أرسل الإمامُ سعود بن عبد العزيز إلى عمان عبدَ الله بن مزروع صاحِبَ
منفوحة وعِدَّةَ رجال من أهل نجد، وأمرهم بنزولِ قصر البريمي المعروف في عمان وإحصانه، ثمَّ إن سعودًا بعث بعده إلى عُمان مطلق المطيري بجيش من أهل نجد، وأمرَ أهل عمان بالاجتماع عليه والقتال معه، فاجتمع عليه مقاتِلةُ أهل عمان مع ما معه من أهل نجد، فقاتل أهل الباطنة سحار ونواحيها ومن تبعهم، ورئيسُهم يومئذ عزان بن قيس، وقاتلوا سعيدَ بن سلطان صاحِبَ مسقط، ودام القتالُ بينهم، وقُتِل من عسكر عزان مقتلة عظيمة، قيل بلغ عدد القتلى خمسمائة رجل، ثم اجتمع مع مطلق المطيري جميعُ من هو في رعية الإمام سعود من أهل عُمان، فنازل أهل سحار بألوف من المقاتِلة، ودخلت سنة 1225 هـ وهم على ذلك يقاتلون ويغنمون، وأخذ مطلق ومن معه قرًى كثيرة من نواحي سحار من أهل الباطنة، وبايع غالبُهم على دين الله ورسوله والسمع والطاعة، ولم يبقَ محارب إلا مسقط ونواحيها، مملكة سعيد بن سلطان وما تحت ولاية عزان من سحار، وغنموا منها غنائم كثيرة وبعثوا بالأخماس إلى سعود في الدرعية.
مع ما تمتَّع به الإخوانُ (إخوان من أطاع الله) من بسالةٍ وبطشٍ بالأعداء ورغبةٍ في الجهادِ، لكن بدا منهم جفاءٌ وغلظة مع من يخالِفُهم في طريقتِهم من الحضَرِ عُمومًا، والبدو خصوصًا، ممَّن لم يلحَقْ بهم في الهِجَر، وصاروا يتهمونَهم بالضلالِ، وربما رموهم بالكُفرِ، فانتشر من جرَّاءِ هذا الأمر الفوضى في البلادِ، وكاد ينقَطِعُ حبل الأمن والسلام، فعقد السلطان عبد العزيز ابن سعود مؤتمرًا في الرياض في هذا العام للنظرِ فيما استحدث الإخوانُ مِن تُهَمٍ وأحكامٍ حَضَره كبارُ الرؤساء والعلماء وقرَّروا بعد البحث ستة أمور:
1- الكُفرُ لا يُطلَقُ على بادية المسلمين الثابتين على دينهم.
2- لا تفاوُتَ بين لابسِ العقال ولابسِ العمامة إذا كان معتقَدُهم واحدًا.
3- لا فرقَ بين الحضر الأولينَ والمهاجرين الآخرين.
4- لا فرقَ بين ذبيحةِ البدوي الذي في ولايةِ المسلمين، ودَربُه دَربُهم، ومُعتقدُه مُعتقدُهم، وبين ذبيحةِ الحضر الأولين والمهاجرين.
5- لا حَقَّ للمهاجرين أن يعتدُوا على النَّاسِ الذين لم يُهاجِروا؛ كأن يضربوهم، أو يتهدَّدوهم، أو يُلزِموهم بالهِجرةِ.
6- لا يحِقُّ لأحدٍ أن يهجُرَ أحدًا بدويًّا كان أو حضريًّا بغيرِ أمرٍ واضحٍ، وكُفرٍ صَريحٍ، وبدون إذنٍ مِن وليِّ الأمرِ أو الحاكِمِ الشرعيِّ.
