هو أميرُ المؤمنينَ الخليفةُ الحاكِمُ بأمر الله أبو العباس أحمد بن المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي المصري، بويِعَ بالخلافة بالدَّولةِ الظاهرية في أول سنة 661، فاستكمل أربعينَ سنةً في الخلافة، وتوفِّيَ ليلة الجمعةِ ثامن عشر جمادى الأولى، وصُلِّيَ عليه بجامع ابن طولون، ودُفِنَ بجوار المشهد النفيسي وقتَ صلاةِ العَصرِ بسوق الخيل، وحَضَر جنازته الأعيانُ والدولةُ كُلُّهم مُشاةً، وكان قد عَهِدَ بالخلافة إلى وَلَدِه أبي الربيع سليمان، وتلقَّبَ بالمستكفي باللهِ، وقرئ كتاب تقليدِه بالخلافة بحَضرةِ السلطان المَلِك الناصر محمد بن قلاوون والدَّولة يوم الأحد عشرين من ذي الحجة مِن هذه السنة، وخُطِبَ له على المنابِرِ بالبلادِ المصريَّة والشاميَّة، وسارت بذلك البريديَّةُ إلى جميع البلاد الإسلاميَّة.
هو المَلِكُ المؤيَّد صاحب حماة عماد الدين إسماعيل بن الملك الأفضل نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، كانت له فضائلُ كثيرةٌ في علوم متعَدِّدة منها الفِقهُ والهيئة والطب، وله مُصَنَّفات عديدة، منها تاريخٌ حافِلٌ في مجلَّدين كبيرين، وله نَظمُ الحاوي وغير ذلك، وكان يحِبُّ العلماءَ ويُشارِكُهم في فنون كثيرة، وكان من فُضَلاءِ بني أيوب، ولي مُلكُ حماة من سنة إحدى وعشرين إلى هذا العام، وكان السلطان الناصر بن قلاوون يُكرِمُه ويُعَظِّمُه، ووَلِيَ بعدَه ولدُه الأفضل علي، توفِّيَ في سحر يوم الخميس ثامن عشرين المحرم، ودُفِنَ ضَحوةً عند والديه بظاهِرِ حماة.
هو السلطان محمد الأول بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل، هو السلطان الخامس للدولة العثمانية والملقب بالجلاد -ويعرف بمحمد جلبي- تولى السلطنة بعد وفاة أبيه، ونازعه إخوته الثلاثة على الحكم فقاتلهم حتى تمكن من قتلهم، ثم عمل على استرجاع الأراضي التي انتُزِعَت من الدولة بعد هزيمة والده وأسْرِه من قِبَل تيمورلنك في معركة أنقرة سنة 804, كما أنه عمل على بناء وتقوية الأسطول البحري العثماني، ونقل عاصمته من بورصا إلى أدرنة, وكان قد أوصى لابنه مراد من بعده، وكان يوم وفاة أبيه محمد الأول في أماسيا وكُتم وفاة السلطان حتى وصل مراد إلى أدرنة بعد واحد وأربعين يومًا، ودفن السلطان محمد جلبي في بورصا، وكانت مدة سلطنته قريبًا من ثماني عشرة سنة.
هو القائد البحري العثماني حسن باشا ابن القائد البحري الشهير خير الدين بربروسا، وُلد سنة 925, ويعدُّ من القادة المعدودين في الدولة العثمانية الذين حقَّقوا انتصارات باهرة على الإسبان في شمال إفريقيا، وقد حكم الجزائرَ حوالي 15 عامًا، تخللتها حروبٌ طاحنة. أراد حسن باشا أن يطهِّرَ وهران من الوجود الإسباني، فأخذ يستعدُّ في مدينة الجزائر لجمع قوى جديدةٍ منظَّمة منقادة إلى جانب الجيشِ العثماني، فجنَّد عشرةَ آلاف رجل من زواوة، كما أنشأ قوة أخرى ووضع على رأسِها أحدَ أعوان والده القدامى، وفي الوقت نفسه حاول الحصولَ على تأييد القوة المحلية، فتزوج من ابنة سلطان كوكو ابن القاضي، توفي في إستانبول ودفن فيها, وكان عمره حين توفي يناهز 72 عامًا.
