الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2458 ). زمن البحث بالثانية ( 0.009 )

العام الهجري : 450 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1059
تفاصيل الحدث:

لمَّا خَرجَ طُغرلبك من بغداد خَلْفَ أَخيهِ إبراهيمَ ينال استَغلَّ الفُرصةَ البساسيري، فلمَّا كان يومُ الأحدِ الثامن من ذي القعدة جاء إلى بغداد ومعه الرَّاياتُ البِيضُ المِصريَّةُ العُبيدِيَّةُ، وعلى رَأسِه أَعلامٌ مَكتوبٌ عليها اسمُ المُستَنصِر بالله أبو تَميمٍ مَعَدُّ، أَميرُ المؤمنين، فتَلقَّاهُ أَهلُ الكَرخِ الرَّافِضَةُ وسَألوهُ أن يَجتازَ من عندهم، فدَخلَ الكَرخَ وخَرجَ إلى مشرعةِ الزَّاويا، فخَيَّمَ بها والنَّاسُ إذ ذاك في مَجاعةٍ وضُرٍّ شَديدٍ، ونَزلَ قُريشُ بن بَدران وهو شَريكُ البساسيري في هذه الفِتنةِ، في نحوٍ مِن مائتي فارسٍ على مشرعةِ بابِ البَصرةِ، وكان البساسيري قد جَمعَ العَيَّارِينَ وأَطمَعَهُم في نَهبِ دارِ الخِلافةِ، ونَهَبَ أَهلُ الكَرخِ مِن الشِّيعةِ دُورَ أَهلِ السُّنَّةِ ببابِ البَصرةِ، ونُهِبَت دارُ قاضي القُضاة الدَّامغاني، وتملك وهلك أَكثرُ السِّجِلَّاتِ والكُتبِ الحُكمِيَّة، وبِيعَت للعطَّارِين، ونُهِبَت دُورُ المُتعلِّقِين بخِدمةِ الخَليفةِ، وأَعادَت الرَّوافضُ الأذانَ بحيَّ على خَيرِ العَملِ، وأُذِّنَ به في سائرِ نواحي بغداد في الجُمُعاتِ والجَماعاتِ وخُطِبَ ببغداد للمُستَنصِر العُبيدي على مَنابِرِها، وضُربَت له السِّكَّةُ على الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وحُوصِرَت دارُ الخِلافةِ، فدافَع الوزيرُ أبو القاسم بن المسلمة المُلَقَّب برَئيسِ الرُّؤساءِ، بمن معه من المُستَخدِمين دون دارِ الخِلافةِ, فلم يُفِد ذلك شيئًا، فرَكِبَ الخَليفةُ بالسَّوادِ والبُردَةِ، وعلى رَأسِه اللِّواءُ وبِيَدِه سَيفٌ مُصَلَّتٌ، وحولَه زُمرةٌ مِن العبَّاسيِّين والجواري حاسِراتٌ عن وُجوهِهنَّ، ناشِراتٌ شُعورِهِنَّ، ومَعهُنَّ المصاحِفُ على رُؤوسِ الرِّماحِ، وبين يَديهِ الخَدَمُ بالسُّيوفِ، ثم إنَّ الخَليفةَ أَخذَ ذِمامًا من أَميرِ العَربِ قُريشٍ لِيَمنَعهُ وأَهلَهُ ووَزيرَهُ ابن المسلمة، فأَمَّنَهُ على ذلك كُلِّه، وأَنزلَه في خَيمةٍ، فلامَهُ البساسيري على ذلك، وقال: قد عَلِمتَ ما كان وقعَ الاتفاقُ عليه بيني وبينك، من أنَّك لا تَبُتَّ برَأيٍ دُوني، ولا أنا دُونكَ، ومهما مَلكْنَا بيني وبينك. ثم إن البساسيري أخذَ القاسمَ بن مَسلمةَ فوَبَّخَهُ تَوبيخًا مُفضِحًا، ولامَهُ لَومًا شَديدًا ثم ضَربهُ ضَربًا مُبرِحًا، واعتَقلهُ مُهانًا عنده، ونَهبَت العامَّةُ دارَ الخِلافةِ، ثم اتَّفقَ رأيُ البساسيري وقُريشٍ على أن يُسَيِّروا الخليفةَ إلى أَميرِ حَديثَةِ عانَة، وهو مهارش بن مجلي النَّدوي، وهو مِن بني عَمِّ قُريشِ بن بدران، وكان رجلًا فيه دِينٌ وله مُروءةٌ، فلمَّا بلغ ذلك الخَليفةَ دَخلَ على قُريشٍ أن لا يخرج من بغداد فلم يَفِد ذلك شيئًا، وسَيَّرَهُ مع أَصحابِهما في هَودَج إلى حَديثَةِ عانَة، فكان عند مهارش حَولًا كامِلًا، وليس معه أَحدٌ من أَهلِه، وأما البساسيري، وما اعتَمدَهُ في بغداد، فإنَّه رَكِبَ يومَ عيدِ الأضحى وأَلبَس الخُطباءَ والمُؤذِّنينَ البَياضَ، وكذلك أَصحابَه، وعلى رَأسِه الأَلوِيَةُ العُبيديَّة المِصريَّة، وخَطَب للمُستَنصِر العُبيدي المِصري، وانتَقَم البساسيري من أَعيانِ أَهلِ بغداد انتِقامًا عَظيًما، وغَرَّقَ خَلْقًا ممن كان يُعادِيه، وبَسَطَ على آخرين الأرزاقَ ممن كان يُحبُّه ويُواليه، وأَظهرَ العَدلَ، ثم إنَّه عَلَّقَ ابنَ المسلمة رَئيسَ الرُّؤساءِ بِكَلُّوبٍ في شِدْقَيْهِ، ورُفِعَ إلى الخَشبةِ، إلى أن مات.

