قال ابن إسحاق: «كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابًا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرّهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم» . أي لمّا امتنعوا من إتباعه، وذلك قبل الإذن بالقتال وأخذ الجزية ممن أبى الإسلام، وقد أبى عامَّتُهم إلا الكفر. وكانوا ثلاث قبائل: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وحاربه الثلاثة، فمنَّ على بني قينقاع، وأجلى بني النضير، وقتل بني قريظة، وسبى ذريتهم، ونزلت (سورة الحشر) في بني النضير، و (سورة الأحزاب) في بني قريظة.
انْتَقَض أهلُ خُراسان (وهي مُوزعة الآنَ بين إيران وأفغانستان وروسيا) على عُثمانَ بن عفَّانَ رضِي الله عنه، فأرسَل إليهم عبدَ الله بن عامرٍ عامِلَه على البَصرَةِ، فاشْتَبَك مع أهالي تلك البِلادِ في مَرْو ونَيْسابور وغيرِها ففتَحها مِن جديدٍ، ثمَّ تَوَجَّه الأحنفُ بن قيسٍ -وهو الذي كان على مُقدِّمةِ جيشِ عبدِ الله بن عامرِ تَوَجَّه- إلى طَخارِستان فحاصرَهُم حتَّى صالَحوه، ولكن انْضَمَّ لهم أهلُ مَرْو الرُّوذ وغيرُهم فاشْتَبكوا مَرَّةً أُخرى فهزَمهُم الأحنفُ ففتَح جُوزجان عَنْوَةً، ثمَّ الطَّالقان صُلْحًا وغيرَها مِن البِلادِ.
هو أبو إسحاقَ محمَّدُ بن هارون الرشيد، بويعَ له بالخلافةِ بعد موتِ المأمونِ، ولَمَّا بويِعَ له شَغَّبَ الجندُ، ونادوا باسمِ العبَّاسِ بنِ المأمون، فأرسل إليه المعتَصِمُ، فأحضره فبايَعَه، ثم خرج العبَّاسُ إلى الجندِ، فقال: ما هذا الحبُّ البارِدُ؟ قد بايعتُ عَمِّي، فسكَتوا، وأمَرَ المعتَصِمُ بخرابِ ما كان المأمونُ أمَرَ ببنائِه من طوانة، وحَمْل ما أطاق من السِّلاحِ والآلة التي بها وأحرقَ الباقيَ، وأعاد النَّاسَ الذين بها إلى البلادِ التي لهم، ثم ركِبَ المعتَصِمُ بالجنودِ قاصِدًا بغداد، ومعه العبَّاسُ بن المأمون، فدخلها يومَ السبت مستهَلَّ شَهرِ رمضان في أبَّهةٍ عظيمةٍ وتجَمُّلٍ تامٍّ.
خرج عبد الرحمن بن الأمير محمَّد إلى حصون ألبة والقلاع؛ وكان القائِدُ عبد الملك بن العباس؛ فافتتَحها، وقتَل الرجال، وهدَمَ البُنيان؛ وانتقل في بسائطِها من موضع إلى موضع يحطِمُ الزروع، ويقطَعُ الثمار. وأخرج أردون بن إذفونش أخاه إلى مضيق الفجِّ ليقطع بالمُسلمين، ويتعرَّضَهم فيه؛ فتقَدَّم عبد الملك فقاتَلَهم على المَضِيقِ، حتى هزمهم وقتَلَهم وبدَّدَهم؛ ثم وافَتْهم بقيَّة العساكر، وأظلَّتهم الخيلُ من كل الجهات؛ فصبر أعداءُ الله صبرًا عظيما؛ ثم انهزموا. ومنح الله المسلمينَ أكتافَهم، فقُتِلوا قتلًا ذريعًا، وقُتِل لهم تسعة عشر قومسًا من كبار قوَّادهم.
ظهر أمرُ رجلٍ مِن القرامطة يُعرَفُ بأبي سعيد الجنابي بالبحرين، كان أوَّلَ أمرِه يبيعُ للنَّاسِ الطعامَ ويحسِبُ لهم بيعَهم، ثم أصبح أبو سعيدٍ مِن أبرز أتباعِ يحيى بن المهديِّ رسولِ المهديِّ المُنتظَر- على زعمِهم- فاجتمع إليه جماعةٌ مِن الأعراب والقرامطة، وقَوِيَ أمرُه، فقتَلَ مَن حولَه من أهلِ القُرى، ثمَّ سار إلى القطيف فقتَلَ ممَّن بها وأظهر أنَّه يريد البصرةَ، فكتب أحمدُ بنُ محمد بن يحيى الواثقي- وكان متولِّيَ البصرةِ- إلى المعتضِد بذلك، فأمره بعمَلِ سورٍ على البصرةِ.
