أثناء معركة هليوبوليس كان فريقٌ مِن جيش الصدر الأعظم وبعضِ عناصر المماليك قد تسلَّلوا إلى داخِلِ القاهرة وأثاروا أهلَها على الفرنسيين، فكانت ثورةُ القاهرة الثالثة التي استمَرَّت مدة شهر تقريبًا، ولم يستطع كليبر إخماد الثورة إلَّا بعد التجائه إلى العنف، فدَكَّ القاهرة بالمدافع من كلِّ جانب، وشدَّد الضربَ على حي بولاق، حيث تركَّزت الثورة، فاندلعت ألسنة النيران في كل مكانٍ منه، والتهمت الحرائقُ عددًا كبيرًا من المحلَّات والخانات، فلم يجِدْ سكان بولاق مفرًّا من التسليم، وتلاهم سكان الأحياء الأخرى، وتولى مشايخُ الأزهر الوساطةَ وأخذوا من كليبر العفوَ الشامِلَ والأمان، ولكِنَّه ما لَبِث أن غدر بالمسلمين بعد أن خُمدت الثورة، وكان اقتصاصُه منهم رهيبًا شديدًا، فأعدم بعضَهم وفرضَ غرامات فادحةً على كثير من العلماء والأعيان، كما فرض المغارمَ على أهل القاهرة جميعًا، ولم يستثنِ منهم الطبقات الشعبية الكادحة، وعَهِد كليبر إلى المعلم "يعقوب" أن يفعل بالمسلمين ما يشاء، وممَّا يُذكَر أن بطريرك الأقباط لم يقرَّ يعقوب على تصرُّفاته، وكثيرًا ما بذل له النصحَ بالعدول عن خطته، ولكنَّ يعقوب كان يُغلِظُ له القول، وكان يدخل الكنيسة راكبًا جوادَه ورافعًا سلاحَه، ولم يزدَدْ إلا إمعانًا في تأييدِ الفرنسيين.
كان الفرنسيون أصحابَ الحَقِّ في حماية النصارى في بيتِ المقدِسِ، ثمَّ استطاع الروسُ الحصولَ على هذا الحَقِّ أيام نابليون بونابرت، فلمَّا رجعت الدولةُ الفرنسية وأرادت إعادةَ حَقِّها اصطدمت مع روسيا، فكانت الدَّولة العثمانية قد ألَّفت لجنةً مِن رجال الكنائِسِ على اختلافِ مذاهِبِهم فأيَّدوا فرنسا فهدَّد الروسُ بالحربِ وأرادوا إعادةَ معاهدة خونكار أسكله سي، وحاولت الاستعانةَ بإنكلترا وفرنسا اللتين رفضتا ذلك، وألغى السلطانُ عبد المجيد الأول امتيازَ الروس بحماية النصارى في الدولة العثمانية، وأعاد إلى الصدارةِ العظمى مصطفى رشيد باشا المعروف بعدائِه للروس، فقامت روسيا باحتلالِ الأفلاق والبغدان، وقامت الحرب بين الروس والعثمانيين ولكِنَّ إنكلترا وفرنسا حاولتا التوسُّطَ، ولكن لم تنفَعْ كلُّ محاولات الصلح فوقفَتَا بجانب الدولة العثمانية خوفًا على مصالحهما فعقدتا اتفاقًا لمساعدة العثمانيين ومَنْع الروس من احتلال أيِّ جزء من الأراضي العثمانية، فأوقَفوا الهجومَ الروسي في بلاد القرم عند نهر ألما، فاضطرت روسيا إلى الرجوعِ عن بعض المناطق التي احتلَّتْها لَمَّا رأت الإمداداتِ تتوالى على الدولةِ العثمانية، وعُقِدت بعدها معاهدةُ باريس.
