الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2161 ). زمن البحث بالثانية ( 0.009 )

العام الهجري : 1343 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1924
تفاصيل الحدث:

وجَّه الملك عبد العزيز بعد دخولِه مكَّةَ دعوةً لمجموعة من العلماء والأعيان فاجتمعوا، فقال يخاطبهم:"إنَّ ديارًا كديارِكم تحتاجُ إلى اهتمامٍ زائدٍ في إدارة شؤونها، وعندنا مَثَلٌ يعرِفُه الناسُ جميعًا: أهلُ مكَّةَ أدرَى بشِعابِها. فأنتم أعلم ببلدِكم من البعيدين عنكم، وما أرى لكم أحسَنَ مِن أن تُلقى مسؤوليات الأعمال على عواتِقِكم، وأريد منكم أن تعَيِّنوا وقتًا تجتَمِعُ فيه نخبةٌ من العلماء والأعيان والتجَّار، وينتَخِبُ كُلُّ صِنفٍ مِن هؤلاء عددًا معيَّنًا كما ترتضون وتقرِّرون، وذلك بأوراق تمضونَها من المجتمعين بأنهم ارتضَوا أولئك النفر لإدارة مصالحهم العامة، والنظرِ في شؤونهم، ثم يستلمُ هؤلاء الأشخاص زمامَ الأمر، فيعيِّنون لأنفسهم أوقاتًا يجتمعون فيها، ويقرِّرون ما فيه المصلحة للبلد، وشكاياتُ الناسِ ومطالبُهم يجب أن يكونَ مرجِعُها هؤلاء النخبةَ من الناس. ويكونون أيضًا الواسطةَ بين الأهلين وبيني، فهم عيون لي وآذانٌ للناس يسمعون شكاويهم وينظرون فيها، ثم يراجعونني، وإني أريد ممن سيجتمعون لانتخاب الأشخاص المطلوبين أن يتحَرَّوا المصلحةَ العامة ويقدِّموها على كل شيء، فينتخبوا أهل الجدارة واللياقة الذين يغارون على المصالح العامة، ولا يقَدِّمون عليها مصالحهم الخاصة، ويكونون من أهل الغَيرة والحميَّة والتقوى، تجِدون بعض الحكومات تجعل لها مجالِسَ للاستشارة، ولكِنَّ كثيرًا من تلك المجالس وهمية أكثَرَ منها حقيقية، تشكَّلُ ليقال إنَّ هنالك مجالسَ وهيئات، ويكون العمل في يدٍ شخصٍ واحدٍ ويُنسَب العمل إلى العموم!! أمَّا أنا فلا أريد من هذا المجلس الذي أدعوكم لانتخابه أشكالًا وأوهامًا، وإنما أريد شكلًا حقيقيًّا يجتَمِعُ فيه رجال حقيقيون يعملون جهدَهم في تحرِّي المصلحة العامة. لا أريد أوهامًا، وإنما أريد حقائقَ. أريد رجالًا يعملون. فإذا اجتمع أولئك المنتَخَبون وأشكل عليَّ أمر من الأمور، رجعت إليهم في حَلِّه وعملتُ بمشورتهم. وتكون ذمتي سالمةً من المسؤوليات، وأريدُ منهم أن يعملوا بما يجِدون فيه المصلحة، وليس لأحدٍ مِن الذين هم أطرافي سلطةٌ عليهم ولا على غيرهم. أريد الصراحة في القول؛ لأن ثلاثةً أكرهُهم ولا أقبلُهم: رجلٌ كذابٌ يكذِبُ عليَّ عن عمدٍ، ورجلٌ ذو هوًى، ورجلٌ متمَلِّقٌ؛ فهؤلاء أبغضُ الناس عندي" فعُقِد بعد ذلك اجتماع أسفر عن انتخاب 12 شخصًا تألف منهم مجلسٌ سمِّي المجلسَ الأهلي، وصدر بيان ملكي عُهِدَ فيه إلى المجلس بالنظر في نظام المحاكِمِ الشرعية، وتدقيق مسائل الأوقاف، ووضْع نظام للأمن الداخلي، وسَنِّ لوائح للبلدية والصحة العامة، ونشر التعليم الديني، وتعميم القراءة والكتابة، وتنظيم التجارة ووسائل البرق والبريد. واستمر العمَلُ في هذا المجلس إلى مطلع عام 1345هـ حيث حُلَّ المجلسُ الأهلي وشُكِّل بدلًا عنه مجلسٌ للشورى.

العام الهجري : 345 العام الميلادي : 956
تفاصيل الحدث:

عَصِيَ روزبهان الديلميُّ على معِزِّ الدولة وانحاز إلى الأهوازِ ولَحِقَ به عامَّةُ من كان مع المهلبي وزيرِ مُعِزِّ الدولة الذي كان يحارِبُه، فلمَّا بلغ ذلك مُعِزَّ الدولةِ لم يصَدِّقْه؛ لأنَّه كان قد أحسن إليه ورفع مِن قَدْرِه بعد الضَّعةِ والخمول، ثم تبيَّنَ له أنَّ ذلك حَقٌّ، فخرج لقتالِه وتَبِعَه الخليفةُ المطيع لله خوفًا مِن ناصرِ الدَّولةِ بنِ حمدان؛ فإنَّه قد بلغه أنَّه جهَّزَ جَيشًا مع ولدِه أبي المرجا جابر إلى بغداد ليأخُذَها، فأرسل معِزُّ الدولة حاجِبَه سبكتكين إلى بغداد، وصمَدَ مُعِزُّ الدولة إلى الروزبهان فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وهزمه معِزُّ الدولة وفَرَّق أصحابَه وأخذه أسيرًا إلى بغداد فسَجَنه، ثم أخرجه ليلًا وأغرَقَه؛ لأنَّ الديلمَ أرادوا إخراجَه من السجن قهرًا، وانطوى ذِكرُ روزبهان وإخوتِه، وكان قد اشتعل اشتعالَ النَّارِ، وحَظِيَت الأتراكُ عند معِزِّ الدولة وانحطَّت رتبةُ الديلم عنده؛ لأنَّه ظهر له خيانتُهم في أمر الروزبهان وإخوتِه.

