في الوقتِ الذي نجح فيه ابنُ رشيد في بسطِ نفوذِه ليشمَلَ بلادَ الوشم وسدير كان محمدُ بن سعود ينازِعُ عَمَّه الإمامَ عبد الله على الحُكمِ، بحُجَّةِ أنَّه الوريثُ الشرعيُّ لوالِدِه، فدارت بينهما عدةُ معارك انتهت في هذه السنة بتغَلُّبِ أبناء سعود على عَمِّهم عبد الله، ودخلوا الرياض واعتقلوا عمَّهم عبد الله وسَجَنوه.
بعد أن انهزم عبد الله بن علي (عمُّ المنصور) على يدِ أبي مسلم، وبقي في البصرة، قام بالدعوة لنفسِه، وبويع، ولكن لم يتمَّ له شيءٌ، فاستجار بأخيه سليمان الذي كان أميرًا للبصرة، ثم إنه بقي كذلك حتى أظهر الطاعةَ للمنصور، ثم عزل المنصور عمَّه سليمان عن إمرة البصرة، فاختفى عبد الله بن عليٍّ وأصحابُه خوفًا على أنفسهم، فبعث المنصورُ إلى نائبه على البصرة، وهو سفيان بن معاوية، يستحِثُّه في إحضار عبد الله بن علي إليه، فبعَثَه في أصحابه فقُتل بعضُهم، وسُجِن عبد الله بن علي عمُّه، وبعَث بقيَّة أصحابه إلى أبي داود نائب خراسان فقتَلَهم هناك.
لمَّا افْتُتِحَتْ أفريقيا أَمَرَ عُثمانُ عبدَ الله بن نافعٍ وعبدَ الله بن عبدِ القيسِ أن يَسِيرا إلى الأَندلُس، فغَزاها مِن قِبَلِ البَحرِ، وكتَب عُثمانُ إلى مَن انْتَدَبَ معهما: أمَّا بعدُ فإنَّ القُسطنطينيَّة إنَّما تُفْتَحُ مِن قِبَلِ الأَندلُس. فخَرجوا ومعهم البَرْبَرُ، ففتَح الله على المسلمين وزادَ في سُلطانِ المسلمين مِثل أفريقيا.
هو الخليفة الإمام الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن ابن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي الهاشمي، العباسي، البغدادي. ولد سنة 571. بايع له أبوه بولاية العهد في سنة 585، وخطب له على المنابر، ونثر عند ذكره الدنانير وعليها اسمُه. ولم يزل الأمر على ذلك حتى قطع ذلك أبوه في سنة 601, وخلعه وأكرهه، وزوى الأمر عنه إلى ولده الآخر. فلما مات ذلك الولد، اضطُرَّ أبوه إلى إعادته، فبايع له وخطب له في شوال سنة 618. واستخلف عند موت والده. قال ابن الساعي: حضرت بيعةَ العامَّة، فلما رُفِعَت الستارة، شاهدتُه وقد كمل الله صورتَه ومعناه، وعمُرُه إذ ذاك خمس وثلاثون سنة، وكان أبيض مشربًا حمرة، أزج الحاجبين، أدعج العينين، سهل الخدين، أقنى، رحب الصدر، عليه قميص أبيض، وعليه طرحة قصب بيضاء" وكان نعم الخليفة، جمع الخشوعَ مع الخضوع لربِّه، والعدل ولم يزَلْ كل يوم يزداد من الخير والإحسان إلى الرعية, فقد أبطل المكوس، وأزال المظالم، وفرَّق الأموال. روى عن والده بالإجازة قبل أن يستخلِفَ, وكانت خلافتُه تسعة أشهر وأربعة وعشرين يومًا، ولَمَّا توفي الظاهر بأمر الله بويع بالخلافة ابنه الأكبر أبو جعفر المنصور، ولقب المستنصر بالله، وسلك في الخير والإحسان إلى الناس سيرة أبيه، وأمر فنودي ببغداد بإفاضة العدل، وأن من كان له حاجة، أو مظلمة يطالع بها، تُقضى حاجتُه، وتُكشَف مظلمتُه، فلما كان أول جمعة أتت على خلافته أراد أن يصليَ الجمعة في المقصورة التي كان يصلي فيها الخلفاء، فقيل له إن المطبق- طريق تحت الأرض- الذي يسلكه إليها خراب لا يمكن سلوكُه، فركب فرسًا وسار إلى الجامع، جامع القصر، ظاهرًا يراه الناسُ بقميص أبيض وعمامة بيضاء، ولم يترك أحدًا يمشي معه بل أمر كل من أراد أن يمشي معه من أصحابِه بالصلاة في الموضِعِ الذي كان يصلي فيه، وسار هو ومعه خادمان وركابدار لا غير، وكذلك الجمعة الثانية حتى أصلح له المطبق.
