قام جيوم دي مونري النورماندي بقِيادَةِ حَملَةٍ بَحرِيَّةٍ نَزلَت بِساحلِ قطلونية ثم سارت إلى الشَّرْقِ حتى وَصلَت إلى مَدينةِ ببشتر جنوب إسبانيا وكانت من أَعمالِ يُوسفَ بن سُليمانَ بن هود فحاصَروها حتى استَسلَمت فدَخَلها وأَمْعَنَ جُنْدُهُ في أَهلِها قَتْلًا ونَهْبًا وسَبْيًا، ولم يُبادِر أَحدٌ من أُمراءِ الطَّوائفِ بِنَجْدَتِه، ثم غادَرَ النورمانديون المدينةَ بعدَ أن تَركوا فيها حامِيةً من خَمسةِ آلافِ رَجُلٍ، حتى قام في السَّنَةِ التاليةِ أحمدُ بن سُليمانَ بن هود باستِنهاضِ هِمَمِ المسلمين وخَلَّصَ المدينةَ من الحامِيَةِ وتَلَقَّبَ بعدَها بالمُقتَدِر بالله.
سار الحُجَّاجُ من بغداد، فقَدِموا الكُوفةَ، ورَحَلوا منها، فخَرَجت عليهم خَفاجَةٌ، وقد طَمِعوا بمَوتِ السُّلطانِ وبُعْدِ العَسكرِ، فأَوقَعوا بهم، وقَتَلوا أَكثرَ الجُندِ الذين معهم، وانهَزمَ باقيهم، ونَهَبوا الحُجَّاجَ، وقَصَدوا الكوفةَ فدَخَلوها، وأغاروا عليها، وقَتَلوا في أَهلِها، فرَماهُم الناسُ بالنُّشَّابِ، فخَرَجوا بعدَ أن نَهَبوا، وأَخَذوا ثِيابَ مَن لَقوهُ من الرِّجالِ والنِّساءِ، وَصَلَ الخَبرُ إلى بغداد، فسُيِّرَت العَساكرُ منها، فلمَّا سَمِعَ بَنُو خَفاجَةَ انهَزَموا، فأَدرَكَهم العَسكرُ، فقُتِلَ منهم خَلْقٌ كَثيرٌ، ونُهِبَت أَموالُهم، وضَعُفَت خَفاجَةُ بعدَ هذه الوَقعَةِ.
توغَّلت القوات الإسرائيلية في غزَّةَ بشكل واسعٍ منذُ انسحابِها من القطاع في عملية أُطلق عليها "أمطار الصيف"، وقامت فيها بقصف محطَّات توليد الكهرباء والجسور، واضطرَّ آلاف الفِلَسْطينيِّين أنْ يَفِرُّوا من بُيوتهم نتيجةً للاجتياحات العسكرية المستمرة، والقصف الشديد، ودخلت كمية محدودةٌ من المساعدات الإنسانية قطاع غزَّةَ بعد إغلاق مَعبَر المنطار (كارني) بشكلٍ كاملٍ،
أطلق الجيش الإسرائيلي عمليتَه العسكريةَ هذه بعد أنْ قام مسلحون فِلَسْطينيُّونَ بالهجوم على موقِعِ مراقبةٍ للجيش الإسرائيلي عندَ مَعبَر كيريم شالوم، وخطف جندي إسرائيلي.
بدأت حربُ الـ 33 يومًا بين العدو الصِّهْيَوْني وحزبِ اللهِ، وذلك بعد ما قام الحزب بأسر جنديَّيْنِ وقَتل 8 عندَ موقع تلة الراهب في مشارفِ بلدةِ عيتا الشعب في جنوبِ لُبنانَ، وتمَّ بهذه الحرب قتلُ أكثرَ من 1200 لُبنانيٍّ، وجُرحَ أكثرُ من 4000 مواطنٍ من الجنوب وكافَّة الأراضي اللُّبنانية، كما قام الصهاينةُ بقصف جميع الجسور في لُبنانَ من الجنوب إلى الشمال إلى البقاع، والوسط، والجبل، وقامت أيضًا بأكثرَ من مجزرةٍ كان أعظمُها مجزرةً ثانيةً في قانا، وكان ضحيتها ما لا يقِلُّ عن 55 قتيلًا معظمُهم من الأطفال والنساء.
