرة. إلى أن طلب وأعيد عوضًا عن الشيخ ولي الدين محمد السفطي، وذلك في يوم الاثنين ثامن ربيع الآخرة سنة 852, وكان لولايته في هذه المرة يوم مشهود، فدام في المنصب إلى أن عزل نفسه في الخامس والعشرين جمادى الآخرة من هذه السنة، وولي من الغد عوضَه قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني، وهذه آخِرُ ولايته للقضاء, وانقطع شيخ الإسلام ابن حجر في بيته ملازمًا للاشغال والتصنيف إلى أن توفي بعد أن مرض أكثر من شهر. قال ابن تغري بردي: "كان رحمه الله حافِظَ المشرق والمغرب، أميرَ المؤمنين في الحديث، انتهت إليه رئاسةُ علم الحديث من أيام شبيبتِه بلا مُدافَعةٍ، بل قيل: إنه لم يَرَ مِثلَ نفسه، قلتُ: وهذا هو الأصح. وكان ذا شيبةٍ نيرة ووقار وأبَّهة، ومهابة، هذا مع ما احتوى عليه من العقل والحكمة والسكون والسياسة، والدربة بالأحكام ومداراة الناس قبل أن يخاطب الشخصَ بما يكره، بل كان يحسِنُ لمن يسيء إليه ويتجاوز عمن قَدَر عليه, وكانت صفته ذا لحيةٍ بيضاء ووجه صبيحٍ، للقِصَرِ أقرب، وفي الهامةِ نحيف، جيدِّ الذكاء، عظيم الحذق لمن ناظره أو حاضره، راويةً للشعر وأيامِ من تقدمه وعاصره، فصيح اللسان، شجيَّ الصوت، هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة، واقتفائِه طرق من تقَدَّمه من الصلحاء السادة، وأوقاته للطلبة مقسمة تقسيمًا لمن ورد عليه آفاقيًّا كان أو مقيمًا، مع كثرة المطالعة والتأليف والتصدي للإفتاء والتصنيف. وأما مصنفاته فإن أسماءها تستوعب مجلدًا كاملًا صغير الحجم" مات رحمه الله ولم يخلِّفْ بعده مثله شرقًا ولا غربًا، ويكفيه شهرة أنه مؤلِّفُ كتاب: "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" الذي لا يكاد يستغني عنه أحد، وله "تغليق التعليق" وكتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" وكتاب "تقريب التهذيب" و "تهذيب التهذيب" و "لسان الميزان" و "بلوغ المرام في أدلة الأحكام"، وفي التاريخ: "رفع الإصر عن قضاة مصر" وكتاب "الإعلام فيمن ولي مصر في الإسلام" وغيرها من الكتب, وكلها تدل على سعة علمه في الحديث والرجال والعلل والفقه والخِلاف؛ مما أكسبه اسم الحافظ بحقٍّ. توفي في ليلة السبت الثامن والعشرين ذي الحجة، وصلِّيَ عليه بمصلاة المؤمني، وحضر السلطان الظاهر جقمق الصلاةَ عليه، ودفِنَ بالقرافة، ومشى أعيان الدولة في جنازته من داره بالقاهرة من باب القنطرة إلى الرملة، وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية، حتى قال بعض الأذكياء: إنه حزر من مشى في جنازته نحو الخمسين ألف إنسان، وكان لموته يومٌ عظيم على المسلمين، وحتى على أهل الذمَّةِ.