هو الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان بن محمد القاري، الهَرَوي المكي، المعروف بملَّا علي القاري، من فقهاء الحنفية، وُلِد في هراة وسكن مكةَ وتوفي بها. كان زاهدًا في الدنيا، بعيدًا عن الحكَّام ومجالِسِهم، مُعرِضًا عن الوظائف والأعمال، وكان شديدًا عليهم، حاملًا على أهلِ البدع والضلالات في مكَّة محلِّ إقامته، قانعًا بما يحصِّل من بيعِ كُتُبِه، ويغلِبُ على حاله الزهد والعفاف والرضا بالكفاف، وكان قليلَ الاختلاط بغيره. له مصنفات عديدة، منها: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، الموضوعات الكبرى، وجمع الوسائل في شرح الشمائل، وشرح مسند أبي حنيفة، وشرح نُخبة الفِكَر في مصطلحات أهل الأثر، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، وشرح الشفا للقاضي عياض، وغيرها من الكتب. توفي بمكَّة ودفن بمقبرة المُعَلاة.
وُلِدَ إسلام كريموف في مدينةِ سَمَرقند في أوزبكستانَ عامَ 1938، ودرَسَ الهندسةَ والاقتصادَ، وعَمِلَ مهندسًا في الطيرانِ مِن 1961 إلى 1966، ثمَّ تولَّى بعدها مناصِبَ حكوميَّةً، وفي عامِ 1989 تولَّى الحُكمَ في أوزباكستانَ، ومُدِّدَت ولايتُه إلى عامِ 2000 بموجِب استفتاءٍ، وفاز في انتخاباتٍ أُجرِيَت في تلك السَّنة دون مُنافِسٍ، وفي استفتاءِ عامِ 2002م مُدِّدَت فترةُ ولايتُه من 5 إلى 7 سنَواتٍ، وفاز بفترتَي ولايةٍ أُخرَيَين عقِبَ انتخاباتٍ أُجرِيَت في عامِ 2007م، وفي مارس 2015م. ويوصَفُ حُكمُ كريموف بالقسوةِ الشَّديدةِ تجاهَ مُعارِضيه، وقد أعلَنَت حكومةُ أوزبكستان رسميًّا وفاةَ الرئيسِ إسلام كريموف -رحمه اللهُ- في اليومِ الأولِ من هذا الشهرِ؛ لإصابته بجَلطةٍ دِماغيَّةٍ عن عمرٍ يناهزُ 78 عامًا، ودُفِنَ في سَمَرقند.
هو من مواليدِ (1341 هـ / 1923)، ويُعدُّ الأميرُ بَندرُ الابنَ العاشرَ من أبناءِ الملكِ عبدِ العزيزِ آلِ سعودٍ الذكورِ، وترتيبُه بين إخوتِه العاشرُ بعدَ الملكِ فهدٍ مُباشرةً.
لم يتقلَّدْ أيَّ منصِبٍ رسميٍّ في الدولةِ منذُ تأسيسِها، ويُمثِّلُه في هيئةِ البَيعةِ ابنُه الأميرُ فيصل أميرُ مِنطقةِ الرياضِ. كما يشغَلُ أبناءُ الأميرِ بَندرَ مناصِبَ هامَّةً في الدولةِ، من بينِهمُ الأميرُ خالدُ بنُ بَندرَ مُستشارُ الملكِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ، والأميرُ تركي بنُ بندرَ قائدُ القوَّاتِ الجويَّة الملكيَّةِ السعوديَّةِ، والأميرُ عبدُ اللهِ بنُ بندرَ وزيرُ الحرسِ الوطنيِّ السعوديِّ.
تُوفِّي رحِمه الله وصُلِّي عليهِ يومَ الاثْنينِ بالمسجدِ الحرامِ، ودُفِنَ بمقبرةِ العدلِ في مكةَ المكرَّمةَ.
وُلِد الشَّيخُ عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ الفتاحِ بنِ عبدِ الرَّحيمِ القارئِ في مكَّـةَ المكَرَّمـةِ سنةَ 1365هـ.