وُلِدَ تورجوت أوزال عام 1346هـ، وهو الذي أسَّس حزبَ الوطن الأم في تركيا، وذلك عندما بدأت الحياة السِّياسية تعود للبلاد تدريجيًّا، وكان أوزال يتمتَّع بخبرةٍ عاليةٍ في الشؤون الاقتصادية والسياسية، وكان مرشحًا لحزب السلامة الوطني عن ولاية "أزمير"، وكان يُقال عنه: إنه سفيرُ الغرب في بلاده، ورغم ذلك فإنَّ الحركة الإسلامية في عهده -سواءٌ كان في رئاسة الوزراء، أو في رئاسة الجمهورية- كانت تتمتَّع بحرية أكبَرَ، واحتلَّت مساحةً أكبَر في السياسة والشارع التركي، فدعمَ المدارسَ التي تُخرِّج الأئمةَ والخطباءَ؛ لتصلَ نسبةُ خريجيها إلى 20% من خريجي المدارس المتوسِّطة، كما سمَح بالدعوة الإسلامية في الإذاعة والتلفزيون، وسمَح للفتيات بارتداء الحجاب، بعد أنْ كان محرَّمًا قبل ذلك، وسمَح بقيام مؤسَّسات الأوقاف، كما سمَحت السياسات الاقتصادية التي تبنَّاها بوجود شركات ومشروعات إسلامية، وسمَح بنشاط رابطةِ العالمِ الإسلامي في تركيا، وقد تولَّى أوزال رئاسةَ الجمهورية في ربيعٍ الثاني 1410هـ، وتولَّى في عهده "حزب الرفاه" بقيادة أربكان عامَ (1403هـ = 1983م)، تُوفيَ أوزال بأزمة قلبيَّة مفاجِئة في 24 شوال 1413هـ، قبلَ أنْ يُكمِل فَترة رئاسته، وتولَّى الحُكم بعدَه الرئيس سليمان ديميريل.
ظهر عبدُ الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، على مسرحِ الأحداث التاريخية في نجدٍ بعد غزوة البياض التي رافق فيها خالدُ بن سعود ضِدَّ آل شامر من هذه السنة. وكان خالد بن سعود حريصًا على مراقبةِ تحرُّكات عبد الله بن ثنيان؛ لأنه ظَلَّ يشُكُّ في نواياه تجاهه. وعندما قرر خالد بن سعود التوجُّهَ إلى بلدة الشنانة ليودِّعَ خورشيد باشا الذي قرَّر الرحيل إلى مصر بعد معاهدة لندن في 1256هـ، طلب خالد من ابن ثنيان أن يرافِقَه فتعَلَّل ابن ثنيان بالمرضِ، وعندما غادر خالد الرياض انسَلَّ ابن ثنيان وذهب إلى قبائل المنتفق في جنوبي العراق، والتجأ إلى رئيسِها عيسى بن محمد السعدون، وظلَّ هناك عدة أسابيع دارت خلالها مراسلاتٌ بينه وبين خالد بن سعود، وكان من أهَمِّ ما توصل إليه الطرفان أن يعود ابن ثنيان إلى الرياض مكرَّمًا ويُعطى أمانًا. ولما عاد ابن ثنيان إلى الرياض شَكَّ قبل أن يدخُلَها في نوايا خالد بن سعود تجاهَه، فتوجه إلى الجنوب عند قبيلة سبيع، فساعده رئيسُها راشد بن جفران، وأهالي الجنوب في الحوطة والحلوة والحريق وغيرها، ومن هناك أعلن ابنُ ثنيان رفْضَه لحكم خالد بن سعود الذي كان يعمل باسمِ محمد علي باشا فعليًّا وباسمِه هو ظاهريًّا. وظل ابن ثنيان مؤمِنًا بضرورة عودةِ الحكم السعودي رافِضًا التبعيَّةَ السياسية لسيادة محمد علي باشا، وساعده على ذلك أمران؛ الأولُ: تأييد غالبية أهالي نجد له؛ لأنه مُطالِبٌ شرعي بالحكم في غيابِ الإمام فيصل بن تركي، بالإضافةِ إلى تأييد علماء نجد له، والثاني: خروجُ قوات محمد علي باشا من الجزيرة العربية عَقِبَ توقيع معاهدة لندن عام 1256هـ، وهي المعاهدةُ التي نصَّت على أن حكم محمد علي