في منتصف جمادى الآخرة حمل عبدُ الله بن سعود وقواته على قواتِ إبراهيم باشا حتى قربوا من محطة العسكر, فثوَّرَ الروم مدافعَهم فخَفَّ بعض البوادي مع عبد الله ومَن نزلوا قرب جبل ماوية قبالةَ الروم، فثبت الرومُ بواديهم لَمَّا رأوه نزل فوجه مدافِعَهم إلى المسلمين ورموهم فأثَّرت فيهم، فأمر عبد الله على بعض المسلمين أن يرحَلوا وينزلوا الماء، فلما هموا بالرحيل خفَّت البوادي فتتابعت فيهم الهزيمةُ ووقع الرعبُ في قلوبهم فاتَّصلت الهزيمة في جموع قوات عبد الله، واختلطت الجموعُ بَعضُها في بعضٍ وتَبِعَهم الروم والبوادي وقتلوا رجالًا وأخذوا كثيرًا من السلاح وغيره، سقط في الأرض من أهل الركائب وركب عبد الله في كتيبةٍ مِن الخيل وحمى ساقة قواتِه، وهلك في تلك الهزيمة بين القتل والأسر والظمأ نحو 200 رجل، وهذا أول وهَنٍ في الدولة السعودية الأولى.
بعد إعلانِ قيامِ ما يُعرَفُ بدولة الكيان الصهيوني في 15 مايو 1948م، قَرَّرت أولُ حكومة صهيونية بزعامة رئيس الوزراء الصهيوني ديفيد بن جوريون تشكيلَ "جيش الدفاع الإسرائيلي" من عناصر عصابة "الهاجاناه" وهي عصابة صهيونية تأسَّست في مدينة القدس كرَدِّ فعل للثورة التي اندلعت في فلسطين من العام 1920م إلى العام 1921م، وكان الهدفُ من إنشائها العمَلَ على حماية المغتصِبين اليهود المهاجرين إلى فلسطين، وطرد السكَّان من مدُنِهم، وساهمت في بناء أكثر من 50 مغتَصَبة صهيونية و"الهاجاناه" كلمةٌ عبريةٌ تعني بالعربية "الدفاع"، ومنها تكوَّن ما يُعرَف بجيش الدفاع "الإسرائيلي" الحالي بعد دمجِها في عصاباتٍ صهيونيةٍ أخرى، مثل عصابات الأرجون زفاي، وشتيرن، وغيرها. وقبل تأسيسِها كانت هناك عصابةٌ تعرف بـ "هاشومير"، وتعني بالعربية "الحارس" تكونت من 100 شخص، وكانت مسؤولة عن حراسة المغتَصَبات الصهيونية؛ خوفًا من أي رد فعل على قَتلِ وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وفي عام 1936م أصبح عددُ أفراد عصابة "الهاجاناه" العاملين 10 آلاف صهيوني، و40 ألفًا كاحتياطٍ لهم.