العام الهجري : 321 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 933
تفاصيل الحدث:

هو أبو بكر محمَّدُ بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزديُّ البصريُّ، عالِمٌ وشاعِرٌ وأديبٌ عربيٌّ، كان رأسًا في العربيَّةِ وأشعار العرَبِ, وله شعرٌ كثيرٌ وتصانيفُ مشهورة. ولِدَ سنة 223.كان يقالُ: "ابن دريد أشعَرُ العُلَماء وأعلَمُ الشُّعَراء", وكان أبوه وجيهًا من وجهاءِ البصرة، وقرأ ابنُ دريد على علمائِها وعلى عمه الحُسَين بن دريد، قال أحمد بن يوسف الأزرق: "ما رأيتُ أحفَظَ مِن ابنِ دُرَيد. وما رأيتُه قُرئ عليه ديوانٌ قَطُّ إلَّا وهو يسابِقُ إلى روايته؛ لحفظِه له". قال أبو حفصِ بنُ شاهين: "كنَّا ندخُلُ على ابن دُرَيد فنستحي ممَّا نرى من العيدانِ المُعَلَّقة والشَّراب. وقد جاوز التِّسعينَ". وقال أبو منصور الأزهري: "دخلتُ عليه فرأيتُه سكرانَ، فلم أعُدْ إليه". وعند ظهور الزِّنجِ في البصرة انتقل مع عمِّه إلى عُمان عام 257، وأقام فيها اثنتي عشرة سنةً، ثم رجع إلى البصرة وأقام فيها زمنًا، ثم خرج إلى الأحوازِ بعد أن لبَّى طلب عبد الله بن محمد بن ميكال، فلحق به لتأديبِ ابنِه أبي العباس إسماعيلَ، وهناك قَدَّمَ له كتابَه (جَمهرة اللُّغة) وتقَلَّد ابنُ دريد آنذاك ديوانَ فارِسَ، فكانت كتُبُ فارس لا تصدُرُ إلَّا عن رأيه، ولا ينفُذُ أمرٌ إلَّا بعد توقيعِه، وقد أقام هناك نحوًا من سِتِّ سنواتٍ. ولابن دريدٍ مِن الكتب "الجمهرة"، و"الأمالي"، و"اشتقاق أسماء القبائل"، و"المجتبى"، و"الخيل"، و"السلاح"، و"غريب القرآن" ولم يتِمَّ، و"أدب الكاتِب"، و"فعلتُ وأفعلتُ"، و"المطر"، وغيرها من الكتب. دُفِنَ ابن دريد وأبو هاشم الجُبَّائي في يومٍ واحد في مقبرةِ الخيزران لاثنتي عشرة ليلة بَقِيَت من شعبان، فقيل: مات الكلامُ واللُّغةُ جميعًا.

العام الهجري : 1211 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1797
تفاصيل الحدث:

طلب الشريفُ غالب بن مساعد شريفُ مكة من الإمام عبد العزيز بن محمد أن يبعثَ إليه عالِمًا ليناظِرَ علماء الحرم الشريف في شيءٍ من أمور الدين، فبعثَ إليه الإمامُ عبد العزيز الشيخَ حمد بن ناصر بن معمر على رأسِ ركبٍ من العلماء، فلمَّا وصلوا إلى الحرم الشريف أناخوا رواحِلَهم أمام قصرِ الشريف غالب فاستقبلَهم بالحفاوة والإكرام، وأنزلهم منزلًا محترمًا يليقُ بهم، فلما طافوا وسعَوا للعمرة ونحروا الجَزورَ التي أرسلها معهم الأمير سعودُ بن عبد العزيز هدْيًا للحرم، واستراحوا أربعة أيام من عناء السَّفر- جمعَ الشريفُ غالب علماءَ الحرم الشريف من أربابِ مذاهِبِ الأئمة الأربعة ما عدا الحنابلة، فوقع بين علماء الحرم ومقَدَّمِهم يومئذ في الكلام الشيخ عبد الملك القلعي الحنفي، وبين الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في مناظرةٍ عظيمة في مجالِسَ عديدة بحضرةِ والي مكة الشريف غالب، وبمشهدٍ عظيمٍ من أهل مكة، فظهر عليهم الشيخ حمد بن ناصر بن معمر بالحجَّة وقهَرهم بالحقِّ، فسَلَّموا له وأذعنوا، وقد سألهم ثلاثَ مسائِلَ: الأولى: ما قولُكم فيمن دعا نبيًّا أو وليًّا، واستغاث به في تفريجِ الكرباتِ كقوله: يا رسول الله، أو يا ابن عبَّاس، أو يا محجوب، أو غيرهم من الأولياء الصَّالحين؟. والثانية: من قال لا إلهَ إلا الله، محمدٌ رسُول الله، ولم يصَلِّ ولم يزَكِّ، هل يكون مؤمِنًا؟. والثالثة: هل يجوز البناءُ على القبور؟
 فعكس علماءُ الحرم هذه الأسئلةَ على الشيخ حمد، وطلبوا منه الإجابةَ عليها، فأجاب عنها بما يشفي الغليلَ، وأصَّلَ الإجابةَ وحرَّرها لهم في رسالةٍ سَمَّاها علماء الدرعية "الفواكهُ العِذاب في الردِّ على من لم يُحَكِّم السُّنَّة والكتاب" وهي رسالةٌ جليلةُ القدرِ عظيمةُ الفائدةِ.

العام الهجري : 64 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 684
تفاصيل الحدث:

لمَّا بايَع النَّاسُ مَرْوانَ سار مِن الجابِيَة إلى مَرْج راهِط قريبا من دمشق وبها الضَّحَّاك بن قيسٍ ومعه ألفُ فارسٍ، وكان قد اسْتَمَدَّ الضَّحَّاكُ النُّعمانَ بن بَشيرٍ وهو على حِمْص فأَمَدَّهُ حَبيبَ بن ذي الكِلاعِ، واسْتَمَدَّ أيضًا زُفَرَ بن الحارثِ وهو على قِنَّسْرين فأَمَدَّهُ بأهلِ قِنَّسْرين، وأَمَدَّهُ ناتِل بأهلِ فِلَسْطين، فاجتمعوا عنده، واجتمع على مَرْوان كَلْبٌ وغَسَّانُ, والسَّكاسِك والسَّكون، وتَحارَب مَرْوانُ والضَّحَّاكُ بمَرْج راهِط عِشرين ليلةً، واقْتَتَلوا قِتالًا شَديدًا، فقُتِلَ الضَّحَّاكُ، قَتلَهُ دِحْيَةُ بن عبدِ الله، وقُتِلَ معه ثمانون رجلًا مِن أشرافِ أهلِ الشَّام، وقُتِلَ أهلُ الشَّام مَقتلَةً عَظيمةً، وقُتِلَت قَيسٌ مَقتلةً لم يُقْتَلُ مِثلُها في مَوطِن قَطُّ، وكان فيمَن قُتِلَ هانىءُ بن قَبيصةَ النُّمَيْريُّ سَيِّدُ قومِه، كان مع الضَّحَّاك، قَتلَهُ وازِعُ بن ذُؤالَة الكَلبيُّ، ولمَّا انْهزَم النَّاسُ مِن المَرْج لَحِقوا بأَجنادِهِم، فانتهى أهلُ حِمْص إليها وعليها النُّعمانُ بن بَشيرٍ، فلمَّا بَلغَهُ الخَبرُ خرَج هَربًا ليلًا ومعه امرأتُه نائِلةُ بنتُ عُمارةَ الكَلبيَّة وثَقَلُهُ وأوَّلادُه، فتَحَيَّرَ لَيلَتَهُ كُلَّها، وأصبَح أهلُ حِمْص فطلبوه، وكان الذي طَلبَهُ عَمرُو بن الجَلِيِّ الكَلاعيُّ، فقَتلَهُ ورَدَّ أهلَه والرَّأسَ معه، وجاءَت كَلْبٌ مِن أهلِ حِمْص فأخذوا نائِلةَ وولدَها معها، ولمَّا بَلغَت الهَزيمةُ زُفَرَ بن الحارثِ الكِلابيَّ بقِنَّسْرين هرَب منها فلَحِقَ بقَرْقِيسِيا وعليها عِياضٌ الحَرَشِيُّ، وكان يَزيدُ وَلَّاهُ إيَّاها، وهرَب ناتِلُ بن قيسٍ الجُذاميُّ عن فِلَسْطين فلَحِقَ بابنِ الزُّبيرِ بمكَّة، واسْتَعمَل مَرْوانُ بعده على فِلَسْطين رومَ بن زِنْباع، واسْتَوْثَق الشَّامُ لمَرْوان واسْتَعمَل عُمَّالَه عليها.

العام الهجري : 593 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1197
تفاصيل الحدث:

هو المَلِكُ سَيفُ الإسلام أبو الفوارِسِ طغتكين بن أيوب بن شاذي بن مروان المنعوتُ بالملك العزيز ظهير الدين، صاحِب اليمن بزبيد، أخو صلاح الدين الأيوبي، لَمَّا ملك صلاحُ الدين الدِّيارَ المصريَّةَ سَيَّرَ أخاه شمسَ الدولة توران شاه إلى بلادِ اليمن، فمَلَكَها واستولى على كثيرٍ مِن بلادها، ورجع عنها، ثمَّ سَيَّرَ السلطان إليها بعد ذلك أخاه سيفَ الإسلام، وذلك في سنة 577, وكان رجلًا شجاعًا شديدَ السيرة، مُضَيِّقًا على رعيَّتِه، يشتري أموالَ التجار لنفسه ويبيعُها كيف شاء، وأراد مِلكَ مَكَّةَ، فأرسل الخليفةُ الناصر لدين الله إلى أخيه صلاح الدين في المعنى، فمَنَعَه من ذلك، وجمعَ مِن الأموال ما لا يحصى، حتى إنَّه مِن كثرته كان يَسبِكُ الذهب ويجعلُه كالطاحون ويدَّخِرُه، لما قدم للديارِ المصرية وسلطانها يومئذٍ ابنُ أخيه  الملك العزيز عماد الدين عثمان بن السلطان صلاح الدين، ألزمه أربابُ ديوان الزكاة بدَفعِ الزكاة من المتاجِرِ التي وصلت بصُحبتِه، حارب الزيدية في اليمن، وبعد أعوامٍ أخَذَ صنعاء, وكانت دولتُه أربع عشرة سنة، ولَمَّا توفي مَلَكَ اليَمنَ بعده ابنُه المعز إسماعيل، وكان أهوج كثير التخليط، بحيث إنَّه ادَّعى أنه قُرَشيٌّ من بني أمية، وخَطَب لنفسه بالخلافة، وتلقَّبَ بالهادي، فلمَّا سَمِعَ عمُّه الملك العادل ذلك ساءه وأهمَّه، وكتب إليه يلومُه ويوبِّخُه، ويأمُرُه بالعود إلى نسَبِه الصحيح، وبتَرْك ما ارتكبه ممَّا يُضحِكُ الناس منه، فلم يلتَفِت إليه ولم يرجِعْ، وبقي كذلك، وحارب رأسَ الزيديَّة وهزمه، وأنشأ بزبيد مدرسة، ولَمَّا أساء السيرة مع أجناده وأمرائه، وثَبَوا عليه فقتلوه، وملَّكوا عليهم بعده أميرًا من مماليك أبيه.

العام الهجري : 115 العام الميلادي : 733
تفاصيل الحدث:

في هذه السَّنَة وَقَع الطَّاعون بالشَّام، وفيها وَقَع بخُراسان قَحْطٌ شَديدٌ، فكَتَب الجُنيدُ المُرِّيُّ إلى الكور بِحَمْلِ الطَّعام إلى مَرْو، أَعْطَى الجُنيدُ رَجُلًا دِرْهَمًا فاشْتَرَى به رَغيفًا، فقال لهم أَتَشْكون الجُوعَ ورَغيفٌ بِدِرْهَم؟ لقد رَأَيْتُني بالهِنْدِ وإنَّ الحَبَّة مِن الحُبوب لَتُباع عددًا بِدِرْهَم.

