سار ثويني بن عبد الله شيخ المنتفق من نجدٍ إلى البصرة فدخَلَها وحبس متسَلِّمَها من قِبَل الدولة العثمانية, فلما استقَرَّ فيها طلب من رؤساء البصرة وأعيانِهم أن يكتبوا للسلطان العثماني أن يجعَلَه أميرًا عليهم ويرسلوا كتابًا بطلبهم مع مفتي البصرة، فلما عرض المفتي على السلطانِ ما جاء به أطلع السلطانُ وزراءَه على الطلب فقالوا له: هذا أعرابيٌّ متغَلِّبٌ، فغَضِبَ السلطانُ وكاد يفتِكُ بالمفتي.
بدأت المصالحُ الإنجليزية في الملايو من الناحية التجارية، وكان سلطان صولو قد أعطى الإنجليزَ منطقةً في شمالي جزيرة بورنيو (أندونيسيا) لتقيمَ عليها تجارتَها، فعملت الشركة البريطانية المعروفة بشركة الهند الشرقية البريطانية لإقامةِ قاعدةٍ لها في الملايو، وتمكَّنت من ذلك بسهولة, واشترت ميناء سنغافورة أيضًا، ثم أخذ الاستعمارُ البريطاني بالتوسُّعِ منذ عام 1291هـ في الملايو، وتكرَّس على شكلِ معاهداتٍ مع سلاطينِ الولايات، حتى أصبحت تستطيعُ أن تجمَعَ الإماراتِ وتقَسِّمَها كما تشاء. توطَّدَ استعمار البريطانيين على جزيرة الملايو كافة عام 1306هـ، وهكذا خضعت ماليزيا للاستعمار البريطاني، وكان لضَعفِ سلاطينها أكبَرُ الأثرِ في ذلك.
بعد قَبولِ الإمام عبد العزيز سعدونَ بنَ عريعر في الدرعية، سار ثويني بن عبد الله شيخ المنتفق ومعه العساكرُ العظيمة من المنتفق وأهل الهجر وجميع أهل الزبير وعربان شمر وطي ومعه من العَدَد والعُدَّة ما يفوق الحصرَ، يريد غزوَ القصيم، فوصل التنومة وهي من قرى القصيم ونازلها بجموعِه وحاصَرَها وضربها بالمدافِعِ، لكِنَّه لم يتمكن من دخولهِا إلا بمكيدةٍ عن طريق عثمان آل حمد من أهل الزلفي، فدخلها عليهم خديعةً، ثم أخذ التنومة عنوةً واستأصل أهلَها قتلًا ونهبًا, ثم ارتحل منها وقصد بُريدة ونزل بها وحصل بينه وبين أهلِها شيءٌ من القتال وأثناء الحصارِ بلغه أنَّه وقع في أوطانه اختلافٌ وخلل، فاضطر أن يرجِعَ إلى بلده, وكان عبد المحسن بن سرداح رئيسُ بني خالد قد خرج بعربانِه من بني خالد يريدُ القصيم نصرةً لثويني، فلما بلغ الدهناءَ بلَغَه رجوعُ ثويني فرجع من حيث جاء وتفَرَّقت كَلِمتُهم ولم يتمَّ لهم ما أرادوا.
لما تحقَّق سليمان باشا صاحب بغداد ما أحدثَه ثويني شيخ المنتفق في البصرة مِن تولِّي حكمِها بعد طَردِ متسَلِّمها، سار بعساكره إلى البصرة، فالتقى مع ثويني الذي جمع عُربانَ المنتفق وأهل الزبير بالقرب من سوق الشيوخ خارجَ البصرة، فاقتتلوا قتالًا شديدًا انهزم فيه ثويني هزيمةً شنيعةً فَرَّ على إثرها بمن بقي معه من جنوده إلى الجهراء، ثم رحل إلى الصمان ديار بني خالد، وتولى حمود بن ثامر رئاسةَ المنتفق، وعَيَّن سليمان باشا أغا مصطفى على البصرة.
