الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 3515 ). زمن البحث بالثانية ( 0.012 )

العام الهجري : 590 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1194
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العالمُ العامِلُ، القُدوةُ سيد القراء: أبو محمد القاسم بن فيرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير، من طبقات الشافعية, ولد سنة 538 ببلدة شاطبة- وهي مدينة كبيرة بشرق الأندلس، خرج منها جماعة من العلماء- كان الشاطبي يتوقد ذكاءا، مع الورع والتقوى والتأله والوقار. وهو مصنِّف الشاطبية في القراءات السبع، فلم يُسبَق إليها ولا يُلحَق فيها، وفيها من الرموز كنوز لا يهتدي إليها إلا كلُّ ناقد بصير، هذا مع أنه ضرير. قال عنها ابن خلكان: " الشاطبي هو صاحب القصيدة التي سمَّاها حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات، وعِدَّتُها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتًا، ولقد أبدع فيها كل الإبداع، وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم؛ فقَلَّ مَن يشتَغِلُ بالقراءات إلا ويُقَدِّمُ حِفظَها ومعرفتها، وهي مشتَمِلةٌ على رموز عجيبة وإشارات خفية لطيفة، وما أظنُّه سُبِقَ إلى أسلوبها". وله قصيدة دالية في خمسمائة بيت مَن حَفِظَها أحاط علمًا بكتاب التمهيد لابن عبد البر. كما له الباعُ الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث. قرأ القرآن الكريم ببلده بالقراءات السبع على أبي عبد الله بن أبي العاص النفري، ورحل إلى بلنسية، فقرأ القراءات على أبي الحسن بن هذيل. وقراءة بالسبع على غيرهما, فقد كان عالِمًا بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرًا، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُبَرَّزًا فيه، وكان إذا قُرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تُصحَّحُ النسخُ من حفظه، ويُملي النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحدَ في علم النحو واللغة، عارفًا بعلم الرؤيا، حَسَن المقاصِدِ. كان دَيِّنًا خاشعًا ناسكًا كثير الوقار، لا يتكَلَّمُ فيما لا يعنيه. يجتَنِبُ فُضولَ الكلام ولا ينطقُ إلا على طهارةٍ في هيئةٍ حَسَنةٍ وتخَشُّع واستكانة، وكان يعتَلُّ العلةَ الشديدةَ فلا يشتكي ولا يتأوَّه. انتقل من بلده إلى مصر، قال السخاوي: "سببُ انتقاله من بلده أنَّه أريد على الخطابة، فاحتج بالحَجَّ، وترك بلده، ولم يعُدْ إليه تورُّعًا مما كانوا يُلزِمونَ الخُطَباء مِن ذِكرِهم الأمراءَ بأوصافٍ لم يَرَها سائغة، وصَبَرَ على فقرٍ شديد".  سمع بمصرَ من السِّلَفي، وولاه القاضي الفاضل مشيخة الإقراء بمدرسته في مصر، فأجاب على شروطٍ، فتصَدَّر وعَظُمَ شأنه، وبَعُدَ صِيتُه، وانتهت إليه رياسةُ الإقراء بمصر، وقد انتفع به وبعِلمِه خَلقٌ كثير. زار بيت المقدس وصام به شهر رمضان، ثم رجع إلى القاهرة، فكانت وفاتُه بها في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن بالقرافة بالقرب من التربة الفاضليَّة، وله أولاد رووا عنه، منهم أبو عبد الله محمد, وهذا الإمام الشاطبي صاحب الشاطبية يختلف عن الشاطبي صاحب المُوافقات الذي توفي سنة 970.

العام الهجري : 694 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1294
تفاصيل الحدث:

في ليلةِ الأربعاءِ حادي عشر المحرم اجتمع المماليكُ الأشرفيَّة وخرجوا إلى الاسطبلات التي تحت القلعةِ، وركبوا الخيولَ ونَهَبوا ما قَدَروا عليه، وداروا على خوشداشيتهم- زملاء المهنة- فأركبوهم ومَضَوا إلى باب سعادة من أبوابِ القاهرة فأحرَقوه، ودخلوا إلى دارِ الوزارة ليُخرِجوا مَن فيها من المماليك، فلم يوافِقوهم على ذلك فتَرَكوهم، وقَصَدوا سوق السلاح بالقاهرة، وفتَحوا الحوانيتَ وأخذوا السِّلاحَ، ومضوا إلى خزانةِ البنود وأخرَجوا من فيها من المماليك، وساروا إلى إسطبل السُّلطانِ ووقَفوا تحت القلعة، فركِبَ الأمراءُ الذين بالقلعةِ وقاتَلوهم، فلم يثبُتِ المماليكُ الأشرفيَّةُ وانهزموا وتفَرَّقوا، فقُبِضَ عليهم في القاهرة وضواحيها ولم يُفلِتْ منهم أحدٌ، فضُربت رقابُ بَعضِهم بباب القلعة، وقُطِعَت أيدي وأرجُلِ جماعةٍ منهم، وغُرِّقَ بَعضُهم، وفيهم من أُكحِلَ، وفيهم من قُطِعَت ألسِنَتُهم، ومنهم من صُلِبَ على باب زويلة، ومنهم من بَقِيَ، وفُرِّقَ بعضُهم على الأمراءِ وكانوا زيادةً على ثلاثِمائة مملوكٍ.

