سار صَلاحُ الدين من عين تاب إلى حلب، فنزل عليها، في الميدان الأخضر، وأقام به عدَّة أيام، ثم انتقل إلى جبل جوشن فنزل بأعلاه، وأظهَرَ أنه يريد أن يبنيَ مساكِنَ له ولأصحابه وعساكِرِه، وأقام عليها أيامًا والقتالُ بين العسكرين كل َّيوم، وكان صاحِبُ حلب عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي، ومعه العسكرُ النوري، وهم مجِدُّون في القتال، فلما رأى كثرةَ الخرجِ، كأنَّه شَحَّ بالمال، فحضر يومًا عنده بعضُ أجناده، وطلبوا منه شيئًا، فاعتذر بقلة المال عنده، فقال له بعضُهم: من يريدُ أن يحفَظَ مثل حلَب يُخرِجُ الأموالَ، ولو باع حُلِيَّ نسائه، فمال حينئذٍ إلى تسليمِ حَلَب وأخْذِ العِوَض منها، وأرسل مع الأميرِ طمان الياروقي، وكان يميلُ إلى صلاح الدين وهواه معه، فلهذا أرسَلَه فقرر قاعدةَ الصُّلحِ على أن يُسَلِّمَ عماد الدين حَلَب إلى صلاح الدين ويأخذ عِوَضَها سنجار، ونصيبين، والخابور، والرقة وسروج، وأخَذَ عِوَضَها قرى ومزارع، فنزل عنها عشر صفر، وتسلَّمَها صلاح الدين.
ورد إلى واسط رجلٌ يعرف بالزكم محمد بن طالب بن عصية، وأصلُه من القارب، مِن قُرى واسط، وكان باطنيًّا ملحدًا، ونزل مجاورًا لدور بني الهروي، وغَشِيَه الناس، وكَثُر أتباعه، وكان ممَّن يغشاه رجلٌ يُعرَف بحسن الصابوني، فاتَّفَق أنه اجتاز بالسويقة، فكَلَّمه رجل نجَّار في مذهبهم، فرَدَّ عليه الصابوني ردًّا غليظًا، فقام إليه النجَّار وقتَلَه، وتسامع الناسُ بذلك، فوثبوا وقتلوا مَن وَجَدوا ممَّن يَنتَسِبُ إلى هذا المذهب، وقَصَدوا دار ابن عصية وقد اجتمع إليه خلقٌ من أصحابه، وأغلقوا الباب، وصَعِدوا إلى سطحها، ومنعوا النَّاسَ عنهم، فصَعِدوا إليهم من بعضِ الدور مِن على السطح، وتحصَّنَ مَن بقي في الدارِ بإغلاق الأبواب والممارق، فَكَسَروها، ونزلوا فقَتَلوا من وجدوا في الدارِ وأحرقوها، وقُتِلَ ابن عصية، وفتح الباب، وهرب منهم جماعةٌ فقُتِلوا؛ وبلغ الخبَرُ إلى بغداد، وانحدر فخرُ الدين أبو البدر بن أمسينا الواسطي لإصلاحِ الحال، وتسكينِ الفِتنةِ.
تولى الخلافةَ المستعصمُ بالله وهو آخر خلفاء بني العباس ببغداد، وهو الخليفة الذي قتله التتار بأمر هلاكو بن تولي ملك التتار بن جنكيزخان، سنة 656، وآباؤه ثمانية نسقًا وَلُوا الخلافة لم يتخلَّلهم أحد، وهو التاسِعُ، ولما توفي أبوه بكرةَ الجمعة عاشر جمادى الآخرة استدعي هو من التاج يومئذ بعد الصلاة، فبويع بالخلافة، ولقب بالمستعصم بالله، وله من العمر يومئذ ثلاثون سنة وشهور، وقد أتقن في شبيبته تلاوة القرآن حفظًا وتجويدًا، وأتقن العربية والخطَّ الحسن وغير ذلك من الفضائل، وكان مشهورًا بالخير مشكورًا مقتديًا بأبيه المستنصر بالله جهده وطاقتَه، وكان القائمُ بهذه البيعة المستعصمية شرف الدين أبو الفضائل إقبال المستنصري، فبايعه أولًا بنو عمه وأهله من بني العباس، ثم أعيان الدولة من الأمراء والوزراء والقضاة والعلماء والفقهاء ومَن بعدهم من أولي الحَلِّ والعقد والعامة وغيرهم، وجاءت البيعةُ من سائر الجهات والأقطار والبلدان والأمصار، وخُطِب له في سائر البلدان.
