جهَّز حاكِمُ مِصرَ علي بك تجريدةً عظيمة لضَمِّ الشام لحُكمِه، وجعل أميرَها محمد بك أبو الذهب زوج بنته, وأرباب المناصب ومماليكهم وطوائفهم وأتباعهم وعساكر كثيرة من المغاربة والترك والهنود واليمانية والمتاولة، وخرجوا في استعدادٍ عظيم ومعهم الطبول والزمور والذخائر. فلما وصلوا إلى الديار الشامية حاصروا يافا حتى ملكوها، ثم حاربوا نواب وولاة الدولة العثمانية، فهزموهم وقتلوهم وفرُّوا من وجوههم، واستولوا على الممالك الشامية إلى حد حلب، ووردت البشائرُ بذلك لمصر، فنودي بالزينة ثلاثة أيام بلياليها، وذلك في شهر ربيع أول من هذه السنة. وتعاظم علي بك في نفسِه ولم يكتَفِ فأرسل إلى محمد بك يأمرُه بتقليد الأمراء والمناصب والولايات على البلادِ التي افتتحوها وملكوها، وأن يستمِرَّ في سيره ويتعدى الحدودَ ويستولي على الممالك إلى حيث شاء، وهو يتابِعُ إليه إرسال الإمدادات واللوازم والاحتياجات. عند ذلك جمع محمد بك أمراءَه وخشداشيته الكبار في خلوةٍ وعرض عليهم الأوامِرَ فضاقت نفوسُهم وسَئِموا الحرب والقتال، فتعاهدوا على خلافِ رأي علي بك والعودة إلى مصر وترْك الغربة والحرب، فلما عادوا إلى مصر دبَّرَ علي بيك مؤامرةً لقتل أبو الذهب, فلما اكتشفها أبو الذهب جمع أمراءَه وخشداشيته الكبار واتَّفقوا على قتال علي بك، ثم أقبل على محمد بك أبو الذهب الأمراء والأجناد المتفرقون بالأقاليم لَمَّا تحققوا الخلافَ بينه وبين سيِّده، كما حضر إليه جميعُ المنفيين وأتباع القاسمية والهوارة الذين شرَّدهم علي بك وسلَب نعمتَهم، فأنعم عليهم أبو الذهب وأكرمهم وتلقَّاهم بالبشاشة والمحبة، واعتذر لهم وواساهم وقلَّدهم الخدم، وبذلوا جهدهم في طاعته. فعند ذلك نزل بعلي بك من القَهرِ والغيظ المكظوم ما لا يوصَفُ، وشرع في تجهيزِ تجريدة عظيمة، وأمَّر عليها إسماعيل بك، وأمَر بجمعِ أصناف العساكر واجتهد، فلما التقى الجمعان خامر إسماعيل بك وانضمَّ بمن معه من الجموع إلى محمد بك، وصاروا حزبًا واحدًا، ورجع الذين لم يميلوا وهم القليل إلى علي بك.
بعد هزيمةِ علي بك أمام أبي الذهب محمد بك اتَّجه علي بك إلى الشامِ، فاتفق مع (ظاهر) ظاهر العمر فاستطاعا أن يسيطرا على صفد، ثم ينطلق منها إلى الجهات الثانية فدخل عكا وتسلَّم ولايتها، واضطر السلطان أن يعترف بذلك لانشغاله بالحربِ مع الروس التي دعمت علي بك وظاهر العمر لمحاربة العثمانيين، فسارا إلى صيدا لاحتلالها والتقيا بالعثمانيين خارجها وانتصرا على جيوش الدولة العثمانية بدعمٍ مِن الأسطول الروسي في البحر المتوسط يتابعُهم ويدعمهم ويضربُ القوات العثمانية حتى ضربت بيروت وخربت جزءًا منها، ثم عاد علي بك إلى مصرَ ليتخلص من أبي الذهب محمد بك، وبذلك يحمي ظهرَه ليتابع مسيرته إلى الأناضول، فسار إلى مصر ومعه أربعمائة جندي روسي، وذلك في مطلع عام 1187هـ فالتقى الطرفان وانتصر أبو الذهب وقَتَل كلَّ من كان مع علي بك الذي توفِّيَ فيما بعد متأثرًا بجراحِه.
