الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2508 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 800 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1398
تفاصيل الحدث:

لما أحرز العثمانيون الانتصاراتِ العديدةَ في المُدَد القصيرة، خاف ملوك أوروبا وخاصة ملك المجر الذي استغاث بالبابا والملوك، فأعلنها البابا حربًا صليبية دعا إليها الملوكَ؛ فاستجاب دوق بورغونيا شرق فرنسا، وأمراء النمسا وبافاريا قرب ألمانيا، وفرسان القديس يوحنا الذين كانوا يومها بمالطة، فسار الجميع يقودُهم ملك المجر "سيجموند الأول"، وبلغ قوامهم 120 ألف جندي مجتازين نهر الدانوب، وحاصروا مدينة نيكوبلي شمالي بلغاريا، وفاجأهم الجيش العثماني بقيادة السلطان بايزيد الأول ومعه مائتا ألف مقاتل، ومعه أيضًا أمير الصرب اصطفان بن لازار، ومعه كثير من الشعوب النصرانية الخاضعة للحماية العثمانية، فكان اللقاءُ بين الجيشين يوم 23 ذي القعدة سنة 800 (27 سبتمبر سنة 1396)، وقاتلهم قتالًا عنيفًا كانت نتيجتها انتصار العثمانيين على الجيوش المتألِّبة عليهم، وأسر كثير من أشراف فرنسا، منهم الكونت دي نيفر نفسه، وقُتِل أغلبهم وأُطلِقَ سراح الباقي، والكونت دي نيفر بعد دفع فداء اتُّفِق على مقداره. ويُقال إن السلطان بايزيد لما أطلق سراح الكونت دي نيفر وكان قد ألزم بالقَسَم على ألا يعود لمحاربته قال له: إني أجيز لك ألَّا تحفظ هذا اليمين؛ فأنت في حِلٍّ من الرجوع لمحاربتي؛ إذ لا شيء أحب إلي من محاربة جميع مسيحيي أوروبا والانتصار عليهم!! هذا وقد شدَّد الحصار بعد ذلك على مدينة القسطنطينية، ولولا إغارة تيمورلنك المغولي على بلاد آسيا الصغرى لتمكَّن السلطان بايزيد من فتحها، لكن الأمور مرهونة بأوقاتها، فاكتفى بإبرام الصلح مع ملكها هذه المرة بشرط دفع عشرة آلاف ذهب سنويًّا من عملة وقتها، وأن يجيز للمسلمين أن يبنوا بها جامعًا لإقامة شعائر الدين الحنيف، وأن تُقام لهم محكمة شرعية للنظر في قضايا المستوطِنين بها منهم.

العام الهجري : 816 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1413
تفاصيل الحدث:

قَدِمَ إلى أرض عجلون شخص يُسمَّى عثمان بن أحمد بن عثمان بن محمود بن محمد بن علي بن فضل بن ربيعة، يعرف بابن ثقالة، من فقهاء دمشق، وادعى أنه السفياني، وظهر بقرية الجيدور وحلَّف أهل البلاد وأقطع الإقطاعات، وأمَّر عدة من الناس، وقال: أنا السلطان الملك الأعظم السفياني، فاجتمع عليه خلق كثير؛ من عرب وترك وعشير، بألوية خضر إلى وادي إلياس من جبل عوف بمعاملة عجلون، وبثَّ كتُبَه، ووقَّع عليها تحت البسملة السفياني، ونصها: إلى حضرة فلان أن يجمع فرسان هذه الدولة السلطانية، الملكية، الإمامية، الأعظمية، الربانية، المحمدية، السفيانية، أعلاها الله تعالى وشرَّفها، وأنفذها في الآفاق، وصرَّفها، ويحضروا بخيلهم ورجالهم وعددهم، مهاجرين إلى الله ورسوله، ومجاهدين في سبيل الله تعالى، ومقاتلين؛ لتكون كلمة الله هي العليا، والاعتماد على العلامة الشريفة أعلاه أعلاها الله تعالى. ثم دخل أرض عجلون في تاسع ربيع أول، بعسكر كبير، فيه سلاح دارية، وطبر دارية، فأقطع الإقطاعات، وكتب على القصص، يكتب كما يكتب السلطان، فقَبَّل الناس الأرض بين يديه في ساعة واحدة، وهم زيادة على خمسمائة رجل، في وقتٍ واحد معًا، وخُطِب له على منبر عجلون، فقيل: السلطان الملك الأعظم السفياني، ونادى ببلاد عجلون أن مغلَّ هذه السنة يسامح به الناس فلا يؤخذُ منهم منه، وفيما بعدها يؤخَذُ منهم العشر فقط، ويترك أخذ الخراج وأخذ المكس، فإن حكم التركِ قد بَطَل، ولم يبقَ إلا حكم أولاد الناس، فثار عند ذلك غانم الغزاوي به، وجهز إليه طائفة طرقوه وهو بالجامع وقاتلوه، وقبضوا عليه، وعلى ثلاثة من أصحابه، بعدما ركب وقاتلهم، فاعتُقل الأربعة بقلعة عجلون، وكتب بالخبر إلى السلطان، فنقله إلى قلعه صفد، واعتقله بها.

العام الهجري : 436 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1044
تفاصيل الحدث:

هو أبو القاسِمِ عليُّ بنُ الحُسَين بن موسى بن محمد بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الشَّريفُ الموسويُّ، المُلَقَّب بالمرتضى، ذي المجدين، كان نقيبَ الطالبيِّينَ وكان إمامًا في عِلمِ الكلامِ والأدبِ وجيد الشعر. وُلِدَ سنة 355, وكان أكبَرَ مِن أخيه ذي الحَسَبين الشريف الرضي، كان على مذهَبِ الإماميَّةِ والاعتزال، يُناظِرُ على ذلك، وكان يُناظِرُ عنده في كل المذاهب، وله تصانيفُ في التشيُّعِ، أصولًا وفروعًا. قال الذهبي عنه: " هو جامِعُ كتاب "نهج البلاغة"، المنسوبةِ ألفاظُه إلى عليِّ بنِ أبي طالب ولا أسانيدَ لذلك، وبعضُها باطِلٌ، وفيه حَقٌّ ولكِنَّ فيه موضوعاتٍ حاشا الإمامَ مِن النطق بها، ولكنْ أين المُنصِفُ?! وقيل: بل جَمْعُ أخيه الشَّريف الرضي, ثم قال: وكان من الأذكياءِ الأولياءِ المتبَحِّرينَ في الكلامِ والاعتزالِ، والأدبِ والشِّعرِ، لكنَّه إماميٌّ جَلْدٌ. نسأل الله العفو.". قال ابن كثير: "وقد نقل ابنُ الجوزي أشياءَ مِن تفرُّداتِه في التشَيُّع، فمِن ذلك أنَّه لا يصِحُّ السجودُ إلَّا على الأرضِ أو ما كان مِن جِنسِها، وأنَّ الاستجمارَ إنمَّا يُجزِئُ في الغائطِ لا في البولِ، وأنَّ الكتابيَّاتِ حَرامٌ، وكذا ذبائِحُ أهل الكتاب، وأنَّ المرأة إذا جَزَّت شَعْرَها يجب عليها كَفَّارة قتل الخطأ، وغير ذلك كثيرٌ، وأعجَبُ منها ذَمُّ الصحابةِ رَضِيَ الله عنهم، ثمَّ سَرَدَ من كلامِه شيئًا قبيحًا في تكفيرِ عُمَرَ بنِ الخطاب وعثمانَ وعائشة وحفصة رضي الله عنهم". قال ابنُ حزم: الإماميَّةُ كلُّهم على أنَّ القُرآنَ مُبَدَّلٌ، وفيه زيادةٌ ونَقصٌ سوى المرتضى، فإنَّه كفَّرَ مَن قال ذلك. قال الذهبيُّ مُعَلِّقًا على كلامِ ابنِ حزم، قلتُ: وفي تواليفِه سَبُّ أصحاب رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنعوذُ باللهِ مِن عِلمٍ لا ينفَعُ". ولم يتكَلَّمْ فيه وفي أخيه الرضي كثيرٌ مِن المؤرخين رعايةً لِشَرَفِ نَسَبِهم، وإلَّا فإنهم كانوا على مذهَبِ الرَّفضِ والاعتزال، توفِّيَ في يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول.

