حاول الحلفاءُ إبقاءَ الدولة العثمانية على الحياد بإغرائِها بالقروض المالية، وإلغاء الامتيازات الأجنبية التي كانت قائمةً والتي كانت سببًا في كثير من المشكلات الداخلية، والسماح للبحَّارة الألمان بالعودة إلى ألمانيا، غيرَ أنَّ حكومة الاتحاد والترقي رفضت هذا كلَّه، وألغت الامتيازاتِ الأجنبيةَ بنفسها، وقدَّمت مذكِّرةً للحلفاء تطلب منهم إلغاء الامتيازات الأجنبية، وخروج إنجلترا من مصر، وإعادة الجُزُر في بحر إيجة للدولة العثمانية، ومنع روسيا من التدخُّل في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية.
حاول الحلفاء التأخرَ في رد الجواب، وانقطعت العلاقاتُ. وكانت ألمانيا قد تقدَّمت في الأراضي الفرنسية، ولكنها توقَّفت عند نهر المارن أحد روافد نهر السين الذي يمرُّ من العاصمة باريس، فرأى الألمان يومذاك أن يضغطوا على الدولة العثمانية كي تشتركَ في الحرب إلى جانِبِهم، فعرضوا على الاتحاديين قرضًا ماليًّا بمبلغ خمسة ملايين ليرة ذهبية عثمانية مقابِلَ دخولهم إلى جانبهم، فأمر وزيرُ الحربية أنور باشا الأسطولَ العثماني بالتحَرُّك إلى البحر الأسود وضَرْب مرافئ روسيا على البحر الأسود، فلم يوافِقْ وزير البحرية جمال باشا، وكاد الخلافُ يقع بينهما إلا أن جمال عاد وامتثل لرأي أنور، وخاصةً أن القرض الألماني كان من أهم المغريات له. أعلنت الدولةُ العثمانية دخولَها الحربَ وانضمامَها إلى دول المحور ضِدَّ الحلفاء.كانت السيطرةُ على مقاليد الحكم في الدولة بيد الاتحاديين منذ عزل السلطان عبد الحميد الثاني؛ لذلك كان السلطان العثماني محمد الخامس رشاد ضِدَّ الحرب، ولكِنْ ليس له من الأمر شيءٌ، وأُجبر السلطانُ على قبول الأمر، وأعلن الجهاد الإسلامي ضد دول الحلفاء، لكن هذا الإعلان لم يجد صدًى عند المسلمين لعِلمِهم أنَّ الألمان نصارى مثل أعدائِهم من الحُلُفاء، فكُلُّهم كفَّار، فلم الخوض وإراقةُ دماء المسلمين في خصومةٍ بين الكُفَّار!! واشتعلت نارُ الحرب بين الحلفاء والدولة العثمانية على عِدَّةِ جبهات وقد جمعت الدولة بعد التعبئة نصف مليون جندي تحت السلاح وربع مليون تحت التدريب، والاحتفاظ بمائتي ألف جندي حول العاصمة والدردنيل، وأُرسل إلى فلسطين أربعون ألفًا وأكثر من مئة ألف على شكل قطعات موزعة في سوريا والقوقاز، وهاجم العثمانيون الروسَ مِن ناحية القوقاز لتخفيفِ الضغط عن الألمان غيرَ أنهم فَشِلوا وتراجعوا إلى أرضورم، أما على الجبهة المصرية فأرادت الدولةُ قطع قناة السويس عن إنجلترا، ولكِنْ تأخَّر مسيرُهم إليها بسبب فرار كثيرٍ مِن الجيش الشامي، فاضطر أن يستبدل به آخر من الأناضول؛ ولصعوبة إيصال المدافع إلى سيناء، ولإبقاء قطعات على سواحل الشام للخَوفِ من النصارى الكاثوليك التابعين لفرنسا، وأكثرهم في بيروت، ومن النصارى الأرثوذكس التابعين للروس، وهم متوزِّعون في بلاد الشام، ثم وصلت القوات العثمانية إلى القناة التي كان يحميها الهنودُ، ونَفِدَت الذخيرة العثمانية ولم تستطِعْ فعل شيء، فرجعت لقواعدها في غزة ومعان، وبعد شهرين جرت محاولةٌ أخرى للهجوم، وقاد الألمان