هو تقيُّ الدين أبو الحسن علي بن زين الدين عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري السبكي الشافعي، توفِّيَ بشاطئ النيل في ليلة الاثنين رابع جمادى الآخرة؛ ومولِدُه في شهر صفر سنة 683 بسبك الثلاث، وهي قرية بالمنوفية من أعمال الديار المصريَّة بالوجه البحري، كان إمامًا عالِمًا بالفقه والأصلينِ، والحديث والتفسير، والنحو والأدب، ولِيَ الإفتاء والقضاء بالقاهرة ثم انتقل إلى دمشق، فلما اعتَلَّ عاد إلى القاهرة، وهو والد تاج الدين السبكي, وله من المصنَّفات مختصر طبقات الفقهاء، ومجموع فتاوى، والابتهاج شرح المنهاج، ورفع الشقاق في مسألة الطلاق، وقد تناظر فيها كثيرًا مع ابن القيم، وكان بينهم بسبب ذلك مناظرات، وله كشف الغمة في ميراث أهل الذمة، وله كشف الدسائس في هدم الكنائس، وغيرها.
هو الشيخ الإمام الحافظ محدث الشام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي، المعروف بابن ناصر الدين القيسي الحموي الدمشقي الشافعي. ولد بدمشق سنة 777, طلب الحديث، فصار حافظ بلاد الشام من غير منازع، ووليَ مشيخة دار الحديث بالأشرفية, وصنَّف عدة مصنَّفات؛ منها: تحفة الإخباري بترجمة صحيح البخاري، وعقود الدرر في علوم الأثر، والرد الوافر في الدفاع عن ابن تيمية، وله التنقيح في حديث التسبيح، وله برد الأكباد عند فقد الأولاد، وله فضل عشر ذي الحجة ويوم عرفة، وغيرها من المصنفات الدالة على غزير علمه في الحديث والفقه. كان متأثرًا بشيخ الإسلام ابن تيمية. توفي في الثامن والعشرين ربيع الآخر بدمشق، وقيل: إنه قُتِل شهيدًا في إحدى قرى دمشق.
بعد قَبولِ الإمام عبد العزيز سعدونَ بنَ عريعر في الدرعية، سار ثويني بن عبد الله شيخ المنتفق ومعه العساكرُ العظيمة من المنتفق وأهل الهجر وجميع أهل الزبير وعربان شمر وطي ومعه من العَدَد والعُدَّة ما يفوق الحصرَ، يريد غزوَ القصيم، فوصل التنومة وهي من قرى القصيم ونازلها بجموعِه وحاصَرَها وضربها بالمدافِعِ، لكِنَّه لم يتمكن من دخولهِا إلا بمكيدةٍ عن طريق عثمان آل حمد من أهل الزلفي، فدخلها عليهم خديعةً، ثم أخذ التنومة عنوةً واستأصل أهلَها قتلًا ونهبًا, ثم ارتحل منها وقصد بُريدة ونزل بها وحصل بينه وبين أهلِها شيءٌ من القتال وأثناء الحصارِ بلغه أنَّه وقع في أوطانه اختلافٌ وخلل، فاضطر أن يرجِعَ إلى بلده, وكان عبد المحسن بن سرداح رئيسُ بني خالد قد خرج بعربانِه من بني خالد يريدُ القصيم نصرةً لثويني، فلما بلغ الدهناءَ بلَغَه رجوعُ ثويني فرجع من حيث جاء وتفَرَّقت كَلِمتُهم ولم يتمَّ لهم ما أرادوا.
على الرغم من معاهدة 1210ه بين الجزائر والولايات المتحدة، فإن السفنَ العثمانية التابعة لإيالة (ولاية) طرابلس بدأت في التعَرُّضِ للسفن الأمريكية التي تدخُلُ البحر المتوسط، وترتَّب على ذلك أن أرسَلَت الولايات المتحدة أسطولًا حربيًّا إلى ميناء طرابلس، هاجمت سفينتا حرب أمريكيتان تملك 35 مدفعًا السفُنَ الموجودةَ في ميناء طرابلس في ليبيا، إلَّا أن إحدى السفينتين (فلادليفيا) التي كانت تعدُّ أكبر سفينة في العالم في ذلك الوقتِ جنحت في المياه الضَّحلةِ في ميناء طرابلس، وتم أسرُ طاقَمِها المكون من 300 بحَّار، وطالب حاكِمُ طرابلس قرة مانلي يوسف باشا الولاياتِ المتحدة بدفع ثلاثة ملايين دولار تقَدَّم لهم كتعويضاتٍ قبلَ إطلاق سراح السفينة وطاقمِها، وطالب في نفس الوقت محمد حمودة باشا والي تونس الولاياتِ المتحدة بعشرة آلاف دولار سنويًّا. وظلت الولايات المتحدة تدفَعُ هذه الضريبة حمايةً لسفنها حتى سنة 1227هـ حيث سدَّد القنصل الأمريكي في الجزائر 62 ألف دولار ذهبًا، وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي تسَدَّد فيها الضريبة السنوية.
