تجهَّزَ المهدي لغزو الروم، فخرج وعسكرَ بالبردان، وجمع الأجناد من خراسان وغيرها، وسار عنها، وكان قد توفِّي عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس في جمادى الآخرة، وسار المهدي من الغد، واستخلفَ على بغداد ابنَه موسى الهادي، واستصحَبَ معه ابنه هارون الرشيد، وسار على الموصِل والجزيرة، وعزل عنها عبد الصمد بن علي في مسيرِه ذلك، ولما حاذى قصرَ مسلمة بن عبد الملك، قال العباس بن محمد بن علي للمهدي: إنَّ لِمَسلمةَ بن عبد الملك في أعناقنا مِنَّة، كان محمد بن علي مَرَّ به، فأعطاه أربعةَ آلاف دينار، وقال له: إذا نَفِدَت فلا تحتَشِمْنا, فأحضر المهديُّ ولدَ مَسْلمة ومواليَه، وأمرَ لهم بعشرين ألفَ دينار، وأجرى عليهم الأرزاقَ، وعبَرَ الفُرات إلى حلب، وأرسل وهو بحلب فجَمَع مَن بتلك الناحية من الزَّنادقة، فجُمِعوا فقَتَلهم، وقطَّعَ كُتُبَهم بالسَّكاكين، وسار عنها مشيِّعًا لابنه هارون الرشيد، حتى جاز الدربَ وبلغ جيحان، فسار هارون، ومعه عيسى بن موسى، وعبد الملك بن صالح، والربيع، والحسن بن قحطبة، والحسن وسليمان ابنا برمك، ويحيى بن خالد بن برمك، وكان إليه أمرُ العَسكر، والنَّفَقات، والكتابة وغير ذلك، فساروا فنزلوا على حصنِ سمالوا، فحصره هارونُ ثمانية وثلاثين يومًا، ونصَبَ عليه المجانيقَ، ففتحه الله عليهم بالأمانِ، ووفى لهم، وفتحوا فتوحًا كثيرةً.
لَمَّا قَتَل بدر الدين بيدرا السلطانَ الأشرفَ بن قلاوون عاد بمن معه من الأمراء، ونزل بالدهليزِ وجلس في دست السلطة، وقام الأمراءُ فقَبَّلوا الأرضَ بين يديه وحلفوا له، وتلقَّب بالملك الأوحد وقيل المعظَّم، وقيل المَلِك القاهر، ثمَّ قبض بيدرا على الأميرِ بيسري والأميرِ بكتمر السلاح دار أمير جاندار، وقصد قتْلَهما ثم تركهما تحت الاحتياطِ لشفاعةِ الأمراء فيهما، وركب إلى الطرانة فبات بها وقد سار الأمراءُ والمماليكُ السلطانية ومعهم الأميرُ برغلي، وهم الذين كانوا بالدهليز والوطاق، ورَكِبوا في آثار بيدرا ومَن معه يريدون القبضَ عليه، فبلغ الأميرَ كتبغا ومن معه مقتلُ السلطانِ وسَلطنة بيدرا، فلَحِقَ بمن معه الأميرُ برغلي ومن معه من الأمراء والمماليك، وجدُّوا بأجمَعِهم في طلب بيدرا ومَن معه، وساقوا في تلك الليلة إلى الطرانة وقد لحِقَ بيدرا بسيف الدين أبي بكر بن الجمقدار نائبِ أمير جاندار، والأمير صارم الدين الفخري، والأمير ركن الدين بيبرس أمير جاندار، ومعهم الزردخاناه- خزينة الأسلحة- عند المساءِ من يوم السبت الذي قُتِلَ فيه السلطان الأشرف، فعندما أدركهم تقَدَّم إليه بيبرس أمير جاندار وقال له: يا خوند، هذا الذي فعلته كان بمشورة الأمراء؟ فقال: نعم، أنا قتلتُه بمشورتهم وحضورِهم، وهاهم كلهم حاضرون، ثم شرع يعَدِّدُ مساوئَ الأشرف ومخازيَه واستهتارَه بالأمراء ومماليكِ أبيه، وإهماله لأمور المسلمين، ووزارته ابن السلعوس، ونفور الأمراء منه لمَسكِه عز الدين الأفرم، وقتل سنقر الأشقر وطقصوا وغيره، وتأميره مماليكَه، وقِلَّة دينه وشُربه الخمرَ في شهر رمضان، وفِسْقه بالمردان، ثمَّ سأل بيدرا عن الأمير كتبغا فلم يَرَه، فقيل له: هل كان عند كتبغا من هذه القضية عِلمٌ؟ قال: نعم، هو أول من أشار بها، فلما كان يوم الأحد ثاني يومٍ من قَتْلِ الأشرفِ وافى الأميرُ كتبغا في طلبٍ كبيرٍ من المماليك السلطانية عِدَّتُه نحو الألفي فارس، وجماعة من الحلقة والعسكر ومعهم الأمير حسام الدين لاجين الأستادار الطرانة وبها بيدرا يريدون قتالَه، وميز كتبغا أصحابَه بعلائِمَ حتى يُعرَفوا من جماعة بيدرا، وهم أنَّهم جعلوا مناديلَ مِن رقابِهم إلى تحت آباطِهم فأطلق بيدرا حينئذ الأميرينِ بيسري وبكتمر السلاح دار، ليكونا عونًا له فكانا عونًا عليه، ورتَّبَ كتبغا جماعةً ترمي بالنشاب، وتقَدَّمَ بمن معه وحملوا على بيدرا حملةً منكرة، وقصد الأميرُ كتبغا بيدرا، وقال: يا بيدرا أين السلطان؟ ورماه بسَهمٍ وتبعه البقيَّةُ بسهامهم، فولى بيدرا بمَن معه وكتبغا في طلبِه حتى أدركه، وقُتِلَ بيدرا بعدما قُطِعَت يدُه ثمَّ كَتِفُه كما فَعَل بالأشرف، وحُمِلَت رأسُه على رمحٍ وبُعِثَ بها إلى قلعة الجبل، فطِيفَ بها القاهرة ومصر، ووُجِدَ في جيب بيدرا ورقةٌ فيها: ما يقول السادةُ الفقهاءُ في رجلٍ يَشرَبُ الخمرَ في شَهرِ رَمَضانَ، ويَفسُق بالمردان ولا يصلِّي، فهل على قاتِلِه ذَنبٌ أو لا؟ فكُتِبَ جوابُها: يُقتَلُ ولا إثمَ على قاتِلِه، وعندما انهزم بيدرا هرب لاجين وقرا سنقر، ودخلا القاهرةَ فاختفيا، وكان الذي وصل إلى قلعة الجبل بخبر مقتل السلطان الأشرف سيف الدين سنكو الدوادار، ولَمَّا بلغ الأميرَ علم الدين سنجر الشجاعي قتلُ السلطانِ، ضَمَّ الحراريقَ والمعادي وسائِرَ المراكِبِ إلى برِّ مِصرَ والقاهرة، وأمَرَ ألا يعدى بأحدٍ من الأمراء والمماليك إلا بإذنه، موصل الأمير زين الدين كتبغا ومَن معه من الأمراء والمماليك، بعد قتل بيدرا وهزيمة أصحابه، فلم يجدوا مركبًا يعدونَ به النيل، فأشار على من معه من الأمراء وهم حسام الدين لاجين الأستادار، وركن الدين بيبرس الجاشنكير، وسيف الدين برلغي وسيف الدين طغجي، وعز الدين طقطاي، وسيف الدين قطبة، وغيرهم أن ينزلوا في برِّ الجيزة بالخيام حتى يراسلوا الأميرَ سنجر الشجاعي، فوافقوه وضربوا الخيامَ وأقاموا بها، وبعثوا إلى الشجاعي فلم يمكِّنْهم من التعدية، وما زالت الرسل بينهم وبينه حتى وقع الاتفاقُ على إقامة المَلِك الناصِرِ محمَّد بن قلاوون، فبعَث عند ذلك الحراريقَ والمراكِبَ إليهم بالجيزة، وعدوا بأجمعهم وصاروا إلى قلعة الجبل في رابع عشر المحرم.