العام الهجري : 1234 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1818
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، آخِرُ أئمَّةِ الدولة السعودية الأولى، وآخِرُ حاكمٍ اتَّخَذ من الدرعية عاصمةً للدولة السعودية، وكان عبدُ الله بن سعود ذا سيرةٍ حسنةٍ مقيمًا للشرائع آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكرِ كثيرَ الصَّمتِ حَسَن السَّمتِ، باذِلَ العطاء موقِّرًا للعلماء، وكان صالحَ التدبير في مغازيه، ثبت في مواطِنِ اللقاء وهو أثبَتُ مِن أبيه في مصابرةِ الأعداء، وكانت سيرتُه في مغازيه وفي الدرعية في مجالس الدروس، وفي قضاء حوائجِ الناس وغير ذلك على سيرةِ أبيه سعود. بعد أن تمَّت المصالحةُ بينه وبين إبراهيم باشا بيومين على أن يسَلِّمَ نفسَه مقابِلَ حَقنِ دماءِ أهل الدرعية أمر الباشا إبراهيمُ الإمامَ عبدَ الله بن سعود أن يتجهَّز للمسير إلى السلطانِ، ثم أمر رشوان أغا ومن معه من العساكِرِ والدويدار ومن معه من العسكر أن يتجهَّزوا للمسير معه، ورحل عبدُ الله من الدرعية وليس معه من قومِه إلَّا ثلاثة رجال أو أربعة، وقابل في مِصرَ محمد علي باشا، ثم بعد يومين سافر إلى استانبول، حيث قُتِل هناك في آيا صوفيا بعد وصولِه بقليلٍ، ولم يفِ السُّلطانُ بوعودِه، ورجع إبراهيمُ من الجزيرة في الحادي والعشرين من صفر من عام 1235هـ بعد أن استمَرَّ حُكمُه أربعَ سنوات, ثم إنَّ إبراهيم باشا لم يفِ بشروط الصُّلحِ التي أعطاها لعبد الله مقابِلَ استسلامِه، وسَفَّره للسلطان، فبعد سفر الإمام إلى مصر استمرَّ الباشا وجنودُه في الدرعية لتخريبِها، ففَرَّق قواتِه في نواحي الدرعية لهَدمِ الأسوارِ والحُصونِ ومصادرة الأرزاق، ثم إحراقها وتدميرِها وقطْع نخيلها قبل المغادرة، وبعد مغادرة الباشا الدرعية خلى الجو لمحمد بن مشاري بن معمر، وكان من أغنياء الدرعية، فاستولى على أكثر مناطِقِها، فقدم مشاري بن سعود فتولَّى الحكمَ في سنة 1235هـ ثمَّ بعد عدةِ أشهرٍ قَبَض عليه ابنُ معمر وسَلَّمه للعثمانيين فقَتَلوه، وعاد هو لحكم الدرعيةِ.

العام الهجري : 788 العام الميلادي : 1386
تفاصيل الحدث:

حضر الشَّريفُ جماز بن هبة المدينةَ النبوية بحشده، فحاربه عليُّ بن عطية، وهزمه عنها.

العام الهجري : 1442 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 2021
تفاصيل الحدث:

وُلِدَ الدكتور أحمد زكي يماني في مكَّة المكرَّمة عام 1349هـ الموافق1930م، وحصل على بكالوريوس الحقوق من جامعة القاهرة في عام 1371هـ الموافق 1952م، وأكمل الدِّراساتِ العُليا في جامعتي نيويورك وهارفارد بالولاياتِ المتَّحِدة الأمريكيَّةِ.
وفي عام 1382هـ الموافق 1962م، عُيِّن وزيرًا للبترول في المملكة العربية السُّعوديةِ، واستمرَّ في منصبه قرابة 24 عامًا، وكان ممثِّلَ المملكةِ في منظَّمة الدُّوَلِ المصَدِّرة للنِّفطِ (أوبك).
توفي رحمه الله يوم الثلاثاء، في لندن عن عُمرٍ ناهز 90 عامًا، ودُفِنَ في مقابِرِ المُعَلَّاة بمكَّة.

العام الهجري : 808 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1406
تفاصيل الحدث:

الخليفةُ أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد أبي بكر ابن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، وكان عرض عليه الاستقلال بالأمر مرتين فأبى، وكان بويع بالخلافة بعهد من أبيه في سابع جمادى الآخرة سنة 763، وجعله الأمير أينبك البدري بن زكريا بن إبراهيم في ثالث عشرين صفر سنة تسع وسبعين، ثم أعيد في عشرين ربيع الأول، منها، وقبض عليه الظاهر برقوق في أول رجب سنة خمس وثمانين، وقيَّده وسجنه إلى أول جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين، ثم أفرج عنه. توفي المتوكل على الله في سابع عشرين شهر رجب. وفي يوم الاثنين أول شعبان استدعى السلطان الملك الناصر أبا الفضل العباس ولد الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد، وبايعه بالخلافة بعد موت أبيه، ولبس العباس التشريف، ولُقِّب بالمستعين بالله، ونزل إلى داره.

العام الهجري : 256 العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:

ظهر بمصرَ إنسانٌ عَلويٌّ ذُكِرَ أنَّه أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن طباطبا، وكان ظهورُه بين الرقة والإسكندرية، وسار إلى الصعيد، وكثُر أتباعه، وادَّعى الخلافة، فسَيَّرَ إليه أحمد بن طولون جيشًا فقاتلوه، وانهزم أصحابُه عنه، وثبت هو فقُتِل، وحُمِلَ رأسُه إلى مصر.

