كان شَخصٌ مِن بني زيادِ بن أبيه، اسمُه محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد، مع جماعةٍ من بني أمية، قد سَلَّمهم المأمونُ إِلى الفضل بن سهل ذي الرياستين، وقيل إِلى أخيه الحسَن، وبلغ المأمونُ اختلالَ أمر اليمن، فأثنى ابنُ سهلٍ على محمَّد بن زياد الأموي، وأشار بإِرساله أميرًا على اليمن، فأرسل المأمونُ محمَّدَ بن زياد، ومعه جماعةٌ، فحَجَّ ابنُ زياد في سنة ثلاث ومائتين، وسار إِلى اليمَنِ، وفتح تِهامةَ بعد حروب جرت بينه وبين العرَبِ، واستقَرَّت قَدَمُ ابنِ زياد باليمن، وبنى مدينةَ زَبيد، واختَطَّها في سنة أربع ومائتين، وأرسلَ ابن زياد مولاه جعفرًا بهدايا جليلةٍ إِلى المأمون، فسار جعفرٌ بها إِلى العراق، وقَدَّمها إِلى المأمون في سنة خمس ومائتين، وعاد جعفرٌ إِلى اليمن في سنة ست ومائتين، ومعه عسكَرٌ مِن جهة المأمون، بمقدار ألفَي فارس، فعَظُمَ أمرُ ابن زياد، وملَكَ إِقليمَ اليمَنِ بأسرِه وتقَلَّد جعفرٌ الجبال، واختَطَّ بها مدينة يقال لها المديحرة، والبلادُ التي كانت لجعفر تسمَّى إِلى اليوم مخلافَ جَعفرٍ، والمخلاف عبارةٌ عن قُطرٍ واسع، وكان جعفرٌ هذا من الكُفاة الدُّهاة، وبه تمَّت دولةُ بني زياد، حتى قُتِلَ ابنُ زياد بجعفرة، وبقِيَ محمَّد بن زياد كذلك حتى توفِّي. فكان ذلك أوَّلَ قيامِ الدولة الزياديَّة باليمن.
ظهر بمصر إنسانٌ يكنى أبا روحٍ، واسمه سكن، وكان من أصحاب ابن الصوفي، واجتمع له جماعةٌ، فقطع الطريق، وأخاف السبيلَ، فوَجَّه إليه ابن طولون جيشًا, فوقف أبو روحٍ في أرض كثيرةِ الشقوق، وقد كان بها قمحٌ فحُصِد، وبقي مِن تبنه على الأرضِ ما يستُرُ الشقوق، وقد ألِفُوا المشي على مثل هذه الأرضِ، فلما جاءهم الجيش لقوهم، ثم انهزم أصحابُ أبي روح، فتبعهم عسكرُ ابن طولون، فوقعت حوافِرُ خيولهم في تلك الشُّقوق، فسقط كثيرٌ مِن فرسانها عنها، وتراجع أصحابُ أبي روح عليهم، فقتلوهم شرَّ قِتلةٍ، وانهزم الباقون أسوأَ هزيمة، فسيَّرَ ابن طولون جيشًا إلى طريقِهم إلى الواحات، وجيشًا في طلبِ أبي روح، فلقيه الجيشُ الذي في طلبه وقد تحصَّنَ في مثل تلك الأرض، فحَذِرَها عسكرُ ابن طولون، فحين بطَلَت حِيَلُهم انهزموا وتَبِعَهم العسكر، فلما خرجوا إلى طريقِ الواحات رأى أبو روح الطريقَ قد مُلِكَت عليه، فراسل يطلُبُ الأمان، فبُذِلَ له، وبَطَلت الحربُ، وكُفِيَ المسلمونَ شَرَّه.
