أعلنت بريطانيا عام 1318هـ / 1900م قيام محمية نيجيريا الشمالية، وعَيَّنت مندوبًا ساميًّا مِن قِبَلها، وفي عام 1333هـ / 1914م جاء الحاكم الإنجليزي لوغارد، فحكم البلاد حكمًا ثنائيًّا بين نيجيريا الشمالية ونيجيريا الجنوبية، وجعل من الجنوبيةِ مُستعمَرةً، ومن الشمالية محميَّةً، وكانت تحاوِلُ أن تنصِّرَ عددًا من الناس يتسَلَّمون الحكم من بعدها، وقد برز قُبَيل الحرب العالمية الثانية ناندي أزيكوي الذي قدَّم أثناء الحرب العالمية الثانية مذكِّرةً للحكومة البريطانية يطالب فيها بتوحيد أجزاء نيجيريا كلِّها، وإنهاء الاستعمار، وتأسيس إدارة وطنية للحصول على الاستقلال، وبعد الحرب العالمية الثانية جرى تطور سريع في الحياة الدستورية؛ ففي عام 1365هـ / 1946م صدر دستور وحَّد القسمين، وأقام مجالسَ نيابية، وفي شوال 1376هـ / أيار 1957م قرَّر المجلس النيابي الاتحادي بالإجماع المطالبةَ باستقلال نيجيريا بعد عامين، واستقلَّ الإقليمُ الشمالي في رمضان 1378هـ / آذار 1959م. وفي رجب 1379هـ / كانون الثاني 1960م أثار رئيسُ الوزراء قضيةَ قرار الاستقلال مُطالبًا منحَ الاستقلال لنيجيريا في ربيع الثاني 1380هـ / تشرين الأول 1960م، واتُّخذ القرارُ بالإجماع، وهكذا أصبح اتحاد نيجيريا دولةً مستقلة ضمن رابطة الشعوب البريطانية، وبقيت الدولةُ تحت رئاسة بريطانيا، وعُيِّن ناندي حاكِمًا للبلاد، وفي ربيع الثاني 1383هـ / أيلول 1963م وافق المجلسُ النيابي النيجيري على دستور جمهوريٍ يُعلِن عن قيام جمهورية اتحادية ضمن رابطة الشُّعوب البريطانية.
في القرن الثامن الميلادي استوطن التجَّارُ العَرَبُ الساحِلَ الشرقي لأفريقيا، وفي القرن السادس عشر سيطر البرتغاليون على البلاد. وفي عام 1887م قامت شركة أفريقيا الشرقية باستئجار جزءٍ من أرض الساحل. وفي عام 1895م ادَّعت بريطانيا أحقيَّتَها في منطقة داخلية كبيرة أسمَتْها محميَّةَ شرق أفريقيا. في عام 1920م أصبحت محميَّةُ شرق أفريقيا تعرف باسم كينيا. وفي عام 1923م رفضت بريطانيا مطالَبةَ المستوطِنين البيض بالحكم الذاتي. في سنة 1944م تمَّ تأسيسُ الاتحاد الأفريقي الكيني للمطالبة بحقوق السُّكان الأفارقة، وفي سنة 1952م بدأت جمعية ماوماو بطرد المستوطِنين البيض من أراضي القبائل الأفريقية. في عام 1956م مُنِحَ الأفارقةُ حقًّا انتخابيًّا محدودًا، وفي عام 1960م أعلنت بريطانيا عن مشروعها لإعداد كينيا لحُكمِ الأغلبية الأفريقية. وفي سنة 1963م حقَّقت كينيا استقلالها، وتولَّى كينيانا رئاسةَ الوزارة، وفي عام 1964م أصبحت كينيا جمهوريةً. ثم في عام 1969م أصبحت كينيا دولةَ الحزب الواحد الذي هو حزبُ الاتحاد الوطني الأفريقي الكيني.
