الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2508 ). زمن البحث بالثانية ( 0.013 )

العام الهجري : 137 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 755
تفاصيل الحدث:

هو الأمير أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم بن عثمان بن يسار، بن شذوس بن جودرن من ولد بزرجمهر بن البختكان الخراساني الفارسي صاحب الدعوة، وهازم جيوش الدولة الأموية، والقائم بإنشاء الدولة العباسية. وقيل كان اسمه إبراهيم بن عثمان بن يسار غيره بطلب من الإمام إبراهيم بن محمد لمزيد من التخفي. قال الذهبي: "كان أبو مسلم من أكبر الملوك في الإسلام، كان ذا شأن عجيب، ونبأ غريب، من رجل يذهب على حمار بإكاف من الشام حتى يدخل خراسان، ثم يملك خراسان بعد تسعة أعوام، ويعود بكتائب أمثال الجبال، ويقلب دولة، ويقيم دولة أخرى! كان قصيرا، أسمرا، جميلا، حلوا، نقي البشرة، أحور العين، عريض الجبهة، حسن اللحية، طويل الشعر، طويل الظهر، خافض الصوت، فصيحا بالعربية وبالفارسية، حلو المنطق، وكان لا يكاد يقطب في شيء من أحواله، تأتيه الفتوحات العظام، فلا يظهر عليه أثر السرور، وتنزل به الفادحة الشديدة، فلا يرى مكتئبا, وكان إذا غضب، لم يستفزه الغضب, وكان لا يأتي النساء في العام إلا مرة واحدة، يشير إلى شرف نفسه وتشاغلها بأعباء الملك". كان مولده بأصبهان سنة 100, وضعته أمه يتيما فنشأ عند عيسى بن معقل، فلما ترعرع اختلف مع ولده إلى المكتب، فخرج أديباً لبيباً يشار إليه من صغره, وكان راوية للشعر، عارفا بالأمور، لم ير ضاحكا ولا مازحا إلا في وقته. كان بدء أمر أبي مسلم أنه قدم الكوفة جماعة من نقباء العباسيين، فصادفوا أبا مسلم، فأعجبهم عقله ومعرفته وكلامه وأدبه، ومال هو إليهم ثم عرف أمرهم وأنهم دعاة، ثم خرج معهم إلى مكة، فأهدوه للإمام إبراهيم بن محمد، فأُعجب به وبمنطقه وعقله وأدبه، وقال لهم: هذا عضلة من العضل. وأقام أبو مسلم عند الإمام إبراهيم يخدمه حضراً وسفراً. ثم إن النقباء عادوا إلى الإمام إبراهيم وسألوه رجلاً يقوم بأمر خراسان، فقال: إني قد جربت هذا الأصبهاني وعرفت ظاهره وباطنه فوجدته حجر الأرض، ثم دعا أبا مسلم وكان عمره ثمان عشر سنة وقلده الأمر وأرسله إلى خراسان, فأخذ يدعو الناس إلى رجل من بني هاشم وأقام على ذلك سنين, وبعد مقتل الإمام إبراهيم بن علي صار أبو مسلم يدعو الناس إلى أبي العباس عبد الله بن محمد الملقب السفاح. حتى مكن للعباسيين وقضى على الأمويين في الشرق وكان سفاكا للدماء قال ابن خلكان: "قتل أبو مسلم في دولته ستمائة ألف صبراً. قيل لعبد الله بن المبارك: أبو مسلم خير أو الحجاج قال: لا أقول إن أبا مسلم خيراً من أحد، ولكن الحجاج كان شراً منه", وقال الذهبي: "كان أبو مسلم سفاكا للدماء، يزيد على الحجاج في ذلك، وهو أول من سن للعباسيين لبس السواد, وكان بلاء عظيما على عرب خراسان، فإنه أبادهم بحد السيف". قال أحمد بن سيار: حدثنا الحسن بن رشيد العنبري، سمعت يزيد النحوي يقول: "أتاني إبراهيم بن إسماعيل الصائغ، فقال لي: ما ترى ما يعمل هذا الطاغية، إن الناس معه في سعة، غيرنا أهل العلم؟ قلت: لو علمت أنه يصنع بي إحدى الخصلتين لفعلت، إن أمرت ونهيت يقيل أو يقتل، ولكني أخاف أن يبسط علينا العذاب، وأنا شيخ كبير، لا صبر لي على السياط. فقال الصائغ: لكني لا أنتهي عنه. فذهب، فدخل عليه، فأمره ونهاه، فقتله" وكان أبو مسلم يجتمع قبل أن يعلن بدعوة العباسيين بإبراهيم الصائغ، ويعده بإقامة الحق, فلما ظهر وبسط يده، دخل عليه، فوعظه فقتله". لما خشي المنصور من خطر أبي مسلم على دولته قرر التخلص منه, وكان المنصورُ قد غضِبَ عليه لعدَّةِ أمورٍ؛ منها: أنَّه تقدَّمَ عليه في الحجِّ، وأكثَرَ مِن النفقةِ حتى قيل فيه ما قيل، ثم إنَّه خافه بعد أن صار أمرُه في خراسان قويًّا، فبعد أن هزمَ أبو مسلم جيش عبد الله بن علي، أمَرَه المنصور بالعودةِ إليه فأبى، فاحتال له أنَّه يوليه الشامَ ومصرَ فأبى عليه كلَّ ذلك، وأرسل له رسلًا وكُتُبًا، كلُّ ذلك وهو يأبى الرجوعَ؛ حيثُ شعر أنَّ هناك مكيدةً، ومن ذلك أن المنصور كاتب أبا مسلم ليقدم عليه، فكتب إليه أبو مسلم: "إنه لم يبق لك عدو إلا أمكنك الله منه، وقد كنا نروي عن ملوك آل ساسان: إن أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء، فنحن نافرون من قربك، حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت، فإن أرضاك ذلك، فأنا كأحسن عبيدك، وإن أبيت نقضت ما أبرمت من عهدك، ضنا بنفسي، والسلام" فرد عليه الجواب يطمئنه ويمنيه، وكان المنصور داهية وقته، ثمَّ لَمَّا جاءه الخبَرُ أن المنصورَ سيقاتِلُه بنفسه إن أبى الرجوعَ إليه، عاد، وقيل: إنَّه قيل له أن يقتُلَ المنصور قبل أن يقتُلَه، لكنَّ المنصور احتال عليه وأمرَ بعضَهم بالاختباءِ وراء الستورِ، فإذا صفق بيده انقضُّوا عليه، فدعاه المنصور على غدائِه وعاتبه على أفعالِه، وكل ذلك يعتذِرُ أبو مسلم ويقَبِّلُ يدَه، ولكنه لم يرضَ عنه حتى صفق بيدِه، فخرجوا وقتلوه، فكانت تلك نهايةَ أبي مسلم الخراساني، الذي كان له الأثَرُ الكبيرُ في توطيدِ دعائمِ الدَّعوة العباسيَّة. قتله المنصور وله من العمر سبع وثلاثون سنة. قال الذهبي: " فرحنا بمصير الأمر إلى بني العباس، ولكن والله ساءنا ما جرى؛ لما جرى من سيول الدماء، والسبي، والنهب فإنا لله وإنا إليه راجعون فالدولة الظالمة مع الأمن وحقن الدماء، ولا دولة عادلة تنتهك دونها المحارم، وأنى لها العدل؟ بل أتت دولة أعجمية خراسانية جبارة، ما أشبه الليلة بالبارحة " وقال: "وقد كان بعض الزنادقة، والطغام من التناسخية، اعتقدوا أن الباري سبحانه وتعالى حل في أبي مسلم الخراساني المقتول، عندما رأوا من تجبره، واستيلائه على الممالك، وسفكه للدماء، فأخبار هذا الطاغية يطول شرحها". لما قُتل أبو مسلم الخرساني، خرج بخراسان سنباذ للطلب بثأر أبي مسلم، وكان سنباذ مجوسيا، فغلب على نيسابور والري، وظفر بخزائن أبي مسلم، واستفحل أمره, فجهز المنصور لحربه جمهور بن مرار العجلي، في عشرة آلاف فارس، فانهزم سنباذ، وقتل من عسكره نحو من ستين ألفا، وعامتهم كانوا من أهل الجبال، فسبيت ذراريهم، ثم قتل سنباذ بأرض طبرستان.

العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716
تفاصيل الحدث:

كان سُليمان بن عبدِ الملك كُلَّما فَتَح قُتيبةُ بن مُسلِم فَتْحًا في عَهدِ الوَليد يقول لِيَزيد بن المُهَلَّب: ألا تَرَى إلى ما يَفتَح الله على قُتيبَة؟ فيقول يَزيدُ: ما فَعَلَت جُرجان التي قَطَعَت الطَّريقَ، وأَفْسَدت قُومِس ونَيْسابور. ويقول أَيضًا: هذه الفُتوح لَيسَت بِشَيءٍ، الشَّأنُ هي جُرجان. فلمَّا وَلَّاهُ سُليمانُ خُراسانَ لم يكن لِيَزيد هِمَّة غَير جُرجان، فسار إليها في مائةِ ألف مِن أَهلِ الشَّام والعِراق وخُراسان سِوَى المَوالِي والمُتَطَوِّعَة، ولم تكُن جُرجان يَومئذٍ مَدينَة إنَّما هي جِبالُ ومَخارِم وأَبواب يقوم الرَّجُلُ على بابٍ منها فلا يُقْدِم عليه أَحَدٌ. فابْتَدَأَ بقُهِسْتان فحاصَرَها، وكان ذلك، فإذا هُزِمُوا دَخَلوا الحِصْنَ. فخَرَجوا ذات يَومٍ وخَرَج إليهم النَّاسُ فاقْتَتَلوا قِتالًا شديدًا، فحَمَل محمَّدُ بن سَبْرَة على تُرْكِيٍّ قد صَدَّ النَّاسَ عنه فاخْتَلَفا ضَرْبَتينِ، فثَبُتَ سَيفُ الترُّكي في بَيْضَة ابنِ أبي سَبْرَة، وضَرَبَه ابنُ أبي سَبْرَة فقَتَلَه، ورَجَع وسَيفُه يَقطُر دَمًا وسَيفُ الترُّكي في بَيْضَتِه، فنَظَر النَّاسُ إلى أَحسَن مَنظَرٍ رَأَوْهُ. وخَرَج يَزيدُ بعدَ ذلك يَومًا يَنظُر مَكانًا يَدخُل منه عليهم، وكان في أربعمائة مِن وُجوهِ النَّاسِ وفُرسانِهم، فلم يَشعروا حتَّى هَجَم عليهم التُّركُ في نحو أربعةِ آلاف فقاتَلوهُم ساعَة، وقاتَلَ يَزيدُ قِتالًا شديدًا، فسَلِمُوا وانْصَرَفوا، وكانوا قد عَطِشُوا، فانْتَهوا إلى الماءِ فشَرِبوا، ورَجَع عنهم العَدُوُّ. ثمَّ إنَّ يَزيدَ أَلَحَّ عليهم في القِتال وقَطَع عنهم المَوادَّ حتَّى ضَعُفوا وعَجَزوا. فأَرسَل صُول دِهْقان قُهِسْتان إلى يَزيدَ يَطلُب منه أن يُصالِحَه ويُؤَمِّنَه على نَفسِه وأَهلِه ومالِه لِيَدفَع إليه المَدينَة بما فيها، فصالَحَه ووَفَّى له، ودَخَل المَدينَة فأَخَذ ما كان فيها مِن الأَموالِ والكُنوزِ والسَّبْيِ ما لا يُحصَى، وقَتَل أَربعةَ عَشر ألف تُرْكِي صَبْرًا، وكَتَب إلى سُليمان بن عبدِ الملك بذلك، ثمَّ خَرَج حتَّى أَتَى جُرجان، وكان أَهلُ جُرجان قد صالَحَهم سَعيدُ بن العاص، وكانوا يَجْبُون أَحيانًا مائة ألف، وأَحيانًا مائتي ألف، وأَحيانًا ثلاثمائة ألف، ورُبَّما أَعطوا ذلك ورُبَّما مَنَعوه، ثمَّ امْتَنَعوا وكَفَروا فلم يُعْطوا خَراجًا، ولم يَأْتِ جُرجانَ بعدَ سَعيدٍ أَحَدٌ ومَنَعوا ذلك الطَّريق، فلم يكُن يَسلُك طَريقَ خُراسان أَحَدٌ إلَّا على فارِس وكَرْمان. وبَقِيَ أَمرُ جُرجان كذلك حتَّى وَلِيَ يَزيدُ خُراسان وأَتاهُم فاسْتَقبَلوه بالصُّلْح وزادوه وهابوه، فأَجابَهم إلى ذلك وصالَحَهم. وقد أَصابَ يَزيدُ بجُرجان تاجًا فيه جَوْهَر، فقال: أَتَرَوْنَ أَحدًا يَزهَد في هذا؟ قالوا: لا. فدَعا محمَّد بن واسِع الأزدي فقال: خُذْ هذا التَّاجَ. قال: لا حاجَة لي فيه. قال: عَزَمْتُ عليك. فأَخَذه، فأَمَر يَزيدُ رَجُلًا يَنظُر ما يَصنَع به، فلَقِيَ سائِلًا فدَفَعَه إليه، فأَخَذ الرَّجُلَ السَّائِلَ وأَتَى به يَزيدَ وأَخبَره، فأَخَذ يَزيدُ التَّاجَ وعَوَّضَ السَّائِلَ مالًا كَثيرًا.