العام الهجري : 636 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1239
تفاصيل الحدث:

جهز الملك العادِلُ بن الملك الكامل جماعة من الأمراء، وعدة من العساكر بديار مصر لتأخذ دمشق، وقدَّم الملك العادل إلى الملك الجواد نائبِه على دمشق رسولًا بكتابٍ فيه أنَّه يعطيه قلعةَ الشوبك وبلادها، وثغرَ الإسكندرية، وأعمال البحيرة وقليوب، وعشر قرى من بلاد الجيزة بديار مصر، لينزِلَ عن نيابة السلطة بدمشق، ويحضُرَ إلى قلعة الجبل، ليعمَلَ برأيه في أمور الدولة، فلما وفى ذلك أوهمه نائبُه عماد الدين قلج من أنه متى دخل مصر قبض عليه الملك العادل، فامتنع من تسليم دمشق، فبَرَز الملك العادل من القاهرة يريد دمشق، آخر ذي الحجة، ونزل بلبيس، فخاف الملك الجواد، وعَلِمَ عَجْزَه عن مقاومة العادل، فبعث إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل صاحب حصن كيفا وديار بكر يطلبُ منه أن يتسَلَّمَ دمشق، ويعوِّضَه عنها سنجار والرقة وعانة، فوقع ذلك من الملك الصالح أحسَنَ مَوقِعٍ، وأجابه إليه، وزاده الجديدة، وحلف له على الوفاء، ورتَّب الملك الصالح ابنَه الملك المعظَّم توران شاه على بلاد الشرق، وألزمه بحصنِ كيفا، وأقام نوابًا بآمد وديار بكر، وسَلَّم حران والرها وجميع البلاد للخوارزمية الذين في خدمته، وطلب نجدةً من الأمير بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وكان قد صالحه فبعث إليه بدر الدين نجدةً، وسار الملك الصالح من الشرق يريد دمشقَ، فقطع الملك الجواد اسم الملك العادل من الخطبة، وخطب للملك الصالحِ نجم الدين أيوب، وضرب السكَّةَ باسمه، ودخل الصالحُ إلى دمشق في مستهَلِّ جمادى الأولى، ومعه الجواد بين يديه بالناشية، وقد نَدِمَ الجواد على ما كان منه، وأراد أن يستدرِكَ الفائت فلم يقدِرْ، وبعث الصالح إليه بردِّ أموال الناس إليهم، فأبى وسار، وكان قد وصل مع الصالح أيضًا الملك المظفَّر صاحب حماة، وقد تلقَّاه الجواد، فكان دخوله يومًا مشهودًا، فاستقَرَّ في قلعة دمشق، وخرج الجوادُ إلى بلاده، فكانت مدةُ نيابته دمشق عشرة أشهر وستة عشر يومًا، فلما استقَرَّ الملك الصالح بدمشق سار المظفر إلى حماة، وقدمت الخوارزمية، فنازلوا مدينةَ حمص وهو معهم مدةً ثَّم فارقوها بغير طائلٍ، وعادوا إلى بلادهم بالشَّرقِ، وفي أثناء ذلك تواترت رسلُ المظفَّر صاحب حماة إلى الملك الصالحِ يستحِثُّه على قصد حمص، وكتب الأمر من مصر يستدعيه إلى القاهرة، وتعِدُه بالقيام بتصَرُّفه، فبرز الملك الصالح من دمشق إلى البثنية، وكانت الخوارزميَّة، وصاحب حماة، على حصار حمص، فأرسل المجاهدُ أسد الدين شيركوه مالًا كثيرًا فرَّقه في الخوارزمية، فرحلوا عنه إلى الشرق، ورحل صاحِبُ حماة إلى حماة، وعاد الملك الصالحُ إلى دمشق طالبًا مصر، وخرج منها إلى الخربة وعيَّدَ بها عيدَ الفطر، وعسكَرَ تحت ثنية العقاب، وقد تحيَّرَ فلا يدري أيذهب إلى حمص أم إلى مصر، وما زال بمعسكره إلى أول شهر رمضان، فعاد إلى دمشق وتقَدَّمَ إلى الأمير حسام الدين أبي علي بن محمد بن أبي علي الهذباني، أن يرحَلَ بطائفة من العسكر إلى جينين، فرحل، ولم يزل هو تحت عقبة الكرسي، على بحيرة طبرية، إلى آخرِ رمضان، فلما وردت الأخبارُ بحركة الملك الصالح إلى القاهرة، خرج من أمراء مصرَ سبعة عشر أميرًا في عِدَّة كبيرة من أتباعهم وأجنادهم، وخلقٌ مِن مُقَدَّمي الحلقة والمماليك السلطانية، وساروا يريدون الملك الصالح بدمشق، واضطربت مصر اضطرابًا زائدًا، وخرج فخر القضاة بن بصاقة في الرِّسالة إلى الملك الصالح من الكرك عن الناصر داود بأنَّه في نصرة الملك الصالح ومعاونته، ويسألُه دمشق وجميعَ ما كان لأبيه، فلم تقَعْ موافقة على ذلك، فسار الناصر إلى الملك العادل، ونزل بدار الوزارة من القاهرة، ليعينَه على محاربة أخيه الملك الصالح، فقَدِمَ في ذي الحجة الصاحبُ محيي الدين بن الجوزي برسالة الخليفةِ إلى الملك الصالح، ليصالِح أخاه الملك العادل فأجلَّ الملك الصالح قدومه إجلالًا كثيرًا، ومع ذلك فإنَّ كُتُب الأمراء وغيرهم تَرِدُ في كل قليل على الملك الصالح من مصر، تعِدُه بالقيام معه، وأنَّ البلاد في يده، لاتفاق الكلمةِ على سلطنتِه.