اقتَحَمت أجهزةُ الأمنِ التابعةِ لشرطةِ الحكومةِ في غزةَ آخِرَ منزلٍ فرَّ إليه مُسَلَّحون من جماعةِ أنصار جند الله، الذين سَبَق أن أعلنوا قِيامَ إمارةٍ إسلاميَّةٍ بغزةَ تنطلِقُ من مدينةِ رَفَحَ. ونجَحَت قواتُ الأمنِ في اقتحامِ منزلِ عبد اللطيف موسى الذي فرَّ إليه كَثيرٌ من المُسَلَّحين، بعد أن حاصرَتْهم الشرطةُ لساعاتٍ في مسجدِ ابن تيمية، وقد أُعلِن بعد ذلك عن مقتَلِه و(20) من أتباعِه. وعبد اللطيف موسى من مواليدِ قطاعِ غزةَ ويبلُغ من العمر (50) عامًا، وحاصِلٌ على بكالوريوس في الطبِّ من جامعة الإسكندريَّة المِصريَّة.
هو العلَّامةُ العِزُّ مجد الدين عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن محمد بن كيدوم بن عمر بن أبي الخير سعيد الحسيني القيلوي البغدادي ثم القاهري الحنبلي ثم الحنفي. ولدَ تقريبًا بعد سنة 770 والقيلوي نسبة لقرية بالجانب الشرقي من بغداد يقال لها قيلويه نشأ بها العز. قرأ القرآنَ لعاصم وحَفِظَ كتبًا جمة في فنون كثيرة، وبحث في غالب العلوم على مشايخ بغداد والعجم والروم، حتى إنه بحث في مذهبي الشافعي وأحمد وبرع فيهما وصار يقرأ كتبَهما ولازم الرحلةَ في العلم إلى أن صار أحدَ أركانه، وأدمن الاشتغال والأشغال بحيث بقي أوحدَ زمانه، ومن شيوخه في فقه الحنفية الضياء محمد الهروي أخذ عنه المجمع بعد أن حفظه، وسمع غالب الهداية على عبد الرحمن التشلاقي أو القشلاغي، وسمع عليه أصولَ الحنفية، وفي فقه الحنابلة محمد بن الحادي، وسمع عليه البخاري، وتزايد اشتغاله بالمذهب الحنبلي لكون والده كان حنبليًّا، وفي فقه الشافعية ناصر الدين محمد المعروف بأيادي الأبهري ولازمه مدة طويلة أخذ عنه فيها النحو والصرف، ولم يتسير له البحث في فقه المالكية، وقصد ذلك فما قدر، وأخذ أصول الدين وآداب البحث عن السراج الزنجاني، وأصول الفقه عن أحمد الدواليبي، وحضر بحث المختصر الأصلي لابن الحاجب والعضد وكثيرًا من شروح التلخيص في المعاني، وكثيرًا من الكشَّاف على ميرك الصيرامي أحد تلامذة التفتازاني، وبحث بعض الكشاف أيضًا والمعاني والبيان على عبد الرحمن ابن أخت أحمد الجندي، وجميع الشاطبية بعد حفظها على الشريف محمد القمني، والنحو عن أحمد بن المقداد وعبد القادر الواسطي، وبحث عليه الأشنهية في الفرائض بخلوة الغزالي من المدرسة النظامية ببغداد، وانتفع به في غير ذلك, وعُنِيَ بالطب والمعاني والبيان بعد حفظه للتلخيص عن المجد محمد المشيرقي السلطاني الشافعي, والمنطق بعد حفظه الشمسية عن القاضي غياث الدين محمد الخراساني الشافعي، كذا بحث عليه علم الجدل والطب عن موفق الدين الهمذاني، وسمع على موسى باش الرومي علم الموسيقى بحثًا، وارتحل إلى تبريز فأخذ بها عن الضياء التبريزي النحو وأصول الفقه، وعن الجلال محمد القلندشي فقه الشافعية وأصولهم، وحضر المعاني