الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2032 ). زمن البحث بالثانية ( 0.012 )

العام الهجري : 1214 العام الميلادي : 1799
تفاصيل الحدث:

بعد رحيلِ نابليون بونابرت إلى فرنسا أقبلَ كليبر على تصريفِ الأمورِ بكُلِّ همَّةٍ، فأعَدَّ تنظيمَ الحكومةِ وقَسَّم القُطرَ المصريَّ إلى ثمانية أقاليم إدارية، وبادر بالكتابةِ إلى الصدر الأعظم ينفي رغبةَ فرنسا في انتزاعِ مِصرَ مِن تركيا، ويذكُرُ الأسبابَ التي جعلت فرنسا تُرسِلُ حَملتَها إلى مصرَ، وهي محاولةُ إلقاء الرُّعبِ في قلوبِ الإنجليز، وتهديدُ ممتلكاتهم في الهندِ، وإرغامُهم على قَبولِ الصلح مع فرنسا، بالإضافةِ إلى الانتقامِ ممَّا لحِقَ بالفرنسيين من أذًى على أيدي المماليك، وتخليصِ مِصرَ مِن سيطرة البكوات وإرجاعِها إلى تركيا، ثمَّ طلبَ كليبر من الصدر الأعظم فتحَ باب المفاوضات من أجلِ جلاء الفرنسيين عن مصر، وقد جرت هذه المفاوضاتُ بالفعل في مدينة العريش، وأسفَرَت عمَّا يسمَّى باتفاقية العريش (24 يناير 1800م) التي نصَّت على: جلاء الفرنسيين عن مصر بكامِلِ أسلحتِهم وعَتادِهم، وعودتهم إلى فرنسا. هدنةٌ ثلاثةَ شهور قد تطولُ مدتها إذا لزم الأمر، ويتم خلالَها نقلُ الحملة. الحصولُ من الباب العالي أو حلفائه- أي الإنجليز وروسيا- على بلادِه على أن تتعهَّدَ تركيا وحلفاؤُها بعدم التعرُّضِ لهذا الجيش بأيِّ أذًى. غيرَ أن الحكومة البريطانية عندما بلغَتْها أنباءُ مفاوضات العريش كانت قد اتخَذَت موقفًا من شأنِه تعطيلُ اتفاقية العريش عن إبرامِها؛ إذ كانت تخشى من أن يعودَ جيشُ فرنسا المحاصَر في مصر إلى ميادين القتالِ في أوروبا، فترجَحَ كِفَّةُ الجيوش الفرنسية ويختَلَّ ميزان الموقِفِ العسكري في القارة. ولَمَّا كان من المعتقد في ضوء رسائِلِ الضباط والجنود الفرنسيين إلى ذويهم في فرنسا- والتي وقعت في أيدي رجالِ البحرية البريطانية- أنَّ الحملةَ الفرنسيَّةَ تمضي ببطء داخِلَ الأراضي المصرية؛ فقد فضَّلت حكومة لندن أن يبقى الفرنسيون في مصرَ أو يُسَلِّموا أنفُسَهم كأسرى حرب؛ ولذلك أصدرت في 15 ديسمبر 1799م أوامِرَ صريحة إلى اللورد سدني سميث القائِدِ العام للأسطول البريطاني في البحر المتوسط برَفضِ أي اتفاق أو معاهدة بشأن الجلاءِ عن مصر، طالما كان هذا الاتفاقُ لا ينصُّ على ضرورة أن يسلِّمَ الفرنسيون أنفسهم كأسرى حرب تسليمًا مُطلقًا دون قيدٍ أو شرط، فأعَدَّ سدني سميث رسالةً بهذا المعنى إلى كليبر وصَلَتْه في أوائل مارس 1800م.

العام الهجري : 1315 العام الميلادي : 1897
تفاصيل الحدث:

حادثُ فاشودة كان من أسبابِ الخلافِ بين انجلترا وفرنسا في السيطرةِ على أعالي النيلِ، هو تصميمُ الخديوي إسماعيل على الوصولِ إلى أعماقِ الجنوب السوداني عند تأسيسِه مديرية خَطِّ الاستواء على حدودِ أوغندا ليسيطِرَ على كلِّ مجرى نهرِ النيل والامتداد في أعماقِ القارَّة. وقد أصبحت تلك المناطِقُ ضِمنَ الوجود المصري في السودانِ، وكانت الإمبراطوريةُ الفرنسيةُ بدَورِها تتحَرَّك باتجاهِ مَنطِقةِ جنوب السودان هي الأخرى؛ حيث كان القائِدُ الفرنسي مارشان قد وصل إلى فاشودة بعد عامين من خروجِه من مدينة برازافيل في الكونغو على رأسِ جنودِ سينغاليين مجتازًا ثلاثةَ آلاف كيلومتر في جوف القارة؛ بهَدَفِ ضَمِّ أعالي النيل إلى الإمبراطورية الفرنسية؛ لتلتقي قواتُه مع قواتِ كتشنر الذي كان بعد انتصارِه على الحركة المهدية واحتلالِ الخرطوم انطلق على مركَبٍ بخاري ومعه عددٌ من الجنود المصريين والسودانيين متَّجهًا إلى فاشودة، حيث وصل بعد يومين من وصولِ مارشان. وعندما التقى الطرفانِ أعلم كتشنر القائِدَ الفرنسي بأنَّ عليه العودةَ إلى بلاده وتَرْكَ فاشودة؛ لأن الأرض التي يَقِفون عليها هي أرضٌ مِصريَّةٌ، وأن الخِلافَ هو بين مصر وفرنسا، وقد استقبل كتشنر خَصمَه الفرنسي بلباسِ ضابطٍ مِصريٍّ، وتحت العلم المصري. كانت مرحلة صراعات بين الدُّوَلِ الاستعمارية حول السودان ومنطقةِ القرن الأفريقي ووسط أفريقيا. وكانت نقطةُ الالتقاءِ هي فاشودة التي انتهت بدونِ معركةٍ عَسكريةٍ، وكانت عنوانًا لتقسيم المنطقة وَفقَ نظرية الاتفاقاتِ الوُدِّية والتي تبلورت بعد سنواتٍ قليلةٍ فيما سمِّيَ بالاتفاق الوُدي لتقسيمِ الدُّوَل العربية أو المستعمرات بين الدُّوَل الاستعمارية! بعد صراعاتٍ حاولت فرنسا خلالَها هي الأخرى الاتصالَ بالثورة المهدية والطَّلَب منها رفعَ العَلَم الفرنسي فوقَ فاشودة قبل أن تقومَ بمساندة الثورة المهديَّة في مواجهة بريطانيا، وبعد مواجهةِ فاشودة انتهت الأوضاعُ إلى الاستقرار على تقسيم "السودان العظيم" إلى مناطِقِ نفوذ وقَعَ فيها السودان الحاليُّ الذى نعرفه تحتَ الاحتلال الانجليزي. أخذت إيطاليا (بيلول) شمال خليج (عصب)، والمنطقة الساحلية قرب (مصوع) إرتريا الحالية, وأخذت الحبشةَ مدينة (هرو)، وانتزعت إنجلترا الجهاتِ المطِلَّةَ على بحيرة فيكتوريا، ووضعت فيها أساسًا لمستعمرة أوغندا كمركزٍ لِمُستعمراتِها الأفريقيةِ، وأخرجت إنجلترا فرنسا من فاشودة تحت العَلَمِ والجيش المصري إلى المناطِقِ الأخرى في جوف القارة، وهى التي أصبحت تسيطِرُ على تشاد فعليًّا.