أخذت روسيا تبث رجالها في بلاد القرم لإثارة المشاغب الداخلية بها، وبالتالي لابتلاعِها وضَمِّها إلى أملاكها؛ حيث لم يكن قَصدُها من استقلالها السياسي وقطعِ روابط تبعيتها للدولة العثمانية إلا الوصولَ لهذه الغاية، وما زالت مستمرةً في إلقاء الدسائس ونشر الفتن بين الأهالي، حتى عزلوا أمير بلاد دولت كراي الذي انتخبه الأهالي بمقتضى نصوصِ معاهدة كاينارجي، وأقاموا جاهين كراي مكانه، فلم يقبل تعيينَه فريقٌ عظيم من الأعيان، وخيفَ مِن وقوع حروب داخلية؛ ولذا أمرت روسيا الجنرال بوتمكين باحتلالِها، فدخلها بسبعين ألف جندي كانوا منتظرين على الحدودِ لهذه الغاية فتَمَّ لها مقصِدُها الذي كانت تسعى وراءه من مدة، وهو امتلاكُ كافة سواحل البحر الأسود الشمالية في غضون هذه السنة، فهاجت الدولةُ العثمانية وأرادت إشهارَ الحرب على روسيا لإلزامِها باحترام معاهدة كاينارجي القاضية باستقلال بلاد القرم استقلالًا سياسيًّا تامًّا، لكن حوَّلت أنظارَها ثانيًا عن الحرب بمساعي فرنسا التي أقنعتها بأنَّ هذه الحرب مع استعداد كاترين وتأهُّبِها لها لا يكون وراءها إلا الخرابُ والدمار.
بعد أن تمكَّن محمد بك أبو الذهب من مصرَ على إثرِ هزيمة قوات أستاذه علي بك، اشتدَّ الأمر بعلي بك ولاحت على دولتِه لوائح الزوالِ، وكاد يموتُ من الغيظ والقهر, ثم شرع في تجهيزِ تجريدةٍ أخرى وأميرُها علي بك الطنطاوي, ووقعت بينهم معركةٌ قوية هُزِمَت فيها عسكر علي بك, فرَكِبَ إلى داره وحمل حمولَه وأمواله وخرج من مصر وذهب إلى جهة الشامِ، وذلك ليلة الخامس والعشرين من شهر المحرم، وبصحبته علي بك الطنطاوي وباقي صناجقه ومماليكِه وأتباعه وطوائفه. فلما أصبح يوم الخميس سادس عشريه عدَّى محمد بك إلى برِّ مصر، وأوقدوا النارَ في ذلك اليوم في الدير بعد ما نهبوه، ودخل محمد بك إلى مصرَ وصار أميرها.
كانت قلعة بندر قلعةً عثمانية مهمةً على الساحل الجنوبي من تورلا قربَ مدينة كيشنيف، انهزم الصدر الأعظم والسردار الأكرم عوض خليل باشا أمام رومانزوف في موقع كارتال قرب أيساكجي. فتمكَّن الجيش الروسي من الاستيلاء على القلعة، وقد ذبح الروس ُكافة المسلمين الموجودين في القلعة بالسيف، بلغ عددهم 50 ألف جندي عثماني، تمت مطاردتُهم بعد تركهم القتالَ والهروب من القلعة، فذبحهم الروس- الذين تكبدوا خسائر كبيرة على يد هؤلاء الجنود الأتراك- يقول يلماز: "كانت روسيا هي المنتصرةَ في الحرب في بداية خريف هذا العام، وهذه نقطة تحول في التاريخ؛ فلأولِ مرة في التاريخ تغلبُ دولة أوربية لوحدها في حربٍ شاملة مع الدولة العثمانية. إنَّ تركيا كانت حتى هذا التاريخ الدولةَ الأولى في العالَم، سقطت من حيث القدرةُ إلى الدرجة الرابعة بعد إنكلترا وفرنسا وروسيا بالتسلسل".