بعد أن بايع ربيع بن زيد وأخوه بدن الشيخَ محمدًا والإمام عبد العزيز عام 1199, وعادا إلى الوادي بدأا بالدعوة للتوحيد ونبْذِ مظاهر الشرك والبدع، فنفر منهما أهلُ الوادي ودخلا معهم في حربٍ طويلة استعان فيها أهل الوادي بصاحبِ نجران المكرمي ليقضوا على ربيع بن زيد وأتباعه ودعوته، لكِنْ دون جدوى, وقد حصل ربيعٌ على مالٍ وسلاح من الإمام عبد العزيز في حربِه لِقَومِه حتى تمكَّن من أهل الوادي، فأرسلوا إلى ربيع يطلبونَ منه أن يبايعوه على الدِّينِ والسَّمع والطاعة، ثم وفد بهم إلى الشيخِ محمد والإمام عبد العزيز ليبايعوهما على السمع والطاعة والالتزام بشرائع الدين, فأكرمهم الأميرُ غايةَ الإكرام وطلبوا معلِّمًا لهم يعلِّمُهم التوحيدَ، فأرسل معهم الشيخُ عبدَ الله بن فاضل, بعد ستة أشهُرٍ نقض الرجبان والوداعون العهد فأرسل عبد العزيز لهم سليمان بن عفيصان فدهمهم في بلادِهم، فطلبوا الأمانَ والقدوم على عبد العزيز، فقَدِموا عليه في الدرعية، فبايعوه وشرط عليهم ألفي ريال نكالًا وألفَ بندقٍ فسلَّموها له.
هو الشَّريفُ سرورُ بنُ مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد بن محسن بن حسين بن حسن بن أبي نُمي، الذي طار صيتُه في الآفاقِ وبلغ من المجدِ والسعيِ في أعمال الخيرِ وتأمين السُّبُل ما لم يبلُغْ إليه أحدٌ من آبائه، ولقد كانت أحاديثُ الوافدين للحجِّ إلى بيت الله الحرام تخبِرُ عنه بأخبار تسُرُّ القلوبَ وتشَنِّف الأسماعَ وترَوِّح الطباعَ، وكان عظيمَ السَّطوة شديدَ الصَّولة قامعًا للفساد راعيًا لمصالح العباد، كثيرَ الغزو لمَرَدة الأعراب الذين يتخطَّفون الناس في الطرقات، وتوفي في يوم 18 ربيع الثاني، وعمره 35 سنة، ومدَّة ولايته 15 سنة وخمسة أشهر وثمانية أيَّام، وصُلِّي عليه عند الكعبة ودُفن بالمعلَّاة. وقام مقامَه بعد وفاته أخوه عبد المعين، ثمَّ رغِبَ عن الأمرِ لأخيه غالب بعد أيامٍ يسيرةٍ مِن ولايته.
انتصر الجيشُ العثماني بقيادة السلطانِ عبد الحميد الأول على الجيشِ النمساوي الذي يقودُه الإمبراطور جوزيف الثاني، وذلك في معركة "شبش" داخِلَ حدود النمسا. قامت مجموعةٌ مِن كشَّافة الجيش النمساوي بالتقَدُّم؛ لاستطلاعِ موقِفِ الجيش العثماني. وفي طريقِهم وجدوا تجمُّعًا للغجرِ حيث يباعُ الخمرُ، فجَلَسوا وسَكِروا حتي الثمالة. بعد قليلٍ جاءت مجموعةٌ مِن المشاة النمساويين للانضمامِ للمجموعةِ الأولى فرفَضوا انضمامَهم لهم واتَّخذوا وضعَ الدِّفاعِ, ثمَّ عمَّت حالةٌ من الفوضى وصلت إلى المعسكَرِ، وحدث قتالٌ بينهم. كلُّ طرفٍ منهم يظُنُّ أنَّ الطرفَ الآخِرَ هم الأتراكُ، فوقعت حربٌ شديدةٌ بينهم، قُتِلَ منهم أعدادٌ كبيرة، قيل بلغ عددُ القتلى 10 آلاف قتيل, فلما وصل الجيشُ العثماني بقيادة السلطان عبد الحميد الأوَّلِ ومعه الصدرُ الأعظمُ قوجا يوسف باشا تمكَّنَ مِن أسرِ 50 ألفَ نمساوي في هذه المعركةِ التي تعتبر أكبَرَ انتصارٍ حَقَّقه السلطانُ في عهدِه، والذي توفِّيَ بالسكتة القلبية في طريقِ عودتِه قبل وصولِه إسطنبول.