العام الهجري : 669 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1271
تفاصيل الحدث:

هو أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن سبعين، القرشي، المخزومي، بن قطب الدين المقدسي  الصوفي الرقوطي، نسبة إلى رقوطة بلدة قريبة من مرسية بالأندلس. المشهور بابن سبعين، ولِدَ سنة أربع عشرة وستمائة، واشتغل بعلم الأوائل والفلسفة، فتولَّدَ له من ذلك نوع من الإلحاد، وصنَّفَ فيه، وكان يعرف السيميا، وكان يلَبِّسُ بذلك على الأغبياء من الأمراء والأغنياء، ويزعُمُ أنه حال من أحوال القوم، وله المصنفات منها كتاب البدوي، وكتاب الهو، رسالة النصيحة النورية، عهد ابن سبعين، الإحاطة، الرسالة الفقيرية، الحكم والمواعظ، الرسالة القبرصية,  وقد أقام بمكة واستحوذ على عقل صاحبها أبي نمي بن أبي سعد. وشاع صيتُه وكثر أتباعه بين أهل مكة بسبب سخائه وعِلمِه، وقد ظل ابن سبعين في مكَّة حتى توفي به، وجاور في بعض الأوقاتِ بغار حراء يرتجي فيما يُنقَلُ عنه أن يأتيه فيه وحيٌ، كما أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم!! بناء على ما يعتقده من العقيدة الفاسدة من أن النبوة مكتسبة، وأنها فيض يفيض على العقل إذا صفا، فما حصل له إلا الخزي في الدنيا والآخرة، إن كان مات على ذلك, وقد كان إذا رأى ابن سبعين الطائفينَ حول البيت يقول عنهم كأنهم الحميرُ حول المدار، وأنهم لو طافوا به كان أفضَلَ من طوافهم بالبيتِ، وقد نُقِلَت عنه عظائم من الأقوال والأفعال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فصار بعضُهم يرى أن باب النبوة مفتوح لا يمكن إغلاقُه فيقول كما كان ابن سبعين يقول: "لقد زرَّب ابن آمنة حيث قال: لا نبي بعدي" أو يرى لكونه أشد تعظيمًا للشريعة أن باب النبوة قد أغلق فيدعي أن الولاية أعظم من النبوة، وأن خاتم الأولياء أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن خاتم الأنبياء بل وجميع الأنبياء إنما يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء!! ويقول إنه يوافق النبي في معرفة الشريعة العملية؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه فلا بد أن يراه هكذا، وإنه أعلم من النبي بالحقائق العلمية؛ لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول!! وهذا بناء على أصول هؤلاء الفلاسفة الكفار الذين هم أكفر من اليهود والنصارى". وقال شيخ الإسلام: "ابن سبعين أحد أئمة الاتحادية ومحققيهم وأذكيائهم، أنه قال عن كلام ابن عربي:  "فلسفة مخموجة" وكلامه هو أدخل في الفلسفة وأبعد عن الإسلام، ولا ريب أن هؤلاء من جنس الملاحدة الباطنية القرامطة، وهؤلاء الفلاسفة مشتركون في الضلال ومذاهب هؤلاء الفلاسفة في الإلهيات من أشد المذاهب اضطرابًا وتناقضًا وقولًا لا حقيقة له، فلما كان مذهبهم المقارنة التي هي في الحقيقة تعطيل الصنع والخلق والإبداع وإن كانوا يدَّعون أنهم يثبتون واجبًا غير العالم، فهذا دعواهم، وإلا ففي الحقيقة يلزمهم ألا يكون ثَمَّ واجِبُ الوجود غير العالم، وهذا حقيقة قول الاتحادية وهو الذي أظهره إمام هؤلاء فرعون؛ فإن الاتحادية تنتحله وتعظمه والباطنية تنتحله وتعظمه وهو على مقتضى أصول الفلاسفة الصابئة المشركين الذين هم من أعظم الناس إيمانًا بالجبت والطاغوت" قال الذهبي: "كان ابن سبعين صوفيًّا على قاعدة زهاد الفلاسفة وتصوفهم، وله كلام كثير في العرفان على طريق الاتحاد والزندقة, وقد ذكرنا محط هؤلاء الجنس في ترجمة " ابن الفارض "، و " ابن العربي " وغيرهما. فيا حسرة على العباد كيف لا يغضبون لله تعالى ولا يقومون في الذبِّ عن معبودهم، تبارك اسمُه وتقدست في ذاته، عن أن يمتزج بخَلقِه أو يحِلَّ فيهم, وتعالى الله عن أن يكون هو عينَ السموات والأرض وما بينهما, فإن هذا الكلام شر من مقالة من قال بقدم العالم، ومن عرف هؤلاء الباطنية عذرني، أو هو زنديق مبطن للاتحاد يذب عن الاتحادية والحلولية، ومن لم يعرفهم فالله يثيبه على حسن قصده. وينبغي للمرء أن يكون غضَبُه لربه إذا انتُهِكَت حرماته أكثَرَ من غضبه لفقير غير معصوم من الزَّلَل. فكيف بفقير يحتمل أن يكون في الباطن كافرًا، مع أنا لا نشهد على أعيان هؤلاء بإيمان ولا كفر لجواز توبتهم قبل الموت. وأمرهم مُشكِل وحسابُهم على الله, وأما مقالاتهم فلا ريب في أنها شر من الشرك، فيا أخي ويا حبيبي أعطِ القوس باريَها ودعني ومعرفتي بذلك، فإنني أخاف الله أن يعذبني على سكوتي، كما أخاف أن يعذبني على الكلام في أوليائه. وأنا لو قلت لرجل مسلم: يا كافر، لقد بؤتُ بالكفر، فكيف لو قلتُه لرجل صالح أو ولي لله تعالى؟ "  توفي ابن سبعين في الثامن والعشرين من شوال بمكة.

العام الهجري : 8 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 629
تفاصيل الحدث:

بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً في ثلاثةِ آلافِ مُقاتلٍ على الجيشِ زيدُ بنُ حارثةَ، فإن أُصيبَ فجَعفرُ بنُ أبي طالبٍ، فإنْ أُصيبَ فعبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ، وشَيَّعهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ووَدَّعهُم، ثمَّ انْصرَف ونهَضوا، فلمَّا بلغوا مَعانَ مِن أرضِ الشَّامِ، أَتاهُم الخبرُ: أنَّ هِرقلَ مَلِكَ الرُّومِ قد نزل أرضَ بني مآبٍ، -أرضَ البَلقاءِ- في مائةِ ألفٍ مِنَ الرُّومِ، ومائةِ ألفٍ أُخرى مِن نَصارى أهلِ الشَّامِ، فأقام المسلمون في مَعانَ لَيلتينِ، يتَشاوَرون في أمرِ اللِّقاءِ بِعَدُوِّهِم البالغِ مِائتي ألفٍ فقالوا: نَكتُب إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم نُخبِرُهُ بعَددِ عَدُوِّنا، فيَأمُرنا بأَمرِهِ أو يُمِدُّنا. فقال عبدُ الله بنُ رَواحةَ: يا قومُ، إنَّ الذي تَكرَهون لَلَّتِي خَرجتُم تَطلُبون -يعني الشَّهادةَ- وما نُقاتِلُ النَّاسَ بِعدَدٍ ولا قُوَّةٍ، وما نُقاتِلُهُم إلَّا بهذا الذي أَكرَمَنا الله به، فانْطَلِقوا فهي إحدى الحُسْنَيينِ: إمَّا ظُهورٌ، وإمَّا شَهادةٌ. فَوافقَهُ الجيشُ على هذا الرَّأيِ ونهَضوا، حتَّى إذا كانوا بتُخومِ البَلقاءِ لَقوا بعضَ الجُموعِ التي مع هِرقلَ بالقُربِ مِن قريةٍ يُقالُ لها: مُؤْتَةُ. فاقتَتَلوا، فقُتِلَ زيدُ بنُ حارثةَ، فأخَذ الرَّايةَ جعفرُ بنُ أبي طالبٍ، فقاتَل حتَّى قُطِعَتْ يَمينُه، فأخَذ الرَّايةَ بِيُسْراهُ فقُطِعَتْ، فاحْتضَنَها فقُتِلَ كذلك، فأخَذ عبدُ الله بنُ رَواحةَ الرَّايةَ، وتَرَدَّدَ عنِ النُّزولِ بعضَ التَّرَدُّدِ، ثمَّ صَمَّمَ، فقاتَل حتَّى قُتِلَ، فأخَذ الرَّايةَ ثابتُ بنُ أَقرمَ، وقال: يا مَعشرَ المسلمين، اصْطَلِحوا على رجلٍ منكم. فقالوا: أنت. قال: لا. فاصطَلَح النَّاسُ على خالدِ بنِ الوليدِ، فلمَّا أخَذ الرَّايةَ دافَع القَومَ وحاشى بهِم، ثمَّ انْحازَ وانْحِيزَ عنه، حتَّى انْصرَف بالنَّاسِ، فتَمَكَّنَ مِنَ الانْسِحابِ بمَن معه مِنَ المسلمين، قال خالدُ بنُ الوليدِ: لقد انقْطَعَتْ في يَدي يومَ مُؤْتَةَ تِسعةُ أَسيافٍ فما بَقِيَ في يَدي إلَّا صَفيحةٌ يَمانِيَّةٌ». وهذا يقتضي أنَّهم أثْخَنوا فيهم قَتْلًا، ولو لم يكن كذلك لَما قَدَروا على التَّخَلُّصِ منهم، ولهذا السَّببِ ولِغيرِهِ ذهَب بعضُ المُحقِّقين إلى أنَّ المسلمين قد انتصروا في هذه المعركةِ ولم يُهزَموا. عن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، نَعَى زيدًا، وجعفرًا، وابنَ رَواحةَ للنَّاسِ، قبلَ أن يَأتِيَهُم خَبرُهُم، فقال: «أخَذ الرَّايةَ زيدٌ فأُصيبَ، ثمَّ أخَذ جعفرٌ فأُصيبَ، ثمَّ أخَذ ابنُ رَواحةَ فأُصيبَ، وعَيناهُ تَذْرِفانِ حتَّى أخَذ سيفٌ مِن سُيوفِ الله حتَّى فتَح الله عليهم».

العام الهجري : 515 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1121
تفاصيل الحدث:

هو أمير الجيوش أبو القاسم شاهنشاه الملك الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي. كان والده بدر أرمنيًّا، اشتراه جمال الدولة بن عمار، وتربى عنده وتقدم بسببه، كان بدر نائبًا بعكا، فسار في البحر في ترميم دولة المستنصر العبيدي، فاستولى على الإقليم، وأباد عدة أمراء، ودانت له الممالك إلى أن مات، فقام بعده ابنه الأفضل، وعَظُم شأنه، وأهلك نزارًا ولد المستنصر صاحب دعوة الباطنية الإسماعيلية أصحاب ابن الصباح وقلعة ألموت، وكذلك أتابكه أفتكين متولي الثغر، وكان الأفضل بطلًا شجاعًا، وافر الهيبة، عظيم الرتبة، فلما هلك المستعلي نَصَب في الإمامة ابنه الآمر، وحجر عليه وقمعه، وكان الآمر طياشًا فاسقًا، فعمل على قتل الأفضل، فرتب عدةً وثبوا عليه، فأثخنوه، ونزل إليه الآمر، وتوجَّع له، فلما قُضِي الأفضل استأصل الآمر أمواله، وبقي الآمر في داره أربعين صباحًا والكَتَبة تضبط تلك الأموال والذخائر، وحبس أولاد الأفضل، وكانت ولايته بعد أبيه ثماني وعشرين سنة، منها: آخر أيام المستنصر، وجميع أيام المستعلي، إلى هذه السنة من أيام الآمر، وكانت الأمراء تكرهه لكونه سنيًّا، فكان يؤذيهم، وكان فيه عدل، والإسماعيلية يكرهونه لأسباب؛ منها: تضييقه على إمامهم، وتركه ما يجب عندهم سلوكه معهم، ومنها ترك معارضة أهل السنة في اعتقادهم، والنهي عن معارضتهم، وإذنه للناس في إظهار معتقدات أهل السنة والمناظرة عليها، فكثر الغرباء ببلاد مصر، وكان حَسَن السيرة، عادلًا. قال أبو يعلى بن القلانسي: "كان الأفضل حسن الاعتقاد، سُنِّيًّا، حميد السيرة، كريم الأخلاق، لم يأت الزمان بمثله". قال ابن خلكان: "ترك الأفضل من الذهب العين ستمائة ألف ألف دينار مكررة، ومن الدراهم مائتين وخمسين أردبًا، وسبعين ثوب ديباج أطلس، وثلاثين راحلة أحقاق ذهب عراقي، ودواة ذهب فيها جوهرة باثني عشر ألف دينار، ومائة مسمار ذهب زنة كل مسمار مائة مثقال، في عشرة مجالس كان يجلِسُ فيها، على كل مسمار منديل مشدود بذهب، كل منديل على لون من الألوان من ملابسه، وخمسمائة صندوق كسوة للبس بدنه، قال: وخلف من الرقيق والخيل والبغال والمراكب والمسك والطيب والحلي ما لا يعلم قدره إلا الله عز وجل، وخلف من البقر والجواميس والغنم ما يستحيي الإنسانُ من ذكره، وبلغ ضمان ألبانها في سنة وفاته ثلاثين ألف دينار، وترك صندوقين كبيرين مملوءين إبر ذهب برسم النساء والجواري" قُتِل الأفضل في رمضان سنة 515، وله ثمان وخمسون سنة, ولما قتل ولي الوزارة بعد الأفضل أبو عبد الله بن البطائحي، ولقب المأمون، وتحكم في الدولة، وظهر الظلم والبدعة أيام البطائحي, وبقي كذلك حاكمًا في البلاد إلى سنة 519، فصُلِب.

العام الهجري : 549 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1154
تفاصيل الحدث:

هو حاكِمُ مصر الظافِرُ أبو مَنصورٍ إسماعيلُ بن الحافظِ لدِينِ الله عبدِ المجيدِ بن محمدِ بن المُستَنصِر مَعَدِّ بن الظاهرِ عليِّ بن الحاكمِ الفاطميُّ العُبيديُّ، المصريُّ، الإسماعيليُّ. وَلِيَ الأَمرَ بعدَ أَبيهِ خَمسةَ أَعوامٍ. وكان شابًّا جَميلًا وَسيمًا لَعَّابًا عاكِفًا على الأَغاني والسَّراري، استَوْزَرَ الأَفضلَ سليمَ بن مصالٍ فَسَاسَ الإِقليمَ. وانقَطعَت في أَيامِه الدَّعوةُ له ولآبائِهِ العُبيدِيِّين من سائرِ الشامِ والمَغربِ والحَرمَينِ, وبَقِيَ لهم إِقليمُ مصر, وقد خَرجَ على وَزيرِه ابنِ مصالٍ. العادلُ بن السَّلَّارِ، وحارَبَه وظَفَرَ به، واستَأصَلَهُ، واستَبَدَّ بالأَمرِ, وكان ابنُ السَّلَّارِ مِن أَجَلِّ الأُمراءِ الأَكرادِ سُنِّيًّا حَسَنَ المُعتَقَدِ شافِعيًّا. وفي أَيامِ الظافرِ قَدِمَ من إفريقية عبَّاسُ بن يحيى بن تَميمِ بن المُعِزِّ بن باديس مع أُمِّهِ صَبِيًّا. فتَزَوَّجَ العادلُ بها قبلَ أن يَتوَلَّى الوِزارةَ، ثم تَزَوَّجَ عبَّاسٌ، ووُلِدَ له نَصرٌ، فأَحَبَّهُ العادلُ، فاتَّفَقَ عبَّاسٌ وأُسامةُ بن مُنقِذ على قَتلِ العادلِ، وأن يَأخُذ عبَّاسٌ مَنصِبَهُ. فذَبحَ نَصرٌ العادلَ على فِراشِه في المُحرَّم سَنةَ 548هـ، وتَمَلَّكَ عبَّاسٌ وتَمَكَّنَ. عاشَ الظافِرَ اثنتين وعِشرينَ سَنةً, وكانت مُدَّةُ حُكمِه أَربعَ سِنينَ وسَبعةَ أَشهُر وأَربعةَ عشرَ يومًا، وكان سَببُ قَتلِه أن نصرَ بن عبَّاسٍ كان مَلِيحًا، فمالَ إليه الظافرُ وأَحَبَّه، وجَعلَه من نُدَمائِه وأَحبابِه الذين لا يَقدِر على فِراقِهم ساعةً واحدةً، فاتَّهَمَهُ مُؤيِّدُ الدولةِ أُسامةُ بن مُنقِذ بأنه يُفْحِشُ به وذَكرَ ذلك لأَبيهِ عبَّاسٍ فانزَعجَ لذلك وعَظُمَ عليه، فذَكرَ الحالَ لوَلَدِه نَصرٍ، فاتَّفَقا على قَتلِه، فحَضَرَ نَصرٌ عند الظافرِ وقال له: أَشتَهِي أن تَجيءَ إلى داري لدَعوةٍ صَنعتُها، ولا تُكثِر من الجَمعِ؛ فمَشَى معه في نَفَرٍ يَسيرٍ مِن الخَدَمِ لَيلًا، فلمَّا دَخلَ الدارَ قَتَلَه وقَتَلَ مَن معه، وأَفلَتَ خادمٌ صَغيرٌ اختَبأَ فلم يَرَوهُ، ودَفَنَ القَتلَى في دارِه، ثم هَربَ الخادمُ الصغيرُ الذي شاهَدَ قَتْلَه، من دارِ عبَّاسٍ عند غَفْلَتِهم عنه، وأَخبرَ أَهلَ القَصرِ بقَتْلِ نَصرِ بن عبَّاسِ للظافرِ، ثم رَكِبَ عبَّاسٌ من الغَدِ وأَتَى القَصرَ, وقال: أين مولانا؟ فطَلَبوهُ فلم يَجدِوه, فخَرجَ جِبريلُ ويوسفُ أَخَوَا الظافرِ، فقال لهم عبَّاسٌ: أين مولانا؟ قالا: سَلْ ابنَك، فغَضِبَ. وقال: أنتُما قَتَلْتُماهُ، وضَرَبَ رِقابَهُما في الحالِ ليُبعِدَ التُّهمةَ عنه, ثم أَجلسَ الفائزُ بنَصرِ الله أبا القاسمِ عيسى بنَ الظافرِ إسماعيلَ ثاني يَومٍ قُتِلَ أَبوهُ، وله من العُمرِ خمسُ سِنين. حَمَلَهُ عبَّاسٌ على كَتفِه وأَجلَسهُ على سَريرِ المُلْكِ وبايَعَ له الناسُ، وأَخَذَ عبَّاسٌ من القَصرِ من الأَموالِ والجَواهِر والأَعلاقِ النَّفيسَةِ ما أَرادَ، ولم يَترُك فيه إلا ما لا خَيرَ فيه.

العام الهجري : 151 العام الميلادي : 768
تفاصيل الحدث:

ثار في الشرق من الأندلس رجلٌ من بربر مكناسة، كان يعلِّمُ الصبيان، وكان اسمُه شقنا بن عبد الواحد، وكانت أمُّه تُسمى فاطمة، وادَّعى أنَّه من ولد فاطمةَ رَضِيَ الله عنها، ثم مِن ولَد الحُسين بن علي رضي الله عنهما، وتَسمَّى بعبد الله بن محمَّد، وسكن شنت برية، واجتمع عليه خلقٌ كثير من البربر، وعظُمَ أمرُه، وسار إلى عبد الرحمن الداخِل الأموي فلم يقِف له وراغ في الجبالِ، فكان إذا أمِنَ انبسط، وإذا خاف صَعِدَ الجبال بحيث يصعُبُ طَلبُه، فاستعمل عبد الرحمن على طليطِلة حبيبَ بن عبد الملك، فاستعمل حبيبٌ على شنت برية سليمانَ بنَ عثمان بن مروان بن أبان بن عثمان بن عفان، وأمَرَه بطلب شقنا. فنزل شقنا إلى شنت برية، وأخذ سليمانَ فقتله، واشتدَّ أمرُه، وطار ذِكرُه وغلب على ناحية قورية، وأفسدَ في الأرض فعاد عبد الرحمن الداخل فغزاه في سنة 152 بنفسِه، فلم يثبُتْ له فأعياه أمرُه، فعاد عنه وسيَّرَ إليه سنة ثلاث وخمسين بدرًا مولاه، فهَرَب شقنا وأخلى حصنَه شطران، ثم غزاه عبد الرحمن بنفسِه سنة 154، فلم يثبُتْ له شقنا، ثم سيَّرَ إليه سنة خمس وخمسين أبا عثمان عبيد الله بن عثمان، فخَدَعه شقنا وأفسد عليه جُندَه، فهرب عبيد الله، وغَنِم شقنا عسكرهَ وقتلَ جماعةً من بني أميَّة كانوا في العسكر. وفي سنة خمس وخمسين أيضًا سار شقنا بعد أن غَنِم عسكرَ عُبَيد الله إلى حصن الهواريين المعروف بمدائن، وبه عاملٌ لعبد الرحمن، فمكرَ به شقنا حتى خرج إليه، فقتله شقنا وأخذ خيلَه وسلاحَه وجميعَ ما كان معه، ثم بقي أمرُه مستمرًّا إلى أن اغتالَه بعضُ أصحابه سنة 160

العام الهجري : 679 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1280
تفاصيل الحدث:

ورد الخبر بمسير التتار إلى البلاد الشامية وذلك لما بلغهم من حصول الاختلاف بين المسلمين، وافترق التتار ثلاث فرق: فرقة سارت من جهة بلاد الروم ومقدمهم صمغار وتنجي وطرنجي، وفرقة من جهة الشرق ومقدمهم بيدو بن طوغاي بن هولاكو وبصحبته صاحب ماردين، وفرقة فيها معظم العسكرِ وشِرارُ المغول ومقدَّمُهم منكوتمر بن هولاكو، فخرج من دمشقَ الأميرُ ركن الدين إياجي على عسكر، وانضم مع العسكر المحاصر لشيزر، وخرج من القاهرةِ الأمير بدر الدين بكتاش النجمي على عسكر، واجتمع الجميعُ على حماة، وراسلوا الأميرَ سنقر الأشقر في إخماد الفتنة والاجتماعِ على قتال التتار، فبعث إليهم عسكرًا من صهيون أقام حول صهيون، ونزل الحاج أزدمر من شيزر وخيم تحت قلعتها، ووقعت الجفلةُ في البلاد الحلبية، فسار منها خلق كثير إلى دمشق في النصف من جمادى الآخرة، وكثُرَ الاضطراب في دمشق وأعمالها، وعزم الناسُ على تركها والمسير إلى ديار مصر، فلما كان في الحادي عشر هجمت طوائف التتار على أعمال حلب، وملكوا عينتاب وبغراس ودربساك، ودخلوا حلَبَ وقد خلت من العسكَرِ، فقتلوا ونهبوا وسَبَوا، وأحرقوا الجامِعَ والمدارس ودارَ السلطنة ودور الأمراء، وأقاموا بها يومينِ يكثرون الفساد بحيث لم يسلم منهم إلا من اختفى في المغائر والأسربة، ثم رحلوا عنها في يوم الأحد ثالث عشر عائدين إلى بلادهم بما أخذوه، وتفَرَّقوا في مشاتيهم، وتوجه السلطان قلاوون من مصر بالعساكر إلى البلاد الشاميَّة يريد لقاء التتار، بعد ما أنفق في كل أميرٍ ألف دينار، وفي كل جندي خمسَمائة درهم، واستخلف على مصر بقلعة الجبل ابنه الملك الصالح عليها، فسار السلطان إلى غزة، وقدم عليه بغزة من كان في البلاد الشامية من عساكر مصر، وقدم عليه أيضًا طائفةٌ من أمراء سنقر الأشقر فأكرَمَهم، ولم ينزل السلطانُ بغزة إلى عاشر شعبان، فرحل منها عائدًا إلى مصر، بعد أن بلغه رجوعُ التتار.