هو الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر بين سنة 1958 و1963م. ولِدَ في منية بني منصور، مركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة في مصر سنة 1893م. وحفظ القرآن الكريم وهو صغير، ونال إجازةَ العالمية سنة 1918م، وكان خطيبًا موهوبًا جهير الصوتِ. عُيِّن مدرسًا بالمعاهد، ثم بالقسمِ العالي، ثمَّ مدرِّسًا بأقسام التخصص، ثم وكيلًا لكلية الشريعة، ثم عضوًا في جماعة كبار العلماء، ثم شيخًا للأزهر، وكان أولَ حامل لِلَقَب الإمام الأكبر. نادى بتكوين مكتب عِلمي للردِّ على مفتريات أعداء الإسلام، وتنقية كتب الدين من البِدَع والضلالات، وكانت مقدِّمةً لإنشاءِ مجمع البحوث الإسلامية؛ سعى إلى إصلاح الأزهر فعارضه بعضُ كبار الشيوخ، له 26 مؤلَّفًا، منها: ((التفسير)) لم يتم، و ((القرآن والمرأة))، و ((القرآن والقتال))، و ((هذا هو الإسلام))، و ((عنصر الخلود في الإسلام))، و ((الإسلام والتكافل الاجتماعي))، و ((حكم الشريعة الإسلامية في تنظيم النسل))، و ((الإسلام عقيدة وشريعة))، و ((الإسلام والوجود الدولي)).. وغيرها.
انعقد مؤتمرُ القمة العربية الأوَّل لأعضاء دول الجامعة العربية في القاهرة ما بين 13 إلى 16 من الشهر الأول لعام 1964م، وترأَّسه الرئيسُ جمال عبد الناصر، وحضره الرئيس أحمد الشقيري مندوبًا عن فلسطين، وقد نتج عن هذا المؤتمر عدةُ قرارات، كان من أبرزها: إنشاءُ قيادة عسكرية عربية واحدة لحماية تنفيذ المشروعات العربية بشأن استغلال مياه نهر الأردن وروافده، وإنشاءُ كِيانٍ فلسطيني يجمع إرادةَ شعب فلسطين، ويقيم هيئةً تطالب بحقوقه، وتنشيطُ المجهود العربي الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية، وبناءً على تكليفٍ من مؤتمر القمة العربية الأول قام أحمد الشقيري بإجراء اتِّصالات مع الدُّول العربية والفعاليات والجمعيات والهيئات الفلسطينية، وقد أسفرت هذه الاتصالاتُ عن عَقْدِ المؤتمر الفلسطيني الأول في القدس بتاريخ 28 / 5 / 1964م.
هو عباس بن محمود بن إبراهيم بن مصطفى العقَّاد، الكاتب المشهور، إمامٌ في الأدب، من المكثرين كتابةً وتصنيفًا مع الإبداع. أصلُه من دمياط، انتقل أسلافُه إلى المحلة الكبرى، وكان أحدُهم يعمل في عقادة الحرير. فعُرِف بالعقَّاد. وعمل أبوه صرَّافًا في إسنا، فتزوج بكُردية من أسوان، ووُلِدَ عباسٌ في أسوان وتعلَّم في مدرستها الابتدائية. وشُغِف بالمطالعة. وسعى للرِّزق فكان موظفًا بالسكة الحديدية، ثم بوزارة الأوقاف بالقاهرة، ثم مُعَلِّمًا في بعض المدارس الأهلية. ثم انقطع إلى الكتابة في الصحف والتأليف، وأقبل الناسُ على ما ينشر. تعلَّمَ الإنجليزيةَ في صباه وأجادها، ثمَّ ألمَّ بالألمانية والفرنسية، وظلَّ اسمُه لامعًا مدة نصف قرن، أخرج في خلالها من تصنيفه 83 كتابًا، في أنواع مختلفة من الأدب الرفيع؛ منها كتاب ((عن الله))، و((عبقرية محمد))، و((عبقرية خالد))، و((عبقرية عمر))، و((عبقرية علي))، و((عبقرية الصِّدِّيق))، و((رَجْعة أبي العلاء))، و((الفصول))، و((مراجعات في الأدب والفنون))، و((ساعات بين الكتب))، و((ابن الرومي))، و((أبو نُواس))، و((سارة)) و((سعد زغلول))، وقد اشتهر بمعاركه الفكرية مع الدكتور زكي مبارك، والأديب مصطفى صادق الرافعي، والدكتور العراقي مصطفى جواد، والدكتورة عائشة عبد الرحمن ((بنت الشاطئ)). أسَّس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسةُ من أنصار التجديد في الشعر، والخروج به عن القالَب المعروف. ثم توفي رحمه الله.