والبيان وبعض الكشاف عند حيدر، ثم ارتحل إلى أرزنجان من بلاد الروم فأخذ علم التصوف عن يارغلي السيواسي، ثم عاد من بلاد الروم بعد أن جال الآفاق وقاسى شدة مع تيمورلنك بحيث كانوا يقطعون الرؤوس ويحمِّلونه إياها إلى البلاد الشامية في سنة 810, ولقي بحلب مَن شاء الله من العلماء، وناظر في الشام الجمالَ الطيماني واجتمع في القدس بالشهاب بن الهائم فعظَّمه كثيرًا وارتحل إلى القاهرة بعد هذا كله, فأشير إليه في الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق والجدل وآداب البحث والأصلين، والطب والعروض، والفقه والتفسير والقراءات، والتصوف وغيرها، فنزل بالجمالية وقرر في صوفيتها وأقبل الناس عليه فأخذوا عنه، وزوَّجه الشيخ مصطفى المقصاتي ابنته وتدرب به في عمل المقصات، وتكسب بها وقتًا مع اشتهاره بالفضيلة التامة حتى إنه لما تمت عمارة الجامع المؤيدي وحضر السلطان عند مدرسيه ومنهم البدر الأقصرائي الحنفي كان من جملة الحاضرين فلم يتكلم معه غيره، بحيث عظُمَ في عين السلطان، وأشار لما تم الدرس ورام المدرس الدعاء بنفسه مبالغة في تعظيم السلطان القيلوي أن يفعل ففعل، وأعلمه البدر بن مزهر وذلك قبل أن يلي كتابة السر بأنه رجل عالم يتكسب بعمل المقصات، فوعد ببناء مدرسة من أجله يكون هو شيخًا فما تيسر، وربما أقرأه ولده إبراهيم بل رام المؤيد الاجتماع به في محل خلوة للقراءة عليه، فما وافق العز خوفًا من إلصاق كثير مما يصدر عن السلطان به، وعُدَّ ذلك من وفور عقله، واستمر العز ملازمًا للإشغال غير مفتقر للاستفادة من أحد إلا في علم الحديث دراية ورواية؛ فإنه أخذ علوم الحديث جميعًا لابن الصلاح عن الولي العراقي بعد قراءته وسائره سماعًا، وسمع المنظومة في غريب القرآن، ومن أول السيرة الألفية إلى ذكر أزواجه والكثير من النكت على ابن الصلاح، وقرأ منها جميع الألفية الحديثية رواية، والمورد الهني، ومن غيرها الكثير من الأصول الكبار وغيرها، قال شمس الدين السخاوي: " قرأ العز عبد السلام على شيخنا الكمال الشمني صحيح البخاري والنخبة له، واختص به كثيرًا، وكان أحد الطلبة العشرة عنده بالجمالية، وحضر دروسه وأماليه، ورأيت بخط شيخنا بتصنيفه النخبة كتبها برسمه قال في آخرها ما صورته: علقها مختصرها تذكرةً للعلامة مجد الدين عبد السلام نفع الله به آمين، وتمت في صبيحة الأربعاء ثاني عشر شوال سنة أربع عشرة، وقال في أولها ما نصه: رواية صاحبها العلامة الأوحد المفنن مجد الدين عبد السلام البغدادي، وكتب له عليها أنه قرأها قراءة بحث وإتقان وتقرير وبيان، فأفاد أضعاف ما استفاد، وحقق ودقق ما أراد، وبنى بيت المجد لفكره الصحيح وأشاد، ثم قال: وأذن له أن يُقرئها لمن يرى ويرويها لمن درى، والله يسلمه حضرًا وسفرًا، ويجمع له الخيرات زُمَرًا" وأما الرواية فإنه سمع وقرأ على غير واحد وطلبها