لمَّا أَخَذ زَيدُ بن عَلِيٍّ زين العابدين بن الحُسينِ البَيْعَةَ ممَّن بايَعهُ مِن أَهلِ الكوفَة، أَمرَهم في أوَّلِ هذه السَّنَة بالخُروجِ والتَّأَهُّبِ له، فشَرَعوا في أَخذِ الأُهْبَةِ لذلك. فانطَلَق رَجلٌ يُقالُ له: سُليمان بن سُراقَة. إلى يُوسُف بن عُمَر الثَّقَفي نائِب العِراق فأَخبَره - وهو بالحِيرَةِ يَومَئذٍ - خَبَرَ زَيدِ بن عَلِيٍّ هذا ومَن معه مِن أَهلِ الكوفَة، فبَعَث يُوسُف بن عُمَر يَتَطلَّبه ويُلِحُّ في طَلَبِه، فلمَّا عَلِمَت الشِّيعَةُ ذلك اجْتَمعوا عند زَيدِ بن عَلِيٍّ فقالوا له: ما قَولُك -يَرحمُك الله- في أبي بَكرٍ وعُمَر؟ فقال: غَفَر اللهُ لهما، ما سَمِعتُ أَحدًا مِن أَهلِ بَيتِي تَبَرَّأَ منهما، وأنا لا أَقولُ فيها إلَّا خَيرًا، قالوا: فلِمَ تَطلُب إذًا بِدَمِ أَهلِ البَيت؟ فقال: إنَّا كُنَّا أَحَقَّ النَّاس بهذا الأَمرِ، ولكنَّ القَومَ اسْتَأثَروا علينا به ودَفَعونا عنه، ولم يَبلُغ ذلك عندنا بِهم كُفرًا، قد وُلُّوا فعَدَلوا، وعَمِلوا بالكِتابِ والسُّنَّة. قالوا: فلِمَ تُقاتِل هؤلاء إذًا؟ قال: إنَّ هؤلاء لَيسوا كأُولئِك، إنَّ هؤلاء ظَلَموا النَّاسَ وظَلَموا أَنفُسَهم، وإنِّي أَدعو إلى كِتابِ الله وسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإحياءِ السُّنَنِ وإماتَةِ البِدَع، فإنْ تَسمَعوا يكُن خَيرًا لكم وَلِي، وإنْ تَأْبَوا فلَستُ عليكم بِوَكيل فَرَفضوه وانصَرَفوا عنه، ونَقَضوا بَيْعَتَه وتَرَكوه، فلهذا سُمُّوا الرَّافِضَة مِن يَومِئذ، ومَن تابَعَه مِن النَّاس على قَولِه سُمُّوا الزَّيْدِيَّة ثمَّ إنَّ زَيدًا عَزَم على الخُروجِ بِمَن بَقِيَ معه مِن أَصحابِه، فَوَاعَدَهم لَيلةَ الأَربعاء مِن مُسْتَهَلِّ صَفَر، فبَلَغ ذلك يُوسُف فأَمَر عامِلَه بأن يَحبِس النَّاسَ في المَسجِد لَيلَتها حتَّى لا يَخرجوا إليه، ثمَّ خَرَج زَيدٌ مع الذين اجتمعوا معه فسار إليه نائِبُ الكوفَة الحَكَمُ وسار إليه يُوسُف بن عُمَر في جَيشٍ، وحَصل قِتالٌ في عِدَّةِ أَماكن بينهم حتَّى أُصيبَ زَيدٌ بِسَهم في جَبهَتِه ثمَّ دُفِن، ثمَّ جاء يُوسُف وأَخرَجَه وصَلَبَه، وقِيلَ: بَقِيَ كذلك طَويلًا ثمَّ أُنزِلَ وحُرِق، فما حصل لزيد بن علي هو نفس ما حصل للحسين بن علي رضي الله عنه في كربلاء.