العملياتِ ولكِنَّهم فشلوا أيضًا وأُعيدت الكَرَّة بعد ثلاثة أشهر وأيضًا فَشِلت، وأما على صعيد اليمن فكان الهدفُ هو قطع الطريق على الإنجليز إلى الهند ولم تنجح أيضًا، وعلى جبهة الدردنيل فقد كانت محصنةً من البر والبحر، وكانت قواتُ الحلفاء قريبةً من المضيق وقامت القوات العثمانية بالهجومِ عليها، لكنهم فشلوا أيضًا، وأما الإنجليز الذين استطاعوا جرَّ العرب لهم فتحركوا وهاجموا العثمانيين في سيناء وجبل الدروز وبعلبك، وتراجع الجيش العثماني وأصيب بالمجاعة أيضًا، وتقدَّم الإنجليز في فلسطين بقيادة الجنرال اللنبي ودخلوا القدس وأعلن يومها اللنبي صليبيته، فقال: الآن انتهت الحروب الصليبية، ثم قام الإنجليز بالهجوم على نابلس فتراجع الألمان والعثمانيون، ووصل الفيلق العربي بقيادة فيصل بن الحسين بمساعده لورانس الإنجليزي ودخلوا معان ودمشق، فأصبحت بلاد الشام في قبضة فيصل والإنجليز، وأما المعارك على مضيق الدردنيل فكانت متوازيةً، فلم ترجح كفَّة أيٍّ من المعسكرين على الآخر مع بدء ظهور مصطفى كمال ولمعان نجمه في هذه المعارك، ومع انسحاب العثمانيين من الشام والعراق بدأ الضعفُ يظهر عليهم وعلى حلفائهم الألمان إلى أن التقى المسؤولون العثمانيون مع الإنجليز على ظهر الباخرة الإنجليزية أغامنون، ووُضِعَت شروط هدنة مودروس، وأعلنت الدولة استسلامَها، فكان الاتحاديون في أثناء حكمهم القصير قد أضاعوا كلَّ أجزاء الدولة في أوربا؛ حيث استقلت بلغاريا، واحتَلَّت النمسا البوسنةَ والهرسك، وأخذ اليونانيون جزيرةَ كريت، واحتلت إيطاليا بعض جزر البحر المتوسط، وهكذا ضَعُفت الدولة العثمانية، وأصبحت على شفا الهاوية، وازداد ضعفها على ما كانت عليه.
بَعثَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على رأسِ تِسعةِ أشهُرٍ من الهِجرةِ سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ رَضي اللهُ عنه في عِشرين من المُهاجِرين. وقيل: ثَمانيةٍ إلى الخَرَّارِ. وعَقَد له لواءً أبيضَ حَمَلَه المِقدادُ بنُ عَمرٍو رَضي اللهُ عنه. والخَرَّارُ: وادٍ يُتَوَصَّلُ منه إلى الجُحفةِ، وقد عَهِدَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليه ألَّا يُجاوِزَه؛ ليَعتَرِضَ عيرًا لقُريشٍ تَمرُّ بِهِم، فخَرَجوا يَمشون على أقدامِهِم، يَكمُنون النَّهارَ ويَسيرون اللَّيلَ حتى صَبَّحوا المكانَ المَذكورَ في صُبحِ خمسٍ؛ فوَجدوا العِيرَ قد مرَّت بالأمسِ؛ فضَرَبوا راجِعين إلى المدينةِ من غيرِ حربٍ.
وقَعَت حربٌ شديدة بين أذكوتكين بن أساتكين أحدِ قوَّاد التُّرك وبين محمَّد بن زيد العلوي، صاحِبِ طبرستان، ثم سار أذكوتكين من قزوين إلى الريِّ ومعه أربعةُ آلاف فارس، وكان مع محمد بن زيد من الديلم والطبريَّة والخراسانية عالَمٌ كبير، فاقتتلوا فانهزم عسكرُ محمد بن زيد وتفَرَّقوا، وقُتِل منهم ستةُ آلافٍ وأُسِرَ ألفانِ، وغَنِمَ أذكوتكين وعسكَرُه من أثقالِهم وأموالِهم ودوابِّهم شيئًا لم يَرَوا مِثلَه، ودخل أذكوتكين الريَّ فأقام بها وأخذ من أهلِها مائةَ ألفِ ألف دينار، وفرَّقَ عمالَه في أعمالِ الريِّ.