أصدر العُلماء فتوى أيَّدها معظمُ أفراد الأسرة المالكة حول تسليمِ السلطة بأكملها للأمير فيصل، على أن يبقى الملكُ سعودٌ ملكًا للبلاد، وعلى إثْرِ هذه الفتوى أصدر مجلسُ الوزراء سلسلةً من القرارات تمَّ من خلالها تشكيلُ وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية.
في عام 1381هـ استقلَّت المنطقة الأولى من تنزانيا، وهي تانجانيقا، أمَّا المنطقة الثانية، وهي زنجبار، فقد كانت محميَّةً بريطانية منذ عام 1308هـ / 1890م وسلطانها عبد الله خليفة، ومعه مقيمٌ بريطاني يُعَدُّ هو المسيطرَ الفعليَّ والحاكمَ الرسمي، ثم أصبحت سلطنةً مستقلة عن الأسرة الحاكمة في عمان عام 1383هـ / 1963م، ثم لم يلبَثْ أن وَقَع انقلاب في زنجبار بتاريخ 27 شعبان 1383هـ / 12 كانون الثاني 1963م وأُزيحَ السلطان جلمشيد بن عبد الله، وأُعلِنَت الجمهورية، وأصبح عبيد كرومي رئيسًا للجمهورية، ثم في 11 ذي الحجة 1383هـ / 23 نيسان 1964م وقَّعت الحكومةُ مرسومًا مع تانجانيقا للاتحاد في دولة واحدة؛ حيث نشأت من الاتحاد دولةُ تنزانيا.
مُنظَمَّةٌ سياسية شِبهُ عسكرية معترَفٌ بها في الأمم المتحدة والجامعة العربية كمُمَثِّل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، ولتمثيل الفلسطينيين في المحافِلِ الدولية، وهي تضُمُّ معظمَ الفصائل والأحزاب الفلسطينية تحت لوائِها. ويُعدُّ رئيسُ اللجنة التنفيذية فيها رئيسًا لفلسطين والشعب الفلسطيني في الأراضي التي تسيطِرُ عليها السلطةُ الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى فلسطينيِّي الشَّتات. كان الهدفُ الرئيسي من إنشاء المنظمة هو تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلَّح، إلا أنَّ المنظمة تبنَّت فيما بعدُ فكرةَ إنشاء دولة ديمقراطية علمانية ضِمنَ حدودِ فلسطين الانتدابيَّة.
قام أحمد الشقيري مندوب فلسطين في الجامعة العربية بناءً على تكليفٍ من مؤتمر القمة العربية الأول في القاهرة بإجراء اتصالات مع الدول العربية والفعاليات والجمعيات والهيئات الفلسطينية، وقد أسفرت هذه الاتصالاتُ عن عقد المؤتمر الفلسطيني الأول في القدس بتاريخ 28 مايو، وصدرت عنه قرارات، أهمها:
1- قيامُ إسرائيل خَطَرٌ أساسي يجب دَفْعُه سياسيًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا.
2- إنشاءُ قيادة عربية موحَّدة لجيوش الدول العربية يبدأ تشكيلُها في كنف الجامعة العربية بالقاهرة.
3- إنشاء "هيئة استغلال مياه نهر الأردن" لها شخصيةٌ اعتبارية في إطار جامعة الدول العربية، مهمَّتُها تخطيطُ وتنسيقُ وملاحظة المشاريع الخاصة باستغلال مياه نهر الأردن.