كان محمود المعروف أحدَ زعماء الأكراد الذين برَزوا في السليمانية، وكانت له شعبيةٌ واسعة، وعندما انسحب العثمانيون من العراق لصالح الإنجليز أراد القائدُ العثماني أن يستفيدَ من محمود ونفوذه، فأمَدَّه بالمال وترك له فوجًا يتصرَّفُ بإمرته، والإنجليز لم يكونوا وصلوا للسليمانية، ولما رأى محمود أن القوةَ أصبحت للإنجليز لا للعثمانيين أراد الاتصالَ بهم، فكتب إلى وِلْسن القائد الإنجليزي في كركوك، وطلب منه أن يشكِّلَ حكومةً في السليمانية برئاسته وتكون تابعةً لتوجيه الإنجليز، فوافق على ذلك الإنجليز وعُيِّن محمود حاكمًا على السليمانية براتبٍ معيَّن، ومعه مستشار عسكري هو النقيب دانليس، ولكِنَّ الحكومة الإنجليزية تعرِفُ أنَّه مجرَّد تابع، فتصرفت كما شاءت لا كما شاء هو، ونظرت لمصالحها لا لمصالحه، فأعلن محمود سيطرتَه على السليمانية واحتلَّها وأخذ الضباط الإنجليز أسرى، وجعل لنفسه علمًا خاصًّا هو الهلالُ الأحمر على الأرضية الخضراء، وعمل طوابِعَ بريدية خاصة، وهاجم الجيشَ المرابط في مضيق طاسلوجه وسيطر على المنطقة، لكِنَّ الإنجليز سيَّروا له فرقةً فحاصرته في مضيق دربند بمعاونة بعضِ الزعماء الأكراد، فاستطاعت القبض عليه وقُدِّمَ للمحكمة التي حكَمَت عليه بالقتل، ثم خفِّفَ للمؤبَّدِ، ونفِيَ إلى الهند.
رفضَ السلطانُ عبد الحميد الثاني اقتراحًا من "تيودور هرتزل" مؤسِّس الحركة الصهيونية بإنشاء جامعة يهودية في القدس. وهرتزل يهوديٌّ نمساوي رأَسَ أوَّلَ مؤتمر صهيوني في بازل بسويسرا عام 1879م. يقول السلطان عبد الحميد: "لليهودِ قُوَّةٌ في أوروبا أكثَر مِن قوَّتِهم في الشرق؛ لهذا فان أكثَرَ الدول الأوربية تحبِّذُ هجرة اليهود إلى فلسطين؛ لتتخَلَّصَ من العِرق السامي الذي زاد كثيرًا، ولكنْ لدينا عددٌ كاف من اليهود، فإذا كنَّا نريد أن يبقى العنصرُ العربيُّ متفوقًا، فعلينا أن نصرِفَ النظرَ عن فكرةِ توطين المهاجرين في فلسطين، وإلَّا فإن اليهودَ إذا استوطنوا أرضًا تملَّكوا كافة قدراتِها خلال وقتٍ قصيرٍ، وبذا نكون قد حكَمْنا على إخواننا في الدينِ بالموتِ المحتَّم، لن يستطيعَ رئيس الصهاينة (هرتزل) أن يقنِعَني بأفكارِه، وقد يكونُ قوله: (ستُحَلُّ المشكلةُ اليهودية يوم يقوى فيه اليهوديُّ على قيادة محراثِه بيده) صحيحًا في رأيه أنه يسعى لتأمينِ أرض لإخوانه اليهودِ، لكنه ينسى أن الذكاءَ ليس كافيًا لحل جميعِ المشاكِلِ، لن يكتفي الصهاينةُ بممارسة الأعمال الزراعية في فلسطين، بل يريدون أمورًا أخرى، مثل: تشكيل حكومة، وانتخاب ممثِّلين. إنَّني أدرك أطماعَهم جيدًا، لكنَّ اليهود سطحيُّون في ظنِّهم أنني سأقبَلُ بمحاولاتهم، وكما أنني أقدِّرُ في رعايانا من اليهود خِدْماتهم لدى الباب العالي، فإني أعادي أمانيَّهم وأطماعَهم في فلسطين" انتهى كلامه رحمه الله، فصار هرتزل دائمًا يبعث على لسانِ كلِّ مؤتمر يهودي برقيةً للسلطان عبد الحميد يحيِّيه فيها ويؤكِّدُ له ولاء اليهود باعتبارِهم من رعاياه، وكان يعلَمُ حَقَّ العلم أنه لا وزنَ له ولا لليهودِ عند عبد الحميد، فرأى هرتزل دعْمَ مركزه عن طريق تبنِّي دولة أوربية كبرى تقبَلُ الضغط على السلطانِ من أجل الإذن لليهودِ بإقامة وطنٍ لهم في فلسطين، فراسل مسؤولين إنجليزًا يطلُبُ منهم تبنِّي فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
بعدَ أن انتهى عبدُ الله بن أبي السَّرْحِ مِن قِتالِ الرُّومِ في المغربِ مع ابنِ الزُّبيرِ عاد إلى النُّوبةِ التي كانت هَدَّدَتْ مِصْرَ مِن الجَنوبِ فغَزاهُم مِن جديدٍ، بعدَ أن كان غَزاهُم قَبلَه عَمرُو بن العاصِ، فقاتَل أهلَها قِتالًا شديدًا؛ ولكنَّه لم يَتَمَكَّنَ مِن الفَتْحِ فَهَادَنَ أهلَها وعقَد معهم الصُّلْحَ، وكان فيها بعضُ المُبادلاتِ الاقتِصادِيَّة.
