اشتعلت الثَّوراتُ في الهرسك بتحريضٍ من الجبل الأسود ومِن الصرب، ولكنْ سرعانَ ما استطاعت الدولةُ العثمانيةُ إخمادَ الثورة، ولَمَّا رَغِبَ السلطانُ عبد الحميد الثاني في مَنْعِ الدول الأوربية من التدخُّلِ، أصدر مرسومًا بفصل القضاءِ عن السلطة التنفيذية، ويتم انتخابُ القُضاةِ عن طريق الأهالي، والمساواة في الضرائبِ بين المسلمين والنصارى، وكانت النمسا التي تريد ضَمَّ البوسنة والهرسك إليها عادت لتحَرِّضَ السكان من جديدٍ، فاندلعت الثورةُ مجَدِّدًا، لكنها أُخمدت أيضًا، فتدخلت الدولُ الأوربية: النمسا، وروسيا، وألمانيا، وفرنسا، وإنكلترا، وطلبت من السلطان إجراءَ إصلاحاتٍ، فقام بذلك لكِنَّ سكان الهرسك رفضوها بتحريضٍ مِن الدول النصرانية لهم بذلك؛ من أجل التدخُّل في الدولة العثمانية وشؤونِها الداخلية، وكانت روسيا وألمانيا والنمسا قد شجَّعت الصربَ والجبَلَ الأسودَ على إعلانِ الحرب على الدولة العثمانية على أن يمدُّوهم بالسلاحِ، وبدأت القواتُ الروسية تتسلَّلُ سِرًّا إلى الصرب والجبل الأسود، وأُعلِنت الحربُ بقيادة الأمير ميلاك، وكانت المعركةُ في الجبل الأسود لصالحِهم، أما في الصرب فقد استطاع العثمانيون أن يقمَعوهم ثم قمَعوا حلفاءَهم أيضًا، فتدخلت الدولُ الأوربية وفرَضَت إمَّا وقفَ القتالِ وإلَّا فالحربُ العامَّةُ.
كانت فارس مقسَّمةً إلى ثلاثة أقسام: قسم تحت النفوذ الروسي، وقسم تحت النفوذ البريطاني، وقسم محايد، ولما انتهى النفوذ الروسي في فارس بعد قيام الثورة الشيوعية، وتسلمها مقاليد الحكم في محرم 1336هـ / تشرين الأول 1917م وتنازلوا عن ديونهم على فارس، وأرادت إنجلترا أن تحُلَّ محلَّ روسيا فلم تتمكَّنْ، ولكنها رأت أن تجعل على الأقل سدًّا في وجه التوسع الشيوعي، فأسرعت في توقيع اتفاقية مع فارس بعد مباحثات لمدة سنة، فكان التوقيعُ على الاتفاقية المسمَّاة بـالمساعدة البريطانية من أجل تقدُّم فارس ورفاهيتها، واعترفت ظاهرًا باستقلال فارس، لكنها قيَّدتْها بقيود جعلتها تحت حمايتها؛ حيث جاء في الاتفاقية أن تستخدم فارس المستشارين البريطانيين في كلِّ مؤسَّساتها حتى الجيش، وألَّا تتسلَّح إلا من بريطانيا، وأن تكون بريطانيا هي من ينشئ فيها المواصلاتِ وكذلك تحديد الحدود، ثم أقرضَتْها دينًا قدره مليونا جنيه بفائدة سبعة بالمائة، ووقَّع الاتفاقية رئيس وزراء فارس "وثوق الدولة" والسفير البريطاني برسي كوكس، ورضي الشاه أحمد بالاتفاقية، ولكن الشعب ثار وحدثت انتفاضاتٌ في عدد من المناطق وأسست المعارضة حكوماتٍ مُستقلةً في تلك المناطق.
