قرَّرت بريطانيا أن يكونَ شرق الأردن دولةً مُتمتِّعةً بالحكم الذاتي، يحكُمُها الأمير عبد الله بن حسين بن شريف مكةَ، بعد مقابلته لوزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرشل، تمَّ الاتفاق بأن تقومَ في شرقي الأردن إمارةٌ ذاتُ حكومة تتمتَّعُ بالاستقلال الإداري وتسترشِدُ برأي المفوض السامي الإنجليزي في القدس، وتتقاضى من إنجلترا معونةً سنوية، فوقَّع الأميرُ عبد الله بن الحسين على صكِّ الانتداب البريطاني على شرق الأردن، فأعلَنَ عن تأسيس إمارة شرق الأردن تحت حُكمِ الأمير عبد الله بن الحسين، ثم تمَّ إنشاء حكومة دستورية في 11/4/1921م، وكان أوَّلُ رئيس لها رشيد طليع، وبذلك اختفت الحكوماتُ المحلية واندمجت في حكومةٍ واحدة هي حكومةُ إمارة شرقي الأردن، وماطلت بريطانيا في الاعترافِ بحكومة شرق الأردن حتى 25 أيار 1923 بعد الاعترافِ الرسميِّ مِن قِبَل المندوب السامي البريطاني بالحكومة الأردنية، وتمَّ تحديدُ حدود إمارة شرق الأردن التي كانت مُبهمةً وقت إعلان قيام الإمارة سنة 1921م.
بعد زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي عبد المحسن السعدون منطقةَ السليمانية قرَّر مجلِسُ الوزراء في جلسة المجلس يوم 28 ذي القعدة 1431ه الموافق 11يوليو 1923م: 1/ أنَّ الحكومة لا تنوي تعيينَ أيِّ موظَّف في الأقضية الكردية عدا الموظَّفين الفنيين. 2/ أن الحكومةَ لا تجبِرُ سكان المناطق الكردية على استعمال اللغة العربية في مراجعاتهم. فكان هذا القرارُ خاطئًا؛ فإن المناطق الكردية جزء من أرض العراق يعيَّنُ فيها الموظف الكفء سواء أكان كرديًّا أم عربيًّا، وكذلك يعَيَّنُ الكردي في أي منطقة من العراق حسَبَ ما تقتضيه المصلحة، كان أكثَرُ سكان العراق من العرب، ولغتُهم الرسميَّةُ العربية، والأكراد مسلمون والعربية أساسية في عباداتهم وتلاوتهم للقرآن، فعليهم أن يحافظوا عليها. إنَّ اتخاذ هذا القرار وأمثاله هو الذي أوجد الفكرةَ الانفصالية ورسَّخَها مع الزمن وجعل العصبيَّةَ القوميَّةَ تحُلُّ محلَّ العقيدة الإسلامية، فعانت البلادُ الويلاتِ منها خاصةً عندما نشأت العصبية القومية عند العرب، والذي كان المستعمِرُ ينفُخُ فيها ويؤجِّجُها في نفوسِ المسلمين.
مصطفى كمال من سلانيك أو سالونيك مدينة يونانية، وهي مهبِطُ اليهود ومقَرُّهم، ومنها خرج وفيها نشأ، لذلك عدَّه كثيرٌ من الكُتَّاب من يهود الدونمة؛ ثمَّ إن أدواره التي لَعِبَها توحي بالعمالة الغربية؛ فقد صنعه الغَربُ ليظهَرَ في صورة البطل؛ وليكونَ مقبولًا عند الأتراك، ويكفي أنَّ أعمالَه تدُلُّ على باطنه؛ فقد منع الخليفةَ مِن الخروج للصلاة، ثم خفض مخصَّصاته للنصف، وحكم مصطفى كمال البلادَ بالحديدِ والنار، وضَمِنَ تأييدَ الدول العظمى لسياستِه التعسفية، وقد نفَّذ مصطفى كمال المخطَّط كاملًا، وابتعد عن الخطوط الإسلامية، ودخلت تركيا لعمليَّات التغريب البَشِعة؛ فألغى الخلافةَ الإسلامية سنة 1342ه، ثم ألغى وزارة الأوقاف سنة 1343هـ/1924م، وعَهِدَ بشؤونها إلى وزارة المعارف. وفي عام 1344هـ أغلق المساجِدَ، وقضت حكومتُه في قسوةٍ بالغة على كلِّ تيَّار ديني، وواجهت كلَّ نقدٍ ديني لتدبيرها بالعُنفِ. أما الشريعة الإسلامية فقد استُبدِلَت وحلَّ محلها قانونٌ مدني أخذته حكومةُ تركيا من القانون السويسري عام 