الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 735 ). زمن البحث بالثانية ( 0.01 )

العام الهجري : 761 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1359
تفاصيل الحدث:

هو الحافِظُ الفقيه أبو سعيد صلاح الدين العلائي خليل بن كيكلدي الدمشقي سِبطُ البرهان الذهبي الحافظ. مولِدُه سنة 694، حَفِظَ القرآن والسنة والنحو وغير ذلك، وسَمِعَ الكثير، وهو معدود في الأذكياء، ودَرَّس وأفتى وناظر، وكان مدَّة مقامه مدرسًا بالمدرسة الصلاحية بالقدس وشيخًا بدار الحديث السكرية ثلاثين سنة، وقد صَنَّف وألف وجمع وخَرَّج، وكانت له يدٌ طولى بمعرفة العالي والنازل، وتخريج الأجزاء والفوائد، وله مشاركةٌ قوية في الفقه واللغة والعربية والأدب، وله عدة مصنفات وقَفَها على الخانقاه السمساطية بدمشق، ومن مصنفاته: جامع التحصيل في أحكام المراسيل، وتحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة، والنقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح، والتنبيهات المجملة على المواضع المشكلة، وتلقيح المفهوم في تنقيح صيغ العموم، وتحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد، وجزء في تصحيح حديث القلتين والكلام على أسانيده، وإجمال الإصابة في أقوال الصحابة، وغيرها. توفي بالقدس الشريف ليلة الاثنين ثالث المحرم، وصلِّيَ عليه من الغدِ بالمسجد الأقصى بعد صلاة الظهر، ودُفِن بمقبرة نائب الرحبة، وله من العُمرِ ست وستون سنة.

العام الهجري : 979 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1571
تفاصيل الحدث:

كانت إيطاليا وإسبانيا تقدران أهمية جزيرة قبرص، وشاع في أوروبا تكوُّنُ حِلف ضِدَّ السلطان، ولكن لم يُعمَلْ شَيءٌ في حينه لإنقاذ قبرص من العثمانيين الذين نزلوها بقوة كاسحة، نفذت إلى الجزيرة بدون صعوبة، ووقفت مدينة فامرجستا الحصينة أمام العثمانيين بقيادة باحليون وبراجادنيو الذين واجهوا القوة العثمانية التي بلغ عددُ مقاتليها مائة ألف, واستعمل خلالها العثمانيون جميعَ وسائل الحصار المعروفة، مِن فَرٍّ وكَرٍّ، وزرع للألغام، ولم ينتج أي تأثير على الحامية، ولو وصلت قوة النصرانية للنجدة، لصار العثمانيون في خطرٍ، إلا أنَّ المجاعة قامت بعملها، واستسلمت المدينةُ في ربيع الثاني من هذه السنة، ونَقَلت الدولةُ العثمانية بعد فتحِها لقبرص عددًا كبيرًا من سكان الأناضول الذين لا يزال أحفادُهم مقيمين في الجزيرة حتى الآن، ورغم ترحيبِ القبارصة الأرثوذكس بالحكم العثماني الذي أنقذهم من الاضطهاد الكاثوليكي الذي مارسته البندقية لعدة قرون، إلَّا أن احتلال العثمانيين أثار الدولة الكاثوليكية، ثم عرضت البندقيةُ الصلحَ مع الدولة العثمانية، فجرت بين الطرفين معاهدة تتخلى بموجِبِها البندقيةُ عن قبرص لصالح العثمانيين، وتحتفظ البندقية بجزيرة كريت وجزر الأرخبيل اليوناني، مع دفع غرامة مالية حربية خوفًا من تجديد القتال.

العام الهجري : 1178 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1764
تفاصيل الحدث:

جرت الوقعةُ المشهورة بوقعة الحاير- وهو مكان يُعرَف بحاير سبيع، بين الرياض والخرج- وكانت هذه الوقعة ابتلاءً لأهل التوحيد أتباع الدرعية, وكان سببُ هذه الوقعة أن العجمان بعد أن هزمهم عبد العزيز بن محمد في قذلة عام 1177هـ وقتل منهم فريقًا وأسر فريقًا آخر، استنجدوا برئيس نجران وقبائل يام، فاستجاب صاحبُ نجران الحسنُ بن هبة الله المكرمي لشكواهم، وأعدَّ العدة لذلك، وأبلغ صاحِبَ الأحساء عريعر بن دجين عدو ابن سعود بعزمِه على السير لقتال الدرعية، وعقد معه اتفاقًا للتعاون والاشتراك بقتالها، وضرب له موعدًا للقاء عند الحاير، فلما وصل المكرمي الحاير بقي أيامًا يحارب أهلَها حتى وصل جيش الدرعية الذي قيل إنه كان معتدًّا بنفسه ومُعجبًا بقوَّتِه وكثرة عددِه، فلمَّا وصَلوا قرية الحاير التقى الجيشان واشتَدَّ القتال بينهما حتى انهزمت قوات الدرعية، وقُتِلَ منها 400 وأُسر 300، وتم الاتفاق على تبادُلِ الأسرى وانسحاب جيش نجران, ثم أرسل دهام بن دواس أمير الرياض هدايا يستميلُه لمحاربة بقية أتباع الدرعية، ويَعِدُه بكثيرٍ من الأموال والفوز وفتحِ البلدانِ وحُكمِها.

العام الهجري : 1224 العام الميلادي : 1809
تفاصيل الحدث:

أرسل الإمامُ سعود بن عبد العزيز إلى عمان عبدَ الله بن مزروع صاحِبَ
منفوحة وعِدَّةَ رجال من أهل نجد، وأمرهم بنزولِ قصر البريمي المعروف في عمان وإحصانه، ثمَّ إن سعودًا بعث بعده إلى عُمان مطلق المطيري بجيش من أهل نجد، وأمرَ أهل عمان بالاجتماع عليه والقتال معه، فاجتمع عليه مقاتِلةُ أهل عمان مع ما معه من أهل نجد، فقاتل أهل الباطنة سحار ونواحيها ومن تبعهم، ورئيسُهم يومئذ عزان بن قيس، وقاتلوا سعيدَ بن سلطان صاحِبَ مسقط، ودام القتالُ بينهم، وقُتِل من عسكر عزان مقتلة عظيمة، قيل بلغ عدد القتلى خمسمائة رجل، ثم اجتمع مع مطلق المطيري جميعُ من هو في رعية الإمام سعود من أهل عُمان، فنازل أهل سحار بألوف من المقاتِلة، ودخلت سنة 1225 هـ وهم على ذلك يقاتلون ويغنمون، وأخذ مطلق ومن معه قرًى كثيرة من نواحي سحار من أهل الباطنة، وبايع غالبُهم على دين الله ورسوله والسمع والطاعة، ولم يبقَ محارب إلا مسقط ونواحيها، مملكة سعيد بن سلطان وما تحت ولاية عزان من سحار، وغنموا منها غنائم كثيرة وبعثوا بالأخماس إلى سعود في الدرعية.

