الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2508 ). زمن البحث بالثانية ( 0.015 )

العام الهجري : 1251 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1835
تفاصيل الحدث:

كانت الملاحة في الخليج العربي قد اضطربت لمدة سنتين بدءًا من عام 1249هـ؛ وذلك بسبَبِ الصراع بين مشيختي الشارقة وأبو ظبي، ثم بسبب الاضطرابات الداخلية في مشيخةِ أبو ظبي، وكان لتلك الاضطرابات أكبَرُ الأثر في حياة القواسم وبني ياسر، وهما أكبَرُ قبيلتين بحريتين في ساحل الصلحِ البحري، فتوقفت أعمالُ الغوص لصيد اللؤلؤ، وساءت أحوالُهم المعيشية إلى حدٍّ كبير، فكان هذا هو العامِلَ الرئيسي الذي مهَّد لعقد أول هدنة بحرية في محرم من هذه السنة؛ حيث اجتمع رؤساء المشيخات والإمارات المطِلَّة على ساحل الخليج عند المقيم السياسي البريطاني، وتعهدوا بعدم اللجوءِ إلى الاشتباكات البحرية فيما بينهم أثناء موسِمِ الغوص، ثم تحولت الهدنةُ فيما بعد لتكونَ لمدة سنة كاملة، وتُجَدَّد سنويًّا بالاتفاق مع المقيم السياسي البريطاني.

العام الهجري : 549 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1154
تفاصيل الحدث:

تَمَلَّك نُورُ الدِّين محمودُ بن زِنكي مَدينةَ دِمشق، وأَخذَها مِن صاحِبِها مُجيرِ الدِّين أبق بن محمد بن بوري بن طغتكين، وكان سَببُ جِدِّهِ في مِلْكِها أن الفِرنجَ لمَّا مَلَكوا في العام الماضي مَدينةَ عَسقلان لم يكُن لنورِ الدين طَريقٌ لإزعاجِهِم عنها لاعتِراضِ دِمشق بينه وبين عَسقلان، كما أن الفِرنجَ لمَّا مَلَكوا عَسقلان طَمِعوا في دِمشق، حتى أنهم استَعرَضوا كلَّ مَن بدِمشق مَملوكًا أو جارِيةً من النَّصارَى، فمَن أرادَ المُقامَ بها تَركوهُ، ومَن أرادَ العَوْدَ إلى وَطنِه أَخذوهُ قَهرًا شاء صاحِبُه أم أَبَى، وكان لهم على أَهلِها كلَّ سَنةٍ قَطيعةٌ يَأخُذونها منهم، فكان رُسُلُهم يدخلون البلدَ ويَأخُذونها منهم، فلمَّا رأى نورُ الدين ذلك خافَ أن يَملِكَها الفِرنجُ فلا يَبقَى له حينئذٍ بالشامِ مُقامٌ، فأَعْمَلَ الحِيلةَ في أَخْذِها حيث عَلِمَ أنها لا تَملِك قُوَّةً، لأن صاحِبَها متى رأى غَلَبَتَهُ عليه راسَلَ الفِرنجَ واستَعانَ بهم فأَعانوهُ لِئَلَّا يَملِكَها؛ فراسَلَ نورُ الدينِ محمودٌ مُجيرَ الدينِ صاحِبَ دِمشق واستَمالَهُ، وواصَلَهُ بالهَدايا، وأَظهرَ له المَودَّةَ حتى وَثِقَ به، فلمَّا لم يَبقَ عنده من الأُمراءِ أَحَدٌ قَدَّمَ أَميرًا يُقال له: عَطَا بن حَفَّاظ السُّلَمِيُّ الخادِمُ، وكان شَهْمًا شُجاعًا، وفَوَّضَ إليه أَمْرَ دَولتِه، فكان نورُ الدينِ لا يَتمكَّن معه مِن أَخْذِ دِمشق، فقَبَضَ مُجيرُ الدينِ على عَطَا الخادمِ فقَتَلهُ، فسار نورُ الدينِ حينئذٍ إلى دِمشقَ، وكان قد كاتَبَ مَن بها من الأَحداثِ واستَمالَهُم، فوَعَدوهُ بالتَّسليمِ إليه، فلمَّا حَصَرَ نورُ الدينِ البلدَ أَرسلَ مُجيرُ الدينِ إلى الفِرنجِ يَبذُل لهم الأَموالَ وتَسليمَ قَلعةِ بعلبك إليهم ليِنجِدوه وليُرَحِّلُوا نورَ الدينِ عنه، فشَرَعوا في جَمْعِ فارِسِهِم وراجِلِهم ليُرَحِّلُوا نورَ الدينِ عن البلدِ، فإلى أن اجتَمَعَ لهم ما يُريدون تَسلَّم نورُ الدينِ البلدَ، فعادوا بخُفَّيْ حُنَينٍ، وأما كَيفِيَّةُ تَسليمِ دِمشق فإنه لمَّا حَصرَها ثارَ الأَحداثُ الذين راسَلَهم، فسَلَّموا إليه البلدَ من البابِ الشرقيِّ ومَلَكَهُ، وحَصَرَ مُجيرَ الدينِ في القَلعةِ، وراسَلَهُ في تَسليمِها وبَذَلَ له أَقطاعًا من جُملَتِه مَدينةُ حِمْصَ، فسَلَّمَها إليه وسار إلى حِمصَ، ثم إنه راسَلَ أَهلَ دِمشق ليُسلِّموا إليه، فعَلِمَ نورُ الدينِ ذلك فَخافَهُ، فأَخَذَ منه حِمصَ، وأَعطاهُ عِوَضًا عنها بالس، فلم يَرْضَهَا، وسار منها إلى العِراقِ، وأَقامَ ببغداد وابتَنَى بها دارًا بالقُربِ من النِّظامِيَّة، وتُوفِّي بها.