باشا محصورٌ في ولاية مصر العثمانية فقط. فرأى النجديون أن تحرُّكَ ابن ثنيان ضِدَّ خالد بن سعود تجسيد لمبدأ الحكم الرافض للتبعيَّة السياسية للإدارة في مصر، وعدُّوا تحرُّكَه هذا تخليصًا لهم من حكم محمد علي باشا المفروض عليهم بالقوة. وقد أثبتت الحوادثُ التاريخية تدريجيًّا أن مقاومة خالد بن سعود للتيَّار الذي كان يقوده ابن ثنيان كانت مقاومةً واهية، بينما أخذ موقِفُ ابن ثنيان في النمو والتأييد؛ لذا لم يصمد خالد بن سعود وأتباعه في وجهِ ابن ثنيان بعد انسحاب القوات المصرية من نجد، واضطر خالدٌ إلى الانسحاب شرقًا إلى الأحساء ومنها إلى الكويت، ثم توجَّه إلى مكة المكرمة حيث توفِّيَ فيها. تسلَّم ابن ثنيان حُكمَ نجد ومَدَّ نفوذه إلى بلاد أخرى كانت تابعة للدولة السعودية الأولى، وذلك إحياءً لوجودها. لكِنَّ حُكمَه لم يدم طويلًا بعد أن عاد الإمامُ فيصل بن تركي سنة 1259 هـ من منفاه في مصر إلى الرياضِ؛ لأنه كان الإمامَ الشرعيَّ المبايَع. أمسك فيصلُ بن تركي بعبد الله بن ثنيان بعد مقاومةِ الأخير له، فحبسه في السجنِ، وتوفِّيَ فيه، وصلى عليه الإمامُ فيصل، ودُفِنَ في مقابر العود.
هو أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن سبعين، القرشي، المخزومي، بن قطب الدين المقدسي الصوفي الرقوطي، نسبة إلى رقوطة بلدة قريبة من مرسية بالأندلس. المشهور بابن سبعين، ولِدَ سنة أربع عشرة وستمائة، واشتغل بعلم الأوائل والفلسفة، فتولَّدَ له من ذلك نوع من الإلحاد، وصنَّفَ فيه، وكان يعرف السيميا، وكان يلَبِّسُ بذلك على الأغبياء من الأمراء والأغنياء، ويزعُمُ أنه حال من أحوال القوم، وله المصنفات منها كتاب البدوي، وكتاب الهو، رسالة النصيحة النورية، عهد ابن سبعين، الإحاطة، الرسالة الفقيرية، الحكم والمواعظ، الرسالة القبرصية, وقد أقام بمكة واستحوذ على عقل صاحبها أبي نمي بن أبي سعد. وشاع صيتُه وكثر أتباعه بين أهل مكة بسبب سخائه وعِلمِه، وقد ظل ابن سبعين في مكَّة حتى توفي به، وجاور في بعض الأوقاتِ بغار حراء يرتجي فيما يُنقَلُ عنه أن يأتيه فيه وحيٌ، كما أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم!! بناء على ما يعتقده من العقيدة الفاسدة من أن النبوة مكتسبة، وأنها فيض يفيض على العقل إذا صفا، فما حصل له إلا الخزي في الدنيا والآخرة، إن كان مات على ذلك, وقد كان إذا رأى ابن سبعين الطائفينَ حول البيت يقول عنهم كأنهم الحميرُ حول المدار، وأنهم لو طافوا به كان أفضَلَ من طوافهم بالبيتِ، وقد نُقِلَت عنه عظائم من الأقوال والأفعال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فصار بعضُهم يرى أن باب النبوة مفتوح لا يمكن إغلاقُه فيقول كما كان ابن سبعين يقول: "لقد زرَّب ابن آمنة حيث قال: لا نبي بعدي" أو يرى لكونه أشد تعظيمًا للشريعة أن باب النبوة قد أغلق فيدعي أن الولاية أعظم من النبوة، وأن خاتم الأولياء أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن خاتم الأنبياء بل وجميع الأنبياء إنما يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء!! ويقول إنه يوافق النبي في معرفة الشريعة العملية؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه فلا بد أن يراه هكذا، وإنه أعلم من النبي بالحقائق العلمية؛ لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول!! وهذا بناء على أصول هؤلاء الفلاسفة الكفار الذين هم أكفر من اليهود والنصارى". وقال شيخ الإسلام: "ابن سبعين أحد أئمة الاتحادية ومحققيهم وأذكيائهم، أنه قال عن كلام ابن عربي: "فلسفة مخموجة" وكلامه هو أدخل في الفلسفة وأبعد عن الإسلام، ولا ريب أن هؤلاء من جنس الملاحدة الباطنية القرامطة، وهؤلاء الفلاسفة مشتركون في الضلال ومذاهب هؤلاء الفلاسفة في الإلهيات من أشد المذاهب اضطرابًا وتناقضًا وقولًا لا حقيقة له، فلما كان مذهبهم المقارنة التي هي في الحقيقة تعطيل الصنع والخلق والإبداع وإن كانوا يدَّعون أنهم يثبتون واجبًا غير العالم، فهذا دعواهم، وإلا ففي الحقيقة يلزمهم ألا يكون ثَمَّ واجِبُ الوجود غير العالم، وهذا حقيقة قول الاتحادية وهو الذي أظهره إمام هؤلاء فرعون؛ فإن الاتحادية تنتحله وتعظمه والباطنية تنتحله وتعظمه وهو على مقتضى أصول الفلاسفة الصابئة المشركين الذين هم من أعظم الناس إيمانًا بالجبت والطاغوت" قال الذهبي: "كان ابن سبعين صوفيًّا على قاعدة زهاد الفلاسفة وتصوفهم، وله كلام كثير في العرفان على طريق الاتحاد والزندقة, وقد ذكرنا محط هؤلاء الجنس في ترجمة " ابن الفارض "، و " ابن العربي " وغيرهما. فيا حسرة على العباد كيف لا يغضبون لله تعالى ولا يقومون في الذبِّ عن معبودهم، تبارك اسمُه وتقدست في ذاته، عن أن يمتزج بخَلقِه أو يحِلَّ فيهم, وتعالى الله عن أن يكون هو عينَ السموات والأرض وما بينهما, فإن هذا الكلام شر من مقالة من قال بقدم العالم، ومن عرف هؤلاء الباطنية عذرني، أو هو زنديق مبطن للاتحاد يذب عن الاتحادية والحلولية، ومن لم يعرفهم فالله يثيبه على حسن قصده. وينبغي للمرء أن يكون غضَبُه لربه إذا انتُهِكَت حرماته أكثَرَ من غضبه لفقير غير معصوم من الزَّلَل. فكيف بفقير يحتمل أن يكون في الباطن كافرًا، مع أنا لا نشهد على أعيان هؤلاء بإيمان ولا كفر لجواز توبتهم قبل الموت. وأمرهم مُشكِل وحسابُهم على الله, وأما مقالاتهم فلا ريب في أنها شر من الشرك، فيا أخي ويا حبيبي أعطِ القوس باريَها ودعني ومعرفتي بذلك، فإنني أخاف الله أن يعذبني على سكوتي، كما أخاف أن يعذبني على الكلام في أوليائه. وأنا لو قلت لرجل مسلم: يا كافر، لقد بؤتُ بالكفر، فكيف لو قلتُه لرجل صالح أو ولي لله تعالى؟ " توفي ابن سبعين في الثامن والعشرين من شوال بمكة.
أقدمت الدولةُ العثمانيةُ على إلغاء حامية الانكشارية في الجزائر، وكان في هذه الحامية حوالي 34 ألفَ انكشاريٍّ. وكانت فِرَق الانكشاريَّة من أكثَرِ الفِرَقِ انضباطًا وقتالًا في الجَيشِ العثماني، لكِنْ تورُّط قادتِها في السياسةِ بعد ذلك أثَّرَ على مستواهم العسكريِّ؛ ممَّا أدى إلى إلغائِها.