العام الهجري : 1299 العام الميلادي : 1881
تفاصيل الحدث:

اعتمد الجيشُ الفرنسي وقادتُه استراتيجيةَ الحَربِ الشاملة في تعامُلِهم مع الشعب الجزائري، وكان الهَدَفُ المنشود من وراء هذه الاستراتيجية الإسراعَ في القضاء على تلك المقاوَمةِ المُستَميتة التي أظهرَتْها مختلفُ فئات الشعب وعلى جميعِ الأصعدة للهيمنة الأجنبية، وكانت البدايةُ بمذبحةِ البليدة على عهدِ الجنرال كلوزيل، ثمَّ مذبحة العوفية إلى عهدِ الدوق دي ريفيقو، التي كشفت طبيعةَ الإبادة الجماعية، كأسلوبِ سياسةِ فرنسا في الجزائر. وكان أشهَرُ المذابح مذبحةَ غار الفراشيش على يد العقيد بليسييه، ناهيك عمَّا اقترفه المجرم كافينياك في حق قبائل الشلف، وحيث طبَّق طريقة تشبه القتل عن طريق الاختناق، فكانت مجزرةُ قبائل السبيعة. ولم تنحصر عمليةُ إبادة العنصر البشري على منطقةٍ محَدَّدة في الجزائر، بل أصبحت هوايةُ كُلِّ قائد عسكري فرنسي، أوكلت مهمَّة بسط نفوذ فرنسا ورسالتها الحضارية، ويعترف أحدُ القادة العسكريين الفرنسيين في واحدٍ مِن تقاريره، قائلًا: إنَّنا دمَّرنا تدميرًا كاملًا جميع القرى والأشجار والحقول، والخسائِرُ التي ألحقتها فِرقتنا بأولئك السكان لا تُقَدَّر، إذا تساءل البعضُ: هل كان عمَلُنا خيرًا أو شرًّا ؟ فإني أجيبهم بأنَّ هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاعِ السكَّان وحَملِهم على الرحيلِ!!

العام الهجري : 1432 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 2011
تفاصيل الحدث:

تُوفِّي شيخُ الحنابلةِ عبدُ الله بنُ عبد العزيز العَقيلُ الرَّئيس السابقُ للهيئةِ الدَّائمة بمجلسِ القضاءِ الأعلى في السُّعودية، عن عمرٍ يناهز (97) سنةً. وقد نشأ الشيخُ ابنُ عقيلٍ في كَنَفِ والدِه عبدِ العزيز العَقيلِ، الذي يُعَدُّ من أُدباء وشُعراء عُنَيزةَ المشهورين، فكان والِدُه هو معلِّمَه الأولَ. ودَرَس العلومَ الأوليَّةَ في مدرسةِ ابنِ صالحٍ، ثم في مدرسةِ الشيخِ عبدِ الله القَرعاوِيِّ. وحَفِظ القرآنَ الكريم، وعددًا من المُتونِ، مثلَ: عُمدة الحديث، ومتن زاد المُستقنِع، وألفيَّة ابنِ مالك في النحو... وغيرِها، وله عددٌ من المؤلَّفات، ومن أبرز مشايِخه الشيخُ مُحمَّدُ بنُ إبراهيم آل الشيخ، والشيخُ عبدُ الرحمن بن ناصرٍ السَّعدي، والشيخُ عبدُ الله القَرعاويُّ... وغيرُهم، وقد تولَّى عددًا من المناصبِ في حياتِه، ومنها القضاءُ في عددٍ من مدنِ المملكة، وعُيِّن عضوًا في دارِ الإفتاء ثم عُضوًا في هيئة التمييزِ، وعُيِّن رئيسًا للهيئة الدائمةِ في مجلسِ القضاء الأعلى، وعَمِل رئيسًا للهيئةِ الشَّرعية التي أُنشِئَت للنَّظرِ في مُعاملات شَركة الراجحي المَصرِفِيَّة للاستِثمار، وغيرُ ذلك من أعمالٍ تقلَّدَها في سِنِي حياتِه -رحمه الله-.