بلغ أبا جعفر المنصور ما فعله الدَّيلمُ بالمسلمين وقتْلُهم منهم مقتلةً عظيمةً، فوجَّه إلى البصرة حبيبَ بن عبد الله بن رغبان، وعليها يومئذ إسماعيلُ بن عليٍّ، وأمره بإحصاءِ كلِّ مَن له فيها عشرةُ آلاف درهم فصاعدًا، وأن يأخُذَ كلَّ من كان ذلك له بالشُّخوصِ بنَفسِه لجهاد الدَّيلم، ووجَّه آخر لمثل ذلك إلى الكوفة. ثم سيَّرَ أبو جعفر النَّاسَ من الكوفة والبصرة والجزيرة والموصل إلى غزو الديلم، واستعمل عليهم محمد بن أبي العباس السفَّاح.
في هذه السَّنَة وَجَّه إِبراهيمُ بن محمَّدِ بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس الإمامُ أبا مُسلِم الخُراساني، واسمُه عبدُ الرَّحمن بن مُسلِم، إلى خُراسان، وعُمُره تِسع عَشرة سَنَة، وكتَبَ إلى أَصحابِه: إنِّي قد أَمَّرتُه بأَمري فاسمعوا له وأَطيعوا، فإنِّي قد أَمَّرتُه على خُراسان وما غَلَب عليه بعدَ ذلك. فأتاهم، فلم يَقبَلوا قوله وخَرَجوا مِن قابِل فالْتَقوا بمكَّة عند إبراهيم، فأَعلَمَه أبو مُسلِم أنَّهم لم يُنَفِّذوا كِتابَه وأَمْرَه. فقال إبراهيمُ قد عَرَضتُ هذا الأمرَ على غيرِ واحدٍ وأَبَوْهُ عليَّ. فأَعلَمَهم أنَّه قد أَجمَع رَأيَه على أبي مُسلِم، وأَمرَهم بالسَّمعِ والطَّاعة له، ثمَّ قال له: إنَّك رَجلٌ مِنَّا أهل البيتِ، احْفَظ وَصِيَّتي، انظُر هذا الحيَّ مِن اليَمَن فالْزَمهُم واسْكُن بين أَظهُرِهم، فإنَّ الله لا يُتِمُّ هذا الأمرَ إلَّا بهم.
كان انتِصارُ المسلمين في القادِسيَّة دافعًا لهم للاستمرار في زَحْفِهم نحو المدائنِ عاصِمَةِ الفُرْسِ، وسار سعدٌ بجُنودِه حتَّى وصَل إلى بَهُرَسِيرَ "المدائن الغَربيَّة" وكانت إحدى حواضِر فارِسَ، فنزَل سعدٌ قريبًا منها، وأرسَل مجموعةً مِن جُنودِه لاستِطلاعِ المَوقِف، وعاد الجُنودُ وهُم يَسوقون أَمامَهم آلافَ الفَلَّاحين، مِن أهلِ تلك المدينةِ. وحينما عَلِمَ شيرزارُ دَهْقانُ -أمير- ساباط بالأَمْرِ أرسَل إلى سعدِ يَطلُب منه إطلاقَ سَراحِ هؤلاء الفَلَّاحين، ويُخبِره أنَّهم ليسوا مُقاتِلين، وإنَّما هُم مُجرَّد مُزارِعين أُجَراء، وأنَّهم لم يُقاتلوا جُنودَه؛ فكتب سعدٌ إلى عُمَر يَعرِض عليه المَوقِف ويَسألُه المَشورةَ: إِنَّا وَرَدْنا بَهُرَسِيرَ بعدَ الذي لَقِينا فيما بين القادِسيَّة وبَهُرَسِيرَ، فلم يأتِ أحدٌ لِقِتالٍ، فبَثَثْتُ الخُيولَ، فجمعتُ الفَلَّاحين مِن القُرى والآجامِ. فأجابه عُمَر: إنَّ مَن أتاكُم مِن