العام الهجري : 539 العام الميلادي : 1144
تفاصيل الحدث:

هو أبو سَعيدٍ جقر بنُ يعقوبَ الهَمَذانيُّ الملَقَّبُ نصير الدين، كان نائِبَ عمادِ الدين زنكي صاحِبِ الجزيرةِ الفُراتيَّة والمَوصِل والشَّام، استنابه عنه بالمَوصِل، وكان جَبَّارًا عَسُوفًا سَفَّاكًا للدَّماءِ مُستَحِلًّا للأموالِ، كان المَلِكُ فروخشاه بن السُّلطانِ مَحمود السلجوقي المعروف بالخفاجي يطمَعُ في السَّلطَنةِ بعد السُّلطانِ مَسعود, وكان فروخشاه بالموصِل هذه السَّنةَ ونَصيرُ الدين جقر يَنزِلُ إليه كُلَّ يَومٍ يَخدمُه ويَقِفُ عنده ساعةً ثمَّ يعودُ, وكان جقر يعارِضُه ويُعانِدُه في مقاصِدِه، فحَسَّنَ المُفسِدونَ للمَلِك فروخشاه قَتْلَه وقالوا له إنَّك إنْ قَتَلْتَه مَلَكْتَ المَوصِلَ وغَيرَها ويَعجِزُ أتابك أن يقيمَ بين يديك ولا يَجتَمِع معه فارسانِ عليك، فوقع هذا في نفسِه وظَنَّه صَحيحًا، فلمَّا دخل نصير الدين إليه على عادَتِه وثَبَ عليه جماعةٌ مِن غِلمانِه فقَتَلوه وألقَوا رأسَه إلى أصحابِه؛ ظَنًّا منهم أنَّ أصحابَه إذا رأَوْا رأسَه تفَرَّقوا ويَملِكُ الملك فروخشاه البلادَ, وكان الأمرُ بخِلافِ ما ظَنُّوا؛ فإنَّ أصحابَه وأصحابَ أتابك زنكي الذين معه لَمَّا رأوا رأسَه قاتَلُوا مَن بالدَّارِ مع المَلِك، واجتمَعَ معهم الخَلقُ الكثيرُ، وكانت دولةُ أتابك مملوءةً بالرِّجالِ الأجلادِ ذَوي الرَّأي والتَّجربةِ، فلم يتغيَّرْ عليه بهذا الفَتقِ شَيءٌ, وكان في جُملةِ مَن حضر القاضي تاج الدين يحيى بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري أخو كمالِ الدِّين، فدخَلَ إلى المَلِك فروخشاه وخَدَعَه حتى أصعَدَه إلى القَلعةِ وهو يُحسِّنُ له الصُّعودَ إليها وحينئذٍ يستَقِرُّ له مِلكُ البَلدِ، فلمَّا صَعِدَ القلعةَ سَجَنوه بها وقُتِلَ الغِلمانُ الذين قَتَلوا النصير وأرسَلوا إلى أتابك يُعَرِّفونَه الحالَ، فسَكَنَ جأشُه واطمأنَّ قَلْبَه وأرسل زينُ الدين على بن بكتكين واليًا على قلعةِ المَوصِل، وكان كثيرَ الثقةِ به والاعتمادِ عليه، فسَلَكَ بالنَّاسِ غَيرَ الطَّريقِ التي سلَكَها النصير، وسَهَّلَ الأمرَ، فاطمأنَّ النَّاسَ وأَمِنوا وازدادت البلادُ معه عمارةً.

العام الهجري : 591 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1195
تفاصيل الحدث:

غزا أبو يوسُفَ يعقوبُ بنُ عبد المؤمن، صاحِبُ بلاد المغرب والأندلس، بلادَ الفِرنجِ بالأندلُسِ، وسبَبُ ذلك أنَّ ألفونسو مَلِك الفرنج بها، ومَقَرُّ مُلكِه مدينة طليطلة، كتب إلى يعقوبَ كتابًا فحواه أنَّه يريد الإغارةَ على البلادِ والقَتلَ، وأنَّه لا مانع له من ذلك ويستهزئُ بقوة المسلمين ويتَّهِمُهم بالضَّعفِ مع أنَّهم- أي المسلمين- مأمورون بالجهاد، حتى لو كان العدوُّ ضِعفَ العَدَد، واستهزأ بالمَلِك أبي يوسف يعقوب، فلمَّا وصل كتابُه وقرأه يعقوبُ، كتب في أعلاه هذه الآية: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37]، وأعاده إليه، وجمع العساكِرَ العظيمةَ من المسلمينَ وعبَرَ المجاز إلى الأندلس، وقيل: كان سبَبُ عبوره إلى الأندلس أن يعقوبَ لَمَّا قاتل الفرنج سنة ست وثمانين وصالحهم، بَقِيَ طائفة من الفرنج لم تَرْضَ الصلح، فلما كان الآن جَمَعت تلك الطائفة جمعًا من الفرنجِ، وخرجوا إلى بلاد الإسلام، فقَتَلوا وسَبَوا وغَنِموا وأسروا، وعاثوا فيها عيثًا شديدًا، فانتهى ذلك إلى يعقوب، فجمع العساكِرَ، وعبَرَ المجاز إلى الأندلس في جيشٍ يضيقُ عنهم الفضاء، فسَمِعَت الفرنج بذلك، فجمعت قاصيَهم ودانيهم، فالتقوا تاسِعَ شعبان شماليَّ قُرطبةَ عند قلعة رياح، بمكانٍ يعرف بمرج الحديد، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فكانت الدائرة أولًا على المسلمين، ثمَّ عادت على الفرنج، فانهزموا أقبحَ هزيمةٍ، وانتصر المسلمون، وغَنِمَ المسلمون منهم شيئًا عظيمًا، ولَمَّا انهزم الفرنج اتَّبَعهم أبو يوسف، فرآهم قد أخذوا قلعةَ رياح، وساروا عنها من الرُّعبِ والخوف، فمَلَكَها وجعل فيها واليًا وجندًا يحفظونها، وعاد إلى مدينة إشبيلية، وأما ألفونسو فإنه لما انهزم حَلَقَ رأسَه، ونكَّسَ صليبَه، ورَكِبَ حمارًا، وأقسَمَ أنْ لا يركب فرسًا ولا بغلًا حتى تُنصَرَ النَّصرانيَّة.

العام الهجري : 1211 العام الميلادي : 1796
تفاصيل الحدث:

في هذه السنة عزل سليمان باشا صاحَبَ العراقِ حمودَ بن ثامر عن ولاية المنتفق، وولَّى عليهم ثويني بن عبد الله، وكان ثويني قد قصد البصرةَ ونزل سفوان الماء المعروف قربَ البصرة، فاجتمع إليه قبائِلُ من عُربان المنتفق, فسار إليه حمود بن ثامر بمن تَبِعه من المنتفق وأهل الزبير وغيرهم, فنازله وحصل بينهما قتالٌ شديد انهزم ثويني فأخذ حمود ومن تبعه محلَّه ومتاعه وخيامه، وقُتِل من رجالِه عِدَّةُ قتلى, فهرب ثويني بعدها إلى الدورق بلاد كعب، وذلك في سنة 1204هـ, ثم خرج من الدورق وقصد بني خالد واستنصرهم واستنجدهم، وكان رئيسُهم يومئذ زيدَ بن عريعر، فلم يجِدْ فيهم نفعًا، فسار الى الدرعيَّة وألفى عبد العزيز فأكرمَه غاية الإكرام وأعطاه خيلًا وإبلًا ودراهمَ، ثم رجع إلى الكويت، وقصد العراقَ فرمى بنفسِه على سلمان باشا فعفا عنه، وأقام عنده مدَّةً يحاولُه أن يوليه على المنتفق، ويسير إلى نجد ليخربَها ويقتُل أهلها، فوقع ذلك في ظنِّ صاحب العراق، وسعى في ذلك كثيرُ الجالين من أهل نجد في الزبير والبحرين والكويت وغيره، وكاتبوا باشا بغداد وحرَّضوه وزيَّنوا له ذلك, وكاتبه كثيرٌ من الرؤساء والعلماء لا سيَّما محمد بن فيروز؛ فإنه الذي يحكم ذلك ويبذُلُ جُهدَه، وذكروا لباشا بغداد أنَّه لا ينجع في هذا الأمر الخطير والخطب الكبير إلا ثويني، وكتبوا له كثيرًا من الكَذِب والزور والبهتان في أتباعِ الدَّعوةِ، ولم يدْرِ الباشا أنَّ هذا التدبير لقصدِ أنفُسِهم، وقال له ثويني: أنا الذي أخربُ ديارهم، وأسلبُ أعمارَهم، فأمره الباشا بالمسير وسار معه عساكِرُ كثيرة من عسكر الباشا، ومِن عقَيل بغداد وآل بعيج والزقاريط وغيرهم، وجعله واليًا على المنتفق، وعزل حمودَ بنَ ثامر.