لَمَّا رأى الخليفةُ المعتَمِد أن أخاه أبا أحمد قد استحوذ على أمورِ الخلافة، وصار هو الحاكِمَ الآمِرَ الناهي، وإليه تُجلَبُ التقادم وتُحمَل الأموال والخَراج، وهو الذي يُوَلِّي ويعزل، كتب إلى أحمد بن طولون يشكو إليه ذلك، فكتب إليه ابن طولون أن يتحَوَّل إليه في مصرَ، ووعده النصرَ والقيامَ معه، فاستغلَّ غَيبةَ أخيه الموفَّق، وركب في جمادى الأولى ومعه جماعةٌ من القواد، وقد أرصد له ابن طولون جيشًا بالرقة يتلقَّونه، فلما اجتاز الخليفةُ بإسحاق بن كنداج نائب الموصل وعامة الجزيرة، اعتقله عنده عن المسيرِ إلى ابن طولون، وفنَّدَ أعيانَ الأمراء الذين معه، وعاتب الخليفةَ ولامَه على هذا الصنع أشَدَّ اللوم، ثم ألزمه العودَ إلى سامرَّا ومن معه من الأمراء، فرجعوا إليها في غاية الذلِّ والإهانة، ولَمَّا بلغ الموفَّقَ ذلك شكَرَ سعيَ إسحاق وولَّاه جميع أعمال أحمد بن طولون إلى أقصى بلاد إفريقيَّة، وكتب إلى أخيه أن يأمنَ ابن طولون في دار العامة، فلم يمكِنْ المعتَمِد إلَّا إجابتُه إلى ذلك، وهو كارِهٌ، وكان ابن طولون قد قطع ذِكرَ الموفَّق في الخُطَب وأسقط اسمَه عن الطرازات.
اشتبكت قوات الملك عبدالعزيز مع قوات ابن رشيد قرب بئر جراب شمالي الزلفي وكانت قوات الملك عبدالعزيز تتكون في معظمها من أهل العارض وثلاثمائة خيال من العجمان ومدفع واحد فقط وبعض البادية المتأثرين بفكر الإخوان (إخوان من أطاع الله) الحركة الناشئة داخل الجزيرة العربية واستمرت المعركة عدة إيام وقتل أثناءها شكسبير مبعوث كوكس إلى الملك عبدالعزيز وقيل انه حضر المعركة كمراقب على الرغم أن الملك عبدالعزيز كان لا يرغب في تواجده معه في ميدان المعركة ونصحه في البقاء بالزلفي لكن شكسبير أصر على الحضور معهم إلى ميدان المعركة، احتدم القتال وأصيب شكسبير برصاصة أودت بحياته. كان فرسان العجمان قد تراجعوا خيانة وهم يصيحون صيحة الانهزام فأغارت إذ ذاك بادية ابن رشيد على الجناح الإيسر من قوات ابن سعود فدحرته وغنمت أمواله، وأما بدو الملك عبدالعزيز وأكثرهم من مطير فقد أغاروا اثناء ذلك على جيش ابن رشيد ومخيمه فغنموا ما فيه، فيوم جراب كان على قوات الملك عبدالعزيز وقوات ابن رشيد على السواء ولم يكن فيه ظافرا غير البدو من الفريقين.
هو ضيدان بن خالد بن فيصل بن حزام بن مانع آل حثلين، شيخ قبيلة العجمان، ومن قادة الإخوان (إخوان من طاع الله) الذين شاركوا مع الملك عبد العزيز في نشرِ الدعوة وتوحيد البلاد. إلا أنه اختلف معه حولَ استخدام المخترعات الحديثة، كالهاتف والبرقيات، ومرونتِه في التعامُل مع دول وفئات يرى ابن حثلين أنَّه من الخطأ التعامُلُ معهم؛ لانحرافهم عن الدينِ الصَّحيحِ، وقد انضَمَّ ابن حثلين مع زعماء الإخوان فيصل الدويش، وسلطان بن بجاد، وأعلنوا انشقاقَهم على الملك، وزاد من حِدَّة خلاف ضيدان مع الملك عبد العزيز منعُه من شَنِّ غارات على بادية العراق. إلَّا أن ضيدان مع ذلك لم يشارِكْ زعماء الإخوان في معركة السبلة، وكان في هجرة الصرار على مقربة من الأحساء، فلما دعاه عبد الله بن جلوي أمير الأحساء لمقابلته امتنع، فوجه إليه ابنَه فهدًا، فتقابلا في العوينة وقُتِلَ ضيدان في خيمة فهد ابن جلوي الذي قَتَل أحد العجمان بعد قَتْلِه لضيدان، وتولى زعامة العجمان بعد ضيدان ابنُ عمه نايف بن حثلين.