العام الهجري : 643 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1245
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ مفتي الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الإمام البارع أبي القاسم صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر النصري الكردي، الشهرزوري، الشافعي. المعروف بابن الصلاح، مفتي الشام ومحدِّثُها، سمع الحديثَ ببلادِ الشَّرقِ وتفَقَّه بالموصِلِ وحلب وغيرها، وُلِدَ سنة 577 بشرخان – وهي قريةٌ من أعمال إربل قريبةٌ مِن شهرزور- تفقَّه على والِدِه صلاح الدين بشهرزور، وكان والدُه شيخَ تلك الناحية، ومدرِّسًا بالأسديَّة التي بحَلَب، وواقفها أسد الدين شيركوه بن شادي. قال ابن خلكان: "كان ابنُ الصَّلاحِ أحدَ فُضَلاء عصرِه في التفسير والحديثِ والفقه وأسماء الرجالِ وما يتعلق بعلم الحديثِ ونَقلِ اللغة، وكانت له مشاركةٌ في فنون عديدةٍ، وكانت فتاويه مسدَّدةً، وهو أحد أشياخي الذين انتفعتُ بهم. قرأ الفقه أولًا على والده الصلاح، وكان من جلَّة مشايخ الأكراد المشارِ إليهم، ثم نقله والدُه إلى الموصل واشتغل بها مدَّة، وبلغني أنه كرر على جميع كتاب " المهذَّب " ولم يطر شاربُه، بالموصل, ثم سافر إلى خراسان فأقام بها زمانًا وحصَّل علمَ الحديث هناك" قدم ابنُ الصلاح الشام وهو في عدادِ الفُضَلاء الكِبار، وأقام بالقُدسِ مُدَّة ودرس بالصلاحيَّة، ثم تحوَّل منه إلى دمشق، ودرس بالرواحيَّة ثم بدار الحديث الأشرفيَّة، وهو أول من وَلِيَها من شيوخ الحديثِ، وهو الذي صنَّف كتاب وقفِها، ثمَّ بالشامية الجوانيَّة، وقد صنف كتبًا كثيرةً مفيدةً في علوم الحديث- أشهرُها معرفةُ أنواع علوم الحديث المعروف بمقدِّمة ابن الصلاح، وله كتاب أدبُ المفتي والمستفتي- وفي الفقهِ، وله تعاليق حسنة على الوسيط وغيره من الفوائد التي يرحل إليها. كان ابن الصلاح إمامًا بارعًا، حجة، متبحرًا في العلوم الدينية، بصيرًا بالمذهب ووجوهه، خبيرًا بأصولِه، عارفًا بالمذاهبِ، جيدَ المادَّة من اللغة والعربية، حافظًا للحديث متفننًا فيه، حَسَن الضبطِ، كبيرَ القَدرِ، وافرَ الحُرمة، فكان عديمَ النظيرِ في زمانِه مع ما هو فيه من الدين والعبادة والنسك والصيانة، والورع والتقوى على طريق السَّلف الصالح، كما هو طريقة متأخري أكثر المحدِّثين، مع الفضيلة التامَّة في فنون كثيرة. قال ابن الحاجب في معجمه: " ابن الصلاح إمامٌ وَرِع، وافِرُ العقل، حسَنُ السَّمت، متبحِّرٌ في الأصول والفروع، بالغٌ في الطلب حتى صار يُضرَبُ به المثل، وأجهد نفسَه في الطاعة والعبادة. – قلت (الذهبي): وكان حسَنَ الاعتقاد على مذهَبِ السَّلف، يرى الكف عن التأويل، ويؤمِنُ بما جاء عن الله ورسوله على مرادِهما. ولا يخوض ولا يتعمَّق- وفي فتاويه: سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة؟ فأجاب: الفلسفة أسُّ السَّفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة. ومن تفلسف عَمِيَت بصيرته عن محاسِنِ الشريعة المؤيَّدة بالبراهين. ومن تلبَّسَ بها قارنه الخِذلانُ والحِرمانُ، واستحوذ عليه الشَّيطانُ، وأظلم قلبُه عن نبوة محمَّد صلى الله عليه وسلم إلى أن قال(ابن الحاجب): واستعمال الاصطلاحات المنطقيَّة في مباحث الأحكام الشرعيَّة من المُنكَرات المستبشَعة، والرَّقاعات المستحدَثة، وليس بالأحكامِ الشرعيَّة- ولله الحمد- افتقارٌ إلى المنطق أصلًا، وهو قعاقِعُ قد أغنى الله عنها كلَّ صحيح الذهن؛ فالواجِبُ على السلطان أعَزَّه الله أن يدفَعَ عن المسلمينَ شَرَّ هؤلاء المشائيم، ويخرِجَهم من المدارس ويُبعِدَهم, ولابن الصلاح فتاوى مسددة, وكان معظَّمًا في النفوس، حَسَن البِزَّة، كثيرَ الهيبةَ، يتأدَّبُ معه السلطانُ فمَن دونه. تفقَّه عليه خلقٌ كثير، منهم: الإمام شمس الدين عبد الرحمن بن نوح المقدسي، والإمامُ شِهابُ الدين عبدُ الرحمن بن إسماعيل أبو شامة، والإمام كمال الدين سلار، والإمام كمال الدين إسحاق، والإمامُ تقيُّ الدين بن رزين قاضي الديار المصرية، والعلَّامة شمس الدين بن خَلِّكان قاضي الشام وغيرهم "ولم يزل على طريقةٍ جيِّدة حتى كانت وفاتُه بمنزلِه في دار الحديث الأشرفيَّة في سَحَر الأربعاء الخامس والعشرين من ربيع الآخر، وحُمِل على الرؤوس، وازدحم عليه الخلقُ، وكانت على جنازته هيبةٌ وخشوع، فصُلِّيَ عليه بالجامع، وشيعوه إلى عند باب الفرَج، فصُلِّيَ عليه بداخله ثانيًا، ورجع الناس لأجل حصار البلد بالخوارزميَّة، وما صَحِبَه إلى جبانة الصوفية إلا نحوُ العشرة.

العام الهجري : 196 العام الميلادي : 811
تفاصيل الحدث:

هو الحسَنُ بن هانئ بن صباح بن عبد الله، اشتهر بالشِّعرِ، ولكنَّه أدخل فيه ما يُستقذَرُ، حتى اتُّهِم، ذكروا له أمورًا كثيرة، ومُجونًا وأشعارًا مُنكَرة، وله في الخَمريَّات والقاذورات والتشبُّب بالمُردان والنِّسوان أشياءُ بِشَعةٌ شَنيعةٌ؛ فمِن النَّاسِ من يفَسِّقُه ويرميه بالفاحشةِ، ومنهم من يرميه بالزَّندقة، كان أبو نواس شاعِرَ الأمينِ بن الرشيد وأحدَ نُدَمائه، وقد قال في الأمين مدائِحَ حِسانًا، وقد وجده مسجونًا في حبسِ الرَّشيدِ مع الزَّنادقةِ، فأحضره وأطلقه وأطلق له مالًا، فجعله مِن نُدَمائه، ثمَّ حَبَسه مرَّةً أخرى في شُربِ الخَمرِ، وأطال حبسَه ثمَّ أطلَقَه وأخذ عليه العهدَ ألَّا يشرَبَ الخمرَ ولا يأتي الذُّكورَ من المردان، فامتثل ذلك، وكان لا يفعَلُ شيئًا من ذلك بعد ما استتابه الأمينُ، وتأدَّبَ على الكسائيِّ وقرأ عليه القرآنَ. كانت وفاته ببغداد، ودُفِنَ في مقابر الشونيزى في تل اليهود.