الفَلَّاحين إذا كانوا مُقيمين لم يُعينوا عليكم فهو أَمانُهم، ومَن هرَب فأَدركْتُموهُ فشَأنُكم به. فلمَّا جاءهُ خِطابُ عُمَر خَلَّى سعدٌ سَبيلَهُم. وأرسَل سعدٌ إلى الدَّهاقين - رُؤساء المُدُن والأقاليم- يَدعوهُم إلى الإسلامِ، على أن يكونَ لهم ما هُم عليه مِن الإمارةِ والحُكْمِ، أو الجِزْيَة ولهم الذِّمَّةُ والمَنَعَةُ، فدخَل كثيرٌ منهم الإسلامَ لِما وَجدوه مِن سَماحةِ المسلمين وعَدْلِهم مع ما هُم عليه مِن بأسٍ وقُوَّةٍ، ولكنَّ بَهُرَسِيرَ امتنَعَت عنه، وظَنَّ أهلُها أنَّ حُصونَها تَحولُ دون فَتحِ المسلمين لها، فحاصَرها سعدٌ بِجُنودِه طُوالَ شَهرينِ يَرمونَها بالمجانيق، ويَدُكُّونها بالدَّباباتِ التي صنعوها مِن الجُلودِ والأخشابِ، ولكنَّ المدينةَ كانت مُحَصَّنةً فنصَب سعدٌ حولَها عِشرين مَنْجَنيقًا في أماكنَ مُتفرِّقةٍ لِيَشْغَلَهُم ويُصرِفَهم عن مُلاحظَةِ تَقَدُّمِ فِرْسانِه نحو المدينةِ لاقتِحامِها، وأَحَسَّ الفُرْسُ بمُحاولَةِ المسلمين اقْتِحامَ المدينة؛ فخرَج إليهم عددٌ كبيرٌ مِن الجُنودِ الفُرْس لِيُقاتِلوهم ويمنعوهم مِن دُخولِ المدينةِ، وضرَب المسلمون أَرْوَعَ الأمثلةِ في البُطولةِ والفِداءِ، وقُوَّةِ التَّحَمُّلِ والحِرصِ على الشَّهادةِ، وكان القائدُ زُهْرَةُ بن الجويّة واحدًا مِن أولئك الأبطالِ الشُّجْعانِ، استطاع أن يَصِلَ إلى قائدِ الفُرْسِ شهْربَرَاز، فضرَبه بِسَيفِه فقتَله، وما إن رأى جُنودُ الفُرْسِ قائِدَهم يَسقُط على الأرضِ مُضْرَجًا في دِمائِه حتَّى تَمَلَّكَهُم الهَلَعُ والذُّعْرُ، وتَفرَّق جمعُهم، وتتَشتَّت فِرْسانُهم، وظَلَّ المسلمون يُحاصِرون بَهُرَسِيرَ بعدَ أن فَرَّ الجُنودُ والْتَحَقوا بالفَيافِي والجِبالِ، واشْتَدَّ حِصارُ المسلمين على المدينةِ؛ حتَّى اضْطَرَّ أهلُها إلى أكلِ الكِلابِ والقِطَطِ، فأرسَل مَلِكُهم إلى المسلمين يَعرِض الصُّلْحَ على أن يكونَ للمسلمين ما فَتحوهُ إلى دِجْلَة، ولكنَّ المسلمين رَفَضوا وظَلُّوا يُحاصِرون المدينةَ، ويَضرِبونَها بالمجانيق، واسْتَمرَّ الحالُ على ذلك فَترةً مِن الوقتِ، وبَدَتْ المدينةُ هادِئةً يُخَيِّمُ عليها الصَّمتُ والسُّكونُ، وكأنَّهُ لا أثَرَ للحياةِ فيها، فحمَل المسلمون عليها ليلًا، وتَسَلَّقوا أَسوارَها وفَتحوها، ولكنَّ أحدًا لم يَعتَرِضْهُم مِن الجُنودِ، ودخَل المسلمون بَهُرَسِيرَ "المدائن الغَربيَّة" فاتحين بعد أن حاصروها زمنًا طويلًا.