طرد الخليفةُ الرَّجَّالةَ وهم المُشاة من الجيش الذين كانوا بدارِ الخلافةِ عن بغداد، وذلك أنَّه لَمَّا رَدَّ المُقتَدِر إلى الخلافة شَرَعوا ينفسونَ بكلامٍ كثيرٍ عليه، ويقولون: من أعان ظالِمًا سَلَّطَه اللهُ عليه، ومن أصعد الحِمارَ على السَّطحِ يقدِرُ أن يُطيحَه، فأمر بإخراجِهم ونفيِهم عن بغداد، ومن أقام منهم عُوقِبَ، فأُحرِقَت دورٌ كثيرةٌ مِن قراباتِهم، واحتَرَق بعضُ نسائهم وأولادهم، فخرجوا منها في غايةِ الإهانةِ، فنزلوا واسِطَ وتغَلَّبوا عليها وأخرجوا عامِلَها منها، فرَكِبَ إليهم مؤنِسٌ الخادِمُ فأوقع بهم بأسًا شديدًا، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، فلم يَقُم لهم بعد ذلك قائمةٌ.
وثبَ مُحمَّدُ بنُ هِشامِ بنِ عبد الجبَّار بنِ عبدِ الرَّحمنِ النَّاصر على الأميرِ هِشامِ المُؤَيَّد، ثمَّ خَلَعه وتسمَّى بالمهديِّ، وكان سبَبُ الخَلعِ هو ما قام به المؤَيَّد مِن تولِّيه العهدَ لعبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي عامر، فأمر المهديُّ بهَدمِ مدينةِ الزَّهراء مَعقِلِ بني عامر وسَلَّطَ العامَّةَ عليه فنهبوا ما فيه مِن الأموالِ والأمتعةِ، كما نَهَبوا دُورَ زُعَماء البربر بالرصافة، كما قام المهديُّ بحَجزِ المُؤَيَّد في دارِ أحدِ وُزَرائِه، وأعلن للنَّاسِ أنَّه مات وأخرَجَ لهم جُثَّةَ شابٍّ شَبيهٍ به، وصلَّى عليه ودفَنَه، وقيل: إنَّ هذا الشابَّ كان نصرانيًّا.
عاد الملكُ الكامل إلى قلعة الجبل من بلاد الشرق، وقد توحَّشَ ما بينه وبين أخيه الأشرف صاحب دمشق وغيره من الملوك، فقبَضَ الكامل على المسعود صاحب آمد واعتقله في برجٍ هو وأهلَه، يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى، لممالأتِه لهم، فملك صاحبُ الروم حرَّان بالسيف، وعاد إلى بلاده، بعدما استولى على ما كان بها من الأموال، فلما بلغ الكامل ذلك أمر العساكر أن تتجهز للمسير إلى الشرق، وأقطع ابنَ الأمير صلاح الدين الإربلي صنافيرَ بالقليوبية، وجعل أقاربَ والده ومماليكه معه، وعدتهم سبعة عشر رجلًا.
هو زعيمُ القبيلة الذهبية بركة خان بن جوجي بن جنكيز خان في بلاد القفجاق، وهو ابنُ عم هولاكو، وقد أسلم بركة خان وزوجته ججك سنة 655، وكان يحِبُّ العلماء والصالحين ومن أكبَرِ حَسَناتِه كَسرُه لهولاكو وتفريقُ جنوده، وكان يناصِحُ الملكَ الظاهِرَ ويعَظِّمُه ويُكرِمُ رسُلَه إليه، ويُطلِقُ لهم شيئًا كثيرًا، وقد اتَّفَق معه على حربِ هولاكو، في سنة إحدى وستين وقد قام في الملكِ بعده بعضُ أهل بيته وهو منكوتمر بن طغان بن بابو بن تولى بن جنكيزخان، وكان على طريقتِه ومنوالِه، ولله الحمد.
بعد أن انتقل أورخان بن عثمان إلى بورصة وجعَلَها عاصمَتَه وضَرَبَ العملةَ الفضيَّة والذهبيَّة ثمَّ بدأ بتأسيسِ جيشِ يني تشري- يعني الجيش الجديد الذي عرف فيما بعد بالإنكشارية- الذي كانت نَواتُه أبناءَ الأَسرى والصِّغار الذين يَقَعون في الأسرِ فيُرَبَّونَ في ثُكناتِ عَسكريَّة تربيةً إسلاميَّةً ويُدَرَّبونَ تَدريبًا عسكريًّا ويتخَرَّجونَ لا يَعرِفونَ إلَّا القتالَ والحياةَ العَسكريَّة والإسلامَ والجِهادَ في سبيلِ الله، وليس الرَّوابط القَبَليَّة والعشائريَّة؛ إذ لا يعرفون إلا السُّلطانَ سَيِّدًا لهم وقائدًا، فكانوا بذلك أكبَرَ قُوَّة ساهمت في ضرب خُصومِ العُثمانيين ومَدَّت الفتوحاتِ في البلاد.
