وُلد عبد الله عزَّام في قرية سيلة الحارثيَّة في لواء جنينَ الواقعة شمالَ وسطِ فِلَسطينَ، وكانت لا تزال تحت الانتداب البريطاني، واسم والده الحاج يوسف مصطفى عزَّام، تلقَّى عبد الله عزَّام علوم الابتدائيَّة والإعداديَّة في مدرسة القرية، ثم واصَل تعليمَه العاليَ بكلية خضورية الزراعية، ونال منها الدبلوم، ثم انتسب إلى كلية الشريعة في جامعة دِمَشقَ، ونال منها شَهادة الليسانس في الشريعة عام 1966م، وفي عام 1390هـ / 1970م قرَّر الانتساب إلى جامعة الأزهر في مصرَ، حيث حصلَ على شهادة الماجستير في أصول الفقهِ، ثم عُيِّن محاضرًا في كلية الشريعة بالجامعة الأُردنِّيَّة بعَمَّانَ، في عام 1391هـ / 1971م، ثم أُوفِدَ إلى القاهرة لنَيْلِ شهادة الدكتوراه، فحصل عليها في أصول الفقهِ عامَ 1393 هـ / 1973م، ثم عمِلَ مدرسًا بالجامعة الأُردنِّيَّة (كلية الشريعة) إلى عام 1400 هـ / 1980م، ثم انتقل للعمل في جامعة الملك عبد العزيز في جُدَّةَ، وبعدها عمِلَ في الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد في باكستانَ، ثم قدَّم استقالته منها وتفرَّغ للجهاد في أفغانستانَ.
أسَّس مكتب الخِدْمات في أفغانستانَ الذي استقطَبَ معظمَ المجاهدين العرب القادِمينَ إلى أفغانستانَ، وخاض معاركَ كثيرةً ضدَّ الروس، وكان في معيَّتِه عددٌ من المجاهِدينَ العرب، وتولَّى فيما بعدُ منصبَ أمير مكتب خِدْمات المجاهِدينَ في أفغانستانَ.
استمرَّ عبد الله عزَّام في نشاطِه حتى قُتِل معَ ولدَيْه محمد وإبراهيم في باكستانَ، وهو متَّجِه إلى مسجد (سبع الليل) الذي خصَّصَتْه جمعية الهلال الأحمر الكويتي للمجاهِدين العرب؛ إذ كانت الخُطَب في المساجد بالأوردو، فحضر لإلقاء خُطبته يومَ الجمُعة 25/4/1410هـ، الموافق 24/11/1989م، وانفجرت به سيارتُه التي لغَّمها له أعداؤُه، ودُفِنَ -رحمه الله- يوم وفاته في باكستانَ، وفُتح بابُ العزاء له في الأردُنِّ.
كان بين ابن أبي الساج- أحد كبارِ قادةِ الأتراك في عهد المعتَمِد- وخِمارَوَيه بن طولون اتِّفاقٌ، وكان ابنُ أبي الساج يطيع خِمارَوَيه ويسمَعُ له، إلَّا أنَّ ابنَ أبي الساج خالف على خمارَوَيه، فلما سمع خمارويه الخبَرَ، سار عن مصر في عساكِرِه نحو الشام، فقَدِمَ إليه آخِرَ سنة أربع وسبعين، فسار ابنُ أبي الساج إليه، فالتَقَوا عند ثنية العقاب بقُرب دمشق، وكان القتالُ بينهما فانهزمت ميمنةُ خمارَوَيه وأحاط باقي عسكرِه بابن أبي الساج ِومن معه، فمضى منهزمًا واستبيح مُعسكَرُه، وأُخِذَت الأثقال والدوابُّ وجميعُ ما فيه، وكان قد خلَّفَ بحمص شيئًا كثيرًا فسَيَّرَ إليه خمارويه قائدًا في طائفةٍ من العسكرِ جريدة، فسبقوا ابنَ أبي الساج إليها ومنعوه من دخولِها والاعتصام بها، واستولوا على ما لَه فيها، فمضى ابن أبي الساج منهزمًا إلى حلَب، ثم منها إلى الرقَّة، فتبعه خمارَوَيه، ففارق الرقَّة، فعبر خمارويه الفراتَ، وسار في أثرِ ابنِ أبي الساج، فوصل خمارويه إلى مدينةِ بلد، وكان قد سبقه ابنُ أبي الساج إلى الموصل. فلما سمع ابنُ أبي الساج بوصولِه إلى بلد سارَ عن الموصِلِ إلى الحديثة، وأقام خمارَوَيه ببلد.