انشغل السُّلطانُ المَلِكُ الكامِلُ شَعبان بملذَّاته وملاهيه وأعرض عن تدبيرِ الأمور، فتمَرَّدَت المماليكُ، وأخذوا حرم النَّاسِ، وقطعوا الطريقَ، وفَسَدت عِدَّةٌ من الجواري، وكَثُرَت الفِتَنُ بسَبَبِ ذلك حتى بلغ السلطانَ، فلم يعبأ بهذا، وقال: " خلُّوا كُلَّ أحد يعمَلُ ما يريدُ!!"، وقد تظاهر الناسُ بكلِّ قَبيحٍ، فاشتَدَّ الأمرُ على الناس بديار مصر وبلاد الشام، وكَثُرَ دعاؤهم لما هم فيه من السُّخر والمغارم، وتنكَّرت قلوب الأمراء، وكَثُرت الإشاعة بتنكُّر السلطان على الأميرِ يلبغا اليحياوي نائِبِ الشام، وأنه يريد مَسْكَه حتى بلغه ذلك فاحتَرَز على نفسه وبلغ الأمير يلبغا اليحياوي قَتْلُ يوسف أخي السلطان، وقُوَّة عزم السلطان على سَفَر الحجاز موافقةً لأغراض نسائه، فجمَعَ يلبغا أمراء دمشق، وحَلَّفَهم على القيام معه، وبرز إلى ظاهِرِ دمشق في نصف جمادى الأولى وأقام هناك وحَضَر إليه الأميرُ طرنطاي البشمقدار نائبُ حمص، والأمير أراق الفتاح نائب صفد، والأمير أستدمر نائب حماة، والأمير بيدمر البدري نائب طرابلس، فاجتمعوا جميعًا ظاهِرَ دمشق مع عسكرها، وكتبوا بخَلعِ الملك الكامل، وظاهروا بالخروجِ عن طاعته، وكتب الأميرُ يلبغا اليحياوي نائِبُ الشام إلى السلطان: " إني أحَدُ الأوصياء عليك، وإن ممَّا قاله الشهيد رحمه الله لي وللأمراء في وصيته: إذا أقمتم أحدًا من أولادي ولم ترتَضوا سيرتَه جُرُّوه برِجْلِه، وأخرِجوه وأقيموا غيره، وأنت أفسَدْتَ المملكة، وأفقَرْت الأمراء والأجناد، وقَتَلْت أخاك، وقبَضْتَ على أكابر أمراء السلطان الشهيدِ، واشتغَلْت عن المُلْك، والتهيتَ بالنساء وشُربِ الخمر، وصِرْتَ تبيع أخيارَ الأجناد بالفِضَّة " وذكر الأميرُ يلبغا اليحياوي له أمورًا فاحِشةً عَمِلَها، فقَدِمَ كتابه في يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى، فلمَّا قرأه السلطان الكامل تغيَّرَ تغيرًا زائدًا، وكتب الكامِلُ الجوابَ يتضَمَّنُ التلطُّفَ في القول، وأخرجَ الأميرَ منجك على البريد إلى الأمير يلبغا اليحياوي في الثاني عشر، ليَرجِعَه عمَّا عزم عليه، فكَثُرَت القالةُ بين الناس بخروجِ نائِبِ الشَّامِ عن الطاعةِ حتى بلغ الأمراءَ والمماليكَ، فطلب الأمراءَ إلى القلعة وأخَذَ رأيَهم، فوقع الاتفاقُ على خروج العسكر إلى الشامِ مع الأمير أرقطاي، وقَدِمَ كتاب نائب الشامِ أيضًا، وفيه خطُّ أمير مسعود بن خطير، وأمير علي بن قراسنقر، وقلاوون، وحسام الدين البقشمدار- يتضمن: "أنك لا تصلُحُ للمُلكِ، وأنَّك إنما أخَذْتَه بالغَلَبة من غير رضا الأمراء"، وعَدَّد ما فعله، ثم قال: "ونحن ما بَقِينا نَصلُحُ لك، وأنت فما تصلُحُ لنا، والمصلحةُ أن تَعزِلَ نَفسَك"، فاستدعى السلطان الكامل الأمراءَ، وحَلَّفهم على طاعته، ثم أمَرَهم بالسفر إلى الشام، فخرجوا من الغد، ثم إنَّ منجك ساعةَ وصولِه دمشق قَبَضَ عليه يلبغا اليحياوي نائِبُ الشام، وسَجَنه بالقلعة، فبعث السلطانُ الطواشي سرور الزينى لإحضارِ أخويه حاجي وأمير حسين، فاعتذرا بوَعْكِهما، وبعثت أمهاتُهما إلى الأمير أرغون العلائي والأمير الحجازي يسألانِهما في التلطُّفِ مع السلطانِ في أمرهما، ثم عرف الأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الحجازي بما جرى للسلطانِ من تخوُّفِه منهما فتوحَّشَ خاطِرُ كُلٍّ منهما، وانقطع العلائي عن الخدمة وتعَلَّل، وأخَذَت المماليكُ أيضًا في التنكُّر على السلطان، وكاتَبَ بَعضُهم الأمير يبلغا اليحياوي نائِبَ الشام، واتَّفقوا بأجمعهم حتى اشتَهَر أمْرُهم وتحَدَّثَت به العامة، ووافقهم الأميرُ قراسنقر.