هو الإمامُ المفتي الزاهِدُ جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن عبد المنعم بن عمر بن عثمان الباجربقي الموصلي الشافعي شيخٌ فقيهٌ محَقِّقٌ نقَّال طويل مهيب ساكِنٌ، كثيرُ الصلاة يلازم الجامِعَ، له حلقة تحت النسر إلى جانب البرادة، منقبض عن الناس، اشتغل بالموصل وأفاد وخطَبَ بجامِعِ دمشق نيابةً، ودرس بالغزالية نيابةً، وولي تدريس الفتحية، وحدَّث بجامع الأصول لابن الأثير عن واحد عن المصنَّف، وله نظم ونثر ووعظٌ، وقد نظم كتابَ التعجيز وعَمِلَه برموز, وقد وَلِيَ قَضاءَ غَزَّة سنة تسع وسبعين. وهو والدُ الزاهد محمد الباجربقي المنحرفِ صاحِبِ الملحمة الباجربقيَّة الذي حكم المالكيُّ بقَتلِه لزندقتِه وضَلالِه، توفي الشيخُ جمال الدين في خامس شوال وصُلِّيَ عليه عقيبَ الجمعة
هو العلامة الشيخ تقي الدين أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قاضي شهبة نسبةً إلى جده عمر الذي كان قاضيًا بشهبة من قرى حوران. ولد أبو بكر سنة 779، انتهت إليه الرئاسة في فقه مذهبه وفروعه، وكان وليَ قضاء دمشق وخطب في واقعة الجكمي للملك العزيز يوسف، فحقَدَ عليه الملك الظاهر جقمق ذلك، وعزله، إلى أن مات، بعد أن تصدى للإفتاء والتدريس سنين كثيرة، وانتفع به غالبُ طلبة العلم بدمشق، وصنَّف التصانيف المفيدة، من أشهَرِها تاريخه المشهور باسم الإعلام بتاريخ أهل الإسلام، وله طبقات الشافعية، وبه مناقب الشافعي، وله الكواكب الدرية وهو في سيرة نور الدين الشهيد الزنكي، وله طبقات الحنفية، وله طبقات النحاة واللغويين، وله ذيل على تاريخ ابن كثير. توفي في ذي القعدة بدمشق فجأة.
تأسَّست حركة الإخوان -وكان مقرها الرئيسي الأرطاوية- على يد الملك عبدالعزيز لخوض المعارك ضد خصومه، وكانوا تستعِرُ داخِلَهم جذوةُ الدين وأصبحوا لا يُقهَرون، وكان شعارهم في الحرب: (هَبَّت هبوبُ الجنة، أين أنت يا باغيها؟ وكلٌّ يبغيها)؛ لذلك فكانوا يحاربون، وقلَّما ينهزمون، يرون أنَّ الجنَّةَ أمامهم والنارَ خلفهم، فلا يتقهقرون ولا يولون الدبر، فانتشر خبرهم وذاع صيتهم حتى بلغ الدوائر الإنجليزية والشريف حسين الذي هابهم وأبلغ الانجليز عن قلقه منهم وتحريضه لهم للقضاء عليهم والضغط على الملك عبدالعزيز للإلغائهم والتخلص منهم.
تمكن الكولونيل هاملتون خلال رحلة له في الرياض أن يقضيَ يوما في الأرطاوية في أكتوبر 1917 أحدِ أهمِّ مراكز الإخوان، ليتعرف عليهم عن كثب فقدَّر عدد سكان الأرطاوية ب 35 ألف نسمة، وأرسل تقريره إلى جُدة ثم القاهرة فانتشر وأثار لديهم فزعًا ليس بقليل.
عالمٌ ومُفكِّرٌ شِيعيٌّ لبنانيٌّ، وُلِدَ في بلدة شقرا قضاء بنت جبيل سنة 1316هـ الموافق 1946م، درس الابتدائيَّةَ والمتوسِّطةَ في بلدتِه، ودرس على والِدِه في علومِ اللُّغةِ والنَّحوِ والصَّرفِ والمنطِقِ.
