هو السلطانُ عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد الثاني، السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وآخِرُ من امتلك سلطةً فعليةً منهم. ولد في 16 شعبان 1258هـ الموافق 21 سبتمبر 1842م، وتولَّى الحكم عام 1293هـ 1876م. أبعِدَ عن العرش عام 1327هـ / 1909م بتهمة الرجعية، وأقام تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته في 15 جمادى الأولى 1337هـ الموافق 10 فبراير 1918م. تلقى السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد تعليمَه بالقصر السلطاني، وأتقن من اللغات: الفارسية والعربية، وكذلك درس التاريخ والأدب. يعرِّفُه البعض، "باولو خاقان" أي "الملك العظيم" وعُرِفَ في الغرب باسم "السلطان الأحمر"، أو "القاتل الكبير" بسبب مذابح الأرمن المزعوم وقوعُها في فترة تولِّيه منصِبَه. رحَّب جزء من الشعب العثماني بالعودة إلى الحكم الدستوري بعد إبعاد السلطان عبد الحميد عن العرش في أعقاب ثورة الشباب التركي "الاتحاديين". غيرَ أن الكثير من المسلمين ما زالوا يقدِّرون قيمة هذا السلطان الذي خَسِرَ عرشه في سبيل أرض فلسطين التي رفض بيعَها لزعماء الحركة الصهيونية. تولى السلطانُ عبد الحميد الثاني الخلافة في 11 شعبان 1293هـ، الموافق 31 آب (أغسطس) 1876م، وتبوَّأ عرشَ السلطنة يومئذٍ على أسوأ حال؛ حيث كانت الدولة في منتهى السوء والاضطراب، سواء الأوضاع الداخلية أو الخارجية. دبَّرت جمعية "الاتحاد والترقي" عام 1908م انقلابًا على السلطان عبد الحميد تحت شعارات الماسونيةِ "حرية، عدالة، مساواة". كان اليهودُ لَمَّا عُقِدَ مؤتمرُهم الصهيوني الأول في (بازل) بسويسرا عام 1315هـ، 1897م، برئاسة ثيودور هرتزل 1860م-1904م رئيس الجمعية الصهيونية، اتَّفقوا على تأسيس وطنٍ قوميٍّ لهم يكون مقرًّا لأبناء عقيدتهم، وأصَرَّ هرتزل على أن تكون فلسطينُ هي الوطنَ القوميَّ لهم، فنشأت فكرةُ الصهيونية، وقد اتَّصل هرتزل بالسلطان عبد الحميد مرارًا ليسمح لليهودِ بالانتقال إلى فلسطين، ولكِنَّ السلطان كان يرفض، ثم قام هرتزل بتوسيطِ كثير من أصدقائه الأجانب الذين كانت لهم صلةٌ بالسلطان أو ببعض أصحابِ النفوذ في الدولة، كما قام بتوسيطِ بعض الزعماء العثمانيين، لكنه لم يُفلح، وأخيرًا زار السلطانَ عبد الحميد بصحبة الحاخام (موسى ليفي) و(عمانيول قره صو)، رئيس الجالية اليهودية في سلانيك، وبعد مقَدِّمات مُفعَمة بالرياء والخداع، أفصحوا عن مطالبهم، وقدَّموا له الإغراءاتِ المتمثلة في إقراض الخزينة العثمانية أموالًا طائلةً مع تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية، وتحالُف سياسي يُوقفون بموجِبِه حملات الدعاية السيئة التي ذاعت ضِدَّه في صحف أوروبا وأمريكا. لكِنَّ السلطان رفض بشدةٍ وطردهم من مجلسِه، وقال: " إنكم لو دفعتم ملءَ الدنيا ذهبًا، فلن أقبل؛ إنَّ أرضَ فلسطين ليست ملكي، إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلِمون بدمائهم لا يمكن أن يباعَ، وربما إذا تفَتَّت إمبراطوريتي يومًا يمكِنُكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل"، ثم أصدر أمرًا بمنعِ هجرة اليهود إلى فلسطين. عندئذ أدرك خصومُه الصهاينة أنهم أمام رجلٍ قوي وعنيد، وأنَّه ليس من السهولة بمكانٍ استمالتُه إلى صفِّها، ولا إغراؤه بالمال، وأنه ما دام على عرش الخلافة فإنَّه لا يمكِنُ للصهيونية العالمية أن تحقِّقَ أطماعها في فلسطين، ولن يمكِنَ للدول الأوروبية أن تحقِّقَ أطماعها أيضًا في تقسيمِ الدولة العثمانية والسيطرة على أملاكها، وإقامة دويلات لليهود والأرمن واليونان؛ لذا قرَّروا الإطاحةَ به وإبعاده عن الحكم، فاستعانوا بالقوى المختلفة التي نذرت نفسَها لتمزيق ديار الإسلام؛ أهمها الماسونية، والدونمة، والجمعيات السرية (الاتحاد والترقي)، وحركة القومية العربية، والدعوة للقومية التركية (الطورانية)، ولَعِبَ يهود الدونمة دورًا رئيسًا في إشعال نار الفتن ضد السلطان إلى أن تمَّ عزلُه وخَلعُه من منصبه عام 1909، وتم تنصيب شقيقِه محمد رشاد خلفًا له. وتوفِّيَ السلطان عبد الحميد الثاني في المنفى في 15 جمادى الأولى 1337هـ 10 فبراير 1919م.