العام الهجري : 107 العام الميلادي : 725
تفاصيل الحدث:

هو أبو أَيُّوب سُليمانُ بن يَسارٍ، وُلِدَ في خِلافَة عُثمان سَنة أربع وثلاثين, مَوْلَى أُمِّ المؤمنين مَيْمونَة بِنتِ الحارِث، أَحَدُ الفُقَهاء السَّبْعَة بالمَدينَة، كان عالِمًا ثِقَةً عابِدًا وَرِعًا حُجَّةً، كَثيرَ الصِّيام، فَقيهًا كَبيرًا، أَبوهُ فارِسِيٌّ، رَوَى عن مَولاتِه مَيْمونَة، وعن عائِشَة، وأبي هُريرةَ، وغَيرِهم مِن الصَّحابَة، كان مِن أَوْعِيَة العِلْم بحيث إنَّ بَعضَهم قد فَضَّلَه على سَعيدِ بن المُسَيِّب، وكان سَعيدُ بن المُسيب يُحِيلُ عليه المُسْتَفْتِين, ويقول عنه: "إنَّه أَعلَم مَن بَقِيَ اليومَ"، يقول الإمامُ مالِكٌ عنه: "كان سُليمان بن يَسار مِن عُلَماء النَّاسِ بعدَ سَعيدِ بن المُسَيِّب، وكان كَثيرًا ما يُوافِقُه"، وتُوفِّي في المَدينَة.

العام الهجري : 501 العام الميلادي : 1107
تفاصيل الحدث:

كان محمد بن عبد الله بن تومرت البربري المصمودي الهرغي، الخارج بالمغرب، المدَّعي أنَّه عَلَوي حَسَني، وأنه الإمام المعصوم- من أهل جبل السوس من بلاد المغرب. رحل ابن تومرت إلى بلاد المشرق في طلب العلم، وأتقن علم الأصولين والعربية، والفقه والحديث، واجتمع بالغزالي والكيا الهراسي في العراق، واجتمع بأبي بكر الطرطوشي بالإسكندرية، وقيل إنه لم يجتمع بالغزالي. ثم حج ابن تومرت وعاد إلى المغرب، وكان شجاعًا فصيحًا في لسان العربي والمغربي، شديد الإنكار على الناس فيما يخالف الشرع، لا يقنع في أمر الله بغير إظهاره. وكان مطبوعًا على الالتذاذ بذلك متحلِّلًا للأذى من الناس بسببه، وناله بمكة شيء من المكروه من أجل ذلك، فخرج منها إلى مصر وبالغ في الإنكار، فزادوا في أذاه وطردته الدولة، وكان إذا خاف من بطش وإيقاع الفعل به خلط في كلامه فيُنتَسَب إلى الجنون، فخرج من مصر إلى الإسكندرية، وركب البحر متوجهًا إلى بلاده. ولما وصل إلى قرية اسمها ملالة بالقرب من بجاية اتصل به عبد المؤمن بن علي الكومي، وتفرس ابن تومرت النجابةَ في عبد المؤمن وسار معه، وتلقب ابن تومرت بالمهدي. واستمرَّ المهدي على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصل إلى مراكش وشدَّد في النهي عن المنكرات، وكَثُرت أتباعه وحَسُنت ظنون الناس به، ولما اشتهر أمره استحضره أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بحضرة الفقهاء فناظرهم وقطعهم، وأشار بعض وزراء علي بن يوسف بن تاشفين عليه بقتل ابن تومرت المهدي أو حبسه، وقال: والله ما غرضُه النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، بل غرضه التغلب على البلاد، فلم يقبَلْ عليٌّ ذلك. ذكر ابن خَلِّكان شأن ابن تومرت فقال: "خرج محمد بن تومرت من مصر في زيِّ الفقهاء بعد الطلب بها وبغيرها, ولما وصل إلى المهدية نزل في مسجد معلَّق، وهو على الطريق، وجلس في طاق شارع إلى المحجة ينظر إلى المارة، فلا يرى منكرًا من آلة الملاهي أو أواني الخمر إلا نزل إليها وكسَرَها، فتسامع به الناسُ في البلد، فجاؤوا إليه، وقرؤوا عليه كتبًا من أصول الدين، وبلغ خبره الأمير يحيى، فاستدعاه مع جماعة من الفقهاء، فلما رأى سَمْتَه وسَمِعَ كلامه أكرمه وأجلَّه وسأله الدعاء، فقال له: أصلح الله لرعيتك، ولم يقُمْ بعد ذلك بالمهدية إلا أيامًا يسيرة، ثم انتقل إلى بجاية، وأقام بها مدة وهو على حاله في الإنكار" فسار المهدي إلى أغمات ولحق بالجبل واجتمع عليه الناس وعَرَّفهم أنه هو المهدي الذي وعد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بخروجه، فكثُرَت أتباعه واشتَدَّت شوكته، وقام إليه عبد المؤمن بن علي في عشرة أنفس، وقالوا له: أنت المهدي، وبايعوه على ذلك وتبعهم غيرهم، فأرسل أمير المسلمين علي إليه جيشًا فهزمه المهدي وقَوِيَت نفوس أصحابه، وأقبلت إليه القبائلُ يبايعونه، وعَظُم أمره، وتوجَّه إلى جبل عند تينمليل واستوطنه، ثم إن المهدي رأى من بعض جموعه قومًا خافهم. قال الذهبي: "قال ابن تومرت لأصحابه: إن الله أعطاني نورًا أعرِفُ به أهل الجنة من أهل النار، وجمع الناسَ إلى رأس جبل، وجعل يقول عن كُلِّ من يخافُه: هذا من أهل النار، فيُلقى من رأس الشاهق ميتًا، وكل من لا يخافه: هذا من أهل الجنة ويجعَلُه عن يمينه، حتى قتل خلقًا كثيرًا واستقام أمره وأمِنَ على نفسه. وقيل: إن عدة الذين قتلهم سبعون ألفًا" وسَمَّى عامة أصحابه الداخلين في طاعته الموحِّدين، ولم يزل أمر ابن تومرت المهدي يعلو إلى أن توفي سنة 524.