أُصيبَت مِصرُ بِقَحْطٍ شَديدٍ وغَلاءٍ شَديدٍ كاد يُهلِكُهم، فعَقدَ المُستنصِرُ الفاطِميُّ مع الإمبراطورِ البيزنطي قُسطنطين التاسِع مُعاهدةً مُوجِبُها أن يَمُدَّ الرُّومُ مِصرَ بالغِلالِ والأَقواتِ لِتَجاوُزِ المَجاعةِ التي حَلَّت بهم، لكنَّ إمبراطورَ الرُّومِ يَموتُ قبلَ الوَفاءِ بالمُعاهدةِ، ويَتولَّى أَمرَ الرُّومِ الإمبراطورة تيودورا فاشتَرطَت أن يَتَعهَّدَ الفاطِميونَ الدِّفاعَ عن الرُّومِ في حالِ التَّعَدِّي عليهم لِتُنَفِّذَ هذه المُعاهدة السَّابقة؛ لكنَّ المُستنصِرَ لم يَرضَ بهذا الشَّرْطِ، عِلْمًا أنَّ الرُّومَ كانوا قد أَرسَلوا هَدايا قبلَ ذلك منها كَثيرٌ مِن القَمحِ والغَلَّاتِ التي ساعدت في هذه المَجاعةِ، كما حَصَلَ قِتالٌ بين الرُّومِ وبين بَعضِ الجُيوشِ المُتاخِمَةِ لهم.
بعدَ أن أَصبحَ أحمدُ بن سُليمانَ بن هود أَميرًا لسرقسطة بعَهدِ أَبيهِ تُوفِّي في هذا العامِ وكان يُلقَّب بالمُقتَدِر باللهِ، وكان قبلَ وَفاتِه قد قَسَّمَ مَملكَتَه بين وَلدَيهِ فأَعطَى المُؤتَمن سرقسطة وأَعمالَها، وأَعطَى المُنذِرَ بلادَ الثَّغرِ الأعلى دانية ولاردة، ولكنَّ المُؤتَمن أَعلَن الحَربَ على أَخيهِ للاستِيلاءِ على حِصَّتِه مُستعينًا بكمبيادرو النَّصرانيِّ حَليفَ أَبيهِ فقامَ المُنذِرُ بالاستِنصارِ بسانشو مَلِكِ أراجون لكنَّه انهَزمَ أَمامَ أَخيهِ، أما طليطلة فإنَّ أَهلَها ثاروا على أَميرِها القادرِ ذي النونِ فهَربَ من المدينةِ ولَجأَ إلى قونكة، وكَتبَ إلى ألفونسو مَلِكِ قشتالة وطَلبَ المَعونةَ منه فاستَجابَ له وأَعادَهُ إلى طليطلة.
بعد أن رأى الصليبيون أعمال المغول التتار في البلاد التي يسيرون إليها ويحتلُّونها وشناعَتَهم ووحشيَّتَهم وما فعلوه في روسيا وبولندا من غزوهم أوروبا. قام البابا غريغور التاسع بالدعوة إلى حرب صليبية، ولكن هذه المرة ضد المغول، وليس ضد المسلمين، علمًا بأنَّه قد قيل إن الصليبيين هم من حرَّضوا المغول على التحرك إلى بلاد المسلمين خوارزم وأذربيجان وغيرها؛ وذلك حتى يجعلوا المسلمين بين فكَّي كماشة: من الشرق المغول، ومن الغرب الصليبيين، ولكن لما رأوا استفحالَ أمر المغول واختلاطهم بالمسلمين، أصبحوا يخافون أن يُسلِموا، وبالتالي يصبح مصيرهم مصير التتر الذين أسلموا وأصبحوا قوَّةً للإسلام بعد أن كانوا قوةً عليها.