هو الشَّيخُ أبو محمَّد الجُوَينيُّ إمامُ الشافعيَّة عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني الطَّائي السنبسي، كان فقيهًا مُدَقِّقًا مُحَقِّقًا، نحويًّا مفسِّرًا، وهو والد إمامِ الحَرَمين، وأصلُه من قبيلة يقال لها سنبس، وجُوَين من نواحي نيسابور، سمِعَ الحديث من بلادٍ شَتَّى على جماعة، وقرأ الأدبَ على أبيه، وتفَقَّه بأبي الطيِّبِ سهلِ بنِ محمد الصعلوكي، ثمَّ خرج إلى مروٍ إلى أبي بكر عبدِ الله بن أحمد القَفَّال واشتغل عليه بمروٍ، ولازمه واستفاد منه وانتفع به، وأتقن عليه المذهَبَ والخِلافَ، وقرأ عليه طريقَتَه وأحكَمَها، فلما تخرَّجَ عليه عاد إلى نيسابور سنة 407 وتصدَّر للتدريس والفتوى، وعقَدَ مجلِسَ المُناظرة، فتخرَّج عليه خلقٌ كثيرٌ، منهم ولده إمامُ الحَرَمينِ، وصنف التصانيفَ الكثيرةَ في أنواعٍ مِن العلومِ، وكان زاهدًا شديدَ الاحتياطِ لدينِه، حتى ربما أخرج الزَّكاةَ مَرَّتين، صَنَّف التفسيرَ الكبير المشتَمِلَ على أنواعِ العلومِ، وله في الفِقهِ التَّبصِرةُ والتذكرة، وصنَّف مُختَصَر المُختَصَر، والفَرْق والجمع، والسِّلسلة وغير ذلك، وكان إمامًا في الفقهِ والأصولِ، والأدبِ والعربيَّة، توفِّي في هذه السنة، وقيل سنة 434.
في نهاية القرن التاسع الهجري اكتُشف طريق رأس الرجاء الصالح، وتابع البحَّار فاسكو دي جاما الرحلات البرتغالية عبر المحيط الهندي، وشهد شرقي أفريقيا صراعًا دمويًّا شنَّه البرتغاليون ضِدَّ الإمارات والمدن الإسلامية على طول سواحل شرقي أفريقيا، ودمَّروا مدينة كلوة ومساجدها الثلاثمائة، ودمَّروا مدن لامو وباتي. واستمَرَّ الصراع بين المسلمين والبرتغاليين قرابة قرنين تدور رحاه في سواحل شرقي أفريقيا, واستطاع العمانيون وقف التقدُّم البرتغالي، بل أنهوا نفوذ البرتغال في معظم سواحل شرقي أفريقيا، وأسس أحمد بن سعيد سلطنة عمانية ضَمَّت معظم شرقي أفريقيا إلا أن البرتغاليين تمسَّكوا بموزمبيق ودام احتلالهم من القرن العاشر الهجري حتى الاستقلال في سنة 1395 (1973م)، ونشطت البعثات التنصيرية في ظل الاحتلال البرتغالي، وقاوم المسلمون نشاطَ هذه البعثات، وكان همُّ البرتغاليين منصَرِفًا إلى الحصول على ذهب موزمبيق مقابل الأقمشة والخرز، والرقيق مقابل الأسلحة الحديثة. ورغم تحدي البرتغاليين إلا أن الإسلام وصل إلى نياسالاند (ملاوي) وبحيرة تنجانقا في داخل أفريقيا، غير أن الدعوة الإسلامية اصطدمت بعقبات كثيرة.