ودَرَس في المعهدِ العِلمـيِّ بالرِّياضِ (1375- 1380هـ)، وتخرَّجَ من كليَّةِ الشَّريعةِ في الجامعةِ الإسلاميَّةِ سنةَ 1389هـ. وحصل على درجةِ الماجستيرِ من كُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والقانونِ في جامعةِ الأزهَرِ سَنةَ 1393هـ. ونال درَجةَ الدُّكتوراه في فِقهِ السِّياسةِ الشَّرعيَّةِ سنةَ 1399هـ.
تولَّى عمادةَ كُلِّيـَّةِ القرآنِ الكريـمِ والدِّراسـاتِ الإسـلاميـَّةِ في الجامعةِ الإسلاميَّةِ بالمدينةِ المنوَّرةِ سنةَ 1401هـ، ورئاسةَ لجنةِ تصحيحِ مُصحَفِ المدينـةِ النَّبَويَّـِة الذي طُبِـعَ بمجمَعِ الملكِ فهدٍ لِطِباعةِ المُصـحَفِ الشَّـريفِ بالمدينةِ المنوَّرةِ. كما عُيِّن إمامًا وخطيـبًا لمسـجدِ قُباءٍ ما بينَ سَنَتي 1405 و1414هـ.
توفِّي بالمدينةِ المنوَّرةِ وصُلِّي عليه في المسجِدِ النَّبَويِّ ودُفِن في البقيعِ.
هو سُلطانُ العالَم عَضُدُ الدَّولةِ أبو شُجاعٍ، المُلَقَّبُ بالعادِل محمد، ألب أرسلان بن جغريبك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق بن سلجوق التُّركيُّ, واسمُه بالعربي محمدُ بنُ داودَ وألب أرسلان اسمٌ تُركيٌّ مَعناهُ شُجاع أَسَد، فألب: شُجاع، وأرسلان: أَسَد. وهو ابنُ أخي السُّلطانِ طغرلبك، أَصلُه من قَريةٍ يُقال لها: النور. وُلِدَ سَنةَ 424هـ, وَجَدُّهُ دقاق، هو أَوَّلُ مَن دَخلَ في الإسلامِ, وألب أرسلان أَوَّلُ مَن ذُكِرَ بالسُّلطانِ على مَنابِرِ بغداد, وكان مَلِكًا عادِلًا، مَهِيبًا، مُطاعًا، مُعَظَّمًا. وَلِيَ السَّلْطَنَةَ بعدَ وَفاةِ عَمِّهِ طغرلبك بن سلجوق في سَنةِ 457هـ. لمَّا ماتَ السُّلطانُ طُغرلبك نَصَّ على تَوْلِيَةِ الأَمرِ لسُليمانَ بنِ داودَ أخي ألب أرسلان، ولم يَنُصَّ على ألب أرسلان؛ لأنَّ أُمَّ سُليمانَ كانت عنده فتَبِعَ هَواها في وَلَدِها، فقام سُليمانُ بالأَمرِ وثارَ عليه أَخوهُ ألب أرسلان، وجَرَت بينهم خُطوبٌ فلم يَتِمَّ لِسُليمانَ الأَمرُ، وكانت النُّصرةُ لألب أرسلان. فاستَولَى على المَمالِكِ، وعَظُمَت مَملكَتُه ورُهِبَت سَطوتُه، وفَتحَ من البِلادِ ما لم يكُن لِعَمِّهِ طُغرلبك مع سِعَةِ مُلْكِ عَمِّهِ، وقَصدَ بِلادَ الشامِ فانتَهَى إلى مَدينةِ حَلَب، وهو أَوَّلُ مَن عَبَرَ الفُراتَ من مُلوكِ التُّركِ. وكاد أن يَتَمَلَّكَ مصر. أَعزَّ الله بهِ الإسلامَ وأَذَلَّ الشِّرْكَ. كان ألب أرسلان مِن أَعدَلِ الناسِ، وأَحسَنِهم سِيرَةً، وأَرغَبِهِم في الجِهادِ وفي نَصرِ الدِّينِ. وعَظُمَ أَمرُ السُّلطانِ ألب آرسلان، وخُطِبَ له على مَنابرِ العِراقِ والعَجَمِ وخُراسان، ودانَت له الأُمَمُ، وأَحَبَّتْهُ الرَّعايا، ولا سيما لمَّا هَزَمَ العَدُوَّ، طاغِيةَ الرُّومِ أرمانوس في مَعركةِ ملازكرد سَنةَ 463هـ, وقَنعَ من