تجدَّدت الفِتنةُ الطائفية في بلاد الشامِ؛ إذ اعتدى الموارنة على الدروز عام 1276هـ، فقام الدروز يأخُذونَ بالثأرِ، وامتَدَّ اللهيبُ مِن جبل لبنان إلى طرابلس وصيدا وزحلة ودير القمر واللاذقية ودمشق، وأسرعت الدولةُ فأرسلت فؤاد باشا وقضى على الفتنةِ، وعاقب المسؤولين عنها كلًّا بما يستحِقُّ، واحتَجَّت الدُّولُ الأوربية وهدَّدت بالتدخُّلِ، وكانت متفرقةَ الرأي ثم اجتمعت أو اتَّفَقت على أن ترسِلَ فرنسا ستة آلاف جندي لمساعدة الدولةِ فيما إذا عجزت عن إطفاءِ الفتنةِ -حسب زعمهم- وأنزلت فرنسا قوتَها في بيروت في الثاني والعشرين من محرَّم من عام 1277هـ، وهذا يُعَدُّ تدخلًا في شؤون الدولة العثمانية التي أحسَنَت القيامَ بمهمتها، لكن كان القصدُ تقوية النصارى وإظهارُهم بمظهرِ القوة، وأن أوربا كُلَّها من خَلْفِهم لتزدادَ قُوَّتُهم ويخشى خصومُهم بأسَهم، وجرى الاتفاقُ مع فؤاد باشا على أن يعوَّضَ النصارى على ما خسروه، ويُمنَحَ أهلُ الجبل حكومةً مُستقلَّةً تحت سيادة الدولةِ، وأن يرأس هذه الحكومةَ رجل نصراني لمدة ثلاث سنوات، ولا يحِقُّ عزلُه إلَّا برأي الدول الأوروبية، وتقترحه الدولةُ وتوافِقُ عليه أوروبا، وقد اختير أوَّلُ حاكم وهو داود الأرمني، ويذكَرُ أن هذا التساهل ألزم فرنسا بالانسحابِ مِن الشام إذ أخلَت المناطِقَ التي دخلَتْها في السابع والعشرين من ذي القعدة عام 1277هـ أي: بعد عشرة أشهر وخمسة أيام من دخولِها.
كان الشيخُ الإمام محمد شامل الداغستاني في عام 1834م قد دعا جميعَ رؤساء القبائل وكبار القضاة إلى اجتماعٍ في منطقةٍ وسطَ جبال القوقاز وتباحَثوا في أمرِ جهادِ الرُّوسِ، فبادر الإمامُ شامل بوضع القواعدِ اللازمة للارتقاءِ بالمقاومة الإسلاميَّةِ ضِدَّ الروس، وحوَّل القبائل إلى شَعبٍ واحدٍ، وقسَّم المناطِقَ إلى أقسامٍ عِدَّةٍ ووضع لكلِّ قسمٍ نائبًا يأخذُ على عاتقه الأمورَ الشرعيَّةَ والعُرفيَّةَ والعسكرية, وأنشأ ديوانًا أعلى للقضاءِ كان مقَرُّه في الشيشان مهمَّتُه تنفيذُ الأحكام الشرعية، وأنشأ المصانِعَ لإنتاج الأسلحة والذخائر, ووضع الشيخُ شامل تنظيمًا لحكمِ البلاد تحت رئاستِه والتفَّتْ شعوبُ القوقاز كلُّها حوله بعد أن نجحَ في ترسيخِ أحكام الإسلام في نفوسِ المسلمين وتربيتِهم التربيةَ الروحيَّةَ الجهاديَّةَ في سبيل اللهِ؛ لذلك انطلق المجاهِدون في حروبِهم ضِدَّ الروس من خلال فَهمِهم لعقيدةِ الجهاد الذي يُعتبر ذِروةَ سَنامِ الإسلام، واستطاع الشيخُ شامل خلال ثلاثين سنة إجلاءَ الروس من معظم بلاد القوقاز، وأنزل بهم هزائِمَ ساحقة، وانتشرت أخباره إلى أرجاء أوروبا، وأصبحت بطولاتُه رمزًا للأمم المقهورة, مِمَّا أثار الروسَ، فرصدوا مكافأةً لِمن يأتي برأسِ الإمام شامل 45.000 روبل فكتب الإمامُ شامل إلى الجنرال الروسي يقول فيه: "كم كانت سعادتي حين علمتُ أنَّ رأسي تساوي هذا الثَّمَنَ الضخمَ، ولكنك لن تكون سعيدًا حينما أُخبرك أنَّ رأسَك ورأس القيصر ذاتِه لا يساوي لديَّ كوبيكا واحدًا!" وقع الإمامُ شامل ضحيَّةَ التسويات الدولية؛ ففي 1856 انتهت الحربُ التركية الروسية وهو ما سمح لروسيا بالتركيزِ بقوَّتِها على الجبهة القوقازية بقوة 300,000 مقاتل، وأُوكِلت المهمة إلى الجنرال الشاب أليكساندر إيفانوفيتش بارياتسكي، فدفع بقواتِه بالهجوم من جميع الجهات على قوَّات الإمام شامل، حتى تمكَّنوا مِن أسْرِه عام (1859م) ومِن ثمَّ نَفْيه إلى خارج منطقة القوقاز. ولكِنَّه أُخلي سبيلُه بعد ذلك بشروطٍ أهمُّها الجلاءُ عن البلاد.