4- إقامةُ قواعِدَ سليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني؛ لتمكينه من تحرير وطنه وتقرير مصيره. وتمَّ توكيل أحمد الشقيري أمرَ تنظيمِ الشعب الفلسطيني.
عُقِدَ مؤتمر القمَّة العربية الثاني لأعضاء جامعة الدول العربية "قمة الإسكندرية" في 11 مايو / أيلول 1964م بقصر المنتزَهْ بالإسكندرية، بحضورِ أربعة عشر قائدًا عربيًّا، وصدرَ عن المؤتمر بيانٌ ختامي تضمَّن مجموعةً من القراراتِ.
اجتمع العلماءُ في منزل مفتي الديار السعودية محمد بن إبراهيم آل الشيخ, ثمَّ عَقَدوا اجتماعًا مع الأمراءِ في فندق الصحراء بالرياض, ثم صادق مجلِسُ الوزراء على قرارين: فتوى العُلَماء بمبايعة ولي العهد الأمير فيصل مَلِكًا للبلاد, ورسالة وقَّعها جميعُ أفراد الأسرة المالكة تبايع الأميرَ فيصلًا ملكًا للبلاد. كما بايع الملِكَ الجديد أعضاءُ مجلس الشورى، وممثِّلو أهمِّ مناطق المملكة، ثمَّ توجَّه أعضاءُ الحكومة برئاسة الأمير خالد بن عبد العزيز إلى الملك سعود لإعلامِه بالقرارِ.
عُقِد مؤتمرُ القمة الثاني لحركة عدم الانحياز في القاهرة بين 5- 10 أكتوبر نوقِشَت فيه قضية فلسطين ضمن البند الخاص "بتحرير البلاد المستَعمَرة واستئصال الاستعمار بشكليه القديم والجديد، وكذلك الإمبريالية". وتقرَّر في النهاية إدانةُ السياسة الاستعمارية المتَّبَعة في الشرق الأوسط، و"تأييد استعادة حقوق الشعب الفلسطيني كاملةً في بلده، وحقُّه الثابت في تقرير المصير"، كما أعلن القادةُ المشاركون في هذه القمة تأييدَهم الكامِلَ للشَّعَب العربي الفلسطيني في نضالِه من أجل التحرُّر من الاستعمارِ والعُنصرية.
كانت غامبيا قطعةً صغيرة من السنغال لكِنَّها بَقِيَت تحت الحماية الإنجليزية، بينما باقي السنغال تحت الحماية الفرنسية، حصلت غامبيا على الاستقلال الذاتي وأصبحت دولةً مستقلَّةً ضِمنَ رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولث) في 17 شوال 1384هـ / 18 شباط، وأصبح الحكمُ جمهوريًّا فيها في محرم 1390هـ/ نيسان 1970م، وغالبية سكَّان غامبيا من المسلمين.
صدرت أوامِرُ مِن حكومة أيوب خان (سُنِّي) رئيس باكستان بحلِّ الجماعة الإسلامية، ومُصادرة أموالها، وكانت الحكومةُ مِن قبل شهرٍ قد صادرت مجلة ترجمان القرآن، التي كان يُصدِرُها أبو الأعلى المودودي، وزجَّت به مع أعضاءِ جماعته البارزين في السُّجون، وكان هذا قبل وقوعِ الحرب الثانية بين الهند وباكستان على كشمير.