كان عددٌ قليل من العثمانيين قد نادى بالإصلاح للوصول إلى الوسائل التي حققت بها أوروبا قوَّتها خاصة في التنظيم العسكري والأسلحة الحديثة, وكان الداماد إبراهيم باشا الذي تولى الصدارة العظمى في عهد السلطان أحمد الثالث هو أول مسؤول عثماني يعترف بأهمية التعرف على الإصلاحات الأوربية؛ لذا فإنه أقام اتصالاتٍ منتظمةً بالسفراء الأوربيين المقيمين بالآستانة، وأرسل السفراءَ العثمانيين إلى العواصم الأوروبية، وبخاصة فيينا وباريس للمرة الأولى, وكانت مهمة هؤلاء السفراء لا تقتصر على توقيع الاتفاقات التجارية والدبلوماسية الخاصة بالمعاهدات التي سبق توقيعها، بل إنه طلب منهم تزويد الدولة بمعلومات عن الدبلوماسية الأوروبية وقوة أوربا العسكرية. وكان معنى ذلك فتح ثغرة في الستار الحديدي العثماني والاعتراف بالأمر الواقع الخاص بأنه لم يعُد بإمكان العثمانيين تجاهل التطورات الداخلية التي كانت تحدُث في أوروبا. وقد بدأ التأثر بأوروبا في مجال بناء القصور والإسراف والبذخ اللذين شارك فيهما السلطان أحمد ذاته بنصيب كبير؛ مما جعل الأغنياء وعلية القوم يسعون الى اقتباس العادات الأوروبية الخاصة بالأثاث وتزيين الدور وبناء القصور وإنشاء الحدائق، حتى بدا ظهور تقليد الغرب في شهواتهم وإسرافهم للعِيان
بدايةُ دخول الإسلام في أستراليا تعود إلى بدايات القرن الماضي عندما قام الإنجليز أثناءَ احتلالهم لأفغانستان بجلب الذَّهَبِ إلى أستراليا؛ نظرًا للارتباط الإنجليزي بهذه القارة الحديثة. ولكِنَّهم فكَّروا في أن أستراليا نفسها يمكن أن تكونَ موطنًا للذهب، فاستقدموا عمالًا مسلمين من أفغانستان للعمل في المناجم الأسترالية، وأخذ هؤلاء الأفغان ينشرون الدين الإسلامي، وقاموا ببناء أول مسجد في غرب بيرث، وكان ذلك في عام 1904م. وأعقب ذلك الهجرات الداخلية للمسلمين إلى أستراليا، إلى أن انتشر الإسلامُ هناك، وتتابعت الهجراتُ حتى تمَّ نَشرُ الدعوة الإسلامية، وفي بدايةِ الستينيات من القرن العشرين فَتَحت أستراليا باب الهجرة أمام العرب والمسلمين، فهاجر إليها أعدادٌ كبيرة من لبنان وفلسطين ومصر وتركيا وإيران ويوغوسلافيا بَحثًا عن الرزق، وقد تمكَّن هؤلاء في ظلِّ الحريّة المكفولة لهم من نشر الإسلام وتثبيت أركانِه، حتى وصل عددُ الجالية المسلمة هناك اليوم إلى 650 ألفَ مسلم، مكونة من سبع عشرة جنسيَّة، أكبَرُها تَعدادًا الجالية اللبنانيَّة ثم التركيَّة ثم الباكستانيَّة والإندونيسيَّة والمصريَّة والماليزيَّة وغيرها من الجنسيَّات الإسلاميَّة، ويتركز قرابة 80% من المسلمين في مدينتي سيدني ومالبورن.