أبرمت روسيا مع النمسا اتفاقًا سِريًّا تمَّ بين كاترين الثانية وبين الإمبراطور جوزيف الثاني عند مقابلتهما بمدينة كرزن، قاضيًا بمحاربة الدولة العثمانية لإنشاءِ حكومةٍ مُستقلةٍ تكون حاجِزًا بينهما وبين الدولة العثمانية، مكوَّنة من الفلاخ والبغدان وإقليم بساربيا يكون اسمُها مملكة داسي، ويعَّين لها ملكٌ من المذهب الأرثوذكسي، وتأخذ روسيا ميناء أوتشاكوف (مدينة أوزي) وبعض جزائر الروم، وتأخذ النمسا بلادَ الصرب وبوسنه وهرسك من أملاك الدولة العثمانية، وبلاد دلماسيا من أملاك البندقية وتعطيها عِوَضًا عن ذلك بلاد مورة وجزيرتي كريد وقبرص، وأن تعطي باقيَ دول أوروبا أجزاءً أخرى يُتَّفق عليها فيما بعد، وإذا أتيح لهم النصرُ ودخلوا مدينة الأستانة، فيعيدون مملكة بيزانطة الأهلية كما كانت قبل الفتح العثماني، ويعَيَّن الغراندوق الروسي قسطنطينُ بن بولص ملكًا عليها بشَرطِ أن يتنازلَ عن حقوقِه في مملكة روسيا؛ حتى لا يتَّفِقَ وجودُ المملكتين الروسية والبيزنطية الوهمية في قبضة ملكٍ واحدٍ, وخوفًا من وقوع الحرب بسبب القرمِ، مع عدم استعداد الدولة العثمانية في ذاك الوقت على مقاومة روسيا, ففضَّلت قبولَ مشورة فرنسا والاعتراف بضمِّ القرم لروسيا، على أن تتعرَّض لحَربٍ تكونُ عاقبتها وخيمةً، واعترفت بذلك في سنة 1774م.
بعد دخولِ الإمام عبد العزيز بن محمد الرياضَ، أرسل إلى زيد بن زامل رئيس الدلم يذكِّره الالتزامَ بالعهد الذي بينهم, فلم يلتفِتْ زيد لهذا العهدِ، وأخذ يؤلِّبُ على الدرعية، فأرسل إلى المكرمي رئيسِ نجران يستحِثُّه على حرب الدرعية ويبذلُ له المالَ، ولم يستجب له، حتى طلب منه مزيدًا من المالِ، فبذل له زيدٌ كُلَّ ما طلب مقابِلَ أن يرسِلَ له رهائِنَ مِن قومِه إلى أن يتِمَّ مقصودُه، فأرسل النجراني رؤساءَ قَومِه رهائِنَ.
هو علي بك الكبير مملوكي حكم القاهرة كشيخ البلد أيام الدولة العثمانية, وكغيره من المماليك، لا تُعرف أصولُهم وإنما يُشتَرَون صغارًا، ثم يُجلبون لتركيا فيعتنقون الإسلام ثم يتربَّون تربية عسكرية صارمة، ويبدؤون في الصعود إلى مناصِبَ عليا والسيطرة على مقاليد الأمور، ويقال إن علي بك ابن قسيس رومي أرثوذكسي من قرية أماسيا في الأناضول. ولد سنة1140 ثم خُطِفَ وهو في الثالثة عشرة من عمره وبيع في القاهرة، فاشتراه الأمير إبراهيم كتخدا وبدأ معه رحلة التدريب والتعلُّم، حتى ظهرت عليه علامات النجابة وقوة الشخصية، حتى فاق أقرانَه في ركوب الخيل، والضربِ بالسيف، والطعنِ بالرمح، واستخدام الأسلحة النارية، وهو ما جعل سيِّدَه يعتقه وهو لم يتجاوز العشرين، وولَّاه بعضَ المهام الإدارية، إلى أن توفي أستاذه إبراهيم كتخدا سنة 1167هـ فخلفه في مناصبه الإدارية, وهو يتطلَّع إلى منصب مشيخة البلد، فأخذ يعدُّ العدة بشراء أعداد كبيرة من المماليك ويدرِّبُهم على الفنون العسكرية إلى أن جاءت سنة 1177 حيث تبوأ منصِبَ مشيخة البلد بالقاهرة، لكنَّ خصومَه أجبروه على الفرارِ إلى الصعيدِ ثم الحجاز وتارة إلى الشام، ثم عاد لمنصب مشيخة البلد عام 1181 وهو أعظم قوةً وأكثرُ عددًا، ولما استتَبَّ له الأمر تخلَّص من خصومه، فصادر أموالهم، وقتل بعضَهم ونفى البعض الآخر، ولم يسلَمْ من هذه الإجراءات حتى من قدَّموا له العونَ والمساعدة، فبطش ببعضهم ونفاهم إلى خارج البلاد. ثم ثار عليه تلميذُه وزوجُ بنته محمد بك أبو الذهب الذي تمكن من السيطرة على مصر وحكَمَها بعد فرارِ علي بك إلى الشام, ولَمَّا عاد علي بك في مطلع عام 1187هـ سار إلى مصر ومعه أربعمائة جندي روسي، فالتقى الطرفان وانتصر أبو الذهب عليهم في معركة بالصالحية بمصر، وقتل كلَّ من كان مع علي بك، الذي توفي فيما بعد متأثرًا بجراحِه بعد أن سعى للانفصال عن الدولةِ العثمانيةِ بدعمٍ وتأييدٍ من روسيا العدو اللَّدود للدولة العثمانية, فأرسل أبو الذهب رأسَ علي بك والضباط الروس إلى الوالي العثماني خليل باشا، فقام بدوره بإيصالها إلى السلطان في إستانبول, وتولى الحكم مكانَه محمد أبو الذهب الذي لم يلبث في الحكم سوى عامين ثم توفي.