العام الهجري : 615 العام الميلادي : 1218
تفاصيل الحدث:

سار عز الدين كيكاوس بن كيخسرو ملك بلاد الروم إلى ولاية حلب؛ قصدًا للتغلُّب عليها، ومعه الأفضلُ بن صلاح الدين يوسف، حيث كان أشار عليه ذوو الرأيِ من أصحابه، وقالوا له: لا يتِمُّ لك هذا إلا بأن يكون معك أحدٌ من بيت أيوب لِيسهلَ على أهل البلاد وجُندِها الانقياد إليه؛ وهذا الأفضَلُ بن صلاح الدين هو في طاعتك، فأحضر الأفضل من سميساط إليه، واستقَرَّت القواعد بينهما أن يكون ما يفتحه من حلب وأعمالها للأفضل، وهو في طاعة كيكاوس، والخطبة له في ذلك أجمع، ثم يقصِدون ديارَ الجزيرة، فما يفتحونَه مِمَّا بيد الملك الأشرف مثل: حران والرَّها من البلاد الجزرية، تكون لكيكاوس، وجرت الأيمانُ على ذلك، وجمعوا العساكِرَ وساروا، فملكوا قلعة رغبان، فتسَلَّمَها الأفضل، فمال الناسُ حينئذ إليهما، ثم سارا إلى قلعةِ تل باشر، وفيها صاحِبُها ولَدُ بدر الدين دلدرم الياروقي، فحصروه، وضَيَّقوا عليه، وملكوها منه، فأخذها كيكاوس لنفسِه، ولم يسَلِّمها إلى الأفضل، فاستشعر الأفضَلُ من ذلك، وقال: هذا أوَّلُ الغدر، وخاف أنَّه إن ملك حلب يفعل به هكذا، فلا يحصُلُ إلَّا أن يكون قد قلع بيتَه لغيره، ففترت نيَّتُه، وأعرض عمَّا كان يفعله، وكذلك أيضًا أهل البلاد، وأما صاحِبُ حلب فلما حدث هذا الأمر خاف أن يحصُروه، وربَّما سَلَّم أهلُ البلد والجند المدينةَ إلى الأفضل لمَيلِهم إليه، فأرسل إلى المَلِك الأشرف بن الملك العادل، صاحبِ الديار الجزرية وخلاط وغيرها، يستدعيه إليه لتكونَ طاعتُهم له، ويخطُبون له، ويجعل السكةَ باسمه، ويأخُذ من أعمال حلب ما اختار، فجمع عسكَرَه وأحضر إليه العربَ من طيئ وغيرهم، ونزل بظاهِرِ حلب، ولما أخذ كيكاوس تل باشر كان الأفضَلُ يشير بمعاجلة حلب قبل اجتماعِ العساكر بها، وقبل أن يحتاطوا ويتجَهَّزوا، فعاد عن ذلك، وصار يقولُ: الرأي أننا نقصد منبج وغيرها؛ لئلا يبقى لهم وراء ظهورِنا شيء، قصدًا للتمادي فتوجَّهوا من تل باشر إلى جهة منبج، وتقدَّم الأشرف نحوهم، وسارت العربُ في مقدِّمته، وكان طائفة من عسكر كيكاوس، نحو ألف فارس، قد سبقت مقدمته له، فالتقوا هم والعربُ ومن معهم من العسكر الأشرفي، فاقتتلوا، فانهزم عسكر كيكاوس، وعادوا إليه منهزمينَ، وأكثر العرب الأسرَ منهم والنهبَ؛ لجودة خيلهم ودبر خيل الرومِ، فلما وصل إليه أصحابُه منهزمين لم يثبت، بل ولى على أعقابِه يطوي المراحِلَ إلى بلاده خائفًا يترقَّبُ، فلما وصل إلى أطرافها أقام، فسار حينئذ الأشرف، فملك رغبان، وحصر تل باشر، وبها جمعٌ مِن عسكر كيكاوس، فقاتلوه حتى غُلِبوا، فأُخِذَت القلعة منهم، وأطلَقهم الأشرف، وسَلَّم الأشرف تل باشر وغيرها من بلد حلب إلى شهابِ الدين أتابك، صاحب حلب، وكان عازمًا على اتباعِ كيكاوس، ودخول بلاده، فأتاه الخبَرُ بوفاة أبيه الملك العادل، فاقتضت المصلحةُ العودَ إلى حلب.

العام الهجري : 4 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 625
تفاصيل الحدث:

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال:  أنَّ رِعْلًا، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ، وبني لَحْيانَ، اسْتمَدُّوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على عَدُوٍّ، فأَمدَّهُم بسبعين مِنَ الأنصارِ، كُنَّا نُسمِّيهم القُرَّاءَ في زمانِهم، كانوا يَحْتَطِبون بالنَّهارِ، ويُصلُّون باللَّيلِ، حتَّى كانوا ببِئرِ مَعونةَ قَتلوهُم وغَدَروا بهم، فبلَغ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقَنَتَ شهرًا يَدعو في الصُّبحِ على أَحياءٍ مِن أَحياءِ العربِ، على رِعْلٍ، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ، وبني لَحْيانَ. قال أنسٌ: فقَرأنا فيهم قُرآنًا، ثمَّ إنَّ ذلك رُفِعَ: بَلِّغوا عَنَّا قَومَنا أَنَّا لَقِينا رَبَّنا فَرَضِيَ عَنَّا وأَرضانا. وجاء في ِروايةٍ عند البُخاريِّ: أنَّ أولئك السَّبعين مِنَ الأنصارِ قُتِلوا ببِئرِ مَعونةَ. وعن أنسِ بنِ مالكٍ، قال: جاء ناسٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أَنِ ابْعَثْ معنا رجالًا يُعلِّمونا القُرآنَ والسُّنَّةَ، فبعَث إليهم سبعين رجلًا مِنَ الأنصارِ، يُقالُ لهم: القُرَّاءُ، فيهم خالي حَرامٌ، يَقرءون القُرآنَ، ويَتدارَسون باللَّيلِ يَتعلَّمون، وكانوا بالنَّهارِ يَجيئون بالماءِ فيضَعونَهُ في المسجدِ، ويَحْتَطِبون فَيَبيعونَهُ ويَشْتَرون به الطَّعامَ لأَهلِ الصُّفَّةِ وللفُقراءِ، فبعثَهُم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إليهم، فعَرَضوا لهم فقَتَلوهُم قبلَ أن يَبلُغوا المكانَ، فقالوا: اللَّهمَّ، بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنا أَنَّا قد لَقِيناك فَرَضينا عنك، ورَضيتَ عَنَّا. قال: وأَتى رجلٌ حَرامًا -خالَ أنسٍ- مِن خَلفِه، فطَعنَهُ برُمحٍ حتَّى أَنْفَذَهُ، فقال حَرامٌ: فُزْتُ ورَبِّ الكعبةِ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابِه: إنَّ إخوانَكُم قد قُتِلوا، وإنَّهم قالوا: اللَّهمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنا أَنَّا قد لَقِيناك فَرَضينا عنك، ورَضيت عَنَّا.