هو الشيخ إبراهيم بن محمد بن خليفة بن سليمان آل خليفة: شيخ الأدباء في البحرين. وُلِدَ الشيخ إبراهيم بالبحرين عام 1267هـ / 1850م، وتربَّى في بيت ميسور الحال؛ فقد كان والده الشيخ محمد بن خليفة الحاكِمَ الرابع للبحرين؛ حيث عَهِدَ بتربيته إلى بعض عُلَماء نجد، فبرع باللغة العربية وآدابها، فكان من أوائل روَّاد النهضة في البحرين، وراعيَ حركتِها الأدبية والثقافية، وأحدَ رجال الإصلاح والتجديد الذين كانت لهم ريادةٌ خاصة في تأسيس التعليم الحديث الذي سبقت به البحرين شقيقاتِها في الخليج العربي، بل وحتى بعض الأقطار العربية مَشرِقًا ومغربًا. ساهم بإنشاء مدرسة الهداية الخليفية، وأسس نادي المحرق الأدبي سنة 1920م. كان الشيخ إبراهيم شاعرًا أديبًا مثقفًا واسع الإدراك، شيَّد جسورًا متينةً من الصِّلات مع قطاع كبير من المثقَّفين في عصره على امتداد الساحة العربية، وجعلَ مِن مجلِسِه في المحرق نقطةَ إشعاع لجيل أو أكثَرَ من مثقَّفي البحرين، وتحوَّل مجلِسُه إلى أول مدرسة وأول منتدًى إشعاعيٍّ للعلم والمعرفة. عاش الشيخ إبراهيم في فترة خصبة بالعطاء، وترك وراءه مجموعةً كبيرة من الشِّعر والرسائل، والتلاميذ الذين ساروا على نهجه.
وُلِدَ الدكتورُ عبد السَّتَّار أبو غُدَّة عام ١٣٥٩هـ الموافق 1940م بحَلَب. حصل على ليسانس في الشريعة عام ١٣٨٤هـ الموافق 1964م من جامعة دمشق، كما حصل على ليسانس في الحقوقِ عام ١٣٨٥هـ الموافق 1965م من نفس الجامعةِ، وحصل على ماجستير في الشريعةِ عام ١٣٨٦هـ الموافق 1966م، ثمَّ ماجستير في علومِ الحديثِ عام ١٣٨٧هـ الموافق 1967م، ثمَّ على الدكتوراه في الشَّريعةِ في مجالِ (الفقهِ المقارِن) عام ١٣٩٥هـ الموافق 1975م كلُّها من جامعةِ الأزهرِ.
كان رحمه الله متخصِّصًا في فقهِ المعامَلاتِ الماليَّةِ والدِّراساتِ المَصرِفيَّة الإسلاميَّة، إضافةً إلى فقهِ الزَّكاةِ والأوقافِ، وفِقهِ المحاسَبةِ والمراجَعةِ، والدِّراساتِ القانونيَّة.
عَمِلَ أستاذًا في العديد من الجامعات في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ والكويت ومصر وغيرها. وكان باحثًا في الموسوعةِ الفِقهيَّةِ بوزارةِ الأوقافِ بالكويت، وعضوَ مجلِسِ المعايير والمجلِسِ الشَّرعيِّ لهيئة المحاسَبة والمراجَعة للمُؤَسَّساتِ الماليَّة الإسلاميَّة، وعضوَ المجلسِ الأوربيِّ للإفتاءِ والبُحوثِ.
له العديدُ من المؤلَّفاتِ؛ منها: الخيارُ وأثرُه في العقودِ، دورُ الفِقهِ الإسلاميِّ في العَصرِ الحاضِرِ، بحوثٌ في الفقهِ الطِّبي والصِّحَّة النَّفسيَّة من منظورٍ إسلاميٍّ، دليل الزكاة.
تُوفِّي في مونتريال بكندا يوم الجمعة عن عمرٍ ناهز 80 عامًا.
قام رجلٌ من المعلِّمينَ بشَرقِ الأندلس، فادَّعى النبوءةَ، وتأوَّلَ القرآن على غيرِ تأويلِه، فاتَّبَعه جماعةٌ مِن الغوغاء، وقام معه خَلقٌ كثيرٌ، وكان من بعض شرائِعِه النهيُ عن قَصِّ الشعرِ وتقليم الأظفار، ويقول: [لا تغييرَ لخلق الله] فبعث إليه يحيى بنُ خالد، فأتى به. فلما دخل عليه كان أوَّل ما خاطبه به أنْ دعاه إلى اتِّباعِه والأخذِ بما شرَع، فشاور فيه أهلَ العِلمِ، فأشاروا بأن يُستَتابَ، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ. فقال: كيف أتوبُ مِن الحقِّ الصَّحيحِ؟! فأمَرَ بصَلبِه. فلمَّا رُفِعَ في الخشبة، قال: أتقتلونَ رجلًا أن يقول: ربِّي الله! فصَلَبَه، وكتَبَ إلى الأميرِ يُخبِرُه.