هو أميرُ المؤمنين، الناصِرُ لدينِ الله، أبو المطرِّف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل عبد الرحمن، كان أبوه محمَّدٌ وَلِي عَهْد والده عبد الله بن محمد، فقَتَله أخوه أبو القاسِمِ المطرِّف، فقَتَله أبوهما به. ولَمَّا قُتِلَ محمد، كان لابنِه عبد الرحمن عشرونَ يومًا. ووليَ الخلافةَ بعد جَدِّه عبد الله. قال ابن حزم: "كانت خلافتُه من المُستطرَف؛ لأنَّه كان شابًّا، وبالحَضرةِ جماعةٌ مِن أعمامه، وأعمامِ أبيه، فلم يعتَرِضْ معترِضٌ عليه. واستمَرَّ له الأمر وكان شهمًا صارِمًا ". نظر أهلُ الحَلِّ والعقدِ مَن يقومُ بأمرِ الإسلام، فما وجدوا في شبابِ بني أميَّةَ مَن يَصلُحُ للأمرِ إلَّا عبدُالرحمن بن محمد، فبايعوه، وطلب منهم المالَ فلم يَجِدْه، وطلب العُدَدَ فلم يجِدْها، فلم يزَل السَّعدُ يخدُمُه إلى أن سار بنَفسِه لابن حفصون، فوجده مجتازًا لوادي التُّفاح، ومعه أكثَرُ من عشرين ألف فارس, فهزمه وأفلت ابنُ حفصون في نفرٍ يسيرٍ، فتحصَّنَ بحِصن مبشر. ولم يزل عبدُ الرحمن يغزو حتى أقام العَوَج، ومهَّدَ البلاد، ووضع العدلَ، وكثُرَ الأمنُ، ثم بعث جيشًا إلى المغرب، فغزا سجلماسة، وجميعَ بلاد القبلة، وقتَلَ ابنَ حفصون. ولم تزَلْ كلمته نافذةً, وصارت الأندلسُ أقوى ما كانت وأحسَنَها حالًا، وصَفا وجهُه للروم، وشَنَّ الغاراتِ على العدُوِّ، وغزا بنَفسِه بلادَ الروم اثنتي عشرة غزوةً، ودوخَّهم، ووضع عليهم الخَراجَ، ودانت له ملوكُها، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجلٍ يصنعون في بناء الزهراءِ التي أقامها لسُكناه على فرسخ من قُرطُبة. كلُّ مَن تقدَّمَ مِن آباءِ عبد الرحمن لم يتسَمَّ أحَدٌ منهم بإمرةِ المؤمنين، وإنما كانوا يُخاطَبونَ بالإمارة فقط، وفعل مِثلَهم عبدُ الرحمن إلى السَّنَةِ السابعة والعشرين مِن ولايته، وكان قد تلقَّبَ بأمير المؤمنين لما رأى مِن ضَعفِ الخلافةِ في بغداد, وظهورِ الشِّيعةِ العُبَيدية بالقيروان وادِّعائِهم لقبَ الخلافة، وما آلت إليه البلادُ مِن التفرُّقِ والتشَتُّت، فرأى أنَّه أحَقُّ بإمرةِ المؤمنين فتسمَّى بأمير المؤمنين وخليفةِ المُسلِمين سنة 316، ولم يزَلْ منذ وليَ الأندلسَ يستنزِلُ المتغلِّبينَ حتى صارت المملكةُ كُلُّها في طاعته، وأكثَرُ بلادِ العدوة، وأخاف ملوكَ الطوائف حوله. قال عبدُ الواحد المراكشي: " اتَّسَعت مملكة الناصر، وحَكَم على أقطار الأندلس، ومَلَك طنجةَ وسبتة وغيرَهما