بعد زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي عبد المحسن السعدون منطقةَ السليمانية قرَّر مجلِسُ الوزراء في جلسة المجلس يوم 28 ذي القعدة 1431ه الموافق 11يوليو 1923م: 1/ أنَّ الحكومة لا تنوي تعيينَ أيِّ موظَّف في الأقضية الكردية عدا الموظَّفين الفنيين. 2/ أن الحكومةَ لا تجبِرُ سكان المناطق الكردية على استعمال اللغة العربية في مراجعاتهم. فكان هذا القرارُ خاطئًا؛ فإن المناطق الكردية جزء من أرض العراق يعيَّنُ فيها الموظف الكفء سواء أكان كرديًّا أم عربيًّا، وكذلك يعَيَّنُ الكردي في أي منطقة من العراق حسَبَ ما تقتضيه المصلحة، كان أكثَرُ سكان العراق من العرب، ولغتُهم الرسميَّةُ العربية، والأكراد مسلمون والعربية أساسية في عباداتهم وتلاوتهم للقرآن، فعليهم أن يحافظوا عليها. إنَّ اتخاذ هذا القرار وأمثاله هو الذي أوجد الفكرةَ الانفصالية ورسَّخَها مع الزمن وجعل العصبيَّةَ القوميَّةَ تحُلُّ محلَّ العقيدة الإسلامية، فعانت البلادُ الويلاتِ منها خاصةً عندما نشأت العصبية القومية عند العرب، والذي كان المستعمِرُ ينفُخُ فيها ويؤجِّجُها في نفوسِ المسلمين.
وُلِد المُلا أختر محمد منصور شاه محمد في قريةِ بندي تيمور (مُقاطعةِ ميواند) بولايةِ قندهارَ جنوبَ أفغانستانَ لعائلةٍ مِن البشتون. كان عُضوًا بارزًا في قيادةِ حركةِ طالبان، وعُيِّنَ عامَ 2001م وزيرًا للطيرانِ المَدَني والنقلِ في حركةِ "طالبان". وأُعيدَ إلى أفغانستان في عامِ 2006م بعدَ اعتقالِه في باكستانَ. وكان حاكمَ طالبان في قندهار حتى مايو 2007م، وشَغِلَ رئاسةَ الشُّؤونِ العسكريَّةِ في طالبان حتى عامِ 2010م. ونصَّبَه المُلا محمد عمر نائبًا له في عامِ 2010م، وشَغلَ مَنصِبَ نائبِ زعيمِ طالبان حتى يوليو 2015م، وقامَ بقيادةِ طالبان بالنيابةِ بشكلٍ فعليٍّ لمدةِ خَمسِ سنَواتٍ، وبعد إعلانِ وفاةِ المُلَّا عمر، اجتمَعَ أعضاءُ شورى أهلِ الحَلِّ والعَقدِ في طالبان والمشايخُ والعُلماءُ الأفغانُ، وبايعوا المُلَّا منصور أميرًا جديدًا لطالبان. واغتِيلَ -رحِمَه اللهُ- في هجومٍ لطائرةٍ أمريكيَّةٍ بدون طيَّارٍ، في المنطقةِ الحدوديَّةِ بين إيرانَ وباكستانَ بالقُربِ مِن الحدودِ الأفغانيَّةِ.