1345هـ/1926م، وغيَّرَ التقويمَ الهجريَّ واستخدم التقويم الجريغوري الغربي، فأصبح عام 1342هـ مُلغًى في كلِّ أنحاء تركيا وحلَّ محله عام 1926م! وفي دستور عام 1347هـ أغفل النصَّ على أن تركيا دولةٌ إسلامية، وغيَّرَ نَصَّ القسم الذي يقسِمُه رجال الدولة عند تولِّيهم لمناصبهم، فأصبحوا يُقسِمون بشَرَفِهم على تأدية الواجبِ بدلًا من أن يحلِفوا بالله كما كان عليه الأمر من قبل!! وفي عام 1348ه بدأت الحكومة تَفرِضُ إجباريًّا استخدامَ الأحرف اللاتينية في كتابة اللغة التركية بدلًا من الأحرُفِ العربية. وبدأت الصُّحُفُ والكتُبُ تَصدُرُ بالأحرف اللاتينية، وحُذِفَ من الكليات التعليمُ باللغة العربية واللغة الفارسية، وحُرِّم استعمال الحرف العربي لطبع المؤلفات التركية، وأما الكتُبُ التي سبق لمطابِعِ استانبول أن طبعتها في العهود السالفة فقد صُدِّرَت إلى مصر، وفارس، والهند، وهكذا قطعت حكومة تركيا ما بين تركيا وماضيها الإسلاميِّ من ناحية، وما بينها وبين المسلمين في سائر البلدان العربية والإسلامية من ناحية أخرى!! وفي عام (1350-1351هـ/1931-1932م) حدَّدَت عددَ المساجِدِ، ولم تسمَحْ بغير مسجد واحدٍ في كل دائرة من الأرض يبلغ محيطُها 500 متر مربع، وأعلن أنَّ الروح الإسلامية تعوقُ التقدُّمَ. وتمادى مصطفى كمال في تهجُّمه على المساجد، فخفض عددَ الواعظين الذين تدفَعُ لهم الدولة أجورَهم إلى ثلاثمائة واعظ، وأمَرَهم أن يفسحوا في خطبة الجمعة مجالًا واسعًا للتحدُّثِ على الشؤون الزراعية والصناعية وسياسة الدَّولة، وكَيْلِ المديحِ له. وأغلق أشهَرَ جامعين في استانبول، وحَوَّلَ أولهما وهو مسجد آيا صوفيا إلى متحف، وحول ثانيهما وهو مسجد الفاتح إلى مستودع، وأهملت الحكومةُ التعليم الديني كليَّةً في المدارس الخاصة، ثم تمَّ إلغاؤه. بل إنَّ كلية الشريعة في جامعة استانبول بدأت تقَلِّلُ من أعداد طلابها حتى أغلقت عام 1352هـ/1933م. وأمعنت حكومة مصطفى كمال في حركة التغريب، فأصدرت قرارًا بإلغاء لبس الطربوش، وأمَرَت بلُبس القبعة تشبهًا بالدول الأوروبية، وفي عام 1935م غيَّرَت الحكومة العطلة الرسمية فلم يعد الجمعة، بل أصبحت العطلة الرسمية للدولة يومَ الأحد، وأصبحت عطلةُ نهاية الأسبوعِ تبدأ منذ ظُهر يوم السبت وتستمر حتى صباح يوم الاثنين، وأخذ أتاتورك ينفُخُ في الشعب التركي روحَ القومية، واستغَلَّ ما نادى به بعضُ المؤرخين من أن لغة السومريين أصحاب الحضارة القديمة في بلاد ما بين النهرين كانت ذات صلةٍ باللغة التركية، فقال: إن الأتراك هم أصحاب أقدم حضارة في العالم؛ ليعَوِّضَهم عما أفقَدَهم إياه من قِيَمٍ، بعد أن حارب كلَّ نشاط إسلامي، وخلع مصطفى كمال على نفسه لقب (أتاتورك) ومعناه أبو الأتراك، وعملت حكومته على إلغاء حجاب المرأةِ وأمرت بالسفور، وأُلغيت قوامةُ الرجل على المرأة، وأُطلِقَ لها العِنان باسم الحرية والمساواة، وشجع الحفلاتِ الراقصة والمسارح المختلطة والرقص. وأمر بترجمة القرآن إلى اللغةِ التركية، ففقد كُلَّ معانيه ومدلولاته، وأمر أن يكونَ الأذان باللغة التركية، ثمَّ عَمِلَ على تغيير المناهج الدراسية، وأعيد كتابةُ التاريخ من أجل إبراز الماضي التركي القومي، وجرى تنقيةُ اللغة التركية من الكلمات العربية والفارسية، واستُبدِل بها كلمات أوروبية أو حثية قديمة.