بنفسه فأكثر وكتب الطباق، وضبط الناس ورافق المتميزين، صار غالب فضلاء الديار المصرية من تلامذة العز عبد السلام، كل ذلك مع الخير والديانة والأمانة والزهد والعفة، وحب الخمول والتقشف في مسكنه وملبسه ومأكله، والانعزال عن بني الدنيا والشهامة عليهم وعدم مداهنتهم، والتواضع مع الفقراء والفتوة والإطعام وكرم النفس والرياضة الزائدة، والصبر على الاشتغال واحتمال جفاء الطلبة والتصدي لهم طول النهار، والتقنع بزراعات يزرعها في الأرياف ومقاساة أمر المزارعين، والإكثار من تأمل معاني كتاب الله عز وجل وتدبره، مع كونه لم يستظهر جميعه ويعتذر عن ذلك بكونه لا يحب قراءته بدون تأمل وتدبر، والمحاسن الجمة بحيث سمعت عن بعض علماء العصر أنه قال: لم نعلم من قَدِمَ مصر في هذه الأزمان مثل العز عبد السلام البغدادي, ولقد تجملت هي وأهلها به, وكان ربما جاءه الصغير لتصحيح لوحه ونحوه من الفقراء المبتدئين لقراءة درسه وعنده من يقرأ من الرؤساء، فيأمرهم بقطع قراءتهم حتى ينتهي تصحيح ذاك الصغير أو قراءة ذاك الفقير لدرسه، ويقول: أرجو بذلك القربة وترغيبهم وأن أندرج في الربانيين ولا يعكس، ولم يحصل له إنصاف من رؤساء الزمان في أمر الدنيا ولا أُعطي وظيفة مناسبة لمقامه، وكان فصيح اللسان مفوهًا طلْقَ العبارة قوي الحافظة سريع النظم جدًّا. مات في ليلة الاثنين الخامس العشر رمضان سنة تسع وخمسين، وصلى عليه من الغد بمصلى باب النصر، ودُفن بتربة الأمير بورى خارج باب الوزير تحت التنكزية، ولم يخلَّف بعده في مجموعِه مثله.
كان الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أَجْلى اليَهودَ مِن المدينة تِباعًا؛ وذلك لِنَقْضِهم العُهود، واسْتِثارتِهم الفِتَن والحُروب، وقد كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (لا يَجتَمِع دِينانِ في أرضِ العَربِ). وكانت اليَهودُ قد اسْتقرَّت في خَيبرَ وما حولها بعدَ جَلائِهم مِن المدينةِ، وبقوا على ذلك حتَّى قام عُمَر بإجلائِهم مِن خَيبرَ إلى الشَّامِ عملًا بحَديثِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمَّا نصارى نجران فقد أجلاهم عمر إلى الشَّام لما كثُر عددُهم وعَظُمَ خطرُهم على معقْل الإسلام.
احتلَّ الفرنج رفنية من أرض الشام، وهي لطغتكين، صاحب دمشق، وقوَّوها بالرجال والذخائر، وبالَغوا في تحصينها، فاهتَمَّ طغتكين لذلك، وقَوِيَ عزمه على قَصدِ بلاد الفرنج بالنَّهبِ لها والتخريبِ، فأتاه الخبَرُ عن رفنية بخُلوِّها من عسكر يمنَعُ عنها، وليس هناك إلا الفرنجُ الذين رتَّبوا لحفظها، فسار إليها جريدة، فلم يشعرْ من بها إلا وقد هجم عليهم البلد فدخله عَنوةً وقهرًا، وأخذ كل من فيه من الفرنج أسيرًا، فقُتِل البعض، وتُرِك البعض، وغَنِم المسلمون من سوادهم وكراعهم وذخائرهم ما امتلأت منه أيديهم، وعادوا إلى بلادهم سالمين.