هو عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الرحمن الثعالبي: زعيمٌ تونسيٌّ، وهو عالم، أديب، كاتب، خطيب، سياسي، صحافي, جزائري الأصلِ، ولِدَ بتونس في 15 شعبان 1293هـ. حَفِظَ القرآن الكريم وأتمَّ الدراسة الأولية في البيت على يد مدرس خاص، ثم دخل مدرسة "باب سويقة الابتدائية" في تونس، ثم التحق بجامع الزيتونة وتخرج سنة 1896م، وأخذ يتردَّدُ على المدرسة الخلدونية حتى حصل على الدراسات العليا. وبظهور أولِ حزب لتحرير تونس ومقاومة الاستعمار الفرنسي حزب "تونس الفتاة" كان الثعالبي من أوائل من انضم إليه؛ ليؤسِّسَ بعدها الحزبَ الوطني الإسلامي الذي كان يدعو إلى تحرير العالم العربي كله، وقيام الوحدة بين أقطاره. وكان قد كتب وعمل محررًا في صحيفتي "المبشر" و"المنتظر" إلى أن عطَّلَتْها الحكومة، ثم أصدر جريدة "سبيل الرشاد" وكرَّسها للوعظ والإرشاد والدعوة إلى الإصلاح. وبعد سنة عطَّلتْها الحكومة وأصدرت قانونًا قيَّدت به الصحافة. جاهر الثعالبي بطلبِ الحرية لبلاده، فسجنه الفرنسيون، ولَمَّا أُطلِقَ سَراحُه سافر إلى باريس، وزار الأستانة والهند وجاوى، وعاد إلى تونس قُبيلَ سنة 1332ه / 1914م، وقد حلَّ الفرنسيون حزب تونس الفتاة، فعَمِل في الخفاء مع بقايا من أعضائه بالدعاية والمنشورات. وسافر إلى باريس بعد الحرب العالمية الأولى فطبع كتابه "تونس الشهيدة" بالفرنسية. واتُّهِم بالتآمر على أمن الدولة الفرنسية، فاعتُقِلَ ونقل سجينًا إلى تونس، وأخلي سبيله بعد 9 أشهر سنة 1920م، فرأس حزب "الدستور"، وقد ألفه أنصاره وهو في السجن، وأنشأ مجلة "الفجر" في أغسطس 1920, ثم غادر الثعالبي تونس مرة أخرى سنة 1923م متنقلًا بين مصر وسورية والعراق والحجاز والهند، مشاركًا في حركاتها الوطنية، ولا سيما مقاومة الاستعمار الفرنسي، ثم عاد إلى تونس سنة 1937م، فناوأه بعضُ رجال حزبه، فابتعد عن الشؤون العامة إلى أن توفي في تونس. من كُتُبِه: تاريخ شمال إفريقية، وفلسفة التشريع الإسلامي، ومحاضراتُه في جامعة آل البيت ببغداد نُشِرت تباعًا في مجلَّتِها، وتاريخ التشريع الإسلامي، ومذكرات في خمسة أجزاء عن رحلته إلى مصر والشام والحجاز والهند وغيرها، و"معجزة محمد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم".