هاجر إلى النجف عام ١٣٨٠هـ الموافق 1960م، فدخل كليَّةَ الفِقهِ وتخرَّج منها في العام ١٣٨٧هـ الموافق 1967م، ثم تابع دراساتِه العُليا حتى العام ١٣٩٢هـ الموافق 1972م؛ حيث عاد إلى جبل عامل، وسكن بلدتَه شقراء حتى العام ١٣٩٥هـ الموافق 1975م.
عُيِّن قاضيًا في مدينةِ صور حتى عام ١٣٩٧هـ الموافق 1977م؛ حيث انتقل إلى مدينة صيدا، وبَقِيَ رئيسًا لمحكمتِها حتى سنة ١٤١٨هـ الموافق 1997م، ثم نُقِلَ إلى المحكمةِ العُليا مُستشارًا.
ألَّف عددًا من الكُتُبِ؛ منها: الاجتماعُ العربيُّ الإسلاميُّ، نَقْد العَلْمَنة والفِكر الدِّيني، بين القوميَّة والإسلامِ، الإسلامُ والديمقراطيَّة، مساهماتٌ في النَّقدِ العربيِّ.
تُوفِّيَ بعد إصابتِه بفيروس كورونا.
هو الإمامُ الحافِظُ المَجَوِّد, شيخُ الإسلام, عَلَمُ الجهابِذةِ, أبو الحسَنِ عليُّ بنُ عُمَرَ بنِ أحمد بن مهدي بن مسعود بن دينار بن عبد الله الدَارَقُطنيُّ، الحافِظُ الكبير، المقرئُ المحَدِّث, كان عالِمًا حافِظًا فقيهًا على مذهَبِ الإمام الشافعي. أخذ الفِقهَ عن أبي سعيدٍ الاصطخريِّ الفقيهِ الشافعي. كانت ولادتُه في ذي القَعدة سنة 306. والدَّارَقُطنيُّ بفتحِ الدالِ المُهملة وبعدَ الألف راءٌ مفتوحة ثم قافٌ مَضمومة نسبةً إلى دار قُطْن محلَّة كبيرة ببغداد. كان من بحورِ العِلمِ, ومن أئمَّة الدنيا, انتهى إليه الحِفظُ ومَعرفةُ عِلَل الحديث ورجالِه, مع التقَدُّم في القراءاتِ وطُرُقِها, وقُوَّة المشاركة في الفِقهِ والاختلافِ والمغازي وأيَّام الناس, وغير ذلك. أستاذُ الصناعةِ في عِلمِ الحديثِ والعِلَل، سَمِعَ الكثير، وجمع وصَنَّف وألفَّ وأجاد وأفاد، وأحسنَ النَّظَرَ والتعليلَ والانتقادَ والاعتقاد، وكان فريدَ عَصرِه، ونسيجَ وحْدِه، وإمامَ دَهرِه في أسماءِ الرِّجالِ وصناعةِ التَّعليلِ، والجَرحِ والتعديلِ، وحُسْنِ التَّصنيفِ والتأليفِ، والاطلاعِ التَّامِّ في الدراية، له كتابُه المشهورُ: (السُّنَن) من أحسَنِ المصَنَّفات في بابِه، وله كتابُ العِلَل بيَّنَ فيه الصَّوابَ مِن الدَّخَلِ، والمتَّصِلَ مِن المُرسَل، والمُنقَطِعَ والمُعضَل، وكتابُ الأفراد، وله غير ذلك من المصَنَّفات، وكان مِن صِغَرِه موصوفًا بالحِفظِ الباهِرِ، والفَهمِ الثَّاقِبِ، والبَحرِ الزَّاخر، وقال الحاكِمُ أبو عبد الله النَّيسابوري: "لم يَرَ الدَّارَقُطنيُّ مِثلَ نَفسِه"، وقد اجتمع له مع معرفةِ الحديثِ العِلمُ بالقراءاتِ والنَّحوِ والفِقهِ والشِّعرِ، مع الإمامةِ والعَدالةِ، وصِحَّةِ اعتقاد. قال أبو بكر البرقاني: كان الدَّارَقُطني يُملي عليَّ العِلَلَ مِن حِفظِه. قلت- والكلام للذهبي-: إن كان كتابُ "العلل" الموجود قد أملاه الدَّارقُطنيُّ مِن حِفظِه كما دلَّت عليه هذه الحكاية, فهذا أمرٌ عظيمٌ يُقضَى به للدَّارَقُطني أنَّه أحفَظُ أهلِ الدُّنيا، وإن كان قد أملى بعضَه مِن حِفظِه, فهذا ممكِنٌ، وقد جمَعَ قبلَه كتابَ " العِلَل " عليُّ بنُ المَديني حافِظُ زَمانِه". وقد كانت وفاتُه في يوم الثلاثاء السابِعَ مِن ذي القَعدة، وله من العُمُرِ سبعٌ وسبعون سنة ويومان، ودُفِنَ مِن الغد بمقبرة باب الدير قريبًا من قبرِ معروفٍ الكَرخيِّ- رَحِمَهما الله.