العام الهجري : 1226 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1811
تفاصيل الحدث:

لما رجع سعود من الحج أطلق آلَ خليفة أهل البحرين والزبارة، وأذِنَ لهم بالرجوع إلى بلدهم، ووعدوه بالسمع والطاعة وعدم المخالفة، ووافق وقتُ وصولهم البحرين وقوعَ مقاتلة عظيمة في البحر بين عشايرهم وأبنائهم وبين أتباع الدولة السعوديةِ الذين في ناحيتِهم، وهم رحمة بن جابر بن عذبي أمير خوير حسان المعروف، وأبا حسين أمير الحويلة البلد المعروفة في قطر، وإبراهيم بن عفيصان أمير شوكة المرابِطة من أهل نجد وغيرهم، وذلك أنَّ هؤلاء سار بعضُهم على بعض في السفُنِ، فوقعت الملاقاة في البحر قربَ البحرين، فوقع قتالٌ شديد وكثُر القتلى بين الفريقين، ثم اشتعلت النار في السفُنِ، ومات بينهم خلق كثيرٌ قتلًا وحرقًا وغَرَقًا، فاحترقت السفن بمن فيها، واحترق لابن جابر وأبا حسين ومن معهم من المسلمين سبعةُ مراكب، واحترق لآل خليفة نحو ذلك, وقُتِل من أهل البحرين وأتباعهم ومن أتباع آل سعود نحو 1600 قتيل.

العام الهجري : 1227 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1812
تفاصيل الحدث:

حاول العثمانيون عقدَ اتفاقٍ مع روسيا مماثلٍ لِما جرى بين إنكلترا وروسيا، ولكنَّه فَشِل واشتعلت نارُ الحرب بينهما، وهُزم العثمانيون واستولى الروسُ على بعض المواقع، وعُزِل الصدر الأعظم ضياء يوسف باشا وتولى مكانه أحمد باشا الذي انتصر على الروس، وأجلاهم عن المواقِعِ التي دخلوها، وساءت العلاقة بين فرنسا وروسيا، وكادت تقعُ الحرب بينهما، فطلبت روسيا الصلحَ مع الدولة العثمانية، وعقدت بين الطرفين مُعاهدة بوخارست التي نصَّت على بقاء الأفلاق والبغدان وبلاد الصرب تابعة للدولة العثمانية. وقد مكَّنَ الصُّلحُ السلطانَ محمود الثاني من القيام ببعض الإصلاحاتِ والقضاءِ على الثورات والتمَرُّد في الدولة، ولَمَّا عَلِم الصربيون بمعاهدة بوخارست، وإعادة خضوعهم للدولة العثمانية، قاموا بالثورة غيرَ أنَّ القوات العثمانية أخضعَتْهم بالقوة، وفَرَّ زعماء الثورة إلى النمسا، ولكِنَّ أحدهم وهو ثيودور فِتش أظهر الولاء للعثمانيين وخضع للسلطةِ العثمانية، وحصل على امتيازات خاصةٍ مِن الدولة.

العام الهجري : 1361 العام الميلادي : 1942
تفاصيل الحدث:

بعد أن عاد هيلا سيلاسي إلى الحكم في عام 1361 / 1942م وبعد أن أتمَّ استئناف برامجه لتنصير المسلمين، جاءت الهيئاتُ التنصيرية السويدية بإيعازٍ منه إلى منطقة القراقي الإسلامية، والتي لا يوجَدُ فيها نصراني واحد، أو يهودي أو وثني، فهَبَّ شيخ المقاطعة عبد السلام يطالبُ عن طريق القانون منعَ دخول المنصِّرين إلى هذه المقاطعة الإسلامية؛ تجنُّبًا لِما يحدث من أضرار للمنَصِّرين، فاتهمته السلطاتُ بأنه يبَيِّت العدوان على المنصِّرين، فاعتقلَتْه وزجَّتْه في السجن، فاحتشد المسلمون في تلك المقاطعة أمام بيت الحاكم الأمهري، وطلبوا الإفراجَ عن الشيخ عبد السلام، فأخذ الجنود بضرب المسلمين، ثم تلاه إطلاقُ النار الذي خلَّف عشرات القتلى، وأعلن عن موت الشيخ بالسَّجنِ، فانتقم الأهالي بإحراقِ مراكز التنصير، فقام الإمبراطور هيلا سيلاسي بمنحِ أراضيهم الزراعية للمنَصِّرين، وشَرَّد من نجا مِن رَصاص جنودِه، وأصبحت القرية مِلكًا للنصارى بكامِلِها بعد أن كانت للمسلمين بأكمَلِها!

العام الهجري : 1365 العام الميلادي : 1945
تفاصيل الحدث:

بعد أن انتهت الحرب العالمية وانتصر الحلفاء أرسل ممثِّل فرنسا مذكرةً إلى حكومتي سوريا ولبنان؛ مذكرةً تضَمَّنت طلباتٍ متعسفة تتعارضُ مع السيادة الوطنية، وكان فيها إصرارٌ شديد لعقد اتفاقيات تجعل لفرنسا مكانًا متميزًا وأوضاعًا استراتيجيةً، فلم ترضَخِ الحكومتان لهذه الضغوط، وبدأ الهياجُ الشعبي، ثم قام الفرنسيون بواسطةِ جنود سنغاليين بقتل رجال الشرطة المكلَّفين بحراسة مبنى مجلس النواب، ثم وُجِّهَت المدفعية إلى مبنى مجلس النواب، وقام الطيران الفرنسي بقَصفِ قلعة دمشق، ثم تدخَّلت بريطانيا لوقفِ إطلاق النار وسَحْب القوات الفرنسية إلى الثكنات، حتى لم يبق من القوات الفرنسية عمليًّا إلا القوات الخاصة، وكانت سوريا ولبنان قد بدأتا بموجِبِ صَكِّ الانتدابِ بتسلُّم ما سمي بالمصالح المشتركة التي كانت تدارُ عن طريق المفوَّض السامي الفرنسي مثل الجمارك وسكك الحديد والدفاع المدني، حتى تم تسلُّم المصالح عام 1944م، ثم تم جلاء القوات الفرنسية نهائيًّا عن سوريا ثم عن لبنان.