لم يتجاوب الشعب الجزائري مع السياسة الفرنسية في جميع الجهاتِ بدون استثناء؛ فلم يكن هناك أثَرٌ في فَرْنَسة الشعب الجزائري المسلِم، وهو ما دفع مخطِّطي السياسة الفرنسية إلى اتهام الجزائريين بأنَّهم شَعبٌ يعيش على هامش التاريخ. حارب الجزائريون سياسةَ التفرقة الطائفية، وقد رأى المصلِحون من أبناء الجزائر في ظِلِّ فَشلِ حركات المقاومة يتقَدَّمُهم الشيخ العالِم عبد الحميد بن باديس أنَّ العمل يجب أن يقومَ في البداية على التربية الإسلامية؛ لتكوين قاعدة صلبة يمكِنُ أن يقومَ عليها الجهاد في المستقبل، مع عدم إهمال الصراع السياسي؛ فتمَّ تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1350هـ -1931م بزعامة عبد الحميد بن باديس، وعلى الصعيد السياسي بدأ الجزائريون المقاومةَ من خلال التنظيم السياسي الذي خاض هذا الميدانَ بأفكار متعددة، وظهرت عدةُ تنظيمات سياسية، ولَمَّا اشتعلت الحربُ العالمية الثانية ذهب كثيرٌ من الجزائريين إلى الحرب للدفاع عن فرنسا، فدُمِّر الإنتاج في الجزائر وزادت صعوباتُ الحياة؛ لذلك تقدَّموا ببيان إلى السلطات الفرنسية يطالبون فيه بحَقِّ تقرير المصير، تقدَّم به فرحات عباس زعيم حزب اتحاد الشعب الجزائري، ورفضت فرنسا قَبولَ البيان كأساسٍ للمحادثات، فأحدث ذلك ردَّ فِعلٍ عنيفًا عند الجزائريين الذين أصَرُّوا على تمسُّكِهم بالبيان والتزامهم به، ففرض الجنرال كاترو الحاكِمُ العام في الجزائر الإقامةَ الجبرية على فرحات عباس وغيره من الزعماء الجزائريين، فاستغلت فرنسا قيامَ بعض المظاهرات في عدد من المدن الجزائرية وإحراقها للعلم الفرنسي، فارتكبت مذبحةً رهيبة سقط فيها (45) ألف شهيد جزائري، فاتجه الجزائريون بعد تلك المذابح البَشِعة إلى العَمَل السري، وكان يتم اختيارُ أفراد هذا العمل من خيرة الشبانِ خُلقًا وأدبًا، فلم يكن يُسمَحُ بضَمِّ المُلحِدين أو الفوضويين، وبدأت خلايا المجاهِدين تنتشر في الجزائر طولًا وعرضًا، وأحيطت أساليبُ العمل بسريةٍ تامةٍ؛ مما كان له أكبر الأثر في نجاح الثورة، واستطاع هذا التنظيمُ الدعايةَ للثورة في صفوف الشعب وإعداده للمعركة القادمة.