العام الهجري : 487 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1094
تفاصيل الحدث:

يومَ الجُمعةِ رابع عشر المُحرَّم، خُطِبَ ببغداد للسُّلطانِ بركيارق بن ملكشاه، وكان قَدِمَها أَواخِرَ سَنَةِ سِتٍّ وثَمانين وأربعمائة، وأَرسلَ إلى الخَليفةِ المُقتدِي بأَمرِ الله يَطلُب الخُطبةَ، فأُجِيبَ إلى ذلك، وخَطَبَ له، ولُقِّبَ رُكنَ الدِّين، وحَملَ الوَزيرُ عَميدُ الدَّولةِ بن جَهيرٍ الخِلَعَ إلى بركيارق، فلَبِسَها، وعُرِضَ التَّقليدُ على الخَليفةِ لِيُعَلِّمَ عليه، فعَلَّمَ فيه، وتُوفِّي فَجأَةً، ووُلِّيَ ابنُه الإمامُ المُستَظهِر بالله الخِلافةَ، فأَرسلَ الخِلَعَ والتَّقليدَ إلى السُّلطانِ بركيارق، فأَقامَ ببغداد إلى رَبيعٍ الأَوَّل مِن السَّنَةِ، وسار عنها إلى المَوصِل.

العام الهجري : 547 العام الميلادي : 1152
تفاصيل الحدث:

سارَ عبدُ المُؤمِنِ بنُ علي إلى بجاية ومَلَكَها، ومَلَك جميعَ مَمالِكِ بني حَمَّاد. وكان لَمَّا أراد قَصْدَها سار من مراكِشَ إلى سبتة سنة 546، فأقام مُدَّةً يَعمُر الأسطولَ، ويَجمَعُ العساكِرَ القَريبةَ منه، فكتَبَ لِمَن في طريقِه إلى بجاية ليتجَهَّزوا ويكونوا على الحَرَكةِ أيَّ وَقتٍ طَلَبَهم، والنَّاسُ يَظُنونَ أنَّه يريدُ العبور إلى الأندلُسِ، فأرسل في قَطعِ السَّابلةِ عَن بلادِ شَرقِ المَغرِبِ بَرًّا وبَحرًا، وسار مِن سبتة في صفر سنة 547، فأسرع السَّيرَ وطَوى المراحِلَ، والعساكِرُ تلقاه في طريقِه، فلم يَشعُرْ أهلُ بجاية إلَّا وهو في أعمالها، وكان مَلِكُها يحيى بن العزيز بن حماد آخرَ مُلوكِ بني حمَّاد، وكان مُولَعًا بالصَّيدِ واللَّهوِ، لا ينظُرُ في شَيءٍ مِن أمورِ مَملَكَتِه، فلَمَّا اتَّصَلَ الخبَرُ بميمون بن حمدون، جمَعَ العساكِرَ وسار عن بجاية نحوَ عبد المؤمن، فلَقِيَهم مُقَدِّمةُ عبد المؤمن، وهم يزيدون على عشرينَ ألف فارس، فانهزم أهلُ بجاية مِن غَيرِ قِتالٍ، ودخَلَت مُقَدِّمةُ عبد المؤمن بجاية قَبلَ وصول عبدِ المؤمِنِ بيومين، وتفَرَّقَ جَميعُ عَسكَرِ يحيى بن عبد العزيز، وهَرَبوا برًّا وبحرًا، وتحَصَّن يحيى بقلعةِ قسنطينة الهوى، وهَرَبَ أخواه الحارِثُ وعبد الله إلى صقليَّةَ، ودخل عبدُ المؤمن بجاية، ومَلَك جميعَ بلاد يحيى بن العزيز بغَيرِ قِتالٍ، ثمَّ إنَّ يحيى نَزَل إلى عبدِ المُؤمِنِ بالأمان، فأمَّنَه، ولَمَّا فَتَحَ عبدُ المؤمِنِ بجاية لم يتعَرَّضْ إلى مالِ أهلِها ولا غَيرِه، وسَبَبُ ذلك أن بني حمدون استأمنوا فوفَى بأمانِه، وكان يحيى قد فَرِحَ لَمَّا أُخِذَت بلادُ إفريقيَّةَ مِن الحَسَنِ بنِ عَليِّ بنِ يحيى بن تميم بن المعز بن باديس فرحًا ظَهَرَ عليه، فكان يَذُمُّه، ويَذكُرُ مَعايبَه، فلم تَطُلِ المدَّةُ حتى أُخِذَت بلادُه هو، فسُبحانَ مُقَلِّبِ الأمورِ! ووصل الحسَنُ بنُ علي إلى عبدِ المؤمِنِ في جزائر بني مزغنان، واجتَمَعا عنده، فأرسل عبدُ المؤمن يحيى بن العزيز إلى بلادِ المغرب، وأقام بها، وأجرى عليه شيئًا كثيرًا, وأمَّا الحَسَنُ بن علي فإنَّه أحسَنَ إليه، وألزَمَه صُحبَتَه، وأعلى مرتَبَتَه، فلَزِمَه إلى أنْ فَتَحَ عبد المؤمن المهديَّة فجَعَلَه فيها، وأمَرَ واليَها أن يقتَدِيَ برأيِه ويَرجِعَ إلى قَولِه.