العام الهجري : 405 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1014
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ الحافِظُ، الناقِدُ العَلَّامة، شيخُ المُحَدِّثين، أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ عبدِ الله بن محمَّد بن حمدويه بنِ نعيم بن الحكم، بن البيع الحاكم الضَّبِّي الطهماني النيسابوري، ويُعرَفُ بابن البيع، مِن أهل نيسابور. ولِدَ في يوم الاثنين, ثالثَ شهر ربيع الأول، سنة 321ه بنيسابور. قال الذهبي: "طلب الحديثَ في صِغَرِه بعنايةِ والِدِه وخالِه، وأوَّلُ سَماِعِه كان في سنةِ ثلاثين، في التاسعة مِن عُمُرِه، وقد استملى على أبي حاتمِ بنِ حِبَّان في سنة 334ه وهو ابنُ ثلاث عشرة سنة. ولحِقَ الأسانيدَ العاليةَ بخُراسان والعراق وما وراء النَّهر، وسَمِعَ مِن نحو ألفَي شَيخٍ، ينقُصونَ أو يزيدون، فإنَّه سَمِعَ بنيسابورَ وَحدَها مِن ألفِ نَفسٍ، وارتحَلَ إلى العراقِ وهو ابنُ عشرينَ سنة"، فكان من أهلِ العِلمِ والحِفظِ والحَديثِ، سَمِعَ الكثيرَ وطاف الآفاقَ، وصَنَّفَ الكُتُبَ الكِبارَ والصِّغارَ، أشهَرُها المُستَدرَكُ على الصَّحيحَينِ، وعلومُ الحديثِ، والإكليلُ، وتاريخُ نَيسابور، وقد روى عن خَلقٍ، ومن مشايخِه الدَّارَقُطنيُّ وابنُ أبي الفوارس وغيرهما، وقد كان مِن أهلِ الدِّينِ والأمانةِ والصِّيانةِ، والضَّبطِ والتَّجَرُّدِ والوَرَع، حدَّثَ عنه الدَّارَقُطنيُّ وأبو الفتحِ بنُ أبي الفوارسِ وهما من شيوخِه، قال الذهبيُّ عن الحاكم: "صَنَّف وخَرَّج، وجرَحَ وعَدَّل، وصَحَّحَ وعَلَّل، وكان مِن بحورِ العِلمِ على تَشَيُّعٍ قليلٍ فيه". وأكَّدَ الذهبيُّ أنَّ الحاكِمَ شِيعيٌّ وليس رافضيًّا، فقال: "أمَّا انحرافُه عن خصومِ عليٍّ فظاهِرٌ، وأمَّا أمرُ الشَّيخَينِ فمُعظِّمٌ لهما بكلِّ حالٍ, فهو شِيعيٌّ لا رافِضيٌّ" وقال: "هو شيعيٌّ مشهورٌ بذلك, من غيرِ تعرُّضٍ للشَّيخَينِ" قال ابنُ خَلِّكان: "تقَلَّدَ الحاكِمُ القضاءَ بنَيسابور في سنة 359ه في أيام الدَّولةِ السَّامانيَّة ووزراءِ أبي النَّصرِ مُحمَّدِ بن عبد الجبار العتيبي، وقُلِّدَ بعد ذلك قضاءَ جُرجان فامتنع، وكانوا يُنفِذونَه في الرَّسائِلِ إلى مُلوكِ بني بُوَيه, ثم قال: إنَّما عُرِفَ بالحاكِمِ لتقَلُّدِه القضاء ". دخل الحاكِمُ الحَمَّام، فاغتَسَل، وخرج. وقال: آه. وقُبِضَت روحُه وهو مُتَّزِرٌ لم يلبَسْ قَميصَه بعدُ، ودُفِنَ بعد عصرِ يوم الأربعاء، وصلَّى عليه القاضي أبو بكرٍ الحيري. توفِّي عن أربعٍ وثمانين سنةً.