هو محمد بن علي السنوسي الكبير صاحِبُ الدعوة السنوسية، وواحِدٌ من كبار المُصلِحين في العالم الإسلامي في العصر الحديث. ولِدَ بمقاطعة وهران بالجزائر سنة 1202 هـ / 1798م، ورحل إلى فاس سنة 1812م، والتحق بجامِعِ القرويين وبعد تخرُّجِه فيها عُيِّن مدرسًا بالجامعِ الكبير بفاس. عاصرَ دخولَ الدولةِ السعودية الأولى للحجازِ واختلط بعُلَمائِها وأخذ عنهم، ثم عاد إلى ليبيا وقام بدعوته الإصلاحية التي اتخذت الإسلامَ طريقًا لها في العمَلِ، فدعا المجتمَعَ الليبي إلى العودةِ إلى الإسلام والاعتماد على الكتابِ والسنَّةِ ومحاربة الاختلافِ والتفَرُّق في الدينِ، ومواجهة المبشِّرين بالنصرانية، ومحاربة الاستعمار الإيطالي المتسَلِّط. لَقِيَت الدعوة التي أسَّسها السنوسي صدًى في نفوس سكان الصحراء في الشمال الإفريقي كله والسودان، وكسب صاحبُها من النفوذ والسُّمعة, وقد حقَّقت قدرًا كبيرًا من النجاح، فكَوَّن دولة إسلامية امتدَّت آثارها إلى أفريقيا الغربية. وأقام مدرسةً عِلميةً إسلاميةً خرَّجت العلماءَ والقضاة والدعاة، وله عددٌ من المؤلَّفات بلغت نحو 40 كتابًا. توفي السنوسي في الجغبوب، وخلفه ابنه أحمد المهدي في قيادة الحركة السنوسية.
أغار عبد الله بن فيصل على العجمان وآل شامر وبني حسين وآل عذبة من المرة، وانتصر عليهم في وقعةِ الصبيحة بالدوادمي، وملأ يدَه من أموالهم، وقتل منهم خلقًا كثيًرا، وقد كانوا يَعيثون في أطرافِ الأحساء فسادًا، وكان الشيخُ أحمد بن مشرف أرسل قصيدةً لعبد الله بن فيصل يحرِّضُه عليهم ويبَيِّن له خطَرَهم على البلادِ.
هو الأميرُ جابر الأول بن عبد الله بن صباح، ثالثُ أمراء الكويت من آل الصباح. ولِدَ في الكويت وأقام في البحرين إلى أن توفِّيَ والده سنة 1229هـ فعاد إلى الكويت وولِيَ إمارتها. وفي أيَّامِه استولت إحدى قبائل العراق على البصرة وطردت حاكِمَها، فلجأ إلى جابر الأول فأنجَدَه بعدة سفُنٍ مزوَّدة بالرجال والمدافع، فاستخلصها فكافأته الحكومةُ العثمانية بمقدارٍ كبيرٍ من التمر كان يُرسَلُ إليه كلَّ عامٍ، وحاولت حكومةُ لندن إقناعَه برفع الراية البريطانية على الكويتِ فأبى، وأرادوا البناءَ فيها فلم يأذَنْ لهم، واستمَرَّ في الحكم إلى أن مات فيها. وقد اشتُهِرَ بالكرم والحَزم، ولُقِّبَ بـجابر العيش من شِدَّةِ كَرَمِه، وكان كثير التصَدُّقِ على الفقراء.
