عبد السلام مُحمَّد هارون بن عبد الرزاق، وُلِد في مدينة الإسكندرية في 25 من ذي الحجَّة 1326هـ ونشأ في بيتٍ كريمٍ من بُيوت العِلم، فجدُّه عضوُ جماعة كبار العُلَماء، وأبوه كان يتولَّى عند وفاته مَنصِب رئيس التفتيش الشَّرعي في وزارة الحقَّانيَّة (العدل)، أما جدُّه لأُمِّهِ فهو الشيخ محمود بن رضوان الجزيري عضوُ المحكمة العُليا. حَفِظ عبد السلام القُرآنَ الكريمَ، وتعلَّم مبادئ القراءة والكتابة، والتحق بالأزهر سنة 1340هـ حيث درَسَ العُلوم الدينيَّة والعربيَّة، ثم التحق بتجهيزية دار العلوم بعد اجتيازه مُسابقةً للالتحاقِ بها، وكانت هذه التجهيزيَّة تُعِدُّ الطلبة للالتحاق بمدرسة دار العلوم، وحصل منها على شهادة البكالوريا سنة 1347هـ ثم أتمَّ دراسته بدار العلوم العليا، وتخرَّج فيها سنة 1351هـ، وبعد تخرُّجه عمل مدرسًا بالتعليم الابتدائي، ثم عُيِّن في سنة 1365هـ مُدرسًا بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وهذه هي المرَّة الوحيدة في تاريخ الجامعات التي ينتقلُ فيها مُدرِّس من التعليم الابتدائي إلى السلك الجامعي، بعد أن ذاعت شُهرته في تحقيق التُّراث، ثم عُيِّن في سنة 1370هـ أستاذًا مُساعدًا بكلية دار العلوم، ثم أصبح أُستاذًا ورئيسًا لقسم النحو بها سنة 1379هـ ثم دُعي مع نُخبة من الأساتذة المصريين في سنة 1386هـ لإنشاء جامعة الكُويت، وتولَّى هو رئاسة قِسم اللغة العربية، وقِسم الدراسات العُليا حتى سنة 1394هـ، وفي أثناء ذلك اختير عضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1389هـ. وبدأ عبد السلام هارون نشاطه العِلميَّ منذ وقتٍ مُبكِّر، فحقَّقَ وهو في السادسةَ عشرةَ من عُمره كتابَ "مَتْن أبي شُجاع" بضبطه وتصحيحه ومراجعته في سنة 1344هـ، ثم حقَّقَ الجزء الأول من كتاب "خِزانة الأدب" للبغدادي سنة 1346هـ، ثم أكمل أربعةَ أجزاءٍ من الخزانة، وهو طالبٌ بدار العلوم. ولنُبوغه في هذا الفَنِّ اختاره الدكتور طه حُسَين 1363هـ ليكون عضوًا بلجنةِ إحياء تُراث أبي العلاء المعري، وتدور آثاره العلمية في التحقيق حول العِناية بنشر كُتُب الجاحظ، وإخراج المعاجم اللُّغوية، والكُتُب النَّحْوية، وكُتُب الأدب، والمُختارات الشِّعرية. فأخرج كتاب الحيوان في ثماني مُجلَّدات، وكتاب البيان والتبيين في أربعة أجزاءٍ، وكتاب البُرصان والعُرجان والعُميان والحولان، ورسائل الجاحظ في أربعة أجزاء، وكتاب العُثمانية، وأخرج من المعاجم اللُّغوية: مُعجم مقاييس اللغة لابن فارس في ستة أجزاء، واشترك مع أحمد عبد الغفور العطَّار في تحقيق "صحاح العربية" للجوهري في ستة مُجلَّدات، و"تهذيب الصحاح" للزنجاني في ثلاثة مُجلَّدات، وحقَّقَ جزأين من مُعجَم "تهذيب اللغة" للأزهري، وأسند إليه مجمعُ اللغة العربية الإشرافَ على طبع "المعجم الوسيط"، وحقَّقَ من كُتُب النحو واللغة كتاب سيبويه في خمسة أجزاء، وخزانة الأدب للبغدادي في ثلاثة عشر مجلدًا، ومجالس ثعلب في جزأين، وأمالي الزَّجَّاجي، ومجالس العلماء للزَّجَّاجي أيضًا، والاشتقاق لابن دريد. وحقَّقَ من كتب الأدب والمُختارات الشِّعرية: الأجمعيات، والمُفضليَّات بالاشتراك مع العلَّامة أحمد شاكر، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي مع الأستاذ أحمد أمين، وشرح القصائد السَّبْع الطوال لابن الأنباري، والمجلد الخامس عشر من كتاب الأغاني لأبي الفَرَج الأصبهاني. وحقَّقَ من كُتُب التاريخ: جمهرة أنساب العرب لابن