كان وزيرُ المستعمرات البريطانية ونستون تشرشل قد اتَّفق مع الملك فيصل ابن الشريف حسين قبل تسَلُّمِه المُلْك أن تكون معاهدةٌ بين الطرفين تحُلُّ مكانَ الانتداب، غيرَ أن الإنجليز قد فهموا من هذه العبارة أنَّ الاستقلالَ صورةٌ، والواقِعَ انتدابٌ؛ فالمَلِك ليس أكثَرَ مِن اسمٍ؛ فالمتصَرِّفُ الفعلي والحقيقي هو المعتمد السامي البريطاني، والوزراء ليس لهم سوى التوقيع على قراراته، وصاحِبُ الكلمة هو المستشار البريطاني، وأما الملِكُ فيصل والعراقيون ففَهِموا أنَّ المعاهدةَ ستُلغي الانتداب وتبيِّن العلاقات المتبادلة بين الحكومة العراقية والحكومة البريطانية! ونتيجةً لهذا التباين تأخَّر توقيعُ المعاهدة حتى قُدِّمت للدراسة والتوقيعِ عليها، وكانت تضمُّ بنودًا عديدةً، منها: أن يوافق مَلِك العراق على أن يستدِلَّ بما يقدِّمُه ملك بريطانيا من المشورة بوساطةِ المعتمد السامي جميع الشؤون المهمة التي تمسُّ بتعهدات ومصالح مَلِك بريطانيا، ويستشير ملك العراق المعتمدَ السامي الاستشارةَ التامة فيما يؤدي إلى سياسة مالية ونقدية سليمة، ومنها: أنَّ مَلِكَ العراق لا يعيِّنُ مدة المعاهدة موظفًا دون موافقة ملك بريطانيا، ومنها: أن يتعهَّد مَلِكُ العراق بقَبول الخطة الملائمة التي يشير بها مَلِك بريطانيا، ومنها: لا تُتَّخَذ وسيلةٌ ما في العراق لمنع أعمال التنصير أو للمُداخلة فيها أو لتمييز منَصِّر ما على غيره بسبب اعتقاده الديني أو جنسيته! ولم يكن في نصوص المعاهدة أيُّ ذكرٍ لانتهاء الانتداب، وأكثَرُ بنودها هو ترسيخ للوجود البريطاني والوصاية الواضحة على الملِك، ولم يوافِقِ الوزراء على المعاهدة، فاستقال الوزراءُ كُلُّهم واحدًا تلوَ الآخر، ولم توقَّعْ هده المعاهدة المعروفة بمعاهدة 1922م إلا في الحكومة الثالثة في ليلة 9 ذي القعدة 1342ه بعد منتصف الليل في جلسةٍ غيرِ اعتياديةٍ، وبعد أن بطش المعتمد السامي بالحركة الوطنية، فوُقِّعت المعاهدة، ثم ألحِقَ بند بالمعاهدة بأنَّ المعاهدة ينتهي مفعولها حين دخول العراق عُصبةَ الأمم المتَّحِدة، وألَّا يتجاوَزَ ذلك مدة أربع سنوات، ويُذكَرُ أنَّ بريطانيا أصلًا بعد أن دخلت العراقُ عُصبةَ الأمم كانت قد أفرغت كلَّ الخزائن في الولايات التي كانت تابعةً للعثمانيين، ونهبت كلَّ ما تستطيع نهْبَه حتى الأوقاف، ووضعت يدَها عليها، فلم يعُدْ لها أي مصلحةٍ كبيرة في البقاء بالعراق من الناحية الاقتصادية!!! حتى إن بعض المسؤولين فكَّر بالانسحاب نهائيًّا فور تنصيب المَلِك، ولكِنْ هناك من يرى أن المصالح البريطانية أبعَدُ من مجرد المال الذي انتهى من العراقِ، وإنما محاولة إبقاء التبعيَّة والوصاية من أجل أن تبقى العراقُ تحت السيطرةِ.
