كانت قواتُ الملك عبد العزيز في نجد تتشكَّلُ مِن كلِّ فردٍ محاربٍ يحمِلُ السِّلاحَ من سنِّ 13 إلى سن 70، وتنقسِمُ إلى عدة أقسام: أهل العارض، والحضر، والإخوان (إخوان من أطاع الله)، والبدو، وكان الحرسُ الملكي (جيش الجهاد) من أهل العارض يتولى حمايةَ الملك والأمراء والأسرة المالكة، وكان مع جيشِ الجهاد جيشُ الإخوان من قبائل البادية الرحُّل، والتي تحولت الهجر فيه إلى ثكناتٍ عسكرية، وظلَّ هذا النظام قائمًا حتى عام 1349؛ حيث سعى الملك عبد العزيز إلى تطويرِ الجيشِ بإقامةِ إدارةٍ عسكريةٍ حديثةٍ، كنواةٍ للجيش النظامي، وبعد دخولِ الحجاز تحت حكم عبد العزيز ضمَّ إليه ضباطَ الجيش الهاشمي، وشكَّل منهم نواةَ الجيش النظامي، واستقدم ضباطًا من سوريا والعراق للعمل في الدائرة العسكرية، وشَهِدت جدة عام 1349هـ أوَّلَ استعراض عسكري شاركت فيه أفواجٌ مِن المدفعية والرشاشات والمشاة إلى جانب جيش الجهاد والإخوان، ثم أُلغِيَت تشكيلاتُ الهجَّانة التي تعتمد على الجمال والتشكيلات غير النظامية، وجُعِلت القوات على ثلاثة صنوف: سلاح المشاة، وسلاح المدفعية، وسلاح الفرسان, وتم تنظيمُ الجيش على شكل كتائب وألوية تمَّ توزيعها على خمس مناطِقَ عسكرية، كما تمَّ توحيدُ الزيِّ العسكري وإشارات الرُّتَب العسكرية، وافتُتِحَت في الطائف أول مدرسة عسكرية، وفي عام 1350هـ تم إرسال عددٍ من الطلاب لدراسة الطيران في الخارج، وتمَّ شراء أربع طائرات ذات المحرِّك الواحد، ثم أُنشِئَت إدارة طائرات الخطوط السعودية التي ألحِقَت لاحقًا بوزارة الدفاع، وبعد الحرب العالمية الثانية تم شراءُ خمس طائرات أمريكية من طراز داكوتا، ثم شراء تسع أخرى، وبدأت حركةُ الطيران المدني على الصعيد الخارجي، وفي عام 1353هـ أُسِّسَت مديرية الأمور العسكرية، ووكالة الدفاع، ومقَرُّها في الطائف، وفي عام 1359هـ ألغيت المديرية العسكرية، وشُكِّلَت في العام التالي رئاسةُ الأركان الحربية، وفي عام 1363ه أنشئت وزارة الدفاع وتولَّاها الأمير منصور بن عبد العزيز، وهو أول وزير لها، ولما توفي سنة 1370 تولَّى منصب الوزارة فيها الأميرُ مشعل بن عبد العزيز, وأنشِئَت في الطائف مدرسةُ الطيران، وصعِدَ الملك عبد العزيز الطائرةَ أول مرة في 8 ذي القعدة 1364هـ. كما تمَّ إنشاء مدارس لتعليم اللاسلكي في مكة وجدة والمدينة والرياض؛ لأهميته في العمليات العسكرية، وأُرسِلَ الخريجون الأوائل إلى بريطانيا ودول أوروبية أخرى؛ لمواصلة الدراسة حتى فتح 60 مركزًا لاسلكيًّا، وبهذا فإنَّ المؤسسة العسكرية النظامية تطوَّرت بمرور الزمن خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية مع تطور العسكرية الغربية، والاتصال بالأوربيين، وظهور الحاجة لتطوير الجيشِ وتحديثِه وتنوُّع أصنافه وأساليبه ومهامه من حرس ملكي، إلى جيش الجهاد، ثم جيش الهجانة من البدو المخلصين للملك، إلى سلاحِ الطيران.