وَلَّى مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان عُبيدَ الله بن زيادٍ على خُراسان فبلَغ بِيكَنْد وأَرْغَم خاتون أَميرَةَ بُخارى على الصُّلْحِ؛ ولكنَّها اسْتَنجدَت بالتُّرْكِ فأرسلوا جيشًا أَلْحَقَ به المسلمون الهَزيمةَ، فأُرْغِمت على طَلَبِ الصُّلْحِ، وكان مُعاوِيَةُ قد وَلَّى سعيدَ بن عُثمان بن عفَّان إمارةَ خُراسان بَدَل عُبيدِ الله فدخَل الجيشُ بُخارى بقِيادَتِه.
امتنع أميرُ البوسنة من أداء الجزية المتعاهَد عليها للدولة العثمانية، فسار إليه السلطان محمد الفاتح بجيشه وانتصر عليه، فضمَّ بذلك بلاد البوسنة إلى الدولة العثمانية، وحاول ملك المجر مساعدةَ أهل البوسنة البوشناق ضد العثمانيين ولكنه انهزم هو الآخر، ويُذكر أن كثيرًا من البوشناق اعتنقوا الإسلام، وانتشر في تلك البلاد الدين الإسلامي على يد العثمانيين.
قَدِمَ رئيس الدلم زيدُ بن زامل ومعه أناسٌ من أعيان قومِه على الإمام عبد العزيز في الدرعية فجأةً، فبايعوا على الإسلامِ والسمع والطاعة، والالتزام بإقامة الشريعة في بلادِهم، فطلب منه عبد العزيز أنواعًا من السلاح والخيل, فلما أرسله أخذ عبد العزيز البعضَ منه وردَّ له البعض الآخرَ ترغيبًا له وتأليفًا. لكنَّه نقض العهدَ في السنة التالية.
احتلَّ الجيش العثماني التاسع، الذي يقوده نوري باشا، مدينةَ باكو في أذربيجان أثناء الحربِ العالمية الأولى، وأعلن نوري باشا أن تَدخُّل قواتِه حدث بطلبٍ مِن الحكومة الأذربيجانية، وتمكَّن الجيشُ من الوصول إلى حدودِ بحر الخزر -بحر قزوين-، لكِنَّ هذا الوضع لم يستمرَّ طويلًا؛ فقد اضطرت القواتُ العثمانية إلى الانسحاب بموجِبِ معاهدةِ موندروس.
أنور إبراهيم هو زعيمُ ائتلافِ الأمَلِ، وهو تحالُفٌ من أحزابِ المعارضةِ في ماليزيا. وهو سياسيٌّ مُخضرَمٌ، شَغَل منصِبَ نائبِ رئيسِ الوزراءِ من 1993 إلى 1998، ووزيرِ الماليَّةِ من 1991 إلى 1998. وقد تعرَّض للسَّجنِ مرَّتين بتُهمةِ الفسادِ والسُّلوكِ المنافي للآدابِ، ولكِنَّه حُكِمَ عليه بالبراءةِ في كلتا الحالتينِ. ثم أصبح رئيسًا للوُزراءِ بعدَ حصولِه على ترشيحِ أغلبيَّةِ نوَّابِ البرلمانِ.
لمَّا انصرف النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الطَّائفِ راجعًا إلى مكَّة، حتَّى إذا كان بِنَخْلَةَ، قام من جوفِ اللَّيلِ يُصلِّي، فمَرَّ بهِ النَّفرُ مِنَ الجِنِّ الذين ذكَرهُم الله تعالى، وكانوا سَبعةَ نَفَرٍ من جِنِّ أهلِ نَصِيبِينَ، فاستمعوا لِتِلاوةِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا فرغ من صلاتهِ، وَلَّوْا إلى قَومهِم مُنذِرين، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمِعوا، وفيهِم نزل قولُه تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(31) وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (32)) [الأحقاف] وبعدَ عِدَّةِ أَشهُرٍ من لِقاءِ الوفدِ الأوَّلِ مِنَ الجِنِّ بِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم, جاء الوفدُ الثَّاني مُتشوِّقاً لِرُؤيةِ الحبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم, والاستماعِ إلى كلامِ رَبِّ العالمين.