العام الهجري : 6 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 628
تفاصيل الحدث:

كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبلَ عَقْدِ صُلحِ الحُديبيةِ بعَث خِراشَ بنَ أُميَّةَ الخُزاعيَّ إلى مكَّةَ، وحمَلهُ على جَملٍ له يُقالُ له: الثَّعلبُ. فلمَّا دخَل مكَّةَ عَقَرَتْ به قُريشٌ وأرادوا قَتْلَ خِراشٍ فمنَعهُم الأَحابيشُ (هم: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة) حتَّى أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فدَعا عُمَرَ لِيَبعثَهُ إلى مكَّةَ، فقال: يا رسولَ الله إنِّي أَخافُ قُريشًا على نَفْسي، وليس بها مِن بني عَدِيٍّ أحدٌ يَمنعُني، وقد عَرفتْ قُريشٌ عَداوتي إيَّاها وغِلْظَتي عليها؛ ولكنْ أَدلُّك على رجلٍ هو أَعزُّ مِنِّي عُثمانَ بنِ عفَّانَ. فدَعاهُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فبعَثهُ إلى قُريشٍ يُخبِرُهم أنَّه لم يأتِ لحربٍ، وأنَّه جاء زائرًا لهذا البيتِ مُعَظِّمًا لِحُرمَتِه، فخرج عُثمانُ حتَّى أتى مكَّةَ ولَقِيَهُ أَبانُ بنُ سَعيدِ بنِ العاصِ، فنزَل عن دَابَّتِه وحمَله بين يَديه ورَدِف خلفَه وأَجارهُ حتَّى بلَّغَ رِسالةَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فانطلق عُثمانُ حتَّى أتى أبا سُفيانَ وعُظماءَ قُريشٍ فبَلَّغهُم عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما أَرسلهُ به، فقالوا لِعُثمانَ: إن شِئتَ أن تَطوفَ بالبيتِ فَطُفْ به. فقال: ما كنتُ لأفعلَ حتَّى يَطوفَ به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فاحْتبسَتهُ قُريشٌ عندها، فبلَغ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمين أنَّ عُثمانَ قد قُتِلَ).قال ابنُ عُمَرَ رضِي الله عنهما:كانت بَيعةُ الرِّضوانِ بعدَ ما ذهَب عُثمانُ إلى مكَّةَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِه اليُمنى: «هذه يدُ عُثمانَ». فضرَب بها على يدِه، فقال: «هذه لِعُثمانَ».
وقال جابرُ بنُ عبدِ الله: كُنَّا يومَ الحُديبيةِ ألفًا وأربعَ مائةٍ، فبايَعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعُمَرُ آخِذٌ بيدِه تحت الشَّجرةِ، وهي سَمُرَةٌ. وقال لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليومَ خيرُ أهلِ الأرضِ». ثم قال جابرٌ: لو كنتُ أُبصِرُ لأَرَيْتُكُم مَوضِعَ الشَّجرةِ.
وعن مَعقِلِ بنِ يَسارٍ قال: لقد رَأيتُني يومَ الشَّجرةِ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُبايِعُ النَّاسَ، وأنا رافعٌ غُصنًا مِن أَغصانِها عن رَأسِه، ونحن أربعَ عشرةَ مائةً. وقدِ اخْتلفتِ الرِّواياتُ في عَددِهم، فقال ابنُ حَجَرٍ: (والجمعُ بين هذا الاختلافِ أنَّهم كانوا أكثرَ مِن ألفٍ وأربعمائةٍ، فمَن قال: ألفًا وخمسمائةٍ جبَر الكَسرَ، ومَن قال: ألفًا وأربعمائةٍ أَلغاهُ).

العام الهجري : 470 العام الميلادي : 1077
تفاصيل الحدث:

هو الفَقيهُ العالِمُ، إِمامُ الحَنابِلَةِ، الشَّريفُ أبو جَعفرٍ عبدُ الخالقِ بن عيسى بن أحمدَ بن محمدِ بن عيسى بن أحمدَ بن موسى بن محمدِ بن إبراهيمَ بن عبدِ الله بن معبدِ بن العبَّاسِ بن عبدِ المُطَّلِبِ, الهاشميُّ الفَقيهُ. إِمامُ الطائفةِ الحَنبليَّةِ في زَمانِه بلا مُدافَعَةٍ. وُلِدَ سَنةَ 411هـ, وهو أَجَلُّ أَصحابِ القاضي أبي يَعلَى. كان حَسَنَ الكَلامِ في المُناظَرَةِ، وَرِعًا زاهِدًا، مُتقِنًا، عالِمًا بأَحكامِ القُرآنِ والفَرائضِ، مَرْضِيَّ الطَّريقةِ. وقال أبو الحُسينِ بن الفَرَّاءِ: "لَزِمتُه خمسَ سنين، فكان إذا بَلغَهُ مُنكرٌ قد ظَهرَ عَظُمَ ذلك عليه جِدًّا، وكان شَديدًا على المُبتَدِعَةِ، لم تَزَل كَلِمتُه عاليةً عليهم، وأَصحابُه يَقمَعونَهُم، ولا يَرُدُّ يَدَهُ عنهم أَحَدٌ"، وكان عَفيفًا نَزيهًا، يُدَرِّسُ بمَسجِدِه، ثم انتَقلَ إلى الجانبِ الشرقيِّ من بغداد يُدَرِّسُ في مَسجدٍ آخرَ، ثم انتَقلَ في سَنةِ 466هـ لأَجلِ ما لَحِقَ نَهرَ المُعَلَّى من الغَرَقِ إلى بابِ الطَّاقِ، ودَرَّسَ بجامعِ المَهديِّ. لمَّا احتَضرَ القاضي أبو يَعلَى أَوصَى أن يُغَسِّلَهُ الشَّريفُ أبو جَعفرٍ، ولمَّا احتَضرَ القائمُ بأَمرِ الله أَوصَى أيضًا أن يُغَسِّلَهُ، ففَعَلَ. وكان قد وَصَّى له القائمُ بأَمرِ الله بأَشياءَ كَثيرةٍ، فلم يَأخُذها، فقِيلَ له: خُذْ قَميصَ أَميرِ المُؤمنينَ للبَركةِ، فأَخذَ فُوطَتَه فنَشَّفَ بها القائمَ، وقال: قد لَحِقَ الفُوطةَ بَركةُ أَميرِ المُؤمنينَ. ثم استَدعاهُ المُقتَدِي، فبايَعَهُ مُنفرِدًا. ولمَّا تُوفِّي كان يومُ جَنازَتِه يومًا مَشهودًا، وحُفِرَ له إلى جانبِ قَبرِ الإمامِ أحمدَ، ولَزِمَ الناسُ قَبرَهُ ليلًا نَهارًا، حتى قِيلَ: خُتِمَ على قَبرِه أَكثرُ من عشرةِ آلافِ خَتمَةٍ. قال الذهبيُّ: "وطَوَّلَ تَرجمتَه ابنُ الفَرَّاءِ إلى أن قال فيها: وأُخِذَ الشَّريفُ أبو جعفرِ بن أبي موسى في فِتنَةِ أبي نصرِ بن القُشيريِّ، وحُبِسَ أيامَا، فسَرَدَ الصَّومَ وقال: ما آكلُ لأَحَدٍ شَيئًا. ودَخلتُ عليه في تلك الأيامِ، فرَأيتُه يقرأُ في المُصحفِ، فقال لي: قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} الصَّبْرُ: الصَّوْمُ. ولم يُفطِر إلى أن بَلغَ منه المَرضُ، فلمَّا ثَقُلَ وضَجَّ الناسُ من حَبسِه، أُخرِجَ إلى الحَريمِ الطَّاهريِّ، فمات هناك" قال عنه ابنُ كَثيرٍ: "كان أَحدَ الفُقهاءِ العُلماءِ العُبَّادِ الزُّهَّادِ المَشهورِينَ بالدِّيانَةِ والفَضلِ والعِبادةِ والقِيامِ في الله بالأَمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكرِ، لا تَأخذُه في الله لَوْمَةُ لائمٍ، وكان مَشهورًا بالصَّلاحِ والدِّيانةِ، وحين وَقعَت الفِتنةُ بين الحَنابلةِ والأَشعريَّةِ بسَببِ ابنِ القُشيريِّ اعتُقِلَ هو في دارِ الخِلافةِ مُكَرَّمًا مُعَظَّمًا، يَدخلُ عليه الفُقهاءُ وغَيرُهم، ويُقبِّلون يَدَهُ ورَأسَه".