العام الهجري : 558 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1163
تفاصيل الحدث:

هو سلطان المغرب الملقب بأمير المؤمنين، عبد المؤمن بن علي بن علوي الكومي، القيسي، المغربي التلمساني. وُلِدَ بأعمال تلمسان، سنة 487, وكان أبوه يصنع الفخار. كان أبيضَ جميلًا، تعلوه حُمرة، أسود الشعر، معتدل القامة، جَهْوري الصوت، فصيحًا جَزلَ المَنطِق، لا يراه أحدٌ إلَّا أحَبَّه بديهةً، وكان في كِبَره شَيخًا وقورًا، أبيض الشعر، كثَّ اللحية، واضِحَ بياض الأسنان، وكان عظيمَ الهامة، طويل القعدة، غليظَ الكف، أشهلَ العين، على خَدِّه الأيمن خالٌ, وكان كامِلَ السُّؤددِ، عاليَ الهمة، خليقًا للإمارة، وكان شديدَ السطوة،  كان في جُودِه بالمال كالسَّيلِ، وفي محبته لحُسنِ الثناء كالعاشق. مجلِسُه مجلس وقار وهيبةٍ، مع طلاقةِ الوجه. انعمرت البلادُ في أيامه، وما لبس قَطُّ إلا الصوفَ طُولَ عُمُرِه. وما كان في مجلسِه حُصرٌ، بل مفروش بالحَصباءِ، وله سجادة من الخوص تحته خاصة. ظهر أمر عبد المؤمن بعد أن التقى بابن تومرت مُدَّعي المهدية والانتساب لآل البيت, وهو في طريق رجعته من المشرق إلى إفريقية، حيث صادفه عبد المؤمن، فحَدَّثه ووانسه، وقال: "إلى أين تسافر؟ قال: أطلبُ العلم. قال: قد وجدتَ طَلِبَتَك. ففَقَّهه وصحبه، وأحبه، وأفضى إليه بأسرارِه لِما رأى فيه من سمات النُّبل، فوجد همَّتَه كما في النفس. قال ابنُ تومرت يوما لخواصِّه: هذا غلَّاب الدُّوَل" قال ابن خَلِّكان: "وجد ابن تومرت عبدَ المؤمن- وهو إذ ذاك غلام- فأكرمه وقدَّمَه على أصحابه، وأفضى إليه بسِرِّه، وانتهى به إلى مراكش، وصاحِبُها يومئذ علي بن يوسف بن تاشفين ملك الملثمين، فأخرجه منها، ثم توجه إلى الجبال وحشد واستمال المصامدة، وبالجملة فإن ابن تومرت لم يملك شيئًا من البلاد، بل عبد المؤمن ملَكَ بعد وفاته بالجيوش التي جهَّزها ابن تومرت والترتيب الذي رتبه، وكان ابن تومرت يتفَرَّس فيه النجابةَ ويُنشِدُ إذا أبصره: تكاملت فيك أوصافٌ خُصِصْتَ بها فكلُّنا بك مسرورٌ ومُغتَبِطُ السنُّ ضاحكةٌ والكَفُّ مانِحةٌ والنفسُ واسعةٌ والوجهُ مُنبَسِطُ" لما توفي ابن تومرت سنة 524، كتم أصحابُه خبر موته، وجعلوا يَخرُجون من البيت، ويقولون: قال المهدي كذا، وأمر بكذا، وبقي عبد المؤمن يُغِيرُ في عسكره على القرى، ويعيشون من النهب، وبعد خمسة أعوام أفصحوا بموت ابن تومرت، وبايعوا عبد المؤمن ولقَّبوه بأمير المؤمنين. وأوَّل ما أخَذَ عبد المؤمن من البلاد وهران، ثم تلمسان، ثم فاس، ثم سلا، ثم سبتة. ثم حاصر مراكش أحد عشر شهرًا، فأخذها في أوائل سنة اثنتين وأربعين. وامتد مُلكُه إلى أقصى المغرب وأدناه، وبلاد إفريقية، وكثير من الأندلس، وسمى نفسه: أمير المؤمنين، وقصدته الشعراء وامتدحوه, ولما قال فيه الفقيه محمد بن أبي العباس التيفاشي هذه القصيدة، وأنشده إياها: ما هَزَّ عطفيه بين البيض والأسل مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي فلما أنشده هذا المطلع أشار إليه أن يقتصرَ عليه، وأجازه بألف دينار". لم يزل عبد المؤمن بعد موت ابن تومرت يقوى، ويَظهَر على النواحي، ويدوخ البلاد. استولى على مراكش كرسيِّ مُلك أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين. قال سبط ابن الجوزي: "لما استولى عبد المؤمن على مراكش، قطع الدعوةَ لبني العباس ثمَّ قَتَل المُقاتِلة، ولم يتعرَّضْ للرعية، وأحضر أهلَ الذمَّة وقال: "إن المهديَّ أمرني ألَّا أُقِرَّ الناس إلا على ملَّة الإسلام، وأنا مخيِّرُكم بين ثلاث: إما أن تُسلِموا، وإما أن تلحقوا بدار الحرب، وإمَّا القتل. فأسلم طائفةٌ، ولحق بدار الحرب آخرون، وخَرَّبَ الكنائِسَ ورَدَّها مساجِدَ، وأبطل الجزيةَ، وفعل ذلك في جميع مملكته، ثم فرق في الناس بيتَ المال وكَنَسَه، وأمر الناس بالصلاةِ فيه اقتداءً بعلي رضي الله عنه، وليعلم الناسُ أنه لا يُؤثِرُ جمعَ المال, وقال: من ترك الصلاةَ ثلاثةَ أيَّامٍ فاقتلوه. وكان يصلِّي