هو عبد الرحمن بن أحمد بن مسعود الكواكبي، ويلقَّب بالسيد الفراتي، مِن رجالِ الأدب والاجتماع والسياسة، وهو من رواد الحركةِ القومية العربيَّة، ولد في 23 شوال سنة 1271هـ في مدينة حلب، وتعَلَّم بها، وكانت له مكانةٌ مرموقة في بلَدِه، يقصدُه أصحابُ الحاجات لقضائِها، ويلجأُ إليه أرباب المشاكلِ لحلِّها، بل كان رجالُ الحكم يستشيرونه أحيانًا فيُبدي رأيَه في جرأة وشجاعة. أنشأ في حلب جريدة (الشهباء) فأغلقَتْها الحكومةُ؛ لهجومه على العثمانيين وطَلَبِه استقلالَ العرب عنهم، ثم أنشأ جريدةَ (الاعتدال) فعُطِّلت كذلك من قِبَل الحكومة، وأُسنِدَت إليه مناصِبَ عديدة. سجنه العثمانيون بسببِ موقِفِه منهم، وتشجيعِه للعرب على الانفصالِ عن الدولة العثمانية، وحكَموا عليه بالقتل إلَّا أن الرأيَ العامَّ جعل العثمانيين يُطلِقون سراحَه، وخَسِرَ جميع ماله، فرحل إلى مصر. وساح إلى بلاد العربِ وشرقي إفريقية وبعض بلاد الهند. واستقَرَّ في القاهرة إلى أن توفي. له من الكتب ((أم القرى))، و ((طبائع الاستبداد))، وكان لهما عند صدورهما دويٌّ كبيرٌ، ألَّف أيضًا كتاب ((العظمة لله))، و((صحائف قريش))، إلى غير ذلك، توفي في القاهرة، ودُفِنَ فيها.
محمد صفوت نور الدين أحمد مرسي وُلد في عام 1363هـ، بقرية "الملايقة" إحدى قرى مركز "بلبيس"، محافظة الشرقية في مصر، عمِلَ بالتربية والتعليم حتى صار مديرًا عامًّا، وشغَلَ منذ الثمانينيَّات وظيفةَ "أمين عام الدعوة"، زمنَ رئاسة الشيخ "محمد علي عبد الرحيم"، وتولَّى رئاسةَ جماعة أنصار السُّنة المحمدية بعدَ وفاة الشيخ محمد علي عبد الرحيم في 22 شعبان 1412هـ؛ ليكونَ سادسَ رؤساء الجماعة، كانت له مساهماتٌ كبيرةٌ في الكتابة في مجلة التوحيدِ، وأسهم في تطويرها، والكتابة فيها، والفُتْيا على صفحاتها، وكان آخر مؤتمرٍ برئاستِه هو المؤتمرُ الذي عُقد بالمركز الدولي لدعاة التوحيد والسُّنة بمسجد "العزيز بالله"، وللشيخ عدة أبحاثٍ، كرسالة "موقف أهل الإيمان من صفات عباد الرحمن" وأُخرى بعنوان "التربية بين الأصالة والتجديد"، وكتاب "المسجد الأقصى ودعوة الرسل"، وغير ذلك، تُوفيَ في يوم الجمُعة 13 رجب 1423هـ بعد صلاة الجمُعة في المسجد الحرام بمكَّة، وصُلِّيَ عليه في المسجد الحرام بعد صلاة المغرب، ودُفنَ في مقابر مكَّة، رحمه اللهُ.
أراد الأميرُ سالمُ بنُ سبهان حاكِمُ الرياض مِن قِبَل ابنِ رشيد التخلُّصِ من عبد الرحمن بن فيصل، فدبَّرَ مؤامرةً لتنفيذها يومَ عيد الأضحى، إلَّا أن عبد الرحمن اكتشَفَها، فلما دخل ابن سبهان القصرَ على عبد الرحمنِ اعتَقَله هو ومن معه، وظل ابن سبهان في السِّجنِ إلى أن أُطلِقَ سَراحُه فيما بعدُ بطَلَبٍ مِن ابن رشيد.