الرَّعِيَّةِ بالخَراجِ في قِسطَينِ، رِفْقًا بهم, وكان كَثيرَ الصَّدَقاتِ، يَتَفقَّد الفُقراءَ في كلِّ رَمضانَ بأَربعةِ آلافِ دِينارٍ ببَلخ، ومَرو، وهراة، ونيسابور، ويَتَصدَّق بحَضرَتِه بعشرةِ آلافِ دِينارٍ. كَتبَ إليه بَعضُ السُّعاةِ في نِظامِ المُلْكِ وَزيرِهِ، وذَكَرَ مالَه في مَمالِكِه فاستَدعاهُ فقال له: خُذْ إن كان هذا صَحيحًا فهَذِّبْ أَخلاقَك وأَصلِح أَحوالَك، وإن كَذَبَ فاغْفِر له زَلَّتَهُ. وكان شديدَ الحِرصِ على حِفْظِ مالِ الرَّعايا، بَلَغَهُ أنَّ غُلامًا من غِلمانِه أَخذَ إِزارًا لبَعضِ أَصحابِه فصَلَبَهُ فارتَدعَ سائرُ المَماليكِ به خَوفًا من سَطوتِه. في أَوَّلِ سَنةِ 465هـ قَصدَ السُّلطانُ ألب أرسلان، ما وَراءَ النَّهرِ، وصاحبُه شَمسُ المُلْكِ تكين، فعَقدَ على جيحون جِسْرًا وعَبرَ عليه في نَيِّفٍ وعِشرينَ يومًا، وعَسكرُه يَزيدُ على مائتي ألف فارسٍ، فأَتاهُ أَصحابُه بمُسْتَحْفِظِ قَلعَةٍ يُعرفُ بيُوسُف الخوارزمي، في سادس شهرِ رَبيعٍ الأوَّل، وحُمِلَ إلى قُرْبِ سَريرِه مع غُلامَينِ، فقال له يُوسفُ: يا مُخَنَّث! مِثلي يُقتَل هذه القِتلَة؟ فغَضِبَ السُّلطانُ ألب أرسلان، وأَخذَ القَوْسَ والنِّشابَ، وقال للغُلامَينِ: خَلِّيَاهُ! ورَماهُ بِسَهمٍ فأَخطَأهُ، ولم يكُن يُخطِئ سَهمَه، فوَثبَ يُوسفُ يُريدُه، والسُّلطانُ على سُدَّةٍ، فلمَّا رأى يُوسفَ يَقصِدُه قام عن السُّدَّةِ ونَزلَ عنها، فعَثَرَ، فوَقعَ على وَجهِه، فبَرَكَ عليه يُوسفُ وضَربَهُ بسِكِّينٍ كانت معه في خاصِرَتِه، وكان سعدُ الدَّولةِ واقِفًا، فجَرَحَهُ يُوسفُ أيضًا جِراحاتٍ، ونَهضَ ألب أرسلان فدَخَل إلى خَيمةٍ أُخرَى، وضَرَبَ بَعضُ الفَرَّاشِين يُوسفَ بِمِرْزَبَّةٍ على رَأسِه، فقَتَلَه وقَطَّعَهُ الأتراكُ، ولمَّا جُرِحَ السُّلطانُ قال: ما مِن وَجهٍ قَصدتُه، وعَدُوٍّ أَردتُه، إلَّا استَعنتُ بالله عليه، ولمَّا كان أَمسُ صَعدتُ على تَلٍّ، فارتَجَّت الأرضُ تحتي مِن عِظَمِ الجَيشِ وكَثرَةِ العَسكرِ، فقلتُ في نفسي: أنا أَملِكُ الدُّنيا، وما يَقدِر أَحَدٌ عَلَيَّ، فعَجَّزَني الله تعالى بأَضعفِ خَلْقِه، وأنا أَستَغفِرُ الله تعالى، وأَستَقيلُه من ذلك الخاطرِ. فتُوفِّي عاشرَ رَبيعٍ الأوَّلِ من السَّنَةِ، فحُمِلَ إلى مَرو ودُفِنَ عند أَبيهِ. تُوفِّي عن إحدى وأربعين سَنَةً، وكانت مُدَّةُ مُلكِه منذ خُطِبَ له بالسَّلْطَنَةِ إلى أن قُتِلَ تِسعَ سِنينَ وسِتَّةَ أَشهُر وأيامًا، ولمَّا وَصلَ خَبرُ مَوتِه إلى بغداد جَلسَ الوَزيرُ فَخرُ الدَّولةِ بن جهير للعَزاءِ به في صَحنِ السَّلامِ. تَركَ ألب أرسلان من الأولادِ ملكشاه، وإياز، ونكشر, وبوري برس, وأرسلان، وأرغو، وسارة، وعائشة، وبِنتًا أُخرى, وتَولَّى بعده ابنُه ملكشاه.