بدأت سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر من جانب، وممثِّلي كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن واليمن من جانب آخرَ، وهي المشاورات التي أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسين بخصوص موضوع الوحدة العربية: الاتجاه الأول يدعو إلى ما يمكِنُ وصفه بالوَحدة الإقليمية الفرعية وقوامها سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب. والاتجاه الثاني يدعو إلى نوعٍ أعَمَّ وأشمل من الوحدة يظلِّلُ عموم الدول العربية المستقلة، وإن تضمَّنَ هذا الاتجاه بدوره رأيين فرعيين: أحدهما يدعو لوحدة فيدرالية أو كونفدرالية بين الدول المعنية، والآخر يطالب بصيغةٍ وسط تحقِّقُ التعاون والتنسيق في سائر المجالات وتحافِظُ في الوقت نفسه على استقلال الدول وسيادتها. وعندما اجتمعت لجنةٌ تحضيرية من ممثلين عن كلٍّ مِن سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن (بصفة مراقب) في الفترة 25/9 إلى 7/10/ 1944م رجحت الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمَسُّ استقلالها وسيادتها. كما استقرت على تسمية الرابطة المجسِّدة لهذه الوحدة بـ "جامعة الدول العربية" وآثرَتْه على مسمى "التحالف" و"الاتحاد". وعلى ضوء ذلك تم التوصلُ إلى بروتوكول الإسكندرية الذى صار أوَّلَ وثيقة تخصُّ الجامعة، والذي نص على المبادئ الآتية: - قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلةِ التي تقبَلُ الانضمام إليها، ويكون لها مجلِسٌ تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة. مهمةُ مجلس الجامعة هي: مراعاة تنفيذ ما تبرِمُه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقياتٍ، وعَقدُ اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها، والتنسيق بين خططها السياسية تحقيقًا للتعاون فيما بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكِنة، والنظر بصفةٍ عامة في شؤون البلاد العربية. قرارات المجلِس مُلزِمة لِمن يقبلُها فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلافٌ بين دولتين من أعضاء الجامعة، ويلجأ الطرفان إلى المجلسِ لفَضِّ النزاع بينهما. ففي هذه الأحوال تكون قراراتُ المجلس مُلزِمة ونافذة. لا يجوزُ الالتجاء إلى القوة لفَضِّ المنازعات بين دولتين من دول الجامعة، كما لا يجوزُ اتِّباع سياسة خارجية تضرُّ بسياسة جامعة الدول العربية، أو أية دولة من دولها. يجوزُ لكل دولة من الدول الأعضاء بالجامعة أن تعقِدَ مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقاتٍ خاصةً لا تتعارَضُ مع نصوص هذه الأحكام وروحها. وأخيرًا الاعترافُ بسيادة واستقلال الدول المنظمة إلى الجماعة بحدودها القائمة فعلًا. كما اشتمل البروتوكول على قرار خاص بضرورة احترام استقلال لبنان وسيادته، وعلى قرارٍ آخَرَ باعتبار فلسطين ركنًا هامًّا من أركان البلاد العربية، وحقوق العرب فيها لا يمكن المساسُ بها من غير إضرارٍ بالسلم والاستقلال في العالم العربي، ويجِبُ على الدول العربية تأييدُ قضية عرب فلسطين بالعمل على تحقيقِ أمانيهم المشروعة، وصون حقوقهم العادلة!! وأخيرًا نص في البروتوكول على أن (تُشكَّل فورًا لجنةٌ فرعية سياسية من أعضاء اللجنة التحضيرية المذكورة للقيام بإعداد مشروع لنظام مجلس الجامعة، ولبحث المسائل السياسية التي يمكن إبرامُ اتفاقيات فيها بين الدول العربية) ووقع على هذا البروتوكول رؤساءُ الوفود المشاركة في اللجنة التحضيرية، وذلك في 7/10/1944 باستثناء السعودية واليمن اللتين وقعتاه في 3/1/1945 و5/2/1945 على التوالي بعد أن تمَّ رفعُه إلى كلٍّ من الملك عبد العزيز آل سعود، والإمام يحيى حميد. ولقد مثَّلَ هذا البروتوكول الوثيقةَ الرئيسية التي وُضِع على أساسها ميثاقُ جامعة الدول العربية، وشارك في إعداده -أي الميثاق- كلٌّ من اللجنة السياسية الفرعية التي أوصى بروتوكول الإسكندرية بتشكيلِها، ومندوبي الدول العربية الموقِّعين على بروتوكول الإسكندرية، مضافًا إليهم مندوب عام كلٍّ من السعودية واليمن، وحضر مندوب الأحزاب الفلسطينية كمراقب. وبعد اكتمال مشروع الميثاق كنتاج لستة عشر اجتماعًا عقدتها الأطراف المذكورة بمقَرِّ وزارة الخارجية المصرية في الفترة بين 17/2 و3/3/1945 أُقِرَّ الميثاق بقصر الزعفران بالقاهرة في 19/3/1945 بعد إدخال بعض التنقيحات عليه. وفى 22/3/1945 تم التوقيعُ على ميثاق جامعة الدول العربية من قِبَل مندوبي الدول العربية عدا السعودية واليمن اللتين وقَّعتا على الميثاق في وقت لاحق. وحضر جلسة التوقيع ممثِّلُ الأحزاب الفلسطينية، وأصبح يوم 22 مارس من كل عامٍ هو يومَ الاحتفال بالعيد السنوي لجامعة الدول العربية.