العام الهجري : 744 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1343
تفاصيل الحدث:

أمر نائِبُ السُّلطانِ الأميرُ الحاج آل ملك والي القاهرة بأن يُنزَل إلى خزانة البنود بالقاهرة، ويُحتاطَ على ما بها من الخَمرِ والبغايا، ويخرج مَن فيها من النَّصارى الأسرى، ويريق ما هناك من الخُمور، ويخرِّبها حتى يجعَلَها دكًّا، وسبَبُ ذلك أنَّ خِزانةَ البنود كانت يومئذٍ حانةً، بعدما كانت سجنًا يُسجَنُ فيه الأمراءُ والجُندُ والمماليك، كما أنَّ خِزانةَ شمائِل سجنٌ لأرباب الجرائِمِ من اللصوصِ وقُطَّاع الطريق، فلما كانت دولةُ السلطان الملك الناصر محمَّد بن قلاوون بعد عَودِه من الكرك، وشُغِفَ بكثرةِ العماراتِ، اتَّخَذ الأسرى وجَلَبَهم إلى مصر من بلاد الأرمن وغيرها، وأنزَلَ عِدَّةً كثيرةً منهم بقلعة الجبل، وجماعةً كثيرة بخزانة البنود، فملأ أولئك الأرمن خزانةَ البنود حتى بطل السِّجنُ بها، وعَمَرها السلطانُ الناصر مساكِنَ لهم، وتوالدوا بها، وعَصَروا الخمورَ بحيث إنَّهم عصروا في سنة واحدة اثنتين وثلاثين ألف جَرَّة، باعوها جِهارًا، وكان لحمُ الخنزير يُعَلَّقُ عندهم على الوضم، ويباعُ مِن غيرِ احتشامٍ، واتَّخَذوا عندهم أماكِنَ لاجتماع النَّاسِ على المحَرَّمات، فيأتيهم الفُسَّاق ويظَلُّونَ عندهم الأيامَ على شُربِ الخُمورِ ومُعاشرة الفواجِر والأحداثِ، ففَسَدت حُرَمٌ كثيرةٌ من الناسِ وكثيرٌ مِن أولادِهم وجماعةٌ مِن مماليك الأمراءِ فسادًا شَنيعًا، حتى إنَّ المرأةَ إذا تركت أهلَها أو زوجَها، أو الجاريةَ إذا تركت مواليَها، أو الشَّابَّ إذا ترك أباه، ودخل عند الأرمن بخزانةِ البنودِ، لا يقدِرُ أن يأخُذه منهم، ولو كان مَن كان! فقام الأميرُ الحاج آل ملك في أمرِهم، وفاوض السُّلطانَ المَلِكَ الناصِرَ محمدَ بن قلاوون في فسادِهم غيرَ مرة، فلم يجِبْه إلى أن أكثَرَ عليه، فغَضِبَ السلطان عليه، وقال له: يا حاج! كم تشتكي مِن هؤلاء، إن كان ما يُعجِبُك مُجاوَرَتَهم انتَقِلْ عنهم! فشَقَّ ذلك عليه، وركِبَ إلى ظاهر الحُسَينية واختار مكانًا، وعَمَره دارًا، وأنشأ بجانِبِها جامعًا، وحَمَّامًا ورَبْعًا وحوانيت، وبَقِيَت في نفسِه حزازاتٌ حتى أمكنَتْه القدرةُ منهم، وانبسَطَت يدُه فيهم بكونِه نائِبَ السُّلطانِ، فنزل والي القاهرةِ ومعه الحاجِبُ وعِدَّةٌ من أصحاب النائِبِ، وهجموا خزانةَ البنود، وأخرجوا جميعَ سُكَّانِها، وكَسَروا أوانيَ الخَمرِ، فكانت شيئًا يجِلُّ وَصفُه كثرةً، وهدموها واشترى أرضَها الأميرُ قماري مِن بيت المالِ، وتقَدَّمَ إلى الضياء المحتَسِب أن يناديَ بتَحكيرِها، فرَغِبَ النَّاسُ في أرضها واحتكَروها، وبَنَوها دُورًا وطواحينَ وغَيرَها، فكان يومُ هَدمِ خزانة البنود يومًا مَشهودًا من الأيامِ المشهورةِ المذكورة، عَدَلَ هَدْمُها فتحَ طرابلُس وعكا؛ لكثرةِ ما كان يُعمَلُ فيه بمعاصي اللهِ! ثمَّ طلب النائِبُ الأميرُ الحاج واليَ القلعةِ، وألزَمَه أن يفعَلَ ذلك ببيوت الأسرى من القلعةِ، فمضى إليها وكَسَّر جِرارَ الخَمرِ التي بها، وأنزلهم من القلعةِ، وجعَلَهم مع نصارى خزانةِ البنود في مَوضِعٍ بجوار الكوم، فيما بين جامِعِ ابن طولون ومصر، فنزلوه واتخَذوا به مساكِنَهم، وكانت الأسرى التي بالقلعة من خواصِّ الأسرى، وعليهم كان يعتَمِدُ السلطان المَلِكُ الناصر محمد بن قلاوون في أمر عمائِرِه، وكانوا في فَسادٍ كبيرٍ مع المماليكِ وحرَمِ القلعةِ، فأراح الله منهم، ثم رسم الأميرُ الحاج آل ملك النائب بتتَبُّع أهل الفساد، فمَنَع الناسَ مِن ضَربِ الخِيَم على شاطئ النيلِ بالجزيرةِ وغَيرِها للنُّزهة، وكانت محلَّ فَسادٍ كبيرٍ؛ لاختلاطِ الرِّجالِ فيها بالنِّساءِ، وتعاطيهم المُنكَرات.

العام الهجري : 465 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1072
تفاصيل الحدث:

هو سُلطانُ العالَم عَضُدُ الدَّولةِ أبو شُجاعٍ، المُلَقَّبُ بالعادِل محمد، ألب أرسلان بن جغريبك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق بن سلجوق التُّركيُّ, واسمُه بالعربي محمدُ بنُ داودَ وألب أرسلان اسمٌ تُركيٌّ مَعناهُ شُجاع أَسَد، فألب: شُجاع، وأرسلان: أَسَد. وهو ابنُ أخي السُّلطانِ طغرلبك، أَصلُه من قَريةٍ يُقال لها: النور. وُلِدَ سَنةَ 424هـ, وَجَدُّهُ دقاق، هو أَوَّلُ مَن دَخلَ في الإسلامِ, وألب أرسلان أَوَّلُ مَن ذُكِرَ بالسُّلطانِ على مَنابِرِ بغداد, وكان مَلِكًا عادِلًا، مَهِيبًا، مُطاعًا، مُعَظَّمًا. وَلِيَ السَّلْطَنَةَ بعدَ وَفاةِ عَمِّهِ طغرلبك بن سلجوق في سَنةِ 457هـ. لمَّا ماتَ السُّلطانُ طُغرلبك نَصَّ على تَوْلِيَةِ الأَمرِ لسُليمانَ بنِ داودَ أخي ألب أرسلان، ولم يَنُصَّ على ألب أرسلان؛ لأنَّ أُمَّ سُليمانَ كانت عنده فتَبِعَ هَواها في وَلَدِها، فقام سُليمانُ بالأَمرِ وثارَ عليه أَخوهُ ألب أرسلان، وجَرَت بينهم خُطوبٌ فلم يَتِمَّ لِسُليمانَ الأَمرُ، وكانت النُّصرةُ لألب أرسلان. فاستَولَى على المَمالِكِ، وعَظُمَت مَملكَتُه ورُهِبَت سَطوتُه، وفَتحَ من البِلادِ ما لم يكُن لِعَمِّهِ طُغرلبك مع سِعَةِ مُلْكِ عَمِّهِ، وقَصدَ بِلادَ الشامِ فانتَهَى إلى مَدينةِ حَلَب، وهو أَوَّلُ مَن عَبَرَ الفُراتَ من مُلوكِ التُّركِ. وكاد أن يَتَمَلَّكَ مصر. أَعزَّ الله بهِ الإسلامَ وأَذَلَّ الشِّرْكَ. كان ألب أرسلان مِن أَعدَلِ الناسِ، وأَحسَنِهم سِيرَةً، وأَرغَبِهِم في الجِهادِ وفي نَصرِ الدِّينِ. وعَظُمَ أَمرُ السُّلطانِ ألب آرسلان، وخُطِبَ له على مَنابرِ العِراقِ والعَجَمِ وخُراسان، ودانَت له الأُمَمُ، وأَحَبَّتْهُ الرَّعايا، ولا سيما لمَّا هَزَمَ العَدُوَّ، طاغِيةَ الرُّومِ أرمانوس في مَعركةِ ملازكرد سَنةَ 463هـ, وقَنعَ من الرَّعِيَّةِ بالخَراجِ في قِسطَينِ، رِفْقًا بهم, وكان كَثيرَ الصَّدَقاتِ، يَتَفقَّد الفُقراءَ في كلِّ رَمضانَ بأَربعةِ آلافِ دِينارٍ ببَلخ، ومَرو، وهراة، ونيسابور، ويَتَصدَّق بحَضرَتِه بعشرةِ آلافِ دِينارٍ. كَتبَ إليه بَعضُ السُّعاةِ في نِظامِ المُلْكِ وَزيرِهِ، وذَكَرَ مالَه في مَمالِكِه فاستَدعاهُ فقال له: خُذْ إن كان هذا صَحيحًا فهَذِّبْ أَخلاقَك وأَصلِح أَحوالَك، وإن كَذَبَ فاغْفِر له زَلَّتَهُ. وكان شديدَ الحِرصِ على حِفْظِ مالِ الرَّعايا، بَلَغَهُ أنَّ غُلامًا من غِلمانِه أَخذَ إِزارًا لبَعضِ أَصحابِه فصَلَبَهُ فارتَدعَ سائرُ المَماليكِ به خَوفًا من سَطوتِه. في أَوَّلِ سَنةِ 465هـ قَصدَ السُّلطانُ ألب أرسلان، ما وَراءَ النَّهرِ، وصاحبُه شَمسُ المُلْكِ تكين، فعَقدَ على جيحون جِسْرًا وعَبرَ عليه في نَيِّفٍ وعِشرينَ يومًا، وعَسكرُه يَزيدُ على مائتي ألف فارسٍ، فأَتاهُ أَصحابُه بمُسْتَحْفِظِ قَلعَةٍ يُعرفُ بيُوسُف الخوارزمي، في سادس شهرِ رَبيعٍ الأوَّل، وحُمِلَ إلى قُرْبِ سَريرِه مع غُلامَينِ، فقال له يُوسفُ: يا مُخَنَّث! مِثلي يُقتَل هذه القِتلَة؟ فغَضِبَ السُّلطانُ ألب أرسلان، وأَخذَ القَوْسَ والنِّشابَ، وقال للغُلامَينِ: خَلِّيَاهُ! ورَماهُ بِسَهمٍ فأَخطَأهُ، ولم يكُن يُخطِئ سَهمَه، فوَثبَ يُوسفُ يُريدُه، والسُّلطانُ على سُدَّةٍ، فلمَّا رأى يُوسفَ يَقصِدُه قام عن السُّدَّةِ ونَزلَ عنها، فعَثَرَ، فوَقعَ على وَجهِه، فبَرَكَ عليه يُوسفُ وضَربَهُ بسِكِّينٍ كانت معه في خاصِرَتِه، وكان سعدُ الدَّولةِ واقِفًا، فجَرَحَهُ يُوسفُ أيضًا جِراحاتٍ، ونَهضَ ألب أرسلان فدَخَل إلى خَيمةٍ أُخرَى، وضَرَبَ بَعضُ الفَرَّاشِين يُوسفَ بِمِرْزَبَّةٍ على رَأسِه، فقَتَلَه وقَطَّعَهُ الأتراكُ، ولمَّا جُرِحَ السُّلطانُ قال: ما مِن وَجهٍ قَصدتُه، وعَدُوٍّ أَردتُه، إلَّا استَعنتُ بالله عليه، ولمَّا كان أَمسُ صَعدتُ على تَلٍّ، فارتَجَّت الأرضُ تحتي مِن عِظَمِ الجَيشِ وكَثرَةِ العَسكرِ، فقلتُ في نفسي: أنا أَملِكُ الدُّنيا، وما يَقدِر أَحَدٌ عَلَيَّ، فعَجَّزَني الله تعالى بأَضعفِ خَلْقِه، وأنا أَستَغفِرُ الله تعالى، وأَستَقيلُه من ذلك الخاطرِ. فتُوفِّي عاشرَ رَبيعٍ الأوَّلِ من السَّنَةِ، فحُمِلَ إلى مَرو ودُفِنَ عند أَبيهِ. تُوفِّي عن إحدى وأربعين سَنَةً، وكانت مُدَّةُ مُلكِه منذ خُطِبَ له بالسَّلْطَنَةِ إلى أن قُتِلَ تِسعَ سِنينَ وسِتَّةَ أَشهُر وأيامًا، ولمَّا وَصلَ خَبرُ مَوتِه إلى بغداد جَلسَ الوَزيرُ فَخرُ الدَّولةِ بن جهير للعَزاءِ به في صَحنِ السَّلامِ. تَركَ ألب أرسلان من الأولادِ ملكشاه، وإياز، ونكشر, وبوري برس, وأرسلان، وأرغو، وسارة، وعائشة، وبِنتًا أُخرى, وتَولَّى بعده ابنُه ملكشاه.

العام الهجري : 492 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1099
تفاصيل الحدث:

كان بيتُ المقدِسِ تحت حُكمِ الفاطميين، ولهم فيه رجلٌ نائِبٌ يُعرَفُ بافتخار الدولة، وبقِيَ فيه إلى الآن، فقصده الفرنجُ بعد أن حصروا عكَّا، فلم يقدِروا عليها، فلما وصلوا إليه حصروه نيفًا وأربعين يومًا، ونصبوا عليه برجين أحدهما من ناحية صهيون، وأحرقه المسلمون، وقتلوا كلَّ من به، فلمَّا فرغوا من إحراقه أتاهم المستغيثُ بأن المدينة قد مُلِكت من الجانب الآخر، وملكوها من جهة الشمال منه ضحوةَ نهار يوم الجمعة لسبعٍ بقين من شعبان، وركب الناسَ السيفُ، ولبث الفرنجُ في البلدة أسبوعًا يقتلون فيه المسلمين، واحتمى جماعةٌ من المسلمين بمحرابِ داود، فاعتصموا به، وقاتلوا فيه ثلاثةَ أيام، فبذل لهم الفرنجُ الأمانَ، فسَلَّموه إليهم، ووفى لهم الفرنج، وخرجوا ليلًا إلى عسقلان فأقاموا بها، وقَتَل الفرنجُ بالمسجد الأقصى ما يزيدُ على سبعين ألفًا، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم، وعبَّادهم وزُهَّادهم! وغنموا منه ما لا يقع عليه الإحصاء، وجمعوا اليهودَ في الكنيسة وأحرقوها عليهم، وهدَموا المشاهِدَ, وورد المستنفِرون من الشام في رمضان إلى بغداد، ولكِنْ قَدَّر اللهُ أن اختلف السلاطين فتمكَّن الفرنج من البلاد. قال ابن الأثير في دخول الإفرنج بيت المقدس: "سارت الإفرنجُ ومقَدَّمُهم كندفري في ألف ألف، بينهم خمسمائة ألف مقاتل، عملوا برجين من خشب مُطِلَّينِ على السور، فأحرق المسلمون البرجَ الذي كان بباب صهيون، وقتلوا من فيه. وأما الآخر فزحفوا به حتى ألصقوه بالسورِ وحكموا به على البلد، وكشفوا من كان بإزائهم، ورموا بالمجانيقِ والسهام رميةَ رجل واحد، فانهزم المسلمون من السور. وكان عدد خيلِهم ستةَ آلاف ومائة فارس، والرَّجَّالة ثمانية وأربعون ألفًا. ولم تزل دارَ الإسلام منذ فتحها عمر رضى الله عنه". وكان الأفضلُ ابن أمير الجيوش القائد الفاطمي لَمَّا بلغه نزولهم على القدس تجهَّز وسار من مصر في عشرين ألفًا، فوصل إلى عسقلان ثاني يوم الفتح، ولم يعلم. وراسل الإفرنجَ. فأعادوا الرسولَ بالجوابِ إليه، ولم يعلم المصريون بشيءٍ، فبادروا السلاحَ والخيل، وأعجلتهم الإفرنجُ فهزموهم، وقتلوا منهم من قُتل، وغنموا خيامَهم بما فيها. ودخل الأفضلُ عسقلان وتمزَّق أصحابه. فحاصرته الإفرنجُ بعسقلان، فبذل لهم ذهبًا كثيرًا. وورد المستنفرون من الشام في رمضان إلى بغداد صحبة القاضي أبي سعد الهروي، فأوردوا في الديوان كلامًا أبكى العيون، وأوجع القلوب، وقاموا بالجامع يوم الجمعة فاستغاثوا، وبكَوا وأبكَوا، وذكر ما دهم المسلمين بذلك البلدِ الشريف المعظَّم مِن قَتلِ الرجال، وسبيِ الحريم والأولاد، ونَهْب الأموال؛ فلشدة ما أصابهم أفطَروا، فأمر الخليفة أن يسير القاضي أبو محمد الدامغاني، وأبو بكر الشاشي، وأبو القاسم الزنجاني، وأبو الوفا بن عقيل، وأبو سعد الحلواني، وأبو الحسين بن سماك، فساروا إلى حلوان، فبلغهم قتلُ مجد الملك البلاساني، فعادوا من غير بلوغ أرب، ولا قضاء حاجة. واختلف السلاطين، فتمكن الفرنجُ من البلاد، فقال أبو المظفر الآبيوردي في هذا المعنى أبياتًا، منها:
مزجنا دماء بالدموع السواجم
فلم يبقَ منا عرضة للمراحم
وشرُّ سلاح المرء دمع يُفيضُه
إذا الحربُ شَبَّت نارها بالصوارم
فإيهًا، بني الإسلامِ، إنَّ وراءكم
وقائعَ يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمة في ظل أمن وغبطة
وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العينُ ملءَ جفونها
على هفوات أيقظت كلَّ نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم
ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الرومُ الهوانَ وأنتم
تجرُّون ذيل الخفض فِعلَ المُسالِم
وكم من دماء قد أبيحت ومن دمي
توارى حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبى
وسمر العوالي داميات اللهاذم
وبين اختلاس الطعن والضرب
وقفة تظل لها الولدان شيبَ القوادم
وتلك حروب من يغِبْ عن غمارها
ليسلَمَ يقرَعْ بعدها سِنَّ نادم
سللن بأيدي المشركين قواضبًا
ستغمد منهم في الطلى والجماجم
يكاد لهن المستجن بطيبة ينادي
بأعلى الصوت يا آل هاشم".