هو أبو عبدِ اللهِ أحمَدُ بنُ نصرِ بن مالك بن الهيثم الخُزاعي المروزي، ثم البغدادي، الإمامُ الكبيرُ الشَّهيدُ، ثِقةٌ فاضِلٌ، مِن كبارِ العُلَماء الآمِرينَ بالمعروفِ والنَّاهينَ عن المُنكَر. كان أحمَدُ بنُ نصرٍ يُخالِفُ مَن يقولُ: القُرآنُ مخلوقٌ، ويُطلِقُ لِسانَه فيه، مع غِلظةِ بالواثق، وكان يقولُ- إذا ذكَرَ الواثِقَ: فعَلَ هذا الخِنزيرُ، وقال هذا الكافِرُ، وفشا ذلك، فكان يغشاه رجلٌ يُعرَفُ بأبي هارونَ الشَّداخ وآخَرُ يقال له طالب، وغيرُهما، ودَعَوا الناسَ إليه، فبايعوه على الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكر، وفرَّقَ أبو هارون وطالِبٌ في الناسِ مالًا، فأعطيا كلَّ رجلٍ دينارًا، واتَّعَدوا ليلةَ الخميس لثلاثٍ خَلَت من شَعبانَ لِيَضرِبوا الطبلَ فيها ويثوروا على السُّلطانِ، فافتضحَ أمرُهم فأرسل الواثِقُ إلى أحمدَ بنِ نصرٍ، فأخَذَه وهو في الحمَّامِ، وحمل إليه، وفَتَّش بيته، فلم يوجَدْ فيه سلاحٌ، ولا شيءٌ من الآلاتِ، فسَيَّرَهم محمد بن إبراهيم إلى الواثِقِ مُقَيَّدينَ على أُكُفِ بِغالٍ ليس تحتَهم وِطاءٌ، إلى سامِرَّا وكان قد أعدَّ له مجلِسَ قضاءٍ، فقال الواثِقُ: ما تقولُ بالقرآنِ؟ قال: كلامُ اللهِ، فقال الواثِقٌ: أمخلوقٌ هو؟ قال: كلامُ الله. قال: فما تقولُ في ربِّك أَتَراه يومَ القيامة؟ قال: يا أميرَ المؤمنينَ، قد جاءت الأخبارُ عن رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((تَرَونَ ربَّكم يومَ القيامةِ كما تَرَون القمَرَ- قال- لا تُضامُونَ في رُؤيتِه)) فنحن على الخبَرِ، فقال الواثِقُ لِمَن حوله: ما تقولونَ فيه؟ فقال عبدُ الرحمن بن إسحاق- وكان قاضيًا على الجانبِ الغربيِّ- وعِزِّكَ يا أميرَ المؤمنينَ، هو حلالُ الدَّمِ، وقال بعضُ أصحابِ ابنِ أبي دؤاد: اسقِني دَمَه، وقال ابنُ أبي دؤاد: هو كافِرٌ يُستتابُ، لعلَّ به عاهةً ونقْصَ عَقلٍ، كأنَّه كَرِهَ أن يُقتَلَ بسَببِه، فقال الواثِقُ: إذا رأيتُموني قد قمتُ إليه، فلا يقومَنَّ أحَدٌ، فإنِّي أحتَسِبُ خطايَ إليه، ودعا بالصَّمصامة- سيفِ عمرِو بنِ مَعدِيَكرِب الزبيدي- ومشى إليه، وهو في وسط الدار على نِطعٍ، فضربه على حبلِ عاتِقِه، ثمَّ ضربَ سيما الدمشقيُّ رقبَتَه، وحزَّ رأسَه، وطعنه الواثِقُ بطَرفِ الصمصامة في بطنِه، وحُمِلَ رأسُه إلى بغداد فنُصِبَ بها وأقيمَ عليه الحرَسُ، وكتَبَ في أذُنِه رقعة: هذا رأسُ الكافرِ، المُشرِك الضالِّ، أحمد بن نصر؛ فلم يزَلْ مَصلوبًا ستَّ سنين، ثمَّ حُطَّ وجُمِعَ بين رأسِه وبدنِه، ودفن بالجانبِ الشَّرقيِّ مِن بغداد في عهد المتوكِّل، وتتبَّعَ الواثِقُ أصحابَ أحمدَ بنِ نصر، فجُعِلوا في الحُبُوس، فرحمةُ اللهِ على أحمدَ بنِ نَصرٍ، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ذكره الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل يومًا، فقال: "رَحِمَه اللهُ، ما كان أسخاه بنَفسِه لله! لقد جاد بنَفسِه له".