حضر لمصر في هذه السنة جاك بن ملك قبرص بعد أن توفِّيَ والده ونصبوا على عرش قبرص أخته عوضًا عنه، قيل: لأنه ولَدُ زنا، وقيل غير ذلك، ثم بقي في مصرَ على أمل أن يوليه السلطان عرش قبرص, وحضر كذلك جماعة من قبرص نيابة عن أخته وهي تطلب كذلك أن تبقى هي الملكة, وفي يوم الثلاثاء سادس شعبان وقع في مصر أمرٌ شنيع بسبب هذا الأمر، وهو أن السلطان جمع أعيان الفرنج القبارصة في الملأ بالحوش السلطاني، وأراد بقاء الملكة صاحبة قبرص على عادتها، وخلَعَ على قصَّادها أعيان الفرنج، واستقَرَّ تغري بردي الطياري مُسفرها، وعلى يده تقليدُها وخِلعتُها، وكان الفرنجي جاك أخوها حاضر الموكب، وقد جلس تحت مقدمي الألوف، فعز عليه ولاية أخته وإبقاؤها على ملك الأفقسية من جزيرة قبرص مع وجوده، فقام على قدميه واستغاث وتكلَّم بكلام معناه أنه قد جاء إلى مصر، والتجأ إلى السلطان، ودخل تحت كنَفِه، وله عنده هذه المدة الطويلة، وأنه أحقُّ بالملك من أخته، وبكى، فلم يسمع السلطان له، وصمَّم على ولاية أخته، وأمره بالنزول إلى حيث هو سكَنُه، فما هو إلا أن قام جاك وخرج من باب الحوش الأوسط، ثم خرج بعده أخصامُه حواشي أخته، وعليهم الخِلَعُ السلطانية، فمَدَّت الأجلاب أيديها إلى أخصام جاك من الفرنج، وتناولوهم بالضربِ والإخراق، وتمزيق الخِلَع، واستغاثوا بكلمة واحدة: أنهم لا يريدون إلا تولية جاك هذا مكان والِدِه، وعظُمَت الغوغاء، فلم يسع السلطان إلا أن أذعن في الحال بعزلِ الملكة وتولية جاك، فتولى جاك على رغم السلطانِ، بعد أن أمعن المماليك الأجلاب في سبِّ الأمير بردبك الدوادار الثاني، وقالوا له: أنت إفرنجي وتحامي للفرنج، فاستغاث بردبك، ورمى وظيفة الدوادارية، وطلب الإقالة من المشي في الخدمة السلطانية، فلم يسمع له السلطان، وفي الحال خُلِعَ على جاك، ورسم بخروج تجريدة من الأمراء إلى غزو قبرص، تتوجَّهُ مع جاك إلى قبرص، ثم في يوم الثلاثاء السابع عشر شوال سافر المجاهدون في بحر النيل إلى ثغر دمياط ومعهم جاك هذا ليساعدوه على تولي الملك مكان أخته، ثم في يوم الجمعة الثالث والعشرين محرم من السنة التالية حضر البعض من هناك وأخبر أنهم ساروا على ظهر البحر الملح يريدون السواحل الإسلامية، فهبت ريح عظيمةٌ شتَّتَت شملهم، وتوجهوا إلى عدة جهات بغير إرادة، وترك بجزيرة جماعة من المماليك السلطانية ومماليك الأمراء قوة لجاك صاحب قبرص.
خُلِعَ أبو البقاء خالد بن إبراهيم بن أبي بكر متمَلِّك تونس، بعد إقامته في المُلْك سنة وتسعة أشهر تنقُصُ يومين، وهو الخامس عشر من ملوك الحفصيين بتونس، وكان صبيًّا والأمر بيد الحاجِبِ ابن المالقي، وقام بعدَه ابنُ عَمِّه أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم، وقد كان هذا أميرَ قُسنطينة وبجاية، فلما استطاع الزحفَ على تونس قَتَل الحاجي ابن المالقي وفَرَّ خالد المخلوع، لكِنَّه قبض عليه ونفِيَ إلى الغرب لكنَّه غَرِقَ في البحر، فتملك أبو العباس هذا وتلَقَّب بالمستنصر بالله في يوم السبت ثامن عشر ربيع الآخر.
عندما اندلعت الحرب العظمى انسحب الأتراك من عسيرٍ، أصبح الأمير حسن آل عائض حاكمًا لعسير، لكِنَّ قبائل قحطان وزهران نفرت منه بسبب استبداده، فأرسلوا إلى الملك عبدالعزيز يستعينون به عليه، فأرسل لهم علماء يعلِّمون الناس العلم وينشرون التوحيد، لكنَّ ابن عائض لم يحسِنْ استقبالهم واستمَرَّ في سياسته، فأرسل الملك عبدالعزيز حملةً بقيادة ابن عمه عبد العزيز بن مساعد بن جلوي أمير حائل ومعه قحطان وزهران، فهزموا ابن عائض وابن عمه محمد آل عائض في معركة حجلا؛ فأُسِرَا وأرسلا إلى الرياض، ثم أفرج عنهما وعادا إلى عسير كعمَّال للملك عبدالعزيز.
