وصل جلال الدين خوارزم شاه إلى بلاد خلاط، وتعدى خلاط إلى صحراء موش، وجبل جور، ونهب الجميع، وسبى الحريم، واسترقَّ الأولاد، وقتل الرجال، وخرب القرى، وعاد إلى بلاده، ولما وصل الخبرُ إلى البلاد الجزرية: حران وسروج وغيرهما، أنَّه قد جاز خلاط إلى جور، وأنه قد قرب منهم، خاف أهل البلاد أن يجيء إليهم، لأنَّ الزمان كان شتاء، وظنُّوا أنه يقصد الجزيرة ليشتي بها، لأنَّ البرد بها ليس بالشديد، وعزموا على الانتقال من بلادهم إلى الشام، ووصل بعض أهل سروج إلى منبج من أرض الشام، فأتاهم الخبر أنه قد نهب البلاد وعاد، فأقاموا، وكان سبب عوده أن الثلج سقط ببلاد خلاط كثيرًا، لم يعهد مثله، فأسرع العودَ.
هو الإمامُ العلَّامة، المتفنن المتبحر في العلم، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرخ الخزرجي الأنصاري القرطبي، من أهل قرطبة، كان عالِمًا بالتفسير والأحكام واللغة. قال الذهبي: "له تصانيفُ مفيدة تدل على كثرة اطلاعه ووفور فضله، أشهرها تفسيره الجامع لأحكام القرآن، وقد سارت به لعظيمِ شأنه الركبانُ، وهو كامل في معناه. ومن تصانيفه كذلك: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، والتذكار في أفضل الأذكار، وكتاب "التذكرة"، وأشياء تدل على إمامته وذكائه وكثرة اطلاعه". رحل إلى المشرق واستقر في شمال أسيوط، كان عالِمًا بالتفسير والأحكام واللغة. توفي في أوائل هذه السنة بمنية بني خصيب من الصعيد الأدنى عن 93 عامًا.
هو الصدر الأعظم زاده فاضل أحمد باشا ابن الصدر الأعظم محمد علي باشا كوبريلي رئيس الوزراء، وأحد رجالات الدولة العثمانية الكبار في القرن الحادي عشر الهجري، وأصغر من تولى رئاسة الوزراء في تاريخ الدولة العثمانية. توفي عن إحدى وأربعين سنة قضى منها خمس عشرة سنة في منصب الصدارة العظمى بكل أمانة وصدق سائرًا في ذلك على خطة والده محمد علي باشا, وتقلد منصب الصدارة بعده زوج أخته قرة مصطفى باشا، ولم يكن كفؤًا للسير في الطريق الذي رسمه كوبريلي الكبير وولده، بل اتبع مصلحته الذاتية وباع المناصب العالية والمعاهدات والامتيازات المجحفة بالدولة حالًا ومستقبلًا بدراهم معدودة.
هو الشيخ أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن العماد العكبري، مؤرخ وفقيه حنبلي وعالم بالأدب، ولد في دمشق سنة 1032 ونشأ بها، وقرأ القرآن الكريم على بعض الشيوخ، وطلب العلم مشمِّرًا عن ساعد الجد والاجتهاد، فأخذ عن أعلام الأشياخ، وأجلُّهم الشيخ أيوب الخلْوَتي الصوفي. وتلقى الفقهَ قراءة وأخذًا عن ابن فقيه فُصَّة مفتي الحنابلة بالشام في عصره، ثم رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة طويلة، فأخذ العلم عن أشياخها. ثم عاد إلى دمشق ولزم الإفادة والتدريس، وانتفع به كثيرٌ من أبناء عصره، وتوفي بمكة حاجًّا، من مصنفاته شذرات الذهب في أخبار من ذهب، وله معطية الأمان من حنث الأيمان، وغيرها من الكتب.