تَراسَل أَهلُ قِنِّسرين مع أَهلِ حِمص وتَزمَّروا واجْتَمَعوا على أبي محمَّد السُّفياني، وهو أبو محمَّد زِيادُ بن عبدِ الله بن يَزيد بن مُعاوِيَة بن أبي سُفيان، فبايَعوه بالخِلافَة، وقام معه نحو مِن أربعين ألفًا فقَصَدهم عبدُ الله بن عَلِيٍّ فالْتقَوا بمَرْج الأخرم، فاقْتَتَلوا مع مُقدِّمَة السُّفياني وعليها أبو الوَرْدِ فاقْتَتَلوا قِتالًا شَديدًا وهَزَموا عبدَ الصَّمد وقُتِلَ مِن الفَريقين أُلوف، فتَقدَّم إليهم عبدُ الله بن عَلِيٍّ ومعه حُميدُ بن قَحْطَبَة فاقْتَتَلوا قِتالًا شديدًا جِدًّا، وجَعَل أصحابُ عبدِ الله يَفِرُّون وهو ثابتٌ هو وحُميد. وما زال حتَّى هُزِمَ أَصحابُ أبي الورد، وثَبت أبو الورد في خَمسمائة فارسٍ مِن أَهلِ بَيتِه وقَومِه، فقُتِلوا جميعًا وهَرَب أبو محمَّد السُّفياني ومَن معه حتَّى لَحِقوا بتَدمُر، وآمنَ عبدُ الله أَهلَ قِنِّسرين وسَوَّدوا وبايَعوه ورَجَعوا إلى الطَّاعة، ثمَّ كَرَّ عبدُ الله راجِعًا إلى دِمَشق وقد بَلغَه ما صَنَعوا، فلمَّا دَنا منها تَفرَّقوا عنها ولم يكُن منهم قِتالٌ فأَمَّنَهم ودَخَلوا في الطَّاعَة. وأمَّا أبو محمَّد السُّفياني فإنَّه ما زال مُضَيَّعًا ومُشَتَّتًا حتَّى لَحِقَ بأَرضِ الحِجاز فقاتَلَه نائِبُ أبي جَعفَر المَنصور في أيَّامِ المنصورِ فقَتلَه وبَعَث بِرَأسهِ وبِابْنَيْنِ له أَخذَهُما أَسِيرَيْنِ فأطْلَقَهُما المنصورُ في أيَّامِه.
لَمَّا انقَطَعَت دعوةُ يحيى بنِ عليٍّ الفاطميِّ عن قُرطُبةَ، أجمَعَ رأيُ أهلِ قُرطبةَ على ردِّ الأمرِ إلى بني أمَيَّة، وكان عَميدُهم في ذلك والذي تولَّى مُعظَمَه وسعى في تمامِه الوَزير أبا الحَزمِ جهور بنَ مُحمَّد بن جهور بن عبيد الله بن محمَّد بن الغمر بن يحيى بن عبد الغافر بن أبي عبدة، وقد كان ذهَبَ كُلُّ مَن يُنافِسُ في الرِّياسةِ في الفِتنةِ بقُرطُبةَ، فراسَلَ جهور من كان معه على رأيِه مِن أهلِ الثُّغورِ والمتَغَلِّبينَ هنالك على الأمورِ وداخلهم في هذا الأمرِ، فاتَّفَقوا بعد مُدَّةٍ طويلةٍ على تقديمِ أبي بكر هِشامِ بنِ مُحَمَّد بنِ عبد الملك بنِ عبدِ الرَّحمنِ الناصر، وهو أخو المرتضى، وكان هِشامٌ هذا مقيمًا بحِصنٍ في الثُّغورِ يُدعى ألبنت تحتَ إمرةِ أبي عبدِ اللهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن قاسم القائِد المتغَلِّب بها، فبايعوه وتلَقَّبَ بالمعتَدِّ بالله.