العام الهجري : 1401 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1980
تفاصيل الحدث:

عُقِدَت قِمةُ عَمَّان في 25 – 27 تشرين الثاني 1980م، وأكَّدت هذه القِمةُ التي شاركتْ فيها 15 دولةً دَعْمَها لِوَحدة وسلامة أراضي لُبنان، ووافقَتْ على استمرارِ مُقاطَعة مصرَ، ودعمَت العراقَ في حَرْبه ضدَّ إيرانَ.
وصدَر عن المؤتمر بيانٌ خِتامي تضمَّن مجموعةً من القراراتِ؛ أهمُّها:
- عَزْم القادةِ العربِ على إسقاط اتِّفاقيتي كامب دِيفيد للسلامِ مع إسرائيلَ.
- التأكيدُ على أنَّ قرارَ مجلس الأمْن رقم (242) لا يتَّفق مع الحُقوق العربية، ولا يُشكِّل أساسًا صالحًا لحلِّ أزمة القضية الفلسطينيَّة.
- الدعوةُ إلى وَقفِ إطلاق النار بين العراقِ وإيرانَ، وتأييدُ حُقوق العراق المشروعةِ في أرْضِه ومِياهه.
- إدانةُ الاعتداء الإسرائيلي على لُبنانَ، ودَعمِ وَحدة وسلامة أراضي لُبنانَ.
- إدانةُ استمرار حُكومة واشنطن في تأْييد إسرائيلَ، وإلصاقِ صِفة الإرهاب بمنظَّمة التحريرِ الفلسطينية.
- المصادقةُ على وَثيقةِ إسْتراتيجيةِ العملِ الاقتصادي العربيِّ المشترك حتى عام 2000م.
- الموافقةُ على استمرار مُقاطَعة مصرَ.

العام الهجري : 658 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1260
تفاصيل الحدث:

لمَّا بلغ الملك المظفَّر سيف الدين قُطز صاحِبَ مِصرَ أنَّ التتارَ قد فعلوا بالشَّامِ ما فعلوه، وقد نهَبوا البلاد كلَّها حتى وصلوا إلى غزَّة، وقد عزم كتبغانوين نائب هولاكو في الشام على الدخولِ إلى مصر، وكان إذ ذاك في البقاع فاستشار الأشرفَ صاحِبَ حمص والمجير بن الزكي، فأشاروا عليه بأنَّه لا قِبَل له بالمظفَّر حتى يستَمِدَّ هولاكو فأبى إلا أن يناجزه سريعًا، فبادرهم  المظفَّر قطز قبل أن يبادِروه ويبرز إليهم وقد اجتمعت الكلمةُ عليه، فبعد قدومِ الصاحب كمال الدين بن العديم رسولًا من الشام يطلبُ النَّجدةَ على التتار، جمعَ قُطز الأمراءَ‍ والأعيان، وحضر معهم الشيخُ عز الدين بن عبد السلام والقاضي بدر الدين السنجاري، وجلس المَلِكُ المنصور في دَست السلطنة، فاعتمدوا على ما يقولُه الشيخ عز الدين، فكان خلاصته: "إذا طرق العدوُّ البلادَ وجب على العالمَ كُلِّهم قتالُهم، وجاز أن يؤخَذَ مِن الرعيَّة ما يُستعانُ به على جهادِهم، بشرط ألَّا يبقى في بيتِ المال شيءٌ، وأن تبيعوا ما لكم من الحوائِصِ والآلاتِ، ويَقتَصِر كل منكم على فَرَسِه وسلاحِه، ويتساووا في ذلك هم والعامَّة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاءِ ما في أيدي الجُندِ مِن الأموال والآلاتِ الفاخرةِ فلا"، ثم بعد أيامٍ يسيرةٍ قَبَضَ على المنصور علي بن المعز وقال: هذا صبيٌّ والوقت صعبٌ، ولا بد من أن يقوم رجلٌ شجاع ينتصب للجهادِ فقبض عليه، وتسلطَنَ وتلقَّبَ بالملك المظفر. ثم قَدِمَ الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري من دمشق مهاجرًا إلى مصرَ؛ لخدمة الملك المظفر سيف الدين قطز, فدخل القاهرةَ يوم السبت ثاني وعشرين ربيع الأول سنة ثمان وخمسين، فركب المظفَّر للقائه وأنزله في دارِ الوَزارة وأقطعه قَصبةَ قيلوب لخاصَّتِه، وأشار عليه بيبرس بملاقاة التتار وقَوَّى جأشَه وحَرَّك عزائمه وحرَّضَه على التوجه للقائهم, فخرج المظفَّر قطز يوم الاثنين خامس عشر شعبان بجميع عساكِرِ مِصرَ مع ما انضاف إليهم من العَرَب وغيرهم لقصدِ التتار الذين بالشَّامِ، فلما وصل إلى مرج عكا بلغ بكتبغانوين، مُقَدَّمَ عسكر التتار بالشام خروجُ الملك المظفَّر، وكان في بلد حمص فتوجَّه إلى الغور، وبعث الملك المظفر للأمير ركن الدين البندقداري  في عسكرٍ ليتجَسَّس خبَرَ التتار،  فلما وقعت عينُه عليهم كتب للملك المظفر يعلِمُه بوصولهم ثمَّ انتهز الفرصةَ في مناوشتهم، فلم يزل يستدرجُهم تارة بالإقبال وتارة بالإحجام حتى وافى بهم إلى المَلِك المظفَّر على عين جالوت فكانت الوقعةُ التي أيَّدَ الله بها المُسلِمينَ على التتارِ،  وأخَذَ بها منهم ثأرَ أهلِ الوَبَر والمَدَر، وحاقَ بهم مَكرُ السَّيفِ، وحكَمَ فيهم الحَتفُ بالحَيفِ، وقَتَلوهم وأخذوهم ومعهم مَلِكُهم كتبغانوين، فقُتِلَ وأُخِذَ رأسُه وأُسِرَ ابنه، وكانت الوقعةُ بين المسلمين والتتار  على ((عين جالوت)) يومَ الجمعة خامس وعشرين من شهر رمضان المعظَّم، ووصل الخبَرُ إلى دمشق في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فانهزم بتلك الليلة من كان بدمشقَ مِن التتار وأيل سبان نائب الملك وأتباعهم، وتبعهم النَّاسُ وأهل الضياع ينهبونهم ويقتلونَ مَن ظَفِروا به، فلله الحمدُ والشُّكر, ودخل السلطانُ الملك المظفَّر إلى دمشق يوم الأحد رابع شوال، فأقام بها إلى أن خرج منها طالبًا للدِّيار المصرية, ومن العجائِبِ أن التتار كُسِروا وأُهلِكوا بأبناء جنسِهم المماليكِ، وهم من التركِ!! وعَمِل الشيخُ شهاب الدين أبو شامة في ذلك شِعرًا:
غلبَ التَّتارُ على البلادِ فجاءهم
مِن مِصرَ تركيٌّ يجودُ بنَفسِه
بالشَّامِ بدَّدَهم وفَرَّق شَملَهم
ولكلِّ شَيءٍ آفةٌ مِن جِنسِه
وقد قاتل الملكُ المنصورُ صاحِبُ حماة مع المَلِك المظفَّر قِتالًا شَديدًا، وكذلك الأميرُ فارس الدين أقطاي المستعرب، وكان أتابك العسكَر، وقد أُسِرَ من جماعة كتبغانوين المَلِك السعيد بن العزيز بن العادل فأمَرَ المظفَّر بضَرب عُنُقِه، واستأمن الأشرفُ صاحِبُ حمص، وكان مع التَّتارِ وقد جعله هولاكو خان نائبًا على الشام كُلِّه، فأمنه الملك المظفَّر ورَدَّ إليه حمص، وكذلك ردَّ حماة إلى المنصور وزاده المَعَرَّة وغيرها، وأطلق سلمية للأميرِ شَرَف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب، واتَّبَع الأميرُ بيبرس البندقداري  وجماعةٌ من الشجعان التتارَ يقتُلونَهم في كل مكان، إلى أن وصلوا خلفَهم إلى حَلَب، وهرب مَن بدمشقَ منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان، فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلونَ فيهم ويفتِكونَ الأسارى من أيديهم، وجاءت بذلك البشارةُ، ولله الحمدُ على جبرِه إيَّاهم بلُطفِه فجاوبتها دقُّ البشائر من القلعة، وفرح المؤمنون بنصر الله فرحًا شديدًا، وأيَّدَ اللهُ الإسلامَ وأهله تأييدًا وكَبَت الله النصارى واليهودَ والمنافقين، وظهر دينُ الله وهم كارهون، فتبادر عند ذلك المسلمونَ إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصَّليبُ فانتَهَبوا ما فيها وأحرقوها وألقوا النَّارَ فيما حولها، فاحترق دُورٌ كثيرةٌ إلى النصارى، وملأ اللهُ بيوتَهم وقبورَهم نارًا، وأُحرِقَ بعضُ كنيسةِ اليعاقبة، وهمَّت طائفةٌ بنَهبِ اليهود، فقيل لهم إنَّه لم يكن منهم من الطغيانِ كما كان من عَبَدة الصُّلبان، وقَتَلَت العامَّة وسطَ الجامِعِ شَيخًا رافضيًّا كان مُصانِعًا للتتار على أموالِ النَّاسِ يقال له الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجي، كان خبيثَ الطويَّة مشرقيًّا ممالئًا لهم على أموالِ المسلمين- قبَّحه الله- وقَتَلوا جماعةً مِثلَه من المنافقين، فقُطِعَ دابِرُ القَومِ الذين ظَلَموا والحمدُ لله رب العالَمينَ.

العام الهجري : 9 ق هـ العام الميلادي : 613
تفاصيل الحدث:

كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدْعو إلى الله تعالى في كُلِّ أحوالِهِ؛ ليلًا ونهارًا، وسِرًّا وجهرًا، لا يَصرِفُه عن ذلك صارِفٌ ولا يَرُدُّه عن ذلك رادٌّ، ولا يَصُدُّه عن ذلك صادٌّ، يَتبَعُ الناسَ في أنديَتِهم، ومَجامِعِهم ومَحافِلِهم وفي المَواسمِ، ومَواقفِ الحَجِّ؛ يدعو مَن لَقيَه مِن حرٍّ وعبدٍ، وضعيفٍ وقويٍّ، وغنيٍّ وفقيرٍ.
وتسلَّط عليه وعلى مَنِ اتَّبَعه كفارُ قَومِه من مُشرِكي قُريشٍ، بل كان من أشدِّ الناسِ عليه عمُّه أبو لَهَبٍ وامرأتُه أُمُّ جَميلٍ حَمَّالةُ الحَطَبِ -أرْوَى بِنتُ حَربِ بن أُمَيَّةَ أختُ أبي سُفيانَ-، وكان عمُّه أبو طالبِ بن عبد المُطَّلب يحنو عليه، ويُحسِنُ إليه، ويُدافِعُ عنه ويُحامي، ويُخالِفُ قَومَه في ذلك؛ مع أنه على دِينِهم، وكان استِمرارُه على دينِ قَومِه من حكمةِ الله تعالى، ومَّما صَنَعه لرَسولِه من الحِمايةِ؛ إذ لو كان أسلَمَ أبو طالب لَمَا كان له عند مُشرِكي قُريشٍ وَجاهةٌ ولا كلمةٌ، ولا كانوا يَهابونه ويَحتَرِمونَه.
روى أصحاب السِّير أنَّ قريشًا جاءتْ إلى أبي طالبٍ فقالوا: "إنَّ ابنَ أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومَسجِدِنا فانْهَهُ عنَّا". فقال: "يا عَقيلُ، انطلِقْ فأْتِني بمُحمَّدٍ"، فجاء به في الظَّهيرةِ في شدَّةِ الحَرِّ. فلمَّا أتاهم قال: "إنَّ بني عمِّك هؤلاء زعموا أنَّك تُؤذيهم في ناديهم ومَسجدِهم؛ فانتَهِ عن أذاهم"، فحلَّق رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببصرِه إلى السماءِ؛ فقال: "تَرَونَ هذه الشَّمسَ؟" قالوا: "نعم"، قال: "فما أنا بأقدَرَ أن أدَعَ ذلك منكم على أن تَشتَعِلوا منها بشُعلةٍ". فقال أبو طالبٍ: "واللهِ ما كَذَب ابنُ أخي قطُّ فارجِعوا".

العام الهجري : 247 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 862
تفاصيل الحدث:

كان مَقتلُ الخليفةِ المتوكِّلِ على الله على يَدِ وَلَدِه المنتَصِر، وكان سببُ ذلك أن المتوكِّلَ أمَرَ ابنَه عبدَ الله المعتَزَّ أن يخطُبَ بالناسِ في يومِ جمعة، فأدَّاها أداءً عظيمًا بليغًا، فبلغ ذلك من المنتَصِر كلَّ مبلغٍ، وحَنقَ على أبيه وأخيه، وزاد ذلك أنَّ المتوكِّلَ أراد من المنتَصِر أن يتنازلَ عن ولايةِ العهد لأخيه المعتَزِّ فرفض، وزاد ذلك أيضًا أنَّه أحضَرَه أبوه وأهانَه وأمَرَ بضَربِه في رأسِه وصَفْعِه، وصَرَّحَ بعَزلِه عن ولايةِ العَهدِ، فاشتَدَّ أيضًا حَنقُه أكثَرَ ممَّا كان، فلمَّا كان يومُ عيدِ الفِطرِ خطَبَ المتوكِّلُ بالنَّاسِ وعنده بعضُ ضَعفٍ مِن عِلَّةٍ به، ثم عدَلَ إلى خيامٍ قد ضُرِبَت له أربعةُ أميالٍ في مثلِها، فنزل هناك ثم استدعى في يومِ ثالثِ شَوَّال بنُدَمائِه على عادتِه في سَمَرِه، ثمَّ تمالأ ولَدُه المنتصِرُ وجماعةٌ مِن الأمراءِ على الفَتكِ به فدخلوا عليه ليلةَ الأربعاءِ لأربعٍ خَلَونَ مِن شَوَّال، وهو على السِّماطِ، فابتدروه بالسُّيوفِ فقَتَلوه، وكانت مدةُ خلافتِه أربعَ عشرةَ سَنةً وعَشرةَ أشهر وثلاثة أيام، ثم ولَّوا بعده ولَدَه المنتَصِر، وبعث إلى أخيه المعتَزِّ فأحضَرَه إليه فبايعه المعتَزُّ، وقد كان المعتَزُّ هو وليَّ العَهدِ مِن بعدِ أبيه، ولكِنَّه أكرَهَه، وخاف فسَلَّمَ وبايعَ، ومِن المعروفِ أنَّ الأتراكَ الذين كان قد قَرَّبَهم الواثقُ وجعَلَهم قوَّادَه الأساسيِّينَ قد حَقَدوا على المتوكِّلِ، فكان ذلك من أسبابِ تَمالُئِهم على قَتلِه، وباغتيالِ المتوكِّلِ يعتبَرُ العصرُ العباسيُّ الأوَّلُ قد انتهى، وهو عصرُ القُوَّة، وبدأ العصرُ الثاني- عصرُ الضَّعفِ والانحدارِ- بالمنتصرِ؛ وذلك لأنَّ الخِلافةَ أصبحت صورةً ظاهريَّةً، والحُكمُ الحقيقيُّ هو للقُوَّاد العسكريِّين.

العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

كان بمصر غَلاءٌ شَديدٌ، ومَجاعةٌ عَظيمةٌ حتى أَكلَ الناسُ بَعضُهم بَعضًا، وفارَقوا الدِّيارَ المِصريَّة، فوَرَدَ بغدادَ منهم خَلْقٌ كَثيرٌ هَرَبًا مِن الجوعِ، ووَرَدَ التُّجَّارُ، ومعهم ثِيابُ صاحبِ مصر وآلاتُه، نُهِبَت مِن الجوعِ، وكان فيها أشياءُ كَثيرةٌ كانت قد نُهِبَت من دارِ الخِلافةِ وقتَ القَبضِ على الطائعِ لله سنة 381هـ، وممَّا نُهِبَ أيضًا في فِتنةِ البساسيري وخَرَجَ من خَزائنِهم ثمانون ألف قِطعةِ بِلَّوْر كِبار، وخمسة وسبعون ألف قِطعةٍ من الدِّيباج، وعشرون ألف سَيفٍ مُحَلًّى، وغيرُ ذلك كثيرٌ ممَّا يَتَعَجَّبُ المرءُ مِن سَماعِه لِكَثرَتِه وعِظَمِه، وكُلُّه كان في قُصورِ المُستَنصِر، وأَكلَ أهلُ مصر الجِيَفَ والمَيْتَةَ والكِلابَ، فكان يُباع الكَلبُ بخَمسةِ دنانير، وماتت الفِيَلَةُ فأُكِلَت مَيتَتُه، وأُفْنِيَت الدَّوابُّ فلم يَبقَ لصاحبِ مصر سوى ثلاثةُ أَفراس، بعدَ أن كان له العددُ الكثيرُ من الخَيْلِ والدَّوابِّ، ونَزلَ الوزيرُ يومًا عن بَغلتِه فغَفَلَ الغُلامُ عنها لِضَعْفِه من الجوعِ فأَخذَها ثلاثةُ نَفَرٍ فذَبَحوها وأَكلوها فأُخِذُوا فصُلِبُوا فما أَصبَحوا إلَّا وعِظامُهم بادِيَةٌ، قد أَخذَ الناسُ لُحومَهم فأَكَلوها، وظُهِرَ على رَجُلٍ يَقتُل الصِّبيانَ والنِّساءَ ويَدفِن رُؤوسَهم وأَطرافَهم، ويَبيع لُحومَهم، فقُتِلَ وأُكِلَ لَحمُه، وكانت الأعرابُ يَقدَمون بالطعامِ يَبيعونَه في ظاهرِ البلدِ، لا يَتجاسرون يَدخلون لِئلَّا يُخطَف ويُنهَب منهم، وكان لا يَجسُر أَحدٌ أن يَدفِن مَيِّتَهُ نهارًا، وإنَّما يَدفِنه ليلًا خُفيةً، لِئلَّا يُنبَش فيُؤكَل، وبِيعَت ثِيابُ النِّساءِ والرِّجالِ وغيرُ ذلك بأَرخصِ ثَمَنٍ، وكذلك الأملاكُ وغيرُها.

العام الهجري : 468 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1076
تفاصيل الحدث:

في سَنةِ 463هـ مَلَكَ أتسز الرَّمْلَةَ، والبيتَ المُقدَّسَ، وحَصرَ مَدينةَ دِمشقَ، فلمَّا عادَ عنها جَعلَ يَقصِد أَعمالَها كلَّ سَنةٍ عند إدراكِ الغَلَّاتِ فيَأخُذها، فيَقوَى هو وعَسكرُه، ويَضعُف أَهلُ دِمشقَ وجُندُها، فلمَّا كان رَمضانُ سَنةَ 467هـ سار إلى دِمشقَ فحَصرَها، وأَميرُها المُعَلَّى بن حَيدرَة مِن قِبَلِ المُستَنصِر العُبيدي صاحبِ مصر، فلم يَقدِر عليها، فانصَرفَ عنها في شوَّال، فهَربَ أَميرُها المُعلَّى في ذي الحجَّةِ، وكان سببُ هَرَبِه أنَّه أَساءَ السِّيرَةَ مع الجُنْدِ والرَّعِيَّةِ وظَلَمَهم، فكَثُرَ الدُّعاءُ عليه، وثار به العَسكرُ، وأَعانَهُم العامَّةُ، فهَرَبَ منها إلى بانياس، ثم منها إلى صور، ثم أُخِذَ إلى مصر فحُبِسَ بها، فماتَ مَحبوسًا، فلمَّا هَربَ من دِمشقَ اجتَمعَت المصامدة -والمصامدة قَبيلَة من المَغارِبَة- ووَلَّوْا عليهم انتِصارَ بنَ يحيى المَصموديَّ، المَعروف برَزِينِ الدَّولةِ، وغَلَت الأَسعارُ بها حتى أَكلَ الناسُ بَعضُهم بَعضًا، ووَقعَ الخُلْفُ بين المصامدة وأَحداثِ البَلدِ، وعَرفَ أتسز ذلك، فعادَ إلى دِمشقَ، فنَزلَ عليها في شَعبانَ من هذه السَّنَةِ، فحَصرَها، فعُدِمَت الأَقواتُ، فبِيعَت الغرارة، إذا وُجِدَت، بأَكثرَ من عِشرين دِينارًا، فسَلَّموها إليه بأَمانٍ، وعوض عنها بقَلعَةِ بانياس، ومَدينةِ يافا من الساحِلِ، ودَخلَها هو وعَسكرُه في ذي القعدةِ، وخَطَبَ بها يومَ الجُمعةِ لخَمسٍ بَقِينَ من ذي القعدةِ، للمُقتدِي بأَمرِ الله الخَليفةِ العبَّاسيِّ، وكان آخرَ ما خُطِبَ فيها للعَلويِّينَ المِصريِّينَ، ومَنَعَ الأذانَ بحيَّ على خَيرِ العَمَلِ، ففَرِحَ أَهلُها به فَرَحًا عَظيمًا، وتَغَلَّبَ على أَكثرِ الشامِ وعَظُمَ شَأنُه، وخافَهُ المِصريُّونَ، وظَلَمَ أَهلَها، وأَساءَ السِّيرَةَ فيهم. حتى أَهلَكَ الناسَ وأَفقَرَهُم.