هو الإمامُ عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله، من آل سعود كان رابع أبناءِ فيصل بن تركي، حصل بينه وبين ابن رشيد قتال على الرياض وتمكَّن ابن رشيد من هزيمة رجال عبد الرحمن في (المليدة) سنة 1308هـ فرحل عبد الرحمن إلى الجنوب، ونزل في قبائل (مرة) فأقام سبعةَ أشهر، وأرسل أهلَه إلى الأحساء -وكانت لا تزال في يد الترك- وجمَعَ من توسَّم فيهم النَّجدةَ وأعاد الكَرَّةَ على الرياض، فأخرج منها رجالَ ابنِ رشيد، واستولى عليها وعلى سائر العارض. فزحف عليه ابنُ رشيد، واقتتلا في (حريملاء) وظفر ابن رشيد، فرحل عبد الرحمن إلى بادية الأحساء، وأرسل أهلَه إلى (قطر) ثم إلى (البحرين) سنة 1309ه واستقَرَّ بعد ذلك في (الكويت) إلى أن استعاد ابنه عبد العزيز الرياضَ سنة 1319هـ، وعاد إليها عبدُ الرحمن وطالت حياته إلى أن شَهِدَ مُلكَ ابنه عبد العزيز يمتدُّ إلى أطراف الجزيرة العربية. كان الملك عبد العزيز يرجِعُ إلى والده في كثيرٍ من الأمور إلى أن توفي رحمه الله. وكان عبد الرحمن فيه زهدٌ وبُعدٌ عن مظاهر التَّرَف، وفي طبعه ميلٌ إلى الهوادة، وهو على جانبٍ مِن العلم؛ فقد صنَّف مناسِكَ الحج على المذاهب الأربعة بطلب من ابنِه عبد العزيز.
دعا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ رَضي اللهُ عنه، فقال له: "تَجهَّزْ؛ فإنِّي باعِثُك في سَريَّةٍ مِن يَومِك هذا، أو مِن الغَدِ إن شاءَ اللهُ تعالى"، فأصبَحَ عبدُ الرَّحمنِ فغَدا إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأقعَدَه بين يَدَيه وعمَّمَه بيَدِهِ، ثمَّ عَقَد له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اللواءَ بيَدِه، أو أمرَ بلالًا يَدفَعُه إليه، ثم قال له: "خُذه باسمِ اللهِ وبَرَكَتِه"، ثم حَمِد الله تعالى، ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "اغزُ باسمِ الله، وفي سَبيلِ الله، فقاتِل مَن كَفَر بالله! ولا تَغُلَّ -الغُلولُ: هو الخيانةُ في المَغنَمِ والسَّرِقةُ من الغَنيمةِ قَبْلَ القِسمةِ-، ولا تَغدِرْ، ولا تَقتُلْ وَليدًا"، ثم أمَرَه رسولُ الله أن يَسيرَ إلى بني كَلْبٍ بدُومةِ الجَندَلِ، فيَدعوَهم إلى الإسلامِ، وقال له: "إنِ استَجابوا لَكَ فتَزَوَّجِ ابنةَ مَلِكِهِم". فسار عبدُ الرَّحمنِ رَضي اللهُ عنه بأصحابِه وكانوا سَبعَمِئةِ رَجلٍ، حتى قَدِمَ دُومةَ الجَندَلِ؛ فمَكَث ثلاثةَ أيَّامٍ يَدعوهم إلى الإسلامِ؛ فلمَّا كان اليومُ الثالِثُ أسلَمَ رأسُهم ومَلِكُهمُ الأصبَغُ بنُ عَمرٍو الكَلبيُّ، وكان نَصرانيًّا، وأسلَمَ معه ناسٌ كَثيرٌ من قَومِه؛ فبَعَث عبدُ الرحمنِ رافِعَ بنَ مَكيثٍ بَشيرًا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخبِرُه بما فَتَح الله عليه وكَتَب له بذلك، وتزوَّجَ عبدُ الرحمنِ تُماضِرَ بِنتَ الأصبَغِ وقَدِمَ بها المدينةَ، فوَلَدَت له بعد ذلك أبا سَلَمةَ بنَ عبدِ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ.
