أرسلت روسيا قوةً كبيرةً إلى فارنا من بلغاريا على البحر الأسود ولم تستَطِع القواتُ العثمانية صَدَّها، فاضطرت لعقدِ الصلحِ مع روسيا، فتَمَّ الصُّلحُ في مدينة قينارجة في بلغاريا، اعترفت فيه الدولةُ العثمانيةُ باستقلالِ تتار القرم ومنطقة بسارابيا في رومانيا وقوبان في القفقاس، على أن تكونَ للدولة العثمانيةِ المرجعيةُ الدينيةُ، وتدفَعَ لروسيا مبلغًا ماديًّا كغرامةٍ حربيةٍ، وتكون لها حريةُ الملاحة في البحر الأسود، ويكون للروسِ حَقُّ حماية النصارى الأرثوذكس، وتُعتبَرُ هذه المعاهدة من أسوأ ما مرَّ على الدولة العثمانية ممَّا يدُلُّ على شدة تدهورها وضَعفِها؛ حيث اعترفت الدولةُ العثمانيةُ بانضمامِ القرم نهائيًّا إلى روسيا, وكانت القرم تابعةً للعثمانيين فترةً تزيد على 296 عامًا.
عُقِدَت اتفاقيَّةٌ جانبية بين الدولة العثمانية وروسيا باسم (خونكار أسكله سي) تعهَّدت فيها روسيا بالدفاع عن الدولة ضِدَّ جيوش محمد علي أو أي معتدٍ آخر، وبذلك أصبح بإمكانِها التدخل في شؤون الدولة الخاصة وقتما تريد. وتُعتَبَرُ هذه المعاهدة قمةَ النفوذ الروسي في الدَّولةِ العثمانية والتي نَصَّت على: عقدِ تحالفٍ بين الدولة العثمانية وروسيا. عقدِ اتفاقية دفاعٍ مُشترك بين الدولة العثمانية وروسيا. مَنحِ روسيا حقَّ حماية الرعايا النصارى في البلقان. وحماية الأراضي المقدسة. وحق حرية الملاحة في المضائق والمياه العثمانية, وإغلاقها أمامَ السفن الحربية الأوروبية. وقد استمرت هذه المعاهدةُ لمدة ثماني سنواتٍ.
عندما اندلعت الحرب العظمى انسحب الأتراك من عسيرٍ، أصبح الأمير حسن آل عائض حاكمًا لعسير، لكِنَّ قبائل قحطان وزهران نفرت منه بسبب استبداده، فأرسلوا إلى الملك عبدالعزيز يستعينون به عليه، فأرسل لهم علماء يعلِّمون الناس العلم وينشرون التوحيد، لكنَّ ابن عائض لم يحسِنْ استقبالهم واستمَرَّ في سياسته، فأرسل الملك عبدالعزيز حملةً بقيادة ابن عمه عبد العزيز بن مساعد بن جلوي أمير حائل ومعه قحطان وزهران، فهزموا ابن عائض وابن عمه محمد آل عائض في معركة حجلا؛ فأُسِرَا وأرسلا إلى الرياض، ثم أفرج عنهما وعادا إلى عسير كعمَّال للملك عبدالعزيز.
بعد أن تسلم محمد السادس الخلافةَ بأشهر استسلمت الدولةُ في الحرب العالمية الأولى واحتَلَّ الحلفاء أكثَرَ أجزاء الدولة وسيطروا على استانبول والمضائق، واحتلت اليونانُ الأقسامَ الغربية وضاعت البلدانُ العربية، فوضع السلطانُ ثِقتَه بمصطفى كمال فخاب ظنُّه؛ لأنه أصبح يعمل لنفسِه، فلما وجد السلطانُ محمد ذلك اعتزل السلطةَ وتنازل عن الخلافة في هذا العامِ، وبعد أقل من أربع سنوات من توليه للحكمِ؛ حيث رفض أن يكونَ مَلِكًا رمزيًّا لا علاقةَ له بالحكم، فاعتزل ورحل إلى جزيرة مالطة ونودِيَ بابن عمه عبد المجيد الثاني بن عبد العزيز الذي أصبح الخليفةَ، والذي جُرِّد من السلطاتِ السياسية كافةً.