العام الهجري : 693 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:

لَمَّا قَتَل بدر الدين بيدرا السلطانَ الأشرفَ بن قلاوون عاد بمن معه من الأمراء، ونزل بالدهليزِ وجلس في دست السلطة، وقام الأمراءُ فقَبَّلوا الأرضَ بين يديه وحلفوا له، وتلقَّب بالملك الأوحد وقيل المعظَّم، وقيل المَلِك القاهر، ثمَّ قبض بيدرا على الأميرِ بيسري والأميرِ بكتمر السلاح دار أمير جاندار، وقصد قتْلَهما ثم تركهما تحت الاحتياطِ لشفاعةِ الأمراء فيهما، وركب إلى الطرانة فبات بها وقد سار الأمراءُ والمماليكُ السلطانية ومعهم الأميرُ برغلي، وهم الذين كانوا بالدهليز والوطاق، ورَكِبوا في آثار بيدرا ومَن معه يريدون القبضَ عليه، فبلغ الأميرَ كتبغا ومن معه مقتلُ السلطانِ وسَلطنة بيدرا، فلَحِقَ بمن معه الأميرُ برغلي ومن معه من الأمراء والمماليك، وجدُّوا بأجمَعِهم في طلب بيدرا ومَن معه، وساقوا في تلك الليلة إلى الطرانة وقد لحِقَ بيدرا بسيف الدين أبي بكر بن الجمقدار نائبِ أمير جاندار، والأمير صارم الدين الفخري، والأمير ركن الدين بيبرس أمير جاندار، ومعهم الزردخاناه- خزينة الأسلحة- عند المساءِ من يوم السبت الذي قُتِلَ فيه السلطان الأشرف، فعندما أدركهم تقَدَّم إليه بيبرس أمير جاندار وقال له: يا خوند، هذا الذي فعلته كان بمشورة الأمراء؟ فقال: نعم، أنا قتلتُه بمشورتهم وحضورِهم، وهاهم كلهم حاضرون، ثم شرع يعَدِّدُ مساوئَ الأشرف ومخازيَه واستهتارَه بالأمراء ومماليكِ أبيه، وإهماله لأمور المسلمين، ووزارته ابن السلعوس، ونفور الأمراء منه لمَسكِه عز الدين الأفرم، وقتل سنقر الأشقر وطقصوا وغيره، وتأميره مماليكَه، وقِلَّة دينه وشُربه الخمرَ في شهر رمضان، وفِسْقه بالمردان، ثمَّ سأل بيدرا عن الأمير كتبغا فلم يَرَه، فقيل له: هل كان عند كتبغا من هذه القضية عِلمٌ؟ قال: نعم، هو أول من أشار بها، فلما كان يوم الأحد ثاني يومٍ من قَتْلِ الأشرفِ وافى الأميرُ كتبغا في طلبٍ كبيرٍ من المماليك السلطانية عِدَّتُه نحو الألفي فارس، وجماعة من الحلقة والعسكر ومعهم الأمير حسام الدين لاجين الأستادار الطرانة وبها بيدرا يريدون قتالَه، وميز كتبغا أصحابَه بعلائِمَ حتى يُعرَفوا من جماعة بيدرا، وهم أنَّهم جعلوا مناديلَ مِن رقابِهم إلى تحت آباطِهم فأطلق بيدرا حينئذ الأميرينِ بيسري وبكتمر السلاح دار، ليكونا عونًا له فكانا عونًا عليه، ورتَّبَ كتبغا جماعةً ترمي بالنشاب، وتقَدَّمَ بمن معه وحملوا على بيدرا حملةً منكرة، وقصد الأميرُ كتبغا بيدرا، وقال: يا بيدرا أين السلطان؟ ورماه بسَهمٍ وتبعه البقيَّةُ بسهامهم، فولى بيدرا بمَن معه وكتبغا في طلبِه حتى أدركه، وقُتِلَ بيدرا بعدما قُطِعَت يدُه ثمَّ كَتِفُه كما فَعَل بالأشرف، وحُمِلَت رأسُه على رمحٍ وبُعِثَ بها إلى قلعة الجبل، فطِيفَ بها القاهرة ومصر، ووُجِدَ في جيب بيدرا ورقةٌ فيها: ما يقول السادةُ الفقهاءُ في رجلٍ يَشرَبُ الخمرَ في شَهرِ رَمَضانَ، ويَفسُق بالمردان ولا يصلِّي، فهل على قاتِلِه ذَنبٌ أو لا؟ فكُتِبَ جوابُها: يُقتَلُ ولا إثمَ على قاتِلِه، وعندما انهزم بيدرا هرب لاجين وقرا سنقر، ودخلا القاهرةَ فاختفيا، وكان الذي وصل إلى قلعة الجبل بخبر مقتل السلطان الأشرف سيف الدين سنكو الدوادار، ولَمَّا بلغ الأميرَ علم الدين سنجر الشجاعي قتلُ السلطانِ، ضَمَّ الحراريقَ والمعادي وسائِرَ المراكِبِ إلى برِّ مِصرَ والقاهرة، وأمَرَ ألا يعدى بأحدٍ من الأمراء والمماليك إلا بإذنه، موصل الأمير زين الدين كتبغا ومَن معه من الأمراء والمماليك، بعد قتل بيدرا وهزيمة أصحابه، فلم يجدوا مركبًا يعدونَ به النيل، فأشار على من معه من الأمراء وهم حسام الدين لاجين الأستادار، وركن الدين بيبرس الجاشنكير، وسيف الدين برلغي وسيف الدين طغجي، وعز الدين طقطاي، وسيف الدين قطبة، وغيرهم أن ينزلوا في برِّ الجيزة بالخيام حتى يراسلوا الأميرَ سنجر الشجاعي، فوافقوه وضربوا الخيامَ وأقاموا بها، وبعثوا إلى الشجاعي فلم يمكِّنْهم من التعدية، وما زالت الرسل بينهم وبينه حتى وقع الاتفاقُ على إقامة المَلِك الناصِرِ محمَّد بن قلاوون، فبعَث عند ذلك الحراريقَ والمراكِبَ إليهم بالجيزة، وعدوا بأجمعهم وصاروا إلى قلعة الجبل في رابع عشر المحرم.