العام الهجري : 1425 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 2004
تفاصيل الحدث:

وُلد أحمد ياسين في يونيو/حزيران عام 1936م، في قرية جورة عسقلان - شماليَّ قطاع غزَّةَ - نزحَ مع عائلته إلى قطاع غزَّةَ بعد حرب عام 1948م، أصابه الشللُ في جميع أطرافه أثناءَ ممارسته للرياضة في عامه السادسَ عَشَرَ. استطاع أنْ يُنهيَ دراستَه الثانوية في العام الدراسي 1958م، ثم الحصول على فرصة عمل رغمَ الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية، وحينَ بلوغِه العشرين بدأ أحمد ياسين نشاطَه السياسيَّ بالمشاركة في المظاهرات التي اندلعت في غزَّةَ احتجاجًا على العُدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956م، رفضَ الشيخ الإشرافَ الدوليَّ على غزَّةَ مؤكِّدًا على ضرورة عودة الإقليم إلى الإدارة المصرية، وفي عام 1987م اتَّفق الشيخ أحمد ياسين مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزَّةَ على تكوينِ تنظيمٍ إسلاميٍّ لمحارَبة الاحتلال الإسرائيلي بهدف تحريرِ فِلَسْطينَ، أطلَقوا عليه اسم "حركة المقاومة الإسلامية" المعروفة اختصارًا باسم "حماس"، بدأ دَورَه في حماس بالانتفاضة الفِلَسْطينية الأُولى التي اندلعت آنذاكَ، والتي اشتهَرَت بانتفاضة المساجدِ، بدأت السُّلْطات الإسرائيلية التفكيرَ في وسيلة لإيقاف نشاط الشيخ أحمد ياسين، فداهَمَت بيتَه في أغسطس/آب 1988م، وفتشَتْه وهدَّدَتْه بنفيه إلى لُبنانَ، وعند ازدياد العمليات التي استهدفت الجنود الإسرائيليِّين قامت سُلْطات الاحتلال يوم 18 مايو/أيار 1989م باعتقاله مع المئات من أعضاء حركة حماس، وصدَرَ حُكم يَقْضي بسجنِ الشيخ ياسين مدى الحياة، إضافةً إلى 15 عامًا أخرى عليه في يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 1991م، وذلك بسبب تحريضه على اختطاف، وقتل الجنود الإسرائيليِّين، وتأسيس حركة حماس، ثم تمَّ الإفراجُ عن الشيخ أحمد ياسين مُقايضةً لعملاء الموساد الذين تمَّ القبضُ عليهم بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في عمَّان، وتمَّ اغتيال الشيخ أحمد ياسين من قِبَل جيش الدفاع الإسرائيلي، وهو يبلُغ الخامسةَ والستين من عمرِه، بعد مغادرته مسجدَ المجمَّع الإسلامي الكائن في حي الصبرة في قطاع غزَّةَ، وأدائه صلاة الفَجر في يوم الأول من شهر صفر من عام 1425 هجرية، الموافق 22 مارس من عام 2004م ميلادية، بعملية أشرَفَ عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون.

العام الهجري : 1427 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 2006
تفاصيل الحدث:

وُلد باسييف أو عبد الله شامل كما كان يُسمِّي نفسَه، أو "أبو إدريس" في الشيشان في عام 1965م في قرية ديشني فيدينو الواقعة جنوبَ الشيشانِ، وفي عام 1987م انتسَبَ لمعهد الهندسة في موسكو، وبعد أنْ أتمَّ دراستَه في المعهد التحقَ بالجيش السوفييتي آنذاكَ لأداء الخدمةِ العسكرية، وعاد باسييف إلى الشيشان عقِبَ تفكُّكِ الاتحاد السوفيتي، وحينَ أعْلنَ الرئيس الشيشاني الراحل جوهر دوداييف استقلالَ بلاده عن موسكو في أوائل التسعينيَّات، قام باسييف بتشكيل ما سمَّاه "وَحْدات المجاهدين الخاصة"، والتي وجَّهت نشاطَها بشكلٍ أساسي ضدَّ القوات الروسية، وأجهزتها السريَّة، ثم انضمَّ في وقت لاحقٍ إلى الوَحْدة العسكرية التابعة لكونفدراليَّة الشعوب القوقازية، وشارَكَ في النضال ضدَّ الوجود الروسي في إقليم كاراباخ، وسُرعانَ ما أصبح قائدًا للوَحْدة العسكرية في العام 1992م، وشارَكَ في معركة استقلال أبخازيا عن جورجيا في نفس العام، وفي عام (1994م) ولدى اندلاعِ حربِ الشيشان الأُولى تولَّى باسييف قيادة المجاهِدين الشيشان في مسقط رأسِه "فيدينو"، وبرزَ اسمُه بقوة على ساحة الحرب الشيشانية حين قام مع رِفاقِه باحتجاز مجموعة من الرهائن داخلَ مدرسة في مدينة "بودينوفيسك" في 14 يونيو 1995م، ونجحَ من خلالها في لفت أنظار العالم إلى القضية الشيشانية، وفي عام 1996م انتُخِب "باسييف" قائدًا للقوات الشيشانية المسلَّحة، وأدار الهجماتِ الكبيرةَ التي استهدفت القوات الروسية في العاصمة، عند نهاية الحرب الروسية - الشيشانية الأُولى، وأجبَرَت الهجماتُ موسكو على القَبول بمطالبهم، والانسحاب من الأراضي الشيشانية، وفي العام نفسِه قدَّم استقالَتَه من رئاسة القوات الشيشانية المسلَّحة، وخاض تجربةَ الترشح للانتخابات الرئاسية في بلاده، وحصل على نسبة 32،5% من الأصوات ليحلَّ في المرتبة الثانية، وهو ما جعل الرئيس الشيشاني "أصلان مسخادوف" يُعيِّنُه في منصب رئيس الوزراء، وفي عام (1998م) انتُخِب رئيسًا لكونجرس (مجلس) الشعبين الشيشاني والداغستاني، وأصبح بموجِب قرارٍ من هذا المجلس رئيسًا لمجلس الشورى الإسلامي.
وفي 10-7-2006م أعلن التلفاز الروسي عن مَقتَل شامل باسييف فيما سمَّاه "عملية أمنية"، وبث مشاهدَ لسياراتٍ متفحِّمةٍ، وصورًا لجثة باسييف الذي قال: إنَّه قُتل في انفجار شاحنة خلالَ تواجده في جمهورية أنجوشيا المجاورة للشيشان.

