الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 707 ). زمن البحث بالثانية ( 0.009 )

العام الهجري : 581 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1185
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ الحافِظُ، البارعُ المجَوِّد العلَّامة، الفقيهُ المحَدِّث: أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي الأندلسي الإشبيلي، المعروف بابن الخراط. ولد سنة 514 سكن بمدينة بجاية، ونشر بها عِلمَه، وصَنَّف التصانيف وقت الفتنة التي زالت فيها دولةُ المرابطين على يد الموحِّدين، وهو من علماء الأندلس. اشتهرَ بالتأليف في العلم وخاصَّةً في الحديثِ، له كتاب الجَمعُ بين الصحيحين، والجامعُ الكبير وله كتاب غريب القرآن والحديث، وله كتُب في اللغة والأدب مثل الواعي. اشتُهر اسمه، وسارت بـ (أحكامه الصغرى)، و (الوسطى) الركبان, وله (أحكام كبرى) في الحديث، قيل: هي بأسانيده, ووليَ خطابةَ بجاية. قال الذهبي: "ذكره الحافِظُ أبو عبد الله البلنسي الأبار، فقال: كان فقيهًا، حافظًا، عالِمًا بالحديثِ وعِلَلِه، عارفًا بالرِّجالِ، موصوفًا بالخيرِ والصَّلاحِ، والزُّهد والورع، ولزومِ السُّنَّة، والتقلل من الدنيا، مشاركًا في الأدب وقَولِ الشعر، قد صنَّف في الأحكام نسختين كبرى وصغرى. قلتُ: وعمل (الجمع بين الصحيحين) بلا إسنادٍ على ترتيب مسلم، وأتقنه وجَوَّده. قال الأبار: وله مصنَّفٌ كبير جمع فيه بين الكُتُب الستة، وله كتاب (المعتل من الحديث)، وكتاب (الرقاق)، ومصنَّفات أخر. قلت: وله كتاب (العاقبة) في الوعظ والزهد. وقال الأبار: وله في اللغة كتابٌ حافل ضاهى به كتاب (الغريبين) لأبي عبيد الهروي، حدثنا عنه جماعة من شيوخنا". توفي ببجاية، بعد محنة نالته من قِبَل دولة الموحدين، في شهر ربيع الآخر عن 71 عامًا.

العام الهجري : 744 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1343
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامة الناقِدُ في فنون العلوم: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، من تلاميذ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ. كان مولِدُه في رجب سنة 705. توفي ولم يبلغِ الأربعين، وكان قد حَصَّل من العلومِ ما لا يَبلُغُه الشُّيوخُ الكبار، وتفَنَّنَ في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والأصلين، والتاريخ والقراءات، وله مجاميعُ وتعاليقُ مُفيدة كثيرة, وكان حافِظًا جيِّدًا لأسماءِ الرجال وطُرُقِ الحديث، عارفًا بالجَرحِ والتعديل، بصيرًا بعِلَلِ الحديث، حَسَن الفَهمِ له، جَيِّد المذاكرة، صَحيحَ الذِّهنِ مُستقيمًا على طريقةِ السَّلَفِ، واتِّباع الكِتابِ والسنَّة، مثابرًا على فِعلِ الخيرات، ومن مصنَّفاته كتاب العلل، وهو مؤلِّفُ كِتاب العقود الدريَّة في مناقب شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة، وله كتاب قواعد أصول الفقه، وفضائل الشام، والأحكام في الفقه، وغيرها كثير, وكان قد مَرِضَ قريبًا من ثلاثة أشهر بقُرحة وحُمَّى سُل، ثم تفاقم أمرُه وأفرط به إسهالٌ، وتزايد ضَعفُه إلى أن توفِّيَ يوم الأربعاء عاشرَ جمادى الأولى قبل أذانِ العصر، وكان آخِرَ كلامِه أنْ قال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ الله، اللهُمَّ اجعَلْني من التوَّابينَ واجعَلْني من المتطَهِّرينَ، فصُلِّيَ عليه يومَ الخميس بالجامِعِ المظفري وحضر جنازتَه قُضاةُ البلد وأعيانُ الناس من العلماء والأمراء والتجَّار والعامة، وكانت جنازتُه حافلةً، ودُفِن بالروضة.

العام الهجري : 832 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1429
تفاصيل الحدث:

عندما زحف إسكندر بن قرا يوسف قرا محمد بين بيرم خجا متملك توريز على مدينة السلطانية، وقتل متولِّيَها من جهة ملك المشرق شاه رخ بن تيمور كركان في عدة من أعيانها، ونهَب وأفسد، فسار إليه شاه رخ بن تيمور في جموع كبيرة، فخرج إسكندر بن قرا يوسف من توريز، وجمع لحربه، ولقيه وقد نزل خارج توريز، فانتدب لمحاربته الأمير قرا يلك صاحب آمد، وقد لحق بشاه رخ، وأمدَّه بعسكر كبير، وقاتله خارج توريز في يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة، قتالًا شديدًا، قُتِلَ فيه كثير من الفئتين، وانهزم إسكندر، وهم في إثرِه يطلبونه ثلاثة أيام، ففاتهم إدراكُه، وقد نُهِبت جقطاي عامة تلك البلاد، وقتلوا وسبوا وأسَروا وفعلوا ما يشنع ذكره، ثم إن شاه رخ ألزم أهل توريز بمال كبير اجتاح فيه أموالهم، حتى لم يَدَعْ بها ما تمتدُّ إليه العين، ثم جلاهم بأجمعهم إلى سمرقند، فما ترك إلا ضعيفًا عاجزًا لا خير فيه، ورحل بعد مدة يريد بلاده، وقد اشتدَّ الغلاء معه، فأعقب رحيلَه عن توريز جرادٌ عظيم، لم يترك بها ولا بجميع أعماله خضرًا وانتشرت الأكراد بتلك النواحي تعبث وتفسد، ففُقِدَت الأقوات، حتى بِيعَ رطل اللحم بعدة دنانير، وصار فيما بين توريز وبغداد مسافة عشرين يومًا وأزيد خرابًا يبابًا، وأما إسكندر فإنه جال في بلاد الأكراد، وقد وقعت بها الثلوج مدة، ثم صار إلى قلعة سلماس فحصره بها الأكراد، فنجا وتشتَّت في البلاد.