أوَّلُ ما غَزا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَبْواءَ ثمَّ بُواطَ ثمَّ العُشَيْرَةَ. وهي قريةٌ مِن عَمَلِ الفُرْعِ، بينها وبين الجُحْفَةِ مِن جِهَةِ المدينةِ ثلاثةٌ وعِشرون مِيلًا. قِيلَ سُمِّيتْ بذلك لِما كان فيها مِنَ الوَباءِ، وهي غَزوةُ وَدَّانَ بِتَشديدِ الدَّالِ، قال إسحاقُ: خرج النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم غازِيًا بِنَفْسِهِ حتَّى انتَهى إلى وَدَّانَ، وهي الأَبْواءُ. خرج مِنَ المدينةِ على رأسِ اثنيْ عشرَ شهرًا مِن مَقْدَمِهِ المدينةَ يُريدُ قُريشًا، فَوادَعَ بني ضَمْرَةَ بنِ بكرِ بنِ عبدِ مَناةَ، مِن كِنانةَ، وادَعَهُ رَئيسُهم مَجْدِيُّ بنُ عَمرٍو الضَّمْريُّ، ورجع بغيرِ قِتالٍ. وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد استعمل على المدينةِ سعدَ بنَ عُبادةَ. وقِيلَ: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا وصل إلى الأَبْواءِ بعَث عُبيدةَ بنَ الحارثِ في سِتِّينَ رجلًا فَلَقوا جمعًا مِن قُريشٍ فتَراموا بالنَّبْلِ، فَرَمى سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ بِسَهمٍ، وكان أوَّلَ مَن رَمى بِسَهمٍ في سَبيلِ الله.
هو أميرُ المؤمنينَ أبو الفضلِ بنِ المعتَصِم بالله محمَّد بن هارون الرَّشيد القُرَشي العبَّاسي البغدادي. ولِدَ سنةَ خَمسٍ ومائتين، وبويعَ في ذي الحِجَّة سنةَ اثنتينِ وثلاثين بعد الواثقِ, وتلقَّبَ بالمتوكِّل على الله. وكان أسمَرَ مليحَ العينينِ، نحيفَ الجِسمِ خفيفَ العارِضَينِ، إلى القِصَرِ أقرَب. وأمُّه أمُّ ولد اسمُها: شجاع. قال خليفة: "استُخلِفَ المتوكِّلُ، فأظهرَ السُّنَّةَ وعَمِلَ بها في مجلِسِه، وكتبَ إلى الآفاقِ برَفعِ المحنةِ؛ خلْق القرآنِ، وإظهارِ السُّنَّة وبَسْطِها ونصرِ أهلِها"، كان إبراهيمُ بن محمد التيمي قاضي البصرة يقول: الخلفاءُ ثلاثة: "أبو بكرٍ الصِّديقُ يومَ الرِّدَّة، وعمرُ بنُ عبد العزيز في رَدِّ مظالمِ بني أميَّة، والمتوكِّلُ في محوِ البِدَع وإظهارِ السُّنَّة". وقد قِدَمَ المتوكِّلُ دمشقَ في صفر سنة أربع وأربعين، وعزم على المُقام بها وأعجَبَته، ونقل دواوينَ المُلك إليها. وأمرَ بالبناء بها. وأمر للأتراكِ بما أرضاهم من الأموالِ، وبنى قصرًا كبيرًا بداريَّا من جهة المزَّة، لكنَّه عاد إلى سامرَّا, وقد قتله ابنُه المنتصِرُ بعد أن تآمرَ مع الأتراكِ على قَتلِه.