هو أبو عبدِ الرَّحمن موسى بن عبدِ الرَّحمن بن زَيْدٍ اللَّخْمِيُّ، صاحِبُ فُتوحات الغَربِ، يُقالُ: إنَّه كان أَعْرَجًا. قِيلَ: أَصلُه مِن عَيْنِ التَّمْرِ، وقِيلَ: هو مَوْلًى لِبَنِي أُمَيَّة، وقِيلَ: لامْرَأَةٍ مِن لَخْمٍ وُلِدَ بِقَريَةِ كفرتُوثا مِن قُرَى الجَزيرَة, كان شُجاعًا مِقْدامًا جَوادًا، أَحَد قادَة الدَّولَة الأُمَويَّة، وَلَّاهُ مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان غَزْوَ البَحرِ، فغَزَا قُبْرُص وبَنَى بها حُصونًا ثمَّ غَزَا غَيرَها؛ وطالَت أيَّامُه وفَتَح الفُتوحات العَظيمَة بِبِلادِ المَغرِب، وغَنِمَ منها أَموالًا لا تُعَدُّ ولا تُوصَف، وله بها مَقامات مَشهورَة هائِلَة، واسْتَطاع أن يُنْهِي نَزَعات البَرْبَر المُتَوالِيَة للخُروج على حُكْم الأُمَويِّين. أَرسَلَ مَوْلاهُ طارِقَ بن زِياد لِفَتْحِ الأندَلُس،ثمَّ شارَكَهُ في إتمام فَتحِها, وهي بِلاد ذات مُدُن وقُرَى ورِيف، فسَبَى منها ومِن غَيرِها خَلْقًا كَثيرًا، وغَنِمَ أَموالًا جَزيلةً، مِن الذَّهَب والجَواهِر النَّفِيسَة والدَّوابِّ والغِلْمان والنِّساء الحِسان شَيْئًا لا يُحْصَى ولا يُعَدُّ، حتَّى قِيلَ: إنَّه لم يُسْبِ أَحَدٌ مِثلَه مِن الأعداء، وأَسلَم أَهلُ المَغرِب على يَديهِ، وبَثَّ فيهم الدِّينَ والقُرآنَ، وكان إذا سار إلى مَكانٍ تُحْمَل الأَموالُ معه على العَجَلِ لِكَثْرَتِها وعَجْزِ الدَّوابِّ عنها. كان موسى بن نُصَير هذا يَفتَح في بِلادِ المَغرِب، وقُتيبَة يَفتَح في بِلادِ المَشرِق، فجَزاهُما الله خيرًا، فكِلاهُما فَتَح مِن الأقاليم والبُلْدان شَيْئًا كَثيرًا.
في هذه السَّنةِ ردَّ القرامِطةُ الحجَرَ الأسودَ المكِّيَّ إلى مكانه في البيت، وقد كان القرامطةُ أخذوه في سنة 317، وكان مَلِكُهم إذ ذاك أبا طاهر سُليمانَ بن أبي سعيد الجَنَّابي- لعنه الله- ولَمَّا وقع هذا أعظمَ المُسلِمونَ ذلك، وقد بذل لهم الأميرُ بجكم التركي قبل هذا العامِ خمسينَ ألف دينارٍ على أن يردوه إلى موضِعِه فلم يفعلوا، وقالوا: نحن أخذناه بأمرٍ فلا نرُدُّه إلَّا بأمرِ مَن أخذناه بأمرِه، وكَذَبوا فإنَّ الله تعالى قال: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28]، فلما كان في هذا العام 339 حملوه إلى الكوفةِ وعَلَّقوه على الأسطوانةِ السابعة مِن جامِعِها لِيَراه الناس، وكتب أخو أبي طاهر كتابًا فيه: "إنَّا أخَذْنا هذا الحجَرَ بأمرٍ، وقد ردَدْناه بأمرِ مَن أمَرَنا بأخذِه؛ ليتِمَّ حَجُّ الناسِ ومناسِكُهم"، ثم أرسلوه إلى مكَّةَ بغير شيء على قَعودٍ، فوصل في ذي القَعدة من هذه السنة، ولله الحمدُ والمنَّة، وكان مدَّة مغايبته عند القرامطة ثنتين وعشرين سنة، ففرح المسلمون لذلك فرحًا شديدًا، قال ابن كثير: " وقد ذكرَ غيرُ واحد أنَّ القرامطة لما أخذوه حملوه على عِدَّةِ جمالٍ فعَطِبَت تحته واعترى أسنِمَتَها القَرحُ، ولَمَّا ردوه حمَلَه قَعودٌ واحِدٌ ولم يُصِبْه أذًى"
