هو الإمامُ فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، أحَدُ حكَّامِ الدولة السعودية الثانيةِ، وكان إمامًا شجاعًا حازمًا، عُرِف بحسن التدبير والعَدلِ في الرعيَّة، كان مِن ضمنِ مَن نفاهم إبراهيم باشا لمصر بعد تدميرِ الدرعية، وتمكَّن فيصل من مغادرة مصر والعودة إلى نجد عام 1242هـ وأصبح ساعِدَ والده الأيمنَ في توطيد دعائم الدولة وتوسيع رقعتها. ثم وليَ الحكم بعد مقتَلِ أبيه سنة 1249هـ، إلى أن نفِيَ إلى مصر مرة ثانية سنة 1254وبقي فيها إلى أن غادرها للمرَّة الثانية وعاد إلى نجدٍ، وتمكَّن من انتزاع الحُكمِ من عبد الله بن ثنيان عام 1259 واستطاع أن يُخضِعَ البلادَ التي كانت تحت حكم والده ويصِلَ إلى عمان وقطر والبحرين وأطراف الكويت، وفي عهده برزت مشكلةُ القصيم التي كان النزاعُ فيها بين أمراءِ القصيم على الحُكمِ مِن جهةٍ، واختلافِهم مع الإمامِ فيصل من جهة أخرى، وخروجهم عن طاعته أكثَرَ مِن مرة؛ ممَّا أدى إلى نشوبِ حَربٍ مستَمرَّة معهم معظمَ فترة حكم الإمام فيصل، وكان غالب من يقود الحربَ ضِدَّهم عبد الله بن فيصل الذي تولى معظَمَ مقاليد الحكم في آخر عهد والده، خاصةً بعد أن ضَعُف بصر والده. توفِّيَ الإمام فيصل في الرياض وترك أربعةً من الأبناء الذكور، هم: عبد الله وليُّ عهده، ومحمد، وسعود، وعبد الرحمن، فتولى بعد وفاتِه ابنه عبد الله, وبموتِ فيصل بدأ الصراعُ بين أولاده على السلطةِ، فنشبت بينهم حروبٌ دامية أضعفت الأسرةَ, وأدَّت إلى سقوط دولتِهم على يدِ ابنِ رشيد حاكِمِ حائل سنة 1309هـ.
سقطت قلعة بلغراد في أيدي الألمان، بعد تسع وعشرين يومًا من حصار الجيش العثماني بداخلها، وتم تحويل مائة مسجد في المدينة إلى كنائس، بعد ذبح المسلمين الموجودين فيها. وكانت بلجراد مدينة إسلاميَّة لعدة قرون من حيث العمران وحركة العلم ورفع راية الجهاد, ثم تحوَّلت بعد سقوطها بسنوات إلى محاربة المسلمين، الذين حوَّلوها إلى إحدى أعظم مدن أوربا حضارة. وقت أنْ كانت أوربا تعيش في ظلمات الجهل والتخلُّف، وقد صارت اليوم مدينة نصرانية في ظل الحرب الشَّرسة التي تعرَّض لها الإسلام والمسلمون في هذه الأرض!
قُتل الرئيس الشيشاني الموالي لروسيا أحمد قديروف في انفجارٍ وقَعَ بأحد الملاعب الكُبرى بالعاصمة الشيشانية جروزني، وكان الملعب الرياضي دينامو أحدَ أكبرِ الاستادات بالعاصمة الشيشانية قد شهِد احتفالاتِ روسيا بذِكْرى الانتصارِ على القوات النازية في الحرب العالمية الثانية، غيرَ أنَّ الانفجارَ الناجمَ عن لَغَمٍ أرضيٍّ، تمَّ زَرْعُه في وقت سابق أسفرَ عن سقوط 32 قتيلًا، منهم الرئيس، بالإضافة إلى ما يزيدُ عن 100 جريحٍ من بينهم رئيسُ القوات الروسية في الشيشان الجنرال فاليري بارانوف.
وُلِدَ الحجِّي في المقداديَّةِ إحدى مُدُنِ محافظةِ ديالى عام 1935م،وهو مؤرِّخٌ عراقيٌّ وأستاذُ التاريخِ الإسلاميِّ والأندلُسيِّ وحضارتِه في العديدِ من الجامعاتِ، وأحَدَ مُؤَسِّسي جامعةِ الإماراتِ العربيَّةِ المتَّحِدةِ، وعميدٌ أسبقُ لكليَّةِ العلومِ الإنسانيَّةِ بها.