هو الشيخُ عثمان بن عبد الله بن عثمان بن أحمد بن بشر, من الحراقيص من قبيلة بني زيد، النجدي مسكنًا، الحنبلي مذهبًا، السلفي اعتقادًا، من رؤساء بني زيد القبيلة المعروفة المشهورة أهل شقراء وغيرها، والمعروف باسم ابن بِشر، وهو مؤرخ وأديب عاصرَ الدولة السعودية الأولى والثانية، ودوَّن أحداثهما في كتابه: (عنوان المجد في تاريخ نجد). ولِدَ ابن بشر في جلاجل سنة 1194هـ ونشأ فيها يتيمًا، وتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن، وكان شغوفًا بالعلم محبًّا للعلماء، وتنقل في سدير والوشم والرياض؛ طلبًا للعلم، ثم انتقل إلى الدرعية عام 1224هـ، وفيها تلقى العلمَ عن علمائها، ثم عاد إلى جلاجل وتوفي فيها.
أثناء انْشِغالِ القوَّات الحُكوميَّة في إنهاء حادثة الحرَمِ المكِّيِّ، وخِلافًا لِأوامِرِ الحكومة بمنْعِ المظاهراتِ؛ خرَجَ الشِّيعةُ في القَطيف أثناءَ احتِفالِهم بيومِ عاشوراءَ في مُظاهراتٍ عامَّةٍ، فحاولت قُوَّاتُ الحرَس منْعَ مَواكبِهم الدِّينية من التجمْهُرِ في الشوارع العامَّةِ، إلَّا أنَّ جُموعهم تدفَّقَت ترفَعُ شِعاراتٍ مُعاديةً، ويُردِّدون شعاراتٍ مُؤيِّدةً لِنِظام الخُمينيِّ في إيران، كما قاموا بتَوزيع منشوراتٍ مُحرِّضةٍ على الدولة، واستمرَّت الاضطراباتُ ثلاثةَ أيام حتى تمكَّنَت قوَّاتُ الحرَس من القضاء عليها والسيطرةِ على الوضْعِ، ثم عاود الشِّيعةُ مرَّةً أخرى القيامَ بمُظاهرتينِ مُؤيِّدتينِ لِنِظام الخُمينيِّ بإيران في القَطيف والقُرى المجاورة لها في 8 و21 صفر، إلا أن القوَّاتِ الحكوميةَ تمكَّنت مِن منْعِها.
وُلِد محمد سيد طنطاوي في (28 أكتوبر 1928م) بقريةِ سليم الشرقية في محافظة سوهاج. تعلَّم وحَفِظ القرآنَ في مدينةِ الإسكندرية. حصل على الدكتوراه في الحديثِ والتفسيرِ عامَ (1966) بتقدير ممتاز، ثم عَمِل مدرِّسًا في كليَّةِ أُصولِ الدين، ثم انتُدِب للتدريسِ في ليبيا لمدةِ (4) سنواتٍ. عَمِل في المدينة المنوَّرة عميدًا لكليَّةِ الدِّراسات العليا بالجامعةِ الإسلاميَّةِ، وعُيِّن مُفتيًا للديار المِصرِيَّة في (28 أكتوبر 1986). ثمَّ عُيِّن شيخًا للأزهرِ في عام (1996). تُوفِّي رحمه الله في العاصمةِ السعودية الرياض إثرَ أزمةٍ قلبيَّةٍ مفاجِئَةٍ. وكان قد وَصَل إلى المملكة العربية السعودية لحُضورِ حفْلِ منحِ جائزة الملِك فَيصل العالَمية لخِدمَة الإسلام للفائزين بها هذا العامَ.
سار المأمونُ بنفسه لِغَزوِ الرُّومِ؛ لأنه ربما شعر أنَّ النَّاسَ قد ركنت للرفاهيةِ وضَعُفَت عندهم رُوحُ الجهادِ، كما أنَّ الفُرقةَ بدأت تعصِفُ بينهم بريحِها المُنتِنة؛ مما شجَّعَ كثيرًا من المتمرِّدينَ على الخروج، فسار مِن بغداد على طريقِ المَوصِل، حتى صار إلى منبج، ثم إلى دابق، ثم إلى أنطاكية، ثم إلى المصيصة وطرسوس، ودخل منها إلى بلاد الرُّوم، ودخل ابنُه العبَّاسُ مِن ملطية، فأقام المأمونُ على حِصنِ قرَّة حتى افتتحه عَنوةً، وهَدَمه، وقيل: إنَّ أهله طلبوا الأمانَ فأمَّنَهم المأمون، وفتح قبله حِصنَ ماجدة بالأمان، ووجَّه أشناس إلى حصنِ سندس، فأتاه برئيسِه، ووجَّه عجيفا وجعفرًا الخياطَ إلى صاحِبِ حِصنِ سناذ، فسَمِعَ وأطاع، ثم قفل راجعًا إلى دمشق.