وقعت الفِتنةُ ببغداد بين الأتراكِ والديلم، واشتَدَّ الأمرُ ودام القتال بينهم خمسة أيامٍ، وبهاءُ الدولةِ في داره يراسِلُهم في الصلح، فلم يسمَعوا قَولَه، وقُتِلَ بَعضُ رُسُلِه، ثمَّ إنَّه خرج إلى الأتراك، وحضَرَ القِتالَ معهم، فاشتَدَّ حينئذ الأمرُ، وعَظُمَ الشَّرُّ، ثم إنَّه شرع في الصلح، ورفَقَ بالأتراك، وراسل الديلم، فاستقَرَّ الحال بينهم، وحلَفَ بعضُهم لبعض، وكانت مُدَّة الحرب اثني عشر يومًا، ثمَّ إن الديلم تفَرَّقوا، فمضى فريقٌ بعد فريق، وأخرج بعضَهم، وقَبَض على البعضِ، فضَعُفَ أمرُهم، وقَوِيَت شوكةُ الأتراك، واشتَدَّت حالُهم.
هو زعيمُ القبيلة الذهبية بركة خان بن جوجي بن جنكيز خان في بلاد القفجاق، وهو ابنُ عم هولاكو، وقد أسلم بركة خان وزوجته ججك سنة 655، وكان يحِبُّ العلماء والصالحين ومن أكبَرِ حَسَناتِه كَسرُه لهولاكو وتفريقُ جنوده، وكان يناصِحُ الملكَ الظاهِرَ ويعَظِّمُه ويُكرِمُ رسُلَه إليه، ويُطلِقُ لهم شيئًا كثيرًا، وقد اتَّفَق معه على حربِ هولاكو، في سنة إحدى وستين وقد قام في الملكِ بعده بعضُ أهل بيته وهو منكوتمر بن طغان بن بابو بن تولى بن جنكيزخان، وكان على طريقتِه ومنوالِه، ولله الحمد.
قام عثمانُ بن معمر أمير العيينة بمعاهدة الأمير محمد بن سعود على الحربِ معه، فقاد جيشُ الدرعية ضِدَّ جيش الرياض، وانهزم بعد قتالٍ شديد قُتِل فيه أناس كثيرون، ثم حدثت وقعة أخرى سار فيها عبد العزيز بن محمد بن سعود بأهل الدرعية وضرما، وتولى عثمان بن معمر قيادةَ قوات العُيينة وحريملاء، كما أنه كان الأمير عليهم جميعًا واشتبك مع جيش الرياض في مكان يدعى "الخريزة" قرب الرياض، وكانت النتيجة متكافئة، وتلت ذلك معاركُ كثيرة بين الدرعية والرياض، كان أسلوب الكرِّ والفر ونصْب الكمائن هو الفَنَّ القتاليَّ فيها.
سار الإمام عبد العزيز بجنودِه، وقصد عربان آل مرة في أرض الخرجِ, وكانوا قد اجتمعوا فيها وتأهَّبوا للحرب والقتالِ، فشَنَّ عليهم عبد العزيز غارةً في الصباح الباكر، فتفازع العربان وحصل قتالٌ شديد، وكانت الغارة على العربان في شعبٍ ضَيِّق، فأمسك العربان مدخَلَ الشِّعبِ ولم يكن لعبد العزيز مصدرٌ غيرُه، فوقعت الهزيمةُ على عبد العزيز وألجأهم العُربان إلى عقبة وعرة تسمى مخيريق الصفا، فوقع فيها كثيرٌ مِن الركاب والرجال، وقُتِل منهم خمسون رجلًا، منهم أمير القصيم عبد الله بن حسن.
ثار أهلُ الأفلاق والبغدان رغبةً في تكوين دولةٍ واحدةٍ تشمَلُ الإقليمين مع ترانسلفانيا، ففَرَّ أمير الإقليمين وتشكَّلَت حكومةٌ مؤقَّتةٌ، فأرسلت الدولةُ العثمانية جيشًا بقيادة عمر باشا لإعادةِ الوَضعِ إلى ما كان عليه، وسارعت روسيا واحتَلَّت البغدان والأفلاق، وطردت الحكومةَ المؤقَّتةَ فاحتجت الدولةُ العثمانيةُ على هذا الفِعلِ، وكادت تقَعُ الحربُ بين الطرفين، ثم جرى اتفاق بلطة ليمان قرب استانبول عام 1265هـ ينصُّ على أن يبقى تعيينُ أمراء الإقليمين من حَقِّ الدولة العثمانيةِ، وأن يبقى فيهما جيشٌ عثمانيٌّ روسيٌّ لمدة أربع سنواتٍ حتى يستقِرَّ الوَضعِ.