حصَل على دكتوراه في العَلاقاتِ الدُّبلوماسيَّةِ الأندَلُسيَّةِ مع أوروبَّا الغربيَّةِ من جامعةِ كامْبِريدج في بريطانيا عام 1966. نال دَرَجةَ الأُستاذيَّةِ من جامعةِ بغدادَ عام 1979.
من أهمِّ كُتُبِه كتابُ: ((التاريخُ الأندلسيُّ من الفتحِ الإسلاميِّ حتى سُقوطِ غَرناطة)).
تُوفِّيَ في مدريد بسَبَبِ أزمةٍ قَلبيَّةٍ أصابته.
هو الأمير الكبير أيدكين علاء الدين البندقدار الصالحي أستاذ الملك الظاهر بيبرس وإليه ينسب. كان من كبار الأمراء الصالحية وكان عاقلًا ساكنًا. كان مملوكًا للأمير جمال الدين موسى بن يغمور ثم انتقل إلى الصالح نجم الدين فجعله بندقداره, ثم غضب الملك الصالح نجم الدين أيوب على أيدكين وصادره، وأخذ منه مماليكَه وكان منهم بيبرس البندقداري، وأضافه إليه لشهامتِه ونهضته، فتقدَّمَ بيبرس عنده على خشداشيته – زملائه مهنته – فلما تسلطن بيبرس صار علاء الدين أيدكين أحدَ قادة الظاهر بيبرس وتوفي علاء الدين بالقاهرة في ربيع الآخر من هذه السنة، ودُفِنَ بالشارع الأعظم قبالة حمام الفارقاني بظاهر القاهرة. وصُلي عليه بدمشق صلاة الغائب وكان قد ناهز السبعينَ.
هو أبو الحسَنِ عليُّ بنُ بُوَيه، وهو أكبر أولاد بُوَيه، وأوَّلُ مَن تمَلَّك منهم، وكان عاقلًا حاذقًا حميد السيرة رئيسًا في نفسه. كان أولُ ظهورِه في سنة 322, فلما كان في هذا العام 338 قَوِيَت عليه الأسقامُ وتواترت عليه الآلامُ، فأحسَّ من نفسه بالهلاك، ولم يُفادِه ولا دفَعَ عنه أمرَ اللهِ ما هو فيه من الأموالِ والمُلك وكثرةِ الرِّجال والأموالِ، ولا رَدَّ عنه جيشُه من الديلم والأتراك والأعجام، مع كثرةِ العَدَد والعُدد، بل تخَلَّوا عنه أحوجَ ما كان إليهم، فسُبحانَ اللهِ المَلِك القادِرِ، القاهرِ العلَّام! ولم يكن له ولدٌ ذكَرٌ، فأرسل إلى أخيه ركن الدولةِ يستدعيه إليه ووَلَده عَضُد الدولة، ليجعَلَه وليَّ عَهدِه من بعده، فلمَّا قدم عليه فرِحَ به فرحًا شديدًا، وخرج بنفسِه في جميع جيشِه يتلقَّاه، فلمَّا دخل به إلى دار المملكة أجلسَه على السريرِ وقام بين يديه كأحدِ الأُمَراء؛ ليرفَعَ مِن شأنه عند أمرائِه ووزرائِه وأعوانه. وكان يومًا عظيمًا مشهودًا. ثم عقَدَ لعَضُد الدولة البيعةَ على ما يملِكُه من البلدان والأموال، وتدبيرِ المَملكة والرجال. وفيهم مِن بعضِ رُؤوسِ الأمراءِ كراهةٌ لذلك، فشَرَعَ في القبضِ عليهم، وقَتَلَ مَن شاء منهم وسَجَنَ آخرين، حتى تمهَّدَت الأمورُ لعضد الدولة. ثم كانت وفاةُ عماد الدولة بشيراز في هذه السنة، عن سبعٍ وخمسين سنةً، وكانت مُدَّةُ مُلكِه ست عشرة سنة، وكان من أقوى الملوك في زمانِه، وكان ممن حاز قَصَبَ السَّبقِ دون أقرانه، وكان هو أميرَ الأمراء، وبذلك كان يكاتِبُه الخلفاءُ، ولكِنَّ أخاه معز الدولة كان ينوبُ عنه في العراق والسواد.