على الرغمِ من اعتراف الدولة العثمانية بضم القرم لروسيا سنة 1186 إلَّا أنَّ قصْدَ روسيا ومساعديها انتشابُ القِتالِ؛ ليحظى كل منهم بأمنيتِه؛ لذلك عَمِلوا على إثارة خاطر الدولة العثمانية وإيقاعِها في الحربِ، فأخذوا في تحصين ميناء سباستوبول وأقاموا ترسانةً عظيمةً في ميناء كرزن، وأنشؤوا عمارةً بحرية من الطراز الأول في البحرِ الأسود وأرسلوا جواسيسَهم إلى بلاد اليونان وولايتي الفلاخ من البغدان؛ لتهييجِ النصارى على الدولةِ العثمانية، ثم توصَّلت كاترين الثانية إلى إدخال هرقل ملك الكرج تحت حمايتِها مُقدمةً لفتحِ بلادِه نهائيًّا وأخيرًا في سنة 1787م. ساحت كاترين في البلاد الجنوبية وبلاد القرم بأبَّهةٍ واحتفالٍ زائد، وأقام لها القائِدُ بوتمكين أقواسَ نصرٍ كُتِب عليها طريقُ بيزنطة، فعَلِمت الدولةُ العثمانية من كلِّ هذه الأحوالِ أنَّها تقصِدُ محاربتَها ثانيًا، وتأكَّد لها هذا العزمُ لَمَّا تقابلت كاترين في سياحتِها هذه مع ملك بولونيا وإمبراطور النمسا؛ ولذلك أرادت الدولةُ العثمانية هي المبادرةَ بإعلان الحربِ قبلَ تمامِ استعدادِ أعدائِها؛ ولإيجادِ سَبَبٍ له أرسلت بلاغًا إلى سفير روسيا بالأستانة المسيو جولغا كوف في صيف سنة 1787م تطلب منه تسليمَ موروكرداتو حاكِمِ الفلاخ الذي كان عصى الدولة والتجأ إلى روسيا، والتنازلَ عن حماية بلاد الكرج بما أنَّها تحت سيادة الدولةِ، وعزْلَ بعضِ قناصِلِها المهيِّجين للأهالي، وقبولَ قناصِلَ للدولة في موانئ البحر الأسود، وأن يكون لها الحَقُّ في تفتيش مراكِبِ روسيا التجارية التي تمرُّ مِن بوغاز الأستانة للتحقيقِ مِن أنَّها لا تحمِلُ سِلاحًا أو ذخائِرَ حربية, فرفض السفيرُ هذه الطلباتِ إلَّا بإذن دولته، فأعلن الباب العالي الحربَ عليها فورًا، وسجن سفيرَها في أغسطس سنة 1787م, ولما كان الجنرال بوتمكين لم يتِمَّ معداتِ الحربِ وقعَ في حيص بيص، وكتب إلى كاترين يخبرُها بعدمِ صلاحية البقاء في القرمِ ناصِحًا لها بإخلائِها في أقربِ وقتٍ، لا سيما وأنَّ مَلِكَ السويد جوستاف الثالث أراد انتهازَ هذه الفرصة لاسترجاعِ ما فقدَتْه دولتُه من المقاطعات والبلادِ التي أخذَتْها منها روسيا، لكِنْ لم تَثنِ هذه الحوادِثُ هِمَّةَ هذه الإمبراطورة التي أعانتها الأيامُ، بل كتبت للجنرال بوتمكين بعدمِ انتظار