العام الهجري : 981 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1574
تفاصيل الحدث:

هو السلطان أبو محمد عبد الله الغالب بالله، ابن السلطان محمد الشيخ السعدي أمير السعديين في المغرب، ولِدَ بتارودانت سنة 933، وانتقل إلى فاس، فبويع له فيها يومَ ورد النبأ من تارودانت بأنَّ الترك اغتالوا أباه آخر سنة 964, وأتته بيعةُ مراكش في أول سنة 965 واستوثق له الأمر, وبعد أربعة أشهر من ولايته أقبل من تلمسان جيشٌ من الترك بقيادة حسن بن خير الدين بربروسا، فقاتله الغالب باللَّه بالقربِ من فاس وهزمه, وأرسل جيشًا سنة 969 لانتزاع البريجة من أيدي البرتغاليين، لكنه لم يتمكَّن من فتحها, وبنى مارستانًا بمراكش وجامعًا, وعُنِي بترقية الزراعة والصناعة, وكان الغالب بالله قد بذل وعودًا لدعم الثوَّار البورشارات من مسلمي الأندلس، لكنَّه خذلهم. بعد وفاة الغالب بالله قام بعده ابنه أبو عبد الله محمد الثاني المتوكل على الله خلفًا لأبيه، الذي كان يضمِرُ الشر لعميه عبد الملك أبي مروان وأحمد المنصور، فخرجا من المغرب واتَّجها إلى السلطان العثماني يستنجدان به، تابع المتوكِّلُ خطة والده في التقرب من الدول الأوروبية ومسالمتها ضِدَّ العثمانيين؛ حيث لم يعُدْ لديه شكٌّ في أنهم سينجدون عمَّيه بقوات عسكرية، فعقد اتفاقًا مع إنجلترا، التي كانت ترغب في تجارتها مع المغرب للفوائد التي تعود على التجَّار الإنجليز من وراء ذلك، زيادة على أنها تدرِكُ الأهمية العظمى التي للمغرب، خصوصًا وقد كانت إنجلترا في حالة حربٍ ضد إسبانيا, وكان توقيع المتوكِّل للاتفاقية التجارية مع الإنجليز يعدُّ العملَ الوحيد الذي قام به خلال حكمه القصير.

العام الهجري : 1157 العام الميلادي : 1744
تفاصيل الحدث:

بعد أن طلب أميرُ الأحساءِ وزعيمُ بني خالد: سليمان بن محمد بن غرير آل حميد الخالدي من حاكِمِ العُيينة التخلُّصَ مِن الشيخ محمد بن عبد الوهاب, فكتب إلى عثمان يتوعَّدُه ويأمُرُه أن يقتُلَ هذا المطَوَّع الذي عنده في العُيينة, وقال: إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا وكذا، فإما أن تقتُلَه، وإما أن نقطَعَ عنك خراجَك الذي عندنا!! وكان عنده للأمير عثمان خراجٌ من الذهب، فعظم على عثمانَ أمرُ هذا الأمير، وخاف إن عصاه أن يقطَعَ عنه خراجه أو يحارِبَه، فقال للشيخ: إنَّ هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا، وإنه لا يحسن منا أن نقتُلَك، وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربتَه، فإذا رأيتَ أن تخرُجَ عنا فعلْتَ، فقال له الشيخ: إن الذي أدعو إليه هو دينُ الله وتحقيقُ كلمة لا إله إلا الله، وتحقيقُ شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، فمن تمسَّك بهذا الدين ونصره وصَدَق في ذلك نصره الله وأيَّدَه وولَّاه على بلاد أعدائه، فإن صبَرْتَ واستقمْتَ وقَبِلْتَ هذا الخير، فأبشِرْ فسينصرُك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره، وسوف يولِّيك الله بلادَه وعشيرته, فقال: أيُّها الشيخُ، إنَّا لا نستطيعُ محاربته، ولا صبرَ لنا على مخالفتِه، فخرج الشيخ عند ذلك وتحوَّل من العُيينة إلى بلاد الدرعية، جاء إليها ماشيًا- فيما ذكروا- حتى وصل إليها في آخر النهار، وقد خرجَ من العيينة في أوَّلِ النهار ماشيًا على الأقدام لم يَرحَلْه عثمان، فدخل على شخصٍ مِن خيارها في أعلى البلد يقال له محمد بن سويلم العريني، فنزل عليه.

العام الهجري : 1297 العام الميلادي : 1879
تفاصيل الحدث:

كان للخديوي إسماعيل خصومٌ في مصر وفي الأستانة، مع تزايُدِ التدخل الأوربي السافِرِ في شؤون مصر، فكانت القناصِلُ الأوربية يضغطون عليه ليُقيل نفسَه، وفي استانبول كان بعضُ السفراء يحثُّون السلطان على إصدار قرار العزلِ، ومن الأسباب التي اتخذتها الحكوماتُ الأوربية للمطالبة بعزلِه الانقلاب السياسي الذي قام به إسماعيل سنة 1879م (سنة عزله) وأنهى به عهدَ حُكمِ حملة السندات، باستقالة النظارة المصرية الإنجليزية الفرنسية، وتأليف نظارة مصرية صميمة، كما حَقَدت عليه فرنسا لبيعه أسهُمَ قناة السويس لإنكلترا دون أن يبيعَها لفرنسا، وأما بريطانيا فكان هدفُها من عزله هو تمهيدَ الطريق لها للانفرادِ باحتلال مصر عسكريًّا وبسط حماية مقنعة عليها، وباقي الدول كانت تتذرَّع بالديون التي لها عليه، ثم صدر المرسومُ السلطاني بعزل إسماعيل وتولَّى الصدر الأعظم خيرُ الدين التونسي إبلاغَ إسماعيل بالقرار في ضحى يوم 26 حزيران سنة 1879م وأبلغ بذلك أيضًا ولي العهد توفيق بن إسماعيل، وأمَّا القنصلان الفرنسي والبريطاني فطلبا من إسماعيل التنازُلَ قبل أن يَصِلَ الأمر التام من السلطان، وهَدَّده القنصل الفرنسي بالنفيِ دون أن يحمل معه شيئًا، وكان المرشَّح للجلوس مكانه هو حليم باشا عَمَّ إسماعيل، لكنَّ تحت الضغط البريطاني ألغي ترشيحَه، ثمَّ تم تعيين ابنه توفيق مكانه، ثم تحدَّد يوم الاثنين 30 حزيران 1879م موعدًا لمغادرة الخديوي إسماعيل عن مصر، ثم أبحرت به الباخرة المحروسة إلى إيطاليا التي امتنعت من استقبالِه، وظلَّ شهرًا في البحر هو وأهله ثم أُذِنَ لهم بعد ذلك بالنزول إلى البرِّ!