صِبغةُ اللهِ مُجدِّدي من مواليدِ 1926م، كان من أبرَزِ قادةِ المجاهِدينَ الأفغانِ ضدَّ الاحتِلالِ السوفيتيِّ، وكان يرأَسُ جَبهةَ التَّحريرِ الوَطنيِّ الأفغانيَّةَ، وهو أوَّلُ رئيسٍ للبلادِ بعدَ انسِحابِ الجيشِ السُّوفيتيِّ بعدَ سقوطِ حُكومةِ محمد نجيب الله في أبريلَ 1992م، وشغَلَ منصِبَ رئيسٍ لمجلِسِ اللويا جيرغا (الجمعية الكبرى) سنة 2003م الذي وافقَ على دُستورٍ جديدٍ في أفغانِستانَ. ولم يدُمْ طويلًا حيثُ وقعَ خِلافٌ وقتالٌ بينَ المجاهِدين الأفغانِ أنفسِهم.
تُوفِّي رحِمَه اللهُ في مُستشفى بكابولَ عن عُمرٍ يُناهِزُ الثالثةَ والتِّسعينَ عامًا.
تولى السلطانُ مصطفى الحكمَ للمرة الثانية إثرَ فتنة الانكشارية، وصارت الحكومةُ ألعوبةً بأيديهم، ينصبون الوزراء ويعزلونهم بحسَبِ أهوائهم، وأصبحت المناصب تُباعُ جِهارًا، وارتكبوا أنواعَ المظالم، وتغير الوزراء الصدورُ في مدَّتِه هذه سبعَ مرَّات خلال عام واحد وأربعة شهور، وكان الخلافُ قد دبَّ بين أمراء الأناضول وفرقة السباهية- الخيالة- على استمرار الوزراء الصدور، حتى إن بعضهم لم يُكمِل شهرًا واحدًا، ونظرًا لضعف السلطانِ وعجزه عن إدارة شؤون البلاد، واستمرارًا لهذا العبثِ، قام الانكشارية بعزل السلطان مصطفى الأول وولَّوا مكانه ابن أخيه السلطان مراد الرابع، ولصغر سنه صارت والدته كوسم نائبةَ السلطنة، تقوم بالأمر دونَه، لكن مقاليد الأمور كانت بيد الانكشارية التي علا شأنُها وازداد نفوذُها!
هو شاه منصور بن محمد بن مظفر: أخو شاه شجاع آخر حكام دولة آل المظفر، وثب على زين العابدين ابن أخيه فكحَلَه، واستقَلَّ بالحكم, فبلغ ذلك تيمورلنك فجعله سبيلًا إلى قصد بلاد فارس، فسار تيمورلنك ومعه ابنه شاه رخ إلى جهة فارس التي كان يحكمُها منصور شاه، فنازلَها ودافع شاه منصور عن بلاده، وظهرت منه شجاعةٌ عظيمة حتى هزمه تيمورلنك واحتلَّ بلاده وقتَلَه، وبمقتَلِه قضى تيمورلنك على دولةِ آل المظفر في أصفهان، وقد اشتهر المظفريون بحبِّهم للعلم وأهلِه طيلةَ عمرِ دولتِهم من النشأةِ حتى السُّقوطِ.