العام الهجري : 585 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1189
تفاصيل الحدث:

لَمَّا كَثُرَ جَمعُ الفرنج بصور؛ بسَبَبِ أن صلاح الدين كان كُلَّما فتح مدينةً أو قلعةً أعطى أهلَها الأمان، وسيَّرَهم إليها بأموالهم ونسائهم وأولادهم، فاجتمع بها منهم عالَمٌ كثير، ثم إنَّ الرهبان والقسوس وخلقًا كثيرًا من مشهوريهم وفرسانهم لَبِسوا السواد، وأظهروا الحُزنَ على خروج بيت المقدس من أيديهم، وأخَذَهم البطرك الذي كان بالقُدس، ودخل بهم بلادَ الفرنج يطوفها بهم جميعًا، ويستنجدون أهلَها، ويستجيرون بهم، ويحثُّونَهم على الأخذ بثأر بيت المقدس، وصَوَّروا المسيح، عليه السلام، وجعلوه مع صورةِ عربيٍّ يَضرِبُه، وقد جعلوا الدماءَ على صورة المسيح، عليه السلام، وقالوا لهم: هذا المسيحُ يَضرِبُه محمَّدٌ نبي المسلمين، وقد جَرَحه وقتَلَه، فعَظُمَ ذلك على الفرنج، فحَشَروا وحشدوا حتى النساء، ومن لم يستطع الخروجَ استأجر من يخرُجُ عِوَضَه، أو يعطيهم مالًا على قَدرِ حالهم، فاجتمع لهم مِن الرجال والأموال ما لا يتطَرَّق إليه الإحصاء، فهذا كان سببَ خروجهم، فلما اجتمعوا بصور تموج بعضُهم في بعض، ومعهم الأموالُ العظيمة، والبحرُ يَمُدُّهم بالأقوات والذخائر، والعُدد والرِّجال من بلادهم، فضاقت عليهم صور، باطِنُها وظاهِرُها، فأرادوا قَصدَ صيدا، فعادوا واتفقوا على قصد عكَّا ومُحاصرتها ومصابرتها، فساروا إليها وكان رحيلُهم ثامن رجب، ونزولهم على عكا في منتَصَفه، ولما كانوا سائرين كانت يزك- مقدمة الجيش-  المسلمين يتخطَّفونَهم، ويأخذون المنفرِدَ منهم، ولَمَّا رحلوا جاء الخبَرُ إلى صلاح الدين برحيلهم، فسار حتى قارَبَهم، وساروا على طريق كفر كنا، فسبقهم الفرنجُ، وكان صلاح الدين قد جعل في مقابل الفرنجِ جماعةً مِن الأمراء يسايرونَهم ويناوشونَهم القتالَ ويتخطَّفونَهم، ولم يُقدِم الفِرنجُ عليهم مع قِلَّتِهم، ولما وصل صلاح الدين إلى عكا رأى الفرنجَ قد نزلوا عليها من البَحرِ إلى البحر من الجانب الآخر، ولم يبق للمسلمينَ إليها طريق، وسَيَّرَ الكتب إلى الأطراف باستدعاء العساكِرِ، فأتاه عسكر الموصل، وديار بكر، وسنجار وغيرها من بلد الجزيرة، وأتاه تقيُّ الدين ابن أخيه، وأتاه مظفر الدين بن زين الدين، وهو صاحِبُ حران والرها، وكانت الأمدادُ تأتي المسلمين في البر وتأتي الفرنجَ في البحر، وكان بين الفريقين مُدَّة مُقامِهم على عكا حروبٌ كثيرةٌ ما بين صغيرة وكبيرة، منها اليومُ المشهور، ومنها ما هو دون ذلك، ولما نزل السلطانُ عليهم لم يقدِرْ على الوصول إليهم، ولا إلى عكا، حتى انسلخ رجَب، ثم قاتَلَهم مُستهَلَّ شعبان، فحمل عليهم تقيُّ الدين وأخلوا نصف البلد، وملك تقيُّ الدين مكانهم، والتصق بالبلد، وصار ما أخلَوه بيده، ودخل المسلمونَ البلد، وخرجوا منه، واتَّصَلت الطرق، وزال الحَصرُ عَمَّن فيه، وأدخل صلاحُ الدين إليه من أراد من الرِّجال وما أراد من الذخائر والأموال والسلاحِ وغير ذلك، ثم إن جماعةً مِن العرب بلغهم أن الفرنجَ تَخرُجُ مِن الناحية الأخرى إلى الاحتطابِ وغَيرِه من أشغالِهم، فكَمَنوا لهم في معاطِفِ النهر ونواحيه سادس عشر شعبان، فلما خرج جمعٌ مِن الفرنج على عادتِهم حَمَلَت عليهم العرب، فقتلوهم عن آخِرِهم، وغَنِموا ما كان معهم، وحملوا الرؤوسَ إلى صلاح الدين، أمَّا الوقعة الكبرى على عكا ففي العشرين من شعبان، كل يوم يُغادون القتال مع الفرنج ويروحونه، والفرنجُ لا يَظهَرونَ مِن معسكرهم ولا يفارِقونَه، وكان كثيرٌ من عسكر صلاح الدين غائبًا عنه، وكان هذا مما أطمَعَ الفرنج في الظهورِ إلى قتال المسلمين، فخرج الفرنجُ مِن معسكرهم كأنَّهم الجرادُ المنتَشِر، يدبُّون على وجه الأرض، قد ملؤوها طولًا وعرضًا، وطلبوا ميمنةَ المسلمين وعليها تقيُّ الدين عمر ابن أخي صلاح الدين، فلما رأى الفرنجَ نحوه قاصدين حَذِرَ هو وأصحابه، فتَقَدَّموا إليه، فلما قَرُبوا منه تأخَّرَ عنهم، فلما رأى صلاحُ الدين الحالَ، وهو في القَلبِ، أمَدَّ تقي الدين برجالٍ مِن عنده ليتقَوَّى بهم، وكان عسكَرُ ديار بكر وبعض الشرقيين في جناحِ القلب، فلما رأى الفرنجُ قِلَّةَ الرجال في القلب، وأن كثيرًا منهم قد سار نحوَ الميمنة مَدَدًا لهم، عطفوا على القلب، فحَمَلوا حملة رجل واحد، فاندفعت العساكِرُ بين أيديهم منهزمينَ، وثَبَت بعضهم، ولم يبقَ بين أيديهم في القَلبِ مَن يرُدُّهم، فقصدوا التلَّ الذي عليه خيمةُ صلاح الدين، فقَتَلوا من مَرُّوا به، ونهبوا، وقتلوا عند خيمة صلاح الدين جماعةً، وانحدروا إلى الجانِبِ الآخر من التل، فوضعوا السيفَ فيمن لقوه، وكان من لطف الله تعالى بالمسلمين أنَّ الفرنجَ لم يلقوا خيمةَ صلاح الدين، ولو لَقُوها لَعَلِمَ الناس وصولهم إليها، وانهزم العساكِرُ بين أيديهم، فكانوا انهزموا أجمعون، ثم إن الفرنج نظروا وراءَهم، فرأوا أمدادَهم قد انقَطَعت عنهم، فرجعوا خوفًا أن ينقَطِعوا عن أصحابهم، وكان سَبَبُ انقطاعهم أن الميمنة وقفت مقابلَتَهم، فاحتاج بعضُهم أن يقفَ مُقابِلَها، وحملت ميسرةُ المسلمين على الفرنج، فاشتغل المَدَدُ بقتال من بها عن الاتصالِ بأصحابهم، وعادوا إلى طرفِ خنادِقِهم، فحملت الميسرةُ على الفرنج، الواصلين إلى خيمة صلاح الدين، فصادفوهم وهم راجِعونَ، فقاتلوهم، وثار بهم غلمان العسكر، وكان صلاح الدين لما انهزم القلبُ قد تبعهم يناديهم، ويأمُرُهم بالكَرَّة، ومعاودة القتال، فاجتمع معه منهم جماعةٌ صالحة، فحَمَل بهم على الفرنج من وراء ظهورِهم وهم مشغولون بقتال الميسرة، فأخذتهم سيوفُ اللهِ مِن كلِّ جانب، فلم يُفلِتْ منهم أحد، بل قُتِلَ أكثرهم، وأُخِذَ الباقون أسرى، وأما المنهَزِمون من المسلمين، فمنهم من رجعَ مِن طبرية، ومنهم من جاز الأردن وعاد، ومنهم من بلغ دمشق، أمَّا رحيل صلاح الدين عن الفرنج وتمكُّنُهم من حصر عكا، فلما قتل من الفرنج ذلك العدد الكثير، جافت الأرضُ مِن نتن ريحِهم، وفسد الهواء والجو، وحَدَث للأمزجة فساد، وانحرف مزاجُ صلاح الدين، وحدث له قولنج مُبرح كان يعتاده، فحضر عنده الأمراءُ، وأشاروا عليه بالانتقالِ مِن ذلك الموضع، ووافقهم الأطباءُ على ذلك، فأجابهم إليه فرحلوا إلى الخروبة رابِعَ شهر رمضان، وأمر من بعكا من المسلمين بحِفظِها، وإغلاق أبوابها، والاحتياط، وأعلمَهم بسبب رحيله. ثم وصلت عساكِرُ مِصرَ والأسطول المصري في البَحرِ في منتصف شوال، ومُقَدَّمُها الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب، فلما وصل قَوِيَت نفوس الناس به وبمن معه، واشتَدَّت ظهورهم، وأحضَرَ معه من آلات الحصار، من الدرق والطارقيات والنشاب والأقواس، شيئًا كثيرًا، ومعهم من الرجَّالة الجمُّ الغفير، وجمع صلاحُ الدين من البلاد الشامية راجلًا كثيرًا، وهو على عزمِ الزحف إليهم بالفارِسِ والراجل، ووصَلَ بعده الأسطولُ المصري، ومُقَدَّمه الأمير لؤلؤ، فوصل بغتةً، فوقع على سفينة كبيرة للفرنج، فغَنِمَها، وأخذ منها أموالًا كثيرةً وميرةً عظيمة، فأدخلها إلى عكا، فسَكَنت نفوسُ من بها بوصولِ الأسطول وقَوِيَ جنانُهم.