أغزى الأميرُ محمَّد بن عبد الرحمن إلى أرضِ بنبلونة أحدَ قوَّاده، فخرج في هذه الغزوة خروجًا لم يُخرَجْ قَبلَه مِثله جَمعًا وكثرةً، وكمالَ عِدَّة، وظهورَ هيبةٍ. وكان ابنُ غرسية صاحِبُ بنبلونة إذ ذاك متظافِرًا مع أزدون صاحب جليقية، فأقام هذا القائِدُ يدوِّخُ أرضَ بنبلوبة، متردِّدًا فيها اثنين وثلاثين يومًا، يخرِّبُ المنازل، وينسِفُ الثمار، ويفتح القُرى والحصون. وافتتح في الجملة حِصنَ قشتيل، وأخذَ فيه فرتون بن غرسية المعروف بالأنفر، وقَدِمَ به إلى قرطبة، فأقام بها محبوسًا نحوًا من عشرين سنة، ثم رَدَّه الأميرُ إلى بلده، وعُمرُ فرتون مائة وست وعشرون سنة.
سار جمعٌ كثيرٌ مِن الفرنج بالشَّامِ إلى مدينة حماة، وكَثُرَ جَمعُهم من الفرسان والرجَّالة؛ طمعًا في النهب والغارة، فشَنُّوا الغارة، ونَهَبوا وخَرَّبوا القرى، وأحرَقوا وأسروا وقَتَلوا، فلما سمع العسكرُ المقيم بحماة ساروا إليهم، وهم قليل، متوكلينَ على الله تعالى، فالتقوا واقتتلوا، وصدق المسلمونَ القتال، فنصرهم الله تعالى، وانهزم الفرنج، وكَثُرَ القتل والأسرُ فيهم، واستردُّوا منهم ما غَنِموه من السواد، وكان صلاحُ الدين قد عاد من مصر إلى الشامِ في شوال من السنة الماضية، وهو نازِلٌ بظاهر حمص، فحُمِلَت الرؤوس والأسرى والأسلاب إليه، فأمَرَ بقتل الأسرى فقُتِلوا.
هو المؤرِّخُ صلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد، المعروف بابن شاكر الكتبي، الداراني، الدمشقي. أحَدُ أعلام المؤرخين في القرن الثامن الهجري. كان باحثًا عارفًا بالأدب. ولِدَ في داريا (من قرى دمشق) ونشأ وتوفِّيَ بدمشق. كان فقيرًا جِدًّا، واشتغل بتجارة الكُتُب، فربح منها مالًا طائلًا. له مؤلَّفات مثل: كتاب "عيون التواريخ"، و "فوات الوفيات". قال ابن كثير: "في يوم السبت حادي عشر رمضان صَلَّينا بعد الظهر على الشيخ صلاح الدين محمد بن شاكر الكتبي، تفَرَّد في صناعته، وجمع تاريخًا مُفيدًا نحوًا مِن عشر مجلدات، وكان يحفَظُ ويذاكِرُ ويُفيد"
قَدِمَ إلى طرابلس يوم الاثنين العاشر من صفر مركب فيه عدةٌ من الفرنج، فخرج الناسُ لحربهم، وكان بالميناء مراكِبُ لتجَّار الفرنج، فاجتمعوا على مراكب المسلمين التي قد شُحِنَت بالبضائع لتسيرَ إلى أرض، وأخذوا منها مركبين فيهما مال كبير، وأسروا خمسة وثمانين مسلمًا بعدما قاتلوا قتالًا شديدًا وغرق جماعةٌ وفرَّ جماعة، وأصبحوا من الغدِ على الحرب، فوقع الاتفاقُ على فكاك من أسروه بمالٍ يُحمَلُ إليهم، فلما حُمِل إليهم بعضُ المال أسروا الرجلَ، ومضوا في ليلة الخميس الخامس عشر، ونزلوا على قرية هناك فقاتلهم أميرُها، وقبضهم وجاء بهم إلى طرابلس، فسُجِنوا، وأخذ المسلمون مركَبَهم.