عبَرَ عبد الرحمن بن حبيب الفهري، المعروف بالصقلبي- وإنَّما سمي به لطولِه وزُرقتِه وشُقرتِه- من إفريقية إلى الأندلس مُحاربًا لهم، ليدخُلوا في طاعة العباسيَّين، وكان عبورُه في ساحل تدمير، وكاتبَ سليمانَ بن يقظان بالدخول في أمرِه، ومحاربةِ عبد الرحمن الداخل، والدُّعاءِ إلى طاعة المهدي. وكان سليمان ببرشلونة، فلم يجِبْه، فاغتاظَ عليه، وقصَدَ بلدَه فيمن معه من البربرِ، فهزمه سليمان، فعاد الصقلبيُّ إلى تدمير، وسار عبد الرحمن الداخل نحوَه في العدَد والعُدَّة، وأحرق السفُنَ تضييقًا على الصقلبي في الهرب، فقصدَ الصقلبي جبلًا منيعًا بناحية بلنسية، فبذلَ الداخل ألف دينارٍ لِمَن أتاه برأسِه، فاغتاله رجلٌ من البربر، فقتله، وحمل رأسَه إلى عبد الرحمن، فأعطاه ألفَ دينار، وكان قتْلُه سنة اثنتينِ وستين ومائة
وقعَ عبدُ الرحمن بن الحَكَم، صاحِبُ الأندلس، بجُندِ إلبيرة وأهلِها، وهي الوقعةُ المعروفة بوقعة بالس، كان سببُها أنَّ الحكَمَ كان قد بلغه عن عاملٍ اسمُه ربيع أنَّه ظلم أبناءَ أهلِ الذمَّة، فقبض عليه وصَلَبه قبْلَ وفاته، فلمَّا توفِّيَ الحكَمُ ووَلِيَ ابنُه عبدُ الرحمن سَمِعَ النَّاسُ بصَلبِ الربيع، فأقبلوا إلى قرطبةَ مِن النواحي يطلُبونَ الأموال التي كان ظلَمَهم بها ربيعٌ؛ ظنًّا منهم أنَّها تُرَدُّ إليهم، وكان أهلُ إلبيرة أكثَرَهم طلبًا وإلحاحًا فيه، وتألَّبوا، فبعث إليهم عبدُ الرحمن من يفَرِّقُهم ويُسكِتُهم، فلم يقبَلوا، ودفعوا من أتاهم، فخرج إليهم جمعٌ من الجندِ وأصحابِ عبد الرحمن، فقاتلوهم، فانهزم جندُ إلبيرة ومن معهم، وقُتِلوا قتلًا ذَريعًا، ونجا الباقونَ مُنهَزِمينَ، ثم طلبوا بعد ذلك، فقَتَلوا كثيرًا منهم.
قبل أن يتسَلَّمَ عبدُالرحمن بن الحكَم مقاليدَ الحُكمِ، فوجئ بخروجِ عَمِّ أبيه عبد الله بن عبدالرحمن البلنسي عليه؛ لينتزع المُلكَ منه، خرج من بلنسية يريد قُرطبة، فتجهَّزَ له عبد الرحمن واستعَدَّ لمواجهتِه، وعندما بلغ ذلك عبد الله خاف وضَعُفَت عزيمتُه، وانسحب إلى بلنسية، ثم ما لبث أن مات في أثناء ذلك سريعًا، ووقى الله ذلك الطَّرفَ شَرًّا. فلما مات نقلَ عبدُ الرحمن أولادَه وأهلَه إليه بقُرطبة، فخَلَصت الإمارةُ لولد هشام بن عبد الرحمن.