هو أبو محمد الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، هو الإمامُ الحادي عشر عند الشيعة الذين يدَّعون عِصمَتَهم, كان مولدُه بسامرَّا بلد العسكرِ، ومنها أخذ لقبه، وأمُّه أمُّ ولدٍ. توفِّيَ في سامرا وله تسع وعشرون سنة. ودُفِنَ إلى جانب والده. والحسَنُ العسكري هو والد محمَّد المهدي الذي تزعمُ الرافضة أنَّه الإمام المنتظَر الذي سيخرجُ من السرداب، ولِدَ سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين. عاش بعد أبيه سنتين، ولم يُعلَم كيف مات. وهم يدَّعون بقاءَه في السرداب منذ عام 262ه، وأنَّه صاحِبُ الزمان، وأنه حيٌّ يعلَمُ عِلمَ الأوَّلينَ والآخرين، ويعتَرِفون أنَّ أحدًا لم يَرَه أبدًا، فنسأل اللهُ أن يثبِّتَ علينا عُقولَنا وإيمانَنا!!
توفِّيَ حُسامُ الدين أردشير، صاحِبُ مازندران، وخَلَّفَ ثلاثة أولاد، فمَلَك بعده ابنُه الأكبَرُ، وأخرج أخاه أسامةَ وهو الأوسَطُ مِن البلاد، فقَصَد جرجان، وبها المَلِك علي شاه بن خوارزم شاه تكش، أخو خوارزم شاه محمد، وهو ينوبُ عن أخيه فيها، فشكا إليه ما صنَعَ به أخوه من إخراجِه مِن البلاد، وطَلَب منه أن يُنجِدَه عليه، ويأخُذَ له البلاد؛ ليكون في طاعته، فكتَبَ علي شاه إلى أخيه خوارزم شاه في ذلك، فأمر بالمسيرِ معه إلى مازندران، وأخْذ البلاد له، وإقامة الخُطبة لخوارزم شاه فيها، فساروا عن جرجان، فاتَّفق أن ابن حسام الدين، الأخَ الأكبر صاحب مازندران، مات في ذلك الوقت، وملك البلادَ بعده أخوه الأصغَرُ، واستولى على القلاعِ والأموال، فدخل علي شاه البلادَ، ومعه أسامةُ الأخ الأوسط، فنَهَبوها وخَرَّبوها، وامتنع منهم الأخُ الصغير بالقلاع، وأقام بقلعةِ كور، وهي التي فيها الأموالُ والذخائر، وحصروه فيها بعد أن ملَّكوا أسامة البلادَ، مثل: سارية وآمل وغيرهما من البلاد والحصون، وخُطِبَ لخوارزم شاه فيها جميعها، سوى القلعة التي فيها أخوه الأصغَرُ، وهو يراسله، ويستميله، ويستعطِفُه، وأخوه لا يردُّ جوابًا، ولا يَنزِلُ عن حِصنِه.