العام الهجري : 340 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 952
تفاصيل الحدث:

هو عُبيدُ الله بنُ الحسَنِ بنِ دلَّال بن دلهم، المعروفُ بأبي الحسَن الكَرخيِّ، أحدُ مشايخ الحنفيَّة المشهورين، ولد سنة 260 وسكن بغدادَ ودرَّسَ فِقهَ أبي حنيفة وانتَهَت إليه رئاسةُ أصحابه في البلاد، وكان متعبِّدًا صبورًا على الفقرِ عزوفًا عمَّا في أيدي الناس، ولكنه كان رأسًا في الاعتزالِ، وقد سمع الحديثَ مِن إسماعيلَ بنِ إسحاق القاضي، وروى عنه حَيوةُ وابنُ شاهين، وأصابه الفالج في آخر عمره، فاجتمع عنده بعضُ أصحابه وتشاوروا فيما بينهم أن يكتُبوا إلى سيفِ الدولة بن حمدان ليساعِدَه بشَيءٍ يستعينُ به في مرضه، فلمَّا عَلِمَ بذلك رفع رأسَه إلى السَّماءِ وقال: " اللهمَّ لا تجعَلْ رزقي إلَّا مِن حيثُ عَوَّدْتني ". فمات عَقِبَ ذلك قبل أن يصِلَ إليه ما أرسَلَ به سيفُ الدولة، وهو عشرةُ آلاف درهم، فتصَدَّقوا بها بعد وفاته، وقد توفِّيَ عن ثمانينَ سنة.

العام الهجري : 489 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1096
تفاصيل الحدث:

هو أبو المُظَفَّرِ مَنصورُ بن نِظامِ الدِّينِ نَصرِ بنِ نَصيرِ الدَّولةِ مَروانَ بنِ دوستك الكُرديُّ، صاحِبُ دِيارِ بَكرٍ، تَوَلَّى الحُكمَ بعدَ وَالدِه نِظامِ الدِّين في ذي الحجَّةِ سَنةَ 472هـ، ودَبَّرَ دَولتَهُ ابنُ الأَنبارِيِّ، ولم يَزَل في مُلكِه إلى أن انقَرَضَ أَمرُ بَنِي مَروانَ على يَدِ فَخرِ الدَّولةِ بنِ جَهيرٍ حين حارَبَهُ، وكان جكرمش قد قَبَضَ عليه بالجَزيرَةِ، وتَرَكَهُ عند رَجلٍ يَهوديٍّ، فمات في دارِه، وحَمَلَتهُ زَوجتُه إلى تُربَةِ آبائِه، فدَفَنَتهُ ثم حَجَّت، وعادَت إلى بَلدِ البَشْنَوِيَّة. قال ابنُ الأَثيرِ: " كان مَنصورٌ شُجاعًا، شَدِيدَ البُخْلِ، له في البُخْلِ حِكاياتٌ عَجيبَة، فتَعْسًا لِطالِبِ الدُّنيا، المُعرِض عن الآخِرَةِ، ألا يَنظُر إلى فِعلِها بأَبنائِها، بينما مَنصورٌ هذا مَلِكٌ مِن بَيتِ مَلِكٍ آلَ أَمرُه إلى أن ماتَ في بَيتِ يَهودِيٍّ، نَسألُ الله تعالى أن يُحسِن أَعمالَنا، ويُصلِح عاقِبَةَ أَمرِنا في الدنيا والآخرة، بمَنِّهِ وكَرَمِه".

العام الهجري : 1432 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 2011
تفاصيل الحدث:

أعلَن الدِّيوانُ الملكيُّ السعوديُّ اختيارَ الأمير نايف بن عبد العزيز وليًّا للعهد خَلَفًا للأميرِ سلطان بن عبد العزيز، الذي وافَتْه المنيَّةُ، وقال الدِّيوانُ الملكيُّ: إنَّ الملكَ عبدَ الله بن عبد العزيز قرَّر وأبلَغَ هيئةَ البَيعةِ بتعيِينِ الأمير نايف وليًّا للعهدِ ونائبًا لرئيسِ مجلسِ الوُزراء مع احتفاظِه بمَنصبِه وزيرًا للدَّاخلية، والأميرُ نايف كان يَشغَلُ قبلَ وفاةِ الأمير سلطان بن عبد العزيز منصبَ النَّائبِ الثاني لرئيسِ مجلسِ الوُزراء، ووزيرِ الداخلية، وقد وُلد في مدينة الطائفِ في عامَ (1933)، وتسلَّم وهو في سنِّ العشرين منصبَ أميرِ الرياض، كما شَغَل منصبَ وزيرِ الدَّاخلية منذ العام (1975)، وعُيِّن نائبًا ثانيًا لرئيس الوزراء عامَ (2009) حين سافَر الأميرُ سلطان خارِجَ البلادِ لقضاءِ فترةِ نَقاهةٍ.

العام الهجري : 478 العام الميلادي : 1085
تفاصيل الحدث:

في هذه السَّنَةِ استَولَى الفِرنجُ على مَدينةِ طُليطِلة من بِلادِ الأندلس، وأَخذُوها من المسلمين، وهي من أَكبرِ البلادِ وأَحصَنِها. وسببُ ذلك أن الأذفونش، (ألفونسو السادس) مَلِكَ قشتالة، كان قد قَوِيَ شَأنُه، وعَظُمَ مُلكُه، وكَثُرت عَساكِرُه، مُذ تَفرَّقَت بِلادُ الأندلس، وصار كلُّ بَلدٍ بِيَدِ مَلِكٍ، كما دَبَّ النِّزاعُ بينهم واستَعانوا بالفِرنجَةِ على بَعضٍ، فحينئذٍ طَمِعَ الفِرنجُ فيهم، وأَخَذوا كَثيرًا من ثُغورِهم. وكان ألفونسو خَدَمَ صاحِبَ طُليطلة القادرَ بالله بنَ المأمونِ بن يحيى بن ذي النونِ، وعاش في طُليطلة سَنواتٍ، فعَرِفَ مِن أين يُؤتَى البلدُ، وكيف الطريقُ إلى مُلْكِها, ولم يكن أحدٌ من مُلوكِ الطَّوائفِ قادِرًا على نَجْدَتِها، حتى إنَّ المُعتَمِدَ بن عبَّاد صاحِبَ أشبيلية وهو أَقوَى مُلوكِ الطَّوائفِ لمَّا رَأى استِفحالَ أَمرِ ألفونسو وقُوَّتَه رَأى أن يَعقِدَ مُهادَنةً وصُلْحًا معه يَأمَن بها على أَراضِيه، فبَعَثَ وَزيرَهُ ابنَ عمَّارٍ لِيَتفاوَضَ مع ألفونسو، وتَمَّت المُعاهدَةُ والاتِّفاقُ على بُنودٍ منها: أن يُؤَدِّي المُعتَمِدُ الجِزيةَ سَنويًّا, ويُسمَح للمُعتَمِد بِغَزْوِ أراضي طُليطلة الجنوبية على أن يُسَلِّم منها إلى ألفونسو الأراضي الواقعةَ شمالي طليطلة, و لا يَعتَرِض المُعتَمِد على استِيلاءِ ألفونسو على طُليطلة, وفي شَوَّال سَنةَ 474هـ ضَربَ ألفونسو الحِصارَ على طُليطلة، وشَدَّدَ غاراتَه عليها، وظلَّ على ذلك أَربعَ سَنواتٍ كاملةً؛ يُخَرِّب في الزُّروعِ والأراضي والقُرى، وعاشَ الناسُ في ضِيقٍ وكَربٍ، وليس بين المسلمين مُجِيرٌ، قال ابنُ بسام: "دَخلَ على الأذفونش يومئذٍ جَماعةٌ فوَجَدوه يَمسَح الكرى من عَينيهِ، ثائرَ الرَّأسِ، خَبيثَ النَّفْسِ، فأَقبلَ عليهم بوَجهٍ كَريهٍ، وقال لهم: إلى متى تَتَخادَعون، وبأيِّ شَيءٍ تَطمعون؟ قالوا: بِنا بُغيَةٌ، ولنا في فُلانٍ وفُلانٍ أُمنِيَّةٌ، وسَمُّوا له بَعضَ مُلوكِ الطَّوائفِ، فصَفَّقَ بِيَديهِ، وتَهافَت حتى فَحَصَ برِجلَيهِ، ثم قال: أين رُسُلُ ابنِ عبَّادٍ؟ فجِيءَ بهم يَرفُلون في ثِيابِ الخَناعَةِ، وينبسون بأَلسِنَةِ السَّمعِ والطَّاعةِ. فقال لهم: مُذ كم تَحُومون عليَّ، وتَرومون الوصولَ إليَّ؟ ومتى عَهْدِكم بفُلانٍ؟ وأين ما جِئتُم به ولا كُنتم ولا كان؟ فجاءوا بجُملَةِ مِيرَةٍ، وأَحضَروها, ثم ما زادَ على أن رَكَلَ ذلك برِجلِه، وأَمَرَ بانتِهابِه كُلِّهِ؛ ولم يَبقَ مَلِكٌ من مُلوكِ الطَّوائفِ إلا أَحضرَ يَومئذٍ رُسُلَه، وكانت حالُه حالَ مَن كان قَبلَه. وجَعلَ أَعلاجَه يَدفَعون في ظُهورِهم، وأَهلُ طُليطلة يَعجَبون مِن ذُلِّ مَقامِهم ومَصيرِهم، فخَرجَ مَشيَختُها من عندِه وقد سُقِطَ في أَيدِيهم. وطَمِعَ كلُّ شيءٍ فيهم. وخَلُّوا بينه وبين البلدِ، ودَخلَ طُليطلة على حُكمِه، وأَثبَتَ في عَرصَتِها قَدَمَ ظُلمِه، حُكْمٌ مِن الله سَبَقَ به القَدَرُ، وخَرجَ ابنُ ذي النون خائبًا مما تَمَنَّاهُ، حدَّثنِي مَن رَآهُ يَومئذٍ بتلك الحالِ وبِيَدِه اصطرلاب يَرصُد فيه أيَّ وَقتٍ يَرحَل، وعلى أيِّ شَيءٍ يُعَوِّل، وأيَّ سَبيلٍ يَتَمَثَّل، وقد أَطافَ به النَّصارَى والمسلمون، أولئك يَضحَكون مِن فِعْلِه، وهؤلاء يَتَعجَّبون مِن جَهلِه. وعَتَا الطاغِيةُ الأذفونش -قَصَمَهُ الله- لحين استِقرارِه بطُليطلة واستَكبَر، وأَخَلَّ بمُلوكِ الطَّوائفِ في الجَزيرَةِ وقَصَّرَ، وأَخذَ يَتَجنَّى ويَتَعتَّب، وطَفِقَ يَتَشَوَّف إلى انتِزاعِ سُلطانِهم والفَراغِ مِن شانِهم" في الوقتِ الذي كانت قُوَّاتُ ألفونسو تُحاصِر فيه طُليطلة كان مُلوكُ الطَّوائفِ يُقَدِّمُون مِيثاقَ الوَلاءِ والمَحَبَّةِ له؛ مُمَثَّلَةً في الجِزيَةِ والإتاوَةِ، ولم يَجرُؤ أَحدٌ منهم على الاعتِراضِ عليه في ذلك إلاَّ المُتَوكِّل بن الأَفطَس الذي أُخْرِج من طُليطلة قُبيلَ دُخولِ الطَّاغيةِ، وفي الوقتِ نَفسِه الذي تُحَاصَر فيه طُليطلة كانت مَمالكُ الطَّوائفِ الأُخرى تَتَنازَع فيما بينها، أو تَرُدُّ غاراتِ النَّصارَى المُتواصِلَة عليها. ثم قام ألفونسو باتِّخاذِ طُليطلة عاصِمةً له وحَوَّلَ مَسجِدَها إلى كَنيسةً.