دعا الملِكُ عبد العزيز ذوي الرأيِ من شيوخ وقادة القبائل إلى اجتماعٍ في قرية الشعراء، وطلب منهم أن يأتوه بآرائِهم وآراءِ قبائلهم في شأنِ المتمَرِّدين من الإخوان (إخوان من طاع الله)، وفي اليوم التالي انعقد الاجتماعُ واتفقوا على عددٍ مِن المقررات، منها: 1/ كل من شارك في الفتنة وبقي حيًّا يؤخذ مالُه ورِكابُه وسلاحُه وتحكَّمُ الشريعة في رقبته. 2/ كل من كان متهمًا بممالأة أهل الفساد ولم يجاهِدْ مع المسلمين تؤخذ منه شوكة الحرب (ركابه وسلاحُه). 3/ كل ما يؤخذ من المفسدين يُمنَحُ للمجاهدين الصادقين. 4/ كل هجرة غلب على أهلها الفسادُ يُطرَدون من هجرتهم، ويفَرَّقون ولا يُسمَحُ لفريق منهم الاجتماعُ في مكان واحد.
كانت داهومي (بنين حاليًّا) تحت الاستعمار الفرنسي، ورُسِمَت الحدود بين نيجيريا وداهومي بشكلٍ دقيق بعد اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا وُقِّعَت عام 1316هـ / 1898م، ثم رُسِمَت الحدود مع التوغو بعد اتفاقية مع ألمانيا عام 1330هـ / 1912م وأخذت داهومي شكلها الحاليَّ تقريبًا، ثم ركَّزت جهودَها التنصيرية أكثَرَ مِن أي منطقة أخرى، ثم تشَكَّلت حكومةٌ شبه مستقلة في الداهومي بعد الحرب عام 1366هـ / 1947م، وبعد عشر سنوات حصلت على الاستقلال الذاتي وأصبحت ضمنَ المجموعة الفرنسية، ووضعت دستورًا لنفسها، وجرت الانتخابات لاختيار مجلس تشريعي، وفي 8 صفر 1380هـ / آب أعلنت داهومي استقلالَها التامَّ وأصبح هيوبرت ماغا رئيسًا للدولة.
دخلَت القواتُ الدوليةُ بقيادةِ الولاياتِ المتحدةِ الصومالَ في ديسمبر عامَ 1992م، والتي حمَلَت اسمَ "إحياء الأمل"، وقد انتشرت في معظمِ المناطقِ الجنوبية، ودخَلَت القواتُ الدوليةُ في حربٍ معَ مليشيات الجنرال عيديد، وطالبت بإلقاءِ القبضِ عليه، وهو ما لم تنجحْ فيه. وأعقَبَ ذلك انسحابٌ سريعٌ للولايات المتَّحِدة من الصومالِ بعد مَقتَلِ 18 من جنودِها في شوارع مقديشيو في أكتوبر عام 1993م، تَلاه انسحابٌ للأمم المتَّحِدة حتى رحلَ آخرُ جُنديٍّ دوليٍّ عن الصومالِ في إبريل عامَ 1995م، وقد عُقدت في هذه الفترة عِدَّةُ مؤتمراتٍ في الخارج أهمُّها مؤتمرُ أديس أبابا عام 1993م، لكنَّ الأطرافَ الصومالية فشِلَت في التوصُّل إلى وِفاقٍ عمليٍّ.
تُوفي الشيخُ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت عن 77 عامًا، وخلالَ فترة حُكمه التي بدأت عام 1977م واستمرَّت نحوَ ثلاثة عقودٍ، مرَّت منطقة الخليج بأحداث بالغةِ الأهميَّة، من أبرزها قيامُ الثورة الإسلامية في إيرانَ عامَ 1979م، وإعلان قائدها الخُميني اعتزامَه تصدير الثورة لدول المنطقة، ثم قامت حربُ العراقِ وإيرانَ في عام 1980م، واستمرَّت نحوَ ثماني سنواتٍ، وفي عام 1990م قام صدَّام حُسين بغزو الكويت، واضطر الشيخ جابر لمغادرة بلاده، ثم عاد إليها بعد نجاح قوات التحالُف في تحريرها، وخلال فترة حُكمه أنشأ الشيخ جابر أولَ برلمان مُنتَخَب في منطقة الخليج.