من بلاد العدوة، وكانت أيامُه كلُّها حروبًا, وعاش المسلمون في آثارِه الحميدة آمنينَ ". وقد ابتدأ الناصِرُ ببناء مدينة الزهراء في أوَّلِ سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فكان يَقسِمُ دَخْلَ مملكتِه أثلاثًا: فثُلُثٌ يرصُدُه للجند، وثلُثٌ يدَّخِرُه في بيتِ المال، وثُلُثٌ ينفقه في الزهراء, وكان دخَلُ الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألفًا، ومن السوق والمُستخلَص سبعمائة ألف دينار وخمسة وستون ألفًا. ويقال: إنَّ بناء الزهراء أُكمِلَ في اثنتي عشرة سنة، بألفِ بنَّاءٍ في اليومِ، مع البنَّاءِ اثنا عشر فاعلًا. حكى أبو الحسن الصفار: " أنَّ يوسف بن تاشفين مَلِكَ المغرب لَمَّا دخل الزهراء، وقد خَرِبَت بالنيران والهَدْمِ، من تسعين سنةً قبل دخولِه إليها، وقد نقل أكثَر ما فيها إلى قُرطُبة وإشبيليَّة، ونظر آثارًا تَشهَدُ على محاسنها، فقال: الذي بنى هذه كان سفيهًا. فقال أبو مروان بن سراج: كيف يكونُ سفيهًا وإحدى كرائمِه أخرجت مالًا في فداءِ أُسارى في أيَّامِه، فلم يوجَدْ ببلادِ الأندلسِ أسيرٌ يُفدَى ". وقد افتتح سبعينَ حِصنًا -رحمه الله. بدأ عبدَ الرَّحمنِ الناصرَ المرَضُ وبقي فترةً على ذلك، إلى أن توفِّيَ في هذه السنة في صدر رمضان، فكانت إمارتُه خمسين سنة وستة أشهر، ثم خَلَفه ابنُه الحكمُ الذي تلقَّبَ بالمُستنصِر.
لَمَّا كان مِن أمْرِ انتهاءِ دَولةِ الأغالِبةِ واستحواذِ أبي عبدالله الشيعيِّ على البلادِ، واستقَرَّت له القيروانُ ورقادة، سار إلى سجلماسة، وكان المهديُّ وابنه أبو القاسم محبوسينِ عند اليسَع بن المدرار أميرِ سجلماسة، فلاطفه أبو عبدِالله ليُخَلِّصَ المهديَّ منه دون أذًى، وكان المهدي قد حاول الحضورَ إلى المغربِ بعد أن راسله أبو عبدالله بما فتح من البلادِ وغلبَ، وأن الأمرَ قد استتَبَّ له فلْيَحضُرْ، ولكنَّه قُبِضَ عليه في الطريقِ وأُسِرَ حتى صار أمرُه عند اليسَع بن مدرار أميرِ الخوارج الصفريَّة، لكنَّ اليسع لم يتلطَّفْ له بل حاربه، ثمَّ لَمَّا أحس بقوة أبي عبدالله الشيعي هرب من الحِصنِ فدخله أبو عبدالله وأخرج المهديَّ منه واستخرجَ ولَدَه، فأركَبَهما، ومشى هو ورؤساءُ القبائِلِ بين أيديهما، وأبو عبد الله يقول للنَّاسِ: هذا مولاكم، (وهو يبكي) من شِدَّةِ الفَرَح، حتى وصل إلى فسطاطٍ قد ضُرِبَ له فنزل فيه، وأمر بطَلَبِ اليسع (فطُلِبَ)، فأُدرِكَ، فأُخِذَ وضُرِبَ بالسِّياطِ ثمَّ قُتِل.
