هو السلطان أحمد العباس بن أبي مروان عبد الملك، ملك السعديين في المغرب الأقصى، قتله أخوه، ويعتبر هو آخر الملوك السعديين فرع الحسنيين، وكان من أسباب نهاية هذا الفرع من السعديين الأشراف تنافس الأمراء على الحكم والاستعانة بخصوم الدولة سواء الأسبان والبرتغال أو الأتراك. وبدأت بعد عهد الأشراف دولة العلويين في مراكش بزعامة الرشيد بن محمد.
هو الصدر الأعظم محمد علي باشا كوبريلي، وهو أشهر رئيس وزراء للدولة العثمانية في أدرنة, وعلى الرغم من كبر سنه كان قوي الشخصية والإرادة، عظيم الهمة، يميل إلى الشدة والترهيب فيما يتصل بأمن الدولة وسلطانها، فانتظمت أمور الدولة الداخلية، وضرب على أيدي الانكشارية وأعادهم إلى احترام النظام والانشغال بعملهم، ومنعهم من التدخل فيما لا يعنيهم من شؤون السياسة. وفي الوقت نفسه حقق للدولة بعض الانتصارات الخارجية، فهزم البنادقةَ وأخذ منهم جزيرة لمنوس وجزرًا أخرى. وكان البنادقة قد استولوا على هذه الجزر واحتلوا مدخل مضيق الدردنيل، وفرضوا حصارًا بحريًّا على الدولة، ومنعوا دخول المُؤَن والغذاء إلى إستانبول، ولولا نجاح الصدر الأعظم كوبريلي محمد في فك هذا الحصار لتعرضت الدولة إلى خطر فادح. توفي عن عمر يناهز 83 عامًا، وبعد فترة رئاسة استمرت 5 سنوات، وخلفه في الوزارة ابنه زاده فاضل أحمد باشا كوبريلي.
بوفاة الصدر الأعظم "أحمد كوبريلي" العام الماضي ضعف النظام العثماني، وتمكنت دول أوربا خلال السنوات القادمة من تحقيق انتصارات على الدولة العثمانية, فهاجمت النمسا بلاد المجر، واغتصبت قلعة نوهزل ومدينة بست ومدينة بودا، وأغار ملك بولونيا على ولاية البغدان، وأغارت سفن البندقية على سواحل المورة واليونان، واحتلت أثينا وكورنثة عام 1097هـ وغيرها من المدن. وتذكر كتب التاريخ أن العلماء ورجال الدولة بسبب هذا التدهور قد اتَّفقوا على عزل السلطان محمد الرابع فعُزِل عام 1099هـ.
كان الصدر الأعظم محمد كوبريلي الذي توفي عام 1072هـ أعاد للدولة العثمانية هيبتها، ولما خلفه ابنه أحمد سار سيرةَ أبيه، فرفض الصلحَ مع النمسا والبندقية وسار على رأس جيش لقتال النمسا، وتمكن من أن يفتح أعظم قلعة في النمسا وهي قلعة نوهزل شرقي فيينا، ومع أن هذه القلعة كانت مشهورة في جميع أوروبا بالمناعة وعدم إمكان أي أحد التغلب عليها وفتحها، فقد اضطر كوبريلي أحمد باشا حاميتَها إلى التسليم بشرط خروج من بها من الجنود بدون أن يمسهم ضرر، تاركين ما بها من الأسلحة والذخائر، وأخلوها فعلًا في 25 صفر سنة 1074 بعد البدء في حصارها بستة أسابيع؛ ولذلك اضطربت أوربا بأجمعها لهول هذا الخبر الذي دوَّى في آذان ملوك أوربا ووزرائها، وكان هذا الفتح المبين أشد تأثيرًا على ليوبولد إمبراطور النمسا أكثر من غيره؛ لدخول الجيوش العثمانية في بلاده وانتشارها في إقليمي مورافيا وسيليزيا فاتحين غازين حتى خُيِّل له أن السلطان سليمان القانوني قد بُعث من جديد لفتح عاصمة دولته!!