هو إِبراهيمُ بن يَزيدَ بن قَيسٍ النَّخَعِيُّ، فَقِيهُ العِراق وأَحَدُ الأئِمَّة المَشهورين، تابِعِيٌّ أَدرَك عَددًا مِن الصَّحابَة لكن لا يُعرَف له سَماعٌ عنهم، وأَخَذ عن كِبارِ التَّابِعين، تَزَعَّمَ مَدرَسةَ ابنِ مَسعودٍ في الكوفَة، حيث أَخَذ عن خالِه الأَسوَدِ بن يَزيدَ تِلميذ ابنِ مَسعود، وعن عَلْقَمَة، ومَسروق، وعبدِ الرَّحمن بن عبدِ الله بن مَسعود، وعليه تَتَلْمَذ حَمَّادُ بن سُليمان شَيخُ أبي حَنيفَة، وتَأَثَّر به وبِفِقْهِهِ أبو حَنيفَة، كان مُفْتِي أَهلِ الكوفَة هو والشَّعْبِيّ في زَمانِهِما، وكان رَجُلًا صالِحًا، فَقِيهًا، مُتَوَقِّيًا، قَليلَ التَّكَلُّف، كان سعيدُ بن جُبَير يقول: أَتَسْتَفْتُوني وفِيكُم إِبراهيمُ. وكان الشَّعْبِيُّ يقول: والله ما تَرَكَ بَعدَه مِثلَه، تُوفِّي وهو ابنُ تِسْعٍ وأَربعين سَنَة. وقِيلَ: ابنُ نَيْفٍ وخَمسين سَنَة.
توفِّيَ السلطانُ المَلِكُ الصالح شمس الدين صالح ابن الملك المنصور نجم الدين غازي ابن الملك المظفَّر قرا أرسلان ابن الملك السعيد غازي بن أرتق بن أرسلان بن إيل بن غازي بن ألبي بن تمرداش بن إيل بن غازي بن أرتق الأرتقي صاحب ماردين بها، وقد ناهز السبعينَ سنةً مِن العمر، بعد أن دام في سلطنة ماردين أربعًا وخمسين سنة، وتولَّى ماردين بعده ابنُه الملك المنصور أحمد، وكان المَلِكُ الصالح من أجَلِّ ملوك بني أرتق حزمًا وعزمًا ورأيًا وسؤددًا وكرمًا ودهاءً وشجاعة وإقدامًا، وكان يحِبُّ الفقهاء والفضلاء وأهل الخير، وكان له فضلٌ وفَهمٌ وذوق للشعر والأدب، وكان يحِبُّ المديح ويجيز عليه بالجوائزِ السَّنِيَّة.
أنشأها القاضي أستاذ دار الخليفة المستعصم الصاحب محيي الدين ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي أيَّامَ الملك الصالح عماد الدين، كان قد حصل على أموالٍ وكراماتٍ من بني أيوب بالشامِ- أثناء قيامه بالسِّفارة بين الخليفة وبني أيوب- ابتنى بها المدرسةَ الجوزيَّة بالنشابين بدمشق بسوق القمح بالقرب من الجامِعِ، وقد نسب إليها ابنُ قَيِّم الجوزيَّة رحمه الله، فهو إمامُها ووالدُه كان قَيِّمَها.
عزل محمَّدُ بن الأغلبِ- أميرُ إفريقيَّةَ- عامِلَه على الزاب، واسمُه سالم بن غلبون، فأقبلَ يريدُ القيروانَ، فلما صار بقلعةِ يلبسير أضمَرَ الخلافَ وسار إلى الأربس، فمَنَعه أهلُها من الدخول إليها، فسار إلى باجة، فدخلها واحتمى بها فسيَّرَ إليه ابنُ الأغلب جيشًا عليهم خفاجةُ بن سفيان، فنزل عليه وقاتَلَه، فهرب سالمٌ ليلًا، فاتبعه خفاجة، فلَحِقَه وقتَلَه، وحمَلَ رأسَه إلى ابنِ الأغلب، وكان أزهرُ بن سالم عند ابنِ الأغلب محبوسًا فقَتَله.