هو أبو عُبادةَ الوليدُ بنُ عبيدِ بنِ يحيى الطائي البُحتري المنبجي القحطاني، صاحِبُ الديوان المعروف، شاعرٌ كبيرٌ يقال لِشعِرِه سلاسِلُ الذَّهَبِ، كان أحدَ أشعَرِ أهلِ عَصرِه، وُلِدَ بمَنبج إحدى قرى حلب عام 206ه وهو أحدُ الثلاثة الذين كانوا أشعَرَ أبناءِ عَصرِهم: هو، والمتنَبِّي، وأبو تمَّام، قيل إنَّ أبا تمام لَمَّا سمع شِعرَه قال: نُعِيَت إليَّ نَفسي، رحلَ البُحتري إلى العراق متكسِّبًا بشِعرِه، فكان يمدحُ ويهجو على حسَبِ ذلك، اتُّهِم بالبخلِ وقِلَّة الوفاء؛ بسبب ذلك التقلُّبِ بالمديح والهجاء، أمَّا شِعرُه فغلب عليه الوصفُ وسُهولةُ التراكيبِ، مع براعةٍ في الوصف والخيال، اعتزل في آخِرِ أيامِه في مدينة مولده منبج، حتى مات فيها عن 78 عامًا.
كانت الحرب بين الملك طغرل وبين أخيه الملك داود بن محمود، وكان سببُها أن السلطان سنجر أجلس الملك طغرل في السلطنة، وعاد إلى خراسان لأنه بلغه أن صاحب ما وراء النهر أحمد خان قد عصى عليه، فبادر إلى العود لتلافي ذلك الخرق، فلما عاد إلى خراسان عصى الملك داود على عمِّه طغرل وخالفه، وجمع العساكر بأذربيجان وبلاد كنجة، وسار إلى همذان، فنزل مستهل رمضان عند قرية يقال لها وهان بقرب همذان، وخرج إليه طغرل، وانهزم داود وبقي متحيزًا إلى أوائل ذي القعدة، فقدم بغداد ومعه أتابكه آقسنقر الأحمديلي، فأكرمه الخليفة وأنزله بدار السلطان، وكان الملك مسعود بكنجة، فلما سمع بانهزام الملك داود توجه نحو بغداد.
سار أُسطولُ رجار مَلِكِ الفرنج بصقليَّةَ إلى مدينة بونة- وهي أوَّلُ حَدٍّ مِن بلادِ إفريقيَّةَ- وكان المُقَدَّمُ عليهم فتاه فيلب المهدوي، فحَصَرَها واستعان بالعَرَبِ عليها، فأخَذَها في رجب، وسَبى أهلَها، ومَلَكَ ما فيها، غيرَ أنَّه أغضى عن جماعةٍ مِن العُلَماءِ والصَّالحينَ، حتى خَرَجوا بأهليهم وأموالِهم إلى القُرى، فأقام بها عَشرةَ أيَّامٍ، وعاد إلى المهديَّةِ وبَعضِ الأسرى معه، وعاد إلى صقليَّةَ، فقَبَضَ رجار على فيلب المهدوي؛ لِما اعتَمَدَه مِن الرِّفقِ بالمُسلِمينَ في بونة, وكان يقالُ إن فيلب وجميع فتيانه مُسلِمونَ يَكتُمونَ ذلك، وشَهِدوا عليه أنَّه لا يصومُ مع المَلِك، وأنَّه مُسلِمٌ، فجَمَعَ رجار الأساقِفةَ والقُسوسَ والفُرسانَ، فحَكَموا بأنْ يُحرَقَ، فأُحرِقَ في رمضانَ، وهذا أوَّلُ وَهَنٍ دَخَلَ على المُسلِمينَ بصقليَّةَ.