العام الهجري : 334 العام الميلادي : 945
تفاصيل الحدث:

هو العَلَّامة شيخُ الحنابلةِ: أبو القاسم عُمَرُ بنُ أبي علي الحسين بن عبد الله بن أحمد البغدادي الخِرَقيُّ الحنبليُّ, والخِرَقي: بكسر الخاء وفتح الراء؛ نِسبةً إلى بَيعِ الخِرَق والثِّيابِ. فقيهٌ حنبليٌّ، صنَّف التصانيفَ. صاحِبُ المُختَصَر المشهورِ في الفِقهِ على مذهب الإمام أحمد، والذي شَرَحه القاضي أبو يعلَى بن الفراء، والشيخ مُوفَّق الدين بن قُدامة المقدسي، كان من كبارِ العُلَماء، تفَقَّه على والده الحُسَين صاحب المروذي, وقد كان الخِرَقي هذا من ساداتِ الفُقَهاء والعُبَّاد، كثيرَ الفضائِلِ والعبادة، وصنَّفَ في مذهبِ الإمامِ أحمدَ كتُبًا كثيرةً مِن جُملتِها: المُختَصَر، الذي يشتَغِلُ به أكثَرُ المبتدئين من أصحابِهم، ولَمَّا خرج من بغداد مهاجِرًا لَمَّا كثُرَ بها الشَّرُّ والسَّبُّ للصحابةِ والسَّلَف، أودَعَ كُتُبَه في بغدادَ، فاحترقت الدارُ التي كانت فيها الكتُبُ، وعُدِمَت مُصنَّفاتُه، وقصد دمشقَ فأقام بها حتى مات في هذه السَّنة، وقبرُه بباب الصغير قريبًا من قبور الشهداء، وذكَرَ في مختصره هذا في الحَجِّ ويأتي الحجَرَ الأسودَ ويقَبِّلُه إن كان هناك، وإنما قال ذلك؛ لأنَّ تصنيفَه لهذا الكتاب كان والحجَرُ الأسوَدُ قد أخَذَته القرامطةُ، وهو في أيديهم في سنة 317، ولم يُرَدَّ إلى مكانِه إلَّا سنة 337، قال القاضي أبو يعلى: "كانت للخِرَقي مُصَنَّفاتٌ كثيرة وتخريجاتٌ على المذهب، ولم تظهَرْ؛ لأنَّه خرج من مدينته لَمَّا ظهر بها سَبُّ الصحابة، وأودع كتُبَه فاحتَرَقت الدارُ التي هي فيها، فاحتَرَقت الكتُبُ، ولم تكن قد انتشَرَت؛ لبُعدِه عن البلَدِ".

العام الهجري : 350 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 961
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنين، الناصِرُ لدينِ الله، أبو المطرِّف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل عبد الرحمن، كان أبوه محمَّدٌ وَلِي عَهْد والده عبد الله بن محمد، فقَتَله أخوه أبو القاسِمِ المطرِّف، فقَتَله أبوهما به. ولَمَّا قُتِلَ محمد، كان لابنِه عبد الرحمن عشرونَ يومًا. ووليَ الخلافةَ بعد جَدِّه عبد الله. قال ابن حزم: "كانت خلافتُه من المُستطرَف؛ لأنَّه كان شابًّا، وبالحَضرةِ جماعةٌ مِن أعمامه، وأعمامِ أبيه، فلم يعتَرِضْ معترِضٌ عليه. واستمَرَّ له الأمر وكان شهمًا صارِمًا ". نظر أهلُ الحَلِّ والعقدِ مَن يقومُ بأمرِ الإسلام، فما وجدوا في شبابِ بني أميَّةَ مَن يَصلُحُ للأمرِ إلَّا عبدُالرحمن بن محمد، فبايعوه، وطلب منهم المالَ فلم يَجِدْه، وطلب العُدَدَ فلم يجِدْها، فلم يزَل السَّعدُ يخدُمُه إلى أن سار بنَفسِه لابن حفصون، فوجده مجتازًا لوادي التُّفاح، ومعه أكثَرُ من عشرين ألف فارس, فهزمه وأفلت ابنُ حفصون في نفرٍ يسيرٍ، فتحصَّنَ بحِصن مبشر. ولم يزل عبدُ الرحمن يغزو حتى أقام العَوَج، ومهَّدَ البلاد، ووضع العدلَ، وكثُرَ الأمنُ، ثم بعث جيشًا إلى المغرب، فغزا سجلماسة، وجميعَ بلاد القبلة، وقتَلَ ابنَ حفصون. ولم تزَلْ كلمته نافذةً, وصارت الأندلسُ أقوى ما كانت وأحسَنَها حالًا، وصَفا وجهُه للروم، وشَنَّ الغاراتِ على العدُوِّ، وغزا بنَفسِه بلادَ الروم اثنتي عشرة غزوةً، ودوخَّهم، ووضع عليهم الخَراجَ، ودانت له ملوكُها، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجلٍ يصنعون في بناء الزهراءِ التي أقامها لسُكناه على فرسخ من قُرطُبة. كلُّ مَن تقدَّمَ مِن آباءِ عبد الرحمن لم يتسَمَّ أحَدٌ منهم بإمرةِ المؤمنين، وإنما كانوا يُخاطَبونَ بالإمارة فقط، وفعل مِثلَهم عبدُ الرحمن إلى السَّنَةِ السابعة والعشرين مِن ولايته، وكان قد تلقَّبَ بأمير المؤمنين لما رأى مِن ضَعفِ الخلافةِ في بغداد, وظهورِ الشِّيعةِ العُبَيدية بالقيروان وادِّعائِهم لقبَ الخلافة، وما آلت إليه البلادُ مِن التفرُّقِ والتشَتُّت، فرأى أنَّه أحَقُّ بإمرةِ المؤمنين فتسمَّى بأمير المؤمنين وخليفةِ المُسلِمين سنة 316، ولم يزَلْ منذ وليَ الأندلسَ يستنزِلُ المتغلِّبينَ حتى صارت المملكةُ كُلُّها في طاعته، وأكثَرُ بلادِ العدوة، وأخاف ملوكَ الطوائف حوله. قال عبدُ الواحد المراكشي: " اتَّسَعت مملكة الناصر، وحَكَم على أقطار الأندلس، ومَلَك طنجةَ وسبتة وغيرَهما من بلاد العدوة، وكانت أيامُه كلُّها حروبًا, وعاش المسلمون في آثارِه الحميدة آمنينَ ". وقد ابتدأ الناصِرُ ببناء مدينة الزهراء في أوَّلِ سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فكان يَقسِمُ دَخْلَ مملكتِه أثلاثًا: فثُلُثٌ يرصُدُه للجند، وثلُثٌ يدَّخِرُه في بيتِ المال، وثُلُثٌ ينفقه في الزهراء, وكان دخَلُ الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألفًا، ومن السوق والمُستخلَص سبعمائة ألف دينار وخمسة وستون ألفًا. ويقال: إنَّ بناء الزهراء أُكمِلَ في اثنتي عشرة سنة، بألفِ بنَّاءٍ في اليومِ، مع البنَّاءِ اثنا عشر فاعلًا. حكى أبو الحسن الصفار: " أنَّ يوسف بن تاشفين مَلِكَ المغرب لَمَّا دخل الزهراء، وقد خَرِبَت بالنيران والهَدْمِ، من تسعين سنةً قبل دخولِه إليها، وقد نقل أكثَر ما فيها إلى قُرطُبة وإشبيليَّة، ونظر آثارًا تَشهَدُ على محاسنها، فقال: الذي بنى هذه كان سفيهًا. فقال أبو مروان بن سراج: كيف يكونُ سفيهًا وإحدى كرائمِه أخرجت مالًا في فداءِ أُسارى في أيَّامِه، فلم يوجَدْ ببلادِ الأندلسِ أسيرٌ يُفدَى ". وقد افتتح سبعينَ حِصنًا -رحمه الله. بدأ عبدَ الرَّحمنِ الناصرَ المرَضُ وبقي فترةً على ذلك، إلى أن توفِّيَ في هذه السنة في صدر رمضان، فكانت إمارتُه خمسين سنة وستة أشهر، ثم خَلَفه ابنُه الحكمُ الذي تلقَّبَ بالمُستنصِر.