العام الهجري : 2 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 624
تفاصيل الحدث:

 بعد هَزيمةِ المُشرِكين في بدْرٍ، نَذَر أبو سُفيانَ ألَّا يَمَسَّ رَأسَه ماءٌ من جَنابةٍ حتى يَغزوَ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه ويَنتقِمَ من المسلمين؛ فخَرَج في مِائتَي راكِبٍ من قُريشٍ، ليَبَرَّ بيَمينِه، ووَصَل إلى أطرافِ المَدينةِ لَيلًا، ولَجَأ إلى بني النَّضيرِ، فأتَى حُيَيَّ بنَ أخطَبَ، فضَرَب عليه بابِه، فأبَى أن يَفتَحَ له بابَه وخافَهُ؛ فانصَرَف عنه إلى سَلَّامِ بنِ مِشكَمٍ -وكان سيِّدَ بني النَّضيرِ في زَمانِه ذلك، وصاحِبُ كَنزِهِم- فاستَأذَنَ عليه؛ فأذِنَ له، فضيَّفَه وسَقاهُ خَمرًا، وأخبَرَه من أخبارِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم خَرَج أبو سُفيانَ في عَقِبِ لَيلَتِه حتى أتى أصحابَه، فبَعَث رجالًا من قُرَيشٍ، فأتَوا ناحيةً من المَدينةِ يُقالُ لها: العَريضُ -وادٍ بالمدينةِ-، فأشعَلوا النَّارَ في أشجارِ ونَخيلِ المُسلمين المُثمِرةِ، ووَجَدوا رجلًا من الأنصارِ وحَليفًا له في حَرثٍ لهما، فقَتَلوهما، ثمَّ وَلَّوا مُدبِرين. فبَلَغ ذلك رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فخَرَج في أثَرِهِم يَطلُبُهم في مِائتَينِ من المُهاجِرين والأنصارِ، واستَعمَلَ على المدينةِ أبا لُبابةَ بَشيرَ بنَ عبدِ المُنذِرِ رَضي اللهُ عنه، فجَعَل أبو سُفيانَ وأصحابُه يُلْقون جِرَبَ -أوعيةَ- السَّويقِ -قَمحٍ أو شَعيرٍ يُقلَى ثمَّ يُطحَنُ، فيُتزَوَّدُ به، مَلْتوتًا بماءٍ أو سمنٍ أو عسلٍ-، وهي عامَّةُ أزوادِهِم، يتَخفَّفون منها للنَّجاءِ، حتى بَلغَ رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قَرقَرةَ -القَرقَرُ: الأرضُ المُستَويةُ- الكَدْرِ -ماءٌ لبني سُلَيمٍ، وأصلُ الكُدْرِ: طَيرٌ في ألوانِها كُدْرةٌ، سُمِّيَ المَوضِعُ أو الماءُ به-، ثم انصَرَف راجِعًا إلى المدينةِ، وقد فاتَه أبو سُفيانَ وأصحابُه، وكانت غَيبةُ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خمسةَ أيَّامٍ، فقال المسلمون حينَ رَجَع بهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ الله، أتطمَعُ لنا أن تَكونَ غزوةً؟ قال: "نعم". وتُسمَّى هذه الغَزوةُ أيضًا بـ"غزوةِ السَّويقِ"؛ لأنَّ أكثَرَ ما طَرَح القَومُ مِن أزوادِهِمُ السَّويقُ، فرَجَع المسلمون بسَويقٍ كثيرٍ. وكان ذلك في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّانيةِ من الهجرةِ.

العام الهجري : 800 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1398
تفاصيل الحدث:

ركِبَ السلطان الظاهر برقوق بعد صلاة الظهر يريد المقياسَ من شهر ذي القعدة، وفتح الخليج على العادة، ومعه الأمراء إلا الأمير ألي باي الخازندار؛ فإنه كان قد انقطع في داره أيامًا لمرض نزل به فيما أظهره، وفي باطن أمره أنَّه قصد الفتك بالسلطان؛ فإنه علم أنَّه إذا نزل الخليج يدخل إليه ويعودُه على ما جرت به عادتُه مع الأمراء، فدبَّر اغتَيال السلطان، وأخلى إسطبله وداره من حريمه وأمواله، وأعدَّ قومًا اختارهم لذلك، وكان سبب هذا فيما يظهرُ أن بعض مماليكه المختصِّين به وكان شاد شراب خاناته تعرَّض لجارية من جواري الأمير أقباي الطرنطاي، يريد منها ما يريدُه الرجل من المرأة، وصار بينهما مُشاكلةٌ، فبلغ ذلك أقباي، فقَبَض عليه وضربه ضربًا مبرِّحًا، فحنق ألي باي وشكاه للسلطان فلم يلتفِت إلى قولِه، وأعرض عن ذلك، وكان ألي باي في زعمه أن السلطان يزيل نعمة أقباي لأجله، فغضِبَ من ذلك وحرَّك ما عنده من البغي الكامن، فلما فتح السلطان الخليجَ وركب إلى جهة القلعة اعترضه مملوكٌ من خشداشيته -زملاء عمله- اليلبغاوية، يُعرَف بسودن الأعور، وأسَرَّ إليه أنَّ دارَه التي يسكنها تُشرِفُ على إسطبل الأمير ألي باي، وأنَّه شاهد مماليك ألي باي وقد لبسوا بدلةَ الحرب، ووقفوا عند بوائك الخيل، وستروا البوائِكَ بالأنخاخ لِيَخفى أمرهم، فكتم السلطانُ الخبر، وأمر الأميرَ أرسطاي رأس نوبة أن يتوجَّه إلى دار الأمير ألي باي، ويُعلِمَهم أنَّ السلطانَ يدخل لعيادته، فلما أُعلِمَ بذلك اطمأنُّوا، ووقف أرسطاي على باب ألي باي ينتظر قدوم السلطان، وعندما بعث السلطان أرسطاي أمير الجاويشية بالسكوتِ، وأخذ العصابةَ السلطانية التي تُرفَعُ على رأس السلطان فيُعلَم بها مكانه، يريد بذلك تعميةَ خبرِه، وسار إلى تحت الكبش، وهو تجاه دار ألي باي، والناس من فوقه قد اجتمعوا لرؤية السلطان، فصاحت به امرأةٌ: لا تدخُل؛ فإنهم قد لبسوا آلة القتال، فحرَّك فرسه وأسرع في المشيِ ومعه الأمراء، ومن ورائه المماليكُ، يريد القلعة، وأما ألي باي فإنَّ بابه كان مردودَ الفردتين، وضبته مطرفة ليمنَعَ من يدخل حتى يأتيَ السلطان، فلما أراد اللهُ مَرَّ السلطان حتى تعدَّى بابه، وكان في طريقِه، فلم يعلموا بمروره حتى تجاوزَهم بما دبرَّه من تأخير العصائب وسكوت الجاويشية، وخرج أحد أصحاب ألي باي يريد فتح الضبة فأغلقها، وإلى أن يحضر مفتاح الضبة ويفتح فاتهم السلطان، وصار بينهم وبينه سدٌّ عظيم من الجمدارية، قد ملؤوا الشارع بعرضه، فخرج ألي باي بمن معه لابسين السلاح، وعمدهم نحو الأربعين فارسًا يريد السلطان، وقد ساق ومعه الأمراء حتى دخل باب السلسلة، وامتنع بالإسطبل، فوقف ألي باي تجاه الإسطبل بالرميلة تحت القلعة، ونزل إليه طائفةٌ من المماليك السلطانية لقتاله، فثبت لهم وجُرح جماعة، وقُتِل من السلطانية بيسق المصارِع ثم انهزم ألي باي، وتفرَّق عنه من معه، هذا وقد ارتجَّت مصر والقاهرة، وجفل الناسُ من مدينة مصر، وكانوا بها للفرجة على العادة في يوم الوفاء، وطلبوا مساكِنَهم خوفًا من النهابة، وركب يلبغا المجنون ومعه مماليكه لابسين بدلة القتال يريد القلعة، واختلف الناسُ في السلطان، وأرجفوا بقتله وبفراره، وتباينت الأقوالُ فيه، واشتد الخوفُ وعَظُم الأمر، وبات السلطانُ بالإسطبل، وقد نَهَبت العامة بيت ألي باي وخرَّبوه، ونهبوا دار الأمير يلبغا المجنون وخربوها، وأما ألي باي فإنه لما تفرَّق عنه أصحابه اختفى في مستوقد حمام، فقُبِض عليه، وحُمِل إلى السلطان فقَيَّده وسجنه بقاعة الفضة من القلعة، فلما أصبح نهار الأحد نزع العسكر آلةَ الحرب وتفرَّقوا، وعُصر ألي باي، فلم يُقِرَّ على أحد، وأُحضر يلبغا المجنون فحلف أنه لم يوافقْه، ولا عِلمَ بشيء من خبره، وأنه كان مع الوزير بمصر.