العام الهجري : 5 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 627
تفاصيل الحدث:

وقعَت هذه الغَزوةُ بعدَ غَزوةِ الأحزابِ مُباشرةً، وكان سببُها نقضَ بني قُريظةَ العهدَ الذي بينهم وبين النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بتَحريضٍ مِن حُيَيِّ بنِ أَخطبَ النَّضْريِّ. وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أَرسلَ الزُّبيرَ لِمعرفةِ نِيَّتِهم، ثمَّ أَتبَعهُ بالسَّعدَيْنِ –سَعدِ بنِ عُبادةَ وسَعدِ بنِ مُعاذٍ- وابنِ رَواحةَ، وخَوَّاتِ بنِ جُبيرٍ لِذاتِ الهدفِ ليَتأكَّدَ مِن غَدرِهم. وقد أمَر الله تعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، بقِتالِهم بعدَ عَودتِه مِنَ الخَندقِ ووَضْعِهِ السِّلاحَ، فأَوْصى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أصحابَهُ أن يَتوجَّهوا إلى بني قُريظةَ، وقال لهم: (لا يُصَلِّيَنَّ أَحدُكم العَصرَ إلَّا في بني قُريظةَ). كما في رِوايةِ البُخاريِّ، أو (الظُّهرَ) كما في رِوايةِ مُسلمٍ. فضرَب الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم الحِصارَ على بني قُريظةَ لمُدَّةِ خمسٍ وعِشرين ليلةً على الأرجحِ، حتَّى نزلوا على حُكمِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، فأَحَبَّ أن يَكِلَ الحُكمَ عليهم إلى واحدٍ مِن رُؤساءِ الأَوْسِ؛ لأنَّهم كانوا حُلفاءَ بني قُريظةَ، فجعل الحُكمَ فيهم إلى سعدِ بنِ مُعاذٍ، فلمَّا دَنا مِنَ المسلمين قال الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم للأنصارِ: قوموا إلى سَيِّدِكُم -أو خَيرِكُم- ثمَّ قال: إنَّ هؤلاءِ نزلوا على حُكمِك. قال -أي سعدُ بنُ مُعاذٍ-: تُقْتَلُ مُقاتِلَتُهم، وتُسْبى ذَرارِيُّهُم، وتُقْسَمُ أَموالُهم. فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: قَضيتَ بحُكمِ الله تعالى. ونَفَّذَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم هذا الحُكمَ فيهم، وكانوا أَربعمائةٍ على الأرجحِ. ولم يَنْجُ إلَّا بعضُهم، ثمَّ قَسَّمَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم أَموالَهم وذَراريَّهُم بين المسلمين.

العام الهجري : 7 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 628
تفاصيل الحدث:

قال جابرُ بنُ عبدِ الله رضي الله عنه: خرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ذاتِ الرِّقاعِ مِن نخلٍ، فلَقِيَ جمعًا مِن غَطَفانَ، فلم يكن قِتالٌ، وأخاف النَّاسُ بعضُهم بعضًا، فصَلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوفِ، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: خرجنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزوةٍ ونحن سِتَّةُ نفرٍ، بيننا بَعيرٌ نَعْتَقِبُه، فنَقِبَتْ أَقدامُنا، ونَقِبَتْ قَدمايَ، وسقَطت أَظفاري، وكُنَّا نَلُفُّ على أَرجُلِنا الخِرَقَ، فسُمِّيت غزوةَ ذاتِ الرِّقاعِ، لِما كُنَّا نَعصِبُ مِنَ الخِرَقِ على أَرجُلِنا. وحدَّث أبو موسى بهذا ثمَّ كَرِهَ ذاك، قال: ما كنتُ أصنعُ بأن أذكُرَهُ، كأنَّه كَرِهَ أن يكونَ شيءٌ مِن عملِه أَفشاهُ. وعن صالحِ بنِ خَوَّاتٍ، عمَّن شَهِدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يومَ ذاتِ الرِّقاعِ صلَّى صلاةَ الخوفِ: أنَّ طائفةً صَفَّتْ معه، وطائفةٌ وِجاهَ العَدُوِّ، فصلَّى بالتي معه ركعةً، ثمَّ ثبَت قائمًا، وأتمُّوا لأَنفُسِهم ثمَّ انصرفوا، فصَفُّوا وِجاهَ العَدُوِّ، وجاءتِ الطَّائفةُ الأُخرى فصَلَّى بهم الرَّكعةَ التي بَقِيتْ مِن صلاتِه ثمَّ ثبَت جالسًا، وأتمُّوا لأَنفُسِهم، ثمَّ سلَّم بهم. وهي غَزوةُ مُحارِبِ خَصَفَةَ وبني ثَعلبةَ مِن غَطَفانَ، وعن جابرِ بنِ عبدِ الله رضِي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بأصحابهِ في الخوفِ في غَزوةِ السَّابعةِ، غَزوةِ ذاتِ الرِّقاعِ.  وعن جابرٍ قال: صلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بهم يومَ مُحارِبٍ، وثَعلبةَ.