العام الهجري : 488 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1095
تفاصيل الحدث:

هو مَلِكُ الأَندلسِ المُعتَمِدُ على الله أبو القاسمِ محمدُ بنُ المُعتَضِد بالله أبي عَمروٍ عَبَّادِ بنِ الظافرِ المُؤيَّدِ بالله أبي القاسمِ محمدِ قاضي إشبيلية بن أبي الوليدِ إِسماعيلَ بن قُريشِ بن عَبَّاد بنِ عَمرِو بن أَسلمَ بنِ عَمرِو بنِ عَطَّاف بنِ نعيمٍ، اللخميُّ، مِن وَلَدِ النُّعمانِ بن المُنذِر اللخميِّ، آخرِ مُلوكِ الحِيرَةِ؛ كان المُعتَمِدُ صاحِبَ قُرطبةَ وإشبيلية وما والاهُما مِن جَزيرةِ الأندلسِ. كان بِدءُ أَمرِ عائِلَةِ المُعتَمِد في بِلادِ الأندلسِ أن نعيمًا وابنَه عَطَّافًا أَوَّلُ مَن دَخلَ إليها من بِلادِ المَشرقِ، وهُما مِن أَهلِ العريشِ، المَدينَة القَديمَة الفاضِلَة بين الشامِ والدِّيارِ المِصريَّة في أَوَّلِ الرَّملِ من جِهَةِ الشامِ، وأقامَا بها مُستَوطِنين بقَريَةٍ بقُربِ يَومينِ مِن إقليم طشانة من أَرضِ إشبيلية. نَشأَ المُعتَمِدُ بنُ عبَّادٍ في الأَندلسِ كغَيرِه مِن أَبناءِ المُلوكِ على المُيولِ والدِّعَةِ والتَّرَفِ، كان مَوصوفًا بالكَرمِ والأَدَبِ والحِلمِ، حَسَنَ السِّيرَةِ والعِشرَةِ والإحسانِ إلى الرَّعيَّةِ، والرِّفقِ بهم. تُوفِّي والدُه المُعتَضِد سَنةَ 464هـ فخَلَفَهُ في الحُكمِ، فكان فارِسًا شُجاعًا، عالِمًا أَديبًا، ذَكِيًّا شاعِرًا، مُحسِنًا جَوادًا مُمْدَحًا، كَبيرَ الشَّأنِ، خَيرًا مِن أَبيهِ. كان أَندَى المُلوكِ راحَةً، وأَرحَبَهُم ساحَةً، كان بابُه مَحَطَّ الرِّحالِ، وكَعبَةَ الآمالِ, ومَألَفَ الفُضلاءِ، حتى إنه لم يَجتمِع ببابِ أَحدٍ مِن مُلوكِ عَصرِه مِن أَعيانِ الشُّعراءِ وأَفاضِلِ الأُدباءِ ما كان يَجتَمِع ببابِه. قال أبو بكر محمدُ بن اللَّبَّانة الشاعِرُ: "مَلَكَ المُعتَمِدُ مِن مُسَوَّراتِ البِلادِ مائتي مُسَوَّر، ووُلِدَ له مائةٌ وثلاثةٌ وسبعون وَلَدًا، وكان لِمَطبَخِه في اليوم ثَمانيةُ قَناطيرَ لَحمٍ، وكُتَّابُه ثَمانية عشر".  ولمَّا قَوِيَ أَمرُ الأذفونش بعدَ أَخذِه طُليطلة، اجتَمعَ العُلماءُ، واتَّفَقوا مع ابنِ عَبَّادٍ على أن يُكاتِبوا الأَميرَ ابنَ تاشفين صاحِبَ مراكش لِيُنجِدَهُم، فقال جَماعةٌ لابنِ عبَّادٍ: نَخافُ عليك من استِمدادِه. فقال: رَعْيُ الجِمالِ خَيرٌ مِن رَعْيِ الخَنازيرِ. فلمَّا عَبَرَ ابنُ تاشفين بجُيوشِه إلى الجَزيرَةِ، اجتَمعَ به المُعتَمِد، وأَقبَلَت المُطَّوِّعَةُ من النَّواحي، وقاتَلَ المُعتَمِدُ بن عبَّادٍ في الزَّلَّاقَةِ وثَبَتَ في ذلك اليوم ثَباتًا عَظيمًا، وأَصابَهُ عِدَّةُ جِراحاتٍ في وَجهِه وبَدَنِه، وشُهِدَ له بالشَّجاعَةِ، وغَنِمَ المسلمون دَوابَّ الفِرنجَةِ وسِلاحَهم، ورَجَعَ ابنُ تاشفين إلى بِلادِه والمُعتَمِد إلى بِلادِه. ثم إن الأَميرَ يوسفَ عادَ إلى الأندلسِ بعدَ أن وَصلَتهُ فَتاوَى العُلماءِ بخَلعِ مُلوكِ الطَّوائفِ قال ابنُ خلدون: "وأَفتاهُ الفُقهاءُ وأَهلُ الشُّورَى من المَغربِ والأَندلسِ بِخَلْعِهِم وانتِزاعِ الأَمرِ مِن أَيدِيهم، وصارَت إليه بذلك فَتاوَى أَهلِ الشَّرقِ الأَعلامِ مثل: الغزاليِّ والطَّرطوشيِّ". فلمَّا أَجازَ ابنُ تاشفين انقَبَضوا عنه إلَّا ابنَ عَبَّادٍ فإنه بادَرَ إلى لِقائِه. استَعانَ بالأذفونش مَلِكُ اشتاله وطَلَبَ منه المَدَدَ، فقَدَّمَ ابنُ تاشفين سيرَ بنَ أبي بكر الأندلسي، فوَصَلَ إلى إشبيلية وبها المُعتَمِدُ فحاصَرَهُ أَشَدَّ مُحاصَرةٍ، وظَهرَ مِن مُصابَرةِ المُعتَمدِ وَشِدَّةِ بَأسِه وتَرامِيه على المَوتِ بنَفسِه ما لم يُسمَع بمِثلِه، والناسُ بالبلدِ قد استَولَى عليهم الفَزَعُ وخامَرَهُم الجَزَعُ, فلمَّا كان يومُ الأَحدِ العشرين من رجب سَنةَ 484هـ هَجَمَ عَسكرُ الأَميرِ ابنِ تاشفين البَلدَ وشَنُّوا فيه بالغاراتِ، وقُبِضَ على المُعتَمِد وأَهلِه، وكان قد قُتِلَ له وَلدانِ قبلَ ذلك، أَحدُهما: المأمون، نائِبُه في قُرطبة والثاني الرَّاضي، كان نائِبًا عن أَبيهِ في رندة، وهي مِن الحُصونِ المَنيعَةِ, ولمَّا أُخِذَ المُعتَمِد قَيَّدوهُ من ساعَتِه، وأُودِعَ سِجْناً في أغمات بالعَدوَةِ وتَشَرَّدَ أَهلُه وافتَقَروا في بلادِ المَغربِ, ودَخَلَ عليه يَومًا بَناتُه السِّجنَ، وكان يَومَ عِيدٍ، وكُنَّ يَغزِلنَ للناسِ بالأُجرَةِ في أغمات، فرآهُنَّ في أَطمارٍ رَثَّةٍ وحالَةٍ سَيِّئَةٍ، فصَدَّعنَ قَلبَه وأَنشدَ:
"فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
فساءك العيد في أغمات مأسور
نرى بناتك في الأطمار جائعةً
يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعةً
أبصارهن حسيراتٍ مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافيةٌ
كأنها لم تطأ مسكًا وكافورا"
زالت دَولةُ المُعتَمِد بن عبَّادٍ على يَدِ شَريكِه في النَّصرِ بعدَ أن دَخلَ قُرطبة، ومات غَريبًا في مَنفاهُ بـأغمات بالمغربِ, وقد حَزِنَ الناسُ عليه، وقال في مُصابِه الشُّعراءُ فأَكثَروا, ويُعتَبر مِن أَشهرِ مُلوكِ دَولةِ الطَّوائفِ التي قامَت في الأَندلسِ في القَرنِ الخامسِ الهِجريِّ، بعدَ انهِيارِ دَولةِ الخِلافةِ الأُمويَّة.