هو الخليفة العثماني مصطفى الثالث بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول، ولِدَ عام 1129. ولِيَ الحُكمَ بعد ابنِ عَمِّه عثمان الثالث، وكان عمُرُه حينذاك 42 عامًا. كان ميالًا للإصلاح محبًّا لتقديم بلاده، خصوصًا وزيره الأول الصدر الأعظم راغب باشا الذي أخذ في إصلاحِ بعضِ الشؤون بمساعدة السلطان وتعضيدِه له، فعَهِد بإدارة الأوقاف العمومية إلى أحد أغوات السراري قيزار أغاسي، وأسَّس مستشفيات للحجر على الواردات الخارجية؛ إذ كانت الأوبئة منتشرة في الخارج؛ لعدم تعديها إلى الممالك المحروسة، وأنشأ مكتبة عمومية على مصاريفه الخاصةِ، وفكَّر في طريقة غريبة لتسهيل المواصلاتِ داخِلَ المملكة منعًا لحصول الغلاء والمجاعات في إحدى الولايات، وذلك أن يصِلَ بين نهر دجلة وبوغاز الأستانة بخليج عظيم تستعمل الأنهار الطبيعية مجرى له على قدر الإمكان، فيسهُل نقلُ الغلالِ مِن أطراف المملكةِ إلى الأستانة فيمتَنِع عنها الغلاء كليةً، وهو مشروعٌ جليلٌ يَقدُره العارفون حقَّ قَدرِه. توفي مريضًا من حزنِه في حروب روسيا، في ربيع الأول بعد أن دام في الملك ست عشرة سنة وثمانية أشهر، وتولى بعده أخوه عبد الحميد الأول الذي كان محجوزًا في قصرِه مدَّةَ حكم أخيه مصطفى الثالث.
غزا الإمامُ عبد العزيز بن محمد بن سعود الرياضَ في صفَر, فنازل أهلَها أيامًا عديدة وضيَّق عليهم واستولى على بعضِ برودِها وهدم أكثَرَها وهدم المرقابَ، وحصل بينهم قتالٌ قُتِل فيه عددٌ من أهل الرياض، وكانت هذه الغزوةُ. يقول ابن بشر: "بعد هذه الوقعة دخل قلبَ دهام الرعبُ والخجَلُ، ودخله الخوفُ والوجَلُ، فلم تستقرَّ له عينٌ, وقام يحاول الانهزامَ، وجمع رؤساءَ بلَدِه وأخبَرَهم بحقيقة مقصِدِه وأنه ملئَ خوفًا ورعبًا، فصاحوا عليه بأجمَعِهم وقالوا: خذ منا العهدَ والميثاقَ، فقال لهم: دعوني، فليست هذه البلدُ لي وطنًا، ولا أجد لي بها أنسًا ولا سكنًا" فلما انتصف ربيع الثاني من هذا العام سار عبد العزيز للمرَّةِ الثانية في هذا العام لغزوِ الرياضِ، فلمَّا قَرُب منها جاءه البشير بأنَّ ابنَ دواس قد هرب من الرياض، فحَثَّ عبد العزيز السيرَ إليها فدخلها بعد أن ألقى اللهُ في قلب دهام الرعبَ، فخرج منها هو ونساؤه وعياله وأعوانه. يصف ابنُ بشر خروجَ ابن دواس من الرياض ودخولَ الإمام عبد العزيز بن محمد بقوله: "وهذا شيء حدث، فإنَّه ما خاف من أهل بلدِه خيانةً، بل كلُّهم صادقون معه، ولا حصل عليه تضييقٌ يُلجِئه إلى ذلك، والحرب بينه وبين المسلمين له وعليه، ولكنَّ الله سبحانه جعلها آيةً لِمن افتكر، وعبرةً لمن اعتبر. قيل إنه انتفخ سَحرُه وطاش قلبُه ولبُّه، فقام فزعًا مرعوبًا وركب خيلَه وركابَه، فلما ظهر من القصر، قال: يا أهل الرياض، هذا لي مدة سنين أحارب ابنَ سعود، والآن سئمت من الحرب، فمن أراد أن يتبعني