عندما انتقل الحاج أمين الحسيني مفتي القدس من باريس إلى مصر شكَّل الهيئةَ العربية العليا لفلسطين برئاسته؛ حيث نظَّم الحركةَ الوطنية الفلسطينية تنظيمًا حديثًا، وقرَّر إعداد الشعب لخَوضِ الكفاح المسلَّح ضِدَّ الصهاينة والإنجليز، وألَّف لجنة من قادة المجاهدين الفلسطينيين وبعض الضبَّاط السوريين والعراقيين والمصريين لوضع الخطط وتحديد المطلوب من الأسلحة والمعَدَّات للجهاد الذي كان أوانه قد اقترب بعد بروز فكرة التقسيم من جديد في الأوساط الأمريكية والبريطانية والصهيونية ومحيط الأمم المتحدة، كما أعاد تنظيمَ جيشِ الجهاد المقدَّس، وأسند قيادته إلى عبد القادر الحسيني، وأنشأ المفتي كذلك منظمة الشباب الفلسطيني التي انصهرت فيها منظَّمات الفتوَّة والجوالة والكشافة، وأسند قيادتها للمجاهد الصاغ محمود لبيب أحد قادة الحركة الإسلامية بمصر، وكلَّفه بمهمة تدريب الشباب على القتال.
حصلت الكارثة الذَّرِّية بتاريخ 6 آب/ أغسطس عام 1945م عندما أمرت حكومة الرئيس الأمريكي هاري ترومان بإلقاء القنبلة الذرية على اليابان. عندما رفضت اليابان الإنذارَ الأمريكي بالاستسلام غير المشروط، فأغار الطيرانُ الأمريكي على وسط مدينة هيروشيما، وألقى القنبلةَ الذرية المعبَّأة باليورانيوم والتي كانت تزِنُ أكثَرَ 4.5 أطنان من على ارتفاع 1980 قدمًا عند الساعة الثامنة والربع من صباح ذلك اليوم، عندما كان معظم سكان المدينة في الشوارع متَّجِهين لأعمالهم؛ لتتحول المدينة بعد دقائق قليلة إلى كومة من اللهب والرماد، وبمحيط انفجار بلغ 13كم2، وذلك في أكبر تفجير عالمي كان معروفًا حتى ذلك الوقت!! وأسفرت هذه الكارثة عن سقوط نحو 140 ألف قتيل؛ نحو 30 % من عدد السكان، ومثلهم من الجرحى الذين مات معظمُهم لاحقًا متأثرين بالتسمم الإشعاعي الناتج عن التفجير، فيما وصل ارتفاع سحب الدخان الناتج عن الانفجار إلى 1000 متر فوق سطح المدينة، وبعد مرور نحو ساعتين على الانفجار سقطت أمطارٌ سوداء شحمية في أماكِنَ متفرقة من المدينة كانت بفعل اختلاط أبخرة الماء مع المواد المشِعَّة! ورغم إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما رفضت حكومةُ اليابان بقيادة الإمبراطور هيرو هيتو الاستجابةَ للإنذار الذي وجَّهه لها ترومان بالاستسلامِ، فأعطى الأخيرُ أوامره بإلقاء قنبلة أخرى في 9 أغسطس على مدينة ناغازاكي اليابانية بعد ثلاثة أيام من قنبلة هيروشيما؛ حيث شملت هذه الكارثة تدميرَ مساحة 6 كم2، ومقتل نحو 40 ألف ياباني، و70 ألف جريح، وفي النهاية لم تجِدْ طوكيو خيارًا أمامها سوى الاستسلام بعد الخراب الذي لحِقَ بها!! فاستسلمت للحلفاء في 14 أغسطس 1945م، ثم وقَّعَت وثيقة الاستسلام في الثاني من شهر أيلول/ سبتمبر في نفس العام. ولم تقتصر أضرار القنبلة الذرية التي أُلقِيَت على هيروشيما وناغازاكي على وقتِ حدوث الانفجار، بل امتدت إلى سنين طويلة في مستقبل الأجيال؛ بسبب استمرار التأثيرات الضارَّة الناجمة عن التلوُّث الإشعاعي؛ فمن لم يقتل ساعة الانفجار مات بعد ذلك بسبب تأثيرات الإشعاع الضارة التي تشيرُ الدراسات إلى أن تأثيرها مستمِرٌّ حتى اليوم!! وتتسبَّبُ في الإصابة بالسرطان، وإصابة المواليد بعيوب خِلقية. وقد قامت إحدى الجامعات اليابانية بدراسةِ آثار الإشعاع الناجم عن القنبلة، فتبين للباحثين أنَّه بين كل 4 مواليد من أبناء الجيل الأوَّل لضحايا الكارثة يصابُ واحد منهم بعيوب خِلقية، ولا يستطيع أحَدٌ في الوقت الحالي أن يقرِّرَ إلى أي حدٍّ مِن الأجيال سيستمر توارثُ آثارِ الإشعاع، كما أدت الكارثة إلى أضرار كبيرة على البيئة والطبيعة!!