كان عبدُ الله بن سلامٍ رَضي اللهُ عنه حَبْرًا من أحبارِ يَهودَ، عالِمًا، قال: لمَّا سَمِعتُ برسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَرَفتُ صِفَتَه واسمَه وزَمانَه الذي كنا نتوقَّعُ له، فكنتُ مُسِرًّا لذلك، صامِتًا عليه، حتى قَدِمَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، فلمَّا نزل بقُباءٍ، في بني عَمرِو بنِ عَوفٍ، أقبل رجلٌ حتى أخبَرَ بقُدومِه، وأنا في رأسِ نَخلةٍ لي أعمَلُ فيها، وعمَّتي خالِدةُ بنتُ الحارِثِ تحتي جالِسةٌ، فلما سمعتُ الخبرَ بقُدومِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَبَّرتُ، فقالت لي عَمَّتي حين سَمِعَت تكبيري: خيَّبَك اللهُ! واللهِ لو كُنتَ سَمِعتَ بموسى بنِ عِمرانَ قادِمًا ما زِدتَ! قال: فقلتُ لها: أيْ عمَّةُ، هو واللهِ أخو موسى بنِ عِمرانَ، وعلى دينِه، بُعِث بما بُعِث به. قال: فقالت: أيِ ابنَ أخي، أهوَ النبيُّ الذي كُنَّا نُخبَرُ أنه يُبعَثُ مع نَفَسِ السَّاعةِ؟ قال: فقلتُ لها: نعم. قال: فقالت: فذاك إذن. قال: ثم خرجتُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأسلَمتُ، ثم رَجَعتُ إلى أهلِ بيتي، فأمرتُهم فأسلموا.
قال: وكَتمتُ إسلامي من يهودَ، ثم جِئتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقلتُ له: يا رسولَ الله، إنَّ يهودَ قومٌ بُهتٌ، وإنِّي أُحِبُّ أن تُدخِلَني في بعضِ بُيوتِك، وتُغيِّبَني عنهم، ثم تَسألَهم عني، حتى يُخبِروك كيف أنا فيهم، قَبْلَ أن يعلَموا بإسلامي؛ فإنَّهم إنْ عَلِموا به بَهَتوني وعابوني. قال: فأدخَلَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ بُيوتِه، ودَخَلوا عليه، فكلَّموه وساءَلوه، ثم قال لهم: "أيُّ رجلٍ عبدُ الله بنُ سَلامٍ فيكم؟" قالوا: سيِّدُنا وابنُ سيِّدِنا، وحَبرُنا وعالِمُنا. قال: فلمَّا فَرَغوا من قولِهم خرجتُ عليهم، فقلتُ لهم: يا مَعشرَ يهودَ، اتَّقوا اللهَ واقبَلوا ما جاءكم به، فواللهِ إنَّكم لَتعلمون إنَّه لَرسولُ الله، تَجِدونَه مَكتوبًا عِندكُم في التَّوراةِ باسمِهِ وصِفَتِه، فإنِّي أشهَدُ أنَّه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأُومِن به وأُصدِّقُه وأعرِفُه. فقالوا: كَذَبْتَ. ثم وَقَعوا بي، قال: فقلتُ لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألَمْ أُخبِرْك يا رسولَ الله أنهم قومٌ بُهتٌ، أهلُ غدرٍ وكذبٍ وفُجورٍ! قال: فأظهَرتُ إسلامي وإسلامَ أهلِ بيتي، وأسلَمَت عمَّتِي خالِدةُ بنتُ الحارِثِ، فحَسُن إسلامُها.