في أعقاب الحرب العالمية الأولى التي انتهت سنة 1337هـ/ 1918م والتي خرجت إيطاليا منها مُنهَكةً، رأت إيطاليا مهادنةَ الليبيين، وتمَّ عقد اتفاق "سوني" بين الطرفين، اعترفت إيطاليا بموجِبِه بقيام الجمهورية، ونصَّ على إنهاء حالة القتال بينهما، مع الاعترافِ بالاستقلال الداخلي لطرابلس تحت سيادةِ ملك إيطاليا، وإنشاء مجلسِ نوابٍ محليٍّ، ومجلس آخر حكومي يشتركان في حكمِ البلاد. إلا أنَّه لم يقَدَّر لتلك الجمهورية الوليدة أن تدوم طويلًا؛ إذ لم تكن إيطاليا جادَّةً في اعترافها بها، وإنما كانت تسعى من وراء ذلك إلى مُهادنة الليبيين وكَسبِ مزيد من الوقت؛ نتيجةَ الضعف الذي ألمَّ بها.
دعت الحكومةُ البريطانية كُلًّا من نجد والعراق وشرق الأردن والحجاز إلى تسويةِ القضايا الحدوديَّةِ في مؤتمر عُقدَ في الكويت برئاسة الكولونيل نوكس وزير البحرية الأميركية، اشترط الملك عبدالعزيز على نوكس أن يتِمَّ تعيينُ الحدود بين نجدٍ والحجاز وشرق الأردن من جهة، وعدم اشتراك مندوبِ العراق مع حكومتي الحجاز وشرق الأردن في المباحثات المشتركة، وأن يتِمَّ تناول المشكلات بين نجدٍ وتلك الحكومات بصورة منفردة، فأبلغ نوكس الملك عبدالعزيز موافَقةَ الحكومة البريطانية على الشروطِ التي عرضها. مثَّلَ جانِبَ نجد في المؤتمر حمزة غوت وأحمد الثنيان وعبد الله الدملوجي، وشرق الأردن مثَّلَه علي خلقي، والعراق مثَّلَه صبيح نشأت، وبدأت جلساتُ المؤتمر دون حضورِ مَن يمثِّلُ الحجاز، ولم يتوصَّل الأطراف الثلاثة إلى اتفاقٍ محدَّد بينهم.
بعد أن أخفق مؤتمر لوزان، وعاد رئيسُ الوفد التركي عصمت إينونو واختلف هو ومصطفى كمال مع رئيسِ الوزارة وبجانبه الجمعية الوطنية، فاستقال رئيس الوزارة، وبدأت الدسائِسُ، فحَلَّ مصطفى كمال الجمعيةَ الوطنية، وكثرت الفوضى وقرَّر مصطفى كمال إعلان الجمهورية، واجتمعت الجمعيةُ الوطنية، ودُعِيَ مصطفى كمال لتشكيل الوزارة فوافق، على ألا يُناقَشَ في تصرُّفاته، وشكَّل الوزارة، وأعلن الجمهورية بعد اجتماع المجلس النيابي في أنقرة بتاريخ 20 ربيع الأول 1342هـ / 30 تشرين الأول 1923م، فقَرَّر إلغاء السلطنة والخلافة، وإعلان الجمهورية التركية، وانتُخِبَ مصطفى كمال رئيسًا لها، فعَمَّت الفوضى وغادر أنقرة عددٌ مِن الزعماء، واتجهوا إلى استانبول عند الخليفة، وقامت الاحتجاجات، ولكِنْ بدأت الاغتيالاتُ ودعا المجلِسَ الوطني لعقد جلسةٍ، وقدَّم مرسومًا بإلغاء الخلافةِ، وطرَد الخليفةَ، وأعلن فَصْلَ الدين عن الدولة، وأمر عبد المجيد بالسَّفرِ إلى سويسرا، ثم أصدر مرسومًا بإلغاء الوظائف الدينية، وامتلاك الدولة للأوقاف، وأرسل وزيرَ الخارجية عصمت إينونو إلى لوزان، وأعيد المؤتمر واعترفت إنجلترا باستقلالِ تركيا، وانسحبت من المضائق واستانبول، وطُوِيَت صفحةُ الخلافة الإسلامية العثمانية التي حكمت العالم الإسلامي عدة قرون.