قام بنو عَمِّ عبد العزيز المحمد أبو العليان، وهم: حسن العبد المحسن، وأخوه عبد الله، ومحمد الغانم، وأخوه عبد الله، وقتلوا عبدَ الله بن عبد العزيز بن عدوان، أميرَ بُريدة من قِبَل الإمام فيصل، فلما بلغَ الإمامَ الخبَرُ جعل محمد الغانم أبو العليان أميرًا على بريدة، وبعد مدَّةٍ قليلة أطلق الإمامُ سراحَ عبد العزيز المحمد وأمره أن يرجِعَ أميرًا على بَلَدِه، وأبقى ابنَه عبد الله في الرياض كرهينةٍ؛ لأنَّ هذا الإطلاق لم يكُنْ عن رِضًا، ولكن رأى أنَّ البلد لا يستقيمُ فيها أميرٌ بسَبَبِ آل ابن عليان، وكان عبدُ الله الفيصل لا يرى رأيَ والده في عبد العزيز ويوَدُّ التخلُّصَ منه بأيِّ وجهٍ من الوجوه، ولكِن الإمامُ فيصل يغلِبُ عليه الحِلمُ والصَّفحُ.
تولَّى راكان بن فلاح بن حثلين زعامةَ العجمان بعد تنازُلِ عَمِّه حزام بن حثلين له عن رئاسةِ العجمان, وكان راكان شاعرًا وفارسًا مشهورًا تُروى حوله قِصَصٌ بطولية، واستمر سنواتٍ لا يصدُرُ منه ما يعكِّرُ صفو الأمن أو يثير مشكلاتٍ لحكومةِ الإمام فيصل، لكِنَّه في هذا العام أغار على إبِلٍ للإمام فيصل بن تركي نفسِه وأخذَها، ثم ارتحل إلى الصبيحية القريبة من الكويت، وقام بغاراتٍ على أطرافِ العراق، فجهز الإمام فيصل جيشًا جعل على رأسِه ابنَه عبد الله في شعبان من هذه السنة، وفي طريقِه إلى الصبيحية وجَدَ جماعة من العجمان عند ماء الوفراء، وهاجمهم وفَتَك بهم وكان زعيمُهم راكان قد توجَّه إلى الجهراء فتعَقَّبه عبد الله بن فيصل إلى هناك، حيث وقعت معركةٌ انتهت بهزيمةِ العجمان، وقُتِلَ حوالي سبعمائة رجل منهم، وفَرَّت بقاياهم إلى داخلِ بلدة الكويت واحتَمَت بها وتخلَّصَت البصرة والزبير من غاراتِ راكان وقومه.