تمكن العثمانيون من الاستيلاء على قلعة "أويفار" الواقعة شمال غرب بودابست بعد 37 يومًا من الحصار. وقد كانت القلعة خاضعة للألمان، وتعدُّ أقوى وأحصن قلاع أوربا، وكان الاستيلاء عليها فاتحةً لاستسلام 30 قلعة ألمانية للدولة العثمانية!
كان وجود الأشراف في المغرب قديمًا, لكن لم يتسنَّ لهم تسلم القيادة إلا في هذه الفترة التي مثَّل الشرفاء فيها سلالة السعديين، والتي جاءت من الجزيرة العربية أواخر القرن الثامن الهجري، وأول من وصل العرش منهم هو محمد المهدي القائم بأمر الله بن عبد الرحمن بن علي، وهو الذي أخرج الوطاسيين نهائيًّا من فاس، ومن جهة أخرى لم تنقطع الهجمات الصليبية من البرتغال والأسبان على السواحل، ومع ذلك استطاع السعديون الحسنيون أن ينشروا نفوذهم في جميع أنحاء المغرب مانعين العثمانيين من مدِّ نفوذهم إليها، ثم إن أمر الأسرة بدأ يضمحل، وخاصة بعد وفاة أحمد العباس بن عبد الملك سنة 1064هـ وكان هناك فرع آخر في المغرب من الأسرة نفسها أعلن دعواه في العرش، ثم إن ولدي محمد الثاني بن محمد الشريف، وهما الرشيد وأبو النصر إسماعيل، أنقذا المغرب من الفوضى وأعاد ثانيهما على الأخص سلطة الشرفاء إلى جميع البلاد بعد أن قضى على سلطات الحكام الصغار وعلى تمردات البربر.
بعد استيلاء العثمانيين على قلعة نوهزل النمساوية، وسَّطَ ليوبولد إمبراطورُ النمسا البابا إسكندرَ السابِعَ في طلبه المساعدة له من ملك فرنسا- الذي كان قد عرض على ليوبولد قبل حصار العثمانيين لقلعة نوهزل إمدادَه بأربعين ألفًا من الألمان المحالفين له، فأبى خوفًا من إظهار الضعف- فسعى البابا جهدَه لدى ملك فرنسا حتى قَبِلَ بإرساله ستة آلاف جندي فرنساوي وأربعة وعشرين ألفًا من محالفيه الألمان، وانضم هذا الجيش إلى الجيش النمساوي تحت قيادة الكونت دي كوليني، وابتدأت المناوشات بين الجيشين المتحاربين، فقُتل الكونت دي القائد العام النمساوي، وخلفَه القائدُ مونت كوكوللي، وكان قد انضم إلى الجيش الفرنساوي عدد عظيم من شبان الأشراف, وفي بداية القتال كان النصر حليفًا للعثمانيين فاحتل كوبريلي أحمد باشا مدينة سرنوار وعسكر على شاطئ نهر يقال له نهر راب والأعداء معسكرون أمامه، وبعد أن حاول كوبريلي عبور النهر صده الجيش النمساوي الفرنساوي, فجمع كل قواه في يوم 8 محرم سنة 1075 وعبر النهر عنوة وانتصر على قلب جيش العدو، ولولا تدخل الفرنساويين وخصوصًا الأشراف منهم، لتم النصر للعثمانيين, وانتهى اليوم بدون انتصار تام لأحد الفريقين؛ فإن العثمانيين حافظوا على مراكزهم بدون تقدم للأمام، وسميت هذه الواقعة بواقعة سان جوتار نسبة لكنيسة قديمة حصلت الحرب بالقرب منها، وبعد تبادل المخابرات بين الطرفين توصلا للصلح وأُبرمت معاهدة بينهما أهم ما نصت عليه إخلاء الجيش العثماني لإقليم ترنسلفانيا وتعيين أبافي حاكمًا عليها تحت سيادة الدولة العثمانية، وتقسيم بلاد المجر بين الدولتين بأن يكون للنمسا ثلاث ولايات، وللباب العالي أربعة، مع بقاء حصني نوفيجراد ونوهزل تابعين للدولة العلية العثمانية!