العام الهجري : 9 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 630
تفاصيل الحدث:

تَبوكُ مَوضِعٌ بين وادي القُرى والشَّامِ، قال أبو موسى الأَشعريُّ رضي الله عنه: (أَرسلَني أَصحابي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَسأَلُه الحُمْلانَ لهم إذ هُم معه في جَيشِ العُسْرَةِ، وهي غَزوةُ تَبوكَ..). وحديث أبي موسى رضي الله عنه فيه دِلالةٌ على ما كان عليه الصَّحابةُ مِنَ العُسْرِ الشَّديدِ في المالِ والزَّادِ والرَّكائِبِ، كما رَوى مُسلمٌ أيضًا عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه ما وقع للمسلمين في طَريقِ هذه الغَزوةِ مِن نَقْصٍ في الزَّادِ حتَّى مَصُّوا النَّوَى وشَرِبوا عليه الماءَ، وفي رِوايةٍ أُخرى لمُسلمٍ: أنَّهم اسْتأذَنوا الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم في نَحْرِ مَطاياهُم لِيأكُلوا. وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: 117]. قال ابنُ كَثيرٍ: فعزَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قِتالِ الرُّومِ؛ لأنَّهم أَقربُ النَّاسِ إليه؛ وأَوْلى النَّاسِ بالدَّعوَةِ إلى الحقِّ لقُربِهِم إلى الإسلامِ وأَهلِه، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 123]. وقد بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم وِجْهَةَ هذه الغَزوةِ، فعن مُعاذٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (سَتأْتون غدًا إن شاء الله عَيْنَ تَبوكَ، وإنَّكم لن تَأْتوها حتَّى يَضْحى النَّهارُ، فمَن جاءَها مِنكم فلا يَمَسَّ مِن مائِها شيئًا حتَّى آتي). والمشهورُ والرَّاجحُ أنَّ جَيشَ تَبوكَ كان ثلاثين ألفًا، ولكنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يَلْقَ حَربًا مِنَ الأعداءِ، فرجَع إلى المدينةِ مُنتصِرًا بعدَ أن أقامَ بتَبوكَ عِشرين ليلةً.

العام الهجري : 363 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 974
تفاصيل الحدث:

هو شيخُ الحنابلةِ أبو بكر عبدُ العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد البغدادي الفقيهُ، تلميذُ أبي بكرٍ الخَلَّال. ولِدَ سنة 285. وسمِعَ في صِباه من مُحمَّد بن عثمان بن أبي شيبةَ، وموسى بن هارون، والفضلِ بنِ الحُباب وجماعة, وقيل: إنَّه سَمِعَ مِن عبد الله بن أحمد بن حنبل، ولم يصِحَّ ذلك؛ قال الذهبي: " كان كبيرَ الشَّأنِ، من بحورِ العِلمِ، له الباعُ الطويل في الفِقهِ, ومَن نظَرَ في كتابه " الشافي " عَرَف محَلَّه من العِلمِ لولا ما بشَّعَه بُغضُ بعضِ الأئمَّة، مع أنَّه ثِقةٌ فيما ينقُلُه "، قال القاضي أبو يعلى: " كان لأبي بكر عبد العزيز مُصنَّفاتٌ حَسَنةٌ؛ منها: كتاب " المقنع " وهو نحو مائةِ جزءٍ، وكتاب " الشافي " نحو ثمانين جزءًا، وكتاب " زاد المسافر " وكتابُ " الخلاف مع الشافعي " وكتاب " مختصر السُّنَّة "  ورُوِيَ عنه أنَّه قال في مرضه: أنا عندكم إلى يومِ الجُمُعة، فمات يومَ الجمعة وله ثمانٍ وسبعون سنة, في سِنِّ شَيخِه الخَلَّال, وسنِّ شَيخِ شَيخِه أبي بكرٍ المروذيِّ، وسِنِّ شيخِ المروذي الإمامُ أحمد، ويُذكَرُ عنه عِبادةٌ وتألُّهٌ، وزُهدٌ وقنوعٌ, وذكَرَ أبو يعلى: "أنَّه كان معظَّمًا في النُّفوسِ، متقَدِّمًا عند الدولة، بارعًا في مذهَبِ الإمامِ أحمد ". قال الذهبي: " ما جاء بعد أصحابِ أحمَدَ مِثلُ الخَلَّال، ولا جاء بعد الخَلَّالِ مثلُ عبد العزيز, إلَّا أن يكونَ أبا القاسم الخِرَقيَّ "

العام الهجري : 547 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1152
تفاصيل الحدث:

لَمَّا مات السُّلطان مسعود، قال خاص بك لملكشاه: "سأقبِضُ عليك صُورةً، وأطلُبُ أخاك محمَّدًا لأُمَلِّكَه، فإذا جاء أمسَكْناه، وتستَقِلَّ أنت. قال: فافعَلْ. فما نَفَقَ خُبثُه على محمَّدٍ، وجاء إلى همذان، فبادر العَسكَرُ إليه، فقال: كلامُكم مع خاص بك فهو الوالِدُ، فوصل هذا القَولُ إلى خاص بك، فاطمَأَنَّ، وتلَقَّاه، وقَدَّمَ له تُحَفًا، ثمَّ قُتِلَ خاص بك، وخَلَّفَ أموالًا جزيلةً مِن بعضِها سبعون ألفَ ثوب أطلس. قال المؤيَّدُ: بَدَرَه السُّلطانُ مُحمَّد ثاني يوم مِن قُدومِه، وقتَلَه"، وقَتَلَ معه زنكي الجاندار، وألقى برأسَيهما، فتفَرَّقَ أصحابُهما، ولم ينتَطِحْ فيهما عَنزانِ، وأخذ مُحمَّدٌ مِن أموالِ خاص بك شيئًا كثيرًا واستقَرَّ مُحمَّدٌ في السلطنة وتمكَّنَ، وبَقِيَ خاص بك مُلقًى حتى أكلَتْه الكِلابُ، وكان صبيًّا تُركمانيًّا اتصل بالسُّلطانِ مَسعود، فتقَدَّمَ على سائر الأمراءِ، وكانت هذه خاتِمةَ أمْرِه.