كان يعقوبُ بنُ اللَّيثِ الصَّفَّار قد قضى على الدَّولةِ الطاهريَّة، وأقام دولتَه على أنقاضِها، فأمر الخليفةُ أن يجهِّزَ جيشًا بقيادةِ أخيه الموفَّقِ؛ لِمُواجهة يعقوب، وذلك في عام 262هـ / 876م، ويشاءُ اللهُ أن تدور الدائرةُ على يعقوبَ فيُهزَم، ولكِنَّ المُعتَمِد يرى الاحتفاظَ بولائه للخلافةِ، فمِثلُه يمكِنُ الاعتماد عليه في مواجهةِ الثَّوراتِ والانتفاضات، فبعث إليه يستميلُه ويتَرضَّاه، ويقَلِّدُه أعمال فارس وغيرِها ممَّا هو تحت يديه، ويصِل رسولُ الخليفة إليه، وهو في مرَضِ الموت، ولكِنْ بعد أن كَوَّنَ دولةً، وبسط سلطانَه عليها. ويُظهِرُ أخوه (عمرو) من بعدِه ولاءَه للخليفة، فيولِّيه الخليفةُ خُراسان، وفارِسَ، وأصبهان، وسجستان، والسِّند، وكرمان، والشرطة ببغداد، وكان عمرٌو كأخيه ذا أطماعٍ واسعةٍ، فانتهز فرصةَ تحسُّن العلاقة بينه وبين الخليفةِ وراح يتَمِّمُ رسالة أخيه. فاتَّجَه بنظره إلى إقليم ما وراءَ النهر الذي كان يحكُمُه السامانيون، ولكِنَّ قُوَّتَهم لا يستهان بها، فكتب إلى الخليفة المعتَضِد ليساعِدَه على تملُّكِ هذا الإقليم، فهُزِمَ عمرُو بن الليث الصفار هزيمةً ساحقةً، ووقع أسيرًا في أيدي السامانيِّين، وأُرسل إلى بغداد ليُقضى عليه، فيقتل سنة 289هـ / 902م. ولم تكَدْ تمرُّ ثماني سنوات حتى كان السامانيُّون قد قَضَوا نهائيًّا على الصفاريِّين، واستولَوا على أملاكِهم
فتَحَها المسلمونَ في ولاية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب أبو الغرانيق، غزاها خَلفٌ الخادم مولى زيادة الله بن إبراهيم، وخَلفٌ هو المعروفُ ببناء المساجدِ والقناطر، فحاصرها ومات وهو محاصِرٌ لها، فكَتَبوا إلى أبي عبد الله بوفاته، فكتب أبو عبد الله إلى عامِلِه بجزيرة صقليَّة، وهو محمَّد بن خفاجة، أن يبعَثَ إليهم واليًا، فبعث إليهم سوادةَ بن محمد، ففتحوا حصنَ مالطة، وظَفِروا بمَلِكها عمروس أسيرًا، فهَدَّموا حِصنَها وغَنِموا وسَبَوا ما عَجَزوا عن حَملِه، وحُملَ لأحمد بن عمر بن عبد الله بن الأغلب - الذي عَمِلَ من أجل فتح مالطة- من كنائِسِ مالطة ما بنى به قصرَه الذي بسوسةَ داخلًا في البحر، والمَسلَك إليه على قنطرة. وبقيت بعد ذلك جزيرةُ مالطة خَرِبةً غيرَ آهِلةٍ، وإنما كان يدخلُها النشَّاؤون للسُّفُن؛ فإنَّ العودَ فيها أمكَنُ ما يكونُ، والصيادونَ للحوتِ لكَثرتِه في سواحِلِها وطِيبه، والشائرونَ للعَسَلِ؛ فإنه أكثَرُ شَيءٍ هناك.