العام الهجري : 248 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 862
تفاصيل الحدث:

هو أبو جعفر "المنتصر بالله" محمد بن جعفر المتوكِّل، وأمُّه أمُّ ولدٍ روميَّةٌ اسمُها حبشية. وكان أعينَ أسمَرَ أقنى, مليحَ الوجهِ, رَبْعةً, كبيرَ البطن, مَهيبًا، لَمَّا قُتِل أبوه دخل عليه التُّركُ ومعهم قاضي القضاة جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، فقال له: بايِعْ. قال: وأين أمير المؤمنين؟ -يعني: المتوكِّل- قال: قتله الفتحُ بن خاقان. قال: وأين الفتح? قال: قتله بغا, فبايعه القاضي ثم الوزير وكبار قادة الترك, ثم تحوَّل من الجعفري إلى سامراء، وولَّى وزارتَه أحمد بن الخصيب, وأراد المعتزُّ أن يمتنِعَ من البيعة للمنتصر، فقال له بغا الشرابي: أخوك محمَّد أقدمَ على قتلِ أبيك، وأخافُ أن يقتُلَك فبايِعْ، فبايَعَه. ثم صالحَ المنتصِرُ إخوتَه عن ميراثهم على أربعةَ عشر ألفَ ألفِ درهم، ونفى عمَّه عليًّا إلى بغداد، ورسم عليه, وكان المنتصِرُ وافر العقل, راغبًا في الخير, قليلَ الظُّلم. على الرَّغمِ مِن أنَّ المنتصِرَ كان قد تمالأ مع الأتراكِ على قتل أبيه المتوكِّل عندما قرَّرَ أن يعزِلَه من ولاية العهد ويولِّيَها أخاه المعتَزَّ، إلَّا أن المنتصرَ  كان يقول: يا بغا أين أبي? من قتَلَ أبي?! ويسُبُّ الأتراك، ويقول: هؤلاء قتَلَة الخلفاء، فقال بغا الصغيرُ للذين قتَلوا المتوكِّل: ما لكم عند هذا رِزقٌ، فعَمدوا عليه وهَمُّوا، فعَجَزوا عنه؛ لأنَّه كان شجاعًا مَهيبًا يَقِظًا متحرِّزًا، فتحَيَّلوا عليه إلى أن دسُّوا إلى طبيبِه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار عند مَرَضِه، فأشار بفَصدِه, ثمَّ فصَدَه بريشةٍ مَسمومةٍ، فمات منها,  وكانت مُدَّةُ خلافته ستةَ أشهُر، ثم تولَّى الخلافةَ بعده أبو العباس "المستعين بالله" أحمد بن محمد المعتصِم.

العام الهجري : 1 ق هـ العام الميلادي : 621
تفاصيل الحدث:

في هذه الحادثةِ العظيمةِ رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الأنبياءَ، ورأى سِدرةَ المُنتهى وغيرَ ذلك مِنَ الآياتِ العظيمةِ، وفيها فُرِضتْ الصَّلواتُ الخمسُ، وهو أمرٌ تتَّفِقُ عليه رِواياتُ الصَّحيحينِ، وقد كذَّبتْ قُريشٌ وقوعَ حادثةِ الإسراءِ والمِعراجِ، وهذا أمرٌ اتَّفقتْ عليه رِواياتُ الصَّحيحينِ أيضًا، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لقد رأيتُني في الحِجْرِ وقُريشٌ تسألُني عن مَسْرايَ، فسألَتني عن أشياءَ مِن بيتِ المَقدسِ لم أُثْبِتْها، فكُرِبْتُ كُربةً ما كُرِبْتُ مِثلَهُ قَطُّ». قال: " فرفعهُ الله لي أنظرُ إليه، ما يسألوني عن شيءٍ إلَّا أنبأتُهم به، وقد رأيتُني في جماعةٍ مِنَ الأنبياءِ، فإذا موسى قائمٌ يُصلِّي، فإذا رجلٌ ضَرْبٌ، جَعْدٌ كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءَةَ، وإذا عيسى ابنُ مريمَ عليه السَّلامُ قائمٌ يُصلِّي، أقربُ النَّاسِ به شَبَهًا عُروةُ بنُ مَسعودٍ الثَّقفيُّ، وإذا إبراهيمُ عليه السَّلامُ قائمٌ يُصلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ به صاحبُكم - يعني نَفْسَهُ - فحانتِ الصَّلاةُ فأَمَمْتُهُم، فلمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ قال قائلٌ: يا محمَّدُ، هذا مالكٌ صاحبُ النَّارِ، فَسلِّمْ عليه، فالتفَتُّ إليه، فبدأَني بالسَّلامِ ".

العام الهجري : 410 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1020
تفاصيل الحدث:

هو الحافِظُ المُجَوِّدُ العلَّامة، مُحَدِّثُ أصبهان، أبو بكرٍ أحمَدُ بنُ موسى بن مَردَوَيهِ بنِ فَوْرَك بن موسى بن جعفر، الأصبهاني، المؤرِّخُ المُفَسِّرُ، مِن أهل أصبهان. مولِدُه سنة323. ويقالُ له ابنُ مَردَوَيهِ الكبير؛ لِيُمَيَّزَ عن حَفيدِه المحدِّثِ العالِمِ أبو بكرٍ أحمَدُ بنُ مُحمَّد بن أحمد بن مردويه. له عِدَّةُ تصانيفَ، منها: "التفسير الكبير"، و"التاريخ"، و"الأمالي" "الثلاثمئة مجلس"، و"المسند"، وكتاب "المُستخرَج على صحيحِ البُخاري"، بعُلُوٍّ في كثيرٍ مِن أحاديثِ الكِتابِ، حتى كأنَّه لَقِيَ البُخاريَّ. قال الذهبيُّ عنه: "كان مِن فُرسانِ الحَديثِ، فَهِمًا يَقِظًا مُتقِنًا، كثيرَ الحَديثِ جِدًّا، ومن نظَرَ في تواليفِه، عَرَفَ مَحَلَّه مِن الحفظ". قال أبو موسى: سَمِعتُ أبي يحكي عمَّن سَمِعَ أبا بكر بنَ مَرْدَوَيه يقول: "ما كتبتُ بعد العَصرِ شيئًا قَطُّ، وعَمِيتُ قبلَ كُلِّ أحدٍ- يعني من أقرانِه، وسَمِعتُ أنَّه كان يُملي حِفظًا بعدما عَمِيَ. ثم قال: وسَمِعتُ الإمامَ إسماعيلَ يقول: لو كان ابنُ مَردَوَيه خُراسانيًّا، كان صِيتُه أكثَرَ مِن صِيتِ الحاكِمِ". مات عن سبعٍ وثمانين سنةً

العام الهجري : 439 العام الميلادي : 1047
تفاصيل الحدث:

ظهر الأصفَرُ التغلبيُّ برأس عين -مدينة سورية تقع على الحدود التركية السورية-، وادَّعى أنَّه من المذكورينَ في الكتب، واستغوى قومًا بمَخاريقَ، وجمع جمعًا وغزا نواحيَ الروم، فظَفِرَ وغَنِمَ وعاد، وظهَرَ حَديثُه، وقوِيَ ناموسُه، وعاودوا الغزوَ في عدد أكثَرَ مِن العدد الأول، ودخل نواحيَ الروم وأوغل، وغَنِمَ أضعافَ ما غَنِمَه أولًا، وتسامع النَّاسُ به فقصدوه، وكثُرَ جَمعُه، واشتَدَّت شوكتُه، وثقُلَت على الروم وطأتُه، فأرسل ملك الروم إلى نصرِ الدَّولة بن مروان صاحِبِ ديارِ بكرٍ يقول له: إنَّك عالمٌ بما بيننا من المُوادَعة، وقد فعل هذا الرجلُ هذه الأفاعيل، فإن كنتَ قد رجعتَ عن المهادنةِ فعَرِّفْنا لنُدَبِّرَ أمْرَنا بحَسَبِه، واتَّفَق في ذلك الوقتِ أنْ وَصَل رسولٌ مِن الأصفَرِ إلى نصر الدَّولة أيضًا، يُنكِرُ عليه تركَ الغَزوِ والميلَ إلى الدعة، فساءه ذلك أيضًا، واستدعى قومًا مِن بني نمير وقال لهم: إنَّ هذا الرجلَ قد أثار الرومَ علينا، ولا قُدرةَ لنا عليهم، وبذَلَ لهم مالًا على الفتك به، فساروا إليه، فقَرَّبَهم، ولازَموه، فرَكِبَ يومًا غير متحَرِّز، فأبعد وهم معه، فعَطَفوا عليه وأخذوه وحَمَلوه إلى نصر الدَّولة بن مروان، فاعتقَلَه وسَدَّ عليه باب السِّجنِ، وتلافى أمرَ الرومِ.

العام الهجري : 746 العام الميلادي : 1345
تفاصيل الحدث:

ذكَرَ الرحَّالةُ ابنُ بطُّوطة عن مشاهدتِه لجزيرة سومطرة والإسلام فيها، ووصَفَ سُلطانَها قائِلًا: "وهو السلطانُ المَلِكُ الظاهر من فُضَلاءِ الملوك، شافعيُّ المذهب محِبٌّ للفقهاء، يحضرون مجلِسَه للقراءة والمذاكرة، وهو كثيرُ الغزو والجهاد ومتواضِعٌ يأتي إلى صلاة الجمعة ماشيًا على قَدَميه وأهل بلاده شافعيَّةٌ محبُّون للجهاد يخرجون معه تطوعًا، وهم غالبون على من يليهم من الكُفَّار والكُفَّارُ يعطون الجزيةَ على الصُّلحِ"، وقد ذكر ماركو بولو الذي جاء إلى هذه الجزيرةِ قبل ابن بطوطة بأقَلَّ مِن خمسين سنة، حيث كان فيها سنة 692, وقال عنها: إنَّ جميع سكان البلاد عبدةُ أوثانٍ اللهُمَّ إلَّا في مملكة برلاك الصغيرة الواقعة في الزاوية الشماليَّة الشرقية من الجزيرة؛ حيث سكان المدن وَحدَهم مُسلمون، أمَّا سكان المرتفعات فكُلُّهم وثنيُّونَ أو مُتَوحِّشونَ يأكلونَ لحومَ البَشَرِ. ولا يُعقَلُ في أنه في أقل مِن خمسين سنة ينتَشِرُ الإسلام في كل الجزيرةِ على ما وصَفَه ابن بطوطة، ولكن يبدو أنَّ ماركو بولو أراد من ذلك الوصفِ شَيئًا آخَرَ، والله أعلم، ويُذكَرُ أنَّ الإسلامَ دخَلَ إلى هذه الجُزُر عن طريق التجَّار المسلمين، وعن طريق رحلةِ كثيرٍ مِن السكان إلى بلادِ الإسلامِ للتجارة وعودتهم إلى بلادِهم دُعاةً للإسلامِ.

العام الهجري : 569 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1174
تفاصيل الحدث:

لما عاد صلاحُ الدين إلى مصرَ بلَغَه أنَّ باليمن إنسانًا يسمَّى عبدَ النبي بن مهدي صاحِبَ زبيد يزعُمُ أنه ينتشر ملكُه حتى يملِكَ الأرضَ كُلَّها، وكان قد ملك كثيرًا من بلادِ اليمَنِ, واستولى على حصونِها وخطب لنَفسِه، وقطع الخطبةَ للخليفةِ العباسي, وكان السُّلطانُ قد ثبتت قواعِدُه وقَوِيَ عسكرُه، فاستأذن السلطان نور الدين محمود في أن يسيرَ إلى اليمن لقصدِ عبد النبي، فأذِنَ له في ذلك، فجهَّز أخاه شمس الدولة توران شاه بجيش اختاره، وتوجَّه إليها من الديار المصرية في مستهَلِّ رجب، فوصل إلى مكَّةَ، ومنها إلى زبيد، وفيها صاحِبُها المتغَلِّبُ عليها المعروفُ بعبد النبي، فلما قرُبَ منها رآه أهلُها، فاستقَلُّوا من معه، فقاتلهم شمس الدولة ومن معه، فلم يثبُت أهلُ زبيد وانهزموا، ووصل المصريونَ إلى سور زبيد، فلم يجدوا عليه من يمنَعُهم، فنصبوا السلالم، وصَعَدوا السور، فملكوا البلدَ عَنوةً ونَهَبوه وأكثروا النَّهبَ، وأخذوا عبد النبيِّ أسيرًا وزوجتَه المدعوة بالحُرَّة، وسَلَّمَ شمسُ الدولة عبد النبي إلى أحد أمرائه، يقال له سيف الدولة مبارك بن كامل من بني منقذ، أصحاب شيزر، وأمره أن يستخرجَ منه الأموالَ، وبذلك انتهت الدولة المهديَّة باليمن، ولَمَّا ملكوا زبيدَ واستقَرَّ الأمر لهم بها ودان أهلُها، وأقيمت فيها الخُطبةُ العباسيَّة، أصلحوا حالها، وساروا إلى عدن، وصاحِبُها ياسرُ بنُ بلال، فسار إليهم وقاتَلَهم، فانهزم ياسِرٌ ومن معه، وسبقهم بعضُ عسكر شمس الدولة، فدخلوا البلدَ قبل أهله، فملكوه، وأخذوا صاحِبَه ياسرًا أسيرًا، وأرادوا نهبَ البلد، فمنعهم شمسُ الدولة، وقال: ما جئنا لنخربَ البلاد، وإنما جئنا لنَملِكَها ونُعَمِّرَها وننتفع بدخلها؛ فلم ينهب منها أحدٌ شيئًا، فبقيت على حالها وثبَت مُلكُه واستقَرَّ أمرُه، وبذلك انتهت دولة بني زريع في اليمن، وآل الزريع هم أهل عدن، وهم شيعةٌ إسماعيليَّةٌ من همذان بن جشم، ولَمَّا فرغ شمس الدولة مِن أمْرِ عدن عاد إلى زبيد، وملك أيضًا قلعة التعكر والجند وغيرها من المعاقل والحصون، واستناب بعدن عزَّ الدين عثمان بن الزنجيلي، وبزبيد سيفَ الدولة مبارك بن منقذ، وجعَلَ في كل قلعةٍ نائبًا من أصحابه، وألقى مُلكُهم باليمن جِرانَه ودام، وأحسَنَ شمسُ الدولة إلى أهالي البلاد، واستصفى طاعتَهم بالعدل والإحسان، وعادت زبيد إلى أحسنِ أحوالها من العمارة والأمن.