فليفعَلْ, ففَرَّ أهل الرياض في ساقتِه الرجال والنساء، هربوا على وجوههم إلى البَرِّ، وقصدوا الخرجَ، وهلك منهم خلقٌ كثير عطشًا وجوعًا.. والرجل من أهل الرياض يأخذُ الغرب- نوع من الدلو كبير-يجعل فيه ماء ويحمله على ظهرِه، والغرب لا يمسِكُ الماء، والإبل عنده لا يركَبُها، وتركوها خاويةً على عروشها: الطعام واللحم في القدور، والسواني في المناحي، والأبواب لم تغلق, وفي البلدِ مِن الأموال ما يعجِزُ عنه الحصر, فلما دخل عبد العزيز الرياضَ نادى فيها بالأمانِ، فرجع كثيرٌ منهم وسكنوها، وحاز عبد العزيز ما فيها من أموالِ الهاربين من السلاحِ والطعام والأمتعة وغير ذلك، ومات ممَّن مع دهام في هزيمتِه أربعمائة.. وقد أقام هذه الحرب سبعة وعشرين سنة، وذكر لي أنَّ القتلى في هذه المدة نحو أربعة آلاف رجل: من أهل الرياض ألفان وثلاثمائة, ومن المسلمين ألف وسبعمائة". وقد ترتَّب على خروج دهام بن دواس نهائيًّا من الرياض منهزمًا, وقُضِيَ على أعتى خصوم الدعوة في نجدٍ, ودخول الرياض تحتَ حُكمِ دولة الدرعية.
كانت الدولة العثمانية قد دخلت في حرب طاحنة دامت ست سنوات مع روسيا من 1181 إلى 1187هـ/ 1768 – 1774م، مُنِيَت فيها الدولة العثمانية بهزائِمَ أليمة، أجبرتها على عَقدِ معاهدة مخزية في 13 من جمادى الأولى من هذه السنة, وهي المعروفة باسم معاهدة كيتشوك كاينارجي، أو "كوجك قينارجه" في مدينة قينارجة في بلغاريا على البحر الأسود، استطاعت روسيا من خلالِ هذه المعاهدةِ أن تحقِّق نصرًا عظيمًا على العثمانيين؛ حيث حقَّقت فيه آمالَها بأن يتحوَّل البحرَ الأسودَ مِن بحيرة عثمانية خالصة إلى بحيرة عثمانية روسية، أصبحت الملاحةُ الروسيةُ تتمتع بحُرِّية التنقُّل في البحر الأسود دون قيدٍ أو شرط. وقد تضمَّنت المعاهدة 28 مادة، ومادتين منفصلتين، وعدة شروط، منها: أن يحصُلَ الروس على حَقِّ رعاية السكان الأرثوذكس في البلاد العثمانية، وكان من شأنِ هذا البند أن تتدخَّل روسيا في شؤون الدولة العثمانية بصورة مستمرة. في لقاءِ قيصر روسيا والسفير الإنجليزي، لم تكتف روسيا بما حصَلَت عليه من مكاسِبَ من الدولة العثمانية، وإنما امتَدَّ بصرها إلى تمزيق الدولة، وتوزيع ممتلكاتها, ومن بنود المعاهدة إزالةُ العداوة بين الدولة العثمانية وروسيا، وحلولُ الصلح، وصيانةُ الاتفاقات من التغيير، والعفوُ عن الجرائم التي اقترفها رعايا الطرفين. عدمُ حماية الرعايا الملتَجِئين أو الفارِّين أو الخَوَنة ضمِن الشروط. اعتراف الطرفين بحرية بلاد القرم بلا استثناءٍ واستقلالها، ولهم الحريةُ التامة بانتخاب خان لهم دون تدخُّل، ولا يؤدون ضريبة. وباعتبارهم مسلمين فإنَّ أمورهم المذهبية تُنَظَّم من قبل السلطان بمقتضى الشريعة الإسلامية. سحب القوات العثمانية من القرم وتسليم القلاع، وعدم إرسال جنودٍ أو محافظ عسكريٍّ. حرية كل دولة في بناء