حزم، ووقعة صِفين لنصر بن مُزاحم، وكان من نتيجة مُعاناته وتجاربه في التعامُل مع النُّصوص المخطوطة ونشرِها، أن نشر كتابًا في فنِّ التحقيق بعُنوان: "تحقيقُ النصوص ونشرها" سنة 1374هـ، فكان أوَّلَ كتابٍ عربيٍّ في هذا الفنِّ، يُوضِّح مناهجه ويُعالج مشكلاته، أما عن مُؤلَّفاته فله: الأساليبُ الإنشائيَّةُ في النحو العربي، والميسِرُ والأزلام، والتراث العربي، وحول ديوان البحتري، وتحقيقاتٌ وتنبيهاتٌ في معجم لسان العرب، وقواعدُ الإملاء، وكنَّاشة النوادر، ومُعجَم شواهد العربية، ومُعجَم مقيدات ابن خلكان. وعمد إلى بعض الكُتُب الأصول فهذَّبها ويسَّرها، من ذلك: تهذيبُ سيرة ابن هشام، وتهذيبُ إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، والألْفُ المُختارة من صحيح البخاري، كما صنع فهارسَ لمُعجَم تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري في مُجلَّد ضخمٍ. وخُلاصة القول: إن ما أخرجه للناس من آثارٍ سواءٌ أكانت من تحقيقه، أو من تأليفه تجاوزت 115 كتابًا، وقد حصل عبد السلام هارون على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي سنة 1402هـ، وانتخبه مجلس مجمع اللغة العربية أمينًا عامًّا له في 3 من ربيع الآخر 1404هـ، واختاره مجمع اللغة العربية الأردنيُّ عضوَ شرفٍ به. وإلى جانب نشاطه في عالم التحقيق كان الأستاذ عبد السلام هارون أستاذًا جامعيًّا مُتمكنًا، تعرفه الجامعات العربية أستاذًا مُحاضرًا ومُشرفًا ومناقشًا لكثير من الرسائل العلمية التي تزيد عن 80 رسالة للماجستير والدُّكتوراه. تُوُفِّيَ عبد السلام هارون في 28 من شعبان 1408هـ وبعد وفاته أصدرت جامعة الكويت كتابًا عنه بعُنوان: الأستاذ عبد السلام هارون مُعلمًا ومُؤلفًا ومُحققًا.
خليل إبراهيم محمود الوزير (1935 - 16 إبريل 1988م) والمعروفُ بأبي جهاد. وُلِد في بلدة الرَّمْلة بفلسطين، وغادرها إلى غزَّة إثْر حرب 1948م مع أفرادِ عائلته. درس في جامعة الإسكندرية، ثم انتقل إلى السُّعودية، فأقام فيها أقلَّ من عامٍ، وبعدها توجَّه إلى الكويت، وظلَّ بها حتى عام 1963م. وهناك تعرَّف على ياسر عرفاتٍ، وشارك معه في تأسيس حركة فتح. في عام 1963م غادر الكويت إلى الجزائر حيث سمحتِ السُّلطات الجزائريَّةُ بافتتاح أوَّلِ مكتبٍ لحركة فتحٍ، وتولَّى مسؤوليَّة ذلك المكتب. وفي عام 1965م غادر الجزائر إلى دِمَشقَ، وأقام فيها مقرَّ القيادة العسكرية، وكُلِّف بالعَلاقات مع الخلايا الفدائيَّةِ داخل فلسطين، كما شارك في حرب 1967م وقام بتوجيه عمليَّاتٍ عسكريَّةٍ ضدَّ الجيش الإسرائيلي في مِنطَقة الجليل الأعلى. وتولَّى بعد ذلك المسؤوليةَ عن القطاع الغربي في حركة فتح. وقد تقلَّدَ العديدَ من المناصب، فكان أحدَ أعضاء المجلس الوطني الفِلَسطينيِّ، وعضوَ المجلس العسكري الأعلى للثَّورة، وعضوَ المجلس المركزيِّ لمُنظَّمة التَّحرير الفِلَسطينيَّةِ، ونائبَ القائد العامِّ لقُوَّات الثورة. وفي 16 إبريل 1988م تمَّ إنزال 20 عنصرًا مُدرَّبًا من الموساد من أربعِ سُفُنٍ وغوَّاصتَينِ وزوارقَ مطَّاطيةٍ وطائرتَينِ عموديَّتينِ للمُساندة على شاطئ الرُّواد قُرب ميناء قرطاجة في تونس، وبعد مجيئه إلى بيته كانت اتصالاتُ عُمَلاء الموساد على الأرض تنقلُ الأخبار، فتوجَّهت هذه القُوَّة الكبيرة إلى منزله، فقتلوا الحُرَّاس، وتوجَّهوا إلى غُرفته، وأطلقوا عليه الرصاص، فاستقرَّت به سبعون رصاصةً، وتُوُفِّيَ في نفس اللَّحظة.