هو سليمان باشا الفرنساوي، أو الكولونيل سيف، اسمه "الكولونيل أوكتاف جوزيف انتلم سيف" ولِدَ عام 1788م في مدينة ليون بفرنسا وهو ضابطٌ فرنسي جاء إلى مصر مع الحملةِ الفرنسية، وبقي بها واعتنق الإسلامَ، وهو من بقايا حروب نابليون. عندما فكر محمد علي في بناء جيشٍ مصريٍّ حديث يحافِظُ على إنجازاته عَهِدَ إليه بتكوينِ النواة الأولى من الضباط، واختار له أسوانَ حتى يبتَعِدَ الطلاب عن القاهرة ومؤثِّراتها والمؤامَرات التي كانت تحاكُ فيها. وقد لاقى "الكولونيل سيف" متاعبَ جمةً خلال تدريب طلابِ هذه المدرسة، خاصةً وأنهم لم يعتادوا الطاعةَ المُطلقةَ لرؤسائهم, كما لم يتعودوا أن يتعَلَّموا فنون الحرب الحديثة، وكان "سليمان الفرنساوي" شديدَ الإعجاب بالجندي المصري، ويُؤثَرُ في ذلك قوله: "إن المصريين هم خيرُ من رأيتُهم من الجنود؛ فهم يجمعون بين النشاط والقناعة والجَلَد على المتاعب، مع انشراحِ النَّفسِ وتوطينها على احتمالِ صُنوف الحِرمان، وهم بقليلٍ مِن الخبز يسيرون طوالَ النهار يحدوهم الشَّدوُ والغناءُ. ولقد رأيتُهم في معركة "قونية بالشام" يبقون ساعاتٍ متوالية في خطِّ النار محتفظين بشجاعةٍ ورباطةِ جأشٍ تدعوان إلى الإعجابِ، دون أن تختلَّ صُفوفُهم، أو يسري إليهم المَلَل أو يبدو منهم تقصيرٌ في واجباتهم وحركاتهم الحربية". وظل سليمان باشا في خدمةِ الجيش المصري بعد وفاة محمد علي حتى صار القائِدَ العام للجيش المصري في عهد الخديوي عباس، واستمَرَّ في عمله أيامَ عباس الأول وسعيد باشا، وعاش بين المصريين وقام بمصاهرتِهم، فتزوَّج إحدى بناتِه "محمد شريف باشا" الذي يُطلَق عليه المصريون أبو الدستور، وأنجب منها فتاةً تزوجت من "عبد الرحيم صبري باشا" وأثمر هذا الزواجُ فتاةً أصبحت ملكةً على مصر وهي "الملكة نازلي" أم الملك الراحل" فاروق الأول". وتقديرًا من المصريين أقاموا لسليمان الفرنساوي تمثالًا في ميدان أطلق عليه اسمه، كما أطلقوا اسمه على أحد شوارع القاهرة الرئيسية حتى قامت ثورة يوليو فأطاحت بالتمثال، وغيَّرَت اسم الميدان والشارع، وأطلقت عليهما اسم "طلعت حرب" رجل الاقتصاد المصري الشهير. ومع ذلك لا يزالُ المصريون يفَضِّلون استعمال اسم (شارع سليمان) ربما وفاء منهم لذكرى رجل كانت له اليدُ الطولى في بناءِ أوَّلِ جَيشٍ مصريٍّ حديثٍ.
انضَمَّت لالا فاطمة إلى المقاومة، وشاركت بجانب الشريفِ بوبغلة في المقاومة والدفاع عن منطقةِ جرجرة، فقاومت لالا فاطمة نسومر الاستعمارَ الفرنسي مقاومةً عنيفةً أبدت خلالَها شجاعةً وبطولة متفرِّدتين حتى توفِّيَت في سبتمبر 1863م؛ فقد شاركت في صَدِّ هجمات الفرنسيين عن ولاية "أربعاء ناث إيراثن" التابعة لولاية تيزي وزو شرقي الجزائر، فقطعت عليهم طريقَ المواصلات؛ ولهذا انضَمَّ إليها عددٌ من قادة الأعراش وشيوخِ القرى، فراحت تناوِشُ جيوش الاحتلال وتهاجِمُها، ويقال إنها هي التي فتكت بالخائِنِ سي الجودي، وأظهرت في إحدى المعارك شجاعةً قوية، وأنقَذَت الشريف بوبغلة الموجود في قرية سومر إثرَ المواجهة الأولى التي وقعت في قرية تزروتس بين قوات الجنرال ميسات والسكان، إلا أن هؤلاء تراجعوا بعد مقاومةٍ عنيفة؛ لغياب تكافؤ القوى عُدَّةً وعَدَدًا، وكان على الجنرال أن يجتازَ نقطتين صعبتين؛ هما: ثشكيرت، وثيري بويران، وفي هذا المكان كانت لالا فاطمة نسومر تقودُ مجموعة من النساء واقفاتٍ على قمة قريبة من مكان المعركة، وهن يحمِّسن الرجال بالزغاريد والنداءات المختلفة؛ مما جعل الثوارَ يستميتون في القتال. شارك الشريف بوبغلة في هذه المعركة وجُرِحَ، فوجد الرعايةَ لدى لالا فاطمة. كما حقَّقت لالا فاطمة انتصاراتٍ أخرى ضد الفرنسيين بنواحي (إيللتي وتحليجت ناث وبورجة وتوريتت موسى، تيزي بوايبر) ممَّا أدى بالسلطات الفرنسية إلى تجنيدِ جَيشٍ معتبر مكوَّن من 45 ألف مقاتل بقيادة الماريشال راندون، وبمؤازرة الماريشال ماك ماهون الذي أتاه بالعتادِ مِن قسطنطينة ليقابِلَ جيش لالا فاطمة الذي لا يتعدى 7000 مقاتل، وعندما احتدمت الحربُ بين الطرفين اتَّبع الفرنسيون أسلوب الإبادة بقتل كل أفراد العائلات دون تمييزٍ ولا شفقةٍ، وفي 19 ذي القعدة 1273هـ / 11 جولاي 1857م ألقِيَ القبض على لالا فاطمة، فحُكِمَ عليها بالإقامة الجبرية بـ(تورثاثين) بمنطقة العيساوية.