العام الهجري : 1364 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1945
تفاصيل الحدث:

حصلت الكارثة الذَّرِّية بتاريخ 6 آب/ أغسطس عام 1945م عندما أمرت حكومة الرئيس الأمريكي هاري ترومان بإلقاء القنبلة الذرية على اليابان. عندما رفضت اليابان الإنذارَ الأمريكي بالاستسلام غير المشروط، فأغار الطيرانُ الأمريكي على وسط مدينة هيروشيما، وألقى القنبلةَ الذرية المعبَّأة باليورانيوم والتي كانت تزِنُ أكثَرَ 4.5 أطنان من على ارتفاع 1980 قدمًا عند الساعة الثامنة والربع من صباح ذلك اليوم، عندما كان معظم سكان المدينة في الشوارع متَّجِهين لأعمالهم؛ لتتحول المدينة بعد دقائق قليلة إلى كومة من اللهب والرماد، وبمحيط انفجار بلغ 13كم2، وذلك في أكبر تفجير عالمي كان معروفًا حتى ذلك الوقت!! وأسفرت هذه الكارثة عن سقوط نحو 140 ألف قتيل؛ نحو 30 % من عدد السكان، ومثلهم من الجرحى الذين مات معظمُهم لاحقًا متأثرين بالتسمم الإشعاعي الناتج عن التفجير، فيما وصل ارتفاع سحب الدخان الناتج عن الانفجار إلى 1000 متر فوق سطح المدينة، وبعد مرور نحو ساعتين على الانفجار سقطت أمطارٌ سوداء شحمية في أماكِنَ متفرقة من المدينة كانت بفعل اختلاط أبخرة الماء مع المواد المشِعَّة! ورغم إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما رفضت حكومةُ اليابان بقيادة الإمبراطور هيرو هيتو الاستجابةَ للإنذار الذي وجَّهه لها ترومان بالاستسلامِ، فأعطى الأخيرُ أوامره بإلقاء قنبلة أخرى في 9 أغسطس على مدينة ناغازاكي اليابانية بعد ثلاثة أيام من قنبلة هيروشيما؛ حيث شملت هذه الكارثة تدميرَ مساحة 6 كم2، ومقتل نحو 40 ألف ياباني، و70 ألف جريح، وفي النهاية لم تجِدْ طوكيو خيارًا أمامها سوى الاستسلام بعد الخراب الذي لحِقَ بها!! فاستسلمت للحلفاء في 14 أغسطس 1945م، ثم وقَّعَت وثيقة الاستسلام في الثاني من شهر أيلول/ سبتمبر في نفس العام. ولم تقتصر أضرار القنبلة الذرية التي أُلقِيَت على هيروشيما وناغازاكي على وقتِ حدوث الانفجار، بل امتدت إلى سنين طويلة في مستقبل الأجيال؛ بسبب استمرار التأثيرات الضارَّة الناجمة عن التلوُّث الإشعاعي؛ فمن لم يقتل ساعة الانفجار مات بعد ذلك بسبب تأثيرات الإشعاع الضارة التي تشيرُ الدراسات إلى أن تأثيرها مستمِرٌّ حتى اليوم!! وتتسبَّبُ في الإصابة بالسرطان، وإصابة المواليد بعيوب خِلقية. وقد قامت إحدى الجامعات اليابانية بدراسةِ آثار الإشعاع الناجم عن القنبلة، فتبين للباحثين أنَّه بين كل 4 مواليد من أبناء الجيل الأوَّل لضحايا الكارثة يصابُ واحد منهم بعيوب خِلقية، ولا يستطيع أحَدٌ في الوقت الحالي أن يقرِّرَ إلى أي حدٍّ مِن الأجيال سيستمر توارثُ آثارِ الإشعاع، كما أدت الكارثة إلى أضرار كبيرة على البيئة والطبيعة!!

العام الهجري : 1366 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1947
تفاصيل الحدث:

كانت قضيةُ تقسيم الهند بين المسلمين والهندوس قضيةً شائِكةً جِدًّا، وبقيت سنواتٍ عِدَّةً بين أخذ ورد ومقترحات ومشروعات ومفاوضات وتدخلات بريطانية، وما إلى ذلك، وكان من آخِرِها اللجنةُ الوزارية المؤلَّفة من ثلاثة بريطانيين مهمَّتُهم المباحثة مع زعماء الهند، وأجرت المحادثات وادَّعت أن الشعب باستثناء الرابطة الإسلامية يرغَبُ في وحدة الهند، وأنهم سيرون موضوعَ استقلال باكستان، وزعموا أنَّ إقامةَ دولة باكستان لن يحلَّ المشكلة، وإن كان ففي حدود أضيق مما يطالب به الانفصاليون، وقام مجلِسُ الرابطة الإسلامية برَدِّ مقترحات هذه البَعثة الوزارية، والتي من بينها تقسيمُ البنجاب والبنغال، وقامت مظاهراتٌ واشتدت في كلِّ أرجاء الهند، وعَمِلَ الهندوس خلالها على قتلِ كُلِّ من يُنسَب إلى حزب المؤتمر الهندي من المسلمين، وفتكوا بالتجَّار القادمين من دلهي، ثم دُعِيَ الأطراف الممثِّلون عن حزب الرابطة والمؤتمر وطائفة السيخ للسفَرِ إلى لندن للمشاورة، واستمَرَّ النزاع فأعلنت بريطانيا عن خطة جديدة؛ ففي 25 شعبان 1366هـ / 14 تموز قُدِّمَ إلى المجلس النيابي البريطاني قرارُ استقلال الهند مؤلَّفًا من عشرين مادة وثلاثة جداول، ثم حاز القرارُ على التصديق الملكي في 29 شعبان، وجاء فيه: تنشأ اعتبارًا من 27 رمضان 1366هـ / 14 آب دولتانِ مستقلَّتان من طراز الدومنيونات (مستعمرات لها نظام حكم ذاتي واستقلال وحكومة خاصة مع بقائها تحت التاج الملكي البريطاني) في الهند تُعرَفُ إحداهما بالهند، وثانيهما باكستان، وسيكونُ في كل دولة حاكِمٌ يدير الدومنيين، ويتم تعيينُه من قِبَلِ صاحبِ الجلالة، (وتم تعيين محمد علي جناح حاكمًا عامًّا على باكستان)، ثم جرى خلافٌ حول بعض المقاطعات، مثل: جوناكاد (التي أخذها الهنودُ بالقوة العسكرية بمباركة إنجلترا ) وحيدر أباد (التي أيضا أخذها الهنودُ بالقوة العسكرية عام 1367هـ بسكوت إنجلترا وعصبة الأمم) وكشمير (التي ما يزال الخلاف عليها قائمًا إلى اليوم) ونيبال وبوتان وسيلان وسكيم (وهذه مقاطعات لم تدخُلْ ضِمنَ التقسيم، وإنما شَكَّلت دولًا مستقلة، ولكن سكيم انضمت للهند عام 1396هـ) وغوا (احتفظ بها البرتغاليون كميناء تابع لهم) وبونديشيري (احتفظ الفرنسيون بهذا الميناء)، ومن الجدير بالذكر أن هذا التقسيم لم يتمَّ بسهولة؛ فقد عمل الهندوس على تفريغ أكبر قدر من عصبيَّتِهم قبل أن يُفلِتَ المسلمون من أيديهم، فأقاموا الحواجز التي تمنع وصولَ المسلمين وارتكبوا المذابِحَ الشنيعة، وأحرقوا القطارات التي تنقل المسلمين إلى باكستان، حرقوا وسَبَوا ودمَّروا القرى ومحطات السكك، وفعلوا ما تقشعر منه الأبدانُ وخاصَّةً في دهلي والبنجاب الشرقية.