معركةُ تحرير الفاو هي عمليَّة عسكريَّة نفَّذها الجيشُ العراقي في 17 إبريل / نيسان 1988 خلال حرب الخليج الأولى؛ لإخراج الجيشِ الإيرانيِّ من شِبه جزيرة الفاو بعد احتلالٍ دام عامينِ. شملت العمليَّةُ العسكريَّةُ التي نفَّذها الجيش العراقي قبل شُروق شمسِ يوم 17 إبريل 3 مراحلَ، استطاعتِ القُوَّات العِراقيَّةُ من خلالها تحريرَ كاملِ شِبه جزيرة الفاو في 35 ساعةً، وتكبيدَ القُوَّة الإيرانية خسائرَ كبيرةً ما بين قَتْلى وأسرى، بالإضافة إلى الاستيلاء على مُعدَّاته. وكانت إيران قد حصَّنتِ الفاو بخنادقَ وحُقولِ ألغامٍ كما شقَّتِ القُوَّات الإيرانية مجاريَ مائيَّةً؛ لمنع الدَّبَّابات والمَركَباتِ المُجَنزرةِ من الحركة بينها. مثَّلتِ الفاو نُقطةَ تحوُّل لحربِ الخليج، ودفعت هي وباقي الانتصارات التي حقَّقها العراقُ بعد معركة الفاو آيةَ الله الخُميني، مُرشدَ الثَّورة الإيرانيَّةِ، في 5 يوليو 1988م، للإعلانِ عن قَبولِ إيران وقفَ إطلاقِ النار، كما أنها منحتِ العراقَ منفذَه المائيَّ على البحر الذي حُرِمَ منه سنتَينِ.
قِمَّة الجزائر من 7 - 9 حُزيران 1988م مُبادرة من الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد طالبت هذه القِمَّة (غيرُ العادية) بعقدِ مُؤتمرٍ دوليٍّ حولَ الشَّرق الأوسط بمُشاركة مُنظَّمة التَّحْرير الفِلَسطينيَّةِ، وكرَّرت دَعْمها لحقِّ الشعب الفلسطيني في تقريرِ مصيرِهِ. وصدَرَ عن المؤتمر بيانٌ ختاميٌّ، ومن قراراتِهِ:
- دعمُ الانتفاضة الشَّعبيَّة الفِلَسطينيَّةِ، وتعزيزُ فعاليَّتِها وضمانُ استمراريَّتِها.
- المُطالبةُ بعَقدِ مؤتمرٍ دوليٍّ للسلام في الشرق الأوسط تحت إشراف الأُمَم المتحدة.
- تجديدُ التزام المؤتمرِ بتطبيقِ أحكامِ مُقاطعة إسرائيل.
- إدانةُ السياسة الأمريكيَّةِ المُشجِّعة لإسرائيل في مُواصلة عُدوانها وانتهاكاتها.
- الوقوفُ إلى جانب لبنان في إزالة الاحتِلال الإسرائيليِّ من جنوب لبنان.
- تجديدُ التضامُن الكامل مع العراق، والوقوفُ معه في حربه ضدَّ إيران.
- إدانةُ الاعتداء الأميركي على ليبيا، وتأييدُه لسيادة ليبيا على خليج سِرت.
- إدانةُ الإرهاب الدولي، والمُمارسات العُنصرية.
- الاهتمامُ بالانفراج الدولي في البدء بالنزع التدريجي للأسلحة النووية.
بدأت مُشكلة إقليم (كوسوفو-كوسوفا) في 1989م بإلغاء الحُكم الذاتي الذي كان يَحظى به الإقليمُ في الوقتِ الذي كانت فيه الغالبية الألبانية الشابَّة تُطالب بتوسيع الحُكم الذاتي حتى تتحوَّل كوسوفو إلى جمهوريةٍ مُتساويةٍ مع بقيَّة الجُمهوريات. فقد كانت كوسوفو ولايةً عُثمانيَّةً لها كِيان إداريٌّ وسياسيٌّ؛ مما مهَّد إلى دخول الألبان في صِراع مُسلَّح مع الحُكم العثماني. ونتيجةً لإعلان الدُّوَل البَلقانيَّة الحربَ على الدَّولة العثمانية، فقد سارعت الصِّرب والجبلُ الأسود إلى تقاسُم كوسوفو بينهما خلال 1912، 1913م إلا أن هذا الوضعَ لم يستمِرَّ، فمع اندلاع الحرب العالمية الأُولى سيطرت النمسا على الإقليم، ومنحته نوعًا من الحُكم الذاتي، ومع نهاية الحرب 1918م دخلت كوسوفو مع صربيا في إطار الدولة الجديدة (يوغسلافيا) والتي تمَّ استثناؤها