شُكِّلت لجنةٌ دوليةٌ تمثِّلُ الدول الأوروبية الكبرى: فرنسا وإنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا، برئاسة فؤاد باشا مندوبِ السلطانِ العثماني ووزيرِ خارجيته، مهمَّتُها التحقيقُ في حوادثِ الستين في لبنانِ، والحيلولةُ دون تجدُّدِها، ورأْبُ الصَّدعِ بين طوائفِ جبل لبنان، ووضع نظام جديد لحُكمه. وبعد أن عَقَدت اللجنةُ عِدَّةَ اجتماعات في بيروت والقسطنطينية ودرست خلالَها مختَلِفَ الشؤون، انتهت إلى عدة قرارات، كان أهمَّها: إلغاءُ نظام القائمقاميتين، ووضعُ نظامين لحكم جبل لبنان تألَّفَ أحدهما من 47 مادة، والثاني من 17 مادة، ثم رفعت اللجنة الأمرَ إلى الباب العالي وسُفَراء الدول الكبرى الخمس في الأستانة للدراسة وإقرار الأصلَحِ.
جرت الوقعةُ الكبرى على العجمان، وذلك أنَّ العجمان بعد وقعةِ الصبيحة انتَزَحوا إلى الشمال ونزلوا إلى الجهراءِ في الكويت؛ وذلك ليبتعدوا عن عبدِ الله الفيصل الذي ما زال يطارِدُهم لإزالة شَرِّهم. وفي شهر شعبان خرج عبد الله من الرياض وانضَمَّ إليه سبيع ومطير وبنو هاجر، فحاصروهم في موقعٍ خطيرٍ قريبٍ مِن البحر في منطقة الجهراء فتراجعت قواتُهم تجاهَ البحرِ، فنشبت أرجُلُ جيادهم في الرَّملِ والطين وغرق بعضُها، فسُمِّيَت بوقعة الطبعة أو سنة الطبعة، فهلك منهم خلقٌ كثيرٌ غرقًا غيرَ مَن قُتِل منهم في المعركةِ.
هو الأمير عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن حسن آل أبو عليان، وينتمي إلى العناقر من بني سعدِ بنِ زيد مناة بن بني تميم، أميرُ برُيدة وكانت مدة إمارته 34 سنة من عام 1243هـ إلى 1277هـ، وقد اشتهر بالشجاعةِ والطموحِ الكبير، جَدُّه هو عبد الله بن حسن كان أميرًا على القصيم. عندما عَزَل الإمام تركي بن عبد الله الأميرَ محمد بن علي الشاعر عن إمارة بُرَيدة جعل مكانَه عبد العزيز المحمد أبو عليان، ثمَّ لَمَّا بلغ الإمام تركي ما يَريبُه من محمد بن علي الشاعر أرسل إليه وجعله عنده في الرياضِ ولم يأذن له بالعودةِ للقصيمِ حتى قَوِيَ أمر عبد العزيز بن محمد وقَوِيَت شوكته في بُريدة. وظل عبد العزيز المحمد أميرًا على بريدة كذلك في عهد فيصل، لكنه كثيرًا ما يخرجُ على طاعة الإمام ويتآمر مع خصوم الإمام، فعُزل أكثَرَ مِن مرة من إمارةِ بريدةَ، ثمَّ أعيدَ إليها إلى أن قُتِلَ هذه السنة عندما عزم عبد الله بن فيصل التخلصَ منه قَصَد بريدة يريد القبضَ عليه، فلما بلغه خبَرُ قدوم عبد الله هرب من بُرَيدة ومعه أولاده، فأرسل عبد الله خلْفَهم سريَّةً مع أخيه محمد، فلم يستطع اللَّحاقَ به؛ لأنَّ جيشه الذي أتى عليه قد كلَّ. وجاء مهنا الصالح الذي ينتظِرُ هذه الفرصة فأعطاهم جيشًا قويًّا، فركبوا خلف عبد العزيز، وأدركوه بالشقيقة فقَتَلوه وقتلوا معه أولاده حجيلان، وتركي، وعليًّا وخدَّامهم، ورجعوا. وكان عبد الله بن عبد العزيز المحمد مع عبد الله الفيصل في غزوته، فلما عَلِمَ بالسرية التي أُرسِلَت للقبض على أبيه هرب واختفى في أحد الجبال، فوجدوه وأرسلوه إلى القطيف، وهناك مات أو قُتِل، وأرسل عبد الله إلى أبيه يخبِرُه بمقتل عبد العزيز وأولاده ويطلُبُ أن يرسِلَ إلى بريدة أميرًا على نظَرِه، ثم قام عبد الله الفيصل وهدم بيوتَ عبد العزيز المحمد وأولاده وأعوانه. ثم أرسل الإمامُ فيصل عبدَ الرحمن بن إبراهيم أميرًا في بُريدة.
هو الخليفةُ العثماني عبد المجيد الأول بن محمود الثاني بن عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني. كان السلطانُ عبد المجيد الأول ضعيفَ البنية شديدَ الذكاء، واقعيًّا ورحيمًا، وهو من أجلِّ سلاطين آل عثمان قدْرًا، تولَّى الحُكمَ بعد وفاة والِدِه السلطان محمود الثاني سنة 1839م، وكان عمرُه دون الثامنة عشرة، فكان صِغَرُ سِنِّه هذا فرصةً لبعض الوزراء التغريبيين لإكمال ما بدأه والدُه الراحل من إصلاحاتٍ على الطريقة الأوروبية، والتمادي في استحداثِ الوسائل الغربية، ومن هؤلاء الوزراء الذين ظهروا في ثيابِ المصلحين ومُسُوح الصادقين (مصطفى رشيد باشا) الذي كان سفيرًا للدولة في (لندن) و (باريس). أحب السلطان عبد المجيد الإصلاحَ فأدخل التنظيماتِ الحديثة، ورَغِب في تطبيقها في الحال، كما أدخل إصلاحاتٍ جمَّةً في الجيوش العثمانية. وترقَّت في أيامه العلومُ والمعارف، واتَّسَعت دائرةُ التجارة، وشُيِّدت الكثيرُ من المباني الفاخرة، ومُدَّت في عهده أسلاكُ الهاتف وقضبان السكك الحديدية, ويعتبر السلطانُ عبد المجيد أوَّلَ سلطان عثماني يُضفي على حركة تغريب الدولة العثمانية صِفةَ الرسمية؛ إذ إنَه أمر بتبني الدولة لهذه الحركةِ، وأمر بإصدار فرمانَي التنظيمات عامي 1854م، 1856م، وبهما بدأ في الدولة العثمانية ما سُمِّيَ بعهد التنظيمات، وهو اصطلاح يعني تنظيم شؤون الدولة وَفْقَ المنهج الغربي، وبهذين الفرمانينِ تم استبعادُ العمل بالشريعةِ الإسلامية، وبدأت الدولةُ في التقنين وإقامة المؤسسات، فكان السلطان عبد المجيد خاضِعًا لتأثير وزيره "رشيد باشا" الذي وجَدَ في الغرب مَثَله وفي الماسونية فلسفَتَه، ورشيد باشا هو الذي أعدَّ الجيلَ التالي له من الوزراءِ ورجال الدولة مثل مدحت باشا. توفِّيَ السلطان عبد المجيد في السابع عشر من ذي الحجة من هذا العام بعد أن دام في الحُكم اثنين وعشرين سنة ونصفًا تقريبًا، وتولى بعده أخوه عبد العزيز خلفًا له.