وقَّع الرئيسُ اليمنيُّ علي عبد الله صالح على المُبادرةِ الخليجيَّةِ في الرياض؛ والمُبادرَة الخليجيَّة: هي مشروعُ اتفاقيَّةٍ سياسيَّةٍ أعلَنَتْها دولُ الخليجُ لإخراجِ اليمن من مَغبَّةِ الوُصولِ إلى انفجارِ الوضعِ، وحُصولِ حربٍ أهليَّةٍ داخِلَ البلدِ نتيجةَ تمسُّكِ الرئيسِ اليمنيِّ علي عبد الله صالح بالسُّلطة ورَفضِه التنحِّيَ عن الحكمِ بعد خُروجِ ملايِين اليمنِيِّين من الشَّبابِ وطلبةِ الجامعات ومُختلَف الشرائحِ الاجتماعيَّة إلى الشوارِعِ للمُطالَبة بتنحِّيه عن الحُكمِ، وأدَّى تمسُّكُ الرئيسِ صالح بالسُّلطة إلى تهديدِ السِّلم الاجتماعيِّ في اليمن وسُقوطِ مئاتِ القتلى بسببِ إفراطِ القوَّاتِ المسلَّحة وغيرِها في استخدامِ القوَّةِ ضدَّ المتظاهِرين في السَّاحات.
لَمَّا كان يومُ الأحد سابع شوال بلغ الأميرَ أسندَمُر الناصريَّ أميرَ كبير أتابك العساكر ومُدَبِّر المملكة ونائِبَ السلطنة- وهو الذي أصبح المقَدَّمَ بعد قَتلِ يلبغا- أنَّ جماعةً من الأمراء قد اتَّفَقوا على الفتكِ به وبالأجلاب، وهم أعضادُه وبهم يصولُ، فخرج ليلًا من داره إلى دار الأمير قجماس الطازي، وبذل له مالًا كبيرًا حتى استماله إليه، ثم فارَقَه، وفي ظَنِّه أنه قد صار معه، ولم يكن كذلك، وعاد إلى مَنزِلِه بالكبش واستدعى خواصَّه من اليلبغاوية، وقَرَّرَ معهم أنه إذا ركب للحرب يَقتُل كُلُّ واحد منهم أميرًا، أو يَقبِض عليه، وبذل لهم مالًا كبيرًا حتى وافَقوه، وما هو إلا أن خرج أسنَدمر من عند قجماس ليُدَبِّرَ ما قد ذكَرَ مع الأجلاب، ركب قجماس إلى جماعة من الأمراء، وقَرَّر معهم القبضَ على أسنَدمُر، فركبوا معه للحرب، ووقَفوا تحت القلعة، فنزل السلطانُ في الحال إلى الإسطبل، ودُقَّت الكوسات حربيًّا، وأما أسندمر فإنَّه بات هذه الليلة في إسطبله، حتى طلعت الشمس، ركب من الكبش بمن معه من اليلبغاويَّة وغيرهم، ومضى نحو القرافة، ومَرَّ من وراء القلعة، حتى وافاهم من تحت دار الضيافة، ووقف تحت الطبلخاناه فالتقى مع الأمراء، واقتتلوا فهَزَمَهم بمن كان قد دبَّر معهم من اليلبغاوية في الليل قَبْضَ الأمراء أو قَتْلَهم، وثبت الأمير ألجَاي اليوسفي والأمير أرغون ططر، وقاتلا أسندمر إلى قبيل الظهر، فلما لم يجدا مُعينًا ولا ناصرًا انكسرا إلى قبة النصر، وانفَضَّ الجمع بعد ما قتل الأمير ضروط الحاجب، وجرح الأمير قجماس والأمير أقبغا الجلب، وكثيرٌ من الأجناد والعامة، فقَبَض الأمير أَسَندَمر على الأمير قجماس، والأمير أَقبغا الجلب والأمير أقطاي، والأمير قُطْلُوبغا جركس، وهؤلاء أمراءُ ألوف، وقبض من أمراء الطبلخاناه على قرابغا شاد الأحواش، واختفى كثيرٌ من الأمراء، ومرت مماليك أَسَندَمُر وطائفة من الأجلاب في خلقٍ كثير من العامة، فنَهَبوا بيوت الأمراء، فكانت هذه الواقعةُ من أشنع حوادث مصر وأعظَمِها فسادًا.