هو إمام أهل الشام أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي، من كبار تابعي التابعين. ولقب بالأوزاعي نسبة إلى الأوزاع وهي فرع من همدان, وقيل الأوزاع قرية بدمشق على طريق باب الفراديس، ولم يكن أبو عمرو منهم، وإنما نزل فيهم فنسب إليهم وهو من سبي اليمن. وُلِدَ في بعلبك سنة 88 ونشأ في البقاع يتيم الأب, ثم انتقلت به أمه إلى بيروت، كان فوق الربعة خفيف اللحية به سمرة، وكان يخضب بالحناء. طلب الحديثَ فصار إمامَ أهل الشام، وكان ثقة مأمونا، فاضلا خيرا، كثير العلم والحديث والفقه، حجة, ذا أدبٍ وورع، وزهدٍ عُرِضَ عليه القضاء وأبى, صاحِبُ مذهبٍ فقهيٍّ مُندثِرٍ، إلَّا أنَّ عِلمَه لم يجمَعْه تلاميذُه في الكتب، على خلافِ ما فعل أتباعُ أبي حنيفة النعمان وغيره، فحافظوا على مذاهِبِ مُعَلِّميهم. وأنشأ مذهبًا مستقلًّا مشهورًا عُمِلَ به مدَّةً عند فقهاءِ أهل الشام والأندلس ثمَّ اندرس، ولكنْ ما زالت له بعض المسائل الفقهيَّة في أمهَّات الكتب، وكان الأوزاعي قد التزم في فتاويه بالتوقف عند النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة. سكن بيروت وبها توفِّيَ.
تُوفِّي شيخُ الحنابلةِ عبدُ الله بنُ عبد العزيز العَقيلُ الرَّئيس السابقُ للهيئةِ الدَّائمة بمجلسِ القضاءِ الأعلى في السُّعودية، عن عمرٍ يناهز (97) سنةً. وقد نشأ الشيخُ ابنُ عقيلٍ في كَنَفِ والدِه عبدِ العزيز العَقيلِ، الذي يُعَدُّ من أُدباء وشُعراء عُنَيزةَ المشهورين، فكان والِدُه هو معلِّمَه الأولَ. ودَرَس العلومَ الأوليَّةَ في مدرسةِ ابنِ صالحٍ، ثم في مدرسةِ الشيخِ عبدِ الله القَرعاوِيِّ. وحَفِظ القرآنَ الكريم، وعددًا من المُتونِ، مثلَ: عُمدة الحديث، ومتن زاد المُستقنِع، وألفيَّة ابنِ مالك في النحو... وغيرِها، وله عددٌ من المؤلَّفات، ومن أبرز مشايِخه الشيخُ مُحمَّدُ بنُ إبراهيم آل الشيخ، والشيخُ عبدُ الرحمن بن ناصرٍ السَّعدي، والشيخُ عبدُ الله القَرعاويُّ... وغيرُهم، وقد تولَّى عددًا من المناصبِ في حياتِه، ومنها القضاءُ في عددٍ من مدنِ المملكة، وعُيِّن عضوًا في دارِ الإفتاء ثم عُضوًا في هيئة التمييزِ، وعُيِّن رئيسًا للهيئة الدائمةِ في مجلسِ القضاء الأعلى، وعَمِل رئيسًا للهيئةِ الشَّرعية التي أُنشِئَت للنَّظرِ في مُعاملات شَركة الراجحي المَصرِفِيَّة للاستِثمار، وغيرُ ذلك من أعمالٍ تقلَّدَها في سِنِي حياتِه -رحمه الله-.
سار بوزابة، صاحِبُ فارِسَ وخوزستان، وعساكِرُه إلى قاشان، ومعه المَلِكُ محمد بن السُّلطان محمود، ووصل إليهما المَلِكُ سُليمان بن السُّلطان محمَّد، واجتمع بوزابة والأميرُ عَبَّاس صاحِبُ الري، واتَّفَقا على الخروجِ عن طاعة السُّلطان مسعودٍ ومَلَكا كثيرًا مِن بلادِه، ووصل الخبَرُ إليه وهو ببغداد ومعه الأميرُ عبد الرحمن طغايرك، وهو أميرٌ حاجِبٌ، حاكِمٌ في الدولة، وكان ميلُه إليهما، فسار السُّلطانُ في رمضانَ عن بغداد، ونزل بها الأميرُ مُهلهل، ونظر وجماعةً من غلمان بهروز؛ وسار السُّلطانُ وعبد الرحمن معه، فتقارب العَسكَران، ولم يبقَ إلَّا المصافُّ، فلَحِقَ سُلَيمانُ بأخيه مسعود، وشرع عبدُ الرحمن في تقريرِ الصُّلحِ على القاعدةِ التي أرادوها، وأُضيفَ إلى عبدِ الرَّحمنِ ولايةُ أذربيجان وأرانية إلى ما بيده، وصار أبو الفتح ِبنُ دارست وزيرَ السُّلطان مسعود، وهو وزيرَ بوزابة، فصار السُّلطانُ معهم تحت الحجر، وأبعدوا بك أرسلان بن بلنكري المعروف بخاص بك، وهو ملازِمُ السُّلطان وتربيته، وصار في خدمةِ عبد الرحمن لِيَحقِنَ دَمَه، وصار الجماعةُ في خدمة السُّلطان صورةً لا معنى تحتَها.