قَدِم ابنُ القُشيريُّ بغدادَ فجَلسَ يَتكلَّم في النِّظاميَّةِ وأَخذَ يَذُمُّ الحَنابلةَ ويَنسُبُهم إلى التَّجسِيمِ، وساعَدهُ أبو سعدٍ الصُّوفيُّ، ومالَ معه الشيخُ أبو إسحاقَ الشِّيرازيُّ، وكَتبَ إلى نِظامِ المُلْكِ يَشكُو إليه الحَنابلةَ ويَسأَلُه المَعونةَ عليهم، وذَهبَ جَماعةٌ إلى الشَّريفِ أبي جَعفرِ بن أبي موسى شَيخِ الحَنابلةِ، وهو في مَسجدِه فدافَعَ عنه آخرون، واقتَتَل الناسُ بسَببِ ذلك، وقُتِلَ رَجلٌ خَيَّاطٌ من سُوقِ التِّبنِ، وجُرِحَ آخرون، وثارَت الفِتنةُ بين الحَنابلَةِ وبين فُقهاءِ النِّظاميَّةِ، وحَمِيَ لكلٍّ مِن الفَريقينِ طائفةٌ من العوامِّ، وقُتِلَ بينهم نحوٌ من عِشرينَ قَتيلًا، وكَتبَ الشيخُ أبو إسحاقَ وأبو بكرٍ الشاشيُّ إلى نِظامِ المُلْكِ في كِتابِه إلى فَخرِ الدولةِ يُنكِر ما وَقعَ، ويَكرَهُ أن يُنسَب إلى المَدرسةِ التي بناها شيءٌ من ذلك، وعَزمَ الشيخُ أبو إسحاقَ على الرِّحلَةِ من بغدادَ غَضَبًا ممَّا وَقعَ من الشَّرِّ، فأَرسلَ إليه الخَليفةُ يُسَكِّنُهُ، ثم جَمعَ بينه وبين الشَّريفِ أبي جعفرٍ وأبي سعدٍ الصُّوفيِّ، وأبي نصرِ بنِ القُشيريِّ، عند الوَزيرِ، فأَقبلَ الوَزيرُ على أبي جعفرٍ يُعَظِّمُهُ في الفِعالِ والمَقالِ، وقام إليه الشيخُ أبو إسحاقَ فقال: أنا ذلك الذي كنتَ تَعرِفُه وأنا شابٌّ، وهذه كُتُبِي في الأُصُولِ، ما أقولُ فيها خِلافًا للأَشعَرِيَّةِ. ثم قَبَّلَ رَأسَ أبي جَعفرٍ، فقال له أبو جَعفرٍ: صَدقتَ، إلَّا أنَّك لمَّا كُنتَ فَقيرًا لم تُظهِر لنا ما في نَفسِك، فلمَّا جاءَ الأَعوانُ والسُّلطانُ وخواجه بزك - يعني نِظام المُلْكِ- وشَبِعتَ، أَبدَيتَ ما كان مُختَفِيًا في نَفسِك، وقام الشيخُ أبو سعدٍ الصُّوفيُّ وقَبَّلَ رَأسَ الشَّريفِ أبي جَعفرٍ أيضًا وتَلطَّفَ به، فالتَفتَ إليه مُغضَبًا وقال: أيها الشيخُ، أمَّا الفُقهاءُ إذا تَكلَّموا في مَسائلِ الأُصولِ فلهم فيها مَدخَلٌ، وأمَّا أنت فصاحِبُ لَهْوٍ وسَماعٍ وتَغْبِيرٍ، فمَن زاحَمَكَ مِنَّا على باطلِك؟! ثم قال: أيها الوَزيرُ أَنَّى تُصلِح بيننا؟ وكيف يَقعُ بيننا صُلْحٌ ونحن نُوجِبُ ما نَعتَقِدُه وهُم يُحَرِّمُون ويُكَفِّرُون؟! وهذا جَدُّ الخَليفةِ القائم والقادر قد أَظهرَا اعتِقادَهُما للناسِ على رُؤوسِ الأَشهادِ على مَذهبِ أَهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ والسَّلَفِ، ونحن على ذلك كما وَافقَ عليه العِراقِيُّونَ والخُراسانِيُّونَ، وقُرِئَ على الناسِ في الدَّواوينِ كلِّها، فأَرسلَ الوَزيرُ إلى الخَليفةِ يُعلِمُه بما جَرَى، فجاءَ الجَوابُ بِشُكرِ الجَماعةِ وخُصوصًا الشَّريفَ أبا جَعفرٍ، ثم استَدعَى الخَليفةُ أبا جَعفرٍ إلى دارِ الخِلافةِ للسلامِ عليه، والتَّبَرُّكِ بِدُعائِه.
خرج رجلٌ بآمل طبرستان يقال له مازيار بن قارن بن يزداهرمز، وكان لا يرضى أن يدفَعَ الخراجَ إلى نائب خراسان عبد الله بن طاهر بن الحُسَين، بل يبعثه إلى الخليفةِ ليقبِضَه منه، فيبعث الخليفةُ من يتلقى الحملَ إلى بعض البلاد ليقبِضَه منه ثم يدفَعُه إلى ابن طاهر، ثم آل أمرُه إلى أن وثب على تلك البلادِ وأظهر المخالفةَ للمُعتَصِم، وقد كان المازيار هذا ممَّن يكاتب بابك الخرميَّ ويَعِدُه بالنصر، ويقال: إنَّ الذي قوَّى رأس مازيار على ذلك الأفشينُ لِيَعجِزَ عبدُ الله بن طاهر عن مقاومتِه فيُولِّيه المعتصِمُ بلاد خراسان مكانَه، فبعث إليه المعتصِمُ محمَّدَ بن إبراهيم بن مصعب- أخا إسحاقَ بن إبراهيم- في جيشٍ كثيف، فجرت بينهم حروبٌ طويلةٌ، وكان آخِرَ ذلك أسْرُ المازيارِ وحَملُه إلى ابنِ طاهر، فاستقَرَّه عن الكتب التي بعثها إليه الأفشينُ فأقَرَّ بها، فأرسله إلى المعتَصِمُ وما معه من أموالِه التي احتُفِظَت للخليفة، وهي أشياءُ كثيرةٌ جِدًّا من الجواهر والذهَبِ والثياب، فلما أُوقِفَ بين يدي الخليفةِ سأله عن كتُبِ الأفشين إليه فأنكَرَها، فأمر به فضُرِبَ بالسياط حتى مات، وكان ذلك عام 225هـ، وصُلِبَ إلى جانبِ بابك الخرمي على جسرِ بغداد، وقُتِلَ عُيونُ أصحابِه وأتباعِه.
انهَزمَ بركيارق مِن عَسكرِ عَمِّهِ تتش. وكان بركيارق بنصيبين، فلمَّا سَمِعَ بمَسيرِ عَمِّهِ إلى أذربيجان، سار هو من نصيبين، وعَبَرَ دِجلةَ مِن بَلدٍ فوقَ المَوصِل، وسار إلى إربل، ومنها إلى بلدِ سرخاب بن بدرٍ إلى أن بَقِيَ بينه وبين عَمِّهِ تِسعةُ فَراسِخ، ولم يكُن معه غيُر ألف رَجُلٍ، وكان عَمُّه في خمسين ألف رَجُلٍ، فسارَ الأَميرُ يعقوبُ بن آبق مِن عَسكرِ عَمِّه، فكَبَسَهُ وهَزَمهُ، ونَهبَ سَوادَه، ولم يَبقَ معه إلا برسق، وكمشتكين الجاندار، واليارق، وهُم مِن الأُمراءِ الكِبارِ، فسار إلى أصبهان. فمَنَعَه مَن بِها مِن الدُّخولِ إليها، ثم أَذِنوا له خَديعةً منهم لِيَقبِضوا عليه، فلمَّا قارَبَها خَرجَ أَخوهُ المَلِكُ محمودٌ فلَقِيَهُ، ودَخلَ البلدَ، واحتاطوا عليه، فاتَّفقَ أنَّ أَخاهُ مَحمودًا حُمَّ وجُدِرَ، فأرادَ الأُمراءُ أن يَكحَلوا بركيارق، فماتَ محمودٌ آخر شَوَّال، فكان هذا مِن الفَرَجِ بعدَ الشِّدَّةِ، وجَلسَ بركيارق للعَزاءِ بأَخيهِ، ثم إن بركيارق جُدِرَ، بعدَ أَخيهِ، وعُوفِيَ وسَلِمَ، فلمَّا عُوفِيَ كاتَبَ مُؤَيِّدُ المُلْكِ وَزيرُه أُمراءَ العِراقيِّين، والخُراسانيِّين، واستَمالَهم، فعادوا كُلُّهم إلى بركيارق، فعَظُمَ شَأنُه وكَثُرَ عَسكرُه.