ما إن انتهت الحربُ العالمية الثانية، وكانت اليابان قد هُزِمَت، بعد أن أُلقِيَت عليها القنبلةُ الذَّرية الأمريكية، وكانت اليابان قد احتَلَّت فيما احتلَّتْه جزرَ أندونيسيا، وبعد يومين من الهزيمة اليابانية أُعلِنَ عن قيام حكومة أندونيسية برئاسة أحمد سوكارنو، ونائبه محمد حتا، وأخذت الحكومةُ تعمَلُ على الحيلولة دون عودة المحتلين الهولنديين، فتحركوا لنزعِ السلاح من اليابانيين، وأُسِّسَت حكومة وسط جزيرة جاوه، عرفت باسم دار الإسلام، وأطلقوا على عاصمتِهم اسمَ المدينة المنورة، وجعلوا من اللغة العربية لغةً رسمية للبلاد، وعَمِلوا على تطبيق الشريعة برئاسة زين العارفين، لكِنَّ الحلفاء أصدروا أوامِرَهم لليابانيين بإبقاء السلاح معهم ريثما تصِلُ قوات التحالف، ثم حضر الإنجليز ومعهم الهولنديون الذين أخذوا باعتقالِ الزعماء الأندونيسيين، ولَمَّا بدا للسكان نواياهم الاستعمارية الجديدة بدأ القتالُ بينهم، وتداعى المسلِمون من أرجاء أندونيسيا لعقد اجتماعٍ بعد أن وجدوا أنَّ الحركات الاستعمارية الصَّليبية والشيوعية الإلحادية والمحلية العلمانية ومَن معهم للمصلحةِ: كُلُّهم يقفون ضدَّ المسلمين. عُقِدَ لقاءٌ في جاكرتا في ذي الحجة 1364هـ / نوفمبر، وكان أكبَرَ مؤتمر إسلامي، وتم الاتفاق على الانضواء في تنظيمٍ إسلاميٍّ واحدٍ سُمِّي مجلس شورى مسلمي أندونيسيا، وعرف باسم ماشومي، وأيقن الاستعماريون قوةَ مِثلِ هذا التحالف، فأخذوا في التفاهم مع العلمانيين الذين عُرِفوا باسم الوطنيين، ونتج عنه توقيعُ اتفاق لنيجار دجاتي الذي اعترفت هولندا بموجِبِه بسلطة الحكومة القائمة الفِعلية على جزر جاوه وسومطرة ومادورا فقط.