دخلت العلاقاتُ الحِجازية النجدية في مراحِلَ حاسمة في أواخر هذا العام، وزادت طموحات الملك عبدالعزيز في ضم الأراضي الحجازية مع تغيُّر الأوضاع في ظِلِّ تفوُّقِه بعد ضم الأحساء ثم حائل، ثم عسير، وضَعْف الدعم البريطاني للشريف حسين، وفشل مؤتمر الكويت، وتحميل الإنجليز الشريف المسؤوليةَ في ذلك، وإعلان الشريف حسين الخلافةَ على المسلمين بعد إعلانِ سُقوطِ الخلافة العثمانية، ورَفْض الدول الإسلامية وعموم المسلمين هذا الإعلانَ وظهور حركة مضادَّة في مصر والهند ضِدَّ الشريف حسين وطموحاته، ويضاف إلى هذا فقْدُ الحسين مكانتَه في أوساط أهل الحجاز بعد تدهورِ الأوضاعِ الاقتصادية والأمنية في الحجاز وتناقُص أعداد الحُجَّاج، وتخلِّي زعماء القبائل عن دعم ومساندة الشريف حسين أمام هَجَمات النجديين، حتى أصبح الوضعُ مهيَّأً أمام الملك عبدالعزيز لتحقيقِ طموحاته في الحجازِ، وكلُّ هذه الأوضاع شجَّعته على ضم الحجاز إلى حكمه.
دعا الملك عبدالعزيز إلى عقد مؤتمر في الرياض للأعيان والعلماء والشيوخ وزعماء القبائل؛ للتداول في شُؤونِ الحُجَّاج، وتمَّ اتخاذُ القرارات الخاصة بعدم صلاحية الشريف حسين في الإشراف على الأماكن المقدَّسة في الحجاز، بعد أن منع الحُجَّاج من نجد بأداء مناسِكِ الحج، وأيَّدَ المجتَمِعون استخدام القوة ضِدَّ الشريف في الحجاز.
أحالت الحكومةُ العراقيَّةُ برئاسة جعفر العسكر المعاهدةَ العراقية البريطانية إلى لجنةِ للتدقيق فيها، وكانت بنودُ هذه المعاهدة قد وُضِعَت عام 1922م وهي تتضمَّنُ ترسيخ الانتداب البريطاني وانضمام العراق إلى عُصبة الأمم، وعندما أحيلت المعاهدةُ إلى لجنة مكونة من 15 عضوًا جرت مناقشاتٌ كثيرة حولها؛ فالمعارِضون يريدون تعديلَها والمؤيِّدون للحكومة يرون أنَّهم مضطرون للتصديقِ عليها خوفًا من التهديدات البريطانية، ثمَّ في 29 شوال انعقد المجلسُ التأسيسي وطُرِحَت المعاهدة للنقاش، فلما تكلَّم المعارضون قسَوا على المؤيِّدين واستمَرَّت المناقشات 4 جلسات طويلة، وفي يوم 8 ذي القعدة طالت الجلسةُ فاقتُرِحَ تأجيل الجلسة مع تأجيل المصادقة حتى ينتهي أمرُ الموصل، والبعض يرى فقط تأجيل الجلسة والمصادقة إلى الغد، فتأجَّلت، وتضايق المعتمد السامي فأعدَّ مذكِّرة لحلِّ المجلس واحتلال بناء المجلس، ونتيجةً لضغط المعتمد عُقِدَت جلسة فوق العادة قبل منتصف الليل، وأكرِهَ الأعضاء على الحضور، فاجتمع 69 من أصل 100 عضو، وأحاطت القوات المسلحة بالمبنى، وفُتِحَت الجلسة وبدأ التصويت، فأيَّد المعاهدة 37 وعارضها 24، واستنكف عن التصويت 8 أعضاء، وبذا تم التصديقُ على المعاهدة في يوم 9 ذي القعدة 11 يونيو 1924م. سَخِطَ الشعب العراقي على المعاهدة وعلى الذين أيَّدوها، لكِنَّ الحكومة البريطانية رفعت المعاهدة والاتفاقيات الملحقة بها إلى عُصبة الأمم، فوافقت عليها وصادق عليها المَلِك جورج الخامس ملك بريطانيا والملك فيصل بن الشريف حسين مَلِك العراق.
هو الأديبُ مصطفى لطفي بن محمد لطفي المنفلوطي، ولِدَ سنة 1292هـ بمنفلوط من مدن الوجه القبلي بمصر، من أبٍ مصري وأم تركية، من أسرة حُسينية النَّسَب، في بيت علمٍ وقضاء، حيث كان والده قاضيًا مشهورًا ونقيبًا للأشراف، وهو نابغةٌ في الإنشاء والأدب، انفرد بأسلوب نقيٍّ في مقالاته وكتبه. له شعرٌ جيد فيه رقَّة وعذوبة. تعلَّم في الأزهر، واتَّصَل بالشيخ محمد عبده اتصالًا وثيقًا، حتى إنه سُجِنَ بسببِه ستة أشهر، بدأ يكتب الشعر صغيرًا على سجيَّتِه، ثم التحق بالأزهر ولكنَّه لم يُطِقِ المتابعة وآثَرَ البقاء على قراءة كتب الأدب، فتفرغ للأدب وكتابته، وكان قد سُجِنَ بسبب هجائه للخديوي عباس الذي كان على خلافٍ مع شيخه محمد عبده، ثم رجع بعد ذلك إلى قريتِه وكتب فيها، وكانت تُنشَرُ كتاباته في الصحف والمجلات، وكان صاحِبَ أسلوب مميَّز جدًّا فيما يكتبه، وله مجموعة من القَصَص المشهورة، مثل العبرات والنظرات، وماجدولين، والفضيلة، وكان له آراءٌ إصلاحية واجتماعية وتكافلية، وله شِعرٌ عذب، ابتدأت شهرته تعلو منذ سنة 1324هـ بما كان ينشرُه في جريدة (المؤيد) من المقالات الأسبوعية تحت عنوان (النظرات)، وولي أعمالًا كتابية في وزارة المعارف، ووزارة الحقانية، وسكرتارية الجمعية التشريعية، وأخيرًا في سكرتارية مجلس النواب، واستمَرَّ فيها إلى أن توفِّيَ.
كانت منطقةُ الأحواز تسمَّى عربستان، وهي إمارةٌ عربيةٌ تقعُ في محيطٍ فارسي، وكانت مشمولةً برعايةٍ بريطانيةٍ يحكُمُها أميرُ الشيخ حسين خزعل، وهي إمارة مستقلَّة، إلى أن جاء الجنرال رضا بهلوي، ونظرًا لتأثير الحرب العالمية الثانية على بريطانيا وسَعْيِها لكسبِ إيران وضمانِ مساندتها لبريطانيا قامت بريطانيا بإعطاءِ إمارة عربستان لإيران في هذا العام، وَعَمِلَ الجنرالُ بهلوي على إنهاءِ حُكمِ آخِرِ حکَّامِ الکعبيين -وهو خزعل جابر الکعبي- على الأحواز، ثم قام بضمِّها كجزءٍ من الدولة الفارسية، ويعَدُّ السببُ الأقوى لاحتلال إيران لهذه المنطقة كونَها غنيَّةً بالموارد الطبيعية من النفطِ والغاز، ويوجَدُ فيها أراضٍ زراعية خصبة؛ حيث يصبُّ فيها أكبر أنهار المنطقة، وهو نهر كارون؛ لذلك تعتبرُ منطقة الأحواز هي المنتِجَ الرئيسيَّ لمحاصيل السكر والذرة في إيران، وتساهم مواردُها بحوالي نصف الناتج القومي لإيران، وأكثر من 80% من قيمة الصادرات في إيران. ويعَدُّ إقليم الأحواز أقربَ المناطق العربية التي استولت عليها إيرانُ إلى العراق، بل إنَّ إيران استفادت استفادةً كبيرة منها في صراعِها مع العراقِ حول منطقةِ شَطِّ العرب.
كان لمدينة طنجة وضعٌ خاصٌّ بسبب موقعها المهم؛ لذا حرصت الدول المستعمِرة للمغرب أن يكونَ لها وضعٌ خاصٌّ، وقد شُغِلت الدول بأحداث الحرب العالمية الأولى؛ لذا لم تستطع وضعَ نظام لها، فلما وضَعَت الحربُ أوزارَها وضعت الدولُ الكبرى لطنجة نظامًا دوليًّا محايِدًا يقضي بأن يكون للميناء حاكِمٌ فرنسي إداري وله مساعدان إنجليزي وإسباني، والسلطة التنفيذية بيد هيئة المراقبة المؤلَّفة من فرنسا وإسبانيا وإنجلترا، ومندوب عن سلطان مراكش، وبهذا انتزعت طنجة من مراكش وتمَّ تدويلُها، ثم استولى عليها الإسبان في الحرب العالمية الثانية، ولم تعُدْ طنجة إلى المغرب إلا بعد الاستقلال في عام 1375هـ / 1955م.
كانت الموصِل جزءًا من الدولة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما احتلَّتْها بريطانيا، وبعد حرب الاستقلال التركية، اعتبرت تركيا الموصل من القضايا الحاسمة المحدَّدة في الميثاق الوطني التركي. وعلى الرغم من المقاومة المستمرة تمكَّنت بريطانيا من طرح هذه القضية في الساحة الدولية، كمشكلة حدود بين تركيا والعراق. فقرَّر مجلسُ عصبة الأمم في جلسته المنعقدة في الثالث من ربيع الأول عام 1343هـ / الأول من تشرين الأول 1924م أن يتولى بنفسِه تعيينَ الحدود بين تركيا والعراق، وإنهاء الخلاف بين الحكومتين على ولاية الموصل، وأرسل مجلِسُ عصبة الأمم لجنةً مؤلفة من ثلاثة أعضاء وصلت إلى بغداد في العشرين من جمادى الآخرة 1343هـ / 15 كانون الثاني 1925م، وكانت إنجلترا ترى أن المنطقةَ المتنازَعَ عليها تضُمُّ مجموعاتٍ نصرانيةً وأخرى يهودية، وكذلك مجموعة يزيدية، وبما أنهم سيوطَّنون تحت دولة مسلمة فلا بد من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحمايتهم تمامًا، وخاصة أنهم رغم بقائهم بكلِّ أمن وسلام فترة عيشهم في ظل الدولة العثمانية إلا أنهم عند اندلاع الحرب العالمية الأولى أظهروا ما تُخفي صدورهم من الحقد الصليبي، فكانوا شرًّا وبيلًا على المسلمين من قَتلٍ وترويع ونهب؛ فلذا رفض الأتراك أن يكون الآشوريون على الحدود، فقامت إنجلترا ومن خلال جمع التبرعات لهم بإسكانِهم في مناطق أخرى في الوسَط، وطُلِب من الحكومة العراقية منحُهم أراضيَ مقابل التي تركوها في الموصل، وإعفاؤهم من الضرائب، واعترفت الحكومةُ بالبطريك مار شمعون بطريقًا لهم، أمَّا الأكراد الذين كانوا جيرانًا للآشوريين فلم يَسلَموا أيضا من أذاهم أيامَ اندلاع الحرب بحكم أن الأكراد يخالفونهم في العقيدة، فهو مسلمون، وزاد أذاهم لهم لَمَّا احتل الإنجليز العراق، وبعد رفع الأمر لمحكمة لاهاي وإرسال اللجان التي درست المنطقة قرَّر مجلس عصبة الأمم أن تكون الحدودُ بين العراق وتركيا كما في قرار الأول من ربيع الثاني 1343هـ ولم توافق تركيا طبعًا فعرض الإنجليز على تركيا اتفاقًا تتعهَّدُ فيه المحافظة على سلامة أملاكها مقابِلَ بقاء الموصل للعراق وأن تُجرَّدَ الموصِلُ من وسائل الدفاع وتُعَدُّ حيادية، وتعطى تركيا قرضًا بقيمة عشرة ملايين جنيه وتتنازل عن جزء من السليمانية، ورفضت أيضًا تركيا ذلك، ثمَّ عُقِدَ مؤتمر ثلاثي عراقي تركي إنجليزي وُقِّعَت فيه معاهدة شَمِلَت رسم الحدود وجنسية سكان المناطق التي كانت موضِعَ خلافٍ، وموضوعَ استثمارِ النِّفطِ، وتعهدت إنجلترا بدفع عشرة بالمائة من عائدات النفط لمدة خمسة وعشرين سنة.