من اتفاقية الأقليَّاتِ. فاندلعتِ المقاومةُ المُسلَّحة ضدَّ الصِّرب في الإقليم. ومع تولِّي (تيتو) قيادة الحزب 1936م اعترف بخصوصية (كوسوفو-كوسوفا) كإقليمٍ له شخصيَّة تاريخيَّة وأغلبيَّة ألبانيَّة. وبعد التحرُّر من الوجود الألماني بقي مصيرُ الإقليم مُعلَّقًا بين ألبانيا ويوغسلافيا إلى أن انضمَّت إلى صربيا (يوغسلافيا)، وبناءً على ذلك جاء دُستور صربيا يُحدِّد بشكلٍ أوضحَ وضعَ الحكم الذاتي، فقد اعتبر هذا الدُّستور الإقليم مِنطَقة أقلَّ شأنًا من بقيَّة الأقاليم مُقارنة بغيرها مثل: (فويفودنيا) والتي اعتُبرت إقليمًا. ومع صُدور الدُّستور الصربي في 1953م توسَّع مفهوم الحكم الذاتي في كوسوفو، وأصبح مُساويًا للحكم الذاتي في إقليم (فويفودنيا)، مع افتقاد (كوسوفا) للمحكمة العليا، ومع مُنتصف الستينيات، دخلت يوغسلافيا مرحلةَ تحوُّلٍ ديمقراطيٍّ، الأمرَ الذي انعكس على كوسوفو حيث توسَّع الحُكم الذاتيُّ حتى أصبح وَحْدة فيدراليةً تكاد تكون مُتساويةً مع الجمهورية التي كانت في إطارها. وبعد إلغاء أو تحجيم الحُكم الذاتي 1989م، وإعلان الاستقلال في كوسوفو من جانبٍ واحدٍ 1990م أخذ الوضع ينعكسُ على التعليم. فقد كانت بلغراد تُريدُ تعديلَ المناهج التعليميَّة بعد إلغاء الحُكم الذاتي. بينما كانت حكومةُ كوسوفو تُريدُ أن يبقى المنهجُ التعليميُّ ضِمنَ صلاحيَّتِها.
مع انهيار الاتِّحادِ السُّوفييتي السابق بدايةَ عام 1990م انتهزتِ المُنظَّمة الصُّهيونيَّة العالميَّة، والوكالة اليهودية الفُرصةَ لتحشيدِ قوافِلِ الهجرة الاستيطانيَّة التوسُّعيَّة اليهوديَّة الصُّهيونية إلى فلسطين. وبدأت أرقام هِجرة اليهود السُّوفييت تتراكَمُ باتجاه فلسطين المُحتلَّة، وقد وصَلَ خلال الفترة (1990-2000م) نحو مليون يهوديٍّ، وساهمت الهجرةُ بأكثر من (67%) من إجمالي الزيادة السُّكانيَّة اليهوديَّة على أرض فِلَسطينَ خلال الفترة المذكورة. إلا أن الهِجرة التَّهويديَّة إلى فلسطين بدأت تقلُّ تدريجيًّا، خاصَّة في ظِلِّ انطلاقةِ الانتفاضة الفلسطينية. فوصَلَ منهم 140 ألفًا حتى نهاية السبعينيات، ثم بعد سُقوط الاتحاد السُّوفييتي سنة 1991م فُتح فيضان الهجرة، فوصَلَ 700 ألف يهوديٍّ روسيٍّ، وهم يُشكِّلون أكبَرَ نِسبةٍ عِرقيةٍ.
كانت بنغلاديش جُزءًا من الهند في ظِلِّ الإسلامِ الذي وصَلَ إلى تلك المِنطَقةِ في القرن العاشر الميلادي. وفي النصف الثاني من القرن الثامنَ عشَرَ، احتلَّ المستعمِرُ البريطانيُّ القارة الهنديَّةَ، ومن ضِمنها بنغلاديشُ وباكستانُ وجامو وكشمير تحت نير الإمبراطوريَّة الاستعماريَّة البريطانيَّة في جنوب آسيا. ناضلتِ (الرابطة الإسلاميَّة) التي ضمَّتِ المسلمينَ في القارة الهنديَّةِ تحت راية الكِفاح ضدَّ الاستعمار البريطانيِّ، وتوَّجَ الإسلاميُّون نِضالَهم بقيام باكستان عام 1947م، وأصبحت بلاد البنغال تُدعى باكستان الشرقية وجزء من دولة باكستان، وقامتِ الحكومة الباكستانيَّة بمُحاولاتٍ لإلغاء لُغة الهندوس الأقليَّة الموجودة بين الأغلبية الإسلاميَّة إلا أن قُوَّة الديمقراطية قد حالت دون ذلك. وتشكَّل حِزب سياسيٌّ بنغاليٌّ هو «رابطة عوامي» أي: «حزب العامَّة» بزعامة مُجيب الرحمن دعا فيه إلى استقلال بنغلاديش. وفي انتخابات 1970م فاز هذا الحزبُ بأكثريَّة المقاعِدِ في برلمان الباكستان. إلا أن الحكومة الباكستانية قامت بحلِّ البرلمانِ مما أثار نِقمةً شعبيَّةً، فقام الجيش الباكستاني بقَمعِها واعتقَلَ مجيب الرحمن. وفي عام 1971م اندلعتِ الحربُ الكارثيَّة بين الهند -التي كانت تُساند انفصالَ بنغلاديش- وباكستان. نتيجةً لهذه الحرب انتصر الجيشُ الهنديُّ ودخل مدينة دكا، وفي العام نفسه أُعلن عن استقلال بنغلاديش، وأصبح مجيب الرحمن أوَّلَ رئيس جمهوريةٍ. وقُتل مجيب الرحمن وأفرادُ عائلته عام 1975م نتيجةَ انقلابٍ عسكريٍّ، فتسلَّم الرئاسةَ أحمدُ مُشتاق، ثم بعد ذلك توالت سلسلةُ الانقلاباتِ العسكريَّةِ، فخلف مُشتاق العميدُ خالد مشرف، ثم محمد صايم، ثم ضياء الرحمن والدُ رئيسة الوزراء خالدة ضياء. وأعلَنَ الجنرال ضياء الرحمن منذ بداية حُكمه، أنه سوف يُحول نظام البلاد من الدكتاتوريَّةِ إلى الديمقراطيَّةِ. فأجرى انتخاباتٍ رئاسيَّةٍ عام 1978م وفاز بها. واُغتيل ضياء الرحمن في 30 أيار 1981م، وتلا ذلك انتخاباتٌ رئاسيَّةٌ فاز بها عبد الستار، مُرشَّح الحزب الوطني البنغالي. وفي أواخر عام 1983م أعلن قائدُ الجيش حسين محمد إرشاد نفسه رئيسًا للدولة، وفي 15 تشرين الأول عام 1986م أُعيد انتخابُ الرئيس إرشاد.
في باكستان، سار ضياءُ الحق في سياستِهِ الأوَّليَّةِ باتجاهينِ يكادانِ يكونانِ متناقضينِ: اتجاه بالتقرُّب إلى أمريكا، واتجاه إسلاميٌّ، فدعَّم المجاهدين الأفغانَ، وهذا ما كانت أمريكا راضيةً عنه ثأرًا لها من روسيا التي دعَّمت الفيتناميين ضِدَّها، ثم إنَّ ضياء الحق في أواخر أيَّامه بدَت رغبتُه في تطبيق الشريعة، حيث أخذ يُصرِّح مُتسائِلًا: بماذا يُجيب اللهَ يوم القيامة، إذا سأله عن عدم تطبيقه للشريعة، وأخَذ يعمل لذلك، وقرَّر إجراء استفتاء عام 1990م ليعرف ثقة الشعب وتجاوبَهُ السياسيَّ، ولكن هذا ما لا يرضي أمريكا، وخاصَّة أن أزمة أفغانستان انتهت، فعرضت أمريكا على ضياء الحق شِراءَ دبَّابات أمريكية وأحضرَتْها لباكستان لرؤيتها، ومعرفة مزاياها على أرض الواقع، وتحدَّد الموعد وكان سِرِّيًّا جِدًّا، فخرَجَ الرئيسُ ضياء الحق، ومعه السفير الأمريكي في باكستان، والمُلحَق الأمريكي لشؤون الدفاع، والخبيرُ بسلاح الصواريخ، ولم يخطُرْ ببال ضياء الحق أيُّ مكيدةٍ بما أنه برُفقة هَذينِ الأمريكيَّينِ، ثم بعد انتهاء العُروض استقلُّوا الطائرةَ التي ستتوجَّه إلى مطار راولبندي، وما إن أقلعتِ الطائرةُ حتى سقطت مُنفجرةً محترقةً بمن فيها، وذلك في 5 محرم 1409هـ / 17 آب 1988م وكان المتهمون كُثُرًا، فالرُّوس، والهنودُ، والأفغانُ الشيوعيُّون بسبب مُساعدة ضياء الحق للأفغانِ، وإيرانُ بسبب الخلاف في تطبيق الإسلام، أو الشيعة وخاصَّة بعد مقتل عارف حسين الحُسَيني رئيس حركة تنفيذ الفقه الجعفري في باكستان، واليهودُ بسبب مواقف ضياء الحق ضدَّ دولتِهم، والباكستانيُّون العسكريُّون الذين يُريدون السُّلطة، وأمريكا، ثم وحسب الدُّستور الباكستاني تسلَّم الرئاسة رئيسُ الجمعيَّةِ الوطنيَّةِ غلام إسحاق غلام.