هو مالكوم إكس بن أورلي ليتل، أو الحاج مالك شباز؛ من الشخصيات الأمريكية المسلِمة البارزة في منتصف القرن الماضي، كانت حياتُه سلسلةً من التحولات؛ حيث انتقل من قاع الجريمة والانحدار إلى تطرُّف الأفكار العنصرية، ثم إلى الإسلام. وُلِد مالكوم في 6 ذي القعدة 1343هـ/ 19 مايو 1925م، وكان أبوه "أورلي ليتل" قسيسًا أسود من أتباع "ماركوس كافي" الذي أنشأ جمعيةً بنيويورك ونادى بصفاء الجنس الأسود وعودته إلى أرض أجداده في أفريقيا. وكانت العنصرية في الولايات المتحدة على أشُدِّها في ذلك الوقت. كان أبوه حريصًا على اصطحابه معه إلى الكنيسة في مدينة "لانسينغ"؛ حيث كانت تعيشُ أسرته على ما يجمعه الأب من الكنائس، وكان يحضُرُ مع أبيه اجتماعاتِه السياسيةَ في "جمعية التقدُّم الزنجية" التي تكثر خلالها الشِّعاراتُ المعادية للبِيضِ، وكان الأبُ يختم هذه الاجتماعات بقوله: إلى الأمامِ أيها الجنس الجبَّار، بوُسعِك أن تحقِّقَ المعجزاتِ. وكان هو وعائلته الزنوجَ الوحيدين بالمدينة؛ لذا كان البِيضُ يُطلِقون عليه الزِّنجيَّ أو الأسودَ، حتى ظنَّ مالكوم أن هذه الصفات جزءٌ من اسمِه، وفي عام 1931م وُجِد والده مقتولًا عند سكة القطار، فاتهمت عائلتُه مجموعةً من البِيض العُنصريين، وفي عام 1938م دخلت والدته المصحَّة العقلية بسبب معاناتها بعد فَقْدِ زوجها. قصد مالكوم بوسطن بعد انتهاء المرحلة الثانوية، وأخذته الحياةُ في مجرًى جديد؛ حيث أُصيب بنوع من الانبهار في المدينة الجميلة، وهناك انغمس في حياة اللهو والمجون. ألقت الشرطةُ القبضَ عليه وحُكِم عليه سنة 1946م بالسجن عشر سنوات، فدخل سجن "تشارلز تاون" العتيق، وكانت قضبانُ السجن ذات ألمٍ رهيب على نفس مالكوم؛ لذا كان عنيدًا يسُبُّ حرَّاسه، فيُحبَس حبسًا انفراديًّا، وتعلَّم من الحبس الانفرادي أن يكون ذا إرادة قويَّة يستطيع من خلالها التخلِّيَ عن كثير من عاداته، وفي عام 1947م تأثَّر بأحد السجناء ويُدعى "بيمبي" الذي كان يتكلَّم عن الدين والعدل، فزعزع بكلامِه ذلك الكفرَ والشَّكَّ من نفس مالكوم، وكان بيمبي يقول للسجناء: إنَّ مَن خارجَ السجن ليسوا بأفضَلَ منهم، وإنَّ الفارق بينهم وبين من في الخارج أنهم لم يقعوا في يد العدالةِ بَعدُ! ونصحه بيمبي أن يتعلَّم، فتردَّد مالكوم على مكتبة السجن وتعلم اللاتينية. وفي عام 1948م انتقل إلى سجن كونكورد، وكتب إليه أخوه "فيلبيرت" أنَّه اهتدى إلى الدِّينِ الطبيعي للرجل الأسود (الإسلام)، ونصَحَه ألا يدخِّن، وألا يأكُلَ لحم الخنزير، وامتثل مالكوم لِنُصح أخيه، ثم عَلِمَ أن إخوته جميعًا في دترويت وشيكاغو قد اهتَدَوا إلى الإسلام، وأنهم يتمنَّونَ أن يُسلِم مثلهم، ووجد في نفسه استعدادًا فِطريًّا للإسلام، ثم انتقل مالكوم إلى سجن "ينورفولك"، وهو سجنٌ مُخَفَّف في عقوباته، ويقع في الريف، ويحاضِرُ فيه بعض أساتذة الجامعة من هارفارد وبوسطن، وبه مكتبةٌ ضخمة تحوي عشرة آلاف مجلد قديم ونادر. أسلم مالكوم في السجن، وكان