العام الهجري : 95 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 714
تفاصيل الحدث:


هو أبو محمَّد الحَجَّاجُ بن يُوسُف الثَّقَفي، قائِدٌ أُمَوِيٌّ، داهِيَة، سَفَّاك، خَطِيب، وُلِدَ وَنَشأَ في الطَّائِف، وانْتَقَل إلى الشَّام فلَحِقَ بِرَوْحِ بن زِنْباع نائِب عبدِ الملك بن مَرْوان فكان في عِدادِ شُرْطَتِه، ثمَّ ما زال يَظهَر حتَّى قَلَّدَهُ عبدُ الملك أَمْرَ عَسْكَرِهِ, ثمَّ أَصبَح والِيًا على العِراق مِن قِبَل عبدِ الملك بن مَرْوان، أَصلَح البِلادَ في العِراق واعْتَنَى بها، وازْدَهَرَت في عَصرِه التِّجارَة والصِّناعَة، وكان مَعروفًا بالظُّلْمِ، وسَفْكِ الدِّماء، وانْتِقاص السَّلَف، وتَعَدِّي حُرُماتِ الله بأَدْنَى شُبْهَة، وقد أَطْبَقَ أَهلُ العِلْم بالتَّارِيخ والسِّيَر على أَنَّه كان مِن أَشَدِّ النَّاس ظُلْمًا، وأَسْرَعِهم للدَّمِ الحَرامِ سَفْكًا، ولم يَحفَظ حُرْمَةَ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في أَصحابِه، ولا وَصِيَّتَه في أَهلِ العِلْم والفَضْل والصَّلاح مِن أَتْباعِ أَصحابِه. وكان جَبَّارًا عَنيدًا. قالت أَسماءُ بِنتُ أبي بَكْرٍ رضي الله عنها للحَجَّاجِ: إنَّ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حَدَّثَنا «أنَّ في ثَقِيفٍ كَذَّابًا ومُبِيرًا». فأمَّا الكَذَّابُ فقد رَأَيْناهُ -تَعْنِي المُخْتار- وأمَّا المُبِيرُ فأَنت هو. والمُبِيرُ: المُهْلِك، الذي يُسْرِف في إِهْلاكِ النَّاس. نَشأَ الحَجَّاجُ شابًّا لَبِيبًا فَصيحًا بَليغًا حافِظًا للقُرآن، وكان يُكْثِر تِلاوَةَ القُرآن، ويَتَجَنَّب المَحارِم، ولم يَشْتَهِر عنه شَيءٌ مِن التَّلَطُّخ بالفُروج، وإن كان مُتَسَرِّعًا في سَفْكِ الدِّماءِ، كان فيه سَماحَةً بإعطاءِ المالِ لِأَهلِ القُرآن، فكان يُعطي على القُرآن كَثيرًا، ولمَّا مات لم يَتْرُك فيما قِيلَ إلَّا ثلاثمائة دِرْهَم. بَلَغَ ما قَتَل الحَجَّاجُ صَبْرًا مائة ألف وعشرين ألف، قال عنه الذهبي: "نَسُبُّهُ ولا نُحِبُّه؛ بل نُبْغِضُه في الله؛ فإنَّ ذلك مِن أَوْثَقِ عُرَى الإيمان, وله حَسَنات مَغْمورة في بَحْرِ ذُنوبِه، وأَمْرُهُ إلى الله. وله تَوْحِيد في الجُمْلَة، ونُظَراء مِن ظَلَمَةِ الجَبابِرَة والأُمَراء" لمَّا حَضَرتُه الوَفاةُ اسْتَخْلَف على الصَّلاةِ ابنَه عبدَ الله، واسْتَخْلَف على حَربِ الكوفَة والبَصْرَة يَزيدَ بن أبي كَبْشَة، وعلى خَراجِهِما يَزيدَ بن أبي مُسلِم، فأَقَرَّهُما الوَليدُ بعدَ مَوتِه، ولم يُغَيِّر أَحَدًا مِن عُمَّالِ الحَجَّاج.

العام الهجري : 381 العام الميلادي : 991
تفاصيل الحدث:

لَمَّا مات سعدُ الدَّولةِ الحَمدانيُّ صاحِبُ حَلَب، سار الوزيرُ أبو الحسن المغربي من مَشهدِ عليٍّ إلى العزيز بمصرَ، وأطمَعَه في حلب، فسيَّرَ جيشًا وعليهم منجوتكين أحدُ أمرائه إلى حلب، فسار إليها في جيش ٍكثيفٍ فحَصَرها، وبها أبو الفضائلِ ولؤلؤٌ، فكتبا إلى بسيل مَلِكِ الرومِ يستَنجِدانِه، وهو يقاتِلُ البلغار، فأرسل بسيل إلى نائِبِه بأنطاكيةَ يأمُرُه بإنجاد أبي الفضائل، فسار في خمسينَ ألفًا، حتى نزل على الجسرِ الجديدِ بالعاصي، فلمَّا سَمِعَ منجوتكين الخبَرَ سار إلى الرومِ؛ ليلقاهم قبل اجتماعِهم بأبي الفضائلِ، وعبَرَ إليهم العاصي، وأوقعوا بالرُّومِ فهزموهم ووَلَّوا الأدبارَ إلى أنطاكيةَ، وكثُرَ القتلُ فيهم، وسار منجوتكين إلى أنطاكيةَ، فنهب بلَدَها وقُراها وأحرَقَها، وأنفذ أبو الفضائِلِ إلى بلَدِ حَلَب، فنَقَل ما فيه من الغِلالِ، وأحرق الباقيَ إضرارًا بعساكِرِ مِصرَ، وعاد منجوتكين إلى حلب فحصرها، فأرسل لؤلؤٌ إلى أبي الحسَنِ المغربي فبذل لهم مالًا ليَرُدُّوا منجوتكين عنهم هذه السَّنَة، بعِلَّةِ تَعَذُّرِ الأقوات، ففعلوا ذلك، وكان منجوتكين قد ضَجِرَ مِن الحرب، فأجابهم إليه وسار إلى دمشق، ولَمَّا بلغ الخبَرُ إلى العزيز، غَضِبَ وكتب بعَودِ العَسكرِ إلى حلب، وإبعاد المغربيِّ، وأنفذ الأقواتَ مِن مِصرَ في البحرِ إلى طرابلس، ومنها إلى العَسكرِ، فنازل العسكَرُ حَلَب، وأقاموا عليها ثلاثةَ عشَرَ شهرًا، فقَلَّت الأقواتُ بحَلَب، وعاد أبو الفضائِلِ إلى مراسلةِ مَلِك الرومِ والاعتضاد به، وقال له: متى أخِذَت حلب أخِذَت أنطاكية وعَظُم عليك الخَطبُ، وكان قد توسَّطَ بلادَ البلغار، فعاد وجَدَّ في السَّيرِ، وكان الزَّمانُ ربيعًا، وعسكَرُ مِصرَ قد أرسل إلى منجوتكين يعَرِّفُه الحال، وأتَتْه جواسيسُه بمِثلِ ذلك، فسار كالمنهَزِم عن حَلَب، ووصل مَلِكُ الرُّومِ، فنزل على باب حَلَب، وخرج إليه أبو الفضائلِ ولؤلؤ، وعاد إلى حَلَب، ورحَلَ بسيل إلى الشام، ففتح حِمصَ وشيزر ونهبَهما، وسار إلى طرابلس فنازَلَها، فامتنعت عليه، وأقام عليها نيفًا وأربعينَ يومًا، فلما أيِسَ منها عاد إلى بلادِ الروم، ولَمَّا بلغ الخبَرُ إلى العزيز عَظُم عليه، ونادى في النَّاسِ بالنَّفيرِ لِغَزوِ الروم، وبرز من القاهرةِ، وحدث به أمراضٌ مَنَعتْه، وأدركه الموتُ.

العام الهجري : 459 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1067
تفاصيل الحدث:

كان الشُّروعُ ببِناءِ المَدرسَةِ النِّظامِيَّة نِسبةً إلى الوَزيرِ نِظامِ المُلْكِ، وَزيرِ ملكشاه في مَدينةِ بغداد، في ذي الحجَّةِ من عام 457هـ ونُقِضَ لأَجلِها دُورٌ كَثيرةٌ مِن مَشرعَةِ الزَّوايا وبابِ البَصرةِ، ثم في ذي القَعدةِ من سَنةِ 459هـ، فَرغَت عِمارةُ المَدرسَةِ النِّظامِيَّة، وتَقرَّر التَّدريسُ بها للشيخِ أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ الشافعيِّ، فجَمعَ العَميدُ أبو سعدٍ القاضي الناسَ على طَبقاتِهم إلى المَدرسةِ، وجَعَلَها بِرَسْمِ أبي إسحاقَ الشيرازيِّ الفيروزآبادي، صاحبِ كِتابِ ((التَّنْبيهُ)) في الفِقهِ على مَذهبِ الإمامِ الشافعيِّ بعدَ أن وَافَقَهُ على ذلك، فلمَّا كان يومُ اجتِماعِ الناسِ فيها وتَوقَّعوا مَجيءَ أبي إسحاقَ فلم يَحضُر، فطُلِبَ فلم يَظهَر، وكان السببُ أن شابًّا لَقِيَه فقال: يا سيدنا، تُريدُ تُدَرِّسُ في المدرسةِ؟ فقال: نعم. فقال: وكيف تُدَرِّسُ في مَكانٍ مَغصُوبٍ؟ فغَيَّرَ نِيَّتَه فلم يَحضُر، فلمَّا ارتَفعَ النَّهارُ، وأَيِسَ الناسُ مِن حُضورِه، أشارَ الشيخُ أبو منصورِ بن يُوسُف بأبي نَصرِ بن الصَّبَّاغِ، صاحبِ كتابِ ((الشامل))، وقال: لا يجوزُ أن يَنفَصِلَ هذا الجَمْعُ إلَّا عن مُدَرِّسٍ، ولم يَبقَ ببغداد مَن لم يَحضُر غيرَ الوَزيرِ، فجلسَ أبو نَصرٍ للدَّرْسِ، ثم ظَهرَ الشيخُ أبو إسحاقَ بعدَ ذلك، ولمَّا بَلغَ نِظامَ المُلْكِ الخَبَرُ أَقامَ القِيامةَ على العَميدِ أبي سعدٍ، ولم يَزَل يُرفِق بالشيخِ أبي إسحاقَ حتى دَرَّسَ بالمدرسةِ، وكانت مُدَّةُ تَدريسِ ابنِ الصَّبَّاغِ عشرين يومًا فقط. أَجرَى نِظامُ المُلْكِ للمُتَفَقِّهَةِ لِكلِّ واحدٍ أَربعةَ أَرطالِ خُبزٍ كلَّ يَومٍ, وقد أَشارَ ابنُ الجوزيِّ الى وَقْفِ هذه المدرسة ومُسْتَحِقِّيهِ بقَولِه: "هذه المَدرسةُ وسُقوفُها المَوقُوفُ عليها، وفي كِتابِ شَرْطِها أنَّها وُقِفَت على أَصحابِ الشافعيِّ أَصلًا، وكذلك الأَملاكُ المَوقوفةُ عليها شَرطٌ فيها أن تكونَ على أَصحابِ الشافعيِّ أَصلًا، وكذلك شَرْطٌ في المُدَرِّسِ الذي يكون فيها، والواعِظِ الذي يَعِظُ فيها ومُتَوَلِّي الكُتُبِ, وشَرْطٌ أن يكونَ فيها مُقرئٌ يَقرأُ القُرآنَ، ونَحْوِيٌّ يُدَرِّس العَربيَّةَ، وفُرِضَ لِكلٍّ قِسْطٌ مِن الوَقْفِ" ووَصفَها المَقرِيزيُّ بقَولِه: "أَشهَرُ ما بُنِيَ في القَديمِ المَدرسةُ النِّظامِيَّة ببغداد، لأنَّها أوَّلُ مَدرسةٍ قُرِّرَ بها للفُقهاءِ مَعاليمُ – أي مِقدار مِن المالِ-"