العام الهجري : 853 العام الميلادي : 1449
تفاصيل الحدث:

هو الأمير ألوغ بك بن القان معين الدين شاه رخ، ابن الطاغية تيمورلنك كوركان بن أيتمش قنلغ بن زنكي بن سنيا بن طارم بن طغريل بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا بن التاخان، المغولي الأصل، من طائفة جغتاي، وقيل: اسمه تيمور على اسم جدِّه، وقيل: محمد. صاحب سمرقند، فريد دهره ووحيد عصره في العلوم العقلية، والهيئة، والهندسة، طوسي زمانه، وهو حنفيُّ المذهب. ولد في حدود 790، ونشأ في أيام جدِّه، وتزوج في أيامه, ولما مات جدُّه تيمور وآل الأمر إلى أبيه شاه رخ ولَّاه سمرقند وأعمالها فحكمها نيِّفًا وثلاثين سنة، وعمل بها رصدًا عظيمًا انتهى به إلى سنة وفاته، وقد جمع لهذا الرَّصد علماء هذا الفنِّ من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموالَ، وأجرى لهم الرواتبَ الكثيرة، حتى رحل إليه علماء الهيئة والهندسة من البلاد البعيدة، وهُرِعَ إليه كل صاحب فضيلة، وهو مع هذا يتلفت إلى من يسمع به من العلماء في الأقطار، ويُرسِلُ يطلب من سمِعَ به. هذا مع علمه الغزير وفضله الجمِّ واطلاعه الكبير وباعه الواسعِ في هذه العلوم، مع مشاركةٍ جيدة إلى الغاية في فقه الحنفية، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، والتاريخ، وأيام الناس. قيل: إنه سأل بعض حواشيه: ما تقول الناس عنِّي؟ وألحَّ عليه، فقال: يقولون: إنك ما تحفظ القرآنَ الكريم، فدخل من وقته وحَفِظَه في أقل من ستة أشهر حفظًا مُتقَنًا. وكان أسنَّ أولاد أبيه، واستمَرَّ بسمرقند إلى أن خرج عن طاعتِه ولدُه عبد اللطيف، وسببه أنه لما ملك ألوغ بك هراة طَمِعَ ابنه عبد اللطيف أن يوليَه هراة فلم يفعل، وولَّاه بلخ، ولم يعطِه من مال جدِّه شاه رخ شيئًا. وكان ألوغ بك هذا مع فضله وغزير علمِه مسيكًا كوالده لا يصرف المال إلا بحقه، فسأمَتْه أمراؤه لذلك، وكاتبوا ولده عبد اللطيف في الخروج عن طاعتِه، وكان في نفسه ذلك، فانتهز الفرصة وخرج عن الطَّاعة، وبلغ أباه الخبر فتجرَّد لقتاله، والتقى معه، وفي ظنِّه أن ولده لا يثبُت لقتالِه، فلما التقى الفريقان وتقابلا هرب جماعة من أمراء ألوغ بك إلى ابنه، فانكسر ألوغ بك وهرب على وجهه، وملك ولدُه سمرقند، وجلس على كرسي والده أشهرًا ثم بدا لألوغ بك العود إلى سمرقند، ويكون المُلك لولدِه، ويكون هو كآحاد الناس، واستأذن ولدَه في ذلك فأذن له، ودخل سمرقند وأقام بها، إلى أن قبض عبد اللطيف على أخيه عبد العزيز وقتله صبرًا في حضرة والده ألوغ بك، فعظم ذلك عليه، فإنَّه كان في طاعته وخدمته حيث سار، ولم يمكِنْه الكلام فاستأذن ولده عبد اللطيف في الحجِّ فأذن له، فخرج قاصدًا للحجّ إلى أن كان عن سمرقند مسافة يوم أو يومين، وقد حذَّر بعض الأمراء ابنَه منه، وحسَّن له قتله، فأرسل إليه بعض أمرائه ليقتُلَه، فدخل عليه مخيَّمه واستحيا أن يقول: جئتُ لقَتْلِك، فسلَّم عليه ثم خرج، ثم دخل ثانيًا وخرج، ثم دخل ففطن ألوغ بك، وقال له: لقد علمتُ بما جئتَ به فافعل ما أمَرَك به، ثم طلب الوضوء وصلَّى، ثم قال: واللهِ لقد علمت أنَّ هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يومِ وُلِدَ، ولكن أنساني القدر ذلك، والله لا يعيشُ بعدي إلَّا خمسة أشهُرٍ ثم يقتل أشرَّ قِتلةٍ، ثم سلَّم نفسَه فقُتِل، وقُتِلَ ولدُه عبد اللطيف بعد خمسة أشهر!!