العام الهجري : 819 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1416
تفاصيل الحدث:

في سادس عشر جمادى الآخرة قدم الأمير صلاح الدين محمد الحاجب بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخاص إلى الإسكندرية في تحصيل المال، فجلس بالخمس، وبين يديه أعيان أهلها، فجاءه الخبر بأن الفرنج الذين وصلوا ببضائع المتجر، وهم في ثمان عشاريات من مراكب بحر الملح، قد عزموا على أن يهجموا عليه، وأن يأخذوه هو ومن معه، فقام عَجِلًا من غير تأنٍّ يريد الفرار، وتسارع الناس أيضًا يفرون، فهجم الفرنج من باب البحر، فدافعهم من هناك من العتالين، حتى أغلقوا باب البحر، وقتلوا رجلًا من الفرنج، فقتل الفرنج نحو عشرين من المسلمين، وانتشروا على الساحل، وأسروا نحو سبعين مسلمًا، وأخذوا ما ظفروا به، ولحقوا بمراكبهم، وأتوا في الليل يريدون السورَ، فتراموا ليلتَهم كلها مع المسلمين إلى الفجر، فأخذ كثير من المسلمين في الرحيل من الإسكندرية، وأخرجوا عيالهم، وقام الصياح على فقد من قُتِل وأُسِر، وباتوا ليلة الجمعة مع الفرنج في الترامي من أعلى السور، فقَدِمت طائفة من المغاربة في مركب ومعهم زيت وغيره من تجاراتهم، فمال الفرنج عليهم وقاتلوهم قتالًا شديدًا حتى أخذوهم عَنوة، وأخرجوهم إلى البر، وقطَّعوهم قطعًا، وأهل الإسكندرية يرونهم فلا يغيثونَهم، فقدم الخبر بذلك في ليلة السبت عشرينه، فاضطرب الناس بالقاهرة، وخرج ناظر الخاص نجدة لولده، ومضى معه عدة من الأمراء، وخرج الشيخ أبو هريرة بن النقاش في عدة من المطوعة، يوم الأحد الحادي والعشرين، وقدموا الإسكندرية، فوجدوا الفرنج قد أقلعوا، وساروا بالأسرى، وما أخذوه من البر ومن مركب المغاربة، في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين، فعادوا في آخر الشهر إلى القاهرة.

العام الهجري : 1213 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1798
تفاصيل الحدث:

كان أوَّل ما حضر إلى الإسكندرية في أوَّلِ هذه السنة مراكِب للإنجليز زعموا أنَّهم جاؤوا ليحمُوا الثغر من الفرنسيين، فإنَّهم في طريقهم لاحتلال مصر, ولكنَّ أهل الإسكندرية ظنُّوا أن هذه مخادعة وقالوا: هذه بلاد السلطان، لا سبيل للإنجليز ولا للفرنسيين عليها، فرحل الإنجليزُ، ومع ذلك لم يفعل أمراءُ البلد شيئًا، أما أهل الإسكندرية فجمعوا العُربان وتهيَّأ الناسُ لِمثل هذا الحدَثِ، ثم وصلت مراكبُ الفرنسيين وطلبوا القنصل وبعض أهالي البلد، فلما نزلوا إليهم عوَّقوهم، فلما دخل الليل طلعوا إلى البر ومعهم آلاتُ الحرب والعساكر، ولم يفجأ أهلَ الثغر صباحًا إلا وهم كالجراد المنتَشِر، فلم يستطع أهل الثغر ومن انضم إليهم من العُربان فِعلَ شيء أمامهم، فانهزموا إلى البيوت والحيطان، فطلبوا الأمانَ فأمَّنوهم وطلبوا جمعَ السلاح من الأهالي، ثم سار الفرنسيون إلى البر الغربي ووصلوا دمنهور ورشيد، وكان نابليون نشرَ في أنحاء مصر مع الرسُلِ قبل وصوله إلى كُلِّ بلد أنه ما جاء إلى مصر إلى ليخَلِّصَهم من ظلم المماليك والأتراك، وأنَّه يحترم الدينَ والنبيَّ صلَّى الله عليه وسلم والقرآنَ، ثمَّ في شهر صفر التقى العسكر المصريُّ مع الفرنسيين، فلم تكن ساعة إلا وانهزم مراد بيك ومن معه، وكان هذا في البحرِ، ثم ارتحل الناسُ إلى بولاق لعمل المتاريس، ثم وصل الفرنسيون إلى بر مصر، وسكن بونابرت ببيت محمد بيك الألفي بالأزبكية، ثم ملكوا مدينةَ بلبيس بغير مقاومة ولا قتال، ثم عَمِلوا ديوانًا من ستة أنفار من النصارى القبط وستة تجار من المسلمين للنظر في قضايا التجَّار والعامة.

العام الهجري : 803 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1400
تفاصيل الحدث:

بعد أن انتهى تيمورلنك من سيواس توجه إلى جهة حلب فوصل إلى عينتاب، ووصل إلى بهنسا وأخذها بعد أن حصرها، ثم نزل على بزاعة ظاهر حلب، فبرز نائب طرابلس بسبعمائة فارس إلى جيش تيمورلنك وهم نحو ثلاثة آلاف، وترامى الجمعان بالنشاب، ثم اقتتلوا، وأُخِذ من التتار أربعة، وعاد كل من الفريقين إلى موضعه فوسط الأربعة على أبواب مدينة حلب، وأما دمشق فإن أهلها بدؤوا يتجهزون والقضاة تحرِّضُ الناس على الجهاد ضدَّ تيمورلنك، وأما عساكر مصر فبدأت كذلك بالتجهز، قال تقي الدين المقريزي: "لما نزل تيمورلنك على عينتاب بعث إلى دمرداش نائب حلب يعده باستمراره في نيابة حلب، ويأمره بمسك الأمير سودن نائب الشام، فلما قدم عليه الرسول بذلك أحضره إلى نواب ممالك الشام، وقد حضروا إلى حلب وهم: سودن نائب دمشق، وشيخ المحمودي نائب طرابلس، ودقماق نائب حماة، وألطنبغا العثماني نائب صفد، وعمر بن الطحان نائب غزة بعساكرها، فاجتمع منهم بحلب نحو ثلاثة آلاف فارس منهم عسكر دمشق ثمانمائة فارس، إلا أن الأهواء مختلفة، والآراء مفلولة، والعزائم محلولة، والأمر مدبَّر، فبلغ رسول تيمورلنك الرسالة دمرداش، فأنكر مَسْكَ سودن نائب دمشق، فقال له الرسول: إن الأمير - يعني تيمورلنك- لم يأت إلا بمكاتبتك إليه، وأنت تستدعيه أن ينزل على حلب، وأعلمته أن البلاد ليس بها أحد يدفع عنها، فحنق منه دمرداش وقام إليه وضربه، ثم أمر به فضُرِبَت رقبته، ويقال: إن كلام هذا الرسول كان من تنميق تيمورلنك ومَكْرِه، ليفَرِّقَ بذلك بين العساكر" ونزل تيمورلنك على جبلان خارج حلب يوم الخميس تاسع ربيع الأول، وزحف يوم الجمعة، وأحاط بسور حلب، وكانت بين الحلبيين وبينه في هذين اليومين حروب، فلما أشرقت الشمس يوم السبت الحادي عشر خرج نواب الشام بالعساكر وعامة أهل حلب إلى ظاهر المدينة وعبُّوا للقتال، ووقف سودن نائب دمشق في الميمنة، ودمرداش في الميسرة، وبقية النواب في القلب، وقدموا أمامهم عامة أهل حلب، فزحف تيمورلنك بجيوش قد سدَّت الفضاء، فثبت الأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس، وقاتل -هو وسودن نائب دمشق- قتالًا عظيمًا، وبرز الأمير عز الدين أزدمر أخو أينال اليوسفي، وولده يشبك ابن أزدمر في عدة من الفرسان، وأبلوا بلاء عظيمًا، وظهر عن أزدمر وولده من الإقدام ما تعجَّب منه كل أحد، وقاتلا قتالًا عظيمًا، فقُتل أزدمر وفُقد خبره، وثخنت جراحات يشبك، وصار في رأسه فقط زيادة على ثلاثين ضربة بالسيف سوى ما في بدنه، فسقط بين القتلى، ثم أُخِذ وحمل إلى تيمورلنك ولم يمضِ غير ساعة حتى ولَّت العساكر تريد المدينة، وركب أصحاب تيمورلنك أقفيتَهم، فهلك تحت حوافر الخيل من الناس عدد لا يدخل تحت حصر؛ فإن أهل حلب خرجوا حتى النساء والصبيان، وازدحم الناسُ مع ذلك في دخولهم من أبواب المدينة، وداس بعضُهم بعضًا، حتى صارت الرمم طول قامة، والناس تمشي من فوقها، وتعلَّق نواب المماليك بقلعة حلب، ودخل معهم كثيرٌ من الناس، وكانوا قبل ذلك قد نَقَلوا إلى القلعة سائر أموال الناس بحلب، واقتحمت عساكر تيمورلنك المدينةَ وأشعلوا بها النيران، وجالوا بها ينهبون ويأسرون ويقتلون، واجتمع بالجامع وبقية المساجد نساءُ البلد، فمال أصحاب تيمورلنك عليهنَّ وربطوهن بالحبال، ووضعوا السيف في الأطفال فقتلوهم بأجمعِهم، وأتت النار على عامة المدينة فأحرقتها، وصارت الأبكار تُفتَضَّ من غير تستُّرٍ ولا احتشام! بل يأخذ الواحد الواحدة ويعلوها في المسجد والجامع، بحضرة الجم الغفير من أصحابه، ومن أهل حلب، فيراها أبوها وأخوها ولا يقدِرُ أن يدفع عنها؛ لِشُغلِه بنفسِه، وفَحُش القتل، وامتلأ الجامع والطرقات برمم القتلى، واستمر هذا الخطب من صحوة نهار السبت إلى يوم الثلاثاء، والقلعة قد نقب عليها من عدة أماكن، ورُدِم خندقها، ولم يبقَ إلا أن تؤخذ، فطلب النواب الأمان، ونزل دمرداش إلى تيمورلنك فخلع عليه ودفع إليه أمانًا، وخِلَعًا للنواب، وبعث معه عدَّةً وافرة إلى النواب، فأخرجوهم ممن معهم، وجعلوا كل اثنين في قيد وأحضروا إليه، فقرعهم ووبَّخهم، ودفع كل واحد منهم إلى من يحتفظ به، وسيقت إليه نساء حلب سبايا، وأُحضرت إليه الأموال ففرَّقها على أمرائه، واستمرَّ بحلب شهرًا، والنهب في القرى لا يبطل، مع قطع الأشجار وهدم البيوت، وجافت حلب وظواهرها من القتلى، بحيث صارت الأرض منهم فراشًا، لا يجِدُ أحد مكانًا يمشي عليه إلا وتحت رجليه رمةُ قتيل، وعُمِل من الرؤوس منابر عدة مرتفعة في السماء نحو عشرة أذرع في دور عشرين ذراعًا، حُرِز ما فيها من رؤوس بني آدم، فكان زيادة على عشرين ألف رأس! وجعلت الوجوه بارزة يراها من يمرُّ بها، ثم رحل تيمورلنك عنها، وهي خاوية على عروشها، خالية من ساكنها وأنيسها، قد تعطلت من الأذان، وإقامة الصلوات، وأصبحت مُظلِمةً بالحريق، مُوحِشةٌ قَفراءُ مُغبرة، لا يأويها إلا الرخم، ثم بعد أن رحل الجيش عنها سائرًا إلى جهة دمشق ورد الخبر أن أحمد بن رمضان التركماني، وابن صاحب الباز، وأولاد شهري، ساروا وأخذوا حلب، وقتلوا من بها من أصحاب تيمورلنك وهم زيادة على ثلاثة آلاف فارس.