في أعقابِ الحرب العالمية الثانية اتَّفَق قادة خمس دول عربية في مدينة الإسكندرية بمصر على إنشاء منظمةٍ تربطُ العربَ بعضهم ببعض، فتمَّ إنشاء جامعة الدول العربية في العام التالي. وكلُّهم توافقوا على ما يسمى اليوم ببروتوكول الإسكندرية. وكان الهدفُ الرئيسي لهذه المنظمة هو تعزيزَ العلاقات بين الدول العربية والمشاركة بفعاليةٍ في تنسيق الخطَطِ السياسية، والسياسة الخارجية من دونِ التدخُّلِ في استقلاليتها، وإيجاد الوسائل المناسِبة للحماية في حالة العدوان على دولة أو سيادتها. شمِلَ الاجتماع الذي عُقِد في الإسكندرية خمسَ لجان مع ممثِّلي الأعضاء المستقبليين في جامعة الدول العربية من البلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهذه الدول: مصر، والعراق، وسوريا، والأردن، ولبنان. وقد احتوى البروتوكول عددًا من المبادئ، ووقَّع عليه رؤساء الوفود المشارِكة في اللجنة التحضيرية، وذلك في 7 أكتوبر 1944م.
بعد أن انتهت الحرب العالمية وانتصر الحلفاء أرسل ممثِّل فرنسا مذكرةً إلى حكومتي سوريا ولبنان؛ مذكرةً تضَمَّنت طلباتٍ متعسفة تتعارضُ مع السيادة الوطنية، وكان فيها إصرارٌ شديد لعقد اتفاقيات تجعل لفرنسا مكانًا متميزًا وأوضاعًا استراتيجيةً، فلم ترضَخِ الحكومتان لهذه الضغوط، وبدأ الهياجُ الشعبي، ثم قام الفرنسيون بواسطةِ جنود سنغاليين بقتل رجال الشرطة المكلَّفين بحراسة مبنى مجلس النواب، ثم وُجِّهَت المدفعية إلى مبنى مجلس النواب، وقام الطيران الفرنسي بقَصفِ قلعة دمشق، ثم تدخَّلت بريطانيا لوقفِ إطلاق النار وسَحْب القوات الفرنسية إلى الثكنات، حتى لم يبق من القوات الفرنسية عمليًّا إلا القوات الخاصة، وكانت سوريا ولبنان قد بدأتا بموجِبِ صَكِّ الانتدابِ بتسلُّم ما سمي بالمصالح المشتركة التي كانت تدارُ عن طريق المفوَّض السامي الفرنسي مثل الجمارك وسكك الحديد والدفاع المدني، حتى تم تسلُّم المصالح عام 1944م، ثم تم جلاء القوات الفرنسية نهائيًّا عن سوريا ثم عن لبنان.
بعد استقرارِ الأحوال في ألبانيا، أُجريت انتخابات عامة وعلى إثر فوز أنور خوجا بها أُعلنت ألبانيا جمهوريةً شعبية، وأُلغيت الملكية رسميًّا، وأصبح أنور خوجا رئيسًا للبلاد، وما إن أمسك بمقاليد الأمور حتى بادر إلى قطعِ العلاقات مع كلٍّ مِن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وكان أنور خوجا من المعجَبين بستالين: دكتاتور الاتحاد السوفيتي الشيوعي، فوقف إلى جانِبِه حين نشب خلافٌ سنة 1367هـ / 1948م بينه وبين "تيتو" الرئيس اليوغسلافي، على الرغم من مساندة الحزب الشيوعي اليوغسلافي للشيوعيين الألبان في أثناء الاحتلال الإيطالي لبلادِهم، غير أنَّ هذا التأييد الذي أبداه أنور خوجا للسياسة السوفيتية توقَّفَ بعد وفاة ستالين سنة 1373هـ / 1953م، وانتهاج خلفائِه سياسةً مغايرة؛ فتحوَّل التأييد إلى عداءٍ مُستحكم، انتهى بقطع العلاقات بين البلدين في سنة 1381هـ / 1961م، وكان من الأسباب التي أدَّت إلى هذه النتيجة وقوف "خوجا" إلى جانب الصين في صراعها الأيديولوجي المذهبي ضِدَّ الاتحاد السوفيتي، ثم أعقب ذلك انسحابُ ألبانيا من حلف "وارسو" سنة 1388هـ / 1968م، والتوقُّف عن المشاركة في "الكوميكون"، وهو المجلس المشترك لمساعدة دولة الكتلة الشرقية.