العام الهجري : 9 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 631
تفاصيل الحدث:

بعَث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ أَميرًا على الحَجِّ بعدَ انْسِلاخِ ذي القَعدةِ لِيُقيمَ للمسلمين حَجَّهُم -والنَّاسُ مِن أهلِ الشِّركِ على مَنازِلهم مِن حَجِّهِم- فخرَج أبو بكرٍ رضِي الله عنه ومَن معه مِنَ المسلمين، وقد بعَث عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلِيًّا رضي الله عنه بعدَ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه لِيكونَ معه، ويَتوَلَّى علِيٌّ بِنَفْسِه إبلاغَ البَراءةِ إلى المشركين نِيابَةً عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لِكونِهِ ابنَ عَمِّهِ، مِن عَصَبَتِهِ، قال أبو هُريرةَ: بعَثَني أبو بكرٍ في تلك الحَجَّةِ في مُؤَذِّنين يَومَ النَّحْرِ، نُؤَذِّنُ بمِنًى: أن لا يَحُجَّ بعدَ العامِ مُشركٌ، ولا يَطوفَ بالبيتِ عُريانٌ. قال حُميدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: ثمَّ أَردَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا، فأَمَرهُ أن يُؤَذِّنَ ببَراءَة. قال أبو هُريرةَ: فأَذَّنَ مَعَنا علِيٌّ في أهلِ مِنًى يَومَ النَّحْرِ: لا يَحُجُّ بعدَ العامِ مُشرِكٌ، ولا يَطوفُ بالبيتِ عُريانٌ. 

العام الهجري : 1045 العام الميلادي : 1635
تفاصيل الحدث:

هو السلطان الوليد بن زيدان بن أحمد المنصور الذهبي ملك السعديين في المغرب الأقصى لما قُتل أخوه السلطان عبد الملك بن زيدان سنة 1044 بويع أخوه الوليد بن زيدان فلم يزل مقتصرًا على ما كان لأخيه وأبيه من قبله لم يجاوز سلطانه مراكش وأعمالها، وعظمت الفتن بفاس حتى عُطِّلت الجمعة والتراويح من جامع القرويين مدة ولم يصَلِّ به ليلةَ القدر إلا رجل واحد من شدة الهول والحروب التي كانت بين أهل المدينة؛ فقد اقتسم المغرب أيام أولاد زيدان طوائف، فكان حاله كحال الأندلس أيام ملوك الطوائف. كان الوليد بن زيدان متظاهرًا بالديانة لين الجانب حتى رضيته الخاصة والعامة، وكان مولَعًا بالسماع لا ينفكُّ عنه ليلًا ولا نهارًا إلا أنه كان يقتل الأشراف من إخوته وبني عمه حتى أفنى أكثرهم، وكان مع ذلك محبًّا للعلماء مائلًا إليهم بكليته متواضعًا لهم, وأما وفاته فسببها أن جنده من العلوج طالبوه بمرتبهم وأُعْطياتهم على العادة وقالوا له أعطنا ما نأكل، فقال لهم على طريق التهكم: كلوا قشر النارنج بالمسرة، فغضبوا لذلك وكمن له أربعة منهم فقتلوه غدرًا يوم الخميس الرابع عشر من رمضان من هذه السنة. قيل: "لما ولي الوليد قتل أخاه إسماعيل واثنين من أولاد أخيه عبد الملك، وسبعة من بني عمه، ولم يترك إلا أخاه الشيخ بن زيدان استصغارًا له إذ كان سنه يومئذ إحدى عشرة سنة، وكانت أمه تخاف عليه من الوليد، فكانت تحرسه منه حراسة شديدة، وأمرت نساء القصر بحراسته من أخيه الوليد" ثم إن رؤساء الدولة سئموا ملكته فاتفقوا مع نساء القصر على قتلِه وكان الوليد عازمًا على قتل أخيه الشيخ، فكان من قدر الله أنَّ العلوج قد عزموا على قتله، فكمنوا له في حجرة كان محبوسًا فيها الشيخ، فلما دخل الوليد إلى الحجرة التي فيها الشيخ فوجئ بالأعلاج كامنين له هناك، فلما رآهم فزع وقال ما لكم فرموه بالرصاص، ثم تناولوه بالخناجر حتى فاضت روحه. لما توفي الوليد قام أخوه محمد خلفًا له.

العام الهجري : 658 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1260
تفاصيل الحدث:

هو كتبغانوين نائب هولاكو على بلاد الشَّامِ- لعنه الله، ومعنى نوين يعني أمير عشرة آلاف، وكان هذا الخبيث قد فتح لأستاذه هولاكو من أقصى بلاد العَجَمِ إلى الشام، وقد أدرك جنكيزخان جد هولاكو، وكان كتبغا هذا يعتمد في حروبه للمسلمين أشياءَ لم يسبِقْه أحد إليها، فكان إذا فتح بلدًا ساق مقاتِلةَ هذا البلد إلى البلد الآخر الذي يليه، ويطلب من أهل ذلك البلد أن يُؤوا هؤلاء إليهم، فإن فعلوا حصل مقصودُه في تضييقِ الأطعمةِ والأشربةِ عليهم، فتقصُر مدَّة الحصارِ عليه لِما ضاق على أهلِ البلد أقواتُهم، وإن امتنعوا من إيوائِهم عندهم قاتَلَهم بأولئك المقاتِلة الذين هم أهلُ البلد الذي فتحه قبل ذلك، فإن حصل الفتحُ وإلَّا كان قد أضعَفَ أولئك بهؤلاء حتى يفني تلك المقاتِلةَ، فإن حصل الفتحُ وإلَّا قاتَلَهم بجُندِه وأصحابِه مع راحةِ أصحابِه وتَعَبِ أهلِ البلد المحاصَرِ وضَعفِهم فيفتَحُها سريعًا. كان شيخًا كبيرًا قد أسَنَّ وكان يميل إلى دين النصارى ولكن لا يمكِنُه الخروجُ مِن حكم جنكيزخان في الياسق. قال الشيخ قطب الدين اليونيني: وقد رأيتُه ببعلبك حين حاصر قلعتَها، وكان شيخًا حسنًا له لحية طويلة مسترسلة قد ضفَرَها مثل الدبوقة، وتارة يعلِّقُها من خَلفِه بأُذنِه، وكان مَهيبًا شديد السَّطوة، قال: وقد دخل الجامِعَ فصَعِدَ المنارة ليتأمَّل القلعة منها، ثم خرج من الباب الغربي فدخل دكانًا خرابًا فقضى حاجتَه والنَّاسُ ينظرون إليه وهو مكشوفُ العورة، فلما فرغ من حاجته مسحه بعضُ أصحابه بقطن ملبدٍ مَسحةً واحدة, وكان قاِئَد التتار في عين جالوت, فقُتِلَ في المعركة وأُسِرَ ابنُه، وكان شابًّا حسنًا، فأُحضِرَ بين يدي المظفَّر قطز فقال له أهَرَب أبوك؟ قال: إنَّه لا يهرب، فطلبوه فوجَدوه بين القتلى، فلما رآه ابنُه صرخ وبكى، فلما تحقَّقَه المظفر سجَدَ لله تعالى، ثم قال: أنامُ طَيِّبًا. كان هذا سعادةَ التتارِ وبقَتلِه ذهب سَعدُهم، وهكذا كان كما قال، ولم يفلحوا بعده أبدًا، وكان قتلُه يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، وكان الذي قتله الأميرُ جمال الدين آقوش الشمسي.

العام الهجري : 82 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 702
تفاصيل الحدث:

هو المُهَلَّب بن أبي صُفْرَة ظالم، أبو سَعيد الأَزْدِيُّ، الأميرُ البَطَل، قائدُ الكَتائِب أحدُ أَشْرافِ أهلِ البَصْرَةِ، ووُجَهائِهِم ودُهاتِهِم وأَجْوادِهِم وكُرَمائِهِم، وُلِدَ عامَ الفَتْح، نَزَل المُهَلَّبُ البَصْرَة وغَزا في أيَّام مُعاوِيَة أرضَ الهِنْد سنةَ أربع وأربعين، ووَلِيَ الجزيرةَ لابنِ الزُّبير سنةَ ثمانٍ وسِتِّين، ثمَّ وَلِيَ حَربَ الخَوارِج أوَّلَ دَولةِ الحَجَّاج، وقَتَل منهم في وَقعةٍ واحدة أربعةَ آلاف وثمانمائة، فعَظُمَت مَنزِلتُه عندَ الحَجَّاج, وكان فاضلًا شُجاعًا كريمًا، وله كلامٌ حسن، منه: نِعْمَ الخَصْلَة السَّخاء، تَسْتُر عَورةَ الشَّريف، وتَلْحَق خَسِيسَة الوَضِيع، وتُحَبِّب المَزْهُود فيه. وقال: يُعْجِبُني في الرَّجُل خَصْلَتان: أن أرى عَقْلَه زائِدًا على لِسانِه، ولا أرى لِسانَه زائدًا على عَقْلِه. تُوفِّي المُهَلَّبُ غازيًا بِمَرْو الرُّوذ، وعُمُرهُ سِتَّة وسبعون سنة رَحِمَه الله، وكان مِن الشُّجْعان، وله مَواقِف حَميدة، وغَزَوات مَشْهورة في التُّرْك والأَزارِقَة وغَيرهِم مِن أنواعِ الخَوارِج، وجَعَل الأمرَ مِن بَعدِه لِوَلَدِه يَزيدَ بن المُهَلَّب على إِمْرَةِ خُراسان، فأَمْضَى له ذلك الحَجَّاجُ وعبدُ الملك بن مَرْوان.

العام الهجري : 429 العام الميلادي : 1037
تفاصيل الحدث:

سأل جلالُ الدَّولةِ البويهيُّ الشيعيُّ الخليفةَ القائمَ بأمرِ الله ليخاطَبَ بشاهِنشاه أي: ملك الملوك، فامتنع، ثمَّ أجاب إليه؛ إذ أفتى الفقهاءُ بجَوازِه، فكتب فتوى إلى الفُقَهاءِ في ذلك، فأفتى القاضي أبو الطيِّب الطبري، والقاضي أبو عبد الله الصيمري، والقاضي ابن البيضاوي، وأبو القاسم الكرخي بجوازِه، وامتنع منه قاضي القضاة أبو الحَسَن الماوردي، وجرى بينه وبين من أفتى بجوازه مراجعاتٌ، وخُطِبَ لجلالِ الدَّولة بمَلِك الملوك، وكان الماورديُّ مِن أخَصِّ الناسِ بجلال الدَّولة، وكان يتردَّدُ إلى دار المملكة كلَّ يوم، فلما أفتى بهذه الفُتيا انقطَعَ ولَزِمَ بيته خائِفًا، وأقام منقطعًا مِن شَهرِ رمضان إلى يوم عيدِ النحر، فاستدعاه جلالُ الدَّولة، فحضر خائفًا، فأدخله وَحْدَه وقال له: قد عَلِمَ كُلُّ أحد أنَّك من أكثَرِ الفقهاءِ مالًا وجاهًا وقربًا منا، وقد خالفْتَهم فيما خالفَ هوايَ، ولم تفعلْ ذلك إلَّا لعدمِ المحاباةِ منك، واتِّباعِ الحَقِّ، وقد بان لي مَوضِعُك من الدِّين، ومكانُك من العلمِ، وجعلتُ جزاءَ ذلك إكرامَك بأن أدخلتُك إليَّ، وجعلْتُ أذن الحاضرين إليك؛ ليتحَقَّقوا عودي إلى ما تحِبُّ، فشكره ودعا له.

العام الهجري : 704 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1304
تفاصيل الحدث:

حضر جماعةٌ من المغول وافدينَ إلى بلاد الإسلام بعد إسلامِهم، نحو مائتي فارس بنسائِهم وأولادهم، وفيهم عِدَّةٌ من أقارب غازان وبعض أولاد سنقر الأشقر، الذي كتب يحُثُّ على إكرامهم، فقَدِموا إلى القاهرة في جمادى الأولى وقَدِمَ معهم أخوا سلار، وهما فخر الدين داود، وسيف الدين جبا، وقَدِمَت أيضًا أم سلار، فرُتِّبَت لهم الرواتب، وأُعطوا الإقطاعات، وفُرِّق جماعةٌ منهم على الأمراء، وأنشأ سلار لأمِّه دارًا بإسطبل الجوق الذي عَمِلَه العادل كتبغا ميدانًا، ثم عرف بحكر الخازن، ورقَّى أخويه وأعطاهما الإمريات، وقدم الأمير حسام الدين أزدمر المجيري، وعماد الدين على بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العلي بن معرف بن السكري، من بلاد الشرق إلى دمشقَ في الرابع عشر من شعبان، ودخلا القاهرةَ أول رمضان، ومعهما كتابُ خربندا وهديته، فتضَمَّن كتابُه جلوسَه على تخت الملك بعد أخيه محمود غازان، وخاطب السلطانَ بالأخوة، وسأل إخماد الفتن، وطلب الصلحَ، وقال في آخر كلامه: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}، فأُجيبَ وجُهِّزَت له الهَديَّةُ، وأُكرِمَ رَسولُه.

العام الهجري : 551 العام الميلادي : 1156
تفاصيل الحدث:

مات في سَنةِ 548هـ رجار مَلِكُ صِقِلِّية ومَلَكَ وَلدُه غليالم، وكان فاسِدَ التَّدبيرِ، فخَرجَ من حُكمِه عِدَّةٌ من حُصونِ صِقِلِّية، فلمَّا كان هذه السَّنَةُ قَوِيَ طَمعُ الناسِ فيه، فخَرجَ عن طاعَتِه جَزيرةُ جربة وجَزيرةُ قرقنة، وأَظهَروا الخِلافَ عليه، وخالَفَ عليه أَهلُ إفريقية، فأَوَّلُ مَن أَظهرَ الخِلافَ عليه، من أَهلِ إفريقية، عُمَرُ بنُ أبي الحُسينِ الفِرياني بمَدينةِ صَفاقس، وكان رجار قد استَعمَلَ عليها، لمَّا فَتَحَها، أَباهُ أبا الحُسينِ، وكان من العُلماءِ الصَّالِحين، فأَظهَرَ العَجْزَ والضَّعْفَ، فقال أبو الحُسينِ: استَعْمِل وَلَدِي عُمَرَ فاستَعمَلَه، وأَخَذَهُ رَهينَةً معه إلى صِقِلِّية، فلمَّا وَجَدَ عُمَرُ هذه الفُرصةَ دَعَا أَهلَ المَدينةِ إلى الخِلافِ وقال: يَطلُع جَماعةٌ منكم إلى السُّورِ، وجَماعةٌ يَقصِدون مَساكِنَ الفِرنجِ والنَّصارَى جَميعِهم، ويَقتُلُونهم كُلَّهُم، فلم تَطلُع الشمسُ حتى قَتَلوا الفِرنجَ عن آخرِهِم، وكان ذلك أَوَّلَ سَنةِ 551هـ، ثم أَتبَعَهُ أبو محمدِ بن مطروح بطَرابلُس وبعدَهُما محمد بن رشيد بقابس، وسار عَسكرُ عبدِ المؤمنِ إلى بونة فمَلَكَها وخَرجَت جَميعُ إفريقية عن حُكمِ الفِرنجِ ما عدا المَهدِيَّة وسوسة، وأَرسلَ عُمَرُ بن أبي الحُسينِ إلى زويلة، وهي مَدينةٌ قَريبةٌ إلى المَهديَّة، يُحَرِّضُهم على الوُثوبِ على مَن معهم فيها من النَّصارَى، ففَعَلوا ذلك، وقَدِمَ عَربُ البلادِ إلى زويلة، فأَعانوا أَهلَها على مَن بالمَهدِيَّة من الفِرنجِ، وقَطَعوا الميرةَ عن المَهدِيَّة. فلمَّا اتَّصَلَ الخَبرُ بغليالم مَلِكِ صِقِلِّية أَحضَرَ أبا الحُسينِ وعَرَّفَه ما فعل ابنُه، فأَمَرَ أن يَكتُب إليه يَنهاهُ عن ذلك، ويَأمُرهُ بالعَوْدِ إلى طاعَتِه، ويُخَوِّفُه عاقِبةَ فِعْلِه، فقال: مَن قَدِمَ على هذا لم يَرجِع بِكتابٍ؛ فأَرسلَ مَلِكُ صِقِلِّية إليه رَسولًا يَتَهَدَّدهُ، ويَأمُرهُ بِتَرْكِ ما ارتَكَبَهُ، فلم يُمَكِّنهُ عُمَرُ مِن دُخولِ البلدِ يَومَه ذلك، فلمَّا كان الغَدُ خَرجَ أَهلُ البلدِ جَميعُهم ومعهم جَنازةٌ، والرَّسولُ يُشاهِدهُم، فدَفَنوها وعادوا، وأَرسلَ عُمَرُ إلى الرَّسولِ يقول له: هذا أبي قد دَفنتُه، وقد جَلستُ للعَزاءِ به، فاصنَعوا به ما أَردتُم، فعاد الرَّسولُ إلى غليالم فأَخبرَهُ بما صَنعَ عُمَرُ بن أبي الحُسينِ، فأَخذَ أَباهُ وصَلَبَهُ، فلم يَزَل يَذكُر الله تعالى حتى مات، وأمَّا أَهلُ زويلة فإنهم كَثُرَ جَمعُهم بالعَربِ وأَهلِ صفاقس وغَيرِهم، فحَصَروا المَهدِيَّة وضَيَّقوا عليها، وكانت الأَقواتُ بالمَهدِيَّة قَليلةً.