العام الهجري : 887 العام الميلادي : 1482
تفاصيل الحدث:

بدأ ملك الأمير أبي الحسن علي بن سعد ملك غرناطة في التقهقر والانتكاس والانتقاض. من وقت السيل العظيم سنة 883 الذي أصاب غرناطة؛ وذلك أن الأمير اشتغل باللذات والانهماك في الشهوات واللهو بالنساء المطربات، وركن إلى الراحة والغفلات، وضيع الجند وأسقط كثيرًا من نجدة الفرسان وثقَّل المغارم وكثَّر الضرائب في البلدان ومكَّس الأسواق ونهب الأموال وشحَّ بالعطاء، إلى غير ذلك من الأمور التي لا يثبت معها المُلك, وكان للأمير أبي الحسن وزير يوافقُه على ذلك ويُظهِرُ للناس الصلاحَ والعفاف وهو بعكس ذلك، وانصرف عن تقوية عساكره، فأهمل كل من فيه نجدة وشجاعة من الفرسان ويقطع عنهم المعروف والإحسان حتى باع الجند ثيابهم وخيلهم وآلات حربهم وأكلوا أثمانها، وقَتَل كثيرًا من أهل الرأي والتدبير والرؤساء والشجعان من أهل مدن الأندلس وحصونها، ولم يزل الأمير مستمرًّا على حاله والجيش في نقص والملك في ضعف إلى أن انقضى الصلح الذي كان بينه وبين النصارى في محرم سنة 887 فلم يشعر بهم أحد حتى دخلوا مدينة الحامة؛ وذلك أنهم طرقوها ليلًا على حين غفلة من أهلها فدخلوا قصبَتَها وكانت خالية، فلم يكن بها إلا عيال قائدها فملكوا القصبة والناس نيام مطمئنون، فلم يشعر أحد إلا والنصارى قد هبطوا من القصبة على البلد بالسيف والقتل والسبي الشديد حتى قتل من نفد أجَلُه وفَرَّ من قَدَر على الفرار واستولى النصارى على البلد وجميع ما كان فيه من الرجال والنساء والصبيان والأموال، وكان ذلك في التاسع عشر محرم، فلما بلغ أهل غرناطة ما فعل النصارى بإخوانهم المسلمين هاجت الرعية وقالوا: لا صبر لنا على هذه المصيبة العظمى ولا خير لنا في عيش بعد هذه النكبة الكبرى، إما أن نفك إخواننا أو نموت دونهم، فاجتمعوا مع الأمير أبي الحسن ووزيره فجعل الأمير والوزير يعجِّزانهم عن المسير ويتربصان بهم ويقولان لهم اصبروا حتى نأخذ أُهبَتَنا ونعمل على حال الحرب، فلم تزل بهم العامة حتى أخرجوهما فتقدم صدر الجيش فوجدوا النصارى قد أخرجوا من البلد ما سَبَوا من الرجال والنساء والصبيان والأموال، وقد أوقروا الدواب بذلك وهم عازمون على المسير إلى بلادهم، فلما رأوا خيل المسلمين قد أقبلت عليهم حطوا الأحمال ودخلوا البلد وتحصَّنوا بالأسوار ثم أقبل المسلمون بحملتهم واقتربوا منهم فقاتلوهم قتالًا شديدًا بجِدٍّ وعزم وقلوب محترقة وحزم، حتى دخلوا بعض أبواب المدينة وكسروه وحرقوه وتعلقوا بأسوار البلد وطمعوا في الدخول إليه، فبينما هم كذلك إذ وصل لهم أمر من الأمير أبي الحسن والوزير يأمرانهم فيه بالرجوع عن القتال، فأبى الناس عن الرجوع فقالا لهم: إذا كان غدًا ندخل عليهم أول النهار؛ لأن الليل قد أقبل ودخل علينا فترك الناس القتال ورجعوا إلى محلاتهم، أما النصارى فباتوا يصلحون شأنهم ويمنعون أسوارهم ويغلقون نقابهم، فلما أصبح الصباح ونظر المسلمون إلى البلد فإذا هو على صفة أخرى من المنعة والتحصين والاستعداد، فصَعُب عند ذلك على المسلمين الدخول إليه بل والدنو منه، ومع ذلك عزم المسلمون على حصار البلد والإقامة عليه فأقبلت وفود المسلمين من كل أرض من بلاد الأندلس، واجتمع في ذلك المحل محلة عظيمة وفتحوا الأسواق للبيع والشراء وجلبوا لأسواقهم كل ما يحتاجون إليه من الأطعمة والعلف والزاد وغير ذلك، وحاصروا العدو حصارًا شديدًا ومنعوا عليه الماء والحطب والداخل والخارج، والعامة في ذلك بحزم وعزم وجِدٍّ واجتهاد ونية صادقة وقلوب محترقة، والوزير يعد الناس بالدخول والقتال وعدًا بعد وعد، ويقول عن قريب نأخذهم عطشًا وها نحن نُعمل الحيلة في الدخول عليهم، وكان التقصير والتفريط والغش يبدو منه شيئًا بعد شيء حتى تبين لعامة الناس وخاصتهم ولاح لهم كالشمس، وظنوا بالملك والوزير ظنونَ السوء وكثر الكلام القبيحُ بينهم، فعند ذلك هاج شيطان الفتنة بينهم وتحدث الناس بعضهم مع بعض في مسائل غشِّهما للمسلمين، فبينما الناس كذلك في إساءة ظنهم بأميرهم وبوزيرهم إذا بهما قد استعملا حيلةً وكتبا كتبًا مزورة كأنها أتتهما من بعض من نصحهم من ناحية المسلمين المجاهدين المجاورين لبلاد الكفرة يعلمونَهم بها أن الطاغية ملك النصارى جمع جمعًا عظيمًا وحشد حشودًا كثيرة وعزم على نصرة النصارى المحصورين في بلد الحامة وهو قادم عن قريب، ولا طاقة لكم بملاقاته فحين أعلمهم الوزير بما ذُكر وخوفهم بذلك سُقِط في أيدي الناس فأمرهم حينئذ بالرحيل والإقلاع عن دار الحرب فرحل الناس كرهًا باكين متأسفين بحسرة وفجعة يا لها من حسرة!! وانصرف الناس كل واحد إلى وطنه.