كانت الجزائر ولا زالت متأثِّرةً بالاستعمار، ولم تكُنْ فيها الحرية الكافية؛ ليظهَر الشعب رجالًا ونساءً بالمظاهر الإسلامية، فانطلقت مظاهراتٌ كُبْرى مطالِبةً بالحريَّات، وفي 24 صفر 1409هـ - 5تشرين الأول 1988م سمحت الحكومةُ الجزائريةُ بشيء من الحرية، فأخذَت المظاهرُ الإسلامية تظهَر، وخاصةً لدَى النِّساء، فوصَمَها الغرب، وخاصةً فرنسا بالرجعيَّة والتخلُّف، فقامت ثُلَّة من النساء يُظهِرْنَ معارضتَهنَّ للتوجُّه الإسلامي، فخرجْنَ في مظاهرة وهنَّ سافراتٌ، وكنَّ بضع مئات، فأراد الشعبُ الجزائري أن يرُدَّ على هذه المظاهرة، فخرجت مظاهرةٌ نسائيَّة ضمَّت أكثرَ من مليون امرأةٍ بلباسِها المحتشِم ليُعرِّفْنَ العالَم أنهنَّ سيدات الجزائر لا تلكم السافرات، وكان هذا ممَّا خيَّب أمل الغرب بكل جهوده التي قضاها في البلاد دونَ حصاد، وفي صفر 1410هـ - أيلول 1989م أُعيد تشكيل الوزارة، وظهرت اتجاهات إسلاميَّة مثل: (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) برئاسة عباس مدني، ومعه علي بلحاج، و(جمعية الإرشاد والإصلاح) برئاسة محفوظ نحناح، و(الطلائع الإسلامية)، و(اتحاد العلماء الجزائريين).
في 15 نوفمبر 1988م، في اجتماع المجلس الوطني الفِلَسطيني في الجزائر، أُعلن قيامُ دولة فِلَسطين وَفْق قرار التقسيم الصادر من الأمم المتَّحِدة رقم 181، الإعلان يحدِّد قيام الدولة على قطاع غزَّة والضِّفة الغربية التي تخضع للاحتلال الإسرائيلي منذ 1967م، ثم أكَّدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وممثِّلو القوى الوطنية الفِلَسطينية برئاسة ياسر عرفات في عام 1993م على حقِّ القيادة الفِلَسطينيَّة في الإعلان عن قيام دولة فِلَسطين على كل الأراضي التى احتُلَّت عام 1967م، بما فيها القُدسُ الشرقيَّة عاصمةُ الدولة الفِلَسطينية المستقِلَّة وَفْق الشرعية الدولية، والاتفاقيَّات الموَقَّعة بين الطرَفَينِ الفِلَسطيني والإسرائيلي.
وُلد الشيخُ عبد الباسط بن محمد بن عبد الصمد بن سليم القارئُ المشهورُ سنةَ 1927م، بقرية المراعزة من عائلة كُرديَّة، بأرمنت-قنا بجنوبي صعيد مصر، حفِظ القرآنَ الكريم على يد الشيخ محمد الأمير شيخ كُتَّاب قريته، وأخذ القراءات على يد الشيخ المتقِن محمد سليم حمادة، دخل الإذاعة المصرية سنةَ 1951م، وكانت أول تلاواته من سورة فاطر، عُيِّن قارئًا لمسجد الإمام الشافعي سنةَ 1952م، ثم لمسجد الإمام الحُسين سنةَ 1985م خلفًا للشيخ محمود علي البنا، وترك للإذاعة ثروةً من التسجيلات إلى جانب المصحَفَيْنِ المرتَّلِ والمجَوَّدِ، وجاب بلاد العالَم سفيرًا لكتاب الله، وكان أوَّلَ نقيبٍ لقرَّاء مصر سنةَ 1984م، تُوفيَ -رحمه الله- في يوم الأربعاء 21 من ربيع الآخر سنةَ 1409م.
دخلت روسيا إلى أفغانستان بصورة عسكريَّةٍ احتلاليَّة في صفر 1400هـ / ديسمبر 1979م، وبدأ التعسُّف، والتدميرُ، والتشريدُ، وبرَزت منظَّمة تحرير شعب أفغانستانَ (ساما) بقيادة ماجد كلاكاني، وظهرت جبهة التحرير الوطنية برئاسة أحمد الجيلاني، ثم تشكَّلت جَبهة المقاوَمة الجديدة من ستِّ مجموعاتٍ، معَ وجود بعض الخلافات التي كانت بين مدٍّ وجزرٍ؛ وذلك لأنَّ المنظِّمات الشِّيعية متعدِّدةٌ، وتتركَّز في طِهْرانَ، وتأخذ مَنْحًى يختلِف عن المَنْحى الذي تَسيرُ عليه منظَّمات الجهاد، وتسير حسَبَ السياسة الإيرانية، بالإضافة إلى أن بعضَ هذه المنظَّمات وطنيَّةٌ أكثر منها إسلاميَّة، وقد كانت المنظَّمات الكُبرى الإسلامية - كالحزب الإسلامي، والاتحاد الإسلامي، والجمعية الإسلامية- هي صاحبةُ القوَّة والتأييد الشعبي، ومعَ ذلك، فإن الخلاف والانقسام بينها لا يكاد ينتهي، وذهب بسببه ضحايا، ومع ذلك فقد كان المجاهِدون يُكبِّدونَ الروسَ من الخسائر ما لم يتوقَّعوه أبدًا، ولم تستطِعْ روسيا أنْ تُحقِّق ما كانت تأمُله، وفشِلَت في تحقيق أهدافها، بل خسِرَت وفقَدَت أكثرَ من ثلاثة عشَرَ ألفَ جنديٍّ، وأضعافَهم من الجَرحى، بالإضافة إلى العَتاد، رغم استعمالهم للإبادة الكاملة للقُرى، واستخدامهم الأسلحةَ المحرمَّةَ دوليًّا من غازاتٍ سامَّةٍ، وقنابلَ مُحرقةٍ، وأسلحةٍ فتَّاكةٍ، وفي 29 رمضان 1408هـ / عام 1988م تمَّ توقيعُ اتِّفاقيَّة بَدء الانسحاب الروسي، وانتَهى في 10 رجب 1409هـ.