بالناس الصلوات، ويقرأ كل يومٍ سُبعًا، ويلبَسُ الصوفَ، ويصوم الاثنين والخميس، ويقسم الفيء على الوجه الشرعي، فأحبه الناس", ثم تملك بجاية وأعمالها وأما الأندلس فاختلت أحوالها اختلالًا بَيِّنًا أوجب تخاذل المرابطين وميلَهم إلى الراحة، فهانوا على الناس، واجترأ عليهم الفرنجُ، وقام بكل مدينة بالأندلس رئيس منهم فاستبَدَّ بالأمر، وأخرج مَن عنده من المرابطين. وكادت الأندلسُ تعود إلى مثل سيرتها بعد الأربعمائة عند زوال دولة بني أمية, فجهز عبد المؤمن الشيخَ أبا حفص عمر إينتي، فعدى البحر إلى الأندلس، فافتتح الجزيرةَ الخضراء، رندة، ثم افتتح إشبيليَّةَ، وغرناطة، وقرطبة. وسار عبد المؤمن في جيوشه وعبَرَ مِن زقاق سبتة، فنزل جبلَ طارق، وسماه: جبل الفتح. فأقام هناك شهرًا، وابتنى هناك قصرًا عظيمًا ومدينة، فوفد إليه رؤساء الأندلس، ومدحه شعراؤها، فمن ذلك: ما للعدى جنة أوفى من الهَرَبِ أين المفرُّ وخَيلُ الله في الطَّلَبِ فأين يذهبُ مَن في رأس شاهقةٍ وقد رمته سهامُ الله بالشُّهُبِ حدث عن الروم في أقطار أندلس والبحر قد ملأ البرين بالعرب فلما أتم القصيدةَ قال عبد المؤمن: بمثل هذا تُمدَحُ الخلفاء. عبد المؤمن هو خليفة ابن تومرت وعلى طريقته ودعوته، فكان يمتحن الناس في عصمة ابن تومرت ودعواه أنه المهدي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأصحاب ابن تومرت الذي ادعى أنه المهدي يقولون: إنه معصوم، ويقولون في خطبة الجمعة: الإمام المعصوم والمهدي المعلوم، ويقال: إنهم قتلوا بعض من أنكر أن يكون معصومًا". كما اشتهر عن عبد المؤمن تساهلُه في استباحة دماء خصومه من المسلمين، وسَبْي نسائهم وذراريهم إذا انتصر عليهم. كما فعل في مراكش؛ قال ابن الأثير"فدخلت عساكره بالسيف، وملكوا المدينة عَنوةً، وقتلوا من وجدوا، ووصلوا إلى دار أمير المسلمين، فأخرجوا الأمير إسحاق وجميع من معه من أمراء المرابطين فقُتلوا، وجَعَل إسحاق يرتعد رغبةً في البقاء، ويدعو لعبد المؤمن ويبكي، فقام إليه سير بن الحاج، وكان إلى جانبه مكتوفًا فبزق في وجهه، وقال: تبكي على أبيك وأمِّك؟! اصبر صبْرَ الرجال؛ فهذا رجلٌ لا يخاف اللهَ ولا يدينُ بدين. فقام الموحِّدون إلى ابن الحاج بالخشب فضربوه حتى قتلوه، وكان من الشجعان المعروفين بالشجاعة، وقُدِّمَ إسحاق على صِغَرِ سِنِّه، فضُرِبَت عنقه" وأما في دكالة، فقال ابن الأثير عن عبد المؤمن "فأخذ الملثمين السيف، فدخلوا البحر، فقُتِل أكثرهم، وغُنِمَت إبلهم وأغنامهم وأموالهم، وسُبِيَت نساؤهم وذراريهم، فبيعت الجارية الحسناء بدراهم يسيرة، وعاد عبد المؤمن إلى مراكش منتصرًا، وثبت ملكه، وخافه الناس في جميع المغرب، وأذعنوا له بالطاعة". وغيرهما من بلاد المسلمين في المغرب والأندلس. وفي تلمسان قال ابن الأثير:أما العسكر الذي كان على تلمسان، فإنهم قاتلوا أهلها، ونصبوا المجانيق، وأبراج الخشب، وزحفوا بالدبابات، وكان المقدم على أهلها الفقيه عثمان، فدام الحصار نحو سنة، فلما اشتد الأمر على أهل البلد اجتمع جماعة منهم وراسلوا الموحدين أصحاب عبد المؤمن، بغير علم الفقيه عثمان، وأدخلوهم البلد، فلم يشعر أهله إلا والسيف يأخذهم، فقُتِلَ أكثر أهله، وسُبِيت الذرية والحريم، ونُهب من الأموال ما لا يحصى، ومن الجواهر ما لا تحَدُّ قيمتُه، ومَن لم يُقتَلْ بِيعَ بأوكس الأثمان، وكان عِدَّةُ القتلى مائة ألف قتيل، وقيل: إن عبد المؤمن هو الذي حصر تلمسان"  في العشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة، توفي عبد المؤمن. كان قد أمر الجيش بالجهاز لجهاد الروم، واستنفر الناس عامة، ثم سار حتى نزل بسلا، فمرض، وجاءه الأجل بها، في السابع والعشرين من جمادى الآخرة، وارتجت المغرب لموته، وكان قد جعل ولي عهده ابنه محمدا، وكان لا يَصلُح لطَيشِه وجُذامٍ به ولِشُربه الخمر، فتملك أيامًا، ثم خلعوه، واتفقوا على تولية أخيه أبي يعقوب يوسف، فبقي في الملك اثنتين وعشرين سنة، وخلف عبد المؤمن ستة عشر ولدًا ذكرًا.   