كان الأميرُ قودن صار في جملة الأمير قماج، فلما توفي قماج، والسلطان بمرو، فاستوحش قودن، وأظهر المرض، وتأخَّرَ بمروٍ بعد مسير السلطان بركيارق إلى العراق، وكان من جملة أمراء السلطان أمير اسمه اكنجي، وقد ولاه السلطان خوارزم، ولقَّبه خوارزمشاه، فجمع عساكِرَه وسار في عشرة آلاف فارس ليلحقَ السلطان، فسبق العسكر إلى مرو في ثلاثمائة فارس، وتشاغل بالشُّرب، فاتفق قودن وأمير آخر اسمه يارقطاش على قتله، فجمعا خمسمائة فارس وكبسوه وقتلوه، وساروا إلى خوارزم، وأظهروا أنَّ السلطان قد استعملهما عليها فتسلَّماها، وبلغ الخبر إلى السلطان، فأعاد أمير داذ حبشي بن التونتاق في جيش إلى خراسان لقتالهما، فسار إلى هراة، وأقام ينتظر اجتماعَ العساكر معه، فعاجلاه في خمسة عشر ألفًا، فعَلِمَ أمير داذ أنَّه لا طاقة له بهما، فعبَرَ جيحون، فسارا إليه، وتقدَّم يارقطاش ليلحقه قودن، فعاجله يارقطاش وحده وقاتله، فانهزم يارقطاش وأُخذ أسيرًا، وبلغ الخبر إلى قودن، فثار به عسكرُه، ونهبوا خزائنَه وما معه، فبقيَ في سبعة نفر، فهرب إلى بخارى، فقَبَض عليه صاحبُها، ثم أحسن إليه، وبقِيَ عنده، وسار من هناك إلى الملك سنجر ببلخ، فقَبِله أحسنَ قبول، وبذل له قودن أن يكفيَه أمورَه، ويقومَ بجمع العساكر على طاعته، فقُدِّرَ أنه مات عن قريبٍ، وأما يارقطاش فبقِيَ أسيرًا إلى أن قتل أمير داذ.
أفلحت الضغوطُ الفرنسيَّةُ في حملِ كلٍّ من ألمانيا والنمسا والمجر وأسبانيا وإيطاليا وهولندا وروسيا والإمبراطورية العثمانية وبريطانيا على توقيعِ معاهدةِ القُسطنطينية في 29 أكتوبر 1888م، والتي تقضي مادتُها الأولى بضمان حريةِ الملاحةِ في قناة السويس واستمرارِها في أوقات الحربِ والسِّلمِ، وكفالتِها لكلِّ سفينةٍ حربية أو تجارية أيًّا كان العَلَمُ الذي ترفعُه، واتِّفاق الأطراف السامية المتعاقِدَة بعدمِ التدخُّلِ بأيِّ شَكلٍ مِن الأشكال لعرقلة الملاحةِ في القناة. واتَّفَقت أطرافُ المعاهدةِ على الامتناعِ عن القيامِ بممارسةِ حقوق الحربِ، أو الدخولِ في أيِّ مواجهاتٍ عسكريةٍ أو أي عملٍ آخَرَ مِن شأنِه تعطيلُ الملاحةِ في القناة، أو المساسُ بسلامةِ مَوانيها، وعدم قيام المتحاربين في أوقات الحربِ باستخدامِ القناة وموانيها في إقلاع أو هبوط القواتِ وشَحنِ أو تفريغِ الذخائِرِ والموادِّ الحربيةِ، والتزام الأطراف السامية المتعاقدة بعدم السماحِ لأيِّ سفُنٍ حربية بالبقاءِ في القناةِ، وخَوَّلت المادتان 9، 10 مصرَ باتخاذ الإجراءاتِ اللازمة لتنفيذِ بنود هذه المعاهدةِ، وتأمين الدفاعِ عن مصر واستقرارِ النِّظام العامِّ فيها. ومع ذلك جاءت المادة 11 لتقرِّرَ بأنَّ هذه الإجراءات يجِبُ ألَّا تخِلَّ بحرية الملاحة في القناةِ، وقضت المعاهدةُ كذلك بأن تعتبر مبدأ المساواة ركنًا أساسيًّا من أركانِها، وبأنَّ الالتزاماتِ الواردةَ فيها لا تقيَّدُ بأجَلِ الالتزامِ الممنوح للشركة العالمية لقناة السويسِ البحريةِ.