طابا هي آخِرُ النقاط العُمرانيَّة المصريَّة على خليج العَقَبة، وهي ذاتُ أهميَّة إستراتيجيَّة وسياحيَّة كبيرة. وتبعُدُ عن مدينة شرمِ الشيخِ حوالَيْ 240 كم باتجاه الشمالِ، وتُجاوِرُها مدينة إيلات الإسرائيليَّة، وتمثِّل المِنطقة الواقعة بين طابا شمالًا وشرم الشيخ جنوبًا أهمَّ مناطق الجَذْب والتنمية السياحية بجنوب شبهِ جزيرة سيناءَ، ولطابا أهميَّةٌ أُخْرى في التاريخ المصري أشهَرُها حادثةُ طابا عام 1906م، عندما حدَثَ خلافٌ بين مصرَ والدولة العُثمانيَّة على تَعْيين الحدود بين مصرَ وفِلَسطينَ التي كانت تابعةً للدولة العثمانية، وانتهى الأمرُ باتِّفاق لرسْمِ الحدود من طابا إلى رفحَ، وتَمَّ تَعْيين علامات الحدودِ، وعند تطبيق مُعاهَدة السلام المصريَّة - الإسرائيليَّة حدَثَ خلافٌ على تَعْيين مكان بعض علامات الحدود التي تلاشَتْ، وحاوَلَ الإسرائيليونَ تَحريكَ بعضِ هذه العلامات داخلَ الأرض المصريَّة للاستيلاء على طابا؛ لذلك اتَّفَق الطرَفانِ مصرُ وإسرائيلُ على مبدأِ التحكيم، وفي 29 سبتمبر 1988م أصدرَتْ هيئةُ التحكيم الدولية التي انعقَدَت في جنيفَ حُكمَها لصالح الموقِعِ المصريِّ لتَعْيينِ موقِعِ علامةِ الحدودِ، وفي 19 مارس 1989م، استعادَت مصرُ مِنطقةَ طابا، وعادت إلى سيادتها.
وقعَتْ أزمةٌ بين موريتانيا والسنغال، بسبب الزُّنوجِ في الصحْراءِ المتاخِمة للبلَدَينِ، فقد قُتِلَ اثنانِ من السنغاليِّينَ في قريةٍ على الحدود في الجنوب الشرقي من موريتانيا على يدِ رُعاةٍ موريتانيِّينَ من الزُّنوج، وقام وزيرُ الداخليَّةِ السنغاليِّ بزيارة موريتانيا، وقابَلَ الرئيس، وأعلَنَ الوزيرُ أنَّ الأمر مُبَيَّتٌ، ولن تَسكُتِ السنغالُ، فقام في اليوم التالي السنغاليُّونَ بمظاهَراتٍ في البلدة القريبة من الحادث، وهاجموا محلاتِ الموريتانيِّينَ، ونهبوها، ثم حَرَقوها، وقَتَلوا مَنِ استطاعوا قَتلَه منهم، ومَثَّلوا بجُثَثِهم، وعمَّتِ المظاهَراتُ أجزاءَ السنغال، وفعَلوا كما فعَلَ إخوانُهم في تلك القرية، وهرَبَ مَنِ استطاع الهربَ منَ الموريتانيِّينَ إلى المساجِدِ، أو القُنْصليَّة التي لم تَسلَمْ كذلك من الهجومِ، وتَعرَّضَ ما يُقارِبُ من نصف مليون موريتانيٍّ في السنغال للأذى، ثم في 19 رمضان انفجَرَ الوضْعُ في موريتانيا على ما فعَلَه السنغاليون في بلادهم، فهاجموا الرعايا السنغاليِّينَ في موريتانيا، وقاموا بنفس ما قام به السنغاليُّونَ بإخوانِهم الموريتانيِّينَ، ثم سَيْطَرت الحكومةُ على الوضع، وأُعلن منعُ التجوُّلِ، وجُمِعَ السنغاليُّونَ في المساجِدِ والمعارضِ، وشُدِّدت عليهم الرقابةُ، ثم عاد الأمر، وتفجَّرَ في السنغال في 24 رمضان، وأخذ القتلُ يلحَق بالموريتانيِّينَ حتى أَعلنت الدولةُ حالةَ الطوارئِ، ثم تمَّ الاتفاق على نقلِ رَعايا كل بلدٍ إلى بلدِه، فنُقِلَ أكثرُ من مِئَتَيْ ألف موريتانيٍّ من السنغال، ومئةُ ألفِ سِنغاليٍّ من موريتانيا.