العام الهجري : 1307 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1890
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ الأميرُ السيد الشريف المحقِّقُ محيي السنة وقامِعُ البدعة: أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله القنوجي البخاري، نزيل بهوبال، ويرجع نَسَبُه إلى زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب. ولِدَ في بلدة "بريلي" موطِنِ جَدِّه من جهةِ الأمِّ، عام 1248هـ ولما بلغ السادسةَ مِن عمره توفِّيَ والدُه، فرحل مع أمِّه إلى قِنَّوج موطِنِ آبائهِ بالهندِ، فنشأ فيها في حجرِ أمِّه يتيمًا فقيرًا على العَفافِ والطهارة، وتلقَّى الدروس في علومٍ شتى على صفوةٍ مِن علماءِ قِنَّوج ونواحيها وغيرهم. درسَ صِدِّيق على شيوخٍ كثيرين من مشايخِ الهند واليمن، واستفاد منهم في علومِ القرآن والحديثِ وغيرهما، ولقد أجازه شيوخٌ كثيرون ذكَرَهم في ثَبتِه "سلسة العَسْجَد في مشايخ السند". وله تلاميذ كثيرون درَسوا عليه واستجازوه، وبعد عودتِه مِن الحجازِ إلى الهند انتقل العلامةُ صِدِّيق حسن خان من (قنوج) إلى مدينة (بهوبال) في ولاية (مادهيا براديش) في وسط الهند، وقد ذاع صيتُه في تلك الأيام، كإمام في العلومِ الإسلامية، ومؤلِّفٍ بارع في العلوم العقليَّةِ والنَّقلية، وكاتبٍ قديرٍ في اللغات العربية والفارسية والأوردية، ومجتهدٍ متواصلٍ في الدرس والتأليف والتدوين، ولم يلبَثْ أن تزوَّجَ بأميرة بهوبال (شاهجان بيجوم) التي كانت تحكُمُها حينذاك، تزوَّجَت به لَمَّا عَلِمَت من شَرَفِ نَسَبِه وغزارة عِلمِه واستقامة سيرتِه، سنة 1287هـ، وجعلَتْه مُعتَمِدَ المهامِّ، ومنحته أقطاعًا من الأرضِ الخراجيَّة تغلُّ له خمسين ألف ربيَّة في كلِّ سنة، وخلعت عليه ولقَّبَتْه الدولةُ البريطانيةُ الحاكِمةُ بالهند نواب أمير الملك سيد محمد صديق حسن خان بهادر، ومنحته حَقَّ التعظيم في أرض الهند بطولِها وعرضِها بإطلاقِ المدافِعِ سَبعَ عشرة طلقةً، وخلَعَت عليه بالخِلَعِ الفاخرةِ، ومنَحَه السلطانُ عبد الحميد خان الوسامِ المجيدي من الدرجةِ الثانية. عَمِلَ صديق خان وزيرًا لزوجته الأميرة (شاهجان بيجوم) ونائبًا عنها. كان زواجُ العلَّامة صديق حسن خان بالأميرة شاهجان وتلقُّبه بأمير بهوبال نقطةَ تحوُّلٍ لا في حياتِه العلميَّةِ فقط، بل في النشاطِ العلميِّ والعهد التأليفي في الهند كلِّها، فكان له موهبةٌ فائقةٌ في الكتابة وفي التأليف، حتى قيل إنَّه كان يكتُبُ عَشَرات الصفحاتِ في يوم واحد، ويكمِلُ كتابًا ضخمًا في أيام قليلة، ومنها كتب نادرةٌ على منهج جديد، وعندما ساعدته الظروفُ المَنصبيَّةُ والاقتصادية على بذل المالِ الكثيرِ في طَبعِها وتوزيعِها، تكَلَّلت مساعيه العلمية بنجاحٍ منقطعِ النظير. من مؤلَّفاتِه: فتح البيان في مقاصد القرآن، ونيل المرام من تفسير آيات الأحكام، والدين الخالص (جمع فيه آيات التوحيد الواردة في القرآن، ولم يغادر آيةً منها إلا أتى عليها بالبيان الوافي)، وعون الباري بحَلِّ أدلة البخاري (شرح كتاب التجريد)، والسراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجَّاج، والحِرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون (في الحديث)، والرحمة المهداة إلى من يريد زيادةَ العلمِ على أحاديثِ المِشكاة، والجنة في الأسوة الحسنة بالسنَّة،(في اتباع السنة)، الحِطَّة في ذكر الصحاح الستة، والروضة الندية شرح الدرر البهية للقاضي محمد اليمني الشوكاني، وفتح العلام شرح بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني، وحصول المأمول من علم الأصول (تلخيص إرشاد الفحول للشوكاني) (في أصول الفقه)، وقطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر، وغيرها كثير، قال عبد الحي الطالبي: "له مصنَّفاتٌ كثيرةٌ ومؤلَّفاتٌ شهيرة في التفسير والحديث، والفقه والأصول، والتاريخ والأدب، قلَّما يتَّفِقُ مثلُها لأحدٍ من العلماء، وكان سريعَ الكتابةِ حُلوَ الخَطِّ، يكتب كراستين في مجلسٍ واحدٍ بخَطٍّ خفيٍّ في ورقٍ عالٍ، ولكنه لا تخلو تأليفاتُه عن أشياءَ، إما تلخيص أو تجريد، أو نقل من لسانٍ إلى لسان آخر، وكان كثيرَ النقل عن القاضي الشوكاني، وابن القيم، وشيخه ابن تيمية الحراني، وأمثالهم، شديدَ التمَسُّك بمختاراتهم، وقد اعتراه مرَضُ الاستسقاء، واشتدَّ به المرضُ وأعياه العلاجُ واعتراه الذهولُ والإغماء، وكانت أناملُه تتحَرَّك كأنَّه مشغول بالكتابة، فلما كان نصفُ الليل فاضت على لسانِه كلمةُ أحِبُّ لقاءَ اللهِ، قالها مرة أو مرتين، وطلب الماءَ واحتُضِرَ، وفاضت نفسه، وكان ذلك في ليلة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1307هـ، وله من العُمرِ تِسعٌ وخمسون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام، وشُيِّعَت جنازته في جمعٍ حاشدٍ، وصلِّيَ عليه ثلاث مرات، و كان قد أوصى بأن يُدفَنَ على طريقةِ السُّنَّة، فنُفِّذَت وصيَّتُه.

العام الهجري : 1 ق هـ الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 621
تفاصيل الحدث:

كان أبو سَلمةَ عبدُ الله بنُ عبدِ الأسدِ أوَّلَ مَن هاجر إلى المدينةِ مِن أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ المُهاجرين مِن قُريشٍ مِن بني مَخزومٍ، وكانتْ هِجرتُه إليها بعدَ بَيعةِ العَقبةِ الأولى، وقبلَ بَيعةِ العَقبةِ الثَّانيةِ، حين آذتْهُ قُريشٌ بعدَ مَرجعِهِ مِنَ الحَبشةِ، فعزم على الرُّجوعِ إليها، ثمَّ بَلغهُ أنَّ بالمدينةِ لهم إخوانًا، فعزم في الهِجرةِ إليها.
قالتْ أمُّ سَلمةَ: لمَّا أجمع أبو سَلمةَ الخُروجُ إلى المدينةِ رَحَّلَ لي بَعيرَهُ ثمَّ حملَني عليه، وجعل معي ابْنِي سَلمةَ بنَ أبي سَلمةَ في حِجْري، ثمَّ خرج يقود بي بَعيرَهُ، وانطلق به بنو عبدِ الأسدِ، وحبسني بنو المُغيرةِ عندهم وانطلق زوجي أبو سَلمةَ إلى المدينةِ. قالتْ: ففُرِّق بيني وبين ابْنِي وبين زوجي. قالت: فكنتُ أخرُج كُلَّ غَداةٍ فأجلِسُ في الأَبْطَحِ، فما أزالُ أبكي حتَّى أُمْسي، سَنَةً أو قريبًا منها، حتَّى مَرَّ بي رجلٌ مِن بني عَمِّي أحدُ بني المُغيرةِ، فرأى ما بي فرحِمَني، فقال لِبَني المُغيرةِ: ألا تحرجون من هذه المِسكينةِ؟ فرَّقتُم بينها وبين زوجِها وبين ولدِها؟ قالت: فقالوا لي: الْحَقي بزوجِك إن شئتِ. قالت: فَرَدَّ بنو عبدِ الأسدِ إليَّ عند ذلك ابْنِي، قالت: فارتحلتُ بعيري، ثمَّ أخذتُ ابْنِي فوضعتُه في حِجْري، ثمَّ خرجتُ أُريدُ زوجي بالمدينةِ. قالت: وما معي أحدٌ من خَلقِ الله، حتَّى إذا كنتُ بالتَّنعيمِ لَقيتُ عُثمانَ بنَ طلحةَ بنِ أبي طلحةَ أخا بني عبدِ الدَّارِ، فقال: إلى أين يا ابنةَ أبي أُميَّةَ؟ قلتُ: أُريدُ زوجي بالمدينةِ. قال: أَوَمَا معكِ أحدٌ؟ قلتُ: ما معي أحدٌ إلَّا الله وابْنِي هذا. فقال: والله ما لكِ مِن مَتْرَكٍ. فأخذ بخِطامِ البَعيرِ فانطلق معي يَهْوي بي، فَوَالله ما صَحِبتُ رجلًا مِن العربِ قَطُّ أَرى أنَّه كان أَكرمَ منه، كان إذا بلغ المنزِلَ أناخ بي، ثمَّ استأخر عنِّي حتَّى إذا نزلتُ استأخر ببعيري فحَطَّ عنه ثمَّ قيَّدهُ في الشَّجرِ، ثمَّ تنحَّى إلى شجرةٍ فاضطجع تحتها. فإذا دَنا الرَّواحُ قام إلى بعيري فقدَّمهُ فَرَحَّلَهُ، ثمَّ استأخر عنِّي وقال: ارْكَبي. فإذا رَكِبْتُ فاستويتُ على بعيري أتى فأخذ بخِطامهِ فقادَني حتَّى يَنزِلُ بي، فلمْ يَزلْ يصنعُ ذلك بي حتَّى أَقْدَمَني المدينةَ، فلمَّا نظر إلى قريةِ بني عَمرِو بنِ عَوفٍ بقُباءٍ قال: زوجُكِ في هذه القريةِ. وكان أبو سَلمةَ بها نازلًا، فادْخُليها على بركةِ الله. ثمَّ انصرف راجعًا إلى مكَّةَ. فكانت تقولُ أمُّ سَلمةَ: ما أعلمُ أهلَ بيتٍ في الإسلامِ أصابهم ما أصاب آلَ أبي سَلمةَ، وما رأيتُ صاحبًا قَطُّ كان أكرمَ مِن عُثمانَ بنِ طلحةَ. أَسلمَ عُثمانُ بنُ طلحةَ بنِ أبي طلحةَ العَبْدَريُّ بعدَ الحُدَيبيةِ.

العام الهجري : 86 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 705
تفاصيل الحدث:

هو عبدُ الملك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاصِ بن أُمَيَّة، أبو الوَليد الأُمَويُّ أَميرُ المؤمنين، وُلِدَ سنة سِتٍّ وعشرين بالمدينة, شَهِدَ الدَّارَ –يعني يومَ مَقْتَل عُثمان-مع أبيه، وله عَشْرُ سِنين، وهو أوَّلُ مَن سَارَ بالنَّاس في بِلاد الرُّوم سنة ثنتين وأربعين، وكان أَميرًا على أهلِ المدينة وله سِتَّ عَشرةَ سنة، وَلَّاهُ إيَّاها مُعاوِيَةُ، وكان يُجالِس الفُقَهاء والعُلَماء والعُبَّاد والصُّلَحاء, بُويِعَ بالخِلافَة في سنة خَمس وسِتِّين في حَياةِ أبيهِ، في خِلافَة ابن الزُّبير، وبَقِيَ على الشَّامِ ومِصْرَ مُدَّة سَبْعِ سِنين، وابن الزُّبير على باقي البِلاد ثمَّ اسْتَقَلَّ بالخِلافَة على سائِر البِلاد والأقاليم بعدَ مَقْتَل ابنِ الزُّبير، وقد كان عبدُ الملك قبلَ الخِلافَة مِن العُبَّاد الزُّهَّاد الفُقَهاء المُلازِمين للمَسجِد، التَّالِين للقُرآن، وكان رِبْعَةً مِن الرِّجال أَقْرَب إلى القِصَر. قال عنه نافعٌ: رَأيتُ المدينةَ وما فيها شَابٌّ أَشَدُّ تَشْميرًا، ولا أَفْقَهُ ولا أَقْرَأُ لِكِتابِ الله مِن عبدِ الملكِ بن مَرْوان. قال عبدُ الملك: كُنتُ أُجالِس بَرِيرَةَ قبلَ أن أَلِيَ هذا الأَمْرَ، فكانت تَقولُ: يا عبدَ الملك، إنَّ فِيكَ خِصالًا، وإنَّك لَجَدِيرٌ أن تَلِيَ أَمْرَ هذه الأُمَّةِ، فاحْذَر الدِّماء ; فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ الرَّجُلَ لَيُدْفَع عن بابِ الجَنَّة أن يَنْظُرَ إليها على مِحْجَمَةٍ مِن دَمٍ يُريقُه مِن مُسلِم بِغيرِ حَقٍّ. كان فُقَهاء المَدينة أَربعَة: سَعيدُ بن المُسَيِّب، وعُرْوَةُ، وقَبيصَةُ بن ذُؤَيْب، وعبدُ الملك بن مَرْوان قبلَ أن يَدخُل في الإمارة. لم يَزَلْ عبدُ الملك مُقيمًا بالمدينة حتَّى كانت وَقْعَة الحَرَّةِ، واسْتَولى ابنُ الزُّبير على بِلادِ الحِجازِ، وأَجْلَى بَنِي أُمَيَّة منها، فقَدِمَ مع أَبيهِ الشَّامَ، ثمَّ لمَّا صارَت الإمارةُ مع أَبيهِ وبايَعه أهلُ الشَّام أَقامَ في الإمارةِ تَسعةَ أَشهُر، ثمَّ عَهِدَ إليه بالإمارةِ مِن بَعدِه. بُويِعَ عبدُ الملك بالخِلافَة في مُسْتَهَلِّ رَمضانَ سنة خَمسٍ وسِتِّين، واجْتَمع النَّاسُ عليه بعدَ مَقتلِ ابنِ الزُّبير سنة ثلاث وسَبعين. كان عبدُ الملك له إقْدامٌ على سَفْكِ الدِّماء، وكان عُمَّالُه على مَذهَبِه; منهم الحَجَّاجُ، والمُهَلَّبُ، وغيرُهم، وكان حازِمًا فَهِمًا فَطِنًا، سَائِسًا لِأُمُور الدُّنيا، لا يَكِلُ أَمْرَ دُنياهُ إلى غَيرِه، وكان عبدُ الملك يقول: أَخافُ المَوتَ في شَهْرِ رَمضان، فيه وُلِدْتُ وفيه فُطِمْتُ وفيه جَمَعْتُ القُرآنَ، وفيه بايَعَ لِيَ النَّاسُ، فمات في النِّصف مِن شَوَّال حين أَمِنَ الموتَ في نَفسِه. وكان عُمُرُهُ سِتِّين سنة، وقِيلَ: ثلاثًا وسِتِّين سنة. وكانت خلافَتُه مِن لَدُن قَتْلِ ابنِ الزُّبير ثلاث عَشرةَ سنةً وأربعة أَشهُر إلَّا سبع ليالٍ، وقِيلَ: وثلاثة أَشهُر وخمسة عَشرَ يومًا. ودُفن خارِجَ بابِ الجابِيَة. صلَّى عليه ابنُه الوَليدُ ووَلِيَ عَهْدَهُ مِن بَعدِه.

العام الهجري : 218 العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:

بعد أن أحضر إسحاقُ بنُ إبراهيمَ العُلَماءَ والمحدِّثينَ لامتحانِهم، كان مِن بينهم الإمامُ أحمَدُ، ومحمدُ بنُ نوح، وغيرُهم كثيرٌ، ولَمَّا انتهت النوبةُ إلى امتحانِ الإمامِ أحمَدَ بنِ حنبَل، قال له: أتقولُ إنَّ القرآنَ مَخلوقٌ؟ فقال: القرآنُ كلامُ اللهِ، لا أزيدُ على هذا، فقال له: ما تقولُ في هذه الرُّقعةِ؟ بالرقعةِ التي وافَقَ عليها قاضي القُضاةِ بِشرُ بن الوليد الكِندي، فقال: أقولُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فقال رجلٌ من المعتزلة: إنَّه يقولُ: سَميعٌ بأذُنٍ، بصيرٌ بعَينٍ! فقال له إسحاقُ: ما أردتَ بقَولِك: سَميعٌ بصيرٌ؟ فقال: أردتُ منها ما أراده اللهُ منها؛ وهو كما وصف نفسَه، ولا أزيدُ على ذلك. فكتب جواباتِ القَومِ رَجُلًا رجلًا وبعثَ بها إلى المأمون، فلما وصَلَت جواباتُ القوم إلى المأمونِ، بعث إلى نائبه يمدَحُه على ذلك ويرُدُّ على كلِّ فَردٍ ما قال في كتابٍ أرسَلَه. وأمر نائِبَه أن يمتَحِنَهم أيضًا فمن أجاب منهم شُهِرَ أمرُه في الناس، ومن لم يجِبْ منهم فابعَثْه إلى عسكَرِ أميرِ المؤمنين مقيَّدًا مُحتَفِظًا به حتى يصِلَ إلى أميرِ المؤمنين فيرى فيه رأيَه، ومِن رأيِه أن يضرِبَ عُنُقَ مَن لم يقُلْ بِقَولِه. فعند ذلك عقد النائبُ ببغداد مجلسًا آخر وأحضر أولئك، وفيهم إبراهيمُ بنُ المهدي، وكان صاحبًا لبِشرِ بنِ الوليد الكندي، وقد نصَّ المأمونُ على قتلِهما إن لم يُجيبا على الفَورِ، فلما امتحنَهم إسحاقُ أجابوا كلُّهم مُكرَهينَ متأوِّلينَ قَولَه تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} إلَّا أربعةً، وهم: أحمد بن حنبل، ومحمَّد بن نوح، والحسَنُ بن حمَّاد سجادة، وعُبيد الله بن عمر القواريري. فقيَّدَهم وأرصدهم ليبعَثَ بهم إلى المأمونِ، ثم استدعى بهم في اليومِ الثاني فامتحَنَهم فأجاب سجادة إلى القولِ بذلك فأُطلِقَ. ثم امتحَنَهم في اليوم الثالثِ فأجاب القواريريُّ إلى ذلك فأُطلِقَ قَيدُه، وأَخَّرَ أحمدَ بنَ حَنبل ومحمَّدَ بن نوحٍ الجندُ؛ لأنَّهما أصرَّا على الامتناعِ من القول بذلك، فأكَّدَ قيودَهما وجمَعَهما في الحديدِ، وبعَثَ بهما إلى الخليفةِ وهو بطرسوس، وكتب كتابًا بإرسالهما إليه. فسارا مُقَيَّدينِ في محارة على جمَلٍ متعادِلَينِ- رَضِيَ الله عنهما- وجعل الإمامُ أحمد يدعو الله عزَّ وجَلَّ ألَّا يجمَعَ بينهما وبين المأمونِ، وألَّا يَرَياه ولا يراهما، ثمَّ جاء كتابُ المأمونِ إلى نائبِه أنَّه قد بلغني أنَّ القومَ إنما أجابوا مُكرَهينَ متأوِّلينَ قَولَه تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} وقد أخطؤوا في تأويلِهم دلك خطأً كبيرًا، فأرسَلَهم كلَّهم إلى أميرِ المؤمنين. فاستدعاهم إسحاقُ وألزَمَهم بالمسيرِ إلى طرسوس فساروا إليها، فلمَّا كانوا ببعض الطريقِ بلَغَهم موتُ المأمونِ، فرُدُّوا إلى الرقَّةِ، ثمَّ أُذِنَ لهم بالرجوعِ إلى بغداد، فاستجاب اللهُ سبحانَه دُعاءَ عَبدِه ووَلِيِّه الإمامِ أحمَدَ بنِ حَنبل.