العثمانيين، والسيرِ بكلِّ شجاعةٍ وإقدامٍ على مدينتي بندر وأوزي، فصدع بأمرِها وسار نحو أوزي فحاصرها مدةً، ثم دخلها عَنوةً في 30 ربيع الآخر سنة 1203 هـ 19 نوفمبر سنة 1788م وفي هذه الاثناء كانت النمسا أعلنت الحرب على الدولة العثمانية مساعدة لروسيا، وحاول إمبراطورها يوسف الثاني الاستيلاءَ على مدينة بلغراد، فعاد بالخيبة إلى مدينة تمسوار؛ حيث اقتفى أثرَه الجيشُ العثماني وانتصر عليه نصرًا مُبينًا؛ ولذلك ترك الإمبراطور قيادةَ جيوشِه إلى القائد لودن.
احتلَّ الجيشُ الروسي قلعة "أوزي" في أوكرانيا، أهَمَّ القلاعِ العثمانية على البحر الأسود، وارتكب الروسُ فيها مجزرةً رهيبةً راح ضحيَّتَها 25 ألف تركي مِن الرجال والنساء والأطفال، بعد أن قاموا بتعذيبِهم بشِدَّةٍ, وكان لخبرِ سقوطِ أوزي بيَدِ الروس وذبحِ أهلِها المدنيين بالسيفِ أكبَرُ الأثَرِ على السلطان عبد الحميد الأول؛ حيث أُصيب على إثر الخبَرِ بنزيفٍ في المخِّ توفِّيَ بعده.
هو السلطانُ العثماني عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث، ولِدَ سنة 1137هـ تولى الحكمَ عام 1187هـ/1773م بعد وفاة أخيه مصطفى الثالث، وكان محجوزًا في قصرِه مدَّةَ حكم أخيه مصطفى الثالث، استطاعت روسيا في عهدِه أن تحقِّقَ نصرًا على العثمانيين في معاهدة كيتشوك كاينارجي، وطلب الصدرُ الأعظمُ الصلحَ والمفاوضة، وتمَّ ذلك في مدينة قاينارجة في بلغاريا على البحر الأسود عام 1187هـ. في هذه الظروفِ الحَرِجة توفِّي السلطان عبد الحميد الأول، ووهنت عزيمةُ الجند ودخل اليأسُ قلوبَهم، واستغَلَّ الأعداء ما حدث وتضافرت جهودُهم لإضعافِ العثمانيين، وتمكَّنوا من النصر؛ ففي 31 تموز و22 أيلول عام 1789م استولى الروس على مدينة بندر الحصينة واحتلُّوا معظم الفلاخ والبغدان وبسارابيا، ودخل النمساويون بلغراد وبلاد الصرب التي رُدَّت بعد ذلك للعثمانيين بمقتضى معاهدة زشتوي. توفِّيَ السلطان عبد الحميد الأول متأثرًا بنزيفٍ في المخِّ بعد سماعه خبرَ سقوطِ قلعة أوزي بيد الروسِ وذبح أهلها بطريقةٍ بشعة، دام في الحُكمِ خمسة عشر عامًا وعدة أشهر، وتولى بعده ابنُ أخيه سليم الثالث بن مصطفى الثالث، ويعتبرُ هذا السلطانُ هو أولَ سلاطين عصر الانحطاط، ثمَّ استمَرَّت السلطنةُ في سلالة السلطان عبد الحميد الأول إلى نهايةِ الدولة.