سقطت قلعة بلغراد في أيدي الألمان، بعد تسع وعشرين يومًا من حصار الجيش العثماني بداخلها، وتم تحويل مائة مسجد في المدينة إلى كنائس، بعد ذبح المسلمين الموجودين فيها. وكانت بلجراد مدينة إسلاميَّة لعدة قرون من حيث العمران وحركة العلم ورفع راية الجهاد, ثم تحوَّلت بعد سقوطها بسنوات إلى محاربة المسلمين، الذين حوَّلوها إلى إحدى أعظم مدن أوربا حضارة. وقت أنْ كانت أوربا تعيش في ظلمات الجهل والتخلُّف، وقد صارت اليوم مدينة نصرانية في ظل الحرب الشَّرسة التي تعرَّض لها الإسلام والمسلمون في هذه الأرض!
انطلقت الشَّرارةُ الأولى لثورة 14 أكتوبر في الجزء الجنوبي من اليمن ضِدَّ الاستعمار البريطاني، من جبال ردفان، بقيادة راجح بن غالب لبوزة الذي قُتِلَ في اليوم الأول للثورة، وقد شَنَّت السلطاتُ الاستعماريةُ حملاتٍ عسكريةً غاشمةً استمرَّت ستةَ أشهر، ضربت خلالها القرى والسَّكَّان الآمنين بمختلِف أنواعِ الأسلحة؛ فتشَرَّد على إثْرِها آلاف المدنيين العُزل، واتَّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسةَ "الأرض المحروقة"، وخلَّفت كارثةً إنسانيةً فظيعةً!
قُتل الرئيس الشيشاني الموالي لروسيا أحمد قديروف في انفجارٍ وقَعَ بأحد الملاعب الكُبرى بالعاصمة الشيشانية جروزني، وكان الملعب الرياضي دينامو أحدَ أكبرِ الاستادات بالعاصمة الشيشانية قد شهِد احتفالاتِ روسيا بذِكْرى الانتصارِ على القوات النازية في الحرب العالمية الثانية، غيرَ أنَّ الانفجارَ الناجمَ عن لَغَمٍ أرضيٍّ، تمَّ زَرْعُه في وقت سابق أسفرَ عن سقوط 32 قتيلًا، منهم الرئيس، بالإضافة إلى ما يزيدُ عن 100 جريحٍ من بينهم رئيسُ القوات الروسية في الشيشان الجنرال فاليري بارانوف.
غزا يَمينُ الدَّولةِ بلادَ الهندِ، بعد فراغِه مِن خوارزم، فسار منها إلى غزنةَ، ومنها إلى الهندِ عازمًا على غَزوِ قَشمير (كشمير)؛ إذ كان قد استولى على بلادِ الهِندِ ما بينَه وبين قشمير، فلما بلغ دَربَ قَشميرَ أتاه صاحِبُها وأسلَمَ على يَدِه، وسار بينَ يديه إلى مَقصِدِه، فبلغ ماءَ جون في العشرينَ مِن رَجَب، وفتَحَ ما حولَها مِن الوِلاياتِ الفَسيحةِ والحُصونِ المَنيعةِ، حتى بلغ حِصنَ هودب، وهو آخِرُ مُلوكِ الهِندِ، فنظَرَ هودب من أعلى حِصنِه، فرأى مِن العساكِرِ ما هالَه ورَعَبه، وعَلِمَ أنَّه لا يُنجيه إلَّا الإسلامُ، فخرج في نحوِ عَشرةِ آلافٍ يُنادُونَ بكَلمةِ الإخلاصِ، فقَبِلَه يَمينُ الدَّولة، وسار عنه إلى قلعةِ كلجند، وهو من أعيانِ الهِندِ وشياطينِهم، وكان على طريقِه غِياضٌ مُلتَفَّة لا يَقدِرُ السَّالِكُ على قَطعِها إلَّا بمشَقَّة، فسَيَّرَ كلجند عساكِرَه وفُيولَه إلى أطرافِ تلك الغياضِ يَمنَعونَ مِن سُلوكِها، فتَرَك يمينُ الدَّولة عليهم من يقاتِلُهم، وسلك طريقًا مُختَصَرةً إلى الحِصنِ، فلم يشعُروا به إلَّا وهو معهم، فقاتَلَهم قتالًا شديدًا، فلم يُطيقوا الصَّبرَ على حَدِّ السُّيوفِ، فانهزموا، وغَنِمَ المُسلِمونَ أموالَه، ومَلَكوا حُصونَه، ثمَّ سار نحوَ بَيتِ مُتعَبَّدٍ لهم، وهو مهرة الهند، وهو مِن أحصَنِ الأبنيةِ على نَهرٍ، ولهم به من الأصنامِ كَثيرٌ، منها خمسةُ أصنامٍ مِن الذهَبِ الأحمَرِ المُرَصَّع بالجواهِرِ، وكان به من الأصنامِ المصوغةِ مِن النقرةِ نحو مِئَتي صنَمٍ، فأخذ يمينُ الدَّولة ذلك جميعَه، وأحرق الباقيَ، وسار نحو قنوج، وصاحِبُها راجيال، فوصل إليها في شَعبان، فرأى صاحِبَها قد فارَقَها، فأخَذَها يمينُ الدَّولة، وأخَذَ قلاعَها وأعمالَها، ثمَّ سار إلى قلعةِ البراهمة، فقاتَلوه وثَبَتوا، فلمَّا عَضَّهم السِّلاحُ عَلِموا أنَّهم لا طاقةَ لهم، فاستسلَموا للسَّيفِ فقُتِلوا، ولم ينجُ منهم إلا الشَّريدُ، ثمَّ سار نحو قلعةِ آسي، وصاحِبُها جند بال، فلمَّا قارَبَها هَرَب جند بال، وأخذ يمينُ الدَّولة حِصْنَه وما فيه، ثم سارَ إلى قلعة شروة، وصاحِبُها جندرآي، فلَمَّا قارَبَه نَقَلَ مالَه وفُيولَه نحو جبالٍ هناك منيعةٍ يحتمي بها، وعَمِيَ خَبَرُه فلم يُدْرَ أين هو، فنازَلَ يَمينُ الدَّولة حِصنَه فافتَتَحه وغَنِمَ ما فيه، وسار في طلَبِ جندرآي جريدةٌ -الجريدةُ: خَيْلٌ لا رَجَّالةَ فيها- وقد بلَغَه خبَرُه، فلَحِقَ به في آخِرِ شَعبانَ، فقاتَلَه، فقَتَل أكثَرَ جُندِ جندرآي، وأَسَرَ كثيرًا منهم، وغَنِمَ ما معه من مالٍ وفيلٍ، وهَرَب جندرآي في نفرٍ مِن أصحابِه فنجا، ثمَّ عاد إلى غزنة ظافرًا، ولَمَّا عاد من هذه الغزوةِ أمَرَ ببناءِ جامِعِ غزنة، فبُنِيَ بناء لم يُسمَعْ بمِثلِه، ووُسِّعَ فيه، وكان جامِعُها القديمُ صغيرًا، وأنفَقَ ما غَنِمَه في هذه الغزاةِ في بنائِه.