كان آخِرَ مَن تولَّى من أمراء الأغالبةِ زيادةُ الله الثالثُ الذي قتل أباه وتولى بعده عام 290، لكنَّه كان منصرفًا إلى اللَّهوِ والمُجون، فقويَ أمرُ أبي عبدالله الشيعي الحُسَين بن أحمد بن زكريَّا الصنعاني الذي رحل إلى المغربِ بعد أن مهَّدَ له الطريقَ والدَّعوةَ فيها رجلانِ قبله، وكان بينه وبين بني الأغلَبِ حروبٌ، وكان الأحولُ بنُ إبراهيم الثاني الأغلبي- عمُّ زيادةِ الله- لأبي عبدالله الشيعي بالمرصاد, ولكِنَّ زيادةَ اللهِ قتَلَ عَمَّه الأحول، فقَوِيَ أمرُ أبي عبدالله الشيعي أكثَرَ، وجهرَ بالدَّعوةِ إلى المهدي، فلما أحس زيادةُ الله بالضَّعفِ آثَرَ الهروبَ، فجمع الأموالَ وهرب إلى مصرَ، ثم حاول دخولَ بغداد فلم يُؤذَنْ له، فرجع إلى مصر ووعدوه بأن يجمَعوا له الرجالَ والمالَ ليعودَ فيأخُذَ بثأره، فلما طال انتظارُه رحل إلى بيت المقدِسِ وسكن الرملة وتوفِّيَ فيها، فكانت مدَّةُ دولةِ الأغالبة مائةً واثنتي عشرة سنة.
أقدم السلطان سليم الثالث على عَمَلِ إصلاحات داخلية من عام 1206, وأنشأ فرقةَ النظام الجديد الذي يُلغي دور الانكشارية الذين زاد شرُّهم في الفترة الأخيرة وتدَخُّلهم في كل شيء؛ مِمَّا أثار الجنود الانكشارية فقاموا بثورةٍ عُرِفت بثورة قباقجي وساندهم بعض الأعيان ضِدَّ النظام الجديد، وادَّعَوا أن الجيش الجديد كافرٌ؛ لأنه يرتدي البنطلون لبس الأوربيين بدلًا من الشالوار اللباس التقليدي؛ مما اضطر السلطان إلى أن يلغي النظام العسكري الجديد، ولكن ذلك لم ينفع؛ فإن الثورة الانكشارية بَقِيت على حالها ولم يرضَوا إلا بخلع السلطان، وقامت نكاية بالسلطان بقتل بعض أنصار هذه القرارات الإصلاحية في ميدان آت، ومنهم الدفتردار وكتخدا الدولة، ثم عزلوا السلطانَ سليم الثالث ونصبوا مكانه ابن عمه مصطفى الرابع الذي بات ألعوبةً في يدهم، ومع أنه ألغى كلَّ الإصلاحات التي أمر بها السلطانُ سليم الثالث وألغى كل المؤسَّسات التابعة له، لكنه لم يلبث كثيرًا حتى خلع هو أيضًا.
حاول العثمانيون عقدَ اتفاقٍ مع روسيا مماثلٍ لِما جرى بين إنكلترا وروسيا، ولكنَّه فَشِل واشتعلت نارُ الحرب بينهما، وهُزم العثمانيون واستولى الروسُ على بعض المواقع، وعُزِل الصدر الأعظم ضياء يوسف باشا وتولى مكانه أحمد باشا الذي انتصر على الروس، وأجلاهم عن المواقِعِ التي دخلوها، وساءت العلاقة بين فرنسا وروسيا، وكادت تقعُ الحرب بينهما، فطلبت روسيا الصلحَ مع الدولة العثمانية، وعقدت بين الطرفين مُعاهدة بوخارست التي نصَّت على بقاء الأفلاق والبغدان وبلاد الصرب تابعة للدولة العثمانية. وقد مكَّنَ الصُّلحُ السلطانَ محمود الثاني من القيام ببعض الإصلاحاتِ والقضاءِ على الثورات والتمَرُّد في الدولة، ولَمَّا عَلِم الصربيون بمعاهدة بوخارست، وإعادة خضوعهم للدولة العثمانية، قاموا بالثورة غيرَ أنَّ القوات العثمانية أخضعَتْهم بالقوة، وفَرَّ زعماء الثورة إلى النمسا، ولكِنَّ أحدهم وهو ثيودور فِتش أظهر الولاء للعثمانيين وخضع للسلطةِ العثمانية، وحصل على امتيازات خاصةٍ مِن الدولة.