هو العلَّامةُ كَبيرُ المُعتَزِلةِ: أبو القاسِمِ محمودُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحمَّدِ بنِ عُمَرَ الزَّمخشريُّ الخوارزميُّ النَّحويُّ اللُّغَويُّ الحَنَفيُّ المتكَلِّمُ المُفَسِّر, وزمخشَرُ: قَريةٌ مِن قُرى خوارِزمَ، ومَولِدُه بها في رجَبٍ سنة 457، صاحِبُ الكَشَّاف في التفسير، والمُفصَّل في النَّحوِ، وله الفائِقُ في غريبِ الحديثِ، وأساسُ البلاغةِ في اللُّغةِ، وشَرحُ لاميَّةِ العَرَب للشَّنفَرَى، وشَرحُ أبياتِ كتابِ سِيبويهِ، ومناقِبُ أبي حنيفةَ النُّعمانِ، وغيرُها، وكان يُقالُ له: جارُ اللهِ؛ لأنَّه جاوَرَ بمكَّةَ المُشَرَّفةِ زمانًا، قال ابنُ خَلِّكان: "سَمِعتُ مِن بَعضِ المشايخِ أنَّ إحدى رِجلَيه كانت ساقِطةً، وأنَّه كان يمشي في جاون خَشَبٍ، وكان سَبَبُ سُقوطِها أنَّه كان في بعضِ أسفارِه ببلاد خوارزمَ أصابَه ثلجٌ كثيرٌ وبَردٌ شَديدٌ في الطريقِ فسَقَطَت منه رِجلُه، وأنَّه كان بِيَدِه مَحضَرٌ فيه شهادةُ خَلقٍ كثيرٍ مِمَّن اطَّلَعوا على حقيقةِ ذلك؛ خوفًا من أن يَظُنَّ مَن لم يعلَمْ صُورةَ الحالِ أنَّها قُطِعَت لرِيبةٍ". قَدِمَ الزمخشريُّ بغداد وسَمِعَ الحديثَ وتفَقَّهَ وبرَعَ في فنونٍ، وصار إمامَ عَصرِه في عِدَّةِ عُلومٍ، وكان رأسًا في البلاغةِ والعربيَّةِ والمعاني والبَيانِ، وله نَظمٌ جَيِّدٌ, وكان يُظهِرُ مَذهَبَ الاعتزالِ ويُصَرِّحُ بذلك في تفسيرِه، ويناظِرُ عليه. قال ابنُ خَلِّكان: "كان الزمخشريُّ مُعتزليَّ الاعتقادِ مُتظاهِرًا به، حتى نُقِلَ عنه أنَّه كان إذا قصَدَ صاحبًا له واستأذنَ عليه في الدُّخولِ يقولُ لِمَن يأخُذُ له الإذنَ: قُل له: أبو القاسِمِ المُعتَزليُّ بالبابِ، وأوَّلَ ما صَنَّفَ كِتابَ "الكَشَّاف" كتب استفتاحَ الخُطبةِ "الحمدُ لله الذي خلق القُرآنَ " فيقالُ: إنه قيل له: متى تركْتَه على هذه الهيئةِ هَجَره الناسُ ولا يرغَبُ أحَدٌ فيه، فغَيَّرَه بقولِه: "الحمدُ لله الذي جعل القُرآنَ" وجعَلَ عندهم بمعنى خَلَق، ورأيتُ في كثيرٍ مِن النُّسَخِ" الحمدُ لله الذي أنزلَ القُرآنَ" وهذا إصلاحُ النَّاسِ لا إصلاحُ المُصَنِّفِ". قال الذهبي: "كان داعيةً إلى الاعتزالِ، اللهُ يُسامِحُه" روى عنه بالإجازة: أبو طاهرٍ السلفيُّ، وزينب بنت الشعري. كانت وفاته بخوارزم ليلةَ عرفةَ منها، عن سِتٍّ وسبعينَ سنة.
هو الملك العزيز الظاهر صاحِبُ حلب محمد بن السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، وهو وأبوه وابنه الناصر أصحاب حلب من أيام الناصر، توفي وله من العمر أربع وعشرون سنة، وكان مدبِّرُ دولته الطواشي شهاب الدين، وقام في الملك بعده ولده الناصر صلاح الدين يوسف وعمره نحو السبع سنين، وقام بتدبير أمره الأميران لؤلؤ الأميني، وعز الدين عمر بن محلي، وبينهما وزيرُ الدولة جمال الدين الأكرم، يراجع السترَ الرفيع صفية خاتون ابنة الملك العادل، على لسان جمال الدولة إقبال، وقد حضر الأمير بدر الدين بدر بن أبي الهيجاء وزين الدين قاضي حلب، إلى الملك الكامل، بزردية العزيز وكزاغنده، وخوذته ومركوبه، فأظهر الكامِلُ الألم لموته، وقصَّرَ في إكرامهما، وحلَفَ للناصر، وشرط أشياءَ، وأعاد الرسولين، ثم أرسل خلعةً للناصر بغير مركوب، ومعها عِدَّة خِلَع للأمراء الحلبيين، وخِلعةً للصالح صلاح الدين أحمد بن الظاهر غازي، صاحِب عينتاب، فاستوحشت أم الظاهر من أخيها الكامل، ولم توافِقْ على لبس أحد من الأمراء الخِلَع، فلبس الناصِرُ وحده خِلعةَ الكامل، وردَّ الرسول الوارِدَ إلى الصالح صلاح الدين بخِلعتِه.