كان أحمد شاه من الأسرة القاجارية ملك بلاد فارس (إيران) عندما أُلغيت الخلافة الإسلامية سنة 1342ه. وكان أحمد شاه منصرفًا إلى اللهو، وأما المتصَرِّف الفعلي في البلاد فهو رئيس الوزراء رضا بهلوي، وهو يتلاعَبُ بالكُتَل النيابية كيف يشاء، والمهيمِن على الوضع، واستمر الأمرُ على ذلك حتى قدَّم في 12 ربيع الأول نائبُ رئيس المجلس النيابي محمد تدين زعيمُ حزب التجديد نداء موقعًا من ستة وسبعين نائبًا جاء فيه: نظرًا لاستياء الشعب من الأسرة القاجارية، فإنَّه يعلِنُ باسم الشعب خلْعَ تلك الأسرة ويعهَدُ بإدارة البلاد إلى رضا خان بهلوي في إطار الدستور والقوانين المرعية، وبعد يومين جرى التصويتُ على الاقتراح فحصل على ثمانين صوتًا مقابل خمسة، وقرَّر المجلس إجراءَ انتخابات جديدة كردٍّ على الاقتراح، واستفتاء لرأي الشعب، وأُلزمَ ولي العهد مع عددٍ من أفراد أسرته القاجارية على السفر، ونُقِلوا إلى الحدود العراقية، وانتُخِبَ رضا بهلوي شاهًا من قبل مجلِسِه النيابي في 27 جمادى الأولى، وبعد ثلاثة أيام أقسم اليمينَ الدستورية ولبس التاج في 13 شوال، وبذلك زال ملكُ القاجاريين وزالت دولتُهم بعد أن بقيت مائة وأربعة وثلاثين عامًا وأربعة أشهر وأيامًا، وجاءت الأسرة البهلوية بدلًا منها لحكم بلاد فارس.
تنازلت مصر لليبيا عن واحة جغبوب التي كانت من معاقِلِ الدعوة السنوسية، وذلك بإيعازٍ مِن بريطانيا، وتمَّ بعدها بأيامٍ عَقدُ اتفاق بين كلٍّ من إنجلترا وإيطاليا في 20 جمادى الأولى 1344هـ والذي تمَّ بمقتضاه النزولُ عن واحة جغبوب وضَمُّها مع أجزاء أخرى من غربِ مِصرَ إلى ليبيا التي كانت تحت الاحتلالِ الإيطالي.
انتقل المَلِكُ علي بن الحسين إلى جُدَّة قبل دخول قوات الإخوان (إخوان من أطاع الله) مكة، واتخذها عاصمة لمملكته، ولَمَّا استقر الملك عبدالعزيز في مكة حاول أن ينهيَ قضية جُدَّة مع علي بن الحسين بالسِّلمِ، لكِنَّه رفض، ففرض السلطانُ الحصارَ عليه في الوقت الذي كان قادة الإخوان (إخوان من أطاع الله) يطالبون وبشدةٍ اقتحام جدة مع تقديم الضمانات بالمحافظة على سلامة الرعايا الأجانب وقناصِلِهم، لكِنَّه رُفِض طلبُهم، واستمر الحصار سنةً إلى أن قبِلَ علي بن الحسين الاستسلامَ بوساطة بريطانية، وتم التوقيعُ على شروط الاستسلام والذي يتضمَّنُ تسليمَ علي بن الحسين جدَّة للسلطان عبد العزيز، والاعتراف به سلطانًا على نجد ومكة مقابِلَ أن يخرج منها مع أسرته وأمواله ورجالِه وحاشيته سالِمين، وضمان سلامة الرعية، وإصدار عفوٍ عام لهم، ويمثِّلُ هذا الاستسلام نهايةَ حكم الهاشميين في الحجاز.
دعا المَلِك عبد العزيز بن سعود مَلِكُ الحجاز وسلطان نجد وملحقاتهما إلى عقدِ مؤتمر إسلامي عالميٍّ في مكة بعد أداء فريضة الحج؛ للبحث في شؤون المسلمين، واقتراح سُبُل توحيد كلمتهم، والنَّظَر في مختلف المشكلات والقضايا الإسلامية، ولم تكُن الخلافةُ مدرجةً في جدول أعمالِه، ولَبَّت الدعوةَ أقطارٌ إسلامية كثيرة، وبدأ المؤتمَرُ جلساته، وألقى الملك كَلِمتَه التي تعهَّد فيها بأنه سيرعى الأماكِنَ المقدَّسة، وسوف يهيئ الظروفَ الأفضل للحجاج، كما أكَّد أنَّه سَيِّد الحجاز ونجد، ولن يسمَحَ بتدخُّل أي جهة في شؤون الحجاز، ووافق أغلبية المشاركين على ما نادى به، وأكدت بريطانيا اعترافها به مَلِكًا على الحجاز وسلطانًا على نجد وملحقاتها.