سبيلُه الأوَّلُ هو الاعترافَ بالذنب، ورأى أنَّه على قَدْرِ زَلَّته تكونُ توبته. وبدأ يراسِلُ كلَّ أصدقائه القدامى في الإجرام ليدعوَهم إلى الإسلام، وفي أثناء ذلك بدأ في تثقيفِ نَفسه، وبدا السجن له كأنَّه واحةٌ أو مرحلةُ اعتكافٍ علمي. خرج مالكوم من السجن سنة 1952م وذهب إلى أخيه في دترويت، وهناك تعلَّم الفاتحة وذهب إلى المسجد، وتأثَّر بأخلاق المسلمين. والتقى بالداعية إليجا محمد، وانضمَّ إلى حركة أمة الإسلام، وتبنى دعوةَ إليجا في استخدام العنف في حلِّ المشكلة العُنصرية بين السُّود والبيض في أمريكا، فبدأ يدعو الشبابَ الأسود إلى هذه الحركة، فتأثر به كثيرون؛ لأنَّه كان خطيبًا مفوَّهًا ذا حماس شديد، فذاع صيتُه حتى أصبح في فترة وجيزةٍ إمامًا ثابتًا في مسجد دترويت. وامتاز بأنه يخاطِبَ الناس باللُّغة التي يفهمونها: لغةِ العنف. وزار عددًا من المدن الكبرى، فاهتدى على يديه كثيرٌ من السود. التقى مالكوم بمارتن لوثر كينغ (نصراني وزعيم أمريكي من أصول إفريقية) يدعو إلى التفاهم مع البيض والتعايش السِّلمي ونبذ العنف، وإنهاء التمييز العنصري ضِدَّ السُّود, فاختلف معه مالكوم وهاجمه في أكثرَ من مناسبة، إلا أن مالكوم إكس أخيرًا تأثَّر بفكرة لوثر تجاه العنف وتحوَّل إلى فكرة التفاهم والتعايش مع البِيض؛ ولذلك اختلف مع إليجا، وعندما طُرد من حركة أمة الإسلام؛ بسبب مخالفته لتوجيهات إليجا في الموقف من اغتيال كندي، وقرَّر أداءَ فريضة الحج في عام 1964م، وزار العالمَ الإسلاميَّ ورأى في الطائرة التي أقلعت به من القاهرة للحَجِّ أنَّ بها ألوانًا مختلفةً من الحجيج، وأنَّ الإسلامَ ليس دينَ الرجلِ الأسودِ فقط، بل هو دينُ الإنسان. وتأثَّر مالكوم بمشهد الكعبة المشرَّفة وأصوات التلبية، وبساطة وإخاء المسلمين؛ يقول في ذلك: "في حياتي لم أشهَدْ أصدَقَ من هذا الإخاء بين أناسٍ من جميع الألوان والأجناس، إنَّ أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام؛ لأنَّه الدين الوحيد الذي يملك حلَّ مشكلة العنصرية فيها"، وقضى 12 يومًا جالسًا مع المسلمين في الحج، ورأى أنَّ الناس متساوون أمام الله بعيدًا عن سرطان العنصرية. وغيَّر مالكوم اسمَه إلى الحاج مالك شباز، وغادر مالكوم جدة في إبريل 1964م، وزار عددًا من الدول العربية والإفريقية، ورأى في أسبوعين ما لم يرَه في 39 عامًا، وخرج بمعادلة صحيحة هي: "إدانةُ كلِّ البِيض = إدانة كلِّ السُّود". وصاغ بعد عودته أفكارًا جديدة تدعو إلى الإسلام الصحيح؛ الإسلام اللاعُنصري، وأخذ يدعو إليه، ودعا إلى التعايش بين البِيض والسود، وأسَّس منظمةَ الاتحاد الإفريقي الأمريكي. وفي إحدى محاضراته يوم الأحد (18 شوال 1384هـ / 21 فبراير 1965م) صعد مالكوم ليلقيَ محاضرته، ونشبت مشاجرةٌ في الصف التاسع بين اثنين من الحضور، فالتفت الناسُ إليهم، وفي ذات الوقت أطلق ثلاثةُ أشخاصٍ من الصف الأول 16 رصاصةً على صدر مالكوم إكس، فتدفَّق منه الدمُ بغزارة، وفارق الحياةَ!.