العام الهجري : 463 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1071
تفاصيل الحدث:

هو الحافِظُ أبو بكرٍ أَحمدُ بن عليِّ بن ثابتِ بن أَحمدَ بن مَهدِيٍّ، الخَطيبُ البغداديُّ، أَحدُ الحُفَّاظِ الأَعلامِ المَشهورِينَ، صاحبُ ((تاريخ بغداد)) وغَيرِه من المُصنَّفاتِ العَديدةِ المُفيدةِ، وُلِدَ سَنةَ 392هـ، وكان أبوه أبو الحَسنِ الخَطيبُ قد قَرأَ على أبي حَفصٍ الكِتَّانيِّ، وصار خَطيبَ قَريةِ درزيجان، إحدى قُرى العِراقِ، فحَضَّ وَلدَه أبا بكرٍ على السَّماعِ في صِغَرِه، فسَمِعَ وله إحدى عشرة سَنةً، نَشأَ ببغداد، وتَفَقَّهَ على أبي طالبٍ الطَّبريِّ وغَيرِه من أَصحابِ الشيخِ أبي حامدٍ الأسفراييني، وسَمِعَ الحَديثَ الكَثيرَ، ورَحلَ إلى البَصرةِ, ونيسابور, وأصبهان، وهمذان, والشامِ, والحِجازِ. وسُمِّيَ الخَطيبَ لأنه كان يَخطُب بدرزيجان، ولمَّا وقعت فِتنةُ البساسيري ببغداد سَنةَ 450هـ خَرجَ الخَطيبُ إلى الشامِ فأَقامَ بدِمشقَ بالمأذَنةِ الشرقيَّةِ مِن جامِعِها، وكان يَقرأُ على الناسِ الحَديثَ، وكان جَهورِيَّ الصوتِ، يُسمَع صَوتُه من أَرجاءِ الجامعِ كُلِّها، فاتَّفَق أنه قَرأَ على الناسِ يومًا فَضائلَ العبَّاسِ فثَارَ عليه الرَّوافِضُ من أَتباعِ الفاطِميِّين، فأَرادوا قَتْلَه فتَشَفَّعَ بالشَّريفِ الزَّينبيِّ فأَجارَهُ، وكان مَسكَنُه بدارِ العقيقي، ثم خَرجَ من دِمشقَ فأَقامَ بمَدينةِ صور، فكَتبَ شَيئًا كَثيرًا من مُصنَّفاتِ أبي عبدِ الله الصوري بِخَطِّهِ كان يَستَعيرُها من زَوجَتِه، فلم يَزَل مُقيمًا بالشامِ إلى سَنةِ 462هـ، ثم عاد إلى بغداد فحَدَّثَ بأَشياءَ من مَسمُوعاتِه، وله مُصنَّفاتٌ كَثيرةٌ مُفيدةٌ، نحو من سِتِّينَ مُصَنَّفًا، ويُقالُ: بل مائة مُصَنَّف، منها كتاب ((تاريخ بغداد))، وكتاب ((الكفاية))، و((الجامع))، و((شرف أصحاب الحديث))، و((المتفق والمفترق))، و((السابق واللاحق))، و((تلخيص المتشابه في الرسم))، و((اقتضاء العلم للعمل))، و((الفقيه والمتفقه))، وغير ذلك، ويُقال: إن هذه المُصَنَّفات أَكثرُها لأبي عبدِ الله الصوري، أو ابتَدأَها فتَمَّمَها الخَطيبُ، وجَعَلَها لِنَفسِه، قال الذهبيُّ: "ما الخَطيبُ بِمُفْتَقِرٍ إلى الصوري، هو أَحْفَظُ وأَوْسَعُ رِحلةً وحَديثًا ومَعرِفةً" كان الخَطيبُ أولا أَوَّلَ أَمرِهِ يَتكلَّم بمَذهبِ الإمامِ أَحمدَ بن حَنبلٍ، فانتَقلَ عنه إلى مَذهبِ الشافعيِّ. كان مَهيبًا وَقورًا، ثِقَةً مُتَحَرِّيًا، حُجَّةً، حَسَنَ الخَطِّ، كَثيرَ الضَّبْطِ، فَصيحًا، خُتِمَ به الحُفَّاظِ، قال ابنُ ماكولا: "كان أبو بكرٍ آخِرَ الأَعيانِ، ممَّن شاهَدناه مَعرِفةً، وحِفظًا، وإتقانًا، وضَبطًا لِحَديثِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وتَفَنُّنًا في عِلَلِهِ وأَسانيدِه، وعِلمًا بصَحيحِه وغَريبِه، وفَرْدِه ومُنكَرِه ومَطروحِه، ولم يكُن للبَغداديِّينَ بعدَ أبي الحَسنِ الدَّارقطنيِّ مِثلُه". كان الخَطيبُ يقول: "مَن صَنَّفَ فقد جَعلَ عَقلَهُ على طَبَقٍ يُعرِضُه على الناسِ", "كان للخَطيبِ ثَروةٌ من الثِّيابِ والذَّهبِ، وما كان له عَقِبٌ، فكَتبَ إلى القائمِ بأَمرِ الله قال له: إنَّ مالي يَصيرُ إلى بَيتِ مالٍ، فَأْذَنْ لي حتى أُفَرِّقَهُ فيمَن شِئتُ. فأَذِنَ له، ففَرَّقَها على المُحَدِّثين". تُوفِّيَ يومَ الاثنين ضُحًى، وله ثِنتانِ وسَبعون سَنةً، في حُجرَةٍ كان يَسكُنها بِدَربِ السلسلةِ، جِوارَ المَدرسةِ النِّظاميَّةِ، واحتَفلَ الناسُ بجِنازَتِه، وكان فيمَن حَملَ نَعشَه الشيخُ أبو إسحاقَ الشِّيرازيُّ، ودُفِنَ إلى جانبِ قَبرِ بِشْرٍ الحافيِّ.

العام الهجري : 543 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1148
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ الحافِظُ القاضي: أبو بكر مُحمَّدُ بنُ عبد اللهِ بنِ مُحمَّد المعافري ابنُ العربيِّ الإشبيليُّ الأندلسيُّ المالكيُّ، صاحِبُ التَّصانيفِ, الحافِظُ المشهورُ مِن عُلَماءِ الأندلس، وُلِدَ ونشأ وتعلَّمَ بإشبيليَّة, كانت ولادتُه سنة 468, ثمَّ لَمَّا استولى المرابطونَ عليها رحل مع أبيه إلى المَشرِق, ثمَّ رجع إلى الأندلُسِ بعد أن دَفَنَ أباه في رِحلتِه إلى المشرق, ثم عاد مِن قُرطبةَ إلى مراكش وسُجِنَ فيها, ولَمَّا أُطلِقَ سَراحُه عاد إلى الأندلُسِ مَرَّةً أخرى. صَنَّفَ ابنُ العربيِّ وجَمَع، وبرَع في فُنونِ العِلمِ، وكان فصيحًا بليغًا خَطيبًا, واشتهر اسمُه، وكان رئيسًا مُحتَشِمًا وافِرَ الأموالِ، بحيث أنشأَ على إشبيليَّةَ سُورًا مِن ماله الخاصِّ، وهو أوَّلُ مَن أدخل بالأندلُسِ إسنادًا عاليًا، وعِلمًا جَمًّا, وكان ثاقِبَ الذِّهنِ، عَذْبَ المَنطِقِ، كريمَ الشمائلِ، كامِلَ السُّؤددِ، ولِيَ قَضاءَ إشبيليَّةَ، فحُمِدَت سياستُه، وكان ذا شِدَّةٍ وسَطوةٍ، فعُزِلَ وأقبَلَ على نَشرِ العِلمِ وتدوينِه, ذكَرَه ابنُ بشكوال فقال: "هو الحافِظُ المُستَبحِر، خِتامُ عُلَماءِ الأندلُسِ، وآخِرُ أئمَّتِها وحُفَّاظها، لَقِيتُه بمدينةِ إشبيليَّةَ ضَحوةَ يوم الاثنين لِلَيلتَينِ خَلَتا من جمادى الآخرة سنة 516 فأخبَرَني أنَّه رحل إلى المشرق مع أبيه يومَ الأحد مُستهَلَّ شَهرِ ربيع الأول سنة 485 وأنَّه دخل الشَّامَ ولَقِيَ بها أبا بكر مُحَمَّدَ بنَ الوليد الطرطوشي، وتفَقَّه عنده، ودخل بغدادَ وسمِعَ بها مِن جماعةٍ مِن أعيانِ مَشايخِها، ثمَّ دخَلَ الحِجازَ فحَجَّ في موسمٍ سنة 489، ثمَّ عاد إلى بغدادَ وصَحِبَ بها أبا بكرٍ الشاشيَّ وأبا حامدٍ الغزالي وغيرَهما مِن العُلَماءِ والأُدَباء، ثمَّ صَدَرَ عنهم، ولَقِيَ بمصر والإسكندريَّةٍ جماعةً مِن المحدِّثينَ فكَتَبَ عنهم واستفاد منهم وأفادهم، ثمَّ عاد إلى الأندلس سنة 493، وقَدِمَ إلى إشبيليَّةَ بعِلمٍ كَثيرٍ لم يُدخِلْه أحدٌ قبلَه مِمَّن كانت له رِحلةٌ إلى المشرق. وكان مِن أهلِ التفَنُّنِ في العلومِ والاستبحارِ فيها والجَمعِ لها، مُقَدَّمًا في المعارِفِ كُلِّها، مُتكَلِّمًا في أنواعِها، نافِذًا في جميعِها، حريصًا على أدائها ونَشرِها، ثاقِبَ الذِّهنِ في تمييزِ الصَّوابِ منها، ويجمَعُ إلى ذلك كُلِّه آدابَ الأخلاقِ مع حُسنِ المعاشرةِ ولِينِ الكَنَفِ وكثرةِ الاحتمالِ، وكَرَمِ النَّفسِ وحُسنِ العَهدِ وثَباتِ الوُدِّ. واستُقضِيَ ببلدةٍ فنَفَعَ اللهُ به أهلَها لصرامتِه وشِدَّتِه ونفوذِ أحكامِه، وكانت له في الظَّالِميَن سَوْرة مرهوبة، ثمَّ صُرِفَ عن القضاء، وأقبَلَ على نَشرِ العِلمِ وبَثِّه". قال الذهبي: "كان أبوه أبو مُحمَّدٍ مِن كِبار أصحابِ أبي محمَّد بن حزم الظاهريِّ بخلاف ابنِه القاضي أبي بكر؛ فإنَّه مُنافِرٌ لابنِ حَزمٍ، مُحِطٌّ عليه بنَفسٍ ثائرةٍ" ولابن العربي تصانيفُ عديدةٌ، منها، القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، وله أحكامُ القُرآنِ، والنَّاسِخُ والمنسوخ في القرآن، والمحصول في عِلْم الأصول، وله عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي، وغَيرُها من الكتب. توفِّيَ في طريقه في المغيلة بالقُربِ مِن فاس عند رجوعِه مِن مراكش، ونُقِلَ إلى فاس، ودُفِنَ بمقبرة الجيَّاني.