العام الهجري : 145 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 762
تفاصيل الحدث:

كان المنصورُ قد حَبَس عبدَ الله بن الحسن والدَ محمد النفس الزكية، وكان همُّ المنصورِ هو الظفَرَ بمحمَّدٍ - الذي كان متخفيًا في المدينة- وأخيه إبراهيمَ، وذلك أنَّهما تخلَّفا عن الحضور إليه في موسم الحج, وعِلْمه بسعيهما للوصول لأمر ِالخلافة منذ أيَّام بني أمية؛ بقصد إزالة المخالفاتِ الشَّرعية والظُّلم الذي وقع من الولاة والأمراء, فخاف مِن أمرِهما، ثمَّ إنَّ محمدًا دعا للبيعةِ لنفسه واستولى على مقاليد الأمور في المدينة في  آخر شهر جمادى الآخرة وحبس واليها رياح المري، وأخذ البيعة من أهلها في المسجد النبوي بعد خروجِ المنصور إلى الكوفة، فكتب المنصورُ له كتابًا بالأمان فرفضه، وكتب هو للمنصور كتابًا مضمونُه أنَّه هو أحقُّ بالولاية منه، فانتشر أمرُ محمد في المدينة وبايعه خلقٌ كثير، وقَوِيَ أمرُه حتى أرسل بعضَ الجندِ إلى مكَّة ليبايعوا له فيها، وبعث لأهل الشامِ فأبَوا عليه واعتذروا بأنَّه ليس له قوةٌ في بلدِه التي هو فيها، فكيف يطلب مثلَ هذا؟! وقد ملُّوا الحروبَ بين بعضِهم، ثم َّإن المقاتلينَ الذين أرسلهم إلى مكةَ دخلوها ولم يكونوا يزيدونَ على ثمانينَ، وأمَّا في البصرةِ فقام إبراهيم أخو محمد وبايع أيضًا له خلْقٌ، فجهَّزَ له المنصورُ جيشًا بقيادة عيسى بن موسى، فعلم محمد النفس الزكية بالأمر فحفَرَ خندقًا، ثمَّ جاء جيشُ عيسى وبقي أيامًا يدعوه للطاعة ويأبى، ودعا أهلَ المدينة للخروجِ؛ فليسوا هم المقصودين، وأحلَّ محمدٌ من أرادَ مِن بيعتِه إن خاف، فرجَع خلقٌ عنها، ثم بعد عدة أيام نشبت الحرب بينهما، وكانت حربًا شديدة جدًّا، ودخل عيسى المدينة وبقيَ القتالُ حتى لم يبقَ مع محمد النفس الزكيَّة إلا نفرٌ، ثمَّ قُتِلَ في رمضان وبُعِثَ برأسه إلى المنصور، ونوديَ بالأمان لأهل المدينةِ.

العام الهجري : 298 العام الميلادي : 910
تفاصيل الحدث:

هو أحمدُ بنُ يحيى بن إسحاق الراوندي نسبةً إلى راوند بلدةٍ مِن أصبهان، ولد عام 210, فيلسوف مجاهرٌ بالإلحاد، له مناظراتٌ ومجالسُ مع علماء الكلام، انفرد بمذاهِبَ نُقِلَت عنه في كتبه، كالقول بالحُلوليَّة، وتناسُخ رُوح الإله في الأئمَّة، وكان يلازِمُ الرافضةَ والملاحِدةَ، فإذا عوتِبَ قال: "أنا أريدُ أن أعرِفَ مذاهبَهم"، ثم كاشَفَ وناظَرَ، وصنَّف في الزندقة- لعنه اللهُ- قيل: إنَّ أباه كان يهوديًّا فأظهَرَ الإسلامَ، قال ابن حجر: "كان أوَّلًا مِن متكَلِّمي المعتَزِلة، ثم تزندقَ واشتَهَر بالإلحادِ" وقيل: إنه كان لا يستقِرُّ على مذهبٍ ولا يَثبُتُ على شيءٍ، ويقال: كان غايةً في الذكاءِ، قال الإمام أبو الفرج بن الجوزي: "كنتُ أسمع عنه بالعظائمِ، حتى رأيتُ له ما لم يَخطُرْ مِثلُه على قلبٍ" وهو أحدُ مشاهير الزنادقة، طلبه السلطانُ فهرب إلى ابن لاوي اليهودي بالأهواز، وصَنَّفَ عنده مصنَّفات، منها كتاب "الدامغ للقرآن" وضعه ليطعنَ به في القرآنِ، وفي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم. ثمَّ لم يلبث إلَّا أيامًا حتى مرِضَ ومات, وكتابٌ في الرَّدِّ على الشريعةِ سمَّاه "الزمردة"، قال ابن عقيل: "عجبي كيف لم يُقتَلْ وقد صنَّف «الدامغ»" قال بعضُ اليهودِ للمُسلمينَ: لا يُفسِدَنَّ عليكم هذا كتابَكم، كما أفسَدَ أبوه علينا التوراةَ". واختُلِفَ في موته، فقيل: مات وهو عند اليهوديِّ، وقيل: بل صُلِبَ، عاش أكثَرَ مِن ثمانين سنة، فلا رَحِمَه الله. وجازاه بما يستحِقُّه.