في عاشر شهر صفر جمع الأميرُ الكبير ططر عنده بالأشرفية من القلعة قضاةَ القضاة وأمراء الدولة ومباشريها، وكثيرًا من المماليك السلطانية، وأعلَمَهم بأن نواب الشام والأمير ألطنبغا القرمشي ومن معه من الأمراء المجردين لم يرضوا بما عمل بعد موت المؤيد، ولا بد للناس من حاكم يتولى تدبيرَ أمورهم، ولا بد أن يعيِّنوا رجلًا ترضَونه؛ ليقوم بأعباء المملكة ويستبد بالسلطنة، فقال الجميع: قد رضينا بك، وكان الخليفة حاضرًا فيهم، فأشهد عليه أنَّه فوض جميع أمور الرعية إلى الأمير الكبير ططر، وجعل إليه ولاية من يرى ولايته، وعزل من يريد عزله من سائر الناس، وأن يُعطي من شاء ما شاء، ويمنع من يختار من العطاء، ما عدا اللقب السلطاني، والدعاء له على المنابر، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم، فإن هذه الثلاثة أشياء باقية على ما هي عليه للملك المظفَّر، وأثبت قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني هذا الإشهاد، وحكم بصحته، ونفذَ حكمه قضاة القضاة الثلاثة، ثم حلف الأمراء للأمير الكبير يمينهم المعهودة.
كان العلاءُ بن الحَضْرَميِّ رضِي الله عنه واليَ البَحْرين، وكان يُسابِق سعدَ بن أبي وَقَّاص في الفَتحِ، فلمَّا كتَب الله النَّصرَ في القادِسيَّة، وكان له الصَّدى الواسعُ أَحَبَّ العَلاءُ أن يكونَ له النَّصرُ على فارِسَ مِن جِهَتِهِ، فنَدَبَ النَّاسَ إلى الجِهادِ، فاجتمَع الجيشُ وعَبَروا البحرَ إلى فارِسَ، ولكن كلّ ذلك دون إذْنِ عُمَر بن الخطَّاب، واتَّجه العَلاءُ إلى إصْطَخْر -مدينة جنوب إيران- وقاتلوا حتَّى انتصروا وفتحوها، ولكنَّ الفُرْسَ قطَعَت طَريقَهُم إلى سُفُنِهم فبَقَوْا مُحاصَرين ممَّا أَدَّى إلى عَزْلِ العَلاءِ، وطلَب منه الالتحاقَ بسعدِ بن أبي وَقَّاص وطلَب مِن عُتبةَ بن غَزْوانَ أن يُنْجِدَ العَلاءَ، فانْتَصَر المسلمون ثمَّ عادوا إلى البَصْرَةِ.
بعد أن فشِلت محاولة محيي الدين بيري استرجاعَ هرمز من البرتغاليين، أعاد السلطان سليمان القانوني إرسالَ حملة بحرية أخرى بقيادة مراد رئيسي، وهو من مشاهير أمراءِ البحريَّة العثمانية، ولما وصل إلى هرمز وجد أسطولًا هائلًا من البرتغاليين، فدارت بينهما معركة عنيفةٌ تكبد فيها العثمانيون خسائرَ فادحةً جدًّا، فعاد إلى البصرة، ثم جهَّز السلطان حملةً أخرى بقيادة علي جلبي الذي قاتل البرتغاليين في معركة بالقربِ من مسقط، ولكنه هزِمَ هو الآخر وتوجه عائدًا إلى السويس، ولكنَّ الرياح ألقته على ميناء سوارت بولاية كجرات فتحطَّم بعض سفنِه وباع ما سلم منها إلى محمد شاه الثالث أمير كجرات، وأقام عنده عدَّة أشهُر ثم عاد إلى بلاده.
منذ أن دخلت بريطانيا إلى مصرَ وهي تعمَلُ على فصل السودان عن مصرَ، ولم تستطع إنجلترا أن تقمَعَ الثورات باسمِ المصريين، فقامت بإجلاء العساكِرِ المصرية من السودان بحُجَّةِ ولائِهم لأحمد عرابي لا للخديوي توفيق، وبصعوبةِ المواصلات للسودان، وأصَرَّ كرومر المندوبُ الإنجليزيُّ على إجبارِ الحكومة المصرية على قَبولِ الجلاء، ولكنَّه صار جلاءً مؤقَّتًا؛ ففي سنة 1896م جاءت حملةُ كتشنر التي انتهت بعد معركةِ أم درمان سنة 1898م برفع العلمِ الإنجليزي والمصري في الخرطوم، وفَرَضت في اتفاقية سنة 1899م نظامَ الحكم الثنائي المصري الإنجليزي، بمعنى دخولها شريكًا أساسيًّا في امتلاك البلادِ، وتقرَّرَ أن يكونَ تعيينُ حاكم عموم السودان بأمرِ الخديوي، ولكِنْ بترشيح بريطاني.