رأى حِزبُ البعثِ العراقي أنَّه لا بدَّ من التخلص من رئيس العراق باغتيالِه، فاختاروا عشرة من المغامِرين ودرَّبوهم، وأعدَّ الحزبُ العُدَّةَ لتسلُّم السلطة بعد تنفيذ العملية، وقَطْع الطريق على الشيوعية، واتصل الزعماءُ البعثيون برئيس مجلس القيادة الفريق محمد نجيب الربيعي، ووافقهم على تسلُّم الرئاسة وتشكيل مجلس ثورة جديد بعد نجاح العملية، ثمَّ تقَرَّر التنفيذ في 5 ربيع الثاني 1379هـ / 7 أكتوبر، فقام المغامرون بالتنفيذ، ولكِنْ قُتِلَ السائق الخاص للرئيس ومُرافِقُه، وجُرِحَ الرئيسُ، وقُتِلَ من المغامرين عبد الوهاب الغريري برصاصِ رفاقِه، وجُرِح صدام حسين التكريتي، وسمير نجم، ثم استطاع رئيسُ الأركان أحمد صالح ضَبْطَ الأمور، وتم إلقاء القبض على المغامرين إلا صدام حسين؛ فإنه هرب وقُدِّموا للمحاكمة، وأُصدِرَ حُكمُ القتل فيهم، لكِنَّه لم يصدق وخرجوا من السجن بعد زوال حُكمِ عبد الكريم قاسم.
كان عارف عبد الرزاق (ناصريُّ التوجُّه) قد حاول الانقلابَ على رئيس العراقِ عبد الرحمن عارف الجميلي في جمادى الأولى 1385هـ / 16 أيلول بالاشتراكِ مع عددٍ من كِبار الضبَّاط العراقيِّين، وبدعمٍ مِن المخابراتِ السُّوريَّةِ؛ لِقَلبِ نظامِ الحُكمِ في العراق, ففَشِلَ وهرب إلى مصرَ، ثم تسَلَّل من مصرَ إلى بغدادَ مع بعض الأشخاص، وفي 11 ربيع الأول من هذا العامِ استولى على المطارِ العسكريِّ بالموصل، وهاجمت الطائراتُ الحرسَ الجُمهوريَّ والإذاعةَ ببغداد، ولكِنَّ الهجومَ الجويَّ فَشِل، وتحرَّكت المدرَّعات إلى العاصمة؛ للاستيلاءِ عليها، وأُذيعَ نجاحُ الانقلابِ، ولكِنَّ محطَّةَ إذاعةٍ حكوميةٍ أذاعت فَشَلَ الانقلابِ واستسلامَ المتمَرِّدين، وقام رئيسُ الحرس الجمهوري العقيدُ بشير طالب بهجومٍ مُعاكسٍ ضِدَّ المتمَرِّدين، وأمر الرئيسُ الشُّرطةَ المواليةَ له في الموصل بالقَبضِ على عارف عبد الرزاق فاعتُقِل، وسيطرت الحكومةُ على المطار، وانتهى أمرُ الانقلابِ الذي لم يدُمْ أكثَرَ من يومين، وسُجِن عارف عبد الرزاق.
صالَحَ السلطان محمد الفاتح البنادقة وانهزم أمام المجر عندما سار لفتح ترانسلفانيا، ولكنه في البحر فتح الجزر التي بين اليونان وإيطاليا كما فتح مدينة أوترانتو في جنوبي شبه جزيرة إيطاليا، وحاصر أيضًا جزيرة رودوس، لكن لم يتمكن من فتحها، وكل ذلك كان في هذا العام.
هو شيخُ الإسلام أسعد أفندي بن أبي إسحاق إسماعيل أفندي، رئيسُ المشيخة في الدولة العثمانية. وكان قد تولَّى المشيخة في رجب 1161هـ، ولكنَّه لم يستمر في منصبه طويلًا. وللشيخ مؤلَّفات وبحوث في اللغة التركية، من أشهرها: معجم تركي بعنوان: "لهجة اللغات".