هو المُبتدِع الضّالُّ شَيخُ الكَرَّاميَّة: محمد بن كرَّام بن عراف النيسابوري، الذي إليه تُنسَب الفِرقةُ الكرَّامية, وُلِدَ بقرية من قرى زرنج بسجستان، ثمَّ دخل خراسان, وأكثَرَ الاختلاف إلى أحمد بن حرب الزاهد، كان زاهدًا عابدًا بعيدَ الصِّيتِ, كثيرَ الأصحابِ، ولكِنَّه يروي الواهياتِ, خُذِلَ حتى التقَطَ من المذاهِبِ أرداها، ومن الأحاديثِ أوهاها, ثم جالسَ الجويباري، وابن تميم, ولعلهما قد وضعا مائة ألف حديث، وأخذ التقشُّفَ عن أحمد بن حرب، كان يقولُ بالتجسيمِ والتَّشبيه وأنَّ الله محَلٌّ للحوادثِ، وأنَّ صفاتِه هي عوارِضُ حادثةٌ- تعالى الله عن ذلك- والإيمانُ عنده مجرَّدُ قَولٍ، وكان يجلِسُ للوعظ في بيت المقدِس عند العمود الذي عند مشهَدِ عيسى عليه السلام، واجتمع عليه خلقٌ كثيرٌ، ثمَّ تبين لهم أنه يقولُ: إنَّ الإيمان قولٌ بلا عملٍ، فتركه أهلُها ونفاه متولِّيها إلى غورزغر فمات بها، ونُقِل إلى بيت المقدس. قال فيه الذهبي: "ونظيرُه في زهده وضلالِه عمرُو بن عُبيد- نسأل اللهَ السلامةَ- وأخبَثُ مقالاتِه أنَّ الإيمانَ قَولٌ بلا معرفةِ قَلبٍ"
سار المعِزُّ الفاطميُّ من إفريقيَّة يريدُ الدِّيارَ المصريَّة، وكان أوَّل مسيرِه أواخِرَ شوَّال سنة 361 وكان أوَّل رحيله من المنصوريَّة، فأقام بسردانيَّة، وهي قريةٌ قريبةٌ مِن القيروان، ولحقه بها رجالُه وعُمَّالُه، وأهلُ بيته وجميعُ ما كان له في قَصرِه مِن أموال وأمتعةٍ وغير ذلك، وسار عنها واستعملَ على بلاد إفريقيَّةَ يوسُفَ بلكين بن زيري، وجعل على صقليَّةَ حسَن بنَ علي بن أبي الحُسَين، وجعل على طرابلس عبدَ الله بن يخلف الكتاميَّ، وجعل على جباية أموالِ إفريقيَّة زيادةَ الله بن القديم، وعلى الخراجِ عبد الجبَّار الخُراساني، وحُسَين بن خلف الموصدي، وأمَرَهم بالانقيادِ ليُوسُف بن زيري، فأقام بسردانيَّة أربعة أشهر حتى فرغ من جميعِ ما يريد، ثم رحل عنها، ومعه يوسُفُ بلكين وهو يوصيه بما يفعَلُه، ثم سار المعِزُّ حتى وصل إلى الإسكندريَّة أواخر شعبان من سنة 362، وأتاه أهلُ مِصرَ وأعيانُها، فلَقِيَهم وأكرَمَهم وأحسن إليهم، وسار فدخل القاهرةَ خامس شهر رمضان سنة 362، وأنزل عساكِرَه مصرَ والقاهرةَ في الديار، وبقي كثيرٌ منهم في الخِيامِ.
هو الإمامُ العلَّامةُ اللُّغَويُّ المُحَدِّثُ، أبو الحُسَين: أحمَدُ بنُ فارسِ بنِ زكريَّا بنِ محمَّد بن حبيب القزوينيُّ، المعروفُ بالرَّازيِّ، المالكي، اللُّغَوي الأديب، نزيلُ همذان، وصاحِبُ كِتابِ "المُجمَل". مولِدُه بقزوين, ومرباه بهمذان، وأكثَرُ الإقامةِ بالرَّيِّ. وكان رأسًا في الأدَبِ، بصيرًا بفِقهِ مالكٍ، مناظِرًا متكَلِّمًا على طريقةِ أهل الحق، ومذهَبُه في النَّحوِ على طريقةِ الكوفيِّينَ، جمَعَ إتقانَ العِلمِ إلى ظَرْفِ أهل الكتابةِ والشِّعرِ. رحَلَ ابنُ فارس إلى قزوين وبغداد طالبًا للحديثِ، ثمَّ عاد إلى همذان، ثمَّ إلى الريِّ، والتقى الصاحِبَ إسماعيلَ بنَ عَبَّاد الذي أخَذَ عنه اللُّغةَ والأدبَ، وقد غَلَب على عِلمِ ابنِ فارس الاهتِمامُ باللُّغةِ. وصَنَّف مع ذلك تصانيفَ في تفسيرِ القُرآنِ والنَّحوِ والتَّاريخِ والفِقهِ، وردَّ على الشُّعوبيَّةِ ردًّا قويًّا. مِن كُتُبِه: "مقاييسُ اللُّغةِ"، و"الإتباعُ والمُزاوَجة"، و"المُجْمَل" في اللُّغة، و"الصَّاحِبي" في فِقهِ اللُّغةِ. وقد ألّفَهُ لِخزانةِ الصَّاحِبِ بنِ عَبَّاد. كان أبو الحُسَين من الأجوادِ, حتى إنَّه يهَبُ ثيابَه وفُرُشَ بَيتِه، وكان من رؤوسِ أهلِ السُّنَّة المُجَرَّدين على مذهَبِ أهل الحديثِ. مات بالرَّيِّ.