لمَّا استقَرَّ الملك ناصر بالكرك وعَزَم على الإقامة بها بعد أن خرج من مصرَ على أنَّه يريد الحَجَّ، كتب كتابًا إلى الديار المصرية يتضَمَّنُ عَزلَ نَفسِه عن المملكة، فأثبت ذلك على القُضاةِ بمصر، وكان قد اشتَدَّ حَنَقُه، وصار في غاية الحَصرِ مِن تحَكُّم بيبرس الجاشنكيري- متذوِّق طعام السلطان- وسيف الدين سلار المغولي عليه، وعَدَم تصَرُّفِه ومَنْعه من كلِّ ما يريد، حتى إنه ما يصِلُ إلى ما يشتهي أكلَه لقِلَّةِ المُرَتَّب، فلولا ما كان يتحَصَّلُ له من أوقاف أبيه لما وجد سبيلًا إلى بلوغِ بعض أغراضِه، فكانت مُدَّةُ سلطنة الملك الناصر هذه عشر سنين وخمسة أشهر وسبعة عشر يومًا، ثم نفذَ على قضاة الشامِ وبُويِعَ الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير في السلطنةِ في الثالث والعشرين من شوَّال يوم السبت بعد العصر، بدار الأمير سيف الدين سلار، اجتمع بها أعيانُ الدولة من الأمراء وغيرهم وبايعوه وخاطبوه بالمَلِك المظَفَّر، ورَكِبَ إلى القلعة ومَشَوا بين يديه، وجلس على سريرِ المَملكة بالقلعة، ودُقَّت البشائِرُ وسارت البريدية بذلك إلى سائِرِ البلدان، وفي مستهَلِّ ذي القعدة وصل الأميرُ عز الدين البغدادي إلى دمشق فاجتمع بنائِبِ السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان بالقَصرِ الأبلقِ، فقرأ عليهم كتابَ الناصر إلى أهل مصر، وأنَّه قد نزل عن الملك وأعرض عنه، فأثبَتَه القضاة وامتنع الحنبليُّ من إثباته وقال: ليس أحدٌ يترُكُ المُلكَ مُختارًا، ولولا أنَّه مُضطهدٌ ما تركه، فعُزِلَ وأقيم غيره، واستحلَفَهم للسلطانِ الملك المظفر ركن الدين بيبرس، وكُتِبَت العلامة على القلعة، وألقابُه على محالِّ المملكة، ودُقَّت البشائِرُ وزُيِّنَت البلد، ولما قرئَ كتاب الملك الناصر على الأمراءِ بالقصر، وفيه: إني قد صَحِبتُ الناس عشر سنين ثم اخترت المقامَ بالكرك، تباكى جماعةٌ من الأمراء وبايعوا كالمُكرَهين، وتولى مكانَ الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الأميرُ سيف الدين بن علي، ويُذكَرُ أن أصل بيبرس هذا من مماليكِ الملك المنصور قلاوون البرجية، وكان شركسي الجِنسِ، ولم نعلم أحدًا ملَكَ مِصرَ مِن الشراكسة قبله إن صَحَّ أنه كان شَركسيًّا.