العام الهجري : 298 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 911
تفاصيل الحدث:

هو أبو القاسِمُ الجُنَيدُ بنُ محمَّد البغدادي النهاوندي الخزَّاز- لأنه كان يعمَلُ في الخَزِّ- أصلُه من نهاوند، ولد ببغداد قيل بعد 220، ونشأ فيها، كان شيخَ العارفينَ وقُدوةَ السَّائرينَ وعَلَمَ الأولياءِ في زمانه، تفَقَّه على أبي ثورٍ, وسمِعَ من الحسن بن عرفة وغيرِه, واختصَّ بصحبةِ السَّرِيِّ السَّقَطيِّ. أتقن العِلمَ، ثم أقبَلَ على شبابه، واشتغل بما خُلِقَ له، سمع الكثيرَ، وشاهَدَ الصالحينَ وأهلَ المعرفة، ورُزِقَ من الذَّكاءِ وصوابِ الإجاباتِ في فُنونِ العلم ما لم يُرَ في زمانِه مِثلُه عند أحدٍ مِن أقرانه، ولا ممَّن أرفعُ سنًّا منه ممَّن كان منهم يُنسَبُ إلى العِلمِ الباطِنِ والعلمِ الظَّاهِرِ في عفافٍ وعُزوفٍ عن الدنيا وأبنائِها. كان يُفتي في حلقةِ أبي ثَورٍ الكَلبيِّ وله عِشرونَ سنة. يقالُ: إنَّه أوَّلُ مَن تكلَّمَ في علم التوحيدِ ببغداد، عَدَّه العلماءُ شَيخَ الصوفيَّةِ؛ لِضَبطِ مَذهَبِه بقواعِدِ الكتابِ والسُّنَّة، ولِكَونِه لم يتلبَّسْ بعقائِدَ فاسدةٍ، وكان يُقالُ له طاووس العُلَماءِ، أخذ الطريقةَ عن خالِه سَرِيٍّ السَّقَطي، كان الجُنيدُ يقولُ: "مَذهَبُنا مُقيَّدٌ بالكتابِ والسُّنَّة، فمن لم يقرأ القُرآنَ ويكتُبِ الحديثَ لا يُقتدى به" يعني: في مذهبِه وطريقتِه، أثنى عليه وعلى كَلِماتِه الوعظيَّةِ كثيرٌ مِن العلماء، توفِّيَ في بغدادَ ودُفِنَ عند قبر خالِه.

العام الهجري : 370 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 981
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ المُفتي المجتَهِد, عَلَمُ العراق أبو بكر أحمدُ بنُ عليٍّ الرازي الجَصَّاصُ، الفقيهُ الحنفي، إمامُ أصحاب الرأي في وقته، صاحب التصانيف، وتلميذُ أبي الحسن الكرخي. ولد سنة 305 في مدينة الريِّ التي يُنسَبُ لها بالرازي, وقد مكث بها حتى سِنِّ العشرينَ، حيث رحل إلى بغداد واستوطَنَها. وقد حاز الإمامُ مكانةً عِلميَّةً سامِقةً بين علماءِ الأمة عمومًا, وعُلَماءِ الحنفيَّة خُصوصًا. كان مع براعتِه في العِلمِ مَشهورًا بالزهد والورع، لَمَّا ورد بغداد في شبيبتِه درس الفقهَ على أبي الحسَنِ الكَرخيِّ ولم يزَلْ حتى انتهت إليه الرياسةُ الحنفية ببغداد، وعنه أخذ فقهاؤُها, ورحل إليه المتفَقِّهة، وخوطِبَ في أن يلي قضاءَ القُضاةِ فامتنع، وأعيد عليه الخطابُ فلم يفعل، وله تصانيفُ كثيرة مشهورة؛ منها "أحكام القرآن" و "شرح الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح المناسك" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح مختصر الفقه" للطحاوي، وغيرها، وتصانيفه تدُلُّ عل حفظه للحديثِ وبَصَرِه به. قال الذهبي: " وكان يميلُ إلى الاعتزالِ، وفي تصانيفِه ما يدُلُّ على ذلك في مسألةِ الرؤية وغيرِها ". توفِّيَ عن خمسٍ وستين سنة، وصلَّى عليه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي.

العام الهجري : 520 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1127
تفاصيل الحدث:

اجتمعت الفرنجُ وملوكُها وقمامصتها وجنودها وساروا إلى نواحي دمشق فنزلوا بمرج الصفر عند قرية يقال لها سقحبا بالقرب من دمشق، فعظم الأمرُ على المسلمين واشتدَّ خوفُهم، وكاتَبَ طغتكين أتابك دمشق أمراءَ التركمان من ديار بكر وغيرها وجمعهم، وكان هو قد سار عن دمشق إلى جهة الفرنج، واستخلف بها ابنَه تاج الملوك بوري فكان بها، كلما جاءت طائفة أحسن ضيافتَهم وسَيَّرهم إلى أبيه، فلما اجتمعوا سار بهم طغتكين إلى الفرنج فالتقوا أواخر ذي الحجة واقتتلوا، واشتد القتالُ، فسقط طغتكين على فرسه، فظن أصحابُه أنه قتل، فانهزموا وركب طغتكين فرسَه ولحقهم وتبعهم الفرنجُ وبقي التركمان لم يقدِروا أن يلحقوا بالمسلمين في الهزيمة، فتخلفوا، فلما رأوا فرسان الفرنج قد تبعوا المنهزمين وأن معسكرهم وراجِلَهم ليس له منعٌ ولا حامٍ، حملوا على الرجَّالة فقتلوهم، ولم يسلم منهم إلا الشريد، ونهبوا معسكرَ الفرنج وخيامَهم وأموالَهم وجميع ما معهم، وفي جملته كنيسة وفيها من الذهب والجواهر ما لا يُحصى كثرةً، فنهبوا ذلك جميعه وعادوا إلى دمشق سالِمين لم يعدم منهم أحد. ولما رجع الفرنج من أثر المنهزمين ورأوا رجالتَهم قتلى وأموالهم منهوبة تمُّوا منهزمين لا يلوي الأخُ على أخيه، وكان هذا من الغريب أن طائفتين تنهزمان كلُّ واحدةٍ منهما من صاحبتِها.