لما استخلص ملك قشتالة الملك فرديناند مدينة بلش سار بحملته نحو مدينة مالقة فنزل عليها وقاتلها قتالًا شديدًا وحاصرها حصارًا عظيمًا لم يُرَ مثلُه، وأحاط بها من كل جانب ومكان برًّا وبحرًا، فتحصن أهل مالقة ببلدهم وأظهروا ما كان عندهم ومعهم من السلاح والعدة والأنفاط، وكان فيهم جملة من نجدة الفرسان فقاتلوا الروم قتالًا شديدًا، وقتلوا منهم خلقًا كثيًرا، حتى إنه قُتل من الروم في يوم واحد اثنا عشر ألفًا وسبع مئة، ومع ذلك بقي العدو يفتح عليهم أبوابًا من الحرب والحيل، والمسلمون قائمون بحراسة بلدهم ويغلبون عدوهم ويقتلون من قَرُب إليهم منهم، وهم صابرون محتسبون مدة طويلة حتى ضيق عليهم العدو ودوَّر بالمدينة سورًا من تراب وسورًا من خشب وحفيرًا مانعًا، ومنع عليهم الداخل والخارج في البر، ومنع عليهم في البحر بالمراكب من الداخل والخارج، وشد عليهم في الحصار والقتال، وهم مع ذلك صابرون محتسبون يقاتلون أشد القتال ولا يظهرون جزعًا ولا هلعًا ولا يُطمعون العدوَّ في شيء مما يرومُه منهم، حتى نفد ما عندهم من الأطعمة والزاد وأكلوا ما كان عندهم من المواشي من خيل وبغال وحمير وكلاب وجلود وورق الشجر وغير ذلك من الأشياء التي يمكن أكلها، حتى فني ذلك كله، وأثَّر فيهم الجوع أثرًا عظيمًا ومات كثير من نجدة رجالهم الذين كانوا يوالون الحرب والقتال، فحينئذ أذعنوا وطلبوا الأمان فاحتال عليهم العدو حتى دخل البلد بمكرٍ ومكيدة وأسرهم كلَّهم وسبى نساءهم وأولادهم واحتوى على جميع أموالهم، وفرَّقهم على أهل دخلته وقواده، وكان مصابهم مصابًا عظيمًا تحزن له القلوب وتذهل له النفوس وتذوب، وتبكي مصابَهم العيون بالدماء, وكان استيلاء العدو على مدينة مالقة في أواخر شعبان من هذا العام, فحين خلصت للعدو مدينة مالقة وبلش وجميع الغربية ولم يبقَ في تلك النواحي للمسلمين موضع واحد، ارتحل الطاغية إلى بلده من قشتالة.
جهز إبراهيم الشريف باي تونس مراكب صغارًا للغزو في سبيل الله، فغَنِمت إحداها غنيمةً بها ثلاثون نصرانيًّا وعدة صناديق بها أموال جزيلة، فدخلوا طرابلس فأحضرها خليل باي الجزائر بين يديه واغتصب منها أحد عشر نصرانيًّا واحتاط على الأموال بأسرها، فلم يُبقِ منها ولم يذرْ، واغتصب عدة صناديق بها آلات حرب وطردهم، فلما علم بذلك إبراهيم الشريف ورأى تجرؤَ خليل جمع جموعه ونصب ديوانًا في شأن تعدي خليل، فكان اتفاق الديوان على المدافعة والذب عن المال، فتجهز إبراهيم الشريف للخروج على طرابلس لمقاتلة خليل باي، فقدم قهواجي عثمان من الجزائر يحرضه على النهوض لطرابلس، وأرسل عساكر الجزائر مركبين لإبراهيم الشريف يطلبون منه الميرة؛ لقحط بلادهم تلك السنة، فتعلل إبراهيم الشريف باشتغاله بالسفر وعدم حصول الذخيرة، وأرسل لهم مائتي قنطار بشماطا، فلما جاءهم ذلك جمعوا ديوانًا، وقال حاكمهم: ألا ترون إلى إبراهيم الشريف يعطي القمح للنصارى ويمنع المسلمين، فما يريد إلا توهين عساكر الجزائر ليتقوى عليها، فخرج إبراهيم الشريف إلى طرابلس في العشر الأواخر من جمادى الآخرة من هذه السنة، فالتقى الجمعان في الثاني عشر من شعبان, فلم تكن إلا ساعة وانهزم خليل باي وأُخِذ منه مِدفَعا نحاس وثماني رايات وبغلان محملان مالًا، ومات من قوم خليل أزيد من ألف نفس وأُسر منه مثلُها، وفر خليل هاربًا فتبعته خيول إبراهيم الشريف فتنكر ودخل المدينة خائفًا من قومه حيث أوردهم هذه الموارد وما فعل بأهاليهم، ومكث إبراهيم محاصرًا لهم فضايق البلد أشدَّ مضايقة فطلبوا العفوَ وبذلوا المال، فأبى وامتنع، فتجدَّدت الحرب بين الفريقين ولم يزل متماديًا حتى قام الطاعون في المحلة ومات منها خلق كثير وفرَّ عنه العرب.