العام الهجري : 489 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1096
تفاصيل الحدث:

هو أبو المُظَفَّرِ مَنصورُ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الجَبَّارِ بنِ أَحمدَ بنِ محمدٍ، السَّمعانيُّ، التَّميميُّ المَروَزِيُّ، الفَقِيهُ الحَنفيُّ ثم الشافعيُّ. الحافِظُ، مِن أَهلِ مَرْو، وُلِدَ في ذي الحجَّةِ 426هـ, وتَفَقَّهَ أَوَّلًا على أَبيهِ في مَذهَبِ أبي حَنيفَةَ، حتى بَرَعَ فيه وبَرَزَ على أَقرانِه, ثم انتَقَل إلى مَذهَبِ الشافعيِّ فأَخَذَ عن أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ وابنِ الصَّبَّاغِ. ذَكرَهُ أبو الحَسنِ عبدُ الغافِر فقال: "هو وَحيدُ عَصرِه في وَقتِه فَضلًا، وطَريقَةً، وزُهْدًا، ووَرَعًا، من بَيتِ العِلمِ والزُّهدِ. تَفَقَّه بأَبيهِ، وصار من فُحولِ أَهلِ النَّظَرِ، وأَخَذَ يُطالِع كُتُبَ الحَديثِ، وحَجَّ، فلمَّا رَجَعَ إلى وَطَنِه تَرَكَ طَريقَتَهُ التي ناظَرَ عليها أَكثرَ من ثلاثين سَنةً، وتَحَوَّلَ شافِعِيًّا. أَظهَرَ ذلك في سَنةِ ثَمانٍ وسِتِّين وأربعمائة. واضطَرَبَ أَهلُ مَرو لذلك، وتَشَوَّشَ العَوامُّ، إلى أن وَرَدَت الكُتُبُ مِن جِهَةِ بلكابك من بَلخ في شَأنِه والتَّشديدِ عليه، فخَرجَ مِن مَرو، ورافَقَهُ ذو المَجدَينِ أبو القاسمِ الموسويُّ، وطائِفةٌ من الأَصحابِ، وخَرجَ في خِدمَتِه جَماعةٌ من الفُقهاءِ وصار إلى طُوس، وقَصَدَ نيسابور، فاستَقبَلَهُ الأَصحابُ استِقبالًا عَظيمًا, وكان في نَوبَةِ نِظامِ المُلْكِ وعَميدِ الحَضرَةِ أبي سعدٍ محمدِ بنِ مَنصورٍ، فأَكرَموا مَورِدَه، وأَنزَلوه في عِزٍّ وحِشمَةٍ، وعُقِدَ له مَجلِسُ التَّذكيرِ في مَدرسةِ الشافعيَّةِ", وكان بَحرًا في الوَعظِ، حافِظًا لكَثيرٍ من الرِّواياتِ والحِكاياتِ والنُّكَتِ والأَشعارِ، فظَهرَ له القَبولُ عند الخاصِّ والعامِّ. واستَحكَمَ أَمرُه في مَذهبِ الشافعيِّ. ثم عاد إلى مَرو، ودَرَّسَ بها في مَدرسةِ أَصحابِ الشافعيِّ، وقَدَّمَهُ نِظامُ المُلْكِ على أَقرانِه، وعَلَا أَمرُه، وظَهرَ له الأَصحابُ. وخَرجَ إلى أصبهان، ورَجعَ إلى مَرو. وكان قَبولُه كلَّ يَومٍ في عُلُوٍّ, وتَعَصَّبَ للسُّنَّةِ والجَماعَةِ وأَهلِ الحَديثِ. وكان شَوْكًا في أَعيُنِ المُخالِفين، وحُجَّةً لأَهلِ السُّنَّةِ. قال أبو المعالي الجُويني: "لو كان مِن الفِقْهِ ثَوْبًا طاوِيًا لكان أبو المُظَفَّر بن السمعاني طَرَّازَهُ".قال الإمامُ أبو عليِّ بن أبي القاسمِ الصَّفَّارِ: "إذا ناظَرتَ أبا المُظَفَّر السمعانيَّ، فكأنِّي أُناظِرُ رَجُلًا من أئِمَّةِ التَّابِعين، ممَّا أَرَى عليه من آثارِ الصَّالِحين سَمْتًا، وحُسْنًا، ودِينًا".كانت له يَدٌ طُولَى في فُنونٍ كَثيرةٍ، وصَنَّفَ التَّفسيرَ وكِتابَ ((الانتصار)) في الحَديثِ، و((البرهان)) و((القواطع)) في أصول الفقه، و((الاصطلام)) وغيرَ ذلك، ووَعَظَ في مَدينةِ نيسابور. كان يقول: "ما حَفِظتُ شَيئًا فنَسيتُه، وسُئِلَ عن أَخبارِ الصِّفاتِ فقال: عليكم بِدِينِ العَجائِزِ وصِبيانِ الكَتاتيبِ. وسُئِلَ عن الاستِواءِ فأَنشدَ قائِلًا:
جِئتُماني لِتَعلَما سِرَّ سُعْدَى
تَجِداني بِسِرِّ سُعْدَى شَحيحا
إن سُعْدَى لَمُنْيَةُ المُتَمَنِّي
جَمَعَت عِفَّةً ووَجْهًا صَبيحا"
دُفِنَ في مَقبَرةِ مَرو.

العام الهجري : 588 العام الميلادي : 1192
تفاصيل الحدث:

في سنة ثلاث وثمانين غزا شهاب الدين الغوري بلد الهند، وانهزم أمامَ أحد ملوكها وبَقِيَ إلى الآن في نفسه غَضَبٌ عظيمٌ على الجند الغورية الذين انهزموا، فألزَمَهم من الهوان، حتى هذه السَّنة فخرج من غزنة وقد جمع عساكِرَه وسار منهم يطلُبُ عَدُوَّه الهندي الذي هزمه تلك النوبةَ، قال ابن الأثير: " لما وصل الغوري إلى برشاوور تقَدَّمَ إليه شيخ من الغورية كان يدُلُّ عليه، فقال له: قد قَرُبنا من العدو، وما يعلَمُ أحد أين نمضي، ولا من نَقصِدُ، ولا نَرُدُّ على الأمراء سلامًا، وهذا لا يجوز فِعلُه. فقال له السلطان: اعلَمْ أنَّني منذ هزمني هذا الكافِرُ، ما نمت مع زوجتي، ولا غيَّرْتُ ثياب البياضِ عني، وأنا سائِرٌ إلى عدوي، ومعتَمِدٌ على الله تعالى لا على الغوريَّة، ولا على غيرهم، فإن نَصَرَني الله سبحانه ونَصَرَ دينَه، فمِن فَضلِه وكَرَمِه، وإن انهَزَمْنا فلا تطلبوني فيمن انهَزَم، ولو هَلكْتُ تحت حوافِرِ الخيل, فقال له الشيخ: سوف ترى بني عَمِّك من الغورية ما يفعلونَ، فينبغي أن تكَلِّمَهم وتَرُدَّ سلامهم. ففعل ذلك وبَقِيَ أمراء الغورية يتضَرَّعون بين يديه، ويقولون سوف ترى ما نفعَلُ" ثم سار إلى أن وصل إلى موضع المصافِّ الأول، وجازه مسيرة أربعة أيام، وأخذ عِدَّةَ مواضِعَ مِن بلاد العدو، فلما سمع الهندي تجهَّزَ وجمع عساكره، وسار يطلب المسلمين، فلما بقِيَ بين الطائفتين مرحلةٌ عاد شهاب الدين وراءه والكافِرُ في أعقابه أربع منازل، وتمَّ على حاله عائدًا إلى أن بَقِيَ بينه وبين بلاد الإسلام ثلاثة أيام، والكافِرُ في أثره يتبعه، حتى لحقه قريبًا من مرندة فجَرَّدَ شهاب الدين من عسكَرِه سبعين ألفًا، وقال: أريدُ هذه الليلة تدورونَ حتى تكونوا وراء عسكَرِ العدو، وعند صلاة الصبحِ تأتون أنتم من تلك الناحية، وأنا من هذه الناحية، ففعلوا ذلك، وطلع الفجرُ، ومن عادة الهنود أنَّهم لا يبرحون مِن مضجعهم إلى أن تطلُعَ الشَّمسُ، فلما أصبحوا حمل عليهم عسكَرُ المسلمين من كل جانب، والقَتلُ قد كَثُرَ في الهنود، والنصرُ قد ظهر للمسلمين، فلما رأى ملك الهند ذلك أحضر فرسًا له سابقًا، وركب ليهرُبَ، فقال له أعيان أصحابه: إنَّك حلفت لنا أنَّك لا تُخَلِّينا وتهرُب، فنزل عن الفرس وركِبَ الفيل ووقَفَ مَوضِعَه، والقتالُ شديد، والقَتلُ قد كثر في أصحابه، فانتهى المسلمونَ إليه وأخذوه أسيرًا، وحينئذ عَظُمَ القتلُ والأسر في الهنود، ولم ينجُ منهم إلا القليلُ، وغَنِمَ المُسلِمونَ مِن الهنود أموالًا كثيرة وأمتعة عظيمة، وفي جملة ذلك أربعةَ عشر فيلًا، فسار شهاب الدين وهو معه إلى الحِصنِ الذي له يعول عليه، وهو أجمير، فأخذه، وأخذ جميع البلاد التي تقاربه، وأقطع جميع البلاد لمملوكه قطب الدين أيبك، وعاد إلى غزنة، وقتل ملك الهند.