هو السُّلطانُ عَضُد الدولة, أبو شُجاع, فناخسرو بن السلطان رُكنِ الدولة حسن بن بويه الدَّيلمي الشيعي, صاحِبُ العراق وفارس. تملَّك فارس بعد عَمِّه عماد الدولة, ثم كثُرَت بلادُه, واتسعت ممالِكُه, ودانت له البلادُ والعباد. وهو أوَّلُ مَن خُوطِبَ بالمَلِك شاه شاه في الإسلامِ، وأوَّلُ مَن خُطِب له على المنابر ببغداد بعد أميرِ المؤمنين وكان بطلًا شُجاعًا مَهيبًا, جبَّارًا عَسوفًا, شديد الوطأةِ, وكان فاضلًا نحْويًّا أديبًا عالِمًا، له مُشاركةٌ في فنون، وله صَنَّفَ أبو علي الفارسي "الإيضاح والتكملة", وقد مدَحَه فحول الشعراء، وسافر إلى بابه المتنبِّي في شيراز، قبل أن يَملِكَ العراق، وامتدحه بقصائدَ مشهورة، وهو الذي أظهر قبرَ عليٍّ بالكوفةِ وادَّعى أنَّه قبرُه، وأقام البيمارستان العضديَّ ببغداد، وأنفق عليه أموالًا عظيمةً، وهو بيمارستان عظيمٌ ليس في الدنيا مثلُ تَرتيبِه, قصَدَ عَضُدُ الدَّولةِ العِراقَ، والتقى ابنَ عَمِّه عِزَّ الدولة بختيارَ بنَ مُعِزِّ الدولة وقتَلَه, وتمَلَّكَها, دخل بغداد وقد استولى عليها الخراب وعلى سوادِها بانفجارِ بثُوقِها وقَطعِ المفسدينَ طرقاتها، فبعث العسكرَ إلى بني شيبان، وكانوا يقطعونَ الطَّريقَ، فأوقعوا بهم وأسَروا مِن بني شيبان ثمانمائة، وسَدَّ البثوق، وغرَسَ المزاهِرَ وعَمر الطرقَ والقناطِرَ والجسور, وكان متيقِّظًا شَهمًا، صائب الفِراسة, وله عيون كثيرةٌ تأتيه بأخبارِ البلاد القاصية، حتى صارت أخبارُ الأقاليم عنده, وكان شديدَ العناية بذلك، كثيرَ البَحثِ عن المشكلات، وافِرَ العقل. كان من أفرادِ الملوك لولا ظُلمُه، وسَفكُه للدماء، حتى إنَّ جارية شغل قلبَه بمَيلِه إليها، فأمرَ بتغريقِها، وكان يحِبُّ العلمَ والعُلَماء ويَصِلُهم. قال ابن الجوزي: "كان يرتفع له في العامِ اثنان وثلاثون ألفَ ألف دينار، وكان له كرمان، وفارس، وعمان، وخوزستان، والعراق، والموصل، وديار بكر، وحران، ومنبج. وكان يناقِشُ في القيراط، وأقام مكوسًا ومظالم, فنسأل اللهَ العافية ". لَمَّا اشتدت عِلَّةُ عَضُد الدولة، وهو ما كان يعتادُه مِن الصَّرَع، ضَعُفَت قُوَّتُه عن دفِعه، فخنقه فمات منه ثامن شوال ببغداد، وحُمِلَ إلى مشهد أمير المؤمنين عليٍّ، فدُفِنَ به، وقيل: إنَّه لَمَّا احتُضِرَ لم ينطلِقْ لسانُه إلا بتلاوةِ {مَا أَغْنْى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}, وكانت ولايتُه بالعراق خمس سنين ونصفًا، ولَمَّا توفي كتَمَ رفاقُه خبَرَ مَوتِه حتى جاؤوا بولَدِه صمصام الدولة فجلس ابنُه صمصام الدولة أبو كاليجار للعزاء، فأتاه الطائع لله مُعزِّيًا.