العام الهجري : 1234 العام الميلادي : 1818
تفاصيل الحدث:

يقول ابن بشر: "كانت هذه البلدةُ -الدِّرعية- أقوى البلادِ، وقوَّةُ أهلها وكثرةُ رجالهم وأموالهم لا يحصيه التَّعداد، فلو ذهبت أعددُ أحوالهم وإقبالَهم فيها وإدبارَهم في كتايب الخيل والنجايب العمانيات، وما يدخلُ على أهلها من أحمالِ الأموالِ مِن سائر الأجناس التي لهم مع المسافرينَ منهم، ومن أهل الأقطار- لم يسَعْه كتاب، ولرأيت العجَبَ العجاب، وكان الداخِلُ في موسمها لا يفقد أحدًا من أهل الآفاقِ مِن اليمن وتهامة والحجاز وعمان، والبحرين وبادية الشام والعراق، وأناس من حاضرتهم، إلى غير ذلك من أهل الآفاقِ ممن يطول عَدُّه، هذا داخِلٌ فيها وهذا خارجٌ منها، وهذا مستوطِنٌ فيها، وكانت الدورُ لا تُباعُ فيها إلا نادرًا، وأثمانُها سبعة آلاف ريال وخمسة آلاف، والداني بألف ريال، وأقل وأكثر، وكلُّ شيء يقدره على هذا التقدير من الصغير والكبير، وكروة الدكان الواحد بلغت في الشَّهرِ الواحد خمسةً وأربعين ريالًا، وكروة الدكان الواحد من سائر الدكاكين بريالٍ في اليوم، والنازل بنصفٍ، وذُكر لي: أن القافلة من الهدم -الملابس- إذا أتت إليها بلغَت كروة الدكان في اليوم الواحد أربعة أريُل، وأراد رجلٌ منهم أن يوسِّعَ بيته ويعمره فاشترى نخلاتٍ تحت هذا البيت يريدُ قطعها ويعمر موضِعَها، كل نخلة بأربعين ريالًا أو خمسين ريالًا، فقطع النخل وعمر البيت، ولكِنَّه وقع عليه الهدم قبل تمامِه، وذَكر لي من أثقُ به أن رجلًا من أهل الدرعية قال له: إني أردت ميزابًا في بيتي فاشتريتُ خشبة طولها ثلاثة أذرع بثلاثة أريُل، وأجرة نَجْره وبِناه ريال, وكان غلاء الحطب فيها والخشب إلى حدِّ الغاية، حتى قيل: إنَّ حملَ الحطب بلغَ خمسة أريل وستة، والذراع من الخشبة الغليظة بريال، وكل غالبِ بيوتها مقاصير، وقصور كأنَّ ساكنيها لم يكونوا من أبناء ساكني القبور، فإذا وقفْتَ في مكان مرتفع ونظرت موسمها وكثرة ما فيها من الخلائق وتزايلهم فيه وإقبالهم وإدبارهم، ثم سمعتُ رنَّتَهم فيه ونجناجهم فيه، إذا كأنه دويُّ السيل القوي إذا انصَبَّ من عالي جبل، فسبحان من لا يزولُ مُلكُه ولا يُضامُ سُلطانُه ولا يُرامُ عِزُّه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] "