هو الشيخُ محمَّد الطاهر بنُ محمَّد بنِ محمَّد الطاهر بن عاشورٍ، الشَّهير بالطاهرِ بنِ عاشورٍ، أحدُ الأعلامِ المشهورين والمفسِّرين المعروفين، وكان أديبًا خطيبًا، ومِن طلائع النَّهضة الحديثةِ النابهينَ في تُونس. كانت حياتُه -التي زادت على 90 عامًا- جهادًا في طلَبِ العِلم، أحدَثَت آراؤه نَهضةً في عُلوم الشريعة والتفسيرِ، والتربيةِ والتعليمِ، والإصلاح. وُلِدَ بتُونسَ سنةَ 1296هـ في أُسرةٍ عِلْمية عريقةٍ، تَمتدُّ أُصولها إلى بلادِ الأندلسِ. حفِظَ القرآنَ الكريمَ، وتعلَّم اللُّغة الفرنسيةَ، والْتَحق بجامعِ الزَّيتونةِ سنة 1310هـ وهو في الرابعة عشرة مِن عُمره، ولم تَمْضِ سنواتٌ قليلةٌ حتى عُيِّن مدرِّسًا من الطَّبقة الأُولى بعد اجتيازِ اختبارِها سنةَ 1324هـ. واختِيرَ للتَّدريسِ في المدرسة الصادقيةِ، وكان لهذه التَّجرِبة المبكِّرة في التدريسِ بين الزَّيتونة -ذات المنْهج التَّقليدي- والصادقيةِ -ذات التعليمِ العصْري المتطوِّر- أثَرُها في حياتِه، ثم اختِيرَ شيخًا لجامع الزَّيتونة في 1351هـ، وحاز الطاهرُ بن عاشور على لقبِ "شيخُ الإسلامِ المالكيُّ"؛ فكان أولَ شُيوخ الزَّيتونة الذين جَمَعوا بين هذينِ المنصبينِ، ولكنه لم يَلبْثَ أن استقالَ مِن المشيخة بعدَ سَنةٍ ونصفٍ؛ بسَبب العراقيلِ التي وُضِعت أمام خُطَطِه لإصلاحِ الزَّيتونة، وأُعِيدَ تعيينُه سنة 1364هـ، وفي هذه المرَّة أدخَل إصلاحاتٍ كبيرةً في نِظام التعليم الزَّيتوني، فارتفَع عددُ الطُّلاب الزَّيتونيين، وزادت عددُ المعاهدِ التَّعليمية. ولَدى استقلالِ تُونس أُسندت إليه رئاسةُ الجامعةِ الزيتونية سنةَ 1374هـ، وقد أحدَثَت آراؤه نَهضةً في عُلوم الشريعةِ والتفسيرِ، والتربيةِ والتعليمِ، والإصلاحِ، وكان لها أثَرُها البالغُ في استمرار جامعةِ الزَّيتونة في العطاء والرِّيادةِ، وكان ابنُ عاشور دَؤوبًا على مُكافَحةِ الاستعمار الذي كان يُسمَّى بالحمايةِ، وألْقى محاضراتٍ في جامعة السُّوربون بفرنسا، وجامعةِ إستانبول في تركيا، وجامعة عليكره في الهندِ. وشارَك في نَدوات علميةٍ كثيرة، وفي بعضِ مُؤتمرات المستشرقينَ، وكان عضوًا في المجمَع اللُّغوي بالقاهرةِ، ورابطةِ العالم الإسلامي بمكَّة. ومِن مُؤلَّفاته: كتاب تَفسير القُرآن المسمَّى بـ ((التَّحرير والتنوير)) الذي احتوى على خُلاصة آرائهِ الاجتهادية والتَّجديدية، وله كِتاب ((مَقاصِد الشريعة)). ومن المواقِف المشهورةِ للطاهرِ بنِ عاشورٍ رفْضُه القاطعُ استصدارَ فَتوى تُبِيحُ الفِطرَ في رمضانَ، وكان ذلك عام 1381هـ عندما دعا الحَبيب بُورقيبة الرئيسُ التُّونسي آنذاكَ العُمَّال إلى الفِطر في رمضانَ بدَعوى زِيادة الإنتاج، وطلَب من الشيخِ أنْ يُفتِيَ في الإذاعة بما يُوافِقُ هذا، لكن الشيخَ صرَّح في الإذاعةِ بما يُريده اللهُ تعالى، بعد أن قرَأ آية الصِّيام، وقال بعدها: "صدَق اللهُ، وكذَبَ بُورقيبة"، تُوفِّي الطاهر بنُ عاشورٍ رحمه الله في 13رجب 1393 هـ.
أوَّلُ ما غَزا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَبْواءَ ثمَّ بُواطَ ثمَّ العُشَيْرَةَ. وهي قريةٌ مِن عَمَلِ الفُرْعِ، بينها وبين الجُحْفَةِ مِن جِهَةِ المدينةِ ثلاثةٌ وعِشرون مِيلًا. قِيلَ سُمِّيتْ بذلك لِما كان فيها مِنَ الوَباءِ، وهي غَزوةُ وَدَّانَ بِتَشديدِ الدَّالِ، قال إسحاقُ: خرج النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم غازِيًا بِنَفْسِهِ حتَّى انتَهى إلى وَدَّانَ، وهي الأَبْواءُ. خرج مِنَ المدينةِ على رأسِ اثنيْ عشرَ شهرًا مِن مَقْدَمِهِ المدينةَ يُريدُ قُريشًا، فَوادَعَ بني ضَمْرَةَ بنِ بكرِ بنِ عبدِ مَناةَ، مِن كِنانةَ، وادَعَهُ رَئيسُهم مَجْدِيُّ بنُ عَمرٍو الضَّمْريُّ، ورجع بغيرِ قِتالٍ. وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد استعمل على المدينةِ سعدَ بنَ عُبادةَ. وقِيلَ: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا وصل إلى الأَبْواءِ بعَث عُبيدةَ بنَ الحارثِ في سِتِّينَ رجلًا فَلَقوا جمعًا مِن قُريشٍ فتَراموا بالنَّبْلِ، فَرَمى سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ بِسَهمٍ، وكان أوَّلَ مَن رَمى بِسَهمٍ في سَبيلِ الله.