جمع كَنزُ الدولة والي أسوان العَرَبَ والسودانَ، وقَصَد القاهرةَ يريدُ إعادةَ الدولة الفاطمية، وأنفق في جموعه أموالًا جزيلة، وانضم إليه جماعةٌ ممَّن يهوى هواهم، فقَتَلَ عدَّةً من أمراء صلاح الدين، وخرج في قريةِ طود رجلٌ يُعرَفُ بعباس بن شادي، وأخذ بلادَ قوص، وانتهب أموالَها، فجهز السلطانُ صلاح الدين أخاه المَلِكَ العادل في جيشٍ كثيف، ومعه الخطيرُ مهذب بن مماتي، فسار وأوقع بشادي وبدَّدَ جموعَه وقتَلَه، ثم سار فلقيه كنزُ الدولة بناحية طود، وكانت بينهما حروبٌ فَرَّ منها كنزُ الدولة، بعدما قُتِلَ أكثَرُ عَسكَرِه، ثم قُتل كنزُ الدولة في سابع صفر، وقَدِمَ العادلُ إلى القاهرة في ثامن عشر من صفر.
في يوم الثلاثاء الحادي والعشرين جمادى الأولى قدم غزاة المسلمين في البحر، وكان من خبرهم أنهم انحدروا في النيل من ساحل بولاق إلى دمياط، ثم ركبوا بحر الملح من دمياط وساروا في جزيرة قبرص، فقام لهم متملكها بزوادتهم، ومروا إلى العلايا فأمدهم صاحبها بطائفة في غرابين -نوع من المراكب- ومضوا إلى رودس، وقد استعد أهلها لقتالهم، فكانت بينهم محاربة طول يومهم، لم يكن فيها حسم، وقُتِلَ من المسلمين اثنا عشر من المماليك، وجُرح كثير، وقُتِل وجُرح من الفرنج كثير، فلما خلص المسلمون بعد جهد مروا بقرية من قرى رودس، فقتلوا وأسروا ونهبوا ما فيها، وقدموا دمياط، ثم ركبوا النيل إلى القاهرة، وأسفر وجه الأمراء أنهم لم يكن لهم طاقة بأهل رودس.
هو أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الحنفي، نسبة إلى محمد بن الحنفية، ولِدَ في قلقشندة بمصر، ونشأ في ساقية أبي شعرة، وينسب الشعراني إلى قرية أبي شعرة المصري الشافعي الصوفي، والشعراني صوفي شاذلي أسَّس الطريقة الشعراوية، وكان معظمُ نشاطه في التصوف، اشتهر بتفاخره؛ حيث كان يدَّعي الاتصالَ بالله والملائكة والرسل، وأنه قادر على الإتيان بالمعجزات والتعرف على أسرار العالم!! له تصانيف أشهرُها طبقاته المسمى: لواقح الأنوار في طبقات الأخيار، وهو تراجم للصوفية، فيه كثير من القصص الخرافية التي يزعم أنها كرامات لأصحابها، بل في بعضها كفر، فأنى يكون كرامة؟! وله أدب القضاء، وله إرشاد الطالبين إلى مراثي العلماء العاملين، وغيرها، توفي في القاهرة عن 75 عامًا.
سار الإمامُ سعود من الدرعية بعد أن استلحق جميعَ رعاياه من البادي والحاضر، فنهض بجيوشه وقصدَ ناحية الشمال حتى نزل على قريةِ التنومة القريبة من القصيم فعيَّد فيها ونحَرَ ضحاياه بها، ثم أرخص عُربان الشمال من الظفيري وأذِنَ لهم بالعودة إلى أوطانِهم؛ لأنَّه يريد القفول إلى وطنه، وكان قصده أن يُبغِت أهل البصرة إذا بلَغَهم رجوعُه، ثم رحل من التنومة إلى جهة الدرعية، ثم رجع عاديًا إلى البصرة فوافق كتيبةَ خيل للمنتفق رئيسهم منصور بن ثامر، فأغار عليهم وأسر رئيسَهم منصورًا, ثم داهم البصرةَ من الجنوب وهدم جميعَ القباب والمشاهد التي خارج سور البلد, ثم أمر سعود أن يحتَشِدَ جنده على قصر الدريهمية لهدمِه، فهدموه واستمَرَّ في حصار البصرة اثني عشر يومًا ثم رحل قافلًا إلى وطنه.