منظمة مجاهِدي خلق المعارضة الإيرانية أكبر وأنشط حركة معارضة إيرانية. تأسَّسَت المنظَّمة على أيدي مثقَّفين إيرانيين؛ بهدف إسقاط نظامِ الشاه، وقد أعدَمَ نظامُ الشاه مؤسِّسيها وعددًا كبيرًا من أعضاء قيادتِها، وبعد سقوطِ نظام الشاه إثرَ قيام "ثورة الخميني الإيرانية" أدَّت منظمة مجاهدي خلق دورًا كبيرًا في انتصار الثورة، وقد اعتمد على قوَّتها أبو الحسن بني صدر أوَّلُ رئيس للجمهورية الإيرانية، لكِنْ ظهرت فيما بعدُ خلافاتٌ بين الحركة وبين نظام الحُكم الإيراني الجديد، وصلَت بعد عامين ونصف العام من الثورة إلى حدِّ التقاتل بين الجانبين، في صراعٍ محتدِمِ ومُستمرٍّ، فقامت الحكومةُ الإيرانية بإعدام عشرات الآلاف من أعضائها والمنتمين إليها، ولكِنَّ المنظَّمة شَدَّت عزمها على مواصلة نشاطاتها داخلَ إيران وخارجَه؛ بهدف إسقاط السُّلطة الإيرانية الحالية، وتُعَدُّ منظمَّة مجاهدي خلق الإيرانية جزءًا من ائتلافٍ واسعٍ شامل يسمَّى المجلِسَ الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يعمل كبرلمان إيراني في المنفى، والذي يضمُّ 5 منظمات وأحزاب، و550 عضوًا بارزًا وشهيرًا من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية، والخبراء والفنانين والمثقَّفين والعلماء والضباط، إضافةً إلى قادة ما يسمى بجيش التحرير الوطني الإيراني: الذِّراعِ المسلَّح لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، والذي يتمركزُ حتى اليوم في معسكر أشرف في العراق، وتكوَّنت أغلبيةُ قادته من النساء. كان مسعود رجوي من أبرز قيادات المنظمة، الذي تولى في الوقت نفسِه رئاسةَ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وفي عام 1993م انتُخِبَ بالإجماع ابنته مريم رجوي رئيسة للجمهورية للفترة الانتقالية، وهي تتولَّى مسؤوليةَ الإشراف على نقل السلطة بشكلٍ سلمي إلى الشعب الإيراني بعد سقوط النظام الإيراني.
احتَرَق مسجِدُ سامِرَّا المشهورُ بمِئذنتِه المُلتَوية، كما احتَرَق مَشهَدُ الحُسَينِ بنِ علي بكَربَلاءَ وأروقتُه، وكان سبَبُ ذلك أنَّ القومةَ أشعلوا شمعتينِ كَبيرتينِ، فمالتا في اللَّيلِ على التأزيرِ- الخشَبِ المُحيطِ بالشَّمعَتَينِ- ونَفِذَت النَّارُ منه إلى غيرِه حتى كان ما كان، ثمَّ بعد ذلك احتَرَقَت دارُ القطن ببغدادَ وأماكِنُ كثيرةٌ بباب البصرة، وفيها ورَدَ الخبَرُ بتشعيثِ الُّركنِ اليَمانيِّ من المسجِدِ الحرامِ، وسُقوطِ جِدارٍ بينَ يَدَي قَبرِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمدينةِ، وأنَّه سَقَطَت القُبَّةُ الكبيرةُ على صَخرةِ بَيتِ المَقدِس، وهذا مِن أغرَبِ الاتِّفاقاتِ وأعجَبِها. العِبَر في خبَرِ مَن غَبَر (2/ 214)
أدَّى سقوط الخلافة الإسلامية عام 1342هـ/ 1924م لانعقاد عدَّة مؤتمرات، وهي على وجه التحديد: مؤتمر مكة المكرمة عام 1342هـ/ 1924م، ومؤتمر الخلافة بمصر عام 1344هـ / 1926م، ثم مؤتمَر العالم الإسلامي بمكة المكرمة عام 1926م، ومؤتمر القدس عام 1349هـ / 1931م. وكان الهدفُ من هذه المؤتمرات إحياءَ مؤسسة الخلافة، ثم تعدَّدت أهدافها إلى إيجادِ شَكلٍ من أشكال الانعقاد المنتَظِم، وصولًا إلى منظمة إسلامية دائمة، إلَّا أن هذه الغاية لم يُكتَب لها النجاحُ؛ لأسباب عدة، منها: تفاقم الخلافات بين كثير من الأقطار الإسلامية، وخضوعُ مُعظَمِها للاستعمار في ذلك الحين؛ حيث لم يكن مسموحًا لها التعَرُّض للمصالح الاستعمارية على أيِّ نحو كان.