كان تسليم غرناطة للملك فرديناند ملك أراغون والملكة إيزابيلا ملكة قشتالة بناء على معاهدة، لكن فرديناند وزوجته لم يَفيَا بهذه العهود، بل أصدرت إيزابيلا قانونًا يقضي بإجبار المسلمين على التنصر وتحريم إقامة شعائرهم الدينية، وتأمر كذلك بإحراق الكتب الإسلامية في غرناطة, وبعد أن نقض فرديناند شروط تسليم غرناطة شرطًا شرطًا بدا بدعوة المسلمين إلى التنصر وأكرههم عليه فدخلوا في دينه كرهًا وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبق من يقول فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارًا إلا من يقولها في نفسه وفي قلبه أو خفيةً من الناس!! وجعلت النواقيس بدل الأذان في مساجدِها والصور والصلبان بعد ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، فكم فيها من عينٍ باكية! وكم فيها من قلب حزين! وكم فيها من الضعفاء والمعدومين لم يقدروا على الهجرة واللحوق بإخوانهم المسلمين! قلوبهم تشتعل نارًا ودموعهم تسيل سيلًا غزيرًا مدرارًا، وينظرون أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان ويسجدون للأوثان ويأكلون الخنزير والميتات ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم ولا على زجرهم! ومن فعل ذلك عوقب أشد العقاب، فيا لها من فاجعة ما أمرَّها ومصيبةٍ ما أعظمَها وأضرَّها وطامَّةٍ ما أكبَرَها! عسى الله أن يجعل لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا، إنه على كل شيء قدير. وقد كان بعض أهل الأندلس قد امتنعوا من التنصر وأرادوا أن يدافعوا عن أنفسهم كأهل قرى ونجر والبشرة وأندراش وبلفيق، فجمع الملك فرديناند عليهم جموعه وأحاط بهم من كل مكان حتى أخذهم عنوة بعد قتال شديد فأخذ أموالهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم وصبيانهم ونصَّرهم واستعبدهم إلا أن أناسًا في غربي الأندلس امتنعوا من التنصر وانحازوا إلى جبل منيع وعر فاجتمعوا فيه بعيالهم وأموالهم، وتحصنوا فيه فجمع عليهم الملك فرديناند جموعه وطمع في الوصول إليهم كما فعل بغيرهم، فلما دنا منهم وأراد قتالهم خيب الله سعيه ورده على عَقِبه ونصرهم عليه بعد أكثر من ثلاثة وعشرين معركة، فقتلوا من جنده خلقًا كثيرًا من رجال وفرسان! فلما رأى أنه لا يقدر عليهم طلب منهم أن يعطيهم الأمان ويجوزهم لعدوة الغرب مؤمَّنين فأنعموا له بذلك إلا أنه لم يسَرِّح لهم شيئًا من متاعهم غير الثياب التي كانت عليهم وجوَّزهم لعدوة الغرب كما شرطوا عليه، ولم يطمع أحد بعد ذلك أن يقوم بدعوة الإسلام، وعمَّ الكفرُ جميع القرى والبلدان وانطفأ من الأندلس نور الإسلام والإيمان، فعلى هذا فليبك الباكون، ولينتحب المنتحبون، كما انتحب شاعر الأندلس أبو البقاء الرندي (ت684) في قصيدته المشهورة التي رثا فيه الأندلس بعد سقوط قرطبة سنة 633 ومدن كبرى كإشبيلية وبلنسية وغيرها بيد الفرنج، والتي مطلعها: (لكل شيء إذا ما تم نقصانُ * فلا يغرَّ بطيبِ العيشِ إنسانُ)، فإنا لله وإنا إليه راجعون! كان ذلك في الكتاب مسطورًا، وكان أمر الله قدَرًا مقدورًا، لا مردَّ لأمره ولا معقِّبَ لحكمِه، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!