قدم أميرُ الأحساء سعدون بن عريعر القصيمَ لِمساندة أهلِها في الغدر بأتباعِ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأنصار الدرعية، وكان معه بنو خالد، وقد استنفر الظفير وعربان شمر ومن حضَر من عربان عنزة، فنزلوا بريدةَ وأحاطوا بها، فبادر رجالٌ منهم للقتال، فظهر أهلُ البلد فقتلوهم وأرسلوا برؤوسِهم لسعدون فامتلأ غيظًا وغضبًا، فهدد باستئصالهم إن ظفر بهم، فزحف على البلدة فوقع قتالٌ شديدٌ ولم ينَلْ منهم بشيءٍ، فحمل عليهم في الغدِ، وأراد جنودُه أن يتسوَّروا السورَ، لكن أهلَ بُريدة دافعوا عنه فانهزم جندُ سعدون وتركوا قتلاهم عند السور، فاستشار أهلَ القصيم في مكيدةٍ يكيد بها أهلَ بُريدة، فأشاروا أن يصنعَ مِدفَعًا كبيرًا يرمي به سور البلدِ وأبراجَه، لكنَّه لم يفلِحْ في صناعتِه على الرغم من دَعمِ أهل القصيم له بالموادِّ اللازمة، واستمرَّ القتالُ عدة أيام والنصرُ فيه حليفٌ لأهل بريدة، ثم بنى قصرًا أمام البلدة وضع فيه رجالًا، فتمكن أهل بريدة مِن قَتلِهم وهدم القصرِ، وأثناء الحصار تعرَّض سارحة سعدون إلى النَّهبِ مِن أهل الرَّس، وقُتل عددٌ من رجاله، وكان رئيس بريدة وبطلُها الذي يدير الحربَ ضِدَّ سعدون وأتباعه هو حجيلان بن حمد من رؤساء آل أبي عليان، فلما مضى خمسة أشهر وضاقت صدورُ العربان من الحربِ، حمل سعدون وجموعُه حملةً هائلة على الأسوار والبرج وقاتلهم أهلُ البلد قتالًا شديدًا حتى ردُّوهم على أعقابهم وقتلوا منهم عدَّةَ قتلى، فداخلهم بعد ذلك الفشلُ، فقرَّروا الرحيلَ، ولما رحلوا تفرَّق أهل القصيم وعادوا إلى أوطانهم, فخرج حجيلان بأهلِ بريدة فدخل الشماسَ وقتل من وجدَ فيها، وهربَ أهلُها فانزعجت قلوبُ أهل القصيم بعد ذلك، فأرسلوا إلى حجيلان يطلبون منه الأمان فطلب عليهم النَّكالَ مِن الأموالِ فوَفَوا له بها.
لم تنته الفتنة بين أبناء فيصل بموت سعود، بل استمَرَّت إلى أبعَدَ من ذلك؛ ففي عام 1291 هـ تولى عبد الرحمن بن فيصل إمامةَ نجدٍ بعد وفاة أخيه سعود، ومضى في حكمِه على أتمِّ وجه حوالي السنة، وبعدها اضطربت الأوضاعُ بالنسبة لعبد الرحمن؛ إذ جاء أخوه عبد الله الإمامُ الشرعي ومعه أخوه محمد من بادية العجمان -حيث كانا لاجئينِ سياسيينِ هناك- إلى الرياض ومعهما قوات من بدوِ عتيبة ومِن حَضَرِ الوشم، والتقيا بقواتِ عبد الرحمن الذي رفض التنازلَ لأخيه الكبير في بلدة ثرمدا، ونشبت الحرب بين الطرفين لم يصِلْ أحدهما إلى نصرٍ حاسم، فتفاوضا ونتج عن هذا التفاوض صُلحٌ مؤقت تمركزت فيه قواتُ عبد الله في الشمالِ، وظلت قوات عبد الرحمن تسيطِرُ على الرياض والجنوب.أمَّا بالنسبة لأولاد سعود فقد وقفوا بجانبِ عَمِّهم عبد الرحمن؛ لأنه كان يؤيِّدُ والدهم سعودًا في آخر أيامه، ومع هذا فلم يهدأ الوضعُ المتأزِّم؛ إذ ثار أبناء سعود ضِدَّ عمهم عبد الرحمن وأخذوا يطالبونَه بالحكم، وانقلبوا عليه بعد أن كانوا يؤيِّدونَه. ولم يستطع عبد الرحمن الصمودَ أمام ثورتهم، بل اضطرَّ تحت ضغطهم أن يخرجَ مِن الرياض ويلتجئ عند أخيه عبد الله في بادية عتيبة، وعاهده أن يتعاونَ معه ضِدَّ أولاد سعود!! وهكذا انعكس الوضعُ السياسي في نجد، فأصبح الحكمُ بيَدِ أولاد سعود بدلًا من عَمَّيْهم الشَّرعِيَّينِ، وكان لا بدَّ للعمَّينِ أن يقاوما أولادَ أخيهما حتى يستردَّا السلطة، فجمع عبد الله قواتٍ اتَّجَهت من الشمال نحو الرياض، إلَّا أن أولاد سعود لَمَّا رأوا تصميم عمَّيهم على الحرب، وضَعْفَ قوتهم، تركوا الرياض واتجهوا إلى مركزهم الأول الخَرج، وهكذا استطاع عبد الله وأخوه دخولَ الرياض بدون قتال عام 1293ه / 1876م.
وقفت الدولةُ العثمانية في الحرب إلى جانب دول المحور، بينما أعلن الشريف حسين الثورةَ على الدولة العثمانية ووقف إلى جانب دول الحلفاء، وتمكنت قواتُ الشريف حسين مدعومةً من قوات الحلفاء -وخاصة بريطانيا- من السيطرة على معظم بلاد الحجاز عدا المدينة، فحوصرت حصارًا يعدُّ واحدًا من أطول الحصارات في التاريخ؛ حيث استمَرَّ الحصار لمدة سنتين وسبعة أشهر حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكان والي المدينة هو فخري باشا أحد قادة الاتحاديين نائب جمال باشا قائد الفيلق الرابع في الشام، كان يتبَعُ فخري باشا جيشٌ مجهَّز بالأسلحة الخفيفة والمدفعيَّة التقليدية، وأثناء حصار المدينة هجر معظم أهالي المدينة المنورة، فلحق بعضُهم بالبدو حول المدينة، أو بمدن حجازية كمكة وجدة وينبع، ومنهم من ارتحل إلى حائل، بينما لحِقَ بمصر والشام والعراق وتركيا والهند واليمن، ولعب قطار الحجاز دورًا كبيرًا في نقل المدنيين إلى بلدان آمنة، وبعد هزيمة الدولة العثمانية واستسلامها للحلفاء صدرت الأوامِرُ لفخري باشا من استانبول بتسليمِ المدينة فرفض الاستسلامَ، واستمَرَّ في المقاومة نحو خمسة أشهر إلا أنه اضطر بعدها للاستسلام بعد أن سلم قيادةَ المدينة إلى قائد الفوج العثماني في المدينة، والذي استسلم بدوره لقوات الثوار العرب، ثم خرج فخري باشا بقواته البالغ عددهم 8000 جندي إلى معسكر القوات المحاصرة خارج المدينة في بير درويش بالفريش، وسلَّم نفسه لهم فاستقبله الشريف عبد الله بن الحسين فأكرمه، ثم أرسله إلى مصر حيث اعتُقِلَ فيها، وبعد استسلام الحامية العثمانية في المدينة لقوات الأشراف عاد بعضُ من تم تهجيرُهم من أهل المدينة إلى المدينة، في حين أن بعضَهم فُقد أو مات في دار هجرتِه، أو فضَّل البقاء هناك، أو عجز عن العودة إلى المدينة، وفقد كثيرٌ من الأهالي أموالهم وبيوتهم.