القلاعِ والأبنية والتحصينات وإصلاحِ ما يلزم منها. تعيينُ سفير روسي في الأستانة من الدرجة الثانية، والاعتذارُ له رسميًّا عما يحدث من خلل. تعهُّد الدولة العثمانية بصيانةِ الحقوق والكنائس النصرانية في أراضيها، ومنح الرخصة من الخَلَل. حرية زيارة رُهبان روسيا للقُدسِ والأماكن الأخرى التي تستحِقُّ الزيارة مُرَخَّصٌ بها دون دفع جزيةٍ أو خراجٍ، ويُعطَون التسهيلات والحماية أثناء ذلك. حريةُ الملاحة للرُّوس في كافة الموانئ العثمانية في البحرين الأبيض المتوسط والأسود مضمونةٌ، وكذلك حريةُ تجارة الرعايا الروس في البلاد العثمانية برًّا وبحرًا مكفولةٌ، وللتجارِ الروس حريةُ الاستيراد منها والتصدير إليها والإقامة فيها. ويحقُّ لروسيا تعيينُ القناصل في كافة المواقع التي تراها مناسبة. يجب على الدولة العثمانية التعهُّدُ ببذل جهدِها في كفالة حكومات الولايات الإفريقية إذا ما رغب الروسُ بعقد معاهدات تجارية فيها. يحقُّ للروس بناء كنيسة على الطريق العام في محلةٍ بكل أوغلي في غلطة بإستانبول غير الكنيسة المخصِّصة، وتكون تحت صيانة سفير روسيا، وتؤمَّنُ الصيانة الكاملة لها والحراسةُ التامة خوفًا من التدخل. إعادةُ بعض المناطق للدولة العثمانية من روسيا بشروط: منها العفوُ العام عن أهاليها، وحريةُ النصارى منهم من كافةِ الوجوه، وبناءُ كنائس جديدة، ومنح امتيازات للرهبان، وحرية الهجرة للأعيان، وعدم التعرُّض لهم، وإعفاؤهم من تكاليف الحرب والجزية. يرُدُّ الروس جزائر البحر الأبيض المتوسط التي هي تحتَ حُكمِهم للدولة العثمانية التي يجِبُ أن تعفو عن أهلِها وتعفيهم من الرسومِ السنوية وتمنَحَهم الحرية الدينية وترخِّصَ لِمن يريد منهم ترك وطنهم. كما ذُكِرَت بنود أخرى تتعلَّقُ ببعض المناطق في القرم، وبتدابير الانسحاب، وإخلاء الأفلاق والبوجاق والبغدان، وبتسريح الأسرى، وتعيين السُّفراء من أجل المصالحةِ، وتعهدت الدولة العثمانية بتأدية خمسة عشر ألف كيسًا لروسيا في مدة ثلاث سنين يُدفَعُ منها في كل سنة قِسطٌ، وهو خمسة آلاف كيس!!
بعد أن استطاع أبو الذهب محمد بك أن يقضيَ على فتنة علي بك ومَن معه من الروس، وكان ظاهر العمر من شركاء علي بك، لكنه كان في عكا متملكًا لها، فأمر السلطانُ عبد الحميد واليَه أبا الذهب محمد بك بملاحقة ظاهر العمر والقضاء عليه فهرب ظاهر إلى صفد فارًّا من محمد بك الذي بقي محاصِرًا له في جبال صفد إلى أن استطاع أن يقتُلَه في هذا العام.
شَنَّ خالدُ بن عريعر هجومًا عاصفًا على منطقة القصيم، وركز هجومَه على بلدة بُريدة، ونجح في إقصاء أميرِها عبد الله بن حسن وأسرته الموالين للدرعية، وعيَّن عليها راشِدًا الدريبي المناهض لإمارة الدرعية ودعوة الشيخ، وتشجَّع عريعر على مهاجمة الدرعية نفسِها، إلا أنَّه توفي في الخابية قرب النبقية بعد شهرين من انسحابِه مِن بُريدة.