أرادت إيطاليا إقامةَ مملكةٍ لاتينية في ليبيا؛ لإعادتها كما كانت في عهدِ الرومان، ولتأمينِ استيطانِ ثلاثة ملايين إيطالي فيها؛ ومن أجل ذلك: (أقدَمَ الإيطاليون على ارتكابِ آلافِ المجازر الوحشيَّة بدون مُوجِبٍ سوى الانتقامِ مِن المسلمين واستئصالِ شأفتِهم من طرابلس وبرقة، ولَمَّا كانت أراضي الجبل الأخضر من برقة هي أجودَ قطعةٍ مِن برِّ طرابلس، وفيها المياه الجاريةُ، والعيونُ الصافية، والغاباتُ الملتَفَّة، والمروج الخصبة؛ فقد توجَّهت أنظار الإيطاليين إلى استعمارها قبل غيرها، وقاموا بإجلاء القبائِلِ العربية الساكنة في الجبل الأخضر وما جاوره عن أراضيهم، وجمعوا منهم ثمانين ألفَ نسمةٍ رجالًا ونساءً وأطفالًا، وساقوهم إلى صحراء سِرْت في الأراضي الواقعة بين برقة وطرابلس على مسافةِ عشرة أيام من أوطانهم الأصلية، وأنزلوهم في معاطِشَ ومجادِبَ لا يمكِنُ أن يعيش بها بشر، فمات عددٌ كبير منهم جوعًا وعطشًا، وماتت مواشيهم كلُّها مِن فَقدِ الكلأ والماء. وكان أهالي طرابلس وبرقة يزيدون على المليون ونصف المليون قبل الغزو الإيطالي. ولم تمضِ فترةٌ طويلة، حتى انخفض هذا العدد إلى سبعمائة ألفِ نسمة. وبلغ عددُ السكَّان الذين أعدمهم الإيطاليون شنقًا من أهالي طرابلس وبرقة خلال فترة الاحتلال عشرين ألفَ نسمةٍ، وكثيرًا ما شنقوا أناسًا بمجرَّد إرادة قائد، أو مجردِ رغبة ضابط صغير. وقد وقع لهم أنهم شنقوا نساءً بعد أن جرَّدوهن من ثيابِهن وأبقوهن عارياتٍ عِدَّةَ أيام! كما وقع أَّنهم كانوا يسلكون ستين أو سبعين شخصًا في سلسلة واحدة، ويحبسونهم على هذه الصورة مدةً إلى أن يموتوا. وجنَّد الإيطاليون من أهالي الجبل الأخضر برقة كلَّ الرجال من سنِّ البلوغ إلى الخامسة والأربعين لِيُحاربوا بهم إخوانهم. ثم عَمَدوا إلى الأحداث من فوق 4 سنوات حتى 12 سنة، فأخذوهم قهرًا من أحضان آبائهم وأمهاتهم، في يومٍ تشيبُ مِن هوله الأطفالُ، ودفعوهم إلى إيطاليا لأجل تربيتِهم وتنشئتِهم في النصرانية. واغتصبوا النساءَ وقتلوا منهن الكثيراتِ ممَّن دافعْنَ عن شرفِهنَّ حتى النهاية. وكان نحوًا من مِئَتي امرأة من نساء الأشراف، قد فرَرْن إلى الصحراء قبل وصول الجيش الإيطالي إلى الكفرة، فأرسلت القيادةُ الإيطالية قوةً في إثرِهنَّ لمطاردتهن حتى قبضوا عليهنَّ وسَحبوهن إلى الكفرة، حيث خلا بهنَّ ضباط الجيش الإيطالي واغتصبوهن. وقد هتكوا عِرضَ سبعين أسرة شريفة من أشراف الكفرة، الذين كانت الشمس تقريبًا لا ترى وجوه نسائهنَّ من الصونِ والعفاف. ولما احتجَّ بعض الشيوخ على هتك أعراضِ السيدات المذكورات، أمر القائدُ الإيطالي بقَتلِهم. ثم استباح الإيطاليون الزاويةَ السنوسية بالكفرة -المسماة بالتاج- وأراقوا الخمور فيها، وداسوا المصحفَ الشريف بالأقدام. وحملوا الشيخ سعد (شيخ قبيلة الفوائد)، وخمسة عشر رجلًا معه من الشيوخ، وقذفوا بهم من الطائراتِ على مشهد من أهلهم، حتى إذا وصل أحدُهم إلى الأرض وتقطع إربًا، صَفَّق الإيطاليون طرَبًا، ونادوا بالعربِ قائلين: (ليأتِ محمد هذا نبيُّكم البدوي الذي أمركم بالجهاد، وينقذُكم من أيدينا)!