ولَّى المعتمِدُ أبا الساج الأهواز بعد مسيرِ عبد الرحمن بن مفلح عنها إلى فارس، وأمَرَه بمحاربة الزنج، فسيَّرَ صهره عبد الرحمن لمحاربة الزنج، فلَقِيه علي بن أبان المهلبي بناحية دولاب، فقُتِلَ عبد الرحمن، وانحاز أبو الساج إلى ناحية عسكر مكرم، ودخل الزِّنج الأهواز، فقتلوا أهلَها وسَبَوا وأحرَقوا، ثم انصرف أبو الساج عمَّا كان إليه من الأهواز، وحربِ الزنج، فوَلِيَها إبراهيم بن سيما فلم يزَلْ بها حتى انصرف عنها مع موسى بن بغا.
سار عبد الرحمن الداخل إلى حرب شقنا، وقصدَ حصنَ شيطران، فحصَرَه وضيَّقَ عليه، فهرب إلى المفازة كعادته، وكان قد استخلف على قرطبة ابنَه سُليمان، فأتاه كتابُه يخبِرُه بخروج أهل إشبيلية مع عبد الغفار وحيوة بن ملابس عن طاعتِه، وعصيانِهم عليه، واتَّفَق مَن بها من اليمانية معهما، فرجع عبد الرحمن ولم يدخُل قرطبة، وهاله ما سَمِعَ من اجتماعِهم وكثرتِهم، فقدَّمَ ابنَ عمه عبد الملك بن عمر (كان شهاب آل مروان)، وبقي عبد الرحمن خَلفَه كالمَدَدِ له، فلما قارب عبد الملك أهل إشبيلية قدَّمَ ابنَه أمية ليعرف حالهم، فرآهم مستيقظينَ، فرجع إلى أبيه، فلامَه أبوه على إظهارِ الوهَنِ، وضرَبَ عُنُقَه، وجمعَ أهل بيته وخاصَّته، وقال لهم: طُرِدْنا من المشرق إلى أقصى هذا الصِّقع، ونُحسَدُ على لقمةٍ تُبقي الرَّمَق؛ اكسروا جفون السيوف، فالموتُ أولى أو الظَّفَر، ففعلوا، وحمل بين أيديهم، فهزَمَ اليمانية وأهلَ إشبيلية، فلم تقُمْ بعدها لليمانية قائمةٌ، وجُرِحَ عبد الملك. فأتاه عبد الرحمن وجُرحُه يجري دمًا، وسيفه يقطُرُ دمًا، وقد لصِقَت يدُه بقائمِ سَيفِه، فقَبَّله بين عينيه، وقال: يا ابنَ عَمِّ، قد أنكحتُ ابني وولي عهدي هشامًا ابنتَك فلانة، وأعطيتُها كذا وكذا، وأعطيتُك كذا وأولادَك كذا، وأقطعتُك وإياهم، وولَّيتكم الوزارة. وعبد الملك هو الذي ألزم عبد الرحمن بقَطعِ خُطبة المنصور، وقال له: تقطعُها وإلَّا قتلتُ نفسي, وكان قد خطبَ له عشرةَ أشهُر، فقطعها. وكان عبد الغفار وحيوة بن ملابس قد سَلِمَا من القتل. فلما كانت سنة 157 سار عبد الرحمن إلى إشبيلية، فقتل خلقًا كثيرًا ممَّن كان مع عبد الغفار وحيوة ورجع. وبسبَبِ هذه الوقعة وغِشِّ العرب، مال عبد الرحمن إلى اقتناءِ العبيد.