في موسِمِ حَجِّ تلك السَّنةِ، في اليومِ الأوَّلِ مِن عيدِ الأضحى،رأى الإخوان (إخوان من أطاع الله) المحمَلَ القادِمَ مع الحجِّ المصري على جملٍ يتهادى بين الجموع، تحيطُ به موسيقاه وعساكِرُه، فقاموا يرشقونَه بالحجارة وهم بملابسِ الإحرام، ولم يكنْ مِن أمير الحج المصريِّ إلَّا أنْ أمَرَ بنَصبِ المدافع والرشَّاشات وإطلاق نيرانها على جموعِ الإخوانِ (إخوان من أطاع الله)، فقتل منهم خمسةً، وجرح آخَرون، ولَمَّا علم عبد العزيز بالخبر نهض من سرادِقِه، وأسرع يعدو إلى أن توسَّطَ بين الإخوان ونار الجند، وبَسَط ذراعيه يصيح: أنا عبد العزيز، أنا عبد العزيز، فهدأ إطلاقُ النار، وتدخَّل الجندُ السعودي، وانكَفَّ النَّاسُ، وأمَرَ بحجزِ المحمَلِ عن الأنظار، وترتَّبَ على هذا الحَدَث قَطعُ العلاقةِ مع مصرَ، وغضب الإخوان لأنَّه لم يقدِّمْ أميرَ الحجِّ المصري للشَّرعِ لِيُحاكمَ على قتله خمسةِ رجالٍ منهم وجَرْح آخرين.
أدَّى سقوط الخلافة الإسلامية عام 1342هـ/ 1924م لانعقاد عدَّة مؤتمرات، وهي على وجه التحديد: مؤتمر مكة المكرمة عام 1342هـ/ 1924م، ومؤتمر الخلافة بمصر عام 1344هـ / 1926م، ثم مؤتمَر العالم الإسلامي بمكة المكرمة عام 1926م، ومؤتمر القدس عام 1349هـ / 1931م. وكان الهدفُ من هذه المؤتمرات إحياءَ مؤسسة الخلافة، ثم تعدَّدت أهدافها إلى إيجادِ شَكلٍ من أشكال الانعقاد المنتَظِم، وصولًا إلى منظمة إسلامية دائمة، إلَّا أن هذه الغاية لم يُكتَب لها النجاحُ؛ لأسباب عدة، منها: تفاقم الخلافات بين كثير من الأقطار الإسلامية، وخضوعُ مُعظَمِها للاستعمار في ذلك الحين؛ حيث لم يكن مسموحًا لها التعَرُّض للمصالح الاستعمارية على أيِّ نحو كان.
كان السيد محمد بن علي بن أحمد الإدريسي قد أوصى المَلِكَ عبد العزيز بأولاده من بعده، فلما دَبَّ الخلاف بينهم بعد وفاته أرسل الملك عبد العزيز الأميرَ عبد العزيز بن مساعد بن جلوي فأنهى الصراع الذي نشب بينهم، وعَيَّن حسن الإدريسي بدلًا من أخيه علي، وعندما غزت قواتُ إمام اليمن يحيى حميد الدين تهامةَ عسير بقيادة عبد الله الوزير واحتَلَّ موانئ تهامة ومدنها، عين الإمامُ ولاتَه عليها، ثم واصل جيشُ الإمام يحيى تقدُّمَه صَوبَ عسير، وحاصر مدينتي صبيا وجازان، فعرض عليه حسن الإدريسي صُلحًا يقضي بكفِّ قواته عن محاولة الاستيلاء على مدينتي صبيا وجازان، مقابِلَ اعتراف الأدارسة بولائهم للإمام، على أن يمنح الإمامُ الأدارسة نفوذًا محليًّا على تهامة، ولكِنَّ الإمام يحيى رفض العرض، وأصر على مواصلة محاولة الاستيلاء على منطقة عسير؛ مما حمل حسن الإدريسي على توقيع معاهدة حماية مع الملك عبد العزيز، عُرِفَت بمعاهدة مكة التي أصبحت بموجِبِها تهامة عسير تحت الإشراف السعودي أو الحماية السعودية.