العام الهجري : 411 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1021
تفاصيل الحدث:

هو صاحِبُ مِصرَ الحاكِمُ بأمر الله، أبو عليٍّ منصورُ بنُ العزيز نزار بن المعِزِّ معد بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي، العُبَيديُّ الإسماعيليُّ الزِّنديقُ المُدَّعي الرُّبوبيَّة. مولِدُه سنةَ 375. أقاموه في المُلكِ بعد أبيه، وله إحدى عشرةَ سنةً. حكى هو عن نَفسِه قال: "ضَمَّني أبي وقَبَّلَني وهو عُريان، وقال: امْضِ فالعَبْ، فأنا في عافيةٍ. قال: ثمَّ توفِّيَ، فأتاني برجوان، وأنا على جميزةٍ في الدار. فقال: انزِلْ وَيحَك، اللهَ اللهَ فينا، فنَزَلْت، فوضَعَ العِمامةَ بالجوهَرِ على رأسي، وقبَّلَ الأرضَ، ثمَّ قال: السَّلامُ عليك يا أميرَ المُؤمنينَ، وخرج بي إلى النَّاسِ، فقَبَّلوا الأرضَ، وسَلَّموا عليَّ بالخِلافةِ". قال الذهبيُّ: "كان شَيطانًا مَريدًا جَبَّارًا عنيدًا، كثيرَ التلَوُّن، سَفَّاكًا للدِّماء، خبيثَ النِّحلةِ، عظيمَ المَكرِ، جَوادًا مُمَدَّحًا، له شأنٌ عجيبٌ، ونبأٌ غريبٌ، كان فرعونَ زَمانِه، يختَرِعُ كُلَّ وَقتٍ أحكامًا يُلزِمُ الرَّعيَّةَ بها، أمَرَ بسَبِّ الصَّحابةِ رَضِيَ الله عنهم، وبكتابةِ ذلك على أبوابِ المساجِدِ والشوارعِ، وأمَرَ عُمَّالَه بالسَّبِّ، وفي سنة 395 أمَرَ بقَتلِ الكِلابِ. وأبطَلَ بَيعَ الفَقعِ والمُلوخيَّة، وحَرَّم بيعَ السَّمَك بغيرِ قِشرٍ، ووقَعَ بباعةٍ لِشَيءٍ مِن ذلك فقَتَلَهم. وفي سنة 402 حَرَّمَ بيعَ الرُّطَب، وجمَعَ منه شيئًا عظيمًا فأحرَقَه، ومنَعَ مِن بَيعِ العِنَب، وأباد الكُرومَ. وأمر النَّصارى بتعليقِ صَليبٍ في رِقابِهم زِنَتُه رطلٌ وربعٌ بالدمشقيِّ، وألزم اليهودَ أن يُعَلِّقوا في أعناقِهم قرميَّةً في زنة الصَّليبِ إشارةً إلى رأسِ العِجلِ الذي عبدوه، وأن تكونَ عِمائِمُهم سُودًا، وأن يدخُلوا الحَمَّام بالصَّليبِ وبالقرمية، ثم أفرَدَ لهم حَمَّاماتٍ. وأمَرَ في العامِ بهَدمِ كَنيسةِ قمامة، وبهدمِ كَنائِسِ مِصرَ، فأسلَمَ عِدَّةٌ، ثمَّ إنه نهى عن تقبيلِ الأرضِ، وعن الدُّعاءِ له في الخُطَب وفي الكُتُب، وجعَلَ بدَلَه السَّلامُ عليه، ثمَّ إنَّ ابنَ باديس أميرَ المغربِ بَعَث ينقِمُ عليه أمورًا، فأراد أن يَستَميلَه، فأظهَرَ التفَقُّهَ، وحمَلَ في كُمِّه الدَّفاتر، ولَزِمَ التفَقُّهَ وأمَرَ الفُقَهاءَ بِبَثِّ مَذهَبِ مالكٍ، واتَّخَذ له مالكيَّينِ يُفَقِّهانِه، ثمَّ تغَيَّرَ فقَتَلَهما صبرًا", وفي سنة 404 نفى المنَجِّمينَ مِن بلاده. ومنَعَ النِّساءَ مِن الخروجِ مِن البيوتِ، وأبطَلَ عَمَل الِخفافِ لهنَّ جُملةً، وما زِلنَ ممنوعاتٍ مِن الخروجِ سَبعَ سِنينَ وسَبعةَ أشهر. ثم بعد مُدَّةٍ أمَرَ بإنشاءِ ما هُدِمَ من الكنائِسِ، وأذِنَ للنَّصارى الذين أكرَهَهم في العَودِ إلى الكُفرِ، وخبَرُ هلاكِه أنه فُقِدَ في ليلةِ الاثنينِ لثلاثٍ بَقِينَ مِن شَوَّال، ولم يُعرَفْ له خبَرٌ، وكان سبَبُ فَقدِه أنَّه خرج يطوفُ ليلةً على رَسمِه، وأصبح عند قَبرِ الفقاعي، وتوجَّهَ إلى شرقي حُلوان ومعه ركابيَّان، فأعاد أحدَهما مع جماعةٍ مِن العرب إلى بيتِ المال، وأمر لهم بجائزةٍ، ثمَّ عاد الركابيُّ الآخر، وذكَرَ أنَّه خَلَّفَه عند العَينِ والمقصبة، وبقيَ النَّاسُ على رسمِهم يَخرُجونَ كُلَّ يومٍ يلتَمِسونَ رُجوعَه إلى آخر شوال، فلما كان ثالثُ ذي القعدة خرج مُظَفَّر الصقلبي وغَيرُه من خواصِّ الحاكِمِ، ومعهم القاضي، فبَلَغوا عسفان، ودخلوا في الجَبَلِ، فبَصُروا بالحِمارِ الذي كان عليه راكبًا، وقد ضُرِبَت يداه بسَيفٍ فأثَّرَ فيهما، وعليه سَرجُه ولِجامُه، فاتَّبَعوا الأثَرَ، فانتهوا به إلى البِركةِ التي شَرقيَّ حلوان، فرأوا ثيابَه، وهي سبعُ قِطَع صُوف، وهي مُزَرَّرة بحالِها لم تُحَلَّ، وفيها أثَرُ السَّكاكين، فعادوا ولم يَشُكُّوا في قَتلِه، وكان عُمُرُه 37 سنة، وولايته 25 سنة, وقيل: إنَّ سَبَبَ قَتلِه هو أنَّه كان كثيرَ الشَّتمِ والسَّبِّ لأختِه سِتِّ الملك، واتَّهَمَها بالفاحشة، فعَمِلَت على قتلِه، بحيث كانت تَعرِفُ يومَ خُروجِه إلى الجَبَلِ لينظُرَ في النجومِ، فتمالأت مع الوزيرِ وأرسلوا عبدينِ أسودَينِ، فلما كان من اللَّيلِ وسار إلى الجبَلِ وَحدَه، قتَلَه العبدانِ وأحضراه إلى أختِه التي دفنته في دارِه، وقَرَّرَت توليةَ وَلَدِه، وكان حينها بدمشقَ، فأخبَرَت النَّاسَ أنَّ الحاكِمَ سيَغيبُ سَبعةَ أيَّامٍ, وهذا لِيَسكُنَ النَّاسُ ويَحضُرَ ابنُه من دمشق، فلما حضَرَ جَهَّزَتْه وأخرَجَتْه للنَّاسِ، على أنَّه الحاكِمُ الجديدُ، وابنُه هو أبو الحسن علي، ولُقِّبَ الظاهِرَ لإعزاز دين الله، وأُخِذَت له البيعةُ.