الخُميني قائدُ الثورة الإيرانيَّة، ومُنشئُ الحُكومة الإسلاميَّة الشيعيَّة التي أسْقَطَت حُكمَ الشاهِ، وصاحبُ نظريَّة (وِلايةُ الفَقيهِ)، واسمُه بالكامل رُوحُ اللهِ بنُ مصطفى موسَوي، وُلد في 29 جمادى الأولى سنةَ 1318هـ 24 سبتمبر 1900م، بقرية «خُمين» بإيرانَ، وكان أبوه من عُلماء الشيعةِ، وقد قُتل على يد أحد الإقطاعيِّينَ، والخُميني كان عمرُه سنةً واحدةً، فتكفَّلت أُمُّه برِعايته ورِعايةِ أخيه الأصغر «باسند»، ودفعت بهما لطريق العِلم الشيعي، ولمَّا تُوفيت أُمُّه وهو في الثامنةَ عَشْرةَ، انتقل هو وأخوه للإقامة قريبًا من مدينة «قُمَّ» الشهيرة، والتحق بالحوزة العلميَّة للشيخ عبد الكريم حيارى، وتدرَّج معه في العلوم الشيعيَّة وتخصَّص في الفلسفة والمنطِق؛ وعندما حاوَل الشاه إخضاعَ ثورةِ علماءِ الشيعةِ -وعلى رأسهم الخُميني- فأصدر قرارًا بأخذ بعض أملاك الحوزة الدينيَّة، ثار الخُميني، وألقى خُطبًا مُلتهِبةً أشعلت الأوضاع داخلَ إيرانَ، ووقعت مصادَماتٌ عنيفةٌ، راح ضحيتها الآلافُ، وذلك سنةَ 1384هـ، وبعدها تمَّ نَفيُ الخُميني، فانتقلَ أولًا إلى تُركيا، فلم يمكُثْ فيها أكثرَ من عام، ثم اتَّجَه سنةَ 1385ه إلى العراق، وأقام بالنجَف، ومن هناك قاد الخُميني الثورةَ والمعارَضة من خلال شرائط الخُطَب والدروس التي كانت تؤجِّج مشاعرَ الناس، وقد نجَح الخُميني في استغلال الظروف والحوادث لصالح ثورتِه، لكنْ تمَّ إبعادُه من العراق، وفي 6 أكتوبر 1978 غادَرَها إلى فرنسا، ومن هناك استأنَفَ قيادةَ الثورة ضدَّ الشاه حتى توَّج ثورتَه بالعودة لإيرانَ سنةَ 1399هـ، ودخل طِهرانَ دخولَ الفاتحين، وفرَّ الشاه من البلاد، وقد استقبَل الخُميني في المطار ستةُ ملايين إيرانيٍّ، وكان في الثمانين من العمرِ وقتَها، وأَعلنَ وقتَها قيامَ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنه لن يرشِّح نفسَه لرئاسة الجمهورية، بل سيظلُّ مُرشدًا للثورة، والمرجعيَّة الشيعيَّة الأولى لشيعة العالَم، ولكنَّه في نفس الوقت جعل في إدارة دفَّة الحُكم رجالًا من أخلَص أعوانه، يُنفِّذون سياساتِه وأفكارَه، وأخذ الخُميني في تطبيق مبدأ ولاية الفقيه، وأظهر تَعصُّبه الشديدَ للتشيُّع، وأَعلن أن أهل السُّنة ما هم إلا أقليَّة، ليس لهم أنْ يشتركوا في السُّلْطة، على الرغم من أن نسبتَهم كانت تزيدُ على 30% من إجمالي السكان، كما أظهَر الخُمينيُّ عزْمَه على نشْر مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية للدول المجاوِرة، وذلك بتشجيع الأقليَّات الشيعيَّة الموجودة بدول الخليج، وتبنَّى مواقفَ متشدِّدةً تجاهَ أمريكا وإسرائيل، وتشجيعَ الجهاد الفِلَسطيني، وإصدار فتاوى ضدَّ الملاحدة أمثال سلمان رشدي، وكان الخُميني ذا شخصيَّة استبداديَّة، لا يَسمَح بظهور أيِّ رجلٍ بجوارِه، فاصطَدَم معَ بني صدر رئيس الجمهورية وعزَلَه، وآية الله منتظري خليفته وعزَلَه، وكان الخُميني يَرى في نفسه العِصمةَ على اعتبار أنه نائبُ الإمام المعصوم الغائب، ولقد تعرَّض لعدَّة محاوَلات للاغتيال، ولكنَّه نجا منها جميعًا، حتى أتاه قَدَرُه المعلوم في 29 شوال 1409هـ.