العام الهجري : 21 العام الميلادي : 641
تفاصيل الحدث:

تَجمَّعَ الفُرْسُ في نَهاوَنْد بقِيادةِ ذي الحاجِبِ بعدَ أن ذهبَت أكثرُ مُدُنِهِم، وبَقَوْا فترةً على ذلك لعدمِ سَماحِ عُمَرَ رضِي الله عنه بالانسِياحِ في فارِسَ، ولكن لمَّا كَثُرَ نَقضُ العُهودِ بسببِ تَقَوِّيهِم بمَن بَقِيَ في نَهاوَنْد، شاوَر عُمَرُ المسلمين في أَمْرِ الفُرْسِ المجتمعين في نَهاوَنْد، وكان يُهِمُّ أن يَسيرَ بنفسه لمُلاقاتِهِم، فأشار عليه علِيٌّ: أنِ ابْعَثْ إلى أهلِ الكوفةِ فَلْيَسِرْ ثُلثاهُم، وكذلك تَبعثُ إلى أهلِ البَصرةِ. فقال عُمَرُ أشيروا عَلَيَّ مَن اسْتعمِلُ عليهم؟ فقالوا: أنت أفضلُنا رأيًا وأعلمُنا بأَهلِك. فقال: لأَسْتَعْمِلَنَّ عليهم رجلًا يكونُ لأوَّلِ أَسِنَّةٍ يَلقاها. بعَث عُمَرُ بن الخطَّاب رضِي الله عنه السَّائبَ بن الأقْرَعِ، مَولى ثَقيفٍ -وكان رجلًا كاتبًا حاسبًا- فقال: الْحَقْ بهذا الجيشِ فكُنْ فيهم، فإن فتَح الله عليهم فاقْسِمْ على المسلمين فَيْئَهُم، وخُذْ خُمُسَ الله وخُمُسَ رَسولِه، وإن هذا الجيش أُصِيبَ، فلا أَراكَ، واذْهَبْ في سَوادِ الأرضِ، فبَطْنُ الأرضِ خيرٌ مِن ظَهرِها يَومئذٍ. وبعَث عُمَرُ إلى أهلِ الكوفةِ أن يَمُدُّوا جيشَ المسلمين فسار النُّعمانُ بقُرابةِ ثلاثين ألفًا، ومعه حُذيفةُ بن اليَمانِ، والزُّبيرُ بن العَوَّامِ، والمُغيرةُ بن شُعبةَ، والأشعثُ بن قيسٍ، وعَمرُو بن مَعْدِي كَرِبْ، وابنُ عُمَرَ، حتَّى أَتَوْا نَهاوَنْد فالْتَقوا بالفُرْسِ يومَ الأربعاءِ، فَحَثَّ النُّعمانُ النَّاسَ على القِتالِ، فأشار المُغيرةُ بن شُعبةَ أن يَتَعَجَّلَ الفُرْسَ بالقِتالِ، فقال النُّعمانُ: إنِّي شَهِدْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا لم يُقاتِل أوَّلَ النَّهارِ أَخَّرَ القِتالَ حتَّى تَزولَ الشَّمسُ، وتَهُبَّ الرِّياحُ، وتَحْضُرَ الصَّلاةُ، ويَطِيبَ القِتالُ، ويَنزِلَ النَّصْرُ، فما مَنَعَنِي إلَّا ذلك. ثمَّ دَعا: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك أن تُقِرَّ عَيْنِي اليومَ بفَتحٍ يكونُ فيه عِزُّ الإسلامِ، وذُلٌّ يُذَلُّ به الكُفَّارُ، ثمَّ اقْبِضْني إليك بعدَ ذلك على الشَّهادةِ، أَمِّنُوا يَرحمُكُم الله. فأَمَّنُوا وهُم يَبكون، ثمَّ قال النُّعمانُ: إنِّي هازُّ اللِّواءَ ثلاثَ مَرَّاتٍ، فالهَزَّةُ الأُولى فَلْيَقْضِ الرَّجلُ حاجتَهُ ولْيَتوضَّأْ، والهَزَّةُ الثَّانيةُ فَلْيَرْمِ الرَّجلُ ثِيابَهُ وسِلاحَهُ، والهَزَّةُ الثَّالثةُ فاحْمِلُوا ولا يَلْوِي أحدٌ على أحدٍ، فإن قُتِلَ النُّعمانُ فلا يَلْوِي عليه أحدٌ، وإنِّي داعِ الله بدَعوَةٍ فعَزمتُ على امرئٍ إلَّا أَمَّنَ عليها، فقال: اللَّهمَّ ارْزُقْ النُّعمانَ شَهادةً بِنَصْرِ المسلمين وفَتْحٍ عليهم. فأَمَّنَ القومُ، فهَزَّ اللِّواءَ ثلاثَ مَرَّاتٍ وحَمَلَ وحَمَلَ النَّاسُ معه, وكان الأعاجمُ قد شَدُّوا أَنفُسَهُم بالسَّلاسِل لِئلَّا يَفِرُّوا، وحَمَلَ عليهم المسلمون فقاتلوهم، فرُمِيَ النُّعمانُ بِنُشَّابَةٍ فقُتِلَ رَحِمَهُ الله، فَلَفَّهُ أخوهُ سُويدُ بن مُقَرِّن في ثَوبِه، وكَتَمَ قَتْلَهُ حتَّى فتح الله عليهم، ثمَّ دفَع الرَّايةَ إلى حُذيفةَ بن اليَمانِ، وقتَل الله ذا الحاجِبِ قائِدَ الفُرْسِ، وافْتُتِحَت نَهاوَنْد، فلم يكُن للأعاجمِ بعدَ ذلك جَماعةٌ. كُتِبَ إلى عُمَرَ بالفَتحِ مع رجلٍ مِن المسلمين، فلمَّا أتاهُ قال له: أَبْشِر يا أميرَ المؤمنين بفتحِ أَعزَّ الله به الإسلامَ وأَهلَهُ، وأَذَلَّ به الكُفْرَ وأَهلَهُ. قال: فحَمِدَ الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ قال: النُّعمانُ بَعَثَكَ؟ قال: احْتَسِبْ النُّعمانَ يا أميرَ المؤمنين. قال: فبَكَى عُمَرُ واسْتَرْجَعَ، قال: ومَن وَيْحك! قال: فُلان وفُلان. حتَّى عَدَّ له ناسًا كثيرًا، ثمَّ قال: وآخرين يا أميرَ المؤمنين لا تَعرِفُهم. فقال عُمَرُ وهو يَبكي: لا يَضُرُّهم ألَّا يَعرِفَهم عُمَرُ، ولكنَّ الله يَعرِفُهم.