العام الهجري : 517 العام الميلادي : 1123
تفاصيل الحدث:

كان الأميرُ علي بن يحيى صاحب إفريقية لما استوحش من رجار صاحب صقلية، جدَّد الأسطول الذي له، فكثَّر عَدده وعُدده، وكاتب أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بمراكش بالاجتماع معه على قصد جزيرة صقلية، فلما علم رجار ذلك كفَّ عن بعض ما كان يفعله، فاتفق أن عليًّا مات سنة 515، وولي ابنه الحسن، فلما دخلت سنة 516 سيَّرَ أمير المسلمين أسطولًا، ففتح نقوطرة بساحل بلاد قلورية، فلم يشكَّ رجار أن عليًّا كان سبب ذلك، فجدَّ في تعمير الشواني والمراكب، وحشد فأكثر، ومُنِع من السفر إلى إفريقية وغيرها من بلاد الغرب، فاجتمع له من ذلك ما لم يُعهَد مثله، قيل: كان ثلاثمائة قطعة، فلما انقطعت الطريق عن إفريقية توقَّع الأمير الحسن بن علي خروج العدو إلى المهدية، فأمر باتخاذ العُدد، وتجديد الأسوار، وجَمْع المقاتِلة، فأتاه من أهل البلاد ومن العرب جمع كثير، فلما كان جمادى الآخرة سنة 517 سار الأسطول الفرنجي في ثلاثمائة قطعة، فيها ألف فارس وفرس واحد، إلا أنهم لما ساروا من مرسى علي فرَّقتهم الريح، وغرق منهم مراكب كثيرة، ونازل من سَلِمَ منهم جزيرة قوصرة ففتحوها، وقتلوا من بها، وسَبَوا وغنموا، وساروا عنها، فوصلوا إلى إفريقية، ونازلوا الحصن المعروف بالديماس أواخر جمادى الآخرة، فقاتلهم طائفة من العرب كانوا هناك، والديماس حِصن منيع في وسطه حصن آخر، وهو مُشرِف على البحر، وسيَّر الحسن من عنده من الجموع إلى الفرنج، وأقام هو بالمهدية في جمع آخر يحفظها، وأخذ الفرنج حصن الديماس، وجنود المسلمين محيطة بهم، فلما كان بعد ليال اشتدَّ القتال على الحصن الداخل، فلما كان الليل صاح المسلمون صيحة عظيمة ارتجَّت لها الأرض، وكبَّروا، فوقع الرعبُ في قلوب الفرنج، فلم يشكُّوا أن المسلمين يهجمون عليهم، فبادروا إلى شوانيهم، وقتلوا بأيديهم كثيرًا من خيولهم، وغنم المسلمون منها أربعمائة فرس، ولم يسلم معهم غير فرس واحد، وغنم المسلمون جميع ما تخلَّف عن الفرنج، وقتلوا كلَّ من عجز عن الطلوعِ إلى المراكِبِ، فلما صعد الفرنج إلى مراكِبِهم أقاموا بها ثمانية أيام لا يقدِرون على النزول إلى الأرض، فلما أيسوا من خلاص أصحابهم الذين في الديماس ساروا والمسلمون يكبِّرون عليهم ويَصيحون بهم، وأقامت عساكِرُ المسلمين على حصن الديماس في أُمم لا يُحصَون كثرةً، فحَصَروه، فلم يُمكِنْهم فتحُه لحصانته وقوته، فلما عدم الماء على من به من الفرنج، وضجروا من مواصلة القتال ليلًا ونهارًا، فتحوا باب الحصن وخرجوا، فقُتِلوا عن آخِرِهم، وذلك يوم الأربعاء منتصف جمادى الآخرة من السنة، وكانت مدة إقامتهم في الحصن ستة عشر يومًا، ولما رجع الفرنج مقهورين أرسل الأمير الحسن البشري إلى سائر البلاد.