توجَّه الأميرُ حُسام الدين طرنطاي نائبُ السُّلطة على عسكرٍ كثيرٍ لقتالِ الأمير شمسِ الدين سنقر الأشقر بصهيون، وسَبَبُ ذلك أنَّ السُّلطانَ لَمَّا نازَل المرقب وهي بالقربِ من صهيون، لم يحضُرْ إليه سنقر الأشقر، وبعث إليه ابنَه ناصرَ الدين صمغار، فأسَرَّها السلطانُ في نفسِه، ولم يمكِّنْ صمغار من العودِ إلى أبيه وحَمَله معه إلى مصر، واستمَرَّ الحالُ على ذلك حتى هذه السنة، فسار طرنطاي ونازل صهيونَ حتى بعث الأشقر يطلُبُ الأمانَ فأمَّنَه، ونزل سنقر إليه ليسَلِّمَ الحصن، فخرج طرنطاي إلى لقائِه ماشيًا، فنزل سنقر عندما رآه وتعانقا، وسار سنقر إلى مخيم طرنطاي، وقد خلع طرنطاي قباءَه وفَرَشه على الأرض ليمشيَ عليه سنقر، فرفع سنقر القباءَ عن الأرض وقَبَّله ثمَّ لَبِسَه، فأعظم طرنطاي ذلك من فِعلِ سنقر، وشَقَّ عليه وخَجِلَ، وأخذ يعامل سنقر من الخدمة بأتمِّ ما يكون، وتسَلَّمَ طرنطاي حصن صهيون، ورتَّبَ فيه نائبًا وواليًا وأقام به رجالًا، بعد ما أنفق في تلك المدَّة أربعَمائة ألف درهم في العسكر الذي معه، فعتب عليه السلطانُ، ثم سار طرنطاي إلى مصر ومعه سنقر الأشقر حتى قَرُب من القاهرة، فنزل السلطان من قلعة الجبل، وهو وابنُه الملك الصالح علي، وابنُه الملك الأشرف خليل، وأولاد الملك الظاهر، في جميعِ العساكر إلى لقاءِ سنقر الأشقر، وعاد به إلى القلعةِ، وبعث إليه الخِلَع والثيابَ وحوائِصَ الذَّهَب والتُّحَف والخيولَ، وأنعم عليه بإمرةِ مائة فارس وقَدَّمَه على ألف، فلازم سنقر الخِدمةَ مع الأمراءِ إلى سابع عِشْرِي شهر رجب، وخرج السلطان من قلعة الجبل سائرًا إلى الشام، فأقام بتل العجول ظاهِرَ غَزَّة.
غدر الحُسَين بن يحيى بسرقسطة، فنكَثَ مع عبد الرحمن، فسيَّرَ إليه عبد الرحمن غالبَ بنَ ثُمامة بن علقمة في جندٍ كثيف، فاقتتلوا، فأسرَ جماعةً من أصحاب الحسين فيهم ابنُه يحيى، فسيَّرَهم إلى الأمير عبد الرحمن، فقتَلَهم، وأقام غالبُ بن ثمامة على الحسين يحصُرُه، ثمَّ إنَّ الأمير عبد الرحمن سار سنةَ سِتٍّ وستين ومائة إلى سرقسطة بنفسِه، فحاصرها، وضايقَها، ونصب عليها المجانيقَ ستة وثلاثين منجنيقًا، فمَلَكَها عَنوةً، وقتل الحسينَ أقبحَ قِتلةٍ، ونفى أهلَ سرقسطة منها ليمينٍ تقَدَّمَت منه، ثم ردَّهم إليها.