هو أميرُ المؤمنينَ أبو الفضلِ بنِ المعتَصِم بالله محمَّد بن هارون الرَّشيد القُرَشي العبَّاسي البغدادي. ولِدَ سنةَ خَمسٍ ومائتين، وبويعَ في ذي الحِجَّة سنةَ اثنتينِ وثلاثين بعد الواثقِ, وتلقَّبَ بالمتوكِّل على الله. وكان أسمَرَ مليحَ العينينِ، نحيفَ الجِسمِ خفيفَ العارِضَينِ، إلى القِصَرِ أقرَب. وأمُّه أمُّ ولد اسمُها: شجاع. قال خليفة: "استُخلِفَ المتوكِّلُ، فأظهرَ السُّنَّةَ وعَمِلَ بها في مجلِسِه، وكتبَ إلى الآفاقِ برَفعِ المحنةِ؛ خلْق القرآنِ، وإظهارِ السُّنَّة وبَسْطِها ونصرِ أهلِها"، كان إبراهيمُ بن محمد التيمي قاضي البصرة يقول: الخلفاءُ ثلاثة: "أبو بكرٍ الصِّديقُ يومَ الرِّدَّة، وعمرُ بنُ عبد العزيز في رَدِّ مظالمِ بني أميَّة، والمتوكِّلُ في محوِ البِدَع وإظهارِ السُّنَّة". وقد قِدَمَ المتوكِّلُ دمشقَ في صفر سنة أربع وأربعين، وعزم على المُقام بها وأعجَبَته، ونقل دواوينَ المُلك إليها. وأمرَ بالبناء بها. وأمر للأتراكِ بما أرضاهم من الأموالِ، وبنى قصرًا كبيرًا بداريَّا من جهة المزَّة، لكنَّه عاد إلى سامرَّا, وقد قتله ابنُه المنتصِرُ بعد أن تآمرَ مع الأتراكِ على قَتلِه.
هو المُبتدِع الضّالُّ شَيخُ الكَرَّاميَّة: محمد بن كرَّام بن عراف النيسابوري، الذي إليه تُنسَب الفِرقةُ الكرَّامية, وُلِدَ بقرية من قرى زرنج بسجستان، ثمَّ دخل خراسان, وأكثَرَ الاختلاف إلى أحمد بن حرب الزاهد، كان زاهدًا عابدًا بعيدَ الصِّيتِ, كثيرَ الأصحابِ، ولكِنَّه يروي الواهياتِ, خُذِلَ حتى التقَطَ من المذاهِبِ أرداها، ومن الأحاديثِ أوهاها, ثم جالسَ الجويباري، وابن تميم, ولعلهما قد وضعا مائة ألف حديث، وأخذ التقشُّفَ عن أحمد بن حرب، كان يقولُ بالتجسيمِ والتَّشبيه وأنَّ الله محَلٌّ للحوادثِ، وأنَّ صفاتِه هي عوارِضُ حادثةٌ- تعالى الله عن ذلك- والإيمانُ عنده مجرَّدُ قَولٍ، وكان يجلِسُ للوعظ في بيت المقدِس عند العمود الذي عند مشهَدِ عيسى عليه السلام، واجتمع عليه خلقٌ كثيرٌ، ثمَّ تبين لهم أنه يقولُ: إنَّ الإيمان قولٌ بلا عملٍ، فتركه أهلُها ونفاه متولِّيها إلى غورزغر فمات بها، ونُقِل إلى بيت المقدس. قال فيه الذهبي: "ونظيرُه في زهده وضلالِه عمرُو بن عُبيد- نسأل اللهَ السلامةَ- وأخبَثُ مقالاتِه أنَّ الإيمانَ قَولٌ بلا معرفةِ قَلبٍ"
سار المعِزُّ الفاطميُّ من إفريقيَّة يريدُ الدِّيارَ المصريَّة، وكان أوَّل مسيرِه أواخِرَ شوَّال سنة 361 وكان أوَّل رحيله من المنصوريَّة، فأقام بسردانيَّة، وهي قريةٌ قريبةٌ مِن القيروان، ولحقه بها رجالُه وعُمَّالُه، وأهلُ بيته وجميعُ ما كان له في قَصرِه مِن أموال وأمتعةٍ وغير ذلك، وسار عنها واستعملَ على بلاد إفريقيَّةَ يوسُفَ بلكين بن زيري، وجعل على صقليَّةَ حسَن بنَ علي بن أبي الحُسَين، وجعل على طرابلس عبدَ الله بن يخلف الكتاميَّ، وجعل على جباية أموالِ إفريقيَّة زيادةَ الله بن القديم، وعلى الخراجِ عبد الجبَّار الخُراساني، وحُسَين بن خلف الموصدي، وأمَرَهم بالانقيادِ ليُوسُف بن زيري، فأقام بسردانيَّة أربعة أشهر حتى فرغ من جميعِ ما يريد، ثم رحل عنها، ومعه يوسُفُ بلكين وهو يوصيه بما يفعَلُه، ثم سار المعِزُّ حتى وصل إلى الإسكندريَّة أواخر شعبان من سنة 362، وأتاه أهلُ مِصرَ وأعيانُها، فلَقِيَهم وأكرَمَهم وأحسن إليهم، وسار فدخل القاهرةَ خامس شهر رمضان سنة 362، وأنزل عساكِرَه مصرَ والقاهرةَ في الديار، وبقي كثيرٌ منهم في الخِيامِ.
هو الإمامُ العلَّامةُ اللُّغَويُّ المُحَدِّثُ، أبو الحُسَين: أحمَدُ بنُ فارسِ بنِ زكريَّا بنِ محمَّد بن حبيب القزوينيُّ، المعروفُ بالرَّازيِّ، المالكي، اللُّغَوي الأديب، نزيلُ همذان، وصاحِبُ كِتابِ "المُجمَل". مولِدُه بقزوين, ومرباه بهمذان، وأكثَرُ الإقامةِ بالرَّيِّ. وكان رأسًا في الأدَبِ، بصيرًا بفِقهِ مالكٍ، مناظِرًا متكَلِّمًا على طريقةِ أهل الحق، ومذهَبُه في النَّحوِ على طريقةِ الكوفيِّينَ، جمَعَ إتقانَ العِلمِ إلى ظَرْفِ أهل الكتابةِ والشِّعرِ. رحَلَ ابنُ فارس إلى قزوين وبغداد طالبًا للحديثِ، ثمَّ عاد إلى همذان، ثمَّ إلى الريِّ، والتقى الصاحِبَ إسماعيلَ بنَ عَبَّاد الذي أخَذَ عنه اللُّغةَ والأدبَ، وقد غَلَب على عِلمِ ابنِ فارس الاهتِمامُ باللُّغةِ. وصَنَّف مع ذلك تصانيفَ في تفسيرِ القُرآنِ والنَّحوِ والتَّاريخِ والفِقهِ، وردَّ على الشُّعوبيَّةِ ردًّا قويًّا. مِن كُتُبِه: "مقاييسُ اللُّغةِ"، و"الإتباعُ والمُزاوَجة"، و"المُجْمَل" في اللُّغة، و"الصَّاحِبي" في فِقهِ اللُّغةِ. وقد ألّفَهُ لِخزانةِ الصَّاحِبِ بنِ عَبَّاد. كان أبو الحُسَين من الأجوادِ, حتى إنَّه يهَبُ ثيابَه وفُرُشَ بَيتِه، وكان من رؤوسِ أهلِ السُّنَّة المُجَرَّدين على مذهَبِ أهل الحديثِ. مات بالرَّيِّ.
سار يَمينُ الدَّولةِ الغزنوي عندما خرج الشِّتاءُ غازيًا إلى الهندِ في جمعٍ عَظيمٍ وحَشدٍ كثيرٍ، وقصَدَ واسِطةَ البلادِ مِن الهند، فسار شَهرينِ، حتى قارَبَ مَقصِدَه، ورتَّب أصحابَه وعساكِرَه، فسَمِعَ عَظيمُ الهند به، فجَمَع مَن عِندَه مِن قُوَّادِه وأصحابِه، وبرز إلى جَبَلٍ هناك، صَعبِ المرتقى، ضَيِّقِ المسلَكِ، فاحتمى به، وكتَبَ إلى الهنودِ يستدعيهم مِن كُلِّ ناحية، فاجتمع عليه منهم كلُّ مَن يحمِلُ سلاحًا، فلمَّا تكامَلَت عِدَّتُه نزل مِن الجَبَل، وتصافَّ هو والمُسلِمونَ، واشتَدَّ القِتالُ وعَظُم الأمرُ، ثمَّ إنَّ الله تعالى منح المسلمينَ أكتافَهم فهَزَموهم، وأكثَروا القَتَل فيهم، وغَنِموا ما معهم من مالٍ وفيلٍ وسلاحٍ، وغير ذلك، وفتَحَ اللهُ نادرين, ووجد المسلمونَ في بَيتِ الصَّنَمِ حَجَرًا عظيمًا منقوشًا عليه، دلَّت كتابتُه على أنَّه مبنيٌّ منذ قرونٍ طويلة، فعَجِبَ المسلمونَ لقِلَّةِ عُقولِهم, فلمَّا فرغ الغزنويُّ مِن غَزوتِه عاد إلى غزنة، وأرسل إلى القادِرِ بالله يطلُبُ منه مَنشورًا، وعهدًا بخراسانَ وما بيده من المَمالِك، فكتب له بذلك، ولُقِّبَ نظامَ الدين.
وَهَن أمرُ الخلافةِ والسَّلطَنةِ ببغداد، حتى إنَّ بَعضَ الجُندِ خَرَجوا إلى قريةِ يحيى، فلَقِيَهم أكراد، فأخَذوا دوابَّهم، فعادوا إلى حَقلِ الخليفةِ القائِمِ بأمر الله، فنَهَبوا شيئًا من ثَمَرتِه، وقالوا للعاملينَ فيه: أنتم عَرَفتم حالَ الأكرادِ ولم تُعلِمونا، فسَمِعَ الخليفةُ الحالَ، فعَظُمَ عليه، ولم يَقدِرْ جلال الدَّولة البويهيُّ على أخذِ أولئك الأكراد لعَجزِه ووَهَنِه، واجتهدَ في تسليمِ الجُندِ إلى نائبِ الخليفة، فلم يُمكِنْه ذلك، فتقَدَّم الخليفةُ إلى القُضاةِ بتَركِ القَضاءِ والامتناعِ عنه، وإلى الشُّهودِ بتَركِ الشهادةِ، وإلى الفُقَهاءِ بترك الفتوى، فلمَّا رأى جلالُ الدَّولة ذلك سأل أولئك الأجنادَ ليُجيبوه إلى أن يحمِلَهم إلى ديوانِ الخلافة، ففعلوا، فلمَّا وصلوا إلى دار الخلافةِ أُطلِقوا، وعَظُمَ أمرُ العيَّارين– العَيَّارون لصوصٌ يَمتَهِنونَ النَّهبَ والدعارةَ - وصاروا يأخُذونَ الأموالَ ليلًا ونهارًا، ولا مانِعَ لهم؛ لأنَّ الجُندَ يَحمونَهم على السُّلطانِ ونُوَّابه، والسلطان عاجِزٌ عن قَهرِهم، وانتشر العربُ في البلادِ فنهبوا النواحيَ، وقطعوا الطريقَ، وبلغوا إلى أطرافِ بغداد، حتى وصلوا إلى جامِعِ المنصور، وأخذوا ثيابَ النساءِ مِن المقابرِ.
أرسل صلاح الدين إلى نور الدين يطلُبُ أن يرسِلَ إليه والِدَه نجم الدين أيوب، فجَهَّزه نور الدين وسَيَّرَه، وسيَّرَ معه عسكرًا، واجتمع معه من التجار خلق كثير، وانضاف إليهم من كان له مع صلاح الدين أُنس وصحبة، فخاف نور الدين عليهم من الفرنجِ، فسار في عساكره إلى الكرك، فحصَرَه وضيَّقَ عليه ونصب عليه المجانيق، فأتاه الخبَرُ أن الفرنج قد جمعوا له، وساروا إليه، وقد جعلوا في مقدمتهم إليه ابن هنفري وقريب بن الرقيق، وهما فارسا الفرنج في وقتهما، فرحل نور الدين نحو هذين المقَدَّمين ليلقاهما ومن معهما قبل أن يلتَحِقَ بهما باقي الفرنج، فلما قاربَهما رجعا واجتمعا بباقي الفرنج, وسلك نور الدين وسطَ بلادهم يسلُبُ ويَحرِق ما على طريقه من القرى إلى أن وصل إلى بلاد الإسلام، فنزل على عشترا، وأقام ينتظِرُ حركة الفرنج ليلقاهم، فلم يَبرَحوا من مكانهم، فأقام هو حتى أتاه خبر الزلزلة الحادثة فرحل, وأما نجمُ الدين أيوب فإنَّه وصل إلى مصر سالِمًا هو ومن معه وخرج العاضِدُ الحاكم الفاطمي فالتقاه؛ إكرامًا له.