العام الهجري : 674 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1276
تفاصيل الحدث:

حضر ابنُ أخت ملك النوبة واسمه مشكد متظلمًا من داود ملك النوبة، فجَرَّد السلطانُ الظاهر بيبرس معه الأميرَ آقسنقر الفارقاني، ومعه من العسكَرِ وأجناد الولاة والعربان، والزرَّاقون والرُّماة والحراريقُ والزردخاناه-خزانة السلاح- فخرج مشكد في مستهل شعبان حتى تجاوز أسوان، وقاتل خالَه الملك داود ومن معه من السودان، فقاتلوه على النجب، وهَزَمَهم وأسر منهم كثيرًا، وبعث الأميرُ آقسنقر الأميرَ عزَّ الدين الأفرم، فأغار على قلعة الدقم، وقَتَل وسبى، ثم توجه الأمير سنقر في أثَرِه يقتل ويأسر حتى وصل إلى جزيرة ميكاليل وهي رأس جنادل النوبة، فقتل وأسر، وأقَرَّ الأميرُ آقسنقر قمر الدولة صاحب الجبل وبيده نصفُ بلاد النوبة على ما بيده، ثم واقَعَ الملك داود حتى أفنى معظَمَ رجاله قتلًا وأسرًا، وفر داود بنفسه في البحر وأُسِرَ أخوه شنكو، فساق العسكر خَلفَه ثلاثة أيام، والسيفُ يعمل فيمن هناك حتى دخلوا كلُّهم في الطاعة، وأُسِرَت أم الملك داود وأخته، وأقيم مشكد في المملكة، وأُلبِسَ التاج وأُجلِسَ في مكان داود، وقُرِّرَت عليه القطعة في كل سنة، وهي ثلاثة فيلة، وثلاث زرافات، وخمس فهود إناث، ومائة صهب جياد، ومائة من الأبقار الجياد منتخبة, وقرر أن تكون البلادُ مشاطرة، نصفُها للسلطان ونصفُها لعمارة البلاد وحفظِها، وأن تكون بلادُ العلى وبلاد الجبل للسلطان، وهي قدر ربع بلاد النوبة لقُربِها من أسوان، وأن يحمِلَ القُطن والتمر مع الحقوق الجاري بها العادةُ من القديم، وعرض عليهم الإسلامَ أو الجزية أو القَتلَ، فاختاروا الجزيةَ، وأن يقومَ كُلٌّ منهم بدينار عينًا في كلِّ سنةٍ، وعُمِلَت نسخة يمين بهذه الشروط، وحلف عليها مشكد وأكابِرُ النوبة، وعملت أيضًا نسخةٌ للرغبة بأنهم يطيعون نائِبَ السلطان ما دام طائعًا له، ويقومون بدينارٍ عن كلِّ بالغٍ، وخُرِّبَت كنيسة سرس، التي كان يزعم داود أنَّها تحدِّثُه بما يريده، وأخَذَ ما فيها من الصُّلبان الذَّهَب وغيرها، فجاءت مبلغ أربعة آلاف وستمائة وأربعين دينارًا ونصف، وبلغت الأواني الفِضَّة ثمانية آلاف وستمائة وستين دينارًا، وكان داودُ قد عَمَرَها على أكتاف المسلمين الذين أسَرَهم من عيذاب وأسوان، وقرر على أقارب داود حمل ما خلفه من رقيقٍ وقماشٍ إلى السلطان، وأُطلِقَت الأسرى الذين كانوا بالنوبة من أهل عيذاب وأسوان، ورُدُّوا إلى أوطانهم، ومن العسكرِ مِن الرقيق شيئًا كثيرًا، حتى بِيعَ كُلُّ رأس بثلاثة دراهم، وفضَل بعد القتل والبيع عشرة آلاف نفس، وأقام العسكر، بمدينة دنقلة سبعة عشر يومًا، وعادوا إلى القاهرة في خامس ذي الحجة بالأسرى والغنائم، فرسَمَ السلطان للصاحب بهاء الدين بن حنا أن يستخدم عمالًا على ما يستخرج من النوبة من الخَراجِ والجزية بدنقلة وأعمالا، فعمل لذلك ديوان.

العام الهجري : 214 العام الميلادي : 829
تفاصيل الحدث:

لَمَّا فرغ محمَّدُ بن حميد الطوسي مِن أمْرِ المتغَلِّبينَ على طريقِه إلى بابك الخُرمي سار نحوه وقد جمع العساكر، والآلاتِ والميرة، فاجتمع معه عالمٌ كثير من المتطوِّعةِ مِن سائر الأمصار، فسلك المضايقَ إلى بابك، وكان كلَّما جاوز مضيقًا أو عقبةً ترك عليه من يحفَظُه من أصحابِه إلى أن نزل بهشتادسر (جبل في إيران)، وحفَر خندقًا وشاور في دخولِ بلد بابك، فأشاروا عليه بدخولِه مِن وجهٍ ذكروه له، فقَبِلَ رأيهم، وعبَّأ أصحابه، فكان بابك يُشرِفُ عليهم من الجبل، وقد كمَنَ لهم الرجالُ تحت كلِّ صخرةٍ، فلما تقدَّمَ أصحابُ محمد، وصَعِدوا في الجبل خرج عليهم الكُمَناء وانحدر بابك إليهم فيمن معه، وانهزم الناسُ، وصبَرَ محمَّد بن حميد مكانَه، وفرَّ من كان معه غيرَ رجلٍ واحد، وسارا يطلبانِ الخلاص، فرأى جماعةً وقِتالًا فقَصَدهم، فرأى الخرميَّة يقاتلونَ طائفةً مِن أصحابه، فحين رآه الخرميَّة قصدوه؛ لِما رأَوا من حسن هيئتِه، فقاتَلَهم، وقاتلوه، وضربوا فَرَسه بزراق، فسقط إلى الأرضِ، وأكبُّوا على محمد بن حميد فقتلوه.