قامت مجموعةٌ من النساء المصريات بمظاهرةٍ نسائية في ميدان الإسماعيلية منَدِّدةً بالاحتلال الإنجليزي، كان على رأسهن صفية زغلول، وهدى شعراوي؛ حيث إن زوجيهما كانا أبرزَ قادة الوفد المقتَرَح لمفاوضة الحلفاء لتقريرِ مصير مصر بعد الحرب العالمية الأولى، وتجمَّع النسوة أمام ثكنات الجيش الإنجليزي، وهتَفْنَ ضِدَّ الاحتلال. ثم بتدبيرٍ سابقٍ ودون مقدماتٍ ظاهرةٍ خَلَعْنَ الحجابَ، وألقين به في الأرضِ، وسكَبْنَ عليه البترولَ، وأشعَلْنَ فيه النار، وتحرَّرت المرأة -على زعمهم- وكأنَّ خَلْعَ الحجابِ سيُخرج الاستعمارَ، ويُنهي وجودَ الإنجليز بمصر!!! وسمِّي ميدان الإسماعيلية فيما بعد بميدان التحرير!!
كانت موريتانيا محلَّ أطماع الأوروبيين منذ القرن الخامس عشر الميلادي؛ حيث وصلها البرتغال والهولنديون، وأقاموا مراكز تجارية علي سواحلها بغيةَ الحصول علي الصمغ العربي الذي اشتهرت موريتانيا بإنتاجه، وفي القرن (17م) دخل الفرنسيون والإسبان والإنجليز هذا الصراع، فكانت معاركُ وصدامات بين الأوروبيين من أجل السيطرة علي تجارة الصمغ العربي، وقد أطلق على تلك الحروب اسم حروب الصمغ العربي، التي انتهت بسيطرة الفرنسيين على موريتانيا. بعد الحرب العالمية الأولى شعر الفرنسيون أن الوضعَ قد استقَرَّ لهم فعدُّوا موريتانيا جزءًا من إفريقيا الغربية الفرنسية وأصبحت تحت حمايتها.
لَمَّا اندلعت الحرب العالمية الثانية لم تلبث فرنسا كثيرًا حتى انهارت أمامَ ألمانيا وقامت حكومةُ فيشي برئاسة الجنرال بيتان الذي وقَّع الهدنة مع الألمان، وكان مواليًا لهم، وتَبِعَت المغرب حكومةَ فيشي، إلَّا أن السلطان كان بجانب ألمانيا كُرهًا لدول الحلفاء، ثم استطاعت قوات الحلفاء أن تنزل بالمغرب في 11 ذي القعدة 1362هـ / 8 نوفمبر وخرج منها أتباع حكومة فيشي، علمًا أن أسبانيا خلال هذه الفترة احتلت طنجة وسمحت للألمان بالتدريب في المنطقة المراكشية الخاضعة لنفوذها، وقامت مظاهرات تطالِبُ الحكومة باحتلال المحمية الفرنسية من مراكش.
عندما أعْيَت المقاومةُ الشيشانيةُ القواتِ الروسيةَ، لجأ الرئيس الروسي بوريس يلتسين إلى جنراله ألكسندر ليبيد من أجْلِ التوصُّلِ لتسويةٍ سياسيةٍ، تُنْهي عَجَلة الحرب هناك بأقلِّ خسائرَ ممكنةٍ، ففي يوم 31 أغسطس 1996م، وبعد مفاوضاتٍ معَ ألكسندر ليبيد، سكرتير مجلس الأمن الروسي السابق، وقَّع أصلان مسخادوف ما يُعرف باتفاقياتِ "خسف يورت"، التي كان يُفترَض أنْ توقِفَ القتالَ ضدَّ القوات الروسية، وتَبِعَت ذلك اتفاقيةٌ على المبادئ المنظِّمة للعلاقات بين جمهورية روسيا الاتحادية، وجمهورية الشيشان، وقَّعَها مسخادوف يوم 23 نوفمبر 1996م.
لَمَّا توجَّه خالِدُ مِن ذي القصَّةِ وفارقه الصِّدِّيقُ، واعَدَه أنَّه سيلقاه من ناحيةِ خيبَرَ بمَن معه من الأمراءِ، وأظهروا ذلك ليُرعِبوا الأعرابَ، وأمَرَه أن يذهَبَ أوَّلًا إلى طليحةَ الأسديِّ، ثمَّ يذهَبَ بعده إلى بني تميمٍ، وكان طليحةُ بنُ خُوَيلدٍ في قَومِه بني أسَدٍ، وفي غَطفانَ، وانضَمَّ إليهم بنو عبسٍ وذبيان، وبَعَث إلى بني جديلةَ والغوثِ وطَيِّئ يستدعيهم إليه، وجَعَل خالدُ بن الوليدِ يتأتَّى بطُلَيحةَ ويُرسِلُ إليه الرُّسُلَ ويحَذِّرُه سَفْكَ دماءِ أصحابِه، وطُلَيحةُ يأبى ذلك ووَلَج في طغيانِه، فعندها عزَمَ خالدٌ على حربِه، ووقَفَت أحياءٌ كثيرةٌ من الأعرابِ ينظُرونَ على من تكونُ الدَّائِرةُ، وجاء طُلَيحةُ فيمن معه من قَومِه ومن التَفَّ معهم وانضاف إليهم، وانهزم النَّاسُ عن طُلَيحةَ، فلمَّا جاءه المسلمون ركب على فرسٍ كان قد أعَدَّها له، وأركَبَ امرأتَه النوارَ على بعيرٍ له، ثم َّانهزم بها إلى الشَّامِ، وتفَرَّقَ جمعُه، وقد قَتَل اللهُ طائفةً ممَّن كان معه، وقد كان طُلَيحةُ الأسديُّ ارتَدَّ في حياةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا مات رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام بمؤازرتِه عُيَينةُ بنُ حِصنٍ بعد أن ارتَدَّ عن الإسلامِ، وأسَرَ خالِدٌ عُيَينةَ بنَ حِصنٍ، وبعث به إلى المدينةِ مجموعةً يداه إلى عنُقِه، فدخل المدينةَ وهو كذلك، فجعل الوِلدانُ والغلمانُ يَطعَنونَه بأيديهم، ويقولون: أيْ عَدُوَّ اللهِ، ارتدَدْتَ عن الإسلامِ؟ فيقولُ: واللهِ ما كنتُ آمنتُ قطُّ! فلمَّا وقف بين يَدَيِ الصِّدِّيق ِاستتابه وحَقَن دَمَه، ثمَّ حَسُنَ إسلامُه بعد ذلك، وأمَّا طُلَيحةُ فإنَّه راجَعَ الإسلامَ بعد ذلك أيضًا، وذهب إلى مكَّةَ مُعتَمِرًا أيَّامَ الصِّدِّيقِ، واستحيا أن يواجِهَه مدَّةَ حياتِه، وقد رَجَع فشَهِدَ القِتالَ مع خالدٍ، وكَتَب الصِّدِّيقُ إلى خالدٍ: أنِ استَشِرْه في الحربِ ولا تُؤَمِّرْه.
لَمَّا فعل الرُّومُ ما فعلوا بأهلِ زبطرة وغيرِها، وكانت فِتنةُ بابك قد انتهت، سار المعتَصِمُ بجَيشِه قاصدًا فتحَ عَمُّوريَّة؛ إذ كانت تعَدُّ من أقوى مُدُنِ الروم، بل ربما كانت بمكانةِ القُسطنطينيَّة، فكان أوَّلَ الأمرِ أن التقى الأفشينُ مع الروم وهَزَمَهم شَرَّ هزيمةٍ، ثم سار المعتَصِمُ والأفشين وأشنان، كلٌّ على رأس جيشٍ، متوجِّهينَ إلى عمُّورية وكانت حصينةً ذاتَ سورٍ منيعٍ وأبراجٍ تحَصَّنَ أهلُها فيها، فنصَبَ المنجنيقَ وهدَمَ السُّورَ مِن جهةٍ كانت ضعيفةً دلَّهم عليها أحدُ الأسرى، فبعث نائِبُ البلد لمَلِك الروم كتابًا يُعلِمُه بالأمرِ، ولكن الكتابَ لم يَصِلْ حيث قُبِضَ على الغلامينِ اللذين كان معهما الكتابُ، ثم زاد الضربُ بالمنجنيق حتى انهدم ذلك الجزءُ، لكنه لا يزالُ صَغيرًا على دخولِ الجَيشِ، ثمَّ إنَّ الموكَّلَ بحِفظِ ذلك البرجِ مِن الروم لم يستَطِع الصمودَ، فنزل للقتال ولم يعاوِنْه أحدٌ من الروم, فأمر المعتَصِمُ المسلمين أن يدخلوا البلدَ مِن تلك الثغرةِ التي قد خلت من المقاتِلة، فركب المسلِمونَ نَحوَها، فجَعَلَت الرومُ يُشيرون إليهم ولا يَقدِرونَ على دفاعِهم، فلم يلتَفِت إليهم المُسلِمون، ثم تكاثروا عليهم ودخَلوا البلد قهرًا، وتتابع المسلمونَ إليها يكَبِّرونَ، وتفَرَّقَت الرومُ عن أماكِنِها، فجعل المسلِمونَ يَقتُلونهم في كلِّ مكانٍ حيث وجدوهم، وقد حَشَروهم في كنيسةٍ لهم هائلةٍ ففتحوها قَسرًا وقتلوا من فيها وأحرقوا عليهم بابَ الكنيسةِ، فاحتَرَقت فأُحرِقوا عن آخِرِهم، ولم يبقَ فيها موضِعٌ محصَّنٌ سوى المكانِ الذي فيه نائب عمورية إلى ملك الروم واسمه مناطس في، ثم أُنزِلَ مُهانًا وأَخَذَ المسلمونَ من عمُّورية أموالًا لا تحَدُّ ولا تُوصَفُ، فحَمَلوا منها ما أمكن حمْلُه، وأمر المعتَصِمُ بإحراقِ ما بقيَ من ذلك، وبإحراقِ ما هنالك من المجانيقِ والدبَّابات وآلات الحربِ؛ لئلَّا يتقوَّى بها الرومُ على شيءٍ مِن حربِ المسلمين، ثم انصرف المعتَصِمُ راجعًا إلى ناحية طرسوس.
هو الإمامُ العلَّامةُ الحافِظُ الفقيهُ، شيخ الحنابلةِ وعالِمُهم، أبو بكر أحمدُ بنُ محمَّد بن هارون بن يزيد البغدادي المعروفُ بالخَلَّال. ولِدَ سنة 234، أو في التي تليها، ويجوز أن يكون رأى الإمامَ أحمد، ولكنَّه أخذ الفقهَ عن خلقٍ كثيرٍ مِن أصحابه، رحل إلى فارس وإلى الشَّام والجزيرةِ يتطلَّبُ فِقهَ الإمامِ أحمدَ وفتاويَه وأجوبتَه، وكتب عن الكِبارِ والصِّغارِ، حتى كتب عن تلامذتِه، ثمَّ إنَّه صَنَّف كتابَ "الجامِع في الفقه" من كلام الإمام. قال الخطيب: "جمعَ الخَلَّالُ علومَ أحمدَ وتطَلَّبَها، وسافر لأجلِها، وكَتَبَها، وصنَّفَها كُتبًا، لم يكن فيمن ينتحِلُ مذهب أحمد أحدٌ أجمَعُ لذلك منه". له التصانيفُ الدائرة والكتُب السائرة، من ذلك الجامِعُ، والعِلَل، والسُّنَّة، والعِلم، والطبقات، وتفسير الغريب، والأدب، وأخلاق أحمد، وغير ذلك. سمع مِن الحسَنِ بنِ عَرَفةَ، وسعدانَ بنِ نصر، ومحمد بن عوف الحمصي وطبقته، وصحِبَ أبا بكر المروذي إلى أن مات، وسمع جماعةً من أصحاب الإمام أحمد، منهم صالح وعبدالله ابناه، وإبراهيم الحربي، والميموني، وبدر المغازلي، وأبو يحيى الناقد، وحنبل، والقاضي البرني، وحرب الكرماني، وأبو زرعة، وخَلقٌ سواهم سمع منهم مسائِلَ أحمدَ، ورحل إلى أقاصي البلاد في جَمعِها وسماعِها ممَّن سَمِعَها من الإمامِ أحمد وممن سَمِعَها ممَّن سَمِعَها منه، وشَهِدَ له شيوخُ المذهبِ بالفَضلِ والتقَدُّم، حدَّث عنه جماعةٌ منهم أبو بكر عبدالعزيز، ومحمد بن المظفر، ومحمد بن يوسف الصيرفي، وكانت له حلقة بجامع المهدي، ومات يوم الجمعة لليلتين خلتا من شهر ربيعٍ الآخر.