بَقِيَت ألبانيا تحت الاحتلالِ الإيطالي نحو أربع سنوات، ثم وقَعَت تحت الاحتلال الألماني، لكِنَّها ما لبثت أن انسحبت منها بعد عام واحد، وكانت الهزائِمُ قد توالت عليها، ولم تجد مفرًّا من تَرْك ألبانيا؛ فتسَلَّم الحكمَ فيها جبهةُ التحرير القومية بقيادة الشيوعيين، وكانت هذه الجبهةُ قد تأسَّست في سنة 1360هـ / 1941م، وقادت حركةَ المقاومة ضِدَّ الغزو الإيطالي والألماني. ولما وضعت الحربُ أوزارَها، وعاد الهدوء إلى ألبانيا؛ أُجريت انتخاباتٌ في سنة 1365هـ أسفرت عن فوز "أنور خوجا" زعيم الحزب الشيوعي الألباني، وأُعلِنَت ألبانيا جمهوريةً شعبية. حكم خوجا بلادَه بالحديد والنار، وفَرَض عليها عزلةً صارمة. وحارب الأديانَ كُلَّها، وأصدر على مدارِ سنواتِ حُكمِه العديدَ من القرارات التي هدفت إلى تجريم ممارسة الشعائر الدينية، وإلى تحويل المساجِدِ إلى متاحفَ ومخازن ومتاجر ومراقِصَ!! وظل أنور خوجا يحكُمُ ألبانيا إحدى وأربعين سنة حتى تُوفي في 20 رجب 1405هـ / 11 إبريل 1985م، عن عمر يناهز السابعة والسبعين، وخلفه "رافر عليا" الذي قام بعددٍ من الإصلاحات، بعد أن هبَّت رياح الحرية في أوربا الشرقية، وشَمِلَت هذه الإصلاحات التي قام بها رفعَ القيود على ممارسة الألبان لشعائِرِهم الدينية، وإعادة فتحِ المساجدِ التي أُغلِقَت من قَبلُ، والموافقة على حرية السفر، والاعتراف بحقِّ كُلِّ مواطن في الحصول على جواز سفر. واتجهت ألبانيا بعد ذلك إلى الانفتاحِ على أوربا والتقارب مع دولها، ورفع القيود عن الاستعمار الأجنبي، وإنهاء الحظر على التعددية الحزبية.
بعد أن منحت بريطانيا شرقَ الأردن حَقَّ الاستقلال -بموجِبِ صَكِّ الانتداب- دعا ملِكُ الأردني عبد الله الأول إلى إحياءِ مشروع "سوريا الكبرى" الذي يضمُّ الأردن وسوريا ولبنان، إلَّا أن المجلس النيابيَّ السوري رفض هذا المشروع في سبتمبر 1947م.
بعد أن قضى الانتدابُ البريطاني في شرق الأردن 25 سنة من 1921م مَنَحت بريطانيا شرقَ الأردن حقَّ الاستقلال بموجِبِ صَكِّ الانتداب -الذي يقضي ببقاء شرق الأردن تحت الحكم البريطاني 25 سنة- تمَّ إبرامُ المعاهدة البريطانية الأردنية الثانية في 22 مارس التي تعترف باستقلالِ شرقِ الأردن. وتم إعلانُ استقلال إمارة شرق الأردن، وإعلانُ قيام المملكة الأردنية الهاشمية، ويكون المَلِكُ عبد الله الأول بن الحسين ملكًا عليها يوم 25/5/1946، إلَّا أن الجيش الأردني بقِيَ تحت قيادة الضباط البريطانيين على رأسهم (أبو حنيك) غلوب باشا حتى عام 1957م.
أسَّس عبد الرحمن المهدي زعيمُ جماعة الأنصار المهدية حزبَ الأمة السوداني كامتدادٍ سياسي للحركة المهدية في السودان، وكان شعارُه "السودان للسودانيين" وتحقيق المطامح الوطنية في الاستقلال عن مصر، والتخلُّص مما يُعرَف بدولتي الحُكمِ الثنائي (مصر وبريطانيا)، وبناء الدولة السودانية المستقلَّة على أُسُس المساواة والحرية والعدل، وكان حزبُ الأمة السوداني يطالِبُ باستقلال السودان عن بريطانيا ومصر رافعًا راية الاستقلال الكامِل عن الدولتين، وسُمِّي مؤيِّدوه بالاستقلاليين.