العام الهجري : 323 العام الميلادي : 934
تفاصيل الحدث:

وَلِيَ مِصرَ ثانيًا مِن قِبَل الخليفة الراضي بالله مُحمَّد بن طغج بن جف الفرغاني على الصَّلاةِ والخراج بعد عزلِ الأمير أحمد بن كيغلغ عنها، بعد أمور وقعت. دخل محمَّدُ بنُ طغج مصر أميرًا عليها بعد أن سلَّمَ الأميرُ أحمد بن كيغلغ في يوم الخميس لسِتٍّ بقِينَ مِن شهرِ رمضان وأقَرَّ على شرطته سعيدَ بنَ عثمانَ ثمَّ ورد عليه بالدِّيار المصرية أبو الفتح الفضلُ بنُ جعفر بن محمد بالخِلَع من الخليفةِ الراضي بالله بولايتِه على مصر فلَبِسَها وقَبَّلَ الأرض, ورسَمَ الخليفةُ الراضي بالله بأن يزادَ في ألقاب الأمير محمَّد هذا الإخشيدُ، في شهر رمضان سنة 327 فلُقِّبَ بالإخشيد، والإخشيد بلسانِ الفرغانة: مَلِك الملوك, كما أن أصبَهَبذ: لقبُ ملوك طبرستان, وصول: لقبُ ملوك جرجان, وخاقان: لقبُ ملوك التُّرك, والأفشين: لقبُ ملوك أشروسنة, وسامان: لقب ملوك سمرقند, وقيصر: لقب ملوك الروم, وكسرى: لقب ملوك العَجَم, والنجاشي والحطي: لقب ملوك الحبشة, وفرعون قديمًا: لقبُ ملوك مصر, وحديثًا السُّلطان.

العام الهجري : 464 العام الميلادي : 1071
تفاصيل الحدث:

سَيَّرَ السُّلطانُ ألب أرسلان وَزيرَهُ نِظامَ المُلْكِ في عَسكرٍ إلى بِلادِ فارِس، وكان بها حِصْنٌ من أَمنَعِ الحُصونِ والمَعاقِلِ، وفيه صاحبُه فضلون الكُرديُّ، وهو لا يُعطِي الطَّاعةَ، فنازَلَهُ وحَصرَهُ، ودَعاهُ إلى طَاعةِ السُّلطانِ فامتَنَع، فقاتَلَهُ فلم يَبلُغ بقِتالِه غَرَضًا لِعُلُوِّ الحِصنِ وارتِفاعِه، فلم يَطُل مَقامُهم عليه حتى نادَى أَهلُ القَلعةِ بَطَلَبِ الأَمانِ لِيُسَلِّموا الحِصنَ إليه، فعَجبَ الناسُ من ذلك، وكان السببُ فيه أنَّ جَميعَ الآبارِ التي بالقَلعةِ غارَت مِياهُها في لَيلةٍ واحدةٍ فقادَتهُم ضُرورةُ العَطَشِ إلى التَّسليمِ، فلمَّا طَلَبوا الأَمانَ أَمَّنَهُم نِظامُ المُلْكِ، وتَسلَّمَ الحِصنَ، والْتَجَأَ فضلون إلى قُلَّةِ القَلعَةِ، وهي أَعلَى مَوضِعٍ فيها، وفيه بِناءٌ مُرتفِعٌ، فاحتَمَى فيها، فسَيَّرَ نِظامُ المُلْكِ طائِفةً من العَسكرِ إلى المَوضِعِ الذي فيه أَهلُ فضلون وأَقارِبُه لِيَحمِلوهُم إليه ويَنهَبوا مالَهم، فسَمِعَ فضلون الخَبَرَ، ففارَقَ مَوضِعَه مُستَخفِيًا فيمَن عنده من الجُنْدِ، وسار لِيمنَع عن أَهلِه، فاستَقبَلَتهُ طلائِعُ نِظامِ المُلْكِ، فخافَهُم فتَفَرَّقَ مَن معه، واختَفَى في نَباتِ الأَرضِ، فوَقعَ فيه بَعضُ العَسكرِ، فأَخذَه أَسيرًا، وحَملَه إلى نِظامِ المُلْكِ، فأَخَذَهُ وسارَ به إلى السُّلطانِ فأَمَّنَهُ وأَطلَقَهُ.

العام الهجري : 1213 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1798
تفاصيل الحدث:

فتح الجنودُ الفرنسيون في مصرَ بعضَ البيوت المغلَقة لأمراء المماليك واستولوا على ما فيها، ثم تركوها لطائفةِ الجعيدية يستأصلونَ ما فيها، وقد توافد الفرنسيون بعدها على القاهرةِ وسَكَنوا بيوتها. فتجمَّع أهل مصر (القاهرة) وجمعوا السلاحَ والفرسان وتجمَّعوا في الأزهر وعملوا المتاريسَ ثم وصلت طائفةٌ من الفرنسيين من ناحية المناخلية، فاستطاعوا إجلاءَها من المقاتلين المصريين، فخاف الناس وأرجفوا حتى بلغ إلى نهبِ بيوت النصارى من الشاميين والروم، وأمَّا الفرنسيون فأحضروا آلاتِ الحرب على تلالِ الرقية والقلعة، وبقي الرميُ متتابعًا بين الجهتين، ثم ضرب الفرنسيون بالمدافع وتقَصَّدوا الجامع الأزهر بالضرب، وتهدَّمت كثيرٌ من البيوت، ولَمَّا تفاقم الأمر ذهب بعض المشايخ إلى كبير الفرنسيين، فعاتبهم على التأخير ولكنه رفع الرميَ عنهم، ثم دخل الفرنسيون المدينةَ كالسيل المنهَمِر ولا ممانِعَ لهم، ودخلوا الجامع الأزهر وهم راكبون على الخيولِ وبينهم المشاة، وربطوا خيولهم بقبلتِه وكسروا القناديل والخزَّانات وداسوا المصاحِفَ بأقدامِهم، ورموا بالكتب على الأرض وداسوها كذلك، وزادوا الأمرَ بأن تغوَّطوا وبالوا وشَرِبوا الخمر فيه، ونهبوا الديارَ بحجَّة التفتيش!!