هو العلَّامة، الأخباريُّ أبو الفَرَج عليُّ بنُ الحسين بن محمَّد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، وجَدُّه مروان بن محمَّد آخِرُ خُلَفاء بني أمية، وهو أصبهانيُّ الأصل بغداديُّ المنشأ، كان من أعيانِ أُدَبائِها، وأفراد مُصَنِّفيها, صاحِبُ كتاب الأغاني، وكتاب أيَّام العرب، ذكَرَ فيه ألفًا وسَبعمائة يومٍ مِن أيامهم، وكان شاعرًا أديبًا كاتبًا، عالِمًا بأخبار الناس وأيَّامِهم، بحرًا في نقل الآداب، وكان فيه تشيُّع، قال ابن الجوزي: "ومِثلُه لا يُوثَقُ به؛ فإنَّه يُصَرِّحُ في كتُبِه بما يوجِبُ العِشقَ ويُهَوِّنُ شُربَ الخَمرِ، وربَّما حكى ذلك عن نَفسِه، ومن تأمَّل كِتابَ الأغاني رأى فيه كلَّ قبيحٍ ومُنكَرٍ " قال التنوخي: "كان يحفَظُ مِن الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديثِ المُسنَدة والنَّسَب ما لم أرَ قَطُّ مَن يحفَظُ مِثلَه، ويحفظ دونَ ذلك من علومٍ أُخَرَ- منها اللغة والنحو، والخرافات والسِّيَر والمغازي، ومن آلةِ المُنادمة- شيئًا كثيرًا، مثل علم الجوارح والبَيطرة ونُتَف من الطب والنُّجوم والأشربة وغير ذلك، وله شِعرٌ يجمَعُ إتقانَ العُلَماء وإحسانَ الظُّرَفاء الشعراء ". كان مولده في سنة أربع وثمانين ومائتين، السنة التي توفِّيَ فيها البحتري الشاعر.
هو الموفَّقُ بالله أبو أحمد محمد بن جعفر المتوكِّل على الله بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد, وقيل: إن اسمه طلحة، الأميرُ العباسي وقائِدُ جيش الخليفة المعتَمِد على الله. ولِدَ في بغداد عام 227ه من أمِّ ولَدٍ للخليفة المتوكِّل على الله، وتربَّى تربيةً عِلميَّةً، وكان عالِمًا بالأدب والنَّسَب، والفِقه والقضاءِ، غزيرَ العَقلِ، حسَنَ التدبيرِ، كريمًا حازمًا، ذا مَقدِرةٍ في سياسةِ المُلْك، اعتبَرَه البعضُ بأنَّه المنصورُ الثاني. كان الموفَّقُ وليَّ عَهدِ المعتَمِد على الله، إلَّا أنه كان الخليفةَ الفعليَّ. كان الموفَّقُ عادِلًا حسَنَ السِّيرةِ، يَجلِسُ للمظالمِ وعنده القُضاة وغيرُهم، فينتصِفُ النَّاسُ بعضُهم من بعض. كما يعتبَر الموفَّقُ أبا الخلفاء الثاني بعد المنصورِ؛ إذ إنَّ الخلافةَ العباسية استمَرَّت في عَقِبِه حتى سقوطِها على يد هولاكو خان عام 656ه. كما أنَّه بعث الحياةَ في الخلافة العباسية بعد أن أشرَفَت على السقوطِ بسبب حالةِ الفوضى التي سادت على يدِ الأتراك بين عامي 247 - 256 بعد مقتل الخليفةِ المتوكِّل واستبداد الأتراكِ وقادتِهم بالأمرِ وقَتْلِهم للخُلَفاء: المنتصِر، والمُستعين، والمعتَزِّ، والمهتدي، واستقلال أمراء