هو الشَّيخُ بهاءُ الدين محمد بن محمد البخاري النقشبندي، مؤسِّسُ الطريقةِ النقشبندية الصوفية المعروفة، يزعُمُ أنَّ مدارَها تصحيح العبودية ودوام العبادة لله ودوام الحضور مع الحَقِّ سُبحانَه، وأنَّ الطريقَ إلى هذا هو الذِّكرُ والمراقبة والرابطة بالشيخ والتخلي عن كلِّ شَيءٍ إلَّا عن محبته، وتتَّبِعُ هذه الطريقةُ التخلِّيَ أو الخلوة، وتوجيه الباطن إلى الله عن طريق الرابطة بالشيخ، وهي ما يسمُّونه الرابطة الشريفة، ولهم أورادٌ يتداولونها حَسَبَ طريقتِهم هذه، وحضرات كما لغيرهم من الصوفية، وقد تفَرَّع عن هذه الطريقة عِدَّةُ طُرُق مثل المحمدية والأحمدية، والزبيرية والمظهرية، وغيرها.
بعدَ وفاة أبو تاشفين الثاني عبد الرحمن بن أبي حمو موسى سلطان بني زيان، قام بالأمرِ بَعدَه ابنُه أبو ثابت يوسف، ولكِنَّ عَمًّا لأبي تاشفين يدعى أبا الحجَّاج يوسف قام فنزع السُّلطةَ من ابن أخيه، واحتل تلمسان عاصمةَ دولة بني زيان، فكان هذا الاختلافُ أكبَرَ فُرصة لبني مرين الذين لم يتركوا الفرصةَ تَمُرُّ عليهم، بل قاموا باحتلالِ تلمسان وإلحاق الدولة الزيانية بدولتِهم، وقاموا بتولية أبي محمد عبد الله بن أبي حمو الزياني عاملًا لهم على تلمسان.
كانت موريتانيا محلَّ أطماع الأوروبيين منذ القرن الخامس عشر الميلادي؛ حيث وصلها البرتغال والهولنديون، وأقاموا مراكز تجارية علي سواحلها بغيةَ الحصول علي الصمغ العربي الذي اشتهرت موريتانيا بإنتاجه، وفي القرن (17م) دخل الفرنسيون والإسبان والإنجليز هذا الصراع، فكانت معاركُ وصدامات بين الأوروبيين من أجل السيطرة علي تجارة الصمغ العربي، وقد أطلق على تلك الحروب اسم حروب الصمغ العربي، التي انتهت بسيطرة الفرنسيين على موريتانيا. بعد الحرب العالمية الأولى شعر الفرنسيون أن الوضعَ قد استقَرَّ لهم فعدُّوا موريتانيا جزءًا من إفريقيا الغربية الفرنسية وأصبحت تحت حمايتها.
عندما أنشأت بريطانيا عرشينِ ملكيَّينِ للهاشميين خصومِ الملك عبد العزيز، في العراق وشرق الأردن عام 1921م، غَضِبَ الملك من سياسة بريطانيا تجاهَه بعد أن أحاطوه بالأعداءِ، وأقاموا دويلاتٍ من حولِه ونَصَبوا من أعدائِه ملوكًا وقدَّموا لهم المساعداتِ المالية والسياسية، فدعا إلى عقد مؤتمر في الرياض حضره القادةُ العسكريون والشيوخُ والعلماء من نجدٍ وما حولها، وأُعلِنَ في هذا المؤتمر عن مبايعة الملك عبد العزيز ومَنحِه لقبَ سلطان نجد وملحقاتها، ثم أعلنت الحكومةُ البريطانية اعترافَها الرسميَّ بلقب ابن سعود الجديدِ سُلطانًا على نجد وملحقاتها هو وخلفائه من بعده.
لَمَّا اندلعت الحرب العالمية الثانية لم تلبث فرنسا كثيرًا حتى انهارت أمامَ ألمانيا وقامت حكومةُ فيشي برئاسة الجنرال بيتان الذي وقَّع الهدنة مع الألمان، وكان مواليًا لهم، وتَبِعَت المغرب حكومةَ فيشي، إلَّا أن السلطان كان بجانب ألمانيا كُرهًا لدول الحلفاء، ثم استطاعت قوات الحلفاء أن تنزل بالمغرب في 11 ذي القعدة 1362هـ / 8 نوفمبر وخرج منها أتباع حكومة فيشي، علمًا أن أسبانيا خلال هذه الفترة احتلت طنجة وسمحت للألمان بالتدريب في المنطقة المراكشية الخاضعة لنفوذها، وقامت مظاهرات تطالِبُ الحكومة باحتلال المحمية الفرنسية من مراكش.