لَمَّا صَدَرت التعليماتُ الأساسيَّةُ للمملكة الحجازية تألَّفَ بمقتضاه أوَّلُ مجلِسٍ للشورى مؤلَّف من النائب العام ومستشاريه، ومن ستة ذوات يعيَّنون من قِبَل صاحب الجلالة المَلِك ممَّن فيهم اللياقة والاقتدار، ويرأسُه النائب العام الأمير فيصل، أو معاوِنُه، أو أحد مستشاريه، وبيَّن الأميرُ فيصل في كلمته الافتتاحية للمجلس مهامَّ واختصاصات هذا المجلسِ.
بعد حادثةِ المحمَلِ في حَجِّ العام الماضي بمَنْعِ دخولِه مكَّةَ، أمر المَلِكُ فؤاد بقطع إرسالِ كِسوةِ الكعبة وريعِ أوقافِ الحرمين في الديار المصرية، وقَطْع العلاقة مع مملكةِ ابن سعود، وعلى الرَّغمِ أنَّ المَلِكَ عبد العزيز أرسل ابنَه سعودًا لمعالجة المشكلة وتصفية الجوِّ مع القصر الملكي إلَّا أنَّ الجفوةَ استمَرَّت بين مصر والسعودية، فدعا الملك عبد العزيز عام 1354 في حديثٍ له مع صحفيٍّ مصريٍّ إلى تحكيمِ الشَّرعِ في قضيةِ المحمَل، فقال: ولا خلافَ بيني وبين مصرَ، وأمرُ المحمَلِ متروكٌ إلى الدينِ وإلى حُكَّامِ الشَّرع.. وفي مِصرَ عُلَماءُ علينا أن نستفتيَهم، وأنا معهم فيما يأتونَ به من الكتابِ والسُّنَّة، وأبلِغْ مِصرَ عني أن حكومتي على استعدادٍ لكلِّ تساهل تطلبُه الحكومة المصرية يتَّفِقُ مع الشَّرعِ" وظل البلدان متقاطعين رسميًّا إلى آخر أيام فؤاد، ودخل عليه رئيسُ ديوانه علي ماهر وهو يُحتَضَر، فقال: ألا تجعَلُ في صحيفتك عمَلَ الدخولِ في مفاوضة مع بلاد الحرمين الشريفين؟ فأشار: لا بأس، وبعد وفاة فؤاد سنة 1355هـ عُقِدَت معاهدةُ صداقة بين البلدين، وانقَشَعت غمامةُ الجفاء، وتبادل المَلِكُ عبد العزيز مع الملك فاروق بن فؤاد الزيارةَ بينهما.
قام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الطرُقِ الصوفية في تركيا، وذلك في محاولاته التي بدأها بإبعادِ تركيا عن الإسلامِ، وأيِّ مظهر من مظاهر التدين، وقَطْع كل السبل التي تربط تركيا بالإسلامِ أو بالمسلمين، وحتى الفِرَق المنحرفة، كالطُّرُقيَّة الصوفية لم تسلَمْ من بطشِ أتاتورك.
أقام المَلِكُ عبد العزيز نظامًا للسُّلطةِ الإدارية، وأصدر وثيقةً باسم التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية، وتُسَمَّى الدستور، ونصَّت على الارتباط الوثيق بين أجزاء المملكة الحجازية ومناطِقِها، وأنَّها دولةٌ مَلَكيةٌ شُوريةٌ إسلاميَّةٌ مُستَقِلةٌ، عاصِمتُها مكَّةُ، وإدارتها بيَدِ الملِكِ، وهو مقَيَّدٌ بأحكام الشَّرعِ، ونَصَّت الوثيقةُ على تعيين نائبٍ للملك في الحجاز، ورؤساء الشُّعَب التابعين له، وسِت شُعَب، هي: الشرعية، والداخلية، والخارجية، والمالية، والمعارف، والجيش؛ وتأسيس مجلس شورى، ومجالس إدارية في المدن.