لمَّا تَمَّتْ بَيعةُ العَقبةِ أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَن كان معه بالهِجرةِ إلى المدينةِ، فخرجوا أَرسالًا، كان مِنَ السَّابقين للهِجرةِ بعدَ العَقبةِ الثَّانيةِ مُصعبُ بنُ عُميرٍ, ثمَّ عامرُ بنُ رَبيعةَ حَليفُ بن بني عَدِيِّ بنِ كعبٍ، معه امرأتُه ليلى بنتُ أبي حَثْمَةَ بنِ غانمٍ، ثمَّ عبدُ الله بنُ جَحْشٍ بأهلِهِ وأخيهِ عبدِ بنِ جَحْشٍ أبي أحمدَ، وكان ضَريرًا، وكان منزلُهما ومنزلُ أبي سَلمةَ بقُباءٍ في بني عَمرِو بنِ عَوفٍ، فلمَّا هاجر جميعُ بني جَحْشٍ بنِسائهِم فعَدا أبو سُفيانَ على دارِهم فتَمَلَّكَها، فذكر ذلك عبدُ الله بنُ جَحْشٍ لمَّا بَلَغَهُ لِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تَرضى يا عبدَ الله أن يُعطِيَك الله بها دارًا في الجنَّةِ خيرًا منها؟ قال: بلى. قال: فذلك لك". فلمَّا افتتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكَّةَ كَلَّمَهُ أبو أَحمدَ في دارِهم، فأبطأَ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال النَّاسُ لأبي أَحمدَ: يا أبا أَحمدَ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَكرهُ أن تَرجِعوا في شيءٍ أُصيبَ منكم في الله، فأَمْسَكَ عن كلامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وكان بنو غَنْمِ بنِ دُودانِ أهلَ إسلامٍ قد خرجوا كُلُّهم إلى المدينةِ، ثمَّ خرج عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، وعيَّاشُ بنُ أبي رَبيعةَ في عِشرين راكبًا فقَدِموا المدينةَ، وكان هشامُ بنُ العاصِ بنِ وائلٍ قد أَسلمَ، وواعد عُمَرَ بنَ الخطَّابِ أن يُهاجِرَ معه، وقال: تَجِدُني أو أَجِدُك عند أَضاءةِ بني غِفارٍ، ففَطِنَ لهشامٍ قومُه فحبسوه عن الهِجرةِ. ثمَّ إنَّ أبا جهلٍ والحرثَ بنَ هشامٍ خرجا حتَّى قَدِما المدينةَ ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمكَّةَ، فكَلَّما عيَّاشَ بنَ أبي رَبيعةَ وكان أخاهُما لِأُمِّهِما وابنَ عَمِّهِما، وأَخبراهُ أنَّ أمَّهُ قد نَذرتْ أن لا تَغسِلَ رأسَها ولا تَسْتَظِلَّ حتَّى تَراهُ، فَرَقَّتْ نَفْسُهُ وصدَّقهُما وخرج راجعًا معهُما، فكَتَّفاهُ في الطَّريقِ وبلغا به مكَّةَ، نهارًا مُوثَقًا، ثمَّ قالا: يا أهلَ مكَّةَ هكذا فافعلوا بسُفهائِكُم كما فعلنا بسَفيهِنا هذا. فحَبَساهُ بها إلى أن خَلَّصَهُ الله تعالى بعد ذلك بدُعاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم له في قُنوتِ الصَّلاةِ: "اللَّهمَّ أَنْجِ الوليدَ بنَ الوليدِ، وسَلمةَ بنَ هشامٍ، وعيَّاشَ بنَ أبي رَبيعةَ". ولمَّا أراد صُهيبُ بنُ سِنانٍ الهِجرةَ قال له كُفَّارُ قُريشٍ: أَتَيْتَنا صُعلوكًا حَقيرًا فكَثُرَ مالُك عندنا، وبلغتَ الذي بلغتَ، ثمَّ تُريدُ أن تَخرُجَ بمالِك ونَفسِك، لا والله لا يكونُ ذلك. فقال لهم صُهيبٌ: أَرأيتُم إن جَعلتُ لكم مالي أَتُخَلُّون سَبيلي؟ قالوا: نعم، فقال: فإنِّي قد جَعلتُ لكم، فبلغ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "رَبِحَ صُهيبٌ، رَبِحَ صُهيبٌ". ثمَّ تتابع المهاجرون بالهِجرةِ إلى المدينةِ إلى أن هاجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.