العام الهجري : 640 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1242
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنين الخليفة العباسي المستنصر بالله أبو جعفر منصور بن الخليفة الظاهر بأمر الله محمد بن الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد. واقف المستنصريَّة التي لا نظيرَ لها. ولد سنة 588, وأمه تركية، وكان جده الناصر يحبُّه ويسميه القاضي؛ لحبه للحقِّ، وعقلِه, وبويعَ عند موت والده يوم الجمعة، ثالث عشر رجب، سنة 623 البيعة الخاصة من إخوته وبني عمه وأسرته، وبايعه من الغد الكبراء والعلماء والأمراء. وكان أبيضَ أشقرَ، سمينًا ربعةً مليح الصورة، عاقلًا حازمًا سائسًا ذا رأي ودهاء ونهوض بأعباء الملك، كان جدُّه الناصر قد جمع ما يتحصل من الذهب في بركة في دار الخلافة، فكان يقفُ على حافتِها ويقول: أتُرى أعيش حتى أملأَها، وكان المستنصر يقِفُ على حافتها ويقول أترى أعيش حتى أنفِقَها كُلَّها, فكان يبني الربُطَ والخانات والقناطر في الطرقات من سائر الجهات، وقد عَمِلَ بكل محلَّة من محال بغداد دارَ ضيافة للفقراء، لا سيَّما في شهر رمضان، وكان يتقصد الجواري اللائي قد بلغن الأربعين فيُشترين له فيُعتقُهنَّ ويُجهزهنَّ ويُزوجُهنَّ، وفي كل وقت يُبرِزُ صِلاتِه ألوفًا متعددة من الذهب، تُفَرَّق في المحال ببغداد على ذوي الحاجات والأرامل والأيتام وغيرهم، تقبَّلَ الله تعالى منه وجزاه خيرًا، وقد وضع ببغداد المدرسة المستنصرية للمذاهب الأربعة، وجعل فيها دار حديث وحمامًا ودار طب، وجعل لمستحقيها من الجوامك- رواتب الموظفين- والأطعمة والحلاوات والفاكهة ما يحتاجون إليه في أوقاته، ووقف عليها أوقافًا عظيمة حتى قيل إن ثمن التبن من غلات ريعها يكفي المدرسة وأهلَها, ووقف فيها كتبًا نفيسة ليس في الدنيا لها نظير، فكانت هذه المدرسة جمالًا لبغداد وسائر البلاد, فكان المستنصرُ رحمه الله كريمًا حليمًا رئيسًا متودِّدًا إلى الناس، حازمًا عادلًا، وفي أيامه عَمَرت بغداد عمارة عظيمة. قال ابن النجار: "نشر المستنصر بالله العدلَ، وبثَّ المعروف، وقَرَّب العلماء والصلحاء، وبنى المساجد والمدارس والربط، ودور الضيافة والمارستانات، وأجرى العطيَّات، وقمع المتمَرِّدة، وحمل الناسَ على أقوَمِ سَنَن، وعمر طرق الحاجِّ، وعمر بالحرمين دورًا للمرضى، وبعث إليها الأدوية, ثم قام بأمر الجهاد أحسن قيام، وجمع العساكر، وقمع الطغام، وبذل الأموال، وحَفِظَ الثغور، وافتتح الحصون، وأطاعه الملوك, وبيعت كتبُ العلم في أيامه بأغلى الأثمان لرغبته فيها، ولوقفها, وَخَطَه الشيب، فخضب بالحناء، ثم تركه, قلت (الذهبي): (كانت دولته جيدة التمكن، وفيه عدلٌ في الجملة، ووقع في النفوس) استجد عسكرًا كثيرًا لَمَّا علم بظهور التتار، بحيث إنه يقال: بلغ عدَّةُ عَسكَرِه مائة ألف، وكان يُخطَبُ له بالأندلس والبلاد البعيدة, وبلغ غلَّة وقف المستنصرية مرة نيفًا وسبعين ألف دينار في العام، واتفق له أنه لم يكن في أيامه معه سلطان يحكُم عليه، بل ملوك الأطراف خاضعون له، وفكرهم منشغلٌ بأمر التتار". توفي يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة، وكُتِم موتُه حتى كان الدعاء له على المنابر ذلك اليوم، وكانت مدة ولايته ست عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوما، ودُفِنَ بدار الخلافة، ثم نُقِلَ إلى الترب من الرصافة، بويع لابنه المستعصم بالله بعد صلاة الجمعة.