وصل المَلِكُ العزيزُ عُثمانُ بن صلاح الدين، وهو صاحِبُ مصر، إلى مدينةِ دِمشقَ، فحَصَرَها وبها أخوه الأكبَرُ الملك الأفضل عليُّ بن صلاح الدين، فنزل بنواحي ميدان الحصى، فأرسل الأفضَلُ إلى عمه الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وهو صاحِبُ الديار الجزرية، يستنجِدُه، فسار الملك العادِلُ إلى دمشق هو والمَلِك الظاهر غازي بن صلاح الدين، صاحِبُ حلب، وناصِرُ الدين محمد بن تقي الدين، صاحِبُ حماة، وأسدُ الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه، صاحِبُ حمص، وعسكَرُ الموصل وغيرها، كُلُّ هؤلاء اجتمعوا بدمشق، واتَّفَقوا على حفظها، علمًا منهم أنَّ العزيزَ إن مَلَكَها أخذ بلادَهم، فلما رأى العزيزُ اجتماعَهم عَلِمَ أنَّه لا قدرة له على البلد، فترَدَّدَت الرسل حينئذ في الصلح، فاستقَرَّت القاعدة على أن يكون بيتُ المقدس وما جاوره من أعمالِ فلسطين للعزيز، وتبقى دمشق وطبرية وأعمالها والغور للأفضَلِ، على ما كانت عليه، وأن يعطيَ الأفضَلُ أخاه المَلِك الظاهر جبلة واللاذقية بالساحل الشامي، وأن يكون للعادِلِ بمصر إقطاعُه الأول، واتفقوا على ذلك، وعاد العزيزُ إلى مصر، ورجع كُلُّ واحدٍ من الملوكِ إلى بلده.
توفِّيَ حُسامُ الدين أردشير، صاحِبُ مازندران، وخَلَّفَ ثلاثة أولاد، فمَلَك بعده ابنُه الأكبَرُ، وأخرج أخاه أسامةَ وهو الأوسَطُ مِن البلاد، فقَصَد جرجان، وبها المَلِك علي شاه بن خوارزم شاه تكش، أخو خوارزم شاه محمد، وهو ينوبُ عن أخيه فيها، فشكا إليه ما صنَعَ به أخوه من إخراجِه مِن البلاد، وطَلَب منه أن يُنجِدَه عليه، ويأخُذَ له البلاد؛ ليكون في طاعته، فكتَبَ علي شاه إلى أخيه خوارزم شاه في ذلك، فأمر بالمسيرِ معه إلى مازندران، وأخْذ البلاد له، وإقامة الخُطبة لخوارزم شاه فيها، فساروا عن جرجان، فاتَّفق أن ابن حسام الدين، الأخَ الأكبر صاحب مازندران، مات في ذلك الوقت، وملك البلادَ بعده أخوه الأصغَرُ، واستولى على القلاعِ والأموال، فدخل علي شاه البلادَ، ومعه أسامةُ الأخ الأوسط، فنَهَبوها وخَرَّبوها، وامتنع منهم الأخُ الصغير بالقلاع، وأقام بقلعةِ كور، وهي التي فيها الأموالُ والذخائر، وحصروه فيها بعد أن ملَّكوا أسامة البلادَ، مثل: سارية وآمل وغيرهما من البلاد والحصون، وخُطِبَ لخوارزم شاه فيها جميعها، سوى القلعة التي فيها أخوه الأصغَرُ، وهو يراسله، ويستميله، ويستعطِفُه، وأخوه لا يردُّ جوابًا، ولا يَنزِلُ عن حِصنِه.