اجتمَعَت الروم وتحشَّدَت، ووافت بابَ قلميَّة من طرسوس، فنفر أبو ثابتٍ أميرُ طرسوس بعد كوت بن الإخشيد، وكان استخلَفَه عند موته، فبلغ أبو ثابتٍ في نفيرِه إلى نهر الرجان في طلَبِهم، فأُسِرَ أبو ثابت، وأصيبَ النَّاسُ معه، وكان ابن كلوب غازيًا في دربِ السَّلامة – موقِعٌ كان يسمَّى بدرب الحدث، لكنَّ بني أمية سمَّوه بدرب السلامة- فلمَّا عاد ابنُ كلوب جمعَ مشايخَ الثغرِ لِيَتراضَوا بأميرٍ، فأجمعوا رأيَهم على ابنِ الأعرابيِّ، فولَّوه أمرَهم.
خرج ملك من ملوك الفرنج بالأندلس، يقال له ابن ردمير، فسار حتى انتهى إلى كتندة، وهي بالقرب من مرسية، في شرق الأندلس، فحصرها، وضيَّق على أهلها، وكان أمير المسلمين علي بن يوسف حينئذ بقرطبة، ومعه جيشٌ كثير من المسلمين والأجناد المتطوعة، فسيَّرهم إلى ابن ردمير، فالتقَوا واقتتلوا أشد القتال، وهزمهم ابن ردمير هزيمة منكرة، وكثر القتل في المسلمين، واستطاع الفرنج أن يستولوا على قلعة أيوب، وهي من أشد القلاع حصانة وقوة، وكانت تمثل معقلًا هامًّا وقويًّا للمسلمين.
هو الفيلسوف الشَّهيرُ، الرَّئيسُ أبو علي الحُسَين بنُ عبدِ الله بن الحَسَن بن علي بن سينا البلخي ثم البخاري، صاحِبُ التصانيف في الطبِّ والفلسفة والمنطق. الحكيمُ المشهور، كان بارعًا في الطبِّ في زمانه، وكان أبوه من أهلِ بلخ، وانتقل إلى بخارى، وهو من العُمَّال فيها، ومن دعاة الإسماعيليَّة، تولَّى العملَ بقرية من ضياعِ بخارى يقال لها خرميثنا، وُلِدَ ابنُ سينا بها سنة 370، واسم أمِّه ستارة. تعلَّم بها فقرأ القرآنَ وأتقَنَه، وهو ابنُ عشر سنين، وأتقن الحسابَ والجبر والمقابلة، ثم اشتغلَ على أبي عبد الله الناتلي الحكيم، فقرأ عليه كتابَ إيساغوجي، وأحكم على يديه عِلمَ المنطقِ وإقليدس والمجسطي، وفاقَه أضعافًا كثيرةً، فبرع فيه وَفاقَ أهلَ زَمانِه في ذلك، كذلك تفَقَّه على كُتُبِ الفارابي، قال ابن كثير في الفارابي الذي تتلمذ ابنُ سينا على كتُبِه: "تفَقَّه ابنُ سينا على كتب أبي نصرٍ الفارابي التركيِّ الفيلسوف، الذي كان حاذقًا في الفلسفة، ويقول: بالمعادِ الروحاني لا الجُثَماني، ويَخصُص بالمعادِ الأرواحَ العالِمة لا الجاهلةَ، وله مذاهِبُ في ذلك يخالِفُ المسلمينَ والفلاسفةَ مِن سَلَفِه الأقدمين، فعليه- إن كان مات على ذلك- لعنةُ رَبِّ العالمينَ". وتردَّد النَّاسُ على ابنِ سينا واشتغلوا عليه، وهو ابنُ سِتَّ عشرة سنة، وعالج بعضَ الملوك السامانيَّة، وهو الأميرُ نوح بن نصر، فأعطاه جائزةً سَنيَّةً، وحَكَّمَه في خِزانةِ كُتُبِه، فرأى فيها مِن العجائب والمحاسِن ما لا يوجَدُ في غيرِها قبل أن تحتَرق، فيقال إنَّه عزا بعضَ تلك الكتب إلى نَفسِه، وله في الإلهيَّات والطبيعيَّات كتبٌ كثيرة. قال ابن سينا: "كان أبي تولى التصرُّفَ بقريةٍ كبيرة، وهو ممَّن آخى داعيَ المصريين، ويُعَدُّ من الإسماعيليَّة. ثمَّ نزل بخارى، فقرأت القُرآنَ وكثيرًا مِن الأدبِ ولي عَشرٌ، ثم رَغِبتُ في الطبِّ، وبَرَزتُ فيه، وقرؤوا عليَّ، وأنا مع ذلك أختَلِفُ إلى الفقه، وأناظِرُ ولي ستَّ عشرة سنة. ثم قرأت جميعَ أجزاء الفلسفة، وكنتُ كلمَّا أتحير في مسألة، أو لم أظفَرْ بالحد الأوسط في قياسٍ، تردَّدتُ إلى الجامِعِ، وصَلَّيتُ، وابتهلتُ إلى مُبدعِ الكُلِّ حتى فُتِح لي المنغَلِقُ منه، وكنت أسهَرُ، فمهما غلبني النومُ، شَربتُ قدحًا, حتى استحكم معي جميع العلوم، وقرأتُ كتاب "ما بعد الطبيعة"، فأشكَلَ عليَّ حتى أعدتُ قراءتَه أربعينَ مَرَّة، فحَفِظتُه ولا أفهَمُه، فأَيِستُ, ثمَّ وقع لي مجلدٌ لأبي نصر الفارابي في أغراضِ كتاب "ما بعد الحكمة الطبيعية"، ففَتَحَ عليَّ أغراضَ الكتب، ففَرِحتُ، وتصَدَّقتُ بشيء كثير, واتَّفَق لسلطانِ بخارى نوح مَرَضٌ صَعبٌ، فأُحضِرْتُ مع الأطباء، وشاركتُهم في مداواته، فسألت إذنًا في نَظَرِ خزانة كتبه، فدخلت فإذا كتُبٌ لا تُحصى في كلِّ فنٍّ، فظَفِرتُ بفوائدَ, فلما بلَغتُ ثمانية عشر عامًا، فَرَغتُ من هذه العلوم كلِّها، وكنت إذ ذاك للعِلمِ أحفَظَ، ولكنَّه معي اليومَ أنضجُ". صنَّف ابنُ سينا كتبًا كثيرة نحوًا من مِئَة مُصَنَّف، صغار وكبار، منها "الإنصاف" عشرون مجلَّدًا، "البر والإثم" مجلدان، "الشفاء" ثمانية عشر مجلدًا، "القانون" مجلدات، "الإرصاد" مجلَّد، "النجاة" ثلاث مجلدات، "الإشارات" مجلد، "القولنج" مجلد، "اللغة" عشر مجلدات، "أدوية القلب" مجلد، "الموجز" مجلد، "المعاد" مجلد، وسلامان، وإنسان، وحي بن يقظان، وأشياء كثيرة، ورسائل. قال ابن كثير: "حصر الغزاليُّ كلامَه في مقاصِدِ الفلاسفةِ، ثمَّ رَدَّ عليه في تهافُتِ الفلاسفة في عشرينَ مجلِسًا له، كَفَّرَه في ثلاثٍ منها، وهي قوله بقِدَمِ العالمِ، وعدمِ المعادِ الجُثماني، وأنَّ اللهَ لا يعلمُ الجزئيات، وبَدَّعَه في البواقي، ويقالُ: إنه تاب عند الموت، فالله أعلم". وذُكِرَ أنه مات بدمشق بالقولنج في همذان، وقيل بأصبهان، والأول أصحُّ، يوم الجمعة في شهر رمضان منها، عن 58 سنة، قال ابن كثير: "ولم أر الحافِظَ ابنَ عساكر ذكَرَ ابن سينا في تاريخه; لِنَتنِه وقباحَتِه, فالله أعلم".
هو الفقيه الكبير، قاضي العراق، أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رهم - وهو بدري من السابقين المهاجرين- بن عبد العزى القرشي، ثم العامري. كان أبو بكر من علماء قريش، ولاه المنصور القضاء، وكان خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن صاحب النفس الزكية، وكان على صدقات أسد وطيء، فقدم على محمد بأربعة وعشرين ألف دينار، فلما قتل محمد، أُسر ابن أبي سبرة وسجن، ثم استعمل المنصور جعفر بن سليمان على المدينة، وقال له: إن بيننا وبين ابن أبي سبرة رحما، وقد أساء وأحسن، فأطلقه وأحسن جواره. وكان الإحسان أن عبد الله بن الربيع الحارثي قدم المدينة ومعه العسكر، فعاثوا بالمدينة، وأفسدوا. فوثب على الحارثي سودان المدينة والرعاع، فقتلوا جنده، وطردوهم، ونهبوا متاع الحارثي، ثم كسر السودان السجن، وأخرجوا ابن أبي سبرة حتى أجلسوه على المنبر، وأرادوا كسر قيده، فقال: ليس على هذا فوت، دعوني حتى أتكلم. فتكلم في أسفل المنبر، وحذرهم الفتنة، وذكرهم ما كانوا فيه، ووصف عفو المنصور عنهم، وأمرهم بالطاعة. فأقبل الناس على كلامه، وتجمع القرشيون، فخرجوا إلى عبد الله بن الربيع، فضمنوا له ما ذهب له ولجنده، ثم رجع ابن أبي سبرة إلى الحبس، حتى قدم جعفر بن سليمان، فأطلقه وأكرمه، ثم صار إلى المنصور، فولاه القضاء. قال ابن عدي: عامة ما يرويه أبو بكر غير محفوظ، وهو في جملة من يضع الحديث. قال ابن سعد: ولي القضاء لموسى الهادي، وهو ولي عهد، ثم ولي قضاء مكة لزياد بن عبيد الله. توفي ابن ابي سبرة ببغداد, وقد عاش ستين سنة، فلما مات، استقضي بعده القاضي أبو يوسف.
هو الشيخ الإمام العلامة المحدِّث، الأديبُ النَّسَّابة: عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الموصلي المعروف بابن الأثير، مصنف كتاب (أُسْد الغابة في أسماء الصحابة)، وكتاب (الكامل في التاريخ)، وهو من أحسنها سردًا للحوادث ابتدأه من المبتدأ إلى سنة ثمان وعشرين وستمائة، ولد بجزيرة ابن عمر، في سنة 550، ونشأ بها، وأخواه العلامة مجد الدين والوزير ضياء الدين، ثم تحوَّلَ بهم أبوهم إلى الموصل، فسَمِعوا بها، واشتغلوا وبرعوا وسادوا. كان ابن الأثير إمامًا علامة، أخباريًّا أديبًا، متفنِّنًا رئيسًا محتشمًا، عالِمًا بالأنساب والتواريخ وأيام العرب، وله كتاب خاص بتاريخ الأتابكة الذين عاش في ظلهم، وكان منزله مأوى طلبة العلم، ولقد أقبل في آخر عمره على الحديث إقبالًا تامًّا، وسمع العاليَ والنازل, ووزر لبعض أتابكة الموصل وأقام بها في آخر عمره موقرًا مُعظَّمًا إلى أن توفي بها، وكان يتردد إلى بغداد. قدم ابن الأثير الشام رسولًا، فحدَّث بدمشق وحلب. قال ابن خلكان: " لَمَّا وصلت إلى حلب في أواخر سنة 626 كان عز الدين ابن الأثير مقيمًا عند الطواشي شهاب الدين طغريل الخادم أتابك الملك العزيز بن الملك الظاهر صاحب حلب، وكان الطواشي كثير الإقبال عليه حَسَنَ الاعتقاد فيه مُكْرِمًا له، فاجتمعت به فوجدته رجلًا مكملًا في الفضائل وكرم الأخلاق وكثرة التواضع، فلازمت التردادَ إليه" وأمَّا ابن الأثير الجزري الآخر فهو أخوه أبو السعادات المبارك مصنف كتاب جامع الأصول، وأخوهما الوزير ضياء الدين أبو الفتح نصر الله كان وزيرًا للملك الأفضل علي بن صلاح الدين، توفي ابن الأثير عن خمس وسبعين سنة- رحمه الله- في الموصل، ودُفِنَ بها.