الأطراف بولاياتهم كالصَّفَّاريين في المشرق، والطولونيين في مصر. فقد تحمَّلَ الموفَّقُ بالله أعباءً كبيرةً في سبيل تثبيت الخلافة؛ إذ تمكَّنَ من القضاءِ على ثورةِ الزِّنجِ كما تمكَّنَ من إيقاعِ الهزيمةِ بجُموعِ الصَّفَّاريين وزعيمِهم يعقوبَ بنِ الليث، الذي كان قد اقتَرَب من بغداد في محاولةٍ لإرغام الخليفة على الاعترافِ بسُلطانه على المَشرِق، كما تمكَّنَ أيضًا من الحَدِّ من توسع الطولونيِّين غربًا. أُصيبَ الموفَّقُ بمرض النقرِس في بلاد الجبل، فانصرف وقد اشتَدَّ به وجع النقرس، فلم يقدِرْ على الركوب، فعُمِل له سريرٌ عليه قُبَّة، فكان يقعد عليه، وخادِمٌ له يُبَرِّد رجلَه بالأشياء الباردة، حتى إنَّه يضعُ عليها الثلج، ثم صارت عِلَّة داء الفيل برِجلِه، وهو ورَمٌ عظيمٌ يكون في السَّاق، يسيل منه ماء، ثم بقِيَ في داره مريضًا عِدَّةَ أيام حتى توفي. لَمَّا مات الموفَّقُ اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس بولايةِ العَهدِ، بعد المفَوِّض بن المعتَمِد، ولُقِّبَ المُعتَضِدَ بالله.
هو إمام أهل الشام أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي، من كبار تابعي التابعين. ولقب بالأوزاعي نسبة إلى الأوزاع وهي فرع من همدان, وقيل الأوزاع قرية بدمشق على طريق باب الفراديس، ولم يكن أبو عمرو منهم، وإنما نزل فيهم فنسب إليهم وهو من سبي اليمن. وُلِدَ في بعلبك سنة 88 ونشأ في البقاع يتيم الأب, ثم انتقلت به أمه إلى بيروت، كان فوق الربعة خفيف اللحية به سمرة، وكان يخضب بالحناء. طلب الحديثَ فصار إمامَ أهل الشام، وكان ثقة مأمونا، فاضلا خيرا، كثير العلم والحديث والفقه، حجة, ذا أدبٍ وورع، وزهدٍ عُرِضَ عليه القضاء وأبى, صاحِبُ مذهبٍ فقهيٍّ مُندثِرٍ، إلَّا أنَّ عِلمَه لم يجمَعْه تلاميذُه في الكتب، على خلافِ ما فعل أتباعُ أبي حنيفة النعمان وغيره، فحافظوا على مذاهِبِ مُعَلِّميهم. وأنشأ مذهبًا مستقلًّا مشهورًا عُمِلَ به مدَّةً عند فقهاءِ أهل الشام والأندلس ثمَّ اندرس، ولكنْ ما زالت له بعض المسائل الفقهيَّة في أمهَّات الكتب، وكان الأوزاعي قد التزم في فتاويه بالتوقف عند النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة. سكن بيروت وبها توفِّيَ.
بعث شاور إلى نور الدين محمود رسالةً مع شهاب الدين محمود، خال صلاح الدين الأيوبي، تتضمن أنه يحمل إليه مالًا في كل سنة من مصر مصانعةً؛ ليصرف عنه أسد الدين شيركوه، فأجاب نور الدين إلى ذلك، وأعطى شيركوه مدينة حمص وأعمالها زيادةً على ما كان